وبـابني بـديل فـارسي كل بهمة وغيث خزاعي به ندفع المحلا (1) فـهذا عـبيد الله والـمرء حوشب وذو كـلع أمـسوا بساحتهم iiقتلى |
ثم إن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال : هذا يوم تمحيص ، إن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم ، اصبروا يومكم هذا وخلاكم ذم ، وحضض علي أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة التميمي فقال : يا أمير المؤمنين إنك جعلتني على شرطة الخميس ، وقدمتني في الثقة دون الناس ، وإنك اليوم لا تفقد لي صبرا ولا نصرا ، وأما أهل الشام فقد هدهم ما أصبنا منهم ، ونحن ففينا بعض البقية ، فاطلب بنا أمرك وأذن لي في التقدم ، فقال له علي : ( تقدم باسم الله ) ، وأقبل الأحنف بن قيس السعدي فقال : يا أهل العراق ، والله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم ، قد كشف القوم عنكم قناع الحياء وما يقاتلون على دين ، وما يصبرون إلا حياء
(3) ، فتقدموا ، فقالوا : إنا إن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير المؤمنين ؟ قال : ( تقدموا في موضع التقدم ، وتأخروا في موضع التأخر ، تقدموا من قبل أن يتقدموا إليكم ) ، وحمل أهل العراق وتلقاهم أهل الشام فاجتلدوا ، وحمل عمرو بن العاص معلما وهو يقول :
شـدوا على شكتى لا iiتنكشف بـعد طـليح والزبير iiفأتلف يوم لهمدان ويوم للصدف (4) وفـي تميم نخوة لا iiتنحرف |
---------------------------
(1) يقال فلان فارس بهمة ، كما يقال ليث غابة ، والبهمة ، بالضم : الجيش .
(2) في الأصل : ( نفينا ) .
(3) لعلها : ( إلا حبا في الدنيا ) .
(4) الصدف ، بكسر الدال : لقب عمرو بن مالك بن أشرس بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ، انظر نهاية الأرب ( 2 : 304 ثم 303 ) ، والنسبة إليه ( صدفي ) بالتحريك .
واقعة صفين _ 401 _
أضربها بالسيف حتى iiتنصرف إذا مشيت مشية العود iiالصلف ومـثلها لـحمير ، أو iiتنحرف والربعيون لهم يوم عصف (1) |
فاعترضه علي وهو يقول :
قـد عـلمت ذات القرون iiالميل والخصر والأنامل الطفول (2) إني بنصل السيف خنشليل (3) أحـمى وأرمـى أول iiالـرعيل |
بصـــارم ليس بـــذي فلــول ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله ، فبدت عورته ، فصرف علي وجهه عنه وارتث ، فقال القوم : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين ، قال : وهل تدرون من هو ؟ قالوا : لا قال : فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه ، ورجع عمرو إلى معاوية فقال له : ما صنعت يا عمرو ؟ قال : لقيني علي فصرعني ، قال : احمد الله وعورتك ، أما والله أن لو عرفته ما أقحمت عليه ، وقال معاوية في ذلك :
ألا لـله مـن هـفوات iiعمرو يـعاتبني عـلى تركي iiبرازي فـقد لاقـى أبـا حـسن iiعليا فـآب الـوائلي مـآب خازي فـلو لـم يـبد عورته iiللاقى بـه لـيثا يـذلل كـل iiنازي لــه كـف كـأن iiبـراحتيها منايا القوم يخطف خطف بازي |
---------------------------
(1) المقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
(2) الطفول : جمع طفل ، بالفتح ، وهو الرخص الناعم ، قال ابن هرمة :
(3) في البيت إقواء ، وأنشد في اللسان بدون نسبة :
واقعة صفين _ 402 _
متى ما يغفل الواشون تومئ بـأطراف مـنعمة iiطـفول قـد علمت جارية iiعطبول أني بنصل السيف iiخنشليل |
والخشليل : الجيد الضرب بالسيف ، ومثله الخنشل ، فإن تكن المنايـــا أخطأتــه ، فقــد غنى بها أهــل الحجـاز فغضب عمرو وقال : ما أشد تغبيطك عليا في أمري هذا
(1) ، هل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه ، أفترى السماء قاطرة لذلك دما ؟ ! قال : ولكنها معقبة لك خزيا
(2) ، قال : وتقدم جندب بن زهير برايته وراية قومه وهو يقول : والله لا أنتهى حتى أخضبها ! فخضبها مرارا إذ اعترضه رجل من أهل الشام فطعنه ، فمشى إلى صاحبه في الرمح حتى ضربه بالسيف فقتله ، ثم إن معاوية دعا أخاه عتبة بن أبي سفيان فقال : الق الأشعث بن قيس ، فإنه إن رضي رضيت العامة ، وكان عتبة لا يطاق لسانه
(3) ، فخرج عتبة فنادى الأشعث بن قيس ، فقال الناس : يا أبا محمد ، هذا الرجل يدعوك ، فقال الأشعث : كما يكون الرجل فسلوه من هو ، فقال : أنا عتبة بن أبي سفيان ، فقال الأشعث بن قيس : غلام مترف ولا بد من لقائه ، ( فخرج إليه ) فقال : ما عندك يا عتبة ؟ فقال : أيها الرجل ، إن معاوية لو كان لاقيا رجلا غير علي للقيك ، إنك رأس أهل العراق ، وسيد أهل اليمن ، وقد سلف من عثمان إليك ما سلف من الصهر والعمل ، ولست كأصحابك ، أما الأشتر فقتل عثمان ، وأما عدي فحرض عليه ، وأما سعيد فقلد عليا ديته
(4) .
---------------------------
(1) التغبيط ، هو كما ورد في الحديث ( أنه جاء وهم يصلون في جماعة فجعل يغبطهم ) ، قال ابن الأثير : ( هكذا روى بالتشديد ، أي يحملهم على الغبط ويجعل هذا الفعل عندهم مما يغبط عليه ) ، وفي الأصل : ( تعظيمك عليا في كسرى هذا ) وأثبت ما في ح .
(2) في الأصل : ( تعقبك جبنا ) وأثبت ما في ح .
(3) ح : ( وكان عتبة فصيحا ) .
(4) في الأصل : ( دينه ) والوجه ما أثبت من ح .
واقعة صفين _ 403 _
وأما شريح وزحر ابن قيس فلا يعرفان غير الهوى ، وإنك حاميت عن أهل العراق تكرما ، ثم حاربت أهل الشام حمية ، وقد بلغنا والله منك وبلغت منا ما أردت ، وإنا لا ندعوك إلى ترك علي ونصر معاوية ، ولكنا ندعوك إلى البقية
(1) التي فيها صلاحك وصلاحنا ، فتكلم الأشعث فقال : يا عتبة ، أما قولك إن معاوية لا يلقى إلا عليا فإن لقيني والله لما عظم عني ولا صغرت عنه ، فإن أحب أن أجمع بينه وبين علي فعلت ، وأما قولك إني رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن فإن الرأس المتبع والسيد المطاع هو علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأما ما سلف من عثمان إلى فوالله ما زادني صهره شرفا ، ولا عمله عزا ، وأما عيبك أصحابي فإن هذا لا يقربك مني ولا يباعدني عنهم ، وأما محاماتي عن أهل العراق فمن نزل بيتا حماه ، وأما البقية فلستم بأحوج إليها منا ، وسنرى رأينا فيها إن شاء الله ،
فلما بلغ معاوية كلام الأشعث قال : ( يا عتبة ، لا تلقه بعدها ، فإن الرجل عظيم عند نفسه ، وإن كان قد جنح للسلم ) ، وشاع في أهل العراق ما قاله عتبة للأشعث وما رده الأشعث عليه : وقال النجاشي يمدحه :
يا ابن قيس وحارث ويزيد أنت والله رأس أهل العراق |
أنت والله حيــة تنفث الســـم قليل فيهــا غنـــاء الراقـــي ، قالوا البقية والخطى يأخذهم .
نـت كـالشمس والرجال نجوم لا يـرى ضـوؤها مع الإشراق قد حميت العراقي بالأسل iiالسمر وبـالبيض كـالبروق ، iiالرقاق وأجـبناك إذ دعـوت إلى iiالشام على القب كالسحوق العتاق (2) |
---------------------------
(1) البقية : الإبقاء ، والعرب تقول للعدو إذا غلب : ( البقية ) أي أبقوا علينا ولا تستأصلونا ، قال الأعشى :
(2) القب : الخيل الضامرة ، والسحوق ، بالفتح : النخلة الطويلة .
واقعة صفين _ 404 _
وسعرت القتال في الشام iiبالبيض المواضي وبالرماح الدقاق (1) لا نـرى غـير أذرع iiوأكـف ورؤوس بـهامها ، أفلاق (2) كـلما قلت قد تصرمت iiالهيجاء سـقـيتهم بـكأس دهـاق (3) قد قضيت الذي عليك من iiالحق وسارت به القلاص المناقي (4) وبـقي حـقك العظيم على iiسالنا وحـق الـمليك صعب iiالمراقي أنـت حـلو لـمن تقرب iiبالود ولـلـشانئين مــر iiالـمـذاق لابــس تــاج جـده iiوأبـيه لـو وقاه ردى المنية واق (5) بئس ما ظنه ابن هند ومن iiمثلك لـلناس عـند ضـيق iiالـخناق |
قال : وإن معاوية لما يئس من جهة الأشعث قال لعمرو بن العاص : إن رأس الناس بعد علي هو عبد الله بن عباس ، فلو ألقيت إليك كتابا لعلك ترققه به
(6) ؛ فإنه إن قال شيئا لم يخرج علي منه ، وقد أكلتنا الحرب ولا أرانا نصل ( إلى ) العراق إلا بهلاك أهل الشام ، قال له عمرو : إن ابن عباس لا يخدع ، ولو طمعت فيه لطمعت في علي ، فقال معاوية : على ذلك ، فاكتب إليه ، فكتب إليه عمرو : أما بعد فإن الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر
(7) .
---------------------------
(1) في الأصل : وقد أشير في هامش الأصل إلى هذه الرواية التي أثبتها من ح .
(2) أفلاق : جمع فلق ، بالكسر ، وهو المفلوق .
(3) كذا في ح وهامش الأصل عن نسخة ، وفي الأصل :
(4) المناقي : جمع منقية ، كمحسنة ، وهي الناقة ذات الشحم .
(5) في الأصل : ( لدى المنية ) .
(6) في الأصل : ( ترفقه به ) وأثبت وجهه من ح ( 2 : 288 ) .
(7) في الأصل ، ( ليس بأمر ) وأثبت ما في ح .
واقعة صفين _ 405 _
وأدرنا كأس المنية في iiالفتنة بـالضرب والـطعان iiالدقاق كلما قلت قد تصرمت الحرب سـقانا ردى الـمنية سـاق |
قاده البلاء ، وساقته العافية
(1) ، وأنت رأس هذا الجمع
(2) بعد علي ، فانظر فيما بقي ودع ما مضى ، فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولكم حياة
(3) ولا صبرا ، واعلموا أن الشام لا تملك إلا بهلاك العراق ، وأن العراق لا تملك إلا بهلاك الشام ، وما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم ، وما خيركم بعد هلاك أعدادكم منا ، ولسنا نقول ليت الحرب غارت
(4) ، ولكنا نقول ليتها لم تكن ، وإن فينا من يكره القتال كما أن فيكم من يكرهه ، وإنما هو أمير مطاع أو مأمور مطيع ، أو مؤتمن مشاور ، وهو أنت ، وأما الأشتر الغليظ الطبع ، القاسي ( القلب ) ، فليس بأهل أن يدعى في الشورى ولا في خواص أهل النجوى ، وكتب في أسفل الكتاب : طال البلاء ومــا يرجـى لــه آس بعد الإله سوى رفق ابـن عبــاس قولا له قول مـن يرضـى بحظوته
(5) لا تنس حظك إن الخاســر الناسي يا ابن الذي زمزم سقيا الحجيج لــه
أعظم بذلك مــن فخر على الناس كل لصــاحبـــه قرن يســاوره أسد العرين أســود بين أخياس
(6) .
---------------------------
(1) هذه الجملة ليست في ح .
(2) في الأصل : ( أهل الجمع ) وأثبت ما في ح .
(3) في الأصل : ( حياء ) .
(4) في الأصل وح : ( عادت ) .
(5) ح : ( قول من يرجو مودته ) .
(6) يساوره : يواثبه ، وفي الأصل : ( يشاوره ) تحريف ، والبيت لم يرو في ح ، والأخياس : جمع خيس ، بالكسر ، وهو الشجر الكثير الملتف .
واقعة صفين _ 406 _
لو قيس بينهم في العـــرب لا عتدلوا العجز بالعجز ثــــم الراس بالـراس
انظر فدى لك نفسي قبـل قاصمـــة للظهر ليــس لهـــا راق ولا آسى إن العراق وأهل الشـــام لن يجـدوا
طعم الحياة مـــع المستغلق القاســي بسر وأصحاب بســـر والذين هــم داء العراق رجـــال أهــل وسواس
قوم عراة مــن الخيــرات كلهــم فما يساوي بــه أصحـابــه كاسي إني أرى الخير في سلــم الشآم لكـم والله يعلم ، مـــا بالسلم مــن باس فيها التقى وأمــور ليـس يجهلــها إلا الجهول ومــا النوكى كأكيــاس ، قال : فلما فرغ من شعره عرضه على معاوية فقال معاوية : ( لا أرى كتابك على رقة شعرك ) ، فلما قرأ ابن عباس الكتاب أتى به عليا فأقرأه شعره فضحك وقال : ( قاتل الله ابن العاص ، ما أغراه بك يا ابن العباس ، أجبه وليرد عليه شعره الفضل بن العباس ، فإنه شاعر ) ، فكتب ابن عباس إلى عمرو :
( أما بعد فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياء منك ، إنه مال بك معاوية إلى الهوى ، وبعته دينك بالثمن اليسير ، ثم خبطت بالناس في عشوة طمعا في الملك
(1) ، فلما لم تر شيئا أعظمت الدنيا إعظام أهل الذنوب
(2) ، وأظهرت فيها نزاهة أهل الورع
(3) ، فإن كنت ترضى الله بذلك فدع مصر وارجع إلى بيتك وهذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي ، ابتدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر ، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف ، وليس أهل العراق فيها كأهل الشام ، بايع أهل العراق عليا وهو خير منهم ، وبايع معاوية أهل الشام وهم خير منه ، ولست أنا وأنت فيها بسواء ، أردت الله وأردت أنت مصر ، وقد عرفت الشيء الذي باعدك مني ، ولا أرى
(4) الشيء الذي قربك من معاوية ، فإن ترد شرا لا نسبقك به ، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه ، ( والسلام ) ، ثم دعا ( أخاه ) الفضل بن العباس فقال له : يا ابن أم ، أجب عمرا ، فقال الفضل :
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس فاذهب فليس لداء الجهل من iiآسى إلا تـواتر طـعن فـي نـحوركم يشجي النفوس ويشفي نخوة الراس هـذا الدواء الذي يشفي iiجماعتكم حـتى تـطيعوا عليا وابن iiعباس أمــا عـلـي فـإن الله iiفـضله بفضل ذي شرف عال على الناس إن تـعقلوا الحرب نعقلها iiمخيسة أو تـبعثوها فـإنا غـير iiأنـكاس قـد كـان منا ومنكم في iiعجاجتها مـا لا يـرد وكل عرضة iiالباس قـتلى الـعراق بقتلى الشام iiذاهبة هـذا بـهذا ومـا بالحق من iiباس |
---------------------------
(1) ح ( 1 : 288 ) : ( في الدنيا ) .
(2) بدل هذه العبارة في ح : ( فاعظمتها إعظام أهل الذنيا ) .
(3) النزاهة : التباعد عن السوء كالتنزه ، وفي الأصل : ( النزهة ) ، وفي ح : ( ثم تزعم أنك تتنزه عنها تنزه أهل الورع ) .
(4) ح : ( ولا أعرف ) .
واقعة صفين _ 407 _
لا بـارك الله في مصر لقد جلبت شـرا وحظك منها حسوة iiالكاس يـا عمرو إنك عار من iiمغارمها والراقصات ومن يوم الجزا كاسي |
ثم عرض الشعر والكتاب على علي فقال : ( لا أراه يجيبك بشيء بعدها إن كان يعقل ، ولعله يعود فتعود عليه ) ، فلما انتهى الكتاب إلى عمرو أتى به معاوية فقال : ( أنت دعوتني إلى هذا ، ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب ) ، فقال : ( إن قلب ابن عباس وقلب علي قلب واحد ، كلاهما ولد عبد المطلب ، وإن كان قد خشن فلقد لأن ، وإن كان قد تعظم أو عظم صاحبه فلقد قارب وجنح إلى السلم ) ، وإن معاوية كان يكاتب ابن عباس وكان يجيبه بقول لين ، وذلك قبل أن يعظم الحرب ، فلما قتل أهل الشام قال معاوية : ( إن ابن عباس رجل من قريش ، وأنا كاتب إليه في عداوة بني هاشم لنا ، وأخوفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنا ) ، فكتب إليه : ( أما بعد فإنكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان بن عفان ، حتى إنكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما دمه ، استعظامهما ما نيل منه ، فإن يكن ذلك لسلطان بني أمية فقد وليها عدي وتيم ، ( فلم تنافسوهم ) وأظهرتم لهم الطاعة ، وقد وقع من الأمر ما قد ترى ، وأكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتى استوينا فيها ، فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم ، وما آيسكم منا آيسنا منكم ، وقد رجونا غير الذي كان ، وخشينا دون ما وقع ، ولستم بملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ، ولا غدا بأحد من حد اليوم ، وقد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق ، وأبقوا على قريش ؛ فإنما بقى من رجالها ستة ، رجلان بالشام ، ورجلان بالعراق ، ورجلان بالحجاز .
واقعة صفين _ 408 _
فأما اللذان بالشام فأنا وعمرو ، وأما اللذان بالعراق فأنت وعلي ، وأما اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر ، واثنان من الستة ناصبان لك ، واثنان واقفان ( فيك ) ، وأنت رأس هذا الجمع اليوم ، ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع منا إلى علي في كلام كثير كتب إليه ، فلما انتهى الكتاب إلى ابن عباس أسخطه ثم قال : حتى متى يخطب ( ابن هند ) إلى عقلي ، وحتى متى أجمجم على ما في نفسي ؟ ! فكتب إليه : ( أما بعد فقد أتاني كتابك وقرأته ) ، فأما ما ذكرت من سرعتنا ( إليك ) بالمساءة في أنصار ابن عفان ، وكراهيتنا لسلطان بني أمية ، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره ، حتى صرت إلى ما صرت إليه ، وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد بن عقبة
(1) . وأما طلحة والزبير ( فإنهما أجلبا عليه ، وضيقا خناقه ، ثم خرجا ) ينقضان البيعة ويطلبان الملك
(2) ، فقاتلناهما على النكث وقاتلناك على البغي ، وأما قولك إنه لم يبق من قريش غير ستة ، فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها ، ( و ) قد قاتلك من خيارها من قاتلك ، لم يخذلنا إلا من خذلك ، وأما إغراؤك إيانا بعدي وتيم فأبو بكر وعمر خير من عثمان ، كما أن عثمان خير منك : وقد بقي لك منا يوم ينسيك
(3) ما قبله ويخاف ما بعده
(4) ، وأما قولك إنه لو بايع الناس لي لاستقامت لي
(5) ، فقد بايع الناس عليا وهو خير مني فلم يستقيموا له ، وإنما الخلافة لمن كانت له في المشورة ، وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق ، ( والخلافة للمهاجرين الأولين ، وليس الطلقاء منها في شيء ، والسلام ) .
---------------------------
(1) هو أخوه لأمه كما سبق في حواشي 247 .
(2) في الأصل : ( فنقضا البيعة وطلبا الملك ) وأثبت ما في ح .
(3) ح ( 2 : 289 ) : ( ما ينسيك ) .
(4) ح : ( وتخاف ما بعده ) .
(5) بدلها في ح : ( لاستقاموا ) .
واقعة صفين _ 409 _
فلما انتهى الكتاب إلى معاوية قال : هذا عملي بنفسي ، لا والله لا أكتب إليه كتابا سنة ( كاملة ) ، وقال معاوية في ذلك :
دعوت ابن عباس إلى حد iiخطة وكـان امرأ أهدي إليه iiرسائلي فـأخلف ظني والحوادث iiجمة ولـم يك فيما قال مني iiبواصل ومـا كان فيما جاء ما iiيستحقه وما زاد أن أغلى عليه iiمراجلي فـقل لابـن عباس تراك مفرقا بـقولك مـن حولي وأنك iiآكلي وقـل لابن عباس تراك iiمخوفا بـجهلك حلمي إنني غير iiغافل فأبرق وأرعد ما استطعت فإنني إلـيك بما يشجيك سبط iiالأنامل |
فلما قرأ ابن عباس الشعر قال : ( لن أشتمك بعدها ) ، وقال الفضل بن عباس :
ألا يـا ابـن هند إنني غير iiغافل وإنـك مـا تـسعى له غير iiنائل لأن الذي اجتبت إلى الحرب iiنابها عليك وألقت بركها بالكلا كل (1) فـأصبح أهل الشام ضربين iiخيرة وفـقعة قـاع أو شحيمة آكل (2) وأيـقنت أنـا أهـل حـق iiوإنما دعـوت لأمـر كـان أبطل iiباطل دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة ولـيس لـها حـتى تـدين iiبقابل فـلا سلم حتى تشجر الخليل بالقنا وتـضرب هامات الرجال iiالأماثل وآلـيت : لا أهـدي إلـيه iiرسالة إلى أن يحول الحول من رأس قابل أردت بـه قـطع الـجواب وإنما رمـاك فـلم يخطئ بنات iiالمقاتل وقـلت لـه لـو بـايعوك iiتبعتهم فـهذا عـلي خـير حاف iiوناعل وصـي رسـول الله من دون iiأهله وفـارسه إن قـيل هل من منازل |
---------------------------
(1) كذا ورد صدر هذا البيت ، والمقطوعة لم تزد في مظنها من ح .
(2) انظر ص 367 .
واقعة صفين _ 410 _
فـدونكه إن كـنت تـبغي مهاجرا أشم كنصل السيف عير حلاحل (1) |
فعرض شعره على علي فقال : ( أنت أشعر قريش ) ، فضرب بها الناس إلى معاوية ، وذكروا أنه اجتمع عند معاوية تلك الليلة عتبة بن أبي سفيان والوليد ابن عقبة ، ومروان بن الحكم ، وعبد الله بن عامر ، وابن طلحة الطلحات ، فقال عتبة : إن أمرنا وأمر علي لعجب ، ليس منا إلا موتور محاج ، أما أنا فقتل جدي ، واشترك في دم عمومتي يوم بدر ، وأما أنت يا وليد فقتل أباك يوم الجمل ، وأيتم إخوتك ، وأما أنت يا مروان فكما قال الأول
(2) :
وأفـلـتهن عـلباء iiجـريضا ولو أدركنه صفر الوطاب (3) |
قال معاوية : هذا الإقرار فأين الغير
(4) ؟ قال مروان : أي غير تريد ؟ قال : أريد أن يشجر بالرماح ، فقال : والله إنك لهازل ، ولقد ثقلنا عليك ، فقال الوليد بن عقبة في ذلك :
يقول لنا معاوية بن iiحرب أمـا فيكم لواتركم طلوب يشد على أبي حسن iiعلي بـأسمر لا تهجنه iiالكعوب فـيهتك مجمع اللبات iiمنه ونـقع القوم مطرد iiيثوب فقلت له أتلعب يا ابن iiهند كأنك وسطنا رجل iiغريب أتـأمرنا بـحية بطن iiواد إذا نهشت فليس لها طبيب |
---------------------------
(1) عير القوم : سيدهم ، والحلاحل ، بفتح أوله : جمع الحلاحل بضمه ، وهو السيد في عشيرته ، الشجاع ، الركين في مجلسه ، وفي الأصل : ( بنعل السيف غير حلاحل ) تحريف .
(2) هو امرؤ القيس ، من أبيات له في ديوانه ص 160 .
(3) علباء هذا هو قاتل والد امرئ القيس ، وهو علباء بن حارث الكاهلي ، والجريض : الذي يأخذ بريقه ، صفر وطابه : قتل .
(4) الغير : جمع غيور ، والغيرة : الحمية والأنفة .
واقعة صفين _ 411 _
ومـا ضـبع يدب ببطن iiواد أتـيح لـه بـه أسـد مهيب بـأضعف حـيلة منا إذا iiما لـقـيناه وذا مـنا iiعـجيب دعـا لـلقاه في الهيجاء iiلاق فـأخطأ نفسه الأجل القريب سـوى عمرو وقته iiخصيتاه نـجا ولـقلبه مـنها وجيب كـأن الـقوم لـما عـاينوه خـلال النقع ليس لهم iiقلوب لـعمر أبي معاوية بن iiحرب وما ظني بملقحة العيوب (1) لـقد نـاداه في الهيجا iiعلي فـأسمعه ولـكن لا iiيـجيب |
فغضب عمرو وقال : إن كان الوليد صادقا فليلق عليا ، أو ليقف حيث يسمع صوته ،
وقال عمرو :
يـذكرني الـوليد دعا علي وبـطن المرء يملؤه iiالوعيد مـتى يذكر مشاهده iiقريش يطر من خوفه القلب iiالشديد فـأما فـي اللقاء فأين iiمنه مـعاوية بـن حرب والوليد وعـيرني الـوليد لقاء iiليث إذا ما زار هابته الأسود (2) لـقيت ولـست أجهله عليا وقـد بلت من العلق iiالكبود فـأطعنه ويـطعنني iiخلاسا ومـاذا بـعد طـعنته iiأريد فـرمها منه يابن أبي معيط وأنت الفارس البطل iiالنجيد فـإقسم لو سمعت ندا iiعلي لـطار القلب وانتفخ iiالوريد ولـو لاقـيته شقت iiجيوب عـليك ولطمت فيك iiالخدود |
---------------------------
(1) كذا ورد هذا العجز .
(2) زار : زأر وصاح .
واقعة صفين _ 412 _
آخر الجزء السادس ويتلوه في السابع : ( ثم إنهم التقوا بصفين واقتتلوا أشد القتال حتى كادوا أن يتفانوا ) : والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تسليما يا إله العالمين آمين رب العالمين ، وجدت في الجزء العاشر من نسخة عبد الوهاب بخطه : ( سمع جميعه من الشيخ أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار ، الأجل السيد الأوحد الإمام قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني وابناه القاضيان أبو عبد الله محمد
(1) وأبو الحسين أحمد ، وأبو عبد الله محمد بن القاضي أبي الفتح بن البيضاوي ، والشريف أبو الفضل محمد بن علي بن أبي يعلى الحسيني ، وأبو منصور محمد بن محمد بن قرمي ، بقراءة
(2) عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، وذلك في شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة .
الجزء السابع
رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت
رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي رواية الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له .
---------------------------
(1) ليست في الأصل ، وإكمالها مما سلف في نظائرها .
(2) موضعها بياض في الأصل ، وتكملتها مما مضى في أشباهها .
واقعة صفين _ 413 _
بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي قال : أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قال : أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي قال : أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة قال : أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز قال : أبو الفضل نصر بن مزاحم : ثم إنهم التقوا بصفين ، واقتتلوا أشد القتال حتى كادوا أن يتفانوا ، ثم إن عمرو بن العاص مر بالحارث بن نصر الجشمي وكان عدوا لعمرو ، وكان عمرو قلما يجلس مجلسا إلا ذكر فيه الحرب
(1) ، فقال الحارث في ذلك :
ليس عمرو بتارك ذكره iiالحرب مـدى الـدهر أو يـلاقي iiعليا واضع السيف فوق منكبه iiالأيمن لا يـحـسب الـفوارس iiشـيا لـيت عمرا يلقاه في حمس iiالنقع وقد صارت السيوف عصيا (2) حـيث يدعو البراز حامية القوم إذا كــان بـالـبراز iiمـلـيا |
---------------------------
(1) في الأصل : ( الحرث ) أي الحارث ، والشعر يقتضي ما أثبت .
(2) في الأصل : ( ليس عمرو ) والوجه ما أثبت ، والمقطوعة لم ترو في مظنها من ح ، وحمس النقع : شدته ، والنقع : الغبار ، صارت عصيا ، جعل المقاتلة يضربون بها ضرب العصي ويأخذونها أخذها .
واقعة صفين _ 414 _
فوق شهب مثل السحوق من النخل يـنادي الـمبارزين : إلـيا (1) ثـم يـا عمرو تستريح من iiالفخر وتـلـتقي بــه فـتى iiهـاشميا |
فالقــه إن أردت مكرمـة الدهــر أو المــوت كـل ذاك عليــا
فلما سمع عمرو شعره قال : والله لو علمت أني أموت ألف موتة لبارزت عليا في أول ما ألقاه ، فلما بارزه طعنه علي فصرعه ، واتقاه عمرو بعورته ، فانصرف علي عنه ، وقال علي حين بدت له عورة عمرو فصرف وجهه عنه :
ضربي ثبي الأبطال في المشاعب (2) ضـرب الـغلام الـبطل الـملاعب أيـن الـضراب فـي العجاج iiالثائب حـيـن احـمرار الـحدق iiالـثواقب بـالسيف فـي تـهتهة الـكتائب (3) والـصـبر فـيه الـحمد iiلـلعواقب |
ثم إن معاوية عقد لرجال من مضر ، منهم بسر بن أرطاة ، وعبيد الله بن عمر ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، ومحمد وعتبة أبنا أبي سفيان ، قصد بذلك إكرامهم ورفع منازلهم ، وذلك في الوقعات الأولى من صفين ، فغم ذلك رجالا من أهل اليمن ، وأرادوا ألا يتأمر عليهم أحد إلا منهم ، فقام رجل من كندة يقال له عبد الله بن الحارث السكوني ، فقال : يا معاوية ، إني قلت شيئا فاسمعه ، وضعه مني على النصيحة ، فقال : هات ، قال :
---------------------------
(1) السحوق من النخل : الطويلة ، شبه بها الخيل .
(2) الثبة : الجماعة ، والعصبة من الفرسان ، وثبي ، هي ثبين جمع ثبة ، مع الجمع الملحق بالسالم ، كعزين وعضين ، وحذفت النون للاضافة : وفي الأصل : ( ضرب ثبا ) ، والوجه ما أثبت .
(3) التهتهة : مصدر قولهم تهته في الشيء ـ بالبناء للمفعول : أي ردد فيه ، وقد تكون : ( نهنهة ) بنونين ، وهو الكف والزجر .
واقعة صفين _ 415 _
مـعاوي أحـييت فـينا iiالإحـن وأحـدثت فـي الشام ما لم iiيكن عـقـدت لـبـسر iiوأصـحابه ومـا الـناس حـولك إلا iiاليمن فــلا تـخـلطن بـنا iiغـيرنا كما شيب بالماء محض اللبن (1) وإلا فـدعـنا عـلـى iiمـالـنا وإنــا وإنــا إذا لــم نـهن سـتعلم إن جـاش بحر iiالعراق وأبــدى نـواجذه فـي iiالـفتن ونـادى عـلي وأصـحابه (2) ونـفـسك إذ ذاك عـند iiالـذقن بـأنـا شـعـارك دون iiالـدثار وأنــا الـرماح وأنـا iiالـجنن وأنـا الـسيوف وأنـا iiالحتوف وأنــا الـدروع وأنـا الـمجن |
فكبا له معاوية ، ونظر إلى وجوه أهل اليمن فقال : أعن رضاكم قال هذا ما قال : فقال القوم : لا مرحبا بما قال : الأمر إليك فاصنع ما أحببت
(3) ، قال معاوية : إنما خلطت بكم ثقاتي وثقاتكم
(4) ، ومن كان لي فهو لكم ومن كان لكم فهو لي ، فرضى القوم وسكتوا ، فلما بلغ أهل الكوفة مقالة عبد الله بن الحارث لمعاوية فيمن عقد له من رءوس أهل الشام قام ( الأعور ) الشنى إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا لا نقول لك كما قال أصحاب أهل الشام لمعاوية ، ولكنا نقول : زاد الله في هداك وسرورك
(5) ، نظرت بنور الله فقدمت رجالا ، وأخرت رجالا ، فعليك أن تقول وعلينا أن نفعل ، أنت الإمام ، فإن هلكت فهذان من بعدك ـ يعني حسنا وحسينا ـ وقد قلت شيئا فاسمعه ، قال : هات ، فقال :
---------------------------
(1) ح ( 2 : 290 ) : ( صفو اللبن ) .
(2) ح : ( وشد علي بأصحابه ) .
(3) في الأصل : ( بما أحببت ) وأثبت ما في ح .
(4) في الأصل : ( أهل ثقاتي وثقاتكم ) وكلمة : ( أهل ) مقحمة ، وفي ح : ( أهل ثقتي ) فقط .
(5) ح : ( في سرورك وهداك ) .
واقعة صفين _ 416 _
أبـا حـسن أنت شمس iiالنهار وهـذان فـي الحادثات القمر وأنـت وهـذان حتى iiالممات بـمنزلة الـسمع بـعد البصر وأنـتم أنـاس لـكم iiسـورة يقصر عنها أكف البشر (1) يـخبرنا الـناس عن iiفضلكم وفضلكم اليوم فوق الخبر (2) عـقـدت لـقوم ذوي iiنـجدة مـن أهل الحياء وأهل iiالخطر مـساميح بـالموت عند iiاللقاء مـنا وإخـواننا مـن iiمـضر ومـن حـي ذي يـمن iiجـلة يـقيمون في الحادثات iiالصعر فـكـل يـسرك فـي iiقـومه ومـن قـال لا فـبفيه iiالحجر ونـحن الـفوارس يوم iiالزبير وطـلحة إذ قـيل أودى iiغدر ضـربناهم قبل نصف iiالنهار إلـى الليل حتى قضينا iiالوطر ولم يأخذ الضرب إلا iiالرؤوس ولـم يـأخذ الطعن إلا iiالثغر فـنحن أولـئك فـي iiأمـسنا ونـحن كذلك فيما غبر (3) |
فلم يبق أحد من الناس به طرق
(4) أوله ميسرة إلا أهدي للشنى أو أتحفه ، قال ( نصر : وحدثنا عمر بن سعد قال ) : ولما تعاظمت الأمور على معاوية ( قبل قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ) دعا عمرو بن العاص ، وبسر بن أرطاة وعبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فقال لهم : إنه قد غمني رجال من أصحاب علي ، منهم سعيد بن قيس في همدان والأشتر في قومه ، والمرقال وعدي بن حاتم وقيس بن سعد في الأنصار ، وقد وقتكم يمانيتكم بأنفسها ( أياما كثيرة ) حتى لقد استحييت لكم ، وأنتم عدتهم من قريش : وقد أردت أن يعلم الناس أنكم أهل غناء ، وقد عبأت لكل رجل منهم رجلا منكم ، فاجعلوا ذلك إلى .
---------------------------
(1) السورة ، بالضم : المنزلة الرفيعة .
(2) في الأصل : ( يخبر بالناس ) صوابه في ح ( 2 : 290 ) .
(3) غبر : بقي ، والغابر من الأضداد ، يقال للماضي وللباقي ، في الأصل : ( فيمن غبر ) وأثبت ما في ح .
(4) الطرق ، بكسر الطاء : القوة والقدرة ، وفي الأصل : ( ظرف ) تحريف .
واقعة صفين _ 417 _
فقالوا : ذلك إليك . قال : فأنا أكفيكم سعيد بن قيس وقومه غدا ، وأنت يا عمرو لأعور بني زهرة المرقال ، وأنت يا بسر لقيس بن سعد ، وأنت يا عبيد الله للأشتر النخعي ، وأنت يا عبد الرحمن بن خالد لأعور طيء ـ يعني عدي بن حاتم ـ ثم ليرد كل رجل منكم عن حماة الخيل ، فجعلها نوائب في خمسة أيام ، لكل رجل منهم يوم ، فأصبح معاوية (في غده ) فلم يدع فارسا إلا حشده ، ثم قصد لهمدان ( بنفسه ) وتقدم الخيل وهو يقول :
لا عيش إلا فلق قحف الهام مـن أرحب وشاكر iiوشبام لـن تمنع الحرمة بعد العام بـين قـتيل وجـريح iiدام سـأملك الـعراق iiبـالشآم انعى ابن عفان مدى iiالأيام |
فطعن في أعراض الخيل مليا ، ثم إن همدان تنادت بشعارها ، وأقحم سعيد بن قيس فرسه على معاوية واشتد القتال ، وحجز بينهم الليل ، فذكرت همدان أن معاوية فاتها ركضا ، وقال سعيد بن قيس في ذلك :
يـا لهف نفسي فاتني معاويه فـوق طـمر كالعقاب iiهاويه والراقصات لا يعود ثانيه (1) إلا عـلى ذات خصيل iiطاويه |
إن يعـــد اليوم فكفى عاليـــه فانصرف معاوية ولم يعمل شيئا ، وإن عمرو بن العاص غدا في اليوم الثاني في حماة الخيل ، فقصد المرقال ، ومع المرقال ، لواء على الأعظم ، في حماة الناس ، وكان عمرو من فرسان قريش ، فتقدم وهو يقول :
---------------------------
(1) يقسم بالراقصات ، وهي الإبل ترقص في سيرها ، والرقص : ضرب من الخبب ، انظر أيمان العرب للنجيرمي ص 20 وأمالي القالي ( 3 : 51 ) .
واقعة صفين _ 418 _
لا عيش إن لم ألق يوما هاشما ذاك الـذي أجشمني iiالمجاشما ذاك الـذي أقـام لـي iiالمآتما ذاك الذي يشتم عرضي iiظالما ذاك الـذي إن ينج مني iiسالما يـكن شجا حتى الممات لازما |
فطعن في أعراض الخيل مزبدا ، فحمل هاشم وهو يقول :
لا عـيش إن لم ألق يومي iiعمرا ذاك الـذي أحـدث فـينا الغدرا أو يـحـدث الله لأمـر iiأمـرا لا تجزعي يا نفس صبرا صبرا ضربا هذا ذيك وطعنا شزرا (1) يا ليت ما تجني يكون قبرا (2) |
فطاعن عمرا حتى رجع
(3) ، واشتد القتال وانصرف الفريقان ( بعد شدة القتال ) ، ولم يسر معاوية ذلك ، وإن بسر بن أرطاة غدا في اليوم الثالث في حماة الخيل فلقى قيس ابن سعد في كماة الأنصار ، فاشتدت الحرب بينهما ، وبرز قيس كأنه فنيق مقرم ، وهو يقول :
أنـا ابـن سـعد زانـه عباده والـخزرجيون رجـال iiسـاده لـيس فراري في الوغى iiبعاده إن الـفـرار لـلـفتى iiقـلاده يـا رب أنـت لـقنى iiالشهاده والقتل خير من عناق غاده حتى |
---------------------------
(1) هذاذيك : أي هذا بعد هذ ، يعتي قطعا بعد قطع ، وفي الأصل : ( مداريك ) صوابه في ح ( 2 : 291 ) .
(2) في الأصل : ( يا ليت ما تحيى ) والوجه ما أثبت من ح .
(3) في الأصل : ( فطعن عمرا ) صوابه في ح .
واقعة صفين _ 419 _
متـــى تثني لــــي الوســادة وطاعن خيل بسر
(1) ، وبرز له بسر بعد ملى
(2) ، وهو يقول :
أنــا ابـن أرطـاة عـظيم الـقدر مـردد فـي غـالب بـن فهر (3) لـيس الـفرار مـن طـباع بـسر أن يـرجـع الـيـوم بـغير iiوتـر وقـد قـضيت فـي عـدوي نذري يا ليت شعري ما بقي من عمري (4) |
ويطعن بسر قيسا فيضربه قيس بالسيف فرده على عقبيه ، ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل ، وإن عبيد الله بن عمر تقدم في اليوم الرابع ولم يترك فارسا مذكورا ، وجمع من استطاع ، فقال له معاوية : إنك تلقى أفاعي أهل العراق
(5) فارفق واتئد ، فلقيه الأشتر أمام الخيل مزبدا ـ وكان الأشتر إذا أراد القتال أزبد ـ وهو يقول :
فـي كـل يـوم هـامتي مقيره بـالضرب أبـغي مـنة مؤخره والدرع خير من برود حبره (6) يـا رب جـنبني سبيل iiالكفره واجـعل وفـاتي بأكف iiالفجرة لا تـعدل الـدنيا جـميعا iiوبره |
ولا بعوضـــا في ثــواب البــرره وشد على الخيل خيل الشام فردها
(7) ، فاستحيا عبيد الله فبرز أمام الخيل وكان فارسا ( شجاعا ) وهو يقول :
---------------------------
(1) في الأصل : ( فطعن خيل بسر ) والصواب في ح .
(2) يقال مضى ملي من النهار ، أي ساعة طويلة .
(3) في الأصل : ( مراود ) ووجهه من ح ، وفي ح : ( غالب وفهر ) وغالب هو ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة .
(4) بقي ، بكسر القاف وإسكان الياء للشعر ، وفي لغة طيئ بقي يبقى بفتح القاف ، كما يقولون فني يفني ، يفعلون ذلك في كل ياء انكسر ما قبلها ، يجعلونها ألفا ، انظر اللسان ( بقى ) .
(5) ح ( 2 : 291 ) : ( أفعى أهل العراق ) .
(6) ح : ( فالقتل خير من ثياب الحبره ) .
(7) هذا ما في ح ، وبدل هذه العبارة في الأصل : ( فرد الخيل ) .
واقعة صفين _ 420 _
أنعى ابن عفان وأرجو iiربي ذاك الذي يخرجني من iiذنبي ذاك الذي يكشف عني iiكربي إن ابن عفان عظيم الخطب يأبى له حبي بكل قلبي (1) إلا طـعاني دونه iiوضربي |
حسبي الذي أنويـــه حسبي حسبـي فحمل عليه الأشتر فطعنه ، واشتد الأمر ، وانصرف القوم وللأشتر الفضل ، فغم ذلك معاوية ، وإن عبد الرحمن بن خالد غدا في اليوم الخامس ، وكان أرجاهم عند معاوية أن ينال حاجته ، فقواه معاوية بالخيل والسلاح ، وكان معاوية بعده ولدا ، فلقيه عدي بن حاتم في حماة مذحج وقضاعة ، فبرز عبد الرحمن أمام الخيل وهو يقول :
قـل لـعدي ذهـب الـوعيد أنـا ابـن سيف الله لا iiمزيد وخـالـد يـزيـنه iiالـوليد ذاك الذي هو فيكم الوحيد (2) قد ذقتم الحرب فزيدوا iiزيدوا فـمـا لـنا ولا لـكم مـحيد |
عن يومنـــا ويومكــم فعــودوا ثم حمل فطعن الناس ، وقصده عدي بن حاتم ( وسدد إليه الرمح ) وهو يقول :
أرجــو إلـهي وأخـاف iiذنـبي ولـيس شيء مثل عفو ربي (3) يـا ابـن الـوليد بغضكم في iiقلبي كالهضب بل فوق قنان الهضب (4) |
---------------------------
(1) في الأصل : ( قلب ) صوابه في ح .
(2) ح ( 2 : 292 ) : ( الذي قيل له ) .
(3) ح : ( ولست أرجو غير عفو ربي ) .
(4) القنان : جمع قنة ، وقنة كل شيء : أعلاه .
واقعة صفين _ 421 _
فلما كاد أن يخالطه بالرمح توارى عبد الرحمن في العجاج واستتر بأسنة أصحابه ، واختلط القوم ، ورجع عبد الرحمن إلى معاوية مقهورا ، وانكسر معاوية ، وإن أيمن بن خريم الأسدي
(1) لما بلغه ملقى معاوية وأصحابه شمت ، وكان أنسك رجل من أهل الشام وأشعره ، وكان في ناحية معتزلا
(2) ، فقال في ذلك :
مـعـاوي إن الأمــر لـلـه iiوحــده وإنــك لا تـستطيع ضـرا ولا نـفعا عـبأت رجـالا مـن قـريش iiلـمعشر يـمـانية لا تـسـتطيع لـهـا iiدفـعـا فـكـيف رأيـت الأمـر إذ جـد iiجـده لـقـد زادك الــذي جـئـته iiجـدعا تـعـبي لـقيس أو عـدي بـن iiحـاتم والأشتر ، يا للناس ، أغمارك الجدعا (3) تـعـبئ لـلـمرقال عـمـرا iiوإنــه لـليث لـقى مـن دون غـابته ضـبعا وإن سـعـيـدا إذ بــرزت iiلـرمـحه لـفارس هـمدان الـذي يشعب iiالصدعا مـلـى بـضـرب الـدارعين iiبـسيفه إذا الـخيل أبـدت مـن سـنابكها iiنـقعا رجـعـت فـلم تـظفر بـشيء iiأردتـه سـوى فـرس أعـيت وأبـت بها iiظلعا فـدعـهم فــلا والله لا iiتـسـتطيعهم مـجاهرة فـاعمل لـقهرهم خدعا (4) |
---------------------------
(1) أيمن بن خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك بن العليب بن عمرو بن أسد ابن خزيمة بن مدركة الأسدي ، قال المبرد في الكامل : له صحبه ، وقال ابن عيد البر : أسلم يوم الفتح ، وكان يسمى خليل الخلفاء ، لإعجابهم في تحديثه بفصاحته وعلمه ، وكان به وضح يغيره بزعفران ، انظر الإصابة 390 ، وفي الأصل وح : ( بن خزيم ) صوابه بالراء المهملة ، كما في ترجمة ( خريم ) من الإصابة 2242 .
(2) ح : ( وكان معتزلا للحرب من ناحية عنها ) .
(3) الأغمار : جمع غمر ، وهو من لا تجربة له ، والجدع ، جمع أجدع ، وفي الأصل : ( الخدعا ) وفي ح : ( الجذعا ) والوجه ما أثبت .
(4) في الأصل : ( فانظر تطيقهم خدعا ) وأثبت ما في ح .
واقعة صفين _ 422 _
قال : وإن معاوية أظهر لعمرو شماتة ( وجعل يقرعه ويوبخه ) وقال : لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس في همدان وقررتم ، وإنك لجبان ، فغضب عمرو ثم قال : والله لو كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية ، فهلا برزت إلى علي إذ دعاك إن كنت شجاعا كما تزعم ، وقال عمرو في ذلك :
تـسير إلى ابن ذي يزن iiسعيد وتترك في العجاجة من iiدعاكا فـهل لك في أبي حسن iiعلي لـعل الله يـمكن مـن قـفاكا دعـاك إلـى النزال فلم iiتجبه ولـو نـازلته تـربت iiيـداكا وكنت أصم ، إذ ناداك ، عنها وكـان سكوته عنها (1) iiمناكا فـآب الكبش قد طحنت رحاه بـنجدته ولـم تـطحن رحاكا فما انصفت صحبك يا ابن هند أتـفرقه وتـغضب من iiكفاكا فـلا والله مـا أضمرت iiخيرا ولا أظـهرت لـي إلا iiهواكا |
( قال ) : وإن القرشيين استحيوا مما صنعوا ، وشمتت بهم اليمانية ( من أهل الشام ) ، فقال معاوية ( يا معشر قريش ، والله لقد قربكم لقاء القوم من الفتح ، ولكن لا مرد لأمر الله
(2) ، ومم تستحيون ؟ ! ) ، إنما لقيتم كباش أهل العراق ، وقتلتم وقتل منكم ، ومالكم علي من حجة ، لقد عبأت نفسي
(3) لسيدهم سعيد بن قيس ) ، فانقطعوا عن معاوية أياما ، فقال معاوية في ذلك :
---------------------------
(1) أي عن الدعوة أو المنازلة ، وفي الأصل : ( عنه ) وأثبت ما في ح ليتلاءم الكلام .
(2) في الأصل : ( الأمر لأمر الله ) صوابه في ح .
(3) في الأصل : ( تعبئتي ) ، والوجه ما أثبت من ح ، انظر السطر الثاني .
واقعة صفين _ 423 _
لـعمري لقد أنصفت والنصف iiعادة وعاين طعنا في العجاج المعاين (1) ولولا رجائي أن تبوءوا (2) iiبنهزة وأن تـغسلوا عـارا وعته iiالكنائن لـناديت لـلهيجا رجـالا iiسـواكم ولـكنما تـحمي الـملوك iiالبطائن أتـدرون مـن لاقـيتم فل iiجيشكم لقيتم جيوشا أصحرتها العرائن (3) لـقيتم صـناديد الـعراق ومن iiبهم إذا جـاشت الهيجاء تحمي iiالظعائن ومـا كـان منكم فارس دون iiفارس ولـكـنه مــا قــدر الله iiكـائن |
قال : فلما سمع القوم ما قال معاوية أتوه فاعتذروا له ، واستقاموا له على ما يحب ،
قال ( نصر : وحدثنا عمرو بن شمر قال ) : ولما اشتد القتال ( وعظم الخطب ) أرسل معاوية إلى عمر وأن قدم عكا والأشعريين إلى من بإزائهم ، فبعث عمرو إلى معاوية : ( إن همدان بإزاء عك ) ، فبعث ( إليه ) معاوية : ( أن قدم عكا إلى همدان ) ، فأتاهم عمرو فقال : يا معشر عك ، إن عليا قد عرف أنكم حي أهل الشام ، فعبأ لكم حي أهل العراق همدان ، فاصبروا وهبوا لي جماجمكم ساعة من النهار ، وقد بلغ الحق مقطعه ، فقال ابن مسروق العكي : أمهلوني
(4) حتى آتى معاوية ، فأتاه فقال : يا معاوية ، اجعل لنا فريضة ألفي رجل في ألفين ، ومن هلك فابن عمه مكانه ، لنقر اليوم عينك ، قال : ذلك لك ، فرجع ابن مسروق إلى أصحابه فأخبرهم الخبر فقالت عك : نحن لهمدان .
---------------------------
(1) النصف ، بالكسر : الإنصاف .
(2) ح : ( أن تؤوبوا ) .
(3) أصحرتها : أبرزتها ، وفي الحديث : فلا تصحريها ( معناه لا تبرزيها إلى الصحراء ، قال ابن الأثير : هكذا جاء في هذا الحديث متعديا ، على حذف الجار وإيصال الفعل ، فإنه غير متعد ، والعرائن : جمع عرينة ، وهي مأوى الأسد ، كالعرين .
(4) ح ( 2 : 293 ) : ( أمهلني ) .
واقعة صفين _ 424 _
قال : فتقدمت عك ، ونادى سعيد بن قيس : يال همدان خدموا
(1) ، فأخذت السيوف أرجل عك ، فنادى أبو مسروق العكي : يالعك ، بركا كبرك الكمل
(2) ، فبركوا تحت الجحف وشجروهم بالرماح
(3) ، وتقدم شيخ من همدان وهو يقول :
يا لبكيل لخمها وحاشد (4) نفسي فداكم طاعنوا iiوجالدوا حتى تخر منكم القماحد (5) وأرجـل تـتبعها iiسـواعد بـذاك أوصى جدكم iiوالوالد إني لقاضي عصبتي iiورائد |
وتقدم رجل من عك وهو يقول :
يـدعون هـمدان وندعو iiعكا نـفسي فـداكم يـال عك iiبكا إن خـدم الـقوم فـبركا iiبركا لا تدخلوا نفسي (6) عليكم شكا |
قد محك القوم فزيــدوا محكــا قال : فألقى القوم الرماح وصاروا إلى السيوف ، وتجالدوا حتى أدركهم الليل ، فقالت همدان : يا معشر عك ، إنا والله لا ننصرف حتى تنصرفوا ، وقالت عك مثل ذلك ، فأرسل معاوية إلى عك : أبروا قسم القوم
(7) ( وهلموا ) ، فانصرفت عك ثم انصرفت همدان ، وقال عمرو : يا معاوية ، لقد لقيت أسد أسدا ، لم أر كاليوم قط ، لو أن معك حيا كعك ، أو مع علي حيا كهمدان لكان الفناء .
---------------------------
(1) انظر ما سبق ص 257 س 15 وص 329 س 13 .
(2) الكمل : الجمل ، في لغة عك ، وهم يقبلون الجيم كافا ، انظر ما مضى ص 228 ، 329 ، وفي الأصل : ( الجمل ) صوابه في ح .
(3) شجروهم : طعنوهم ، وفي ح : ( فشجرتهم همدان بالرماح ) .
(4) في الاشتقاق 250 : ( بنو حاشد وبنو بكيل منهم تفرقت همدان ) .
(5) القماحد : جمع قمحدوة ، وهي ما أشرف على القفا من عظم الرأس .
(6) ح : ( لا تدخلوا اليوم ) .
(7) ح ( 2 : 293 ) : ( أن أبروا قسم إخوتكم ) .
واقعة صفين _ 425 _
وقال عمرو في ذلك :
إن عـكا وحـاشدا iiوبـكيلا كأسود الضراب لاقت iiأسودا وجـثا الـقوم بالقنا iiوتساقوا بـظبات السيوف موتا iiعتيدا ليس يدرون ما الفرار وإن iiكا ن فرارا لكان ذاك سديدا (1) |
ازورار المنــاكب الغلـــب بالشــم وضـرب المسوميــن الخدودا :
يـعلم الله مـا رأيـت مـن القوم ازورارا ولا رأيــت صــدودا غير ضرب فوق الطلى وعلى الهام وقــرع الـحديد يـعلو iiالـحديدا ولـقد فضل المطيع على iiالعاصي ولــم يـبـلغوا بـه الـمجهودا ولـقد قـال قـائل خدموا iiالسوق فـخـرت هـنـاك عـك iiقـعودا كـبروك الـجمال أثـقلها الـحمل فـمـا تـسـتقل إلا وئـيدا (2) |
ولما اشترطت عك والأشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة والعطاء فأعطاهم ، لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية وشخص بصره إليه
(3) ، حتى فشا ذلك في الناس ، وبلغ ذلك عليا فساءه ، وجاء المنذر بن أبي حميصة الوادعي
(4) ، وكان فارس همدان وشاعرهم فقال :
---------------------------
(1) في الأصل : ( وكان ذلك شديدا ) صوابه في ح .
(2) في الأصل وح : ( كبراك ) ولا وجه لها .
(3) ح : ( وشخص ببصره إليه ) .
(4) الوادعي : نسبة إلى وادعة ، وهم بطن من همدان ، الاشتقاق 253 ، وفي الأصل : ( الأوزاعي ) صوابه في ح والإصابة 8459 ، قال ابن حجر : ( له إدراك ، هو أول من جعل سهم البراذين دون سهم العراب ، فبلغ عمر فأعجبه ) ، وفي الأصل أيضا : ( بن أبي حميضة ) وفي ح : ( بن أبي حمضمة ) صوابهما في الإصابة .
واقعة صفين _ 426 _
( يا أمير المؤمنين ، إن عكا والأشعريين طلبوا إلى معاوية الفرائض والعطاء
(1) فأعطاهم ، فباعوا الدين بالدنيا ، وإنا رضينا بالآخرة من الدنيا ، وبالعراق من الشام ، وبك من معاوية ، والله لآخرتنا خير من دنياهم ، ولعراقنا خير من شامهم ، ولإمامنا أهدى من إمامهم ، فاستفتحنا بالحرب ، وثق منا بالنصر
(2) واحملنا على الموت ، ثم قال في ذلك :
إن عكا سالوا الفرائض والأشعر سـالوا جـوائزا بـثنيه (3) تـركوا الدين للعطاء iiوللفرض فـكانوا بـذاك شـر iiالـبريه |
وسألنا حســن الثواب مــن الله وصبـرا على الجهــاد ونيــه :
فـلـكل مــا سـاله iiونـواه كـلنا يـحسب الـخلاف iiخطيه ولأهل العراق أحسن في الحرب إذامــا تـدانـت iiالـسمهريه ولأهـل الـعراق أحـمل iiللثقل إذا عـمت الـعباد بـليه (4) |
ليس منـــا من لم يكن لك في الله وليــا يا ذا الولا والوصيـــه فقال علي : حسبك ، رحمك الله ، وأثنى عليه خيرا وعلى قومه ، وانتهى شعره إلى معاوية فقال معاوية : والله لأستميلن بالأموال ثقات
(5) علي ، ولأقسمن فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته ، وإنه لما أصبح الناس غدوا على مصافهم ، وإن معاوية نادى في أحياء اليمن فقال : عبوا إلى
(6) .
---------------------------
(1) في الأصل : ( والعقار ) صوابه في ح .
(2) بدل هاتين الجملتين في ح : ( فامنحنا بالصبر ) وهو نقص وتحريف .
(3) سالوا : مخفف سألوا ، والبثنية : المنسوبة إلى قرية بالشام بين دمشق وأذرعات ، وإليها تنسب الحنطة البثنية ، وهي أجود أنواع الحنطة ، ح ( 2 : 294 ) : ( لبثيه ) ، تحريف .
(4) ح : ( إذا عمت البلاد ) .
(5) في الأصل : ( أهل ثقات علي ) والوجه ما أثبت من ح .
(6) ح : ( عبوا لي ) .
واقعة صفين _ 427 _
كل فارس مذكور فيكم ، أتقوى به لهذا الحي من همدان
(1) ، فخرجت خيل عظيمة ، فلما رآها علي عرف أنها عيون الرجال فنادى : يا لهمدان ، فأجابه سعيد بن قيس ، فقال له علي ( عليه السلام ) : احمل ، فحمل حتى خالط الخيل واشتد القتال ، وحطمتهم همدان حتى ألحقوهم بمعاوية فقال : ما لقيت من همدان ، وجزع جزعا شديدا وأسرع في فرسان أهل الشام القتل ، وجمع على همدان فقال : يا معشر همدان ، أنتم درعي ورمحي يا همدان ، ما نصرتم إلا الله ولا أجبتم غيره ، فقال سعيد بن قيس : ( أجبنا الله وأجبناك
(2) ، ونصرنا نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قبره ، وقاتلنا معك من ليس مثلك ، فارم بنا حيث أحببت ) ، قال نصر : وفي هذا اليوم قال علي ( عليه السلام ) :
ولو كنت بوابا على باب جنة لـقلت لهمدان ادخلي iiبسلام |
فقال علي ( عليه السلام ) لصاحب لواء همدان : اكفني أهل حمص ؛ فإني لم ألق من أحد ما لقيت منهم ، فتقدم وتقدمت همدان وشدوا شدة واحدة على أهل حمص فضربوهم ضربا شديدا متداركا بالسيوف وعمد الحديد ، حتى ألجؤوهم إلى قبة معاوية ، وارتجز من همدان رجل عداده
(3) في أرحب ، وهو يقول :
قـد قـتل الله رجـال iiحمص حرصا على المال وأي iiحرص غـروا بـقول كذب iiوخرص قد نكص القوم وأي نكص (4) |
---------------------------
(1) ح : ( علي هذا الحي من همدان ) .
(2) في الأصل : ( أجبنا الله وأنت ) صوابه في ح .
(3) أي عدده ونسبته ، وموضع هذه الكلمة بياض في الأصل .
(4) الخرص : الكذب ، والخراص : الكذاب ، ح : ( وحرص ) تحريف .
واقعة صفين _ 428 _
عــن طاعـــة الله وفحــوى النص ، وحمل أهل حمص ورجل من كندة يقدمهم وهو يقول :
قـد قـتل الله رجال iiالعاليه فـي يومنا هذا وغدوا iiثانيه حتى يكونوا كرجام باليه (1) مـن عهد عاد وثمود iiالثاويه |
بالحجـــر أو يملكهــم معــاويـــه ، قال : ولما عبأ معاوية حماة الخيل لهمدان فردت خيله أسف ، فخرج بسيفه فحملت عليه فوارس همدان ، ففاتها
(2) ركضا ، وانكسر حماة أهل الشام ورجعت همدان إلى مكانها ، وقال حجر بن قحطان الوادعي
(3) ، ( يخاطب سعيد بن قيس ) :
ألا يا ابن قيس قرت العيـن إذ رأت فوارس همدان بــن زيد بن مالك
على عارفات للقــاء عوابــس طوال الهوادي مشرفات الحوارك موقرة بالطعن فــي ثغراتهــا يجلن ويحطمـن الحصى بالسنابك
(4) عباها علي لابن هنــد وخيلـه فلو لم يفتها كـــان أول هالـك وكانت له في يومه عنـــد ظنــه وفي كل يوم كاسف الشمـــس حالك :
---------------------------
(1) الرجام : الحجارة ، وربما جمعت على القبر ليسنم ، وفي الأصل : ( كرجال ) .
(2) في الأصل : ( ففارقها ) .
(3) وادعة : بطن من همدان ، انظر 435 وفي ح : ( الهمداني ) .
(4) الموقرة : المصلبة الممرنة ، يقال وقرتني الأسفار أي صلبتني ومرنتني عليها ، ح : ( معودة للطعن ) ، والثغرة ، بالضم : نقرة النحر ، وفي الأصل : ( يزلن ويلحقن القنا ) صوابه من ح .
واقعة صفين _ 429 _
وكـانت بحمد الله في كل كربة حصونا وعزا للرجال iiالصعالك فـقل لأمير المؤمنين أن iiادعنا إذا شئت (1) إنا عرضة للمهالك |
ونحن حطمنا السمر في حي حميــر وكنــدة والحي الخفاف السكاســـك
(2) :
وعـك ولـخم شـائلين سـياطهم حذار العوالي كالإماء العوارك (3) |
( قال نصر ) : و ( حدثنا عمر بن سعد ، عن رجاله ) ، أن معاوية دعا مروان بن الحكم فقال : يا مروان ، إن الأشتر قد غمني ( وأقلقني ) ، فاخرج بهذه الخيل في كلاع ويحصب ، فالقه فقاتل بها ، فقال له مروان : ادع لها عمرا فإنه شعارك دون دثارك ، قال : وأنت نفسي دون وريدي ، قال : لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء ، أو ألحقته بي في الحرمان ، ولكنك أعطيته ما في يديك ومنيته ما في يدي غيرك ، فإن غلبت طاب له المقام ، وإن غلبت خف عليه الهرب ، فقال معاوية : يغني الله عنك
(4) ، قال : أما اليوم فلا ، ودعا معاوية عمرا وأمره بالخروج إلى الأشتر فقال : والله إني لا أقول لك كما قال لك مروان ، قال : ولم تقوله
(5) وقد قدمتك وأخرته ، وأدخلتك وأخرجته ، قال عمرو : ( أما ) والله لئن كنت فعلت لقد قدمتني كافيا وأدخلتني ناصحا ، وقد أكثر القوم عليك في أمر مصر ، وإن كان لا يرضيهم إلا أخذها فخذها
(6) .
---------------------------
(1) ح : ( متى شئت ) .
(2) انظر ص 81 س 9 .
(3) العوالي : أعالي الرماح ، العوارك : الحوائض .
(4) ح ( 1 : 295 ) : ( سيغنى الله عنك ) .
(5) ح : ( وكيف تقوله ) .
(6) ح : ( فإن كان لا يرضيهم إلا رجوعك فيما وثقت لي به منها فارجع فيه ) .
واقعة صفين _ 430 _
فخرج عمرو في تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام الخيل ، ( وقد علم أنه سيلقاه ) ، وهو ( يرتجز ) ويقول :
يا ليت شعري كيف لي بعمرو ذاك الـذي أوجبت فيه iiنذري ذاك الـذي أطـلبه iiبـوتري ذاك الـذي فيه شفاء iiصدري ذاك الـذي إن ألـقه iiبعمري تـغلى بـه عند اللقاء iiقدري |
أولا فربــــي عـــاذري بعــذري فعرف عمرو أنه الأشتر ، وفشل حيله
(1) وجبن ، واستحيا أن يرجع ، فأقبل نحو الصوت وهو يقول :
ياليت شعري كيف لي iiبمالك كم كاهل جببته وحارك (2) وفــارس قـتلته iiوفـاتك ونـابل فـتكته وباتك (3) ومـقدم آب بـوجه iiحـالك هـذا وهذا عرضة iiالمهالك |
قال : فلما غشيه الأشتر بالرمح زاغ عنه عمرو ، فطعنه الأشتر في وجهه فلم يصنع ( الرمح ) شيئا ، وثقل عمرو فأمسك ( عنان فرسه وجعل يده ) على وجهه ، ورجع راكضا إلى العسكر ، ونادى غلام من يحصب : يا عمرو ، عليك العفا ، ماهبت الصبا ، يالحمير
(4) ، إنما لكم ما كان معكم ، أبلغوني اللواء
(5) ، فأخذه ثم مضى ـ وكان غلاما شابا
(6) ـ وهو يقول :
---------------------------
(1) الفشل : الضعف ، والحيل : القوة ، وفي الأصل : ( خيله ) تحريف ، وهذه الكلمة ليست في ح .
(2) الكاهل : مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق ، والحارك : أعلى الكاهل ، جببته : قطعته ، في الأصل : ( كداجل خيبته ) وفي ح : ( كم جاهل جببته ) والوجه ما أثبت .
(3) هذا البيت ليس في ح ، والمعروف في اللغة ( فتكت به ) .
(4) ح ( 2 : 295 ) : ( يا آل حمير ) .
(5) ح : ( هاتوا اللواء ) .
(6) ح : ( غلاما حدثا ) .
واقعة صفين _ 431 _
إن يـك عـمرو قـد عـلاه iiالأشتر بـأسـمر فـيـه سـنـان iiأزهـر فـــذاك والله لـعـمري iiمـفـخر يا عمرو هيهات الجناب الأخضر (1) يـا عـمرو يـكفيك الـطعان iiحمير والـيـحصبي بـالـطعان iiأمـهـر |
دون اللواء اليــــوم موت أحمـــر فنادى الأشتر إبراهيم ابنه : خذ اللواء ، فغلام لغلام ، فتقدم وهو يقول :
يـا أيـها السائل عني لا ترع أقـدم فـإني من عرانين النخع كيف ترى طعن العراقي iiالجذع أطـير في يوم الوغى ولا iiأقع ما ساءكم سر وما ضر نفع (2) أعـددت ذا اليوم لهول iiالمطلع |
ويحمل على الحميري فالتقاه الحميري بلوائه ورمحه ، ولم يبرحا يطعن كل منهما صاحبه حتى سقط الحميري قتيلا ، وشمت مروان بعمرو ، وغضب القحطانيون على معاوية فقالوا : تولى علينا من لا يقاتل معنا ؟ ! ول رجلا منا ، وإلا فلا حاجة لنا فيك ، فقال المزعف اليحصبي ـ وكان شاعرا ـ أيها الأمير ، اسمع : معاوي إما تدعنــــا لعظيمـــة يلبس من نكرائها الغرض بالحقــب
(3)
فول علينا مـــن يحوط ذمارنــا من الحميريين الملوك على العــرب ولا تأمرنا بالتـــي لا نريـــدهــا
ولا تجعلنا للهــوى موضـــع الذنب :
---------------------------
(1) يشير إلى مصر .
(2) أي ما ساءكم سرنا وما ضركم نفعنا ، في الأصل : ( ولا ضر ) صوابه في ح .
(3) الغرض : حزام الرحل . وفي الأصل : ( العرض ) صوابه في ح ، والحقب ، بالتحريك : حبل يشد به الرحل في بطن البعير مما يلي ثيله لئلا يؤذيه التصدير .
واقعة صفين _ 432 _
ولا تغضبنــا ، والحــوادث جمــة عليك ، فيفشو اليوم في يحصب الغضب
فإن لنا حقا عظيمــــا وطاعـــة وحبـا دخيلا في المشاشة والعصب
(1) فقال لهم معاوية : ( والله ) لا أولى عليكم بعد موقفي هذا
(2) إلا رجلا منكم ، ( قال نصر ) : و ( حدثنا عمر بن سعد قال ) : إن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال : هذا يوم تمحيص ، ( وإن لهذا اليوم ما بعده ) ، إن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم ، فاصبروا وكونوا كراما
(3) ، قال : وحرض علي بن أبي طالب أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين ، قدمني في البقية من الناس ، فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا ، أما أهل الشام فقد أصبنا منهم ، وأما نحن ففينا بعض البقية ، ائذن لي فأتقدم ، فقال علي : تقدم باسم الله والبركة ، فتقدم وأخذ رايته ، فمضى وهو يقول :
حتى متى ترجو البقايا أصبغ إن الـرجاء بـالقنوط يدمغ أمـا ترى أحداث دهر iiتنبغ فـادبغ هواك ، والأديم iiيدبغ |
---------------------------
(1) المشاشة : واحدة المشاش ، وهي رءوس العظام ، ح : ( في المشاش وفي العصب ) .
(2) ح : ( بعد هذا اليوم ) .
(3) ح : ( وموتوا كراما ) .
واقعة صفين _ 433 _
والرفق فيما قد تريد (1) أبلغ الـيوم شـغل وغدا لا iiتفرغ |
فرجع الأصبغ وقد خصب سيفه دما ورمحه ، وكان شيخا ناسكا عابدا ، وكان إذا لقى القوم بعضهم بعضا يغمد سيفه ، وكان من ذخائر على ممن قد بايعه على الموت ، وكان من فرسان أهل العراق ، وكان علي ( عليه السلام ) يضن به على الحرب والقتال ، وقال : وكانوا قد ثقلوا عن البراز حين عضتهم الحرب ، فقال الأشتر : يا أهل العراق ، أما من رجل يشري نفسه ( لله ) ؟ ! فخرج أثال بن حجل فنادى بين العسكرين : هل من مبارز ؟ فدعا معاوية حجلا فقال : دونك الرجل ، وكانا مستبصرين في رأيهما ، فبرز كل واحد منهما إلى صاحبه فبدره الشيخ بطعنة فطعنه الغلام ، وانتمى
(2) فإذا هو ابنه ، فنزلا فاعتنق كل وأحد منهما صاحبه وبكيا ، فقال له الأب : أي أثال ، هلم إلى الدنيا ، فقال له الغلام : يا أبه ، هلم إلى الآخرة ، والله : يا أبه ، لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام لوجب عليك أن يكون من رأيك لي أن تنهاني ، واسوأتاه
(3) ، فماذا أقول لعلي وللمؤمنين الصالحين ؟ ! كن على ما أنت عليه ، وأنا أكون على ما أنا عليه ، وانصرف حجل إلى أهل الشام ، وانصرف أثال إلى أهل العراق ، فخبر كل واحد منهما أصحابه ، وقال في ذلك حجل :
أن حـجل بـن عـامر iiوأثالا أصـبحا يضربان في iiالأمثال أقبل الفارس المدجج في iiالنقع أثـال يـدعو يـريد iiنـزالي دون أهل العراق يخطر كالفحل عـلى ظـهر هـيكل iiذيـال |
---------------------------
(1) في الأصل : ( قديدين ) صوابه في ح ( 2 : 296 ) .
(2) انتمى : انتسب ، وفي ح : ( وانتسبا ) .
(3) في الآصل : ( واسوأتنا ) وأثبت ما في ح .
واقعة صفين _ 434 _
فـدعاني له ابن هند وما زال قليلا في صحبه أمثالي (1) فـتـناولته بـبادرة iiالـرمح وأهــوى بـأسمر iiعـسال فاطعنا وذاك من حدث iiالدهر عظيم ، فتى لشيخ بجال (2) شـاجرا بـالقناة صـدر أبيه وعـظيم عـلي طـعن iiأثال لا أبالي حين اعترضت iiأثالا وأثـال كـذاك لـيس iiيبالي فافترقنا على السلامة iiوالنفس يـقـيها مـؤخـر iiالآجـال لا يـراني على الهدى iiوأراه من هداي على سبيل iiضلال |
فلما انتهى شعره إلى أهل العراق قال أثال ـ وكان مجتهدا مستبصرا :
إن طـعني وسط العجاجة iiحجلا لـم يكن في الذي نويت iiعقوقا كـنت أرجو به الثواب من iiالله وكـونـي مـع الـنبي iiرفـيقا لم أزل أنصر العراق على iiالشام (3) أرانـي بـفعل ذاك iiحقيقا قال أهل العراق إذ عظم الخطب ونــق الـمـبارزون iiنـقيقا مـن فتى يأخذ الطريق إلى iiالله فـكنت الذي أخذت الطريقا (4) حاسر الرأس لا أريد سوى iiالمو أرى كـل ما يرون دقيقا (5) فـإذا فـارس تـقحم في iiالنقع خـدبا مثل السحوق عتيقا (6) فـبداني حـجل بـبادرة iiالطعن ومــا كـنت قـبلها iiمـسبوقا |
---------------------------
(1) في الأصل : ( وما ذاك قليلا ) صوابه في ح .
(2) البجال ، بالفتح : الكبير العظيم ، ح : ( بشيخ بجال ) .
(3) في الأصل : ( من الشام ) وأثبت ما في ح .
(4) ح : ( يسلك الطريق ) و ( سلكت الطريق ) .
(5) ح : ( أرى الأعظم الجليل دقيقا ) .
(6) الخدب : الضخم العظيم ، والسحوق : النخلة الطويلة .
واقعة صفين _ 435 _
فـتـلافيته بـعالية iiالـرمح كـلانا يـطاول الـعيوقا (1) أحـمد الله ذا الجلالة iiوالقدرة حـمـدا يـزيـدني تـوفيقا لـم أنـل قتله ببادرة iiالطعنة مـني ولـم أنـل ثفروقا (2) قلت للشيخ لست أكفرك iiالدهر لـطيف الغذاء والتفنيقا (3) غير أني أخاف أن تدخل النار فـلا تـعصني وكن لي iiرفيقا وكـذا قال لي ، فغرب iiتغريبا وشـرقـت راجـعا تـشريقا |
وإن معاوية دعا النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ، ومسلمة بن مخلد الأنصاري ، ولم يكن معه من الأنصار غيرهما ، فقال : يا هذان ، لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج ، صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال ، حتى والله جبنوا أصحابي ، الشجاع والجبان ، وحتى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قالوا قتلته الأنصار ، أما والله لألقينهم بحدي وحديدي ، ولأعبين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ، ثم لأرمينهم بأعدادهم من قريش ، رجال لم يغذهم التمر والطفيشل
(4) ، يقولون نحن الأنصار ، قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم .
---------------------------
(1) التلافي : التدارك ، وعالية الرمح : أعلاه ، وفي الأصل : ( ببادرة الرمح ) صوابه في ح ، وفي ح أيضا : ( فتلقيته ) .
(2) الثفروق : قمع البسرة والتمرة ، يقول : لم أنل منه أقل شئ ، وفي الأصل : ( لم أكن مفروقا ) وفي ح : وصواب إنشاد هذا : ( منه ولا ثفروقا ) .
(3) التفنيق : التنعيم ، ح : ( لست أكفر نعماك ) .
(4) الطفيشل ، بوزن سميدع ، كما في القاموس ، ويقال له أيضا ( طفشيل ) ، ولفظه فارسي معرب ، وهو بالفارسية ( تفشله ) أو ( تفشيله ) وقد فسره استينجاس في 313 بأنه ضرب من اللحم يعالج بالبيض والجزر والعسل ، وفسر في القاموس بأنه نوع من المرق ، وجعله البغدادي في كتاب الطبيخ ضربا من التنوريات ، أي الأطعمة التي تنضج في التنور ، وفي منهاج الدكان 220 : ( طفشيل كل طعام يعمل من القطاني ، أعتى الحبوب كالعدس والجلبان وما أشبه ذلك ) ، انظر حواشي الحيوان ( 3 : 24 / 5 : 226 ) .
واقعة صفين _ 436 _
إذا كففت السنان عند ولم أدن فـتـيلا أبـي ولا iiثـفروقا |
فغضب النعمان فقال : يا معاوية ، لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية ، فأما دعاؤهم الله فقد رأيتهم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( يفعلون ذلك كثيرا ) ، وأما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم ( قديما ) ، فإن أحببت أن ترى فيهم مثل ذلك آنفا فافعل ، وأما التمر والطفيشل فإن التمر كان لنا ، فلما أن ذقتموه شاركتمونا فيه ، وأما الطفيشل فكان لليهود ، فلما أكلناه غلبناهم عليه ، كما غلبت قريش على السخينة
(1) ، ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال : يا معاوية ، إن الأنصار لا تعاب أحسابها ولا نجداتها ، وأما غمهم إياك فقد والله غمونا ، ولو رضينا ما فارقونا وما فارقنا جماعتهم ، وإن في ذلك لما فيه من مباينة العشيرة ، ومباعدة الحجاز وحرب العراق ، ولكن حملنا ذلك لك ، ورجونا منك عوضه ، وأما التمر والطفيشل فإنهما يجران
(2) عليك نسب السخينة والخرنوب ، وانتهى الكلام إلى الأنصار ، فجمع قيس بن سعد الأنصاري ، الأنصار ثم قام خطيبا فيهم فقال : إن معاوية قد قال ما بلغكم ، وأجاب عنكم صاحباكم
(3) ، فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس ، وإن وترتموه في الإسلام فقد وترتموه في الشرك ، ومالكم إليه من ذنب ( أعظم ) من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه ، فجدوا اليوم جدا تنسونه ( به ) ما كان أمس ، وجدوا غدا ( جدا ) تنسونه
(4)( به ) ما كان اليوم ، وأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل ، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب ، وأما التمر فإنا لم نغرسه ، ولكن غلبنا عليه من غرسه ، وأما الطفيشل فلو كان طعامنا لسمينا به اسما كما سميت قريش السخينة ، ثم قال قيس بن سعد في ذلك :
---------------------------
(1) السخينة : طعام يتخذ من دقيق وسمن ـ وقيل من دقيق وتمر ـ أغلظ من الحساء وأرق من العصيدة ،
وكانت قريش تكثر من أكلها فعيرت بها حتى سموا سخينة .
(2) في الأصل : ( يجبران ) وأثبت ما في ح ( 4 : 297 ) .
(3) أي النعمان ومسلمة ، وفي الأصل : ( صاحبكم ) صوابه في ح .
(4) في الأصل : ( فتنسونه ) وأثبت ما في ح .
واقعة صفين _ 437 _
يـا ابن هند دع التوثب في iiالحرب إذا نـحن فـي الـبلاد نأينا (1) نحن من قد رأيت فادن (2) إذ شئت بـمن شـئت فـي الـعجاج إلـينا إن بـرزنا بالجمع نلقك في iiالجمع وإن شـئـت مـحـضة iiأسـرينا فـالقنا في اللفيف نلقك في iiالخزرج نـدعـو فــي حـربـنا iiأبـوينا أي هـذيـن مــا أردت iiفـخـذه لـيس مـنا ولـيس مـنك iiالهوينا ثــم لا تـنزع الـعجاجة iiحـتى تـنجلي حـربنا لنا أو علينا (3) لـيت مـا تـطلب الـغداة iiأتـانا أنــعـم الله بـالـشهادة iiعـيـنا إنـنـا إنـنـا الـذين إذا iiالـفتح شـهـدنـا وخـيـبرا iiوحـنـينا |
بعـــد بدر وتلك قاصمـــة الظهر وأحــــد وبالنضيـــر ثنينـا :
يوم الاحزاب ، قد علم iiالناس شفينا من قبلكم واشتفينا (4) |
فلما بلغ شعره معاوية دعا عمرو بن العاص فقال : ما ترى في شتم الأنصار ؟ قال : أرى أن توعد ولا تشتم ، ما عسى أن نقول لهم ؟ إذا أردت ذمهم فذم أبدانهم ولا تذم أحسابهم ، قال معاوية : إن خطيب الأنصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خطيبا ، وهو والله يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه عنا حابس الفيل ، فما الرأي ؟ قال : الرأي التوكل والصبر .
---------------------------
(1) ح : ( بالجياد سرينا ) .
(2) في الأصل : ( فأذن ) صوابه في ح ( 2 : 297 ) .
(3) العجاجة : واحدة العجاج ، وهو ما ثورته الريح ، تنزع : تكف ، وفي الأصل : ( ينزع ) وفي ح : ( لا نسلخ ) .
(4) لعلها : ( وبيوم الأحزاب ) .
واقعة صفين _ 438 _
فأرسل معاوية إلى رجال من الأنصار فعاتبهم ، منهم عقبة بن عمرو ، وأبو مسعود ، والبراء بن عازب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وخزيمة بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وعمرو بن عمير
(1) والحجاج بن غزية ، وكان هؤلاء يلقون في تلك الحرب ، فبعث معاوية بقوله : لتأتوا قيس بن سعد ، فمشوا بأجمعهم إلى قيس ، فقالوا : إن معاوية لا يريد شتما فكف عن شتمه ، فقال : إن مثلي لا يشتم ، ولكني لا أكف عن حربه حتى ألقى الله ، وتحركت الخيل غدوة فظن قيس بن سعد أن فيها معاوية ، فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا غير معاوية ، وحمل الثانية ( على آخر ) يشبهه أيضا فضربه ، ثم انصرف وهو يقول :
قـولوا لـهذا الـشاتمي iiمـعاويه إن كـل مـا أوعدت ريح iiهاويه خـوفـتنا أكـلب قـوم iiعـاويه إلـى يـا بن الخاطئين iiالماضية ترقل إرقال العجوز الجارية (2) في أثر الساري ليالى الشاتيه (3) |
فقال معاوية : يا أهل الشام ؛ إذا لقيتم هذا الرجل فأخبروه بمساويه ، وغضب النعمان ومسلمة على معاوية فأرضاهما بعد ما هما أن ينصرفا إلى قومهما ، ولم يكن مع معاوية من الأنصار غيرهما ، ثم إن معاوية سأل النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم ، فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال : يا قيس ، أنا النعمان بن بشير ، فقال قيس : هيه يا ابن بشير فما حاجتك ؟ فقال النعمان : يا قيس ، إنه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضى لنفسه ، ألستم معشر الأنصار ، تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار ، وقتلتم أنصاره يوم الجمل وأقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين ، فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة ، ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ، ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة ، ووعدتموه الظفر ، وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم ، فاتقوا الله في البقية .
---------------------------
(1) عمرو بن عمير الأنصاري ، أحد الصحابة ، وقد اختلف في اسمه فقيل عمرو بن عمرو ، وقيل عامر بن عمير أيضا ، وفي الأصل : ( عمير بن عمر ) تحريف ، الإصابة 4404 ، 5914 .
(2) العجوز : الكلبة ، وفي الأصل : ( العجوز الحاوية ) .
(3) الساري : السحاب الذي يسري ليلا ، والكلاب تنبح السحاب ، انظر الحيوان ( 2 : 73 ) .
واقعة صفين _ 439 _
فضحك قيس ثم قال : ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة ، إنه لا ينصح أخاه من غش نفسه ، وأنت والله الغاش الضال المضل ، أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها مني ، واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه ، وخذله من هو خير منك ، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث ، وأما معاوية فو الله أن لو اجتمعت عليه العرب ( قاطبة ) لقاتلته الأنصار ، وأما قولك إنا لسنا كالناس ، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله ، نتقي السيوف بوجوهنا ، والرماح بنحورنا ، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ، ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور ، انظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ، الذين ( رضي الله عنهم ) ، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ، ولستما والله ببدريين ( ولا عقبيين ) ولا أحديين ، ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن ، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك ) ، وقال قيس في ذلك :
والـراقصات بكل أشعث iiأغبر خـوص العيون تحثها iiالركبان مـا ابـن المخلد ناسيا أسيافنا في من نحاربه ولا النعمان (1) |
( قال نصر : وحدثنا عمر بن سعد ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب قال ) :
(2) كان فارس أهل الكوفة الذي لا ينازع رجل كان يقال له العكبر ابن جدير الأسدي ، وكان فارس أهل الشام الذي لا ينازع عوف بن مجزأة الكوفي ( المرادي ) المكنى أبا أحمر ، وهو أبو الذي استنقذ الحجاج بن يوسف يوم صرع في المسجد بمكة ، وكان العكبر له عبادة ولسان لا يطاق ، فقام إلى علي فقال : ( يا أمير المؤمنين ، إن في أيدينا عهدا من الله لا نحتاج فيه إلى الناس ، وقد ظننا بأهل الشام الصبر وظنوه بنا فصبرنا وصبروا ، وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة ، وصبر أهل الحق على أهل الباطل ، ورغبة أهل الدنيا ، ثم نظرت فإذا أعجب ما يعجبني جهلي بآية من كتاب الله : ( الم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ، وأثنى عليه على خيرا ، وقال خيرا ، وخرج الناس إلى مصافهم وخرج ( عوف بن مجزأة ) المرادي نادرا من الناس ، وكذلك كان يصنع ، وقد كان قتل قبل ذلك نفرا ( من أهل العراق ) مبارزة ، فنادى : يا أهل العراق ، هل من رجل عصاه سيفه يبارزني ، ولا أغركم من نفسي ، فأنا فارس زوف
(3) ، فصاح الناس بالعكبر ، فخرج إليه منقطعا من أصحابه والناس وقوف ، ووقف المرادي وهو يقول :
بالشام أمن ليس فيه iiخوف بالشام عدل ليس فيه حيف |
---------------------------
(1) ابن المخلد يعني به مسلمة بن مخلد الآنصاري ، وفي الأصل : ( عمن تحاربه ) والوجه ما أثبت ، والمقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
(2) قبل هذا الأصل : ( وذكروا أنه ) ، وضعت مكان السند المتقدم .
(3) زوف ، بفتح الزاي : أبو قبيلة ، وهو زوف بن زاهر ـ أو أزهر ـ بن عامر بن عويثان ، انظر القاموس ( زوف ) ، وفي الأصل : ( دوف ) تحريف .