--------------------------- (1) يقال فلان يقتات السوف أي يعيش بالأماني . (2) في الأصل : ( روف ) وانظر التحقيق فيما قبل . (3) المعذر : المنصف ، ح : ( بها إمام طاهر مطهر ) . (4) المعور : القبيح السريرة ، ح : ( فيها أعور ومعور ) . (5) مصحر ، أي هو من أمره على أمر واضح منكشف ، ح : ( فإني في البراز قسور ) . (6) ح ( 2 : 297 ) : ( في وجوه قريش ) . (7) في الأصل : ( وأناس من الناس قليل ) وفي ح : ( ونفر قليل من الناس ) . (8) الحمى : اشتداد العدو ، وفي الأصل : ( حمو ) والوجه ما أثبت ، قال الأعشى : (9) ح : ( فاستقبله رجال قتل منهم قوما ) . (10) ح : ( ورجع إلى صف العراق ولم يكلم ) . واقعة صفين _ 441 _
يا عكبر ؟ ( لا تلق نفسك إلى التهلكة ) قال : أردت غرة ابن هند ، وكان شاعرا فقال :
--------------------------- (1) ح ( 2 : 299 ) : ( أصرفه في جريه بشمالي ) . (2) في الأصل : ( يعرف الجرى ) تحريف ، وفي القاموس : ( وخيل مغارف كأنها تغرف الجرى ) . (3) ح : ( وفزت بذكر صالح وفعال ) . (4) في الأصل : ( من المؤمنين ) ، وفي ح : ( فأين الله جل جلاله ودفاعه عن المؤمنين ) . واقعة صفين _ 442 _
وقال نصر : حيث شرك الناس عليا في الرأي ، ماذا دعاك إلى ما صنعت
فجزع النجاشي من ذلك وقال :
(1) اللسان : ( الطوع نقيض الكره ـ أي بفتح الكاف ـ طاعه يطوعه وطاوعه ) . (2) في الأصل وح : ( طوعا لطاغيه ) . (3) المجفف : لابس التجفاف ، وأصله ما يوضع على الخيل من حديد وغيره ، وفي الأصل : ( مجفجف ) تحريف . (4) السية هي مخفف السيئة ، ثم سهلت همزتها وقلبت ياء وأدغمت في أختها ، كما أن السي مخفف السيء ، ومنه قول أفنون التغلبي ( انظر اللسان 1 : 91 والقصيدة 66 من المفضليات ) : واقعة صفين _ 443 _
--------------------------- (1) الجأواء : الكتيبة التي علاها الصدأ ، وفي الأصل : ( بجا ) فقط ، وهذه المقطوعة وتاليتها لم تردا في مظنهما من ح . (2) ينظر إلى قول الأخنس بن شهاب في المفضلية 41 : (3) الفجفاج : الكثير الصياح والجلبة ، وفي الأصل : ( فجاجة ) تحريف . (4) كذا ورد هذا الشطر . واقعة صفين _ 444 _
--------------------------- (1) بدل ما بعد التكملة في الأصل : ( ثم ذكروا أن أهل الشام جزعوا ) وأثبت ما في ح . (2) يدمل : يصلح ويعالج ، وفي الأصل : ( لا يدمن على جريح ) ، ح ( 2 : 299 ) : ( لا يدمى جريح ) ، ووجههما ما أثبت . (3) في الأصل : ( أدمنت ) وفي ح : ( أدميت ) وانظر التحقيق السالف . (4) ح : ( وقال شاعر اليمن يرثى ذا الكلاع وحوشبا ) . واقعة صفين _ 445 _
--------------------------- (1) في الأصل : ( وقد علقت أرحامنا ) والوجه ما أثبت ، والبيت لم يرو في ح ، أراد أخذت أرماحنا هؤلاء الفوارس الذين يتمنى قومهم لنا الجدع الموعب ، وهذا البيت ترتيبه الثالث في الأصل ، كما أن تاليه كان ترتيبه الخامس في الأصل ، ولم يرويا في ح ، وقد رددتهما إلى هذا الوضع الذي يتساوق به الشعر . (2) فنا : مقصور فناء ، قصره للشعر ، وفي الأصل : ( فلا ) . (3) ح : ( عن عبيد الرحمن بن كعب ) . (4) عبد الله بن كعب المرادي قتل يوم صفين ، وكان من أعيان أصحاب علي ، الإصابة 4909 ، وفي ح : ( عبد الله بن بديل ) ، وعبد الله بن بديل ، وأخوه عبد الرحمن بن بديل ، قتلا أيضا بصفين . (5) ح : ( الأسود بن طهمان الخزاعي ) . (6) في اللسان : ( أشعره سنانا : خالطه به ) ، وأنشد قول أبي عازب الكلابي : واقعة صفين _ 446 _
فأشعرته تحت الظلام وبيننا ، من الخطر المنضود في العين واقع
أوصيك ، قال : ( يريد أشعرت الذئب بالسهم ) ، وفي الأصل : ( ولو أعرف ) وأثبت ما في ح ،
بتقوى الله ، وأن تناصح أمير المؤمنين وأن تقاتل معه المحلين ، حتى يظهر الحق أو تلحق بالله ، وأبلغه عني السلام وقل له : قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك ، فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب ، ثم لم يلبث أن مات ، فأقبل الأسود إلى علي فأخبره فقال : ( رحمه الله ، جاهد معنا عدونا في الحياة ، ونصح لنا في الوفاة ) ، ثم إن عليا غلس بالناس بصلاة الفجر ، ثم زحف بهم فخرج الناس على راياتهم وأعلامهم ، وزحف إليهم أهل الشام ، قال : فحدثني عمرو بن شمر ، عن جابر عن عامر ، عن صعصعة بن صوحان والحارث بن أدهم ، أن أبرهة بن الصباح بن أبرهة الحميري قام فقال : ويلكم يا معشر أهل اليمن ، والله إني لأظن أن قد أذن بفنائكم ، ويحكم خلوا بين هذين الرجلين فليقتتلا ، فأيهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا ، وكان ( أبرهة ) من رؤساء أصحاب معاوية ، فبلغ ذلك عليا فقال : صدق أبرهة بن الصباح ، والله ما سمعت بخطبة منذ وردت الشام أنا بها أشد سرورا مني بهذه ، وبلغ معاوية كلام أبرهة فتأخر آخر الصفوف وقال لمن حوله : إني لأظن أبرهة مصابا في عقله ، فأقبل أهل الشام يقولون : والله إن أبرهة لأفضلنا دينا ورأيا وبأسا ، ولكن معاوية كره مبارزة علي ، فقال أبرهة في ذلك :
(1) كذا ورد هذا الشطر ، وانظر أواخر ص 441 . واقعة صفين _ 447 _
--------------------------- (1) الذراع أنثى ، وقد تذكر ، وفي البيت إقواء . (2) ح ( 2 : 300 ) : ( أبو داود عروة بن داود العامري ) . (3) في اللسان : ( وهذا خطير لهذا وخطر له ، أي مثل له في القدر ) . (4) في الأصل : ( الشغباء ) تحريف ، والمقطوعة لم ترد في ح . (5) نكل ، كضرب ونصر وعلم ، نكولا : نكص وجبن . (6) كلمة ( الأقوام ) بمثلها يتم البيت ، وليست في الأصل ، والترباء ، إحدى لغات التراب ، وهي إحدى عشرة لغة . واقعة صفين _ 448 _
--------------------------- (1) الجرباء : الأرض الممحلة المقحوطة ، وفي الأصل : ( قد عاين الحوباء ) . (2) في الأصل : ( ليس لله فارس ) . واقعة صفين _ 449 _
فقال معاوية لبسر ابن أرطاة أتقوم لمبارزته ؟ فقال : ما أحد أحق بها منك ، وإذا أبيتموه فأنا له ، فقال له معاوية : أما إنك ستلقاه في العجاجة غدا في أول الخيل ، وكان عند بسر بن أرطاة ابن عم له قد قدم من الحجاز يخطب ابنته فأتى بسرا فقال له : إني سمعت أنك وعدت من نفسك أن تبارز عليا ، أما تعلم أن الوالي من بعد معاوية عتبة ، ثم بعده محمد أخوه ، وكل من هؤلاء قرن لعلي (1) ، فما يدعوك إلى ما أرى ، قال : الحياء ، خرج مني كلام (2) فأنا أستحيي أن أرجع عنه ، فضحك الغلام وقال في ذلك :
--------------------------- (1) في الأصل : ( وكل هؤلاء من قرن لعلي ) صوابه في ح . (2) في الأصل : ( شيء ) والوجه ما أثبت من ح ( 2 : 300 ) . (3) ح : ( للشاة آكل ) . (4) عاطف ، أراد به الذي يحمي المنهزمين ، وفي اللسان : ( ورجل عطوف وعطاف ، يحمي المنهزمين ) ، وفي الأصل : ( خاطف ) موضع ( عاطف ) صوابه في ح . واقعة صفين _ 450 _
--------------------------- (1) هو جعفر بن أبي طالب ، أخو علي ( عليه السلام ) ، وكان جعفر أسن من علي بعشر سنين ، وكان مصرعه يوم مؤتة في الثامنة من الهجرة ، وكان قد حمل لواء المسلمين زيد بن حارثة فقتل ، فحمله جعفر بيمينه فقطعت ، ثم بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه فقتل وخر شهيدا ، ويسمى جعفر ( ذا الجناحين ) و ( ذا الهجرتين ) ، انظر الإصابة ، وكتب المغازي ، والحيوان ( 3 : 233 ) . (2) الفاقرة : الداهية تكسر فقار الظهر ، ح : ( منيا بالفاقرة ) . (3) ح ( 2 : 301 ) : ( بها منك ) . واقعة صفين _ 451 _
--------------------------- (1) المشيحة : المجدة ، صبحة : صبحا ، وفي الأصل : ( صيحة ) صوابه في ح ، وفيها : ( الخيل المغبرة ؟ ) . (2) الفعال ، بالفتح : الفعل الحسن ، وفي ح : ( فعال يطول بها لسانه ) وهو بالكسر : جمع فعل . واقعة صفين _ 452 _
فقال معاوية : بل إن أولئك قد وقوا عليا بأنفسهم ، قال الوليد : كلا بل وقاهم علي بنفسه ، قال : ويحكم ، أما منكم من يقوم لقرنه منهم مبارزة أو مفاخرة ، فقال مروان : أما البراز فإن عليا لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمد بنيه فيه ، ولا لابن عباس وإخوته ، ويصلي بالحرب دونهم ، فلأيهم نبارز ، وأما المفاخرة فبماذا نفاخرهم أبا لإسلام أم بالجاهلية ، فإن كان بالإسلام فالفخر لهم بالنبوة ، وإن كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن ، فإن قلنا قريش قالت العرب : فأقروا لبني عبد المطلب ، فغضب عتبة بن أبي سفيان فقال : الهوا عن هذا فإني لاق بالغداة جعدة بن هبيرة ، فقال معاوية : بخ بخ ، قومه بنو مخزوم ، وأمه أم هانئ بنت أبي طالب ، وأبوه هبيرة بن أبي وهب ، كفو كريم ، وظهر العتاب بين عتبة والقوم حتى أغلظ لهم وأغلظوا له ، فقال مروان : أما والله لولا ما كان منى يوم الدار مع عثمان ، ومشهدي بالبصرة لكان مني في علي رأي كان يكفي امرأ ذا حسب ودين ، ولكن ولعل ، ونابذ معاوية الوليد بن عقبة دون القوم ، فأغلظ له الوليد فقال معاوية : يا وليد ، إنك إنما تجترئ علي بحق عثمان (1) ، وقد ضربك حدا ، وعزلك عن الكوفة ، ثم إنهم ما أمسوا حتى اصطلحوا وأرضاهم معاوية من نفسه ، ووصلهم بأموال جليلة ، وبعث معاوية إلى عتبة فقال : ما أنت صانع في جعدة ؟ فقال : ألقاه اليوم وأقاتله غدا ، وكان لجعدة في قريش شرف عظيم ، وكان له لسان ، وكان من أحب الناس إلى علي ، فغدا عليه عتبة فنادى : أيا جعدة ، أيا جعدة ، فاستأذن عليا ( عليه السلام ) في الخروج إليه ، فإذن له ، واجتمع الناس لكلامهما فقال عتبة : يا جعدة ، إنه والله ما أخرجك علينا إلا حب خالك وعمك ابن أبي سلمة عامل البحرين (2) ، وإنا والله ما نزعم أن معاوية أحق بالخلافة من علي لولا أمره في عثمان ، ولكن معاوية أحق بالشام لرضا أهلها به فاعفوا لنا عنها ، فوالله ما بالشام رجل به طرق (3) إلا وهو أجد من معاوية في القتال ، ولا بالعراق من له مثل جد علي ( في الحرب ) ، ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم ، وما أقبح بعلي أن يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس ، حتى إذا أصاب سلطانا أفنى العرب ، فقال جعدة : أما حبي لخالي فوالله أن لو كان لك خال مثله لنسيت أباك ، وأما ابن أبي سلمة فلم يصب أعظم من قدره ، والجهاد أحب إلى من العمل ، وأما فضل علي على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه ( اثنان ) ، وأما رضاكم اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس ( فلم نقبل ) ، وأما قولك إنه ليس بالشام من رجل إلا وهو أجد من معاوية ، وليس بالعراق لرجل مثل جد علي ، فهكذا ينبغي أن يكون ، مضى بعلي يقينه ، وقصر بمعاوية شكه ، وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل ، وأما قولك نحن أطوع لمعاوية منكم لعلي ( عليه السلام ) ، فو الله ما نسأله إن سكت ، ولا نرد عليه إن قال ، وأما قتل العرب فإن الله كتب ( القتل و ) القتال فمن قتله الحق فإلى الله ، فغضب عتبة وفحش على جعدة ، فلم يجبه وأعرض عنه وانصرفا جميعا مغضبين .
--------------------------- (1) ح ( 2 : 301 ) ( بنسبك من عثمان ) . (2) في الأصل : ( عامل البحرين ) وأثبت ما في ح . (3) الطرق ، بالكسر : القوة ، وفي الحديث : ( لا أرى أحدا به طرق يتخلف ) ، وفي الأصل : ( طرف ) صوابه بالقاف . واقعة صفين _ 453 _
فلما انصرف عتبة جمع خيله فلم يستبق منها ( شيئا ) ، وجل أصحابه السكون والأزد والصدف ، وتهيأ جعدة بما استطاع فالتقيا ، وصبر القوم جميعا ، وباشر جعدة يومئذ القتال بنفسه ، وجزع عتبة فأسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية ، فقال له : فضحك جعدة ، وهزمتك (1) لا تغسل رأسك منها أبدا ، قال عتبة : لا والله لا أعود إلى مثلها أبدا ، ولقد أعذرت ، وما كان على أصحابي من عتب ، ولكن الله أبي أن يديلنا منهم فما أصنع ، فخطى بها جعدة عند علي ، فقال النجاشي فيما كان من شتم عتبة لجعدة شعرا :
--------------------------- (1) في الأصل : ( بهزمك ) والوجه ما أثبت من ح . (2) الحبى ، تقال بضم الحاء جمع حبوة بضم الحاء ، وبكسر الحاء جمع حبوة بكسرها ، وهي أن يجمع ظهره وساقيه بعمامة ، ح : ( إذا الجبال جللها الجهل ) . (3) في الأصل : ( وظلت تنظر ) وأثبت ما في ح ( 1 : 302 ) . واقعة صفين _ 454 _
--------------------------- (1) في الأصل : ( لم يصبح القوم ) وأثبت ما في ح ، وفي الأصل أيضا : ( شحمة يشوها ) صوابه من ح ، وانظر ما سبق في ص 367 س 13 . (2) الغرف : جمع غريف ، وهو الشجر الملتف ، وفي الأصل : ( العرف ) تحريف ، وهذا البيت والثلاثة قبله والبيت الذي بعده ليس في ح . (3) خيلك : أي فوارسك ، عض الثقاف بهم : دخلوا في مأزق الحرب ، وأصل الثقاف خشبة تسوى بها الرماح والقسى ، بها خرق يتسع لهما ، ثم يغمز منهما حيث ينبغي أن يغمز ، وهما مدهونان مملولان أو مضهوبان على النار ، حتى يصيرا إلى ما يراد منهما ، وفي الأصل : ( إذا غض النقاف ) تحريف . (4) في الأصل : ( مع أضيافه ) وأثبت ما في ح ( 2 : 302 ) . واقعة صفين _ 455 _
--------------------------- (1) ح : ( أصبح سرمدا ) . (2) ح : ( يوم بوار ) ، والبوار : الهلاك . (3) ح ( 2 : 303 ) : ( ومالك جاري ) ، ومالك هو الأشتر . (4) ح : ( المرادي الكريم ) . (5) العوار ، مثلثة : العيب . (6) في الأصل : ( وإن كنت فيه بالخيار ) وأثبت ما في ح . واقعة صفين _ 456 _
وكان معاوية بن الضحاك ابن سفيان صاحب راية بني سليم مع معاوية ، وكان مبغضا لمعاوية ( وأهل الشام ، وله هوى مع أهل العراق وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وكان يكتب بالأخبار (1) إلى عبد الله بن الطفيل العامري ويبعث بها إلى علي ( عليه السلام ) (2) فبعث إلى عبد الله بن الطفيل : إني قائل شعرا أذعر به أهل الشام وأرغم به معاوية (3) ، وكان معاوية لا يتهمه ، وكان له فضل ونجدة ولسان ، فقال ليلا ليسمع أصحابه :
(1) ح ( 3 : 423 ) : ( بأخبار معاوية ) . (2) ح : ( فيخبر بها عليا ( عليه السلام ) . (3) في الأصل : ( وأذعر به معاوية ) وأثبت ما في ح . (4) القعدد ، بضم القاف والدال ، وبفتح الدال أيضا : الجبان اللئيم القاعد عن الحرب والمكارم . واقعة صفين _ 457 _
(1) الفجفاج : الكثير الكلام والفخر بما ليس عنده . (2) نفذه : جازه ، ح : ( لو صار خلف جابلق مصعدا لم يأمن عليا ) . (3) ذكر ياقوت أن جابلق بأقصى المغرب ، ومدينة أخرى من رستاق أصبهان لها ذكر في التواريخ ، ولم يرسم لجابلص ، وفي ح ( 3 : 423 ) : ( ألا تعلمون ما جابلق ؟ يقول لأهل الشام ، قالوا : لا ، قال : مدينة في أقصى المشرق ليس بعدها شيء ) . (4) فل : هزم ، ح ( 3 : 424 ) : ( فر ) ، والأكفال : جمع كفل ، بالكسر ، هو من الرجال الذي يكون في مؤخر الحرب ، إنما همته في الفرار والتأخر . واقعة صفين _ 458 _
--------------------------- (1) ح : ( فلنا مثلهم غداة التلاقي ) . (2) في الأصل : ( جرت للموت ) صوابه من ح . واقعة صفين _ 459 _
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة قال : فلما أتى معاوية كتاب علي كتمه عن عمرو بن العاص أياما ، ثم دعاه بعد ذلك فأقرأه الكتاب ، فشمت به عمرو ، ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي من عمرو منذ يوم لقيه وصفح عنه ، فقال عمرو بن العاص فيما كان أشار به على معاوية :
--------------------------- (1) في الأصل : ( أن تخبره ) صوابه في ح ( 3 : 424 ) ، وفي ح أيضا : ( وتأمل أن يهابك ) . (2) الجأواء : الكتيبة يعلوها لون السواد لكثرة الدروع . (3) ح : ( إذا رجعت إليه ) . (4) في الأصل : ( وإن صدرت ) وأثبت ما في ح . واقعة صفين _ 460 _
وقد كان معاوية شمت بعمرو ، حيث لقي من علي ( عليه السلام ) ما لقي ، فقال عمرو في شماتة معاوية :
--------------------------- (1) في الأصل : ( عضعضني ) والوجه ما أثبت ، والمطوعة لم ترد في مظنها من ح . واقعة صفين _ 461 _
الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه (1) ، أقدمهم هجرة ، وأولهم إسلاما ، سيف من سيوف لله صبه على أعدائه ، فانظروا (2) ، إذا حمى الوطيس وثار القتام وتكسر المران ، وجالت الخيل بالأبطال ، فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة ، ( فاتبعوني وكونوا في إثري ) ، قال : ثم حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثم رجع ، فإذا هو الأشتر ، قال وخرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين : يا أبا الحسن ، يا علي ، ابرز إلي ، قال : فخرج إليه علي حتى إذا اختلف أعناق دابتيهما بين الصفين فقال : يا علي ، إن لك قدما في الإسلام وهجرة (3) ، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء ، وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك ؟ فقال له علي : وما ذاك ؟ قال : ( ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ، ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين شامنا ) ، فقال له علي : لقد عرفت ، إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة ، ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينيه ، فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم ، فرجع الشامي وهو يسترجع ، قال : وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل ( والحجارة ) حتى فنيت ، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت ، ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيف وعمد الحديد ، فلم يسمع السامع إلا وقع الحديد بعضه على بعض ، لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ، ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا ، قال : وانكشفت الشمس ( بالنقع ) وثار القتام ، وضلت الألوية والرايات . قال : و ( أخذ ) الأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها ، قال : فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل ، لم يصلوا لله صلاة ، فلم يزل يفعل ذلك الأشتر بالناس حتى أصبح والمعركة خلف ظهره ، وافترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة ، وهي ( ليلة الهرير ) ، و ( كان ) الأشتر في ميمنة الناس ، وابن عباس في الميسرة ، وعلي في القلب ، والناس يقتتلون .
--------------------------- (1) في الأصل : ( فيكم ابن عم نبيكم ) وأثبت ما في ح ( 1 : 183 ) . (2) في الأصل : ( فانظروا إلى ) ، وكلمة ( إلى ) ليست في ح . (3) ح : ( والهجرة ) . واقعة صفين _ 462 _
ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى ، والأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام : ازحفوا قيد رمحي هذا ، وإذا فعلوا قال : ازحفوا قاب هذا القوس (1) ، فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس الإقدام (2) ، فلما رأى ذلك قال : أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ، ثم دعا بفرسه وركز رايته ، وكانت مع حيان بن هوذة النخعي ، وخرج يسير في الكتائب ويقول : ألا من يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله (3) ، فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه ويقاتل معه ، نصر ، عن عمر بن سعد قال : حدثني أبو ضرار ، عن عمار (4) بن ربيعة قال : مر بي والله الأشتر وأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به ، فقام في أصحابه فقال : شدوا ، فدى لكم عمي وخالي ، شدة ترضون بها الله وتعزون بها الدين ، فإذا شددت فشدوا ، قال : ثم نزل وضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته : أقدم ، فأقدم بها ثم شد على القوم ، وشد معه أصحابه يضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى عسكرهم ، ثم إنهم قاتلوا عند العسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايته ، وأخذ علي ـ لما رأى الظفر قد جاء من قبله ـ يمده بالرجال ، قال : وإن عليا قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم ، ولم يبق منهم إلا آخر نفس ، وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها ، وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا ، وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله ( عز وجل ) ، فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فقال : يا عمرو ، إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل (5) فما ترى ؟ قال : إن رجالك لا يقومون لرجاله ، ولست مثله ، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء ، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم .
--------------------------- (1) وكذلك في ح ، والقوس يذكر ويؤنث . (2) في الأصل : ( حتى بل ) صوابه من ح . (3) في الأصل : ( ويلحق بالله ) صوابه في ح . (4) في الأصل : ( عمارة ) وأثبت ما في ح ( 1 : 184 ) مطابقا ما سلف في ص 473 . (5) ح : ( بالفصل ) . واقعة صفين _ 463 _
ولكن ألق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا ، وإن ردوه اختلفوا ، ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم ، فإنك بالغ به حاجتك في القوم ، فإني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه (1) ، فعرف ذلك معاوية فقال : صدقت ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن عمير الأنصاري (2) قال : والله لكأني أسمع عليا يوم الهرير حين سار أهل الشام ، وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها (3) وبين عك ولخم وجذام والأشعريين ، بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقلت الشمس (4) حتى قام قائم الظهيرة ، ثم إن عليا قال : حتى متى نخلي بين هذين الحيين ؟ قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم ، أما تخافون مقت الله ، ثم انفتل إلى القبلة ورفع يديه إلى الله ثم نادى : ( يا الله ، يا رحمن ( يا رحيم ) يا واحد ( يا أحد ) ، يا صمد ، يا الله يا إله محمد ، اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، وامتدت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، وطلبت الحوائج ، ( اللهم ) إنا نشكو إليك غيبة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ، ( ربنا افتح بينا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) ، سيروا على بركة الله ) ، ثم نادى : لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى ، ثم قال (5) : لا والله الذي بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحق نبيا ، ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السموات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب ، إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب ، يخرج بسيفه منحنيا فيقول : معذرة إلى الله ( عز وجل ) وإليكم من هذا ، لقد هممت أن أصقله (6) ولكن حجزني عنه أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول كثيرا : ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ) ، وأنا أقاتل به دونه ، قال : فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به في عرض الصف ، فلا والله ما ليث بأشد نكاية في عدوه منه ، رحمة الله عليه رحمة واسعة ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر (7) قال : سمعت تميم بن حذيم (8) يقول : لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا ، فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية ، فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح ، وهي عظام مصاحف العسكر ، وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعا وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط ، وقال أبو جعفر وأبو الطفيل : استقبلوا عليا بمائة مصحف ، ووضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف (9) ، وكان جميعها خمسمائة مصحف ، قال أبو جعفر : ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي ، وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة ، وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ، ثم نادوا : يا معشر العرب ، الله الله في نسائكم وبناتكم ، فمن للروم (10) والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم ، الله الله في دينكم ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم ، فقال علي : اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون ، فاحكم بيننا وبينهم ، إنك أنت الحكم الحق المبين ، فاختلف أصحاب علي في الرأي ، فطائفة قالت القتال ، وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب ، ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب ، فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها ، فقال محمد بن علي : فعند ذلك حكم الحكمان .
--------------------------- (1) في الأصل : ( لحاجتك إليه ) وأثبت ما في ح . (2) في الأصل : ( بن نمير ) تحريف ، انظر الإصابة 1030 . (3) في الأصل : ( بيننا ) والوجه ما أثبت من ح . (4) استقلت الشمس : ارتفعت في السماء ، وفي الأصل : ( استقبلت ) صوابه في ح . (5) القائل هو الراوي ، جابر بن عمير الأنصاري . (6) إنما يريد أن يصقله ليزيل ما به من الفقار ، وهي الحفر الصغار ، وفي الأصل : ( أفلقه ) . (7) جابر هذا هو جابر بن يزيد الجعفي المترجم في ص 245 . (8) سبقت ترجمته في ص 169 . (9) المجنبة ، بكسر النون المشددة : ميمنة الجيش وميسرته ، وبفتحها : مقدمة الجيش . (10) ح : ( من الروم ) . واقعة صفين _ 464 _
قال نصر : وفي حديث عمرو بن شمر بإسناده قال : فلما أن كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية ، والله ما نحن لنبرح اليوم العرصة حتى يفتح الله لنا أو نموت ، فبادروا القتال غدوة في يوم من أيام الشعري طويل شديد الحر (1) فتراموا حتى فنيت النبل ، ثم تطاعنوا حتى تقصفت رماحهم ، ثم نزل القوم عن خيولهم فمشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها وقامت الفرسان في الركب ، ثم اضطربوا بالسيوف وبعمد الحديد ، فلم يسمع السامع إلا تغمغم القوم وصليل الحديد في الهام ، وتكادم الأفواه ، وكسفت الشمس ، وثار القتام ، وضلت الألوية والرايات (2) ، ومرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن إلا تكبيرا ، ونادت المشيخة في تلك الغمرات : يا معشر العرب ، الله الله في الحرمات ، من النساء والبنات ، قال جابر : فبكى أبو جعفر وهو يحدثنا بهذا الحديث (3) ، قال : وأقبل الأشتر على فرس كميت محذوف ، قد وضع مغفره على قربوس السرج ، وهو يقول : ( اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمى الوطيس ) ، ورجعت الشمس من الكسوف ، واشتد القتال ، وأخذت السباع بعضها بعضا ، فهم كما قال الشاعر (4) :
--------------------------- (1) في الأصل : ( فباكروا القتال غدا يوما من أيام الشعري طويلا شديد الحر ) ، وأثبت ما في ح . (2) في الأصل : ( في الرايات ) وجهه من ح ( 1 : 185 ) . (3) في الأصل : ( وهو يحدثني ) وأثبت ما في ح . (4) في الأصل : ( فأنتم ) ووجهه من ح ، والشاعر هو عمرو بن معد يكرب ، من قصيدة في خزانة الأدب ( 3 : 462 ـ 463 ) والأصمعيات 43 ـ 45 ، وقبل البيت : (5) القرعاء : جمع قريع ، وهو المغلوب المهزوم ، وفي الأصل وح : ( الفرعاء ) تحريف ، وفي الخزانة والأصمعيات : ( الأوغال ) جمع وغل ، وهو النذل من الرجال ، والوريع ، الكاف ، وفي الخزانة : ( والوريع ، بالراء المهملة ، وكذلك الورع بفتحتين ، وهو الصغير الضعيف الذي لا غناء عنده ، وفي الأصل وح : ( الوزيع ) ولا وجه له . (6) كتب ابن أبي الحديد بعد هذا في ( 1 : 185 ) : واقعة صفين _ 465 _
--------------------------- (1) في الأصل : ( الحرمان ) صوابه في ح . (2) في الأصل : ( لتمكن ) في هذا الموضع وسابقه ، ووجههما ما أثبت من ح . (3) في الأصل : ( فأمر ) وصوابه في ح . (4) ح ( 1 : 185 ) : ( نحب ) بالنون . (5 ) في الأصل : ( ما اخترناك ) والوجه ما أثبت من ح . (6 ) استشري : اشتد وقوي ، وفي الأصل : ( لكان فيه اللجاج ) وأثبت ما في ح . (7) أي ابدأها مرة أخرى ، وفي اللسان : ( وإذا طفئت حرب بين قوم فقال بعضهم إن شئتم أعدناها جذعة ، أي أول ما يبتدأ فيها ) ، ح ( 1 : 188 ) : ( فأعدوها خدعة ) تحريف . واقعة صفين _ 466 _
فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأمره أن يكلم أهل العراق ، فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى : يا أهل العراق ، أنا عبد الله بن عمرو ابن العاص ، إنها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا ، فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم ، وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم ، وقد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم ، فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله ، فاغتنموا هذه الفرجة لعله أن يعيش فيها المحترف (1) وينسى فيها القتيل ، فإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل ، فخرج سعيد بن قيس فقال : يا أهل الشام ، إنه قد كان بيننا وبينكم أمور حامينا فيها على الدين والدنيا ، سميتموها غدرا وسرفا ، وقد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه بالأمس ، ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم ، ولا أهل الشام إلى شامهم ، بأمر أجمل من أن يحكم بما أنزل الله ، فالأمر في أيدينا دونكم ، وإلا فنحن نحن وأنتم أنتم ، وقام الناس إلى علي فقالوا : أجب القوم إلى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا ، ونادى إنسان من أهل الشام في سواد الليل بشعر سمعه الناس ، وهو :
--------------------------- (1) ح : ( المحترق ) . (2) في الأصل : ( فمحمد ) . واقعة صفين _ 467 _
ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال : أيها الناس ، إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه ، وإنهم دعونا إلى كتاب الله فإن رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم ، ولسنا نخاف أن يحيف الله علينا ولا رسوله ، وإن عليا ليس بالراجع الناكص ، ولا الشاك الواقف ، وهو اليوم على ما كان عليه أمس ، وقد أكلتنا هذه الحرب ، ولا نرى البقاء إلا في الموادعة ، ثم قام حريث بن جابر البكري ، فقال : أيها الناس ، إن عليا لو كان خلفا من هذا الأمر لكان المفزع إليه ، فكيف وهو قائده وسائقه ، وإنه والله ما قبل من القوم اليوم إلا ما دعاهم إليه أمس ، ولو رده عليهم كنتم له أعنت ، ولا يلحد في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور ، فما بيننا وبين من طغى علينا إلا السيف ، ثم قام خالد بن المعمر فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا والله ما اخترنا هذا المقام أن يكون أحد هو أولى به منا ، غير أنا جعلناه ذخرا ، وقلنا : أحب الأمور إلينا ما كفينا مؤنته (1) ، فأما إذ سبقنا في المقام فإنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم ، إن رأيت ذلك ، فإن لم تره فرأيك أفضل ، ثم إن الحضين الربعي ، وهو أصغر القوم سنا قام فقال : أيها الناس ، إنما بني هذا الدين على التسليم فلا توفروه بالقياس ولا تهدموه بالشفقة ، فإنا والله لو لا أنا لا نقبل إلا ما نعرف لأصبح الحق في أيدينا قليلا ، ولو تركنا ما نهوى لكان الباطل في أيدينا كثيرا ، وإن لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره ، وهو المصدق على ما قال ، المأمون على ما فعل ، فإن قال لا قلنا لا ، وإن قال نعم قلنا نعم ، فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى مصقلة بن هبيرة فقال : يا مصقلة ، ما لقيت من أحد ما لقيت من ربيعة ، قال : ما هم منك بأبعد من غيرهم ، وأنا باعث إليهم فيما صنعوا ، فبعث مصقلة إلى الربعيين فقال :
--------------------------- (1) المؤنة ، بالضم وسكون الهمزة : لغة في المؤونة ، بفتح الميم وضم الهمزة ، واستشهد صاحب المصباح لها بقوله : أميرنا مؤنته خفيفه : (2) الأراقم ، هم جشم ومالك وعمرو وثعلبة والحت ومعاوية ، بنو بكر بن حبيب ابن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط ، والحوباء : النفس ، وفي الأصل : ( من حوباء ) . (3) الغلباء لقب لتغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ، انظر القاموس ( غلب ) رالمعارف 41 ـ 42 ، وفي الأصل : ( العليا ) ، والمرائيس : جمع مرآس ، وهو المتقدم السابق . واقعة صفين _ 468 _
(1) البكارة بالكسر : جمع البكر ، بالفتح ، وهو الفتى من الإبل ، والقناعيس : جمع قنعاس ، وهو الجمل الضخم العظيم . (2) هم بنو ثعلبة بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم ، انظر ما سبق في التنبيه الأول من الصفحة السابقة ، وفي الأصل : ( بني ثعلبة ) ولا يستقيم به الشعر . (3) سبقت ترجمة حضين في ص 287 ، وفي الأصل : ( حصين ) تحريف . (4) في الأصل : ( حصينا ) صوابه بالضاد المعجمة ، وفي الأصل أيضا : ( منية المتجبر ) . (5) في الأصل : ( حتى كأنها ) ، والخشاش : ضعاف الطير ، والقطام كالقطامي : الصقر ، والقرقر : الأرض المطمئنة اللينة . (6) في هذا البيت إقواء . واقعة صفين _ 469 _
(1) الغوابر : الباقيات ، والغابر من الأضداد ، يقال للماضي وللباقي . (2) دونهم : أي قريبا منهم ، والمساعر : جمع مسعر ، بكسر الميم ، يقال رجل مسعر حرب إذا كان يؤرثها ، أي تحمي به ، وفي الأصل : ( المشاعر ) تحريف ، والمقطوعة لم ترد في مظنها من ح . (3) أخرى الليالي : آخرها ، وفي الأصل ( إحدى ) تحريف ، ونحوه قول الشنفري : واقعة صفين _ 470 _
--------------------------- (1) في الأصل : ( من بيننا ) . (2) الثائر : الذي يطلب الثأر ، في الأصل : ( في شؤم ) . (3) ح ( : 186 ) : ( صحبتهم صغارا ورجالا فكانوا شر رجال ) ، وما أثبت من الأصل يوافق ما في الطبري ( 6 : 27 ) . (4) في الأصل : ( ولا يعلمون بها ) وتصح هذه القراءة على الاستئناف ، وأثبت ما في ح . (5) في الأصل : ( وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة ) وأثبت ما في ح . واقعة صفين _ 471 _
نصر : فحدثني فضيل بن خديج ، عن رجل من النخع قال : رأيت إبراهيم ابن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير فسأله عن الحال كيف كانت (1) ، فقال : كنت عند علي حين بعث إلى الأشتر أن يأتيه ، وقد ( كان الأشتر ) أشرف على معسكر معاوية ليدخله ، فأرسل ( إليه ) علي يزيد بن هانئ : أن ائتني ، فأتاه فبلغه فقال الأشتر : ائته فقل له : ليس هذه بالساعة ( التي ) ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي ، إني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني ، فرجع يزيد بن هانئ إلى علي فأخبره ، فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر ، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام ، فقال له القوم : والله ما نراك إلا أمرته بقتال القوم ، قال : أرأيتموني ساررت رسولي ( إليه ) ؟ أليس إنما كلمته على رءوسكم علانية وأنتم تسمعون ، قالوا : فابعث إليه فليأتك ، وإلا فوالله اعتزلناك ، قال : ويحك يا يزيد ، قل له أقبل إلي ، فإن الفتنة قد وقعت ، فأتاه فأخبره فقال له الأشتر : الرفع هذه المصاحف (2) ؟ قال : نعم ، قال : أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافا وفرقة ، إنها من مشورة ابن النابغة ـ يعني عمرو بن العاص ـ قال : ثم قال ليزيد : ( ويحك ) ألا ترى إلى ما يلقون ، ألا ترى إلي الذي يصنع الله لنا ، أيتبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ ! فقال له يزيد : أتحب أنك ظفرت هاهنا وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم إلى عدوه ؟ ! قال : سبحان الله ، ( لا ) والله ما أحب ذلك ، قال : فإنهم قالوا : لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك ( بأسيافنا ) كما قتلنا عثمان ، أو لنسلمنك إلى عدوك ، قال : فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح فقال : يا أهل الذل والوهن ، أحين علوتم القوم فظنوا أنكم لهم قاهرون ورفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ؟ ! وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها وسنة من أنزلت عليه ، فلا تجيبوهم ، أمهلوني فواقا (3) ، فإني قد أحسست بالفتح ، قالوا : لا . قال : فأمهلوني عدوة الفرس (4) ، فإني قد طمعت في النصر ، قالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك ، قال : فحدثوني عنكم ـ وقد قتل أماثلكم وبقى أراذلكم ـ متى كنتم محقين ، أحين كنتم تقتلون أهل الشام (5) ، فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم ( أنتم ) الآن ( في إمساككم عن القتال ) محقون ؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم ، في النار ، قالوا : دعنا منك يا أشتر ، قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله ، إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا ، قال : خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود ، كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله ، فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ، ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة ، ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا ، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون ، فسبوه وسبهم ، وضربوا بسياطهم وجه دابته ، وضرب بسوطه وجوه دوابهم ، فصاح بهم علي فكفوا .
--------------------------- (1) السائل ، هو مصعب بن الزبير ، وفي ح : ( قال : سألت مصعب بن إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت ) ، تحريف . (2) ح : ( أبرفع هذه المصاحف ) ، وما في الأصل يوافق الطبري ( 6 : 27 ) . (3) الفواق ، بالضم وبالفتح : ما بين الحلبتين ، يقال : أنظرني فواق ناقة . (4) في الأصل : ( عدو الفرس ) وأثبت ما في ح . (5) في الأصل : ( حيث كنتم ) صوابه في ح ( 1 : 186 ) . واقعة صفين _ 472 _
وقال الأشتر : يا أمير المؤمنين ، احمل الصف على الصف يصرع القوم ، فتصايحوا (1) : إن عليا أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ورضى بحكم القرآن ولم يسعه إلا ذلك ، قال الأشتر : إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضى بحكم القرآن ، فقد رضيت بما رضي أمير المؤمنين ، فأقبل الناس يقولون : قد رضي أمير المؤمنين ، قد قبل أمير المؤمنين ، وهو ساكت لا يبض بكلمة (2) ، مطرق إلى الأرض ، وقال أبو محمد نافع بن الأسود التميمي (3) :
--------------------------- (1) بدلها في الأصل : ( فقالوا له ) وأثبت ما في ح ( 1 : 187 ) . (2) لا يبض بكلمة ، أي ما يتكلم ، وفي حديث طهفة : ( ماتبض ببلال ) أي ما يقطر منها لبن ، وفي الأصل : ( لا يفيض ) صوابه في ح . (3) هو أبو محمد نافع بن الأسود بن قطبة بن مالك التميمي ثم الأسيدي بتشديد الياء ، من بني أسيد بن عمرو بن تميم ، قال المرزباني : شاعر مخضرم يكنى أبا محمد ، وقال الدارقطني في المؤتلف : أبو محمد نافع بن الأسود شهد فتوح العراق ، انظر الإصابة 8849 ، وفي الأصل : ( أبو مجيد ) تحريف . (4) قصرة ، أي دون الناس ، وفي اللسان : ( أبلغ هذا الكلام بني فلان قصرة ومقصورة ، أي دون الناس ) . (5) أبرت : غلبت ، والمقطوعة لم ترد في ح . واقعة صفين _ 473 _
--------------------------- (1) قافل : راجع ، قفل يقفل قفولا ، وفي الأصل : ( بغافل ) والوجه ما أثبت . (2) ح ( 1 : 188 ) : ( وتأولوه على الله ( عز وجل ) . (3) في الأصل : ( الثامن ) وصوابه ما أثبت . واقعة صفين _ 474 _رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد ، رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري ، رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ، رواية الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه ، قال أبو يعلى أحمد ابن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري : قال أبو الحسن محمد بن ثابت ابن عبد الله بن محمد (1) بن ثابت الصيرفي : قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد ابن عقبة : قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز : قال أبو الفضل نصر بن مزاحم : قصة الحكمين : نصر عن عمر بن سعد ، عن رجل ، عن شقيق بن سلمة قال : جاءت عصابة من القراء قد سلوا سيوفهم واضعيها على عواتقهم فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما تنتظر بهؤلاء القوم أن نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم بالحق ، فقال لهم علي : قد جعلنا حكم القرآن بيننا وبينهم ، ولا يحل قتالهم حتى ننظر بم يحكم القرآن ، قال : وكتب معاوية إلى علي : --------------------------- (1) ساقطة من الأصل . واقعة صفين _ 475 _
( أما بعد ، عافانا الله وإياك ، فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا وألفة بيننا ، وقد فعلت وأنا أعرف حقي ، ولكن اشتريت بالعفو صلاح الأمة ، ولا أكثر فرحا بشيء جاء ولا ذهب (1) ، وإنما أدخلني في هذا الأمر القيام بالحق فيما بين الباغي والمبغى عليه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا وبينك ، فإنه لا يجمعنا وإياك إلا هو ، نحيي ما أحيا القرآن ، ونميت ما أمات القرآن ، والسلام ) ، وكتب علي إلى عمرو بن العاص ( يعظه ويرشده ) : ( أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها ، ولم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة ، ولن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغه ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، والسعيد من وعظ بغيره ، فلا تحبط أبا عبد الله أجرك ، ولا تجار معاوية في باطله ) ، فأجابه عمرو بن العاص : ( أما بعد فإن ما فيه صلاحنا وألفتنا الإنابة إلى الحق ، وقد جعلنا القرآن حكما بيننا فأجبنا إليه ، وصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن ، وعذره الناس بعد المحاجزة ، ( والسلام ) .
فكتب إليه علي : ( أما بعد فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك ووثقت به منها لمنقلب عنك ، ومفارق لك ، فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة ، ولو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقى ، وانتفعت بما وعظت به ، والسلام ) ، فأجابه عمرو : ( أما بعد فقد أنصف من جعل القرآن إماما ودعا الناس إلى أحكامه ، فاصبر أبا حسن ، وأنا غير منيلك (2) إلا ما أنالك القرآن ) ، وجاء الأشعث بن قيس إلى علي فقال : ( يا أمير المؤمنين ) ما أرى الناس إلا وقد رضوا وسرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن ، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ، ونظرت ما الذي يسأل ، قال : ائته إن شئت ، فأتاه فسأله فقال : يا معاوية ، لأي شئ رفعتم هذه المصاحف ؟ قال : لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه (3) ، فابعثوا منكم رجلا ترضون به ، ونبعث منا رجلا ، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ، ثم نتبع ما أتففا عليه ، فقال الأشعث : هذا هو الحق ، فانصرف إلى علي فأخبره بالذي قال ، وقال الناس : قد رضينا وقبلنا ، فبعث على قراء من أهل العراق ، وبعث معاوية قراء من أهل الشام ، فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف ، فنظروا فيه وتدارسوه ، وأجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ، وأن يميتوا ما أمات القرآن ، ثم رجع كل فريق إلى أصحابه ، وقال الناس : قد رضينا بحكم القرآن ، فقال أهل الشام : فإنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص ، وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد : فإنا قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري ، فقال لهم علي : إني لا أرضى بأبي موسى ، ولا أرى أن أوليه ، فقال الأشعث ، وزيد بن حصين (4) ، ومسعر بن فدكي ، في عصابة من القراء : إنا لا نرضى إلا به ، فإنه قد حذرنا ما وقعنا فيه ، قال علي : فإنه ليس لي برضا ، وقد فارقني وخذل الناس عني (5) ثم هرب ، حتى أمنته بعد أشهر ، ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك ، قالوا : والله ما نبالي ، أكنت أنت أو ابن عباس ، ولا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ، وليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر ، قال علي : فإني أجعل الأشتر ، قال نصر : قال عمرو : فحدثني أبو جناب قال : قال الأشعث : وهل سعر الأرض علينا غير الأشتر ، وهل نحن إلا في حكم الأشتر ، قال له علي : وما حكمه ؟ قال : حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد . --------------------------- (1) كذا ورد في الأصل وح على الاكتفاء ، أي ولا بشيء ذهب . (2) ح ( 1 : 189 ) : ( فإنا غير منيليك ) . (3) ح : ( به فيها ) . (4 ) هو زيد بن حصين الطائي ، ذكره ابن حجر في الإصابة 2887 ، وقد سبقت خطبة له في ص 99 ، وانظر أيضا ص 100 ، وفي الأصل ( يزيد بن حصن ) والصواب مما أثبت من ح . (5) التخذيل : حمل الرجل على خذلان صاحبه ، وتثبيطه عن نصرته . واقعة صفين _ 476 _
نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : لما أراد الناس عليا على أن يضع حكمين قال لهم علي : إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص ، وإنه لا يصلح للقرشي إلا مثله ، فعليكم بعبد الله بن عباس فارموه به ، فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله ، ولا يحل عقدة إلا عقدها ، ولا يبرم أمرا إلا نقضه ، ولا ينقض أمرا إلا أبرمه ، فقال الأشعث : لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ، ولكن أجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر ، فقال علي : إني أخاف أن يخدع يمنيكم ، فإن عمرا ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هوى (1) ، فقال الأشعث : والله لأن يحكما ببعض ما نكره ، وأحدهما من أهل اليمن ، أحب إلينا من أن يكون ( بعض ) ما نحب في حكمهما وهما مضريان ، وذكر الشعبي مثل ذكر الشعبي مثل ذلك ، وفي حديث عمر قال : قال علي : قد أبيتم إلا أبا موسى ؟ قالوا : نعم ، قال : فاصنعوا ما أردتم ، فبعثوا إلى أبي موسى وقد اعتزل بأرض من أرض الشام يقال لها عرض (2) واعتزل القتال ، فأتاه مولى له فقال : إن الناس قد اصطلحوا ، قال : الحمد لله رب العالمين ، قال : وقد جعلوك حكما ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي ، وجاء الأشتر حتى أتى عليا فقال له : يا أمير المؤمنين الزنى بعمرو بن العاص (3) ، فوالله الذي لا إله غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه ، قال : وجاء الأحنف بن قيس التميمي فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك قد رميت بحجر الأرض (4) ومن حارب الله ورسوله أنف الإسلام (5) ، وإني قد عجمت هذا الرجل ـ يعني أبا موسى ـ وحلبت أشطره ، فوجدته كليل الشفرة ، قريب القعر ، وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم ، ويتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم ، فإن تجعلني حكما فاجعلني ، وإن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا (6) ، فإنه لا يعقد عقدة إلا حللتها ، ولن يحل عقدة إلا عقدتها وعقدت لك أخرى أشد منها ، فعرض ذلك على الناس فأبوه وقالوا : لا يكون إلا أبا موسى ، نصر : وفي حديث عمر قال : قام الأحنف بن قيس إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، إني خيرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعني وأكف عنك بني سعد ، فقلت كف قومك فكفى بكفك نصيرا (7) فأقمت بأمرك ، وإن عبد الله بن قيس (8) رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المدية ، وهو رجل يمان وقومه مع معاوية ، وقد رميت بحجر الأرض وبمن حارب الله ورسوله ، وإن صاحب القوم من ينأي حتى يكون مع النجم ، ويدنو حتى يكون في أكفهم .
--------------------------- (1) في الأصل : ( حتى إذا كان له في أمر هواه ) صوابه في ح . (2) عرض ، بضم أوله وسكون ثانيه : بلد ببن تدمر والرصافة الشامية . (3) ألزه به : ألزمه إباه . (4) في اللسان : ( يقال رمى فلان بحجر الأرض ، إذا رمى بداهية من الرجال ) ، وروى صاحب اللسان حديث الأحنف في ( 3 : 237 ) . (5) أي في أول الإسلام . (6) في الأصل : ( فإن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا ) ، وصوابه وتكملته من الطبري . (7) في الأصل : ( نصرا ) وأثبت ما في ح . (8) عبد الله بن قيس ، هو أبو موسى الأشعري ، توفى سنة 42 أو 43 وهو ابن نيف وستين سنة . واقعة صفين _ 477 _
فابعثني ووالله لا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد منها فإن قلت : إني لست من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فابعث رجلا من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غير عبد الله بن قيس (1) ، وابعثني معه ، فقال علي : إن القوم أتوني بعبد الله بن قيس مبرنسا ، فقالوا (2) : ابعث هذا ، فقد رضينا به ، والله بالغ أمره ، وذكروا أن ابن الكواء قام إلى علي فقال : هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وصاحب مقاسم أبي بكر (3) ، وعامل عمر ، وقد ( رضى به القوم ) وعرضنا على القوم عبد الله بن عباس فزعموا أنه قريب القرابة منك ، ظنون في أمرك (4) ،
فبلغ ذلك أهل الشام فبعث أيمن بن خريم الأسدي ، وهو معتزل لمعاوية ، هذه الأبيات ، وكان هواه أن يكون هذا الأمر لأهل العراق فقال :
(1) ( غير عبد الله بن قيس ) ليست في ح . (2) في الأصل : ( فقال ) صوابه في ح . (3) صاحب المقاسم : الذي يتولى أمر قسمة المغانم ونحوها . (4) الظنون كالظنين : المتهم . (5) في الأصل : ( يعظمون به ، بعد الخطار ) صوابه في ح . (6) في الأصل : ( غير عائبه ) وأثبت ما في ح ( 1 : 190 ) . واقعة صفين _ 478 _
قال : فلما بلغ الناس قول أيمن طارت أهواء قوم من أولياء علي عليه السلام وشيعته (1) إلى عبد الله بن عباس ، وأبت القراء إلا أبا موسى ، وفي حديث عمر بن سعد قال : قال بسر بن أرطاة : لقد رضى معاوية بهذه المدة ، ولئن أطاعني لينقصن هذه المدة ، قال أيمن بن خريم بن فاتك ، وكان قد اعتزل عليا ومعاوية ثم قارب أهل الشام ولم يبسط بدا :
--------------------------- (1) بدلها في الأصل : ( طارت أهواؤهم ) وما هنا من ح . (2) في الأصل : ( يشبهه ) والمقطوعة لم ترد في ح . (3) انظر ص 46 س 2 . (4) انظر ص 45 السطر الأخير . (5) الآلة : الحالة ، قال : قد أركب الآلة بعد الآله . (6) في الأصل : ( على أن يبايعه على قتل علي ) ، و أثبت ما في ح . |