لو  علي وصحبه وردوا iiالماء      لـما ذقتموه حتى تقولوا  (1)
قـد رضـينا بما حكمتم علينا      بـعد ذاك الـرضا جلاد iiثقيل
فامنع القوم ماءكم ، ليس للقوم      بـقـاء وإن يـكـن iiفـقليل
  فقال معاوية : الرأي ما تقول ، ولكن عمرو لا يدعني (2) ، قال عمرو : خل بينهم وبين الماء ؛ فإن عليا لم يكن ليظمأ وأنت ريان ، وفي يده أعنة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت ، وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق (3) ، ومعه أهل العراق وأهل الحجاز ، وقد سمعته أنا وأنت (4) وهو يقول : لو استمكنت من أربعين رجلا ، فذكر أمرا ، يعنى لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت ، يعني بيت فاطمة ، وذكروا أنه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة فقال معاوية : يا أهل الشام ، هذا والله أول الظفر ، سقاني الله ولا سقى أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه ، وتباشر أهل الشام ، فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام ( همداني ناسك ) ، يقال له المعري بن الأقبل وكان ناسكا ، وكان له ـ فيما تذكر همدان ـ لسان ، وكان صديقا ومواخيا لعمرو بن العاص ، فقال : يا معاوية ، سبحان الله ، ألان سبقتم القوم (5) إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه ؟ أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه ، أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعونهم الفرات فينزلوا على فرضة أخرى فيجازوكم بما صنعتم ؟ أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف ومن لا ذنب له ، هذا والله أول الجور ، لقد شجعت الجبان ، وبصرت المرتاب ، وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك ، فأغلظ له معاوية ، وقال لعمرو : اكفني صديقك ، فأتاه عمرو فأغلظ ، فقال الهمداني في ذلك :

---------------------------
(1) هذا البيت ساقط من ح .
(2) ح : ( ولكن عمرا يدري ) .
(3) انظر ما سبق ص 67 س 3 .
(4) ح ( 1 : 328 ) : وقد سمعته أنا مرارا .
(5) في الأصل : ( إن سبقتم القوم ) ، وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 161 _

لـعمرو  أبـي معاوية بن حرب      وعـمـرو مــا لـدائهما iiدواء
سـوى طـعن يـحار العقل iiفيه      وضـرب حـين يـختلط iiالدماء
فـلست بـتابع ديـن ابـن iiهند      طـوال  الـدهر ما أرسى حراء
لـقد ذهـب الـعتاب فلا iiعتاب      وقـد  ذهـب الـولاء فلا iiولاء
وقولي في حوادث كل أمري  (1)       عـلي عـمرو وصـاحبه العفاء
ألا لـلـه درك يـا ابـن iiهـند      لـقد  برح الخفاء فلا خفاء  (2)
أتـحمون  الـفرات على iiرجال      وفـي أيـديهم الأسـل الـظماء
وفـي  الأعـناق أسـياف iiحداد      كـأن  الـقوم عندهم نساء  (3)
فـتـرجو أن يـجاوركم iiعـلي      بــلا مـاء ولـلأحزاب iiمـاء
دعـاهم  دعـوة فـأجاب iiقـوم      كـجرب الإبـل خـالطها الهناء
  قال : ثم سار الهمداني في سواد الليل ، فلحق بعلي ، قال : ومكث أصحاب علي يوما وليلة بغير ماء ، وأغتم علي بما فيه أهل العراق ، نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال : خرج علي لما اغتم بما فيه أهل العراق من العطش قبل رايات مذحج ، وإذا رجل ينادي :
أيـمنعنا الـقوم مـاء iiالفرات      وفينا الرماح وفينا الحجف  (4)

---------------------------
(1) ح : ( كل خطب ) .
(2) يقال برح الخفاء بكسر الراء وفتحها : أي ظهر ما كان خافيا وانكشف ، وفي الأصل : ( ذهب الحياء فلا حياء ) ، وأثبت ما في ح .
(3) في الأصل : ( عندكم ) ، والصواب ما أثبت من ح .
(4) الحجف : جمع حجفة ، وهي الترس من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض ، وانظر مقاييس اللغة ( حجف ) .

واقعة صفين _ 162 _

وفـينا  الـشوازب مـثل iiالوشيج      وفينا  السيوف وفينا الزغف  (1)
وفـيـنا  عـلـي لــه iiسـورة      إذا  خـوفره الـردى لـم يـخف
فـنـحن  الـذين غـداة الـزبير      وطـلحة خضنا غمار التلف  (2)
فـما  بـالنا أمـس أسـد iiالعرين      ومـا  بالنا اليوم شاء النجف  (3)
فـمـا  لـلعراق ومـا iiلـلحجاز      سوى اليوم يوم فصكوا الهدف (4)
فـدبـوا إلـيهم كـبزل iiالـجمال      دويـن الذميل وفوق القطف  (5)
فـإمـا  تـحلوا بـشط iiالـفرات      ومـنـا ومـنـهم عـليه iiالـجي
وإمــا  تـموتوا عـلى iiطـاعة      تـحل  الـجنان وتـحبو iiالشرف
وإلا  فـأنـتم عـبـيد الـعـصا      وعـبد  العصا مستذل نطف  (6)
  قال : فحرك ذلك عليا ، ثم مضى إلى راية كندة (7) ، فإذا مناد ينادي إلى جنب منزل الأشعث (8) وهو يقول :

---------------------------
(1) الشوازب : الخيل الضامرة ، وفي الأصل : ( الشوارب ) وفي ح : ( الشواذب ) صوابه بالزاي كما أثبت ، والوشيج : أراد به الرماح ، وأصل الوشيج شجر الرماح ، وشبه الخيل بالرماح في دقتها وضمرها ، انظر المفضليات ( 2 : 180 ) ، والزغف : جمع زغفة ، وهي الدرع الواسعة الطويلة ، والغين تسكن وتحرك في المفرد والجمع .
(2) يشير إلى وقعة الجمل .
(3) النجف ، بفتح النون والجيم ، قال ابن الأعرابي ، ( هو الحلب الجيد حتى ينفض الضرع ) انظر خزانة البغدادي ( 1 : 529 ) ومروج الذهب ( 2 : 18 ) حيث أنشد بعض هذه الأبيات .
(4) الصك : الضرب ، ح : ( سوا الشام خصم ) .
(5) الذميل والقطف : ضربان من السير .
(6) عبيد العصا ، يقال للقوم إذا استذلوا ، قال امرؤ القيس : قولا لدودان عبيد العصا ، ما غركم بالأسد الباسل وفي الأصل : ( عبيد الرشاء ، وعبد الرشا ) صوابه في ح ( 1 : 328 ) ، والنطف : المريب المعيب .
(7) ح : ( رايات كندة ) .
(8) في مروج الذهب ( 2 : 18 ) : ( وألقى في فسطاط الأشعث بن قيس رقعة فيها ) وأنشد البيتين الأولين .

واقعة صفين _ 163 _

لـئن  لم يجل الأشعث اليوم iiكربة      من الموت فيها للنفوس تعنت  (1)
فـنشرب  مـن ماء الفرات iiبسيفه      فـهبنا  أنـاسا قـبل كانوا iiفموتوا
فـإن  أنت لم تجمع لنا اليوم أمرنا      وتلق التي فيها عليك التشتت  (2)
فمن  ذا الذي تثني الخناصر iiباسمه      سـواك ومـن هـذا إلـيه iiالتلفت
وهـل  مـن بـقاء بعد يوم iiوليلة      نظل  عطاشا والعدو يصوت  (3)
هـلموا إلـى مـاء الفرات iiودونه      صدور  العوالي والصفيح iiالمشتت
وأنـت امـرؤ مـن عصبة iiيمنية      وكل  امرئ من غصنه حين iiينبت
  فلما سمع الأشعث قول الرجل أتى عليا من ليلته ، فقال : يا أمير المؤمنين أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ، ومعنا السيوف ؟ خل عنا وعن القوم ، فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت ، ومر الأشتر فليعل بخيله فيقف حيث تأمره (4) ، فقال : ذاك إليكم (5) ، فرجع الأشعث ، فنادى في الناس : من كان يريد ( الماء أو ) الموت فميعاده الصبح (6) ؛ فإني ناهض إلى الماء ، فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل (7) وشد عليه سلاحه وهو يقول :

---------------------------
(1) التعنت ، من قولهم تعنت فلان فلانا : إذا أدخل عليه الأذى ، وفي الأصل : ( تفتت ) ، وفي مروج الذهب : ( تعلت ) صوابهما ما أثبت .
(2) ح : ( المذلة ) .
(3) ح ( نظل خفوتا ) .
(4) في الأصل : ( ومر الأشتر فليعلو بخيله فيقف حين أمره ) ، صوابه من ح .
(5) في الأصل : ( إليك ) وأثبت ما في ح .
(6) ح : ( فميعاده موضع كذا ) .
(7) ح : ( فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة وأفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم ) .

واقعة صفين _ 164 _

ميعادنا  اليوم بياض iiالصبح      هـل يصلح الزاد بغير iiملح
لا  لا ، ولا أمر بغير iiنصح      دبـوا إلى القوم بطعن iiسمح
مثل العزالى بطعان نفح  (1)      لا  صلح للقوم وأين iiصلحي
  حسبي من الإقحام قــاب رمــح فلما أصبح دب في الناس وسيوفهم على عواتقهم ، وجعل يلقى رمحه ويقول : بأبي أنتم وأمي ، تقدموا قاب رمحي (2) ( هذا ) ، فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم وحسر عن رأسه ونادى : أنا الأشعث بن قيس ، خلوا عن الماء ، فنادى أبو الأعور السلمي : أما والله لا ، حتى تأخذنا وإياكم السيوف ، فقال : قد والله أظنها دنت منا ، وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي ، فبعث إليه الأشعث أن أقحم الخيل ، فأقحمها حتى وضع سنابكها في الفرات ، وأخذت القوم السيوف فولوا مدبرين ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن زيد بن حسين (3) قال : نادى الأشعث عمرو بن العاص ، قال : ويحك يا ابن العاص ، خل بيننا وبين الماء ، فوالله لئن لم تفعل ليأخذنا وإياكم السيوف ، فقال عمرو : والله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف وإياكم ، فيعلم ربنا أينا اليوم أصبر ، فترجل الأشعث والأشتر (4) وذوو البصائر من أصحاب علي ، وترجل معهما اثنا عشر ألفا ، فحملوا على عمرو ومن معه من أهل الشام (5) فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي سنابكها في الماء ، نصر : روى سعد أن عليا قال ذلك اليوم : هذا يوم نصرتم فيه بالحمية (6) ، ثم إن عليا عسكر هناك ، وقبل ذاك قال شاعر أهل العراق :

---------------------------
(1) العزالي : جمع عزلاء ، بالفتح ، وهي فم المزادة ، شبه بها اتساع الطعنة واندفاق الدماء منها ، والنفح : الدفع ، وطعنة نفاحة : دفاعة بالدم .
(2) في الأصل : ( قاب رمح ) وأثبت ما في ح ، قاب رمحي : أي قدره .
(3) ح : ( عن أبي جعفر وزيد بن الحسن ) .
(4) ح : ( فالأشتر ) بالفاء .
(5) ح : ( على عمرو وأبي الأعور ومن معهما من أهل الشام ) .
(6) انظر ما سبق في ص 162 س 9 ـ 10 .

واقعة صفين _ 165 _

ألا يـتـقون الله أن يـمنعوننا الـفرات      وقــد يــروي الـفـرات iiالـثعالب
وقـد  وعـدونا الأحـمرين فـلم نـجد      لـهم  أحـمرا إلا قـراع الكتائب    (1)
إذا  خـفـقت رايـاتـنا طـحنت لـها      رحى تطحن الأرحاء والموت طالب  (2)
فـتعطي إلـه الـناس عـهدا نـفي iiبه      لـصهر  رسـول الله حـتى نـضارب
  وكان بلغ (أهل ) الشام أن عليا جعل للناس إن فتحت الشام أن يقسم بينهم البر والذهب ـ وهما الأحمران (3) ـ وأن يعطيهم خمسمائة كما أعطاهم بالبصرة (4) ، فنادى منادي أهل الشام (5) ؛ يا أهل العراق ( لماذا نزلتم بعجاج من الأرض (6) ؟ نحن أزد شنوءة لا أزد عمان ، يا أهل العراق ) :
لا خمس إلا جندل الإحرين  (7)      والخمس قد يحمل الأمرين  (8)

---------------------------
(1) الأحمران ، سيأتي تفسيرهما بعد الشعر .
(2) الأرحاء ، هاهنا : القبائل المستقلة ، واحدتها رحى .
(3) فسرا في المعاجم بأنهما اللحم والخمر ، أو الذهب والزعفران ، أما تفسيرهما بالبر والذهب فلم أجده إلا هاهنا ، وفي ح : ( التبر والذب ) ولا إخال ( التبر ) إلا تحريفا .
(4) لما فرغ علي من بيعة أهل البصرة بعد وقعة الجمل نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة ، فقسمها على من شهد معه ، فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة ، وقال : لكم إن أظفركم الله ( عز وجل ) بالشام مثلها إلى أعطياتكم ، انظر الطبري ( 4 : 223 ) .
(5) في اللسان ( حرر ) : ( أنشد ثعلب لزيد بن عتاهية التميمي ، وكان زيد المذكور لما عظم البلاء بصفين قد انهزم ولحق بالكوفة . . . . فلما قدم زيد على أهله قالت له ابنته : أين خمس المائة ؟ فقال :
(6) العجاج ، أراد به الأرض الخبيثة ، وأصل العجاج من الناس الغوغاء والأراذل ومن لا خير فيه .
(7) لا خمس ، أراد لا خمسمائة ، والجندل : جمع جندلة ، وهي الحجارة يقلها الرجل ، والإحرين بكسر أوله وفتح ثانيه : الحرار من الأرض ، كأنها جمع إحرة ، ولم يتكلموا بهذه ، وهي من ملحقات الجمع السالم كالإوزين والأرضين والسنين ، والحرار : جمع حرة ، وهي أرض ذات حجارة سود نخرات ، والمعنى : ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة .
(8) الأمرين : الشعر والأمر العظيم ، يقال بكسر الراء وفتحها ، كما في القاموس .

واقعة صفين _ 166 _

إن أبـاك فـر يـوم iiصفين      لـما  رأى عكا iiوالأشعريين
وقـيس عيلان الهوازنيبن ii؟      وابن  نمر في سراة iiالكنديين
وذا  الـكلاع سـيد iiاليمانين      وحـابسا يستن في iiالطائيين
قال  لنفس السوء هل iiتفرين      لا  خمس إلا جندل iiالإحرين
والخمس  قد جشمك iiالأمرين      جمزا إلى الكوفة من قنسرين
  جمزا إلى الكوفة مــن قنسـرين (1) نصر : أبو عبد الرحمن المسعودي ، عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه ، عن عمرو بن العاص :
لا  خـمس إلا جـندل iiالإحرين      والخمس قد يجشمك الأمرين  (2)
  نصر : قال عمرو بن شمرو (3) ، عن جابر قال : سمعت تميما الناجي (4) قال سمعت الأشعث بن قيس يقول ـ يوم حال عمرو بن العاص بيننا وبين الفرات : ويحك يا عمرو ، والله إن كنت لأظن لك رأيا فإذا أنت لا عقل لك ، أترانا نخليك والماء ، تربت يداك وفمك ، أما علمت أنا معشر عرب ، ثكلتك أمك وهبلتك ، لقد رمت أمر عظيما ، فقال له عمرو : أما والله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد ، ونقيم على العقد ، ونلقاك بصبر وجد (5) ، فناداه الأشتر : والله لقد نزلنا هذه الفرضة يابن العاص ، والناس تريد القتال ، على البصائر والدين ، وما قتالنا سائر اليوم إلا حمية ، ثم كبر الأشعث وكبر الأشتر ، ثم حملا فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام .

---------------------------
(1) الجمز : ضرب من السير السريع ، وفي الأصل : ( حمزك من الكوفة إلى قنسرين ) وكتب بجواره : ( خ : يجزيك من كوف إلى قنسرين ) إشارة إلى أنه كذلك في نسخة أخرى ، وصواب هذه الأخيرة : ( جمزك ) وهذا البيت الأخير ساقط من ح ( 1 : 329 ) ، وانظر الاشتقاق لابن دريد 85 جوتنجن 136 من تحقيقنا .
(2) كتب إلى جوارها في الأصل : ( خ : قد يحمل الأمرين ) .
(3) هو عمرو بن شمر الجعقي الكوفي الشيعي ، أبو عبد الله ، يروى عن جعفر بن محمد وجابر الجعفي ، والأعمش ، انظر لسان الميزان ( 4 : 366 ) ، ح : ( عمر بن شمر ) تحريف .
(4) هو تميم بن حذلم بالحاء المهملة والذال المعجمة وزان جعفر ـ ويقال حذيم ـ الناجي الضبي ، الكوفي ، أبو سلمة ، شهد مع علي وكان من خواصه ، قال ابن حجر : ( ثقة ، مات سنة مائة ) ، انظر منتهى المقال 70 والقاموس ( حذلم ) وتهذيب التهذيب والتقريب .
(5) ح ( 1 : 329 ) : ( ونحكم العقد ونلقاهم بصبر وجد ) .

واقعة صفين _ 167 _

  ( قالوا ) : فلقى عمرو بن العاص بعد ذلك (1) الأشعث بن قيس فقال : أي أخا كندة ، أما والله لقد أبصرت صواب قولك يوم الماء ، ولكني كنت مقهورا على ذلك الرأي ، فكايدتك بالتهدد ، والحرب خدعة ، ثم إن عمرا أرسل إلى معاوية : أن خل بين القوم وبين الماء ، أترى القوم يموتون عطشا وهم ينظرون إلى الماء ؟ فأرسل معاوية إلى يزيد بن أسد ( القسري ) : أن خل بين القوم وبين الماء يا أبا عبد الله ، فقال يزيد ـ وكان شديد العثمانية ـ كلا والله (2) ، لنقتلنهم عطشا كما قتلوا أمير المؤمنين ، نصر ، عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي قال : سمعت بكر بن تغلب السدوسي يقول : والله لكأني أسمع الأشتر وهو يحمل على عمرو بن العاص يوم الفرات ، وهو يقول :
ويـحك  يـا ابـن iiالعاصي      تـنـح  فــي iiالـقواصي
واهرب إلى الصياصي  (3)       الـيوم  فـي عـراص  (4)
نــأخـذ  iiبـالـنـواصي      لا  نـحذر الـتناصي  (5)
نـحن  ذوي الخماص  (6)       لا نــقـرب iiالـمـعاصي
فــي  الأدرع iiالــدلاص      في الموضع المصاص  (7)

---------------------------
(1) ح : ( بعد انقضاء صفين ) .
(2) في الأصل : ( كلا والله يا أم عبد الله ) ، وهي عبارة تحتمل أن تكون من إقحام الناسخ ، أو من تهكم يزيد بن أسد بمعاوية ، كما أشار إلى ذلك ناشر الأصل ، لكن عدم إثباتها في ح يؤيد أنها مقحمة في الكتاب .
(3) الصياصي : الحصون وكل شيء امتنع به .
(4) العراص ، بالكسر : جمع عرصة ، بالفتح ، وهي الساحة .
(5) التناصي : أن يأخذ كل منهما بناصية الآخر ، وفي الأصل : ( القصاص ) تحريف .
(6) الخماص : الضوامر ، أراد بها الخيل .
(7) الدلاص : البراقة الملساء اللينة ، تقال للواحد والجمع ، والمصاص ، بالضم : أخلص كل شيء .

واقعة صفين _ 168 _

  فأجابه عمرو بن العاص :
ويحك يا ابن الحارث (1)       أنـت  الـكذوب iiالحانث
أنت  الغرير الناكث  (2)       أعــد  مـال iiالـوارث
  وفــي القبــور ماكــث عمرو بن شمر (3) ، عن إسماعيل السدي ، عن بكر بن تغلب (4) قال : حدثني من سمع الأشتر يوم الفرات ، وقد كان له يومئذ غناء عظيم من أهل العراق (5) ، وهو يقول :
اليوم يوم iiالحفاظ      بين الكماة الغلاظ
نحفزهــــا والمظـــاظ (6) قال : ثم قال : وقد قتل من آل ذي لقوة (7) ، وكان يومئذ فارس أهل الأردن ، وقتل رجال من آل ذي يزن .

---------------------------
(1) ابن الحارث ، هو الأشتر ، واسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة ، تنتهي نسبته إلى النخع ، انظر الاشتقاق ص 241 والمعارف 84 .
(2) الغرير : الدي لم يجرب الأمور ، وفي الأصل : ( العزيز ) تحريف .
(3) في الأصل : ( عمر بن شمر ) تحريف ، وقد تقدمت ترجمة عمرو في ص 169 .
(4) في الأصل : ( بحر بن تغلب ) وأثبت ما اتفق عليه الأصل وح في الموضع التالي .
(5) في الأصل : ( من أهل العراق ) والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 329 ) .
(6) الحفز : الطعن بالرمح ، والمظاظ : المخاصمة والمنازعة .
(7) كذا وردت العبارة ناقصة في الأصل ، ولم ترد في مظنها من ح .

واقعة صفين _ 169 _

  نصر : فحدثني عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي ، عن بكر بن تغلب قال : حدثني من سمع الأشعث يوم الفرات وقد كان له غناء عظيم من أهل العراق وقتل رجالا من أهل الشام بيده ، وهو يقول : والله إن كنت لكارها قتال أهل الصلاة ، ولكن معي من هو أقدم مني في الإسلام ، وأعلم بالكتاب والسنة ، وهو الذي يسخي بنفسه (1) ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن رجل من آل خارجة بن الصلت ، أن ظبيان بن عمارة التميمي ، جعل يومئذ يقاتل وهو يقول (2) :
مـالك  يـا ظـبيان مـن iiبقاء      في ساكن الأرض بغير ماء  (3)
لا ، وإلــه الأرض والـسماء      فـاضرب  وجوه الغدر iiالأعداء
بالسيف عند حمس الوغاء  (4)       حـتى  يـجيبوك إلـى iiالسواء
  قال : فضربناهم والله حتى خلونا وإياه ، نصر : عمر بن سعد بإسناده قال ، طال بيننا وبين أهل الشام القتال ، فما أنسى قول عبد الله بن عوف ( بن ) الأحمر (5) ، يوم الفرات ، وكان من فرسان علي ، وهو يضربهم بالسيف وهو يقول :
خلوا لنا عن الفرات الجاري      أو  اثـبتوا للجحفل iiالجرار
لكن قرم مستميت شار  (6)       مـطاعن  بـرمحه iiكـرار
  ضراب هامات العــدى مغــوار قال : ثم إن الاشتر دعا الحارث بن همام النخعي ثم الصهباني (7) .

---------------------------
(1) السخاء : الجود ، يقال سخي كسعى ودعا ورضى ، وفي الأصل : ( بنفسي ) وأثبت ما في ح (1 : 330 ) .
(2) الرجز في تاريخ الطبري ( 5 : 240 ) مطابق لهذه الرواية .
(3) ح ( 1 : 33 ) : ( وحمل ظبيان بن عمارة التيمي على أهل الشام وهو يقول : هل لك يا ظبيان من بقاء ، في ساكني الأرض بغير ماء ) .
(4) الوغى : الحرب ، مقصور ، وقد مده هنا للشعر ، ح : ( الهيجاء ) .
(5) في الطبري : ( عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي ) ، والتكملة هاهنا من الطبري ومما سبق في 160 ، 161 .
(6) القرم بالفتح ، هو من الرجال السيد المعظم ، وفي الأصل : ( قوم ) صوابه في الطبري ، والشاري : البائع ، أي الذي يبيع نفسه لله ، ومن ذلك سمي الخوارج شراة لأنهم زعموا أنهم باعوا أنفسهم لله بالجنة .
(7) الصهباني ، نسبة إلى صهبان بالضم ، وهم قبيلة من النخع ، منهم كميل بن زياد صاحب علي بن أبي طالب ، انظر الاشتقاق 242 .

واقعة صفين _ 170 _

   فأعطاه لواءه ثم قال : يا حارث ، لولا أتى أعلم أنك تصبر عند الموت لأخذت لوائي ، منك ولم أحبك بكرامتي (1) ، قال : والله يا مالك لأسرنك اليوم أو لأموتن ، فاتبعني فتقدم ( باللواء ) وهو يقول (2) : يا أشتر الخيــر ويا خيــر النخع وصاحب النصر إذا عـم الفزع (3) وكاشف الأمــر إذا الأمــر وقع ما أنت في الحرب العوان بالجذع (4) قد جزع القــوم وعموا بالجزع وجرعوا الغيظ وغصوا بالجرع إن تسقنا الماء فما هي بالبــدع (5) أو نعطش اليوم فجند مقتطــع (6) ما شئت خذ منها وما شئت فدع ، فقال الأشتر : ادن مني يا حارث ، فدنا منه فقبل رأسه وقال : لا يتبع رأسه اليوم إلا خير (7) ، ثم قام الأشتر يحرض أصحابه يومئذ ويقول :

---------------------------
(1) الحباء : ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به ، تقول : حبوته أحبوه حباء ، وفي الأصل : ( لم أجبك ) ، وفي ح : ( لم أحيك ) صوابهما ما أثبت .
(2) القائل هو الحارث بن همام النخعي ، وفي مروج الذهب ( 2 : 18 ) : ( فصار يؤم الأشعث صاحب رايته ، وهو رجل من النخع ، يرتجز ويقول ) .
(3) في مروج الذهب : ( إذا عال الفزع ) .
(4) الحرب العوان : التي حورب فيها مرة بعد مرة ، والجذع : الصغير السن ، قال الليث : ( الجذع من الدواب والأنعام قبل أن يثني بسنة ) ، وفي الأصل : ( بالخدع ) ، والخدع بفتح فكسر : الكثير الخداع ، ولا وجه له هنا ، وأثبت ما في ح .
(5) في مروج الذهب : ( فما هو بالبدع ) .
(6) في الأصل : ( فجد يقتطع ) صوابه في ح .
(7) الخير ، بالفتح وكسيد : الكثير الخير ، في الأصل : ( لا يتبع هذا اليوم إلا خيرا ) وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 171 _

  فدتكم نفسي ، شدوا شدة المحرج الراجي الفرج ، فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها ، وإذا عضتكم السيوف فليعض الرجل نواجذه فإنه أشد لشئون الرأس ، ثم استقبلوا القوم بهاماتكم ، قال : وكان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب ي (1) ، نصر ، عن عمرو بن شمر ي (2) ، عن جابر ، عن عامر ، عن الحارث بن أدهم ، عن صعصعة بن صوحان قال : قتل الأشتر في تلك المعركة سبعة ، وقتل الأشعث فيها خمسة ، ولكن أهل الشام لم يثبتوا ، فكان الذين قتلهم الأشتر صالح بن فيروز العكي ، ومالك بن أدهم السلماني ، ورياح بن عتيك الغساني ي (3) ، والأجلح بن منصور الكندي ـ وكان فارس أهل الشام ـ وإبراهيم بن وضاح الجمحي ، وزامل بن عبيد الحزامي ، ومحمد بن روضة الجمحي ، نصر : فأول قتيل قتل الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له صالح بن فيروز ، وكان مشهورا بشدة البأس ، فقال وارتجز على الأشتر :
يا صاحب الطرف الحصان الأدهم      أقــدم  إذا شـئت عـلينا أقـدم
أنـا ابـن ذي الـعز وذي iiالتكرم      سـيد  عـك كـل عـك iiفـاعلم
 فبرز إليه الأشتر وهو يقول :
آلـيت لا أرجـع حتى iiأضربا      بسيفي  المصقول ضربا iiمعجبا
أنـا ابـن خـير مذحج iiمركبا      من خيرها نفسا وأما وأبا  (4)
   قال : ثم شد عليه بالرمح فقتله وفلق ظهره ، ثم رجع إلى مكانه ، ثم خرج إليه فارس آخر يقال له مالك بن أدهم السلماني ـ وكان من فرسان أهل الشام ـ وهو يقول :

---------------------------
(1) المحذوف : المقطوع الذنب ، وحلك الغراب : شدة سواده .
(2) في الأصل : ( عمر بن شمر ) تحريف ، وانظر ترجمته في ص 169 .
(3) في الأصل : ( رماح بن عتيك الغساني ) وأثبت ما في ح .
(4) روى هذا البيتان في ح ( 1 : 330 ) مقدمين على البيتين السابقين .

واقعة صفين _ 172 _

إني منحت مالكا سنانيا  (1)       أجـيبه بـالرمح إذ iiدعانيا
  لفارس أمنحـــه طعانيـــا ثم شد على الأشتر فلما رهقه (2) التوى الأشتر على الفرس ، ومار السنان فأخطأه (3) ، ثم استوى على فرسه وشد عليه بالرمح وهو يقول :
خانك رمح لم يكن خوانا      وكان قدما يقتل iiالفرسانا
لويته  لخير ذي iiقحطانا      لـفارس يخترم iiالأقرانا
  أشهل لا وغـــلا ولا جبانـــا (4) فقتله ثم خرج فارس آخر يقال له رياح بن عتيك (5) وهو يقول :
إنـي زعـيم مـالك iiبـضرب      بذي غرارين ، جميع القلب  (5)
  عبل الذراعيــن شديــد الصلب وقال بعضهم : ( شديد العصب ) ، فخرج إليه الأشتر وهو يقول :
رويـد  لا تجزع من iiجلادي      جلاد شخص جامع الفؤاد  (7)
يجيب في الروع دعا iiالمنادي      يـشد  بالسيف على iiالأعادي
---------------------------
(1) في الأصل: ( منحت صالحا ) تحريف ، ومالك ، هو مالك بن الحارث ، المعروف بالأشتر النخعي ، الإصابة 8335 وتهذيب التهذيب ومعجم المرزباني 362.
(2) رهقه : غشيه أو لحقه أو دنا منه .
(3) مار يمور مورا : اضطرب .
(4) الأشهل ، من الشهلة وهي أقل من الزرق في الحدقة وأحسن منه ، والوغل : الضعيف النذل الساقط .
(5) في الأصل : ( رياح بن عبيدة ) ، وفي ح : ( رياح بن عقيل ) وأثبت ما سبق في ص 174 .
(6) جميع القلب : مجتمعه لم يتفرق عليه .
(7) لا تجزع ، أراد لا تجزعن ، بنون التوكيد الخفيفة .

واقعة صفين _ 173 _

  فشد عليه فقتله ، ثم خرج إليه فارس آخر يقال له إبراهيم بن الوضاح وهو يقول :
هل  لك يا أشتر في برازي      براز ذي غشم وذي اعتزاز
  مقــاوم لقرنــه لـــزاز (1) فخرج إليه الأشتر وهو يقول :
نـعم نـعم أطلبه iiشهيدا      معي حسام يقصم الحديدا
يترك هامــات العدى حصيــدا    فقتله . ثم خرج إليه فارس آخر يقال له زامل بن عتيك الحزامي (2) ، وكان من أصحاب الألوية ، فشد عليه وهو يقول :
  يا صاحب السيف الخضيب المرسب (3) وصاحب الجوشن ذاك المــذهب (4) هل لك في طعن غلام محـــرب (5) .

---------------------------
(1) اللزاز : الشديد الخصومة ، اللزوم لما يطالب ، ويقال أيضا لزه لزا : طعنه .
(2) في الأصل : ( أزمل ) تحريف ، وسبق في ص 174 : ( زامل بن عبيد ) وفي ح : ( زامل بن عقيل ) .
(3) المرسب ، من قولهم سيف رسب ورسوب : ماض يغيب في الضريبة ( وكان سيف خالد بن الوليد يسمى مرسبا ) ، وفي الأصل : ( المرزبي ) ولا وجه له .
(4) الجوشن : زرد يلبس على الصدر والحيزوم .
(5) المحرب والمحراب : الشديد الحرب الشجاع .

واقعة صفين _ 174 _

  يحمل رمحا مستقيــم الثعلــب ليس بحيـــاد ولا مغلــــب فطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه عن فرسه ولم يصب مقتلا ، وشد عليه الأشتر ( راجلا ) فكسف قوائم الفرس بالسيف (1) وهو يقول :
لا بد من قتلي أو من قتلكما      قتلت منكم خمسة من قبلكما
  وكلهم كانــوا حمــاة مثلكــا ثم ضربه بالسيف وهما رجلان (2) ، ثم خرج إليه فارس يقال له الأجلح ، وكان من أعلام العرب وفرسانها ، وكان على فرس يقال له لاحق ، فلما استقبله الأشتر كره لقاءه واستحيا أن يرجع ، فخرج إليه وهو يقول :
أقـدم بـاللاحق لا تهلل  (3)       على صمل ظاهر التسلل  (4)
كـأنما يقشم مر الحنظل  (5)       إن  سـمته خسفا أبي أن iiيقبل
وإن دعاه القرن لم يعول  (6)       يـمشي إلـيه بـحسام مفصل
مـشيا رويدا غير ما iiمستعجل      يـخترم  الآخـر بـعد iiالأول
---------------------------
(1) الكسف : القطع ، وفي الحديث ( أن صفوان كسف عرقوب راحلته ) ، أي قطعه بالسيف ، وفي الأصل : ( فكتف ) بالتاء ، وفي ح : ( فكشف ) بالشين ، صوابهما بالسين المهملة كما أثبت .
(2) الرجل ، بالفتح وكمفرح وندس : الراجل ، وهو خلاف الراكب ، ح : ( وهما راجلان ) وكلاهما صحيح .
(3) أقدم : أمر من الإقدام ، وأصله أقدمن بنون التوكيد الخفيفة حذفت للضرورة وبقيت الفتحة ، كما في قول طرفة :انظر شرح شواهد المغني 315 ، والتهليل : النكوص والإحجام .
(4) الصمل ، كعتل : الشديد الخلق العظيم .
(5) القشم ، بالشين المعجمة : الأكل ، وفي الأصل : ( يقسم ) تحريف ، وأكل الحنظل مثل في شدة العداوة ، انظر البيت 13 من المفضلية 40 طبع المعارف .
(6) التعويل : رفع الصوت بالبكاء والصياح ، وفي الأصل : ( لم يقول ) ولا وجه له .

واقعة صفين _ 175 _

  فشد عليه الأشتر وهو يقول :
بـليت بالأشتر ذاك المذحجي      بـفارس  فـي حـلق iiمدجج
اضرب  عنك الهموم iiطارقها      ضربك بالسيف قونس الفرس
كـالليث لـيث الغابة iiالمهيج      إذا دعـاه الـقرن لـم iiيعرج
  فضربه ، ثم خرج إليه محمد بن روضة ، وهو يضرب في أهل العراق ضربا منكرا ، وهو يقول :
يـا  سـاكني الـكوفة يا أهل الفتن      يـا قـاتلي عـثمان ذاك iiالـمؤتمن
ورث صدري قتله طول الحزن  (1)       أضـربـكم  ولا أرى أبـا iiحـسن
  فشد عليه الأشتر وهو يقول :
لا  يبعد الله سوى iiعثمانا      وأنـزل  الله بـكم iiهوانا
ولا  يسلي عنكم iiالأحزانا      مخالف قد خالف الرحمانا
نصرتموه عابــدا شيطانــا   ثم ضربه فقتله ، وقالت أخت الأجلح بن منصور الكندي حين أتاها مصابه ، وكان اسمها حبلة بنت منصور :
ألا  فـابكي أخـا iiثقة      فـقد والله أبكينا  (2)
لـقتل  الـماجد iiالقمقا      م لا مـثل لـه iiفـينا
أتـانا  الـيوم مـقتله      فـقد  جزت iiنواصينا
كـريم مـاجد iiالجدي‍ن      يـشفي  مـن iiأعادينا
ومـمن  قـاد iiجيشهم      عـلى والمضلونا  (3)
شـفانا الله مـن iiأهل      العراق فقد أبادونا  (4)
أمـا  يـخشون iiربهم      ولـم يـرعوا له iiدينا
---------------------------
(1) ح ( 1 : 330 ) : ( أورث قلبي قتله طول الحزن ) .
(2) في الأصل : ( أبلينا ) صوابه في ح ( 1 : 331 ) .
(3) البيت لم يرو في ح ، وفي الأصل : ( والمصلونا ) وهي إنما تهجو أصحاب علي ( عليه السلام ) .
(4) في الأصل : ( قد أبادونا ) ، وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 176 _

  نصر ، قال : قال عمرو قال جابر : بلغني أنها ماتت حزنا على أخيها ، وقال أمير المؤمنين حين بلغه مرثيتها أخاها : أما إنهن ليس بملكهن ما رأيتم من الجزع (1) ، أما إنهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن ( أيامي ) خزايا (2) ( بائسات ) ، من قبل ابن آكلة الأكباد (3) . اللهم حمله آثامهم وأوزارهم وأثقالا مع أثقالهم (4) ، وأصيب يوم الوقعة العظمى حبيب بن منصور ، أخو الأجلح ـ وكان من أصحاب الرايات ـ وجاء برأسه رجل من بجيلة قد نازعه في سلبه رجل من من همدان ، كل واحد منها يزعم أنه قتله ، فأصلح علي بينهما وقضى بسلبه للبجلي ، وأرضى الهمداني ، نصر ، عن عمرو بن ( شمر ، عن ) جابر ، عن الشعبي ، عن الحارث بن أدهم ، عن صعصعة قال : ثم أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى كشف أهل الشام عن الماء وهو يقول :
لا  تـذكروا مـا قـد مضى iiوفاتا      والله ربـي بـاعث أمـواتا  (5)
من بعد ما صاروا صدى رفاتا  (6)       لأوردن خــيـلـي iiالـفـراتـا
  شعث النواصــي أو يقـــال ماتـــا (7) .

---------------------------
(1) ليس بملكهن : أي إن ما بدا عليهن من الجزع خارج عن إرادتهن ، وفي الأصل : ( ليس يملكن ) وأثبت ما في ح .
(2) الخزايا : جمع خزيا ، وهي التي عملت قبيحا فاشتد لذلك حياؤها ، ح : ( حزاني ) .
(3) آكلة الأكباد يعني بها هندا بنت عتبة بن ربيعة ، وهي أم معاوية ، يروى أنها بقرت عن كبد حمزة فلاكتها ، وقالت : شفيت من حمزة نفسي بأحد ، حتى بقرت بطنه عن الكبد انظر السيرة 581 جوتنجن .
(4) ح : ( مع أثقاله ) .
(5) في ح : ( باعث الأمواتا ) .
(6) الصدى : ما يبقى من الميت في قبره ، وفي الأصل : ( كذا ) .
(7) انظر مروج الذهب ( 2 : 18 ) .

واقعة صفين _ 177 _

  وكان لواء الأشعث مع معاوية بن الحارث ، فقال له الأشعث : لله أنت ! ليس النخع بخير من كندة ، قدم لواءك ( فإن الحظ لمن سبق ) ، فتقدم صاحب اللواء ، وهو يقول :
أنـعطش  اليوم وفينا iiالأشعث      والأشـعث الخير كليث iiيعبث
فـأبشروا  فـإنكم لـن iiتلبثوا      أن تشربوا الماء فسبوا وارفثوا
  من لا يــرده والرجــال تلهــث وقال الأشعث : إنك لشاعر ، وما أنعمت لي بشرى ، وكره أن يخلط الأشتر به ، فنادى الأشعث : أيها الناس ، إنما الحظ لمن سبق ، قال : وحمل عمرو العكى من أصحاب معاوية ، وهو يقول :
ابـرز  إلـى ذا الكبش يا iiنجاشي      اسـمى  عـمرو وأبـو iiخـراش
وفـارس  الـهيجاء ، بـانكماشي      تخبر عن بأسي واحر نفاشي  (1)
  فشد عليه النجاشي وهو يقول :
أرود قـلـيلا فـأنـا الـنجاشي      مـن  سرو كعب ليس iiبالرقاشي
أخـو حـروب في رباط iiالجاش      ولا أبــيـع اللهو iiبـالـمعاش
أنـصر خـير راكـب iiومـاش      أعـنـي عـليا بـين iiالـرياش
من خير خلق الله في نشناش  (2)       مـبـرأ  مـن نـزق iiالـطياش
بـيت  قـريش لا من iiالحواشي      لـيت عرين للكباش غاش  (3)
---------------------------
(1) الاحر نفاش : التقبض والتهيؤ للشر ، وفي الأصل : ( يخبر باني من أحرناشي ) ، تحريف .
(2) النشناش : مصدر نشنش الرجل الرجل إذا دفعه وحركه ، ونشنش السلب : أخذه ، ولم تذكر هذا المصدر المعاجم ، وهذا الوزن من المصادر سماعي ، انظر شرح الشافية ( 1 : 178 ) .
(3) كبش القوم : رئيسهم وسيدهم ، وقائدهم .

واقعة صفين _ 178 _

يـقتل  كـبش الـقوم iiبـالهراش      وذي  حــروب بـطل iiونـاش
خف  له أخطف في البطاش  (1)       مـن أسـد خفان وليث شاش  (2)
فضربه ضربة ففلق هامته بالسيف      وحـمل  أبـو الأعور وهو iiيقول
أنا  أبو الأعور واسمى عمرو  (3)       أضـرب قـدما لا أولـى iiالـدبر
لـيس  بـمثلي يـا فـتى يـغتر      ولا  فـتى يـلاقيني يـسر  (4)
أحـمي ذمـاري ولـلحامي حـر      جـرى  إلى الغايات فاستمر  (5)
  فحمل عليه الأشتر وهو يقول :
لـست وإن يـكره ذا iiالخلاط      ليس أخو الحرب بذي اختلاط
لـكن عـبوس غير iiمستشاط      هـذا عـلي جاء في iiالاسباط
وخـلـف الـنعيم بـالإفراط      بـعرصة  فـي وسط iiالبلاط
منحل الجسم من الرباط  (6)       يـحكم  حكم الحق لا iiاعتباط
  وحمل شرحبيل بن السمط فقال :
أنـا  شرحبيل أنا ابن iiالسمط      مـبين الـفعل بـهذا iiالـشط
بـالطعن  سـمحا بقناة iiالخط      أطلب ثارات قتيل القبط  (7)
جمعت قومي باشتراط iiالشرط      عـلى  ابن هند وأنا iiالموطى
---------------------------
(1) خف له : أسرع ، والبطاش : مصدر باطشه ، والبطش : التناول بشدة عند الصولة ، وفي الأصل : ( كف له يخطف بالنهاس ) .
(2) خفان ، ككتان : مأسدة قرب الكوفة ، وشاش : مدينة بما وراء النهر .
(3) هذا يؤيد ما قيل من أن اسمه ( عمرو بن سفيان السلمي ) .
(4) في الأصل : ( ولا فتى بلا فتى يسر ) .
(5) الغايات : غايات السبق ينتهي إليها ، وفي الأصل : ( جرى على الغايات ) .
(6) الرباط والمرابطة : ملازمة ثغر العدو .
(7) يعني عثمان ، وعني بالقبط أهل مصر .

واقعة صفين _ 179 _

حتى أناخوا بالمحامي الخط      جـند  يمان ليس هم iiبخلط
  فأجابه الأشعث بن قيس :
إنـي  أنـا الأشعث ابن قيس      فـارس  هـيجاء قبيل iiدوس
لست بشكاك ولا ممسوس  (1)       كـندة  رمـحي وعلى iiقوسي
وقال حوشب ذو ظليم (2) :
يـا  أيـها الـفارس ادن لا iiتـرع      أنـا أبـو مـر وهذا ذو كلع  (3)
مـسود  بـالشام مـا شـاء iiصنع      أبـلغ  عني أشترا أخا النخع  (4)
والأشعث الغيث إذا الماء امتنع  (5)       قـد  كـثر الـغدر لـديكم لو iiنفع
   فأجابه الأشعث :
أبـلغ  عـني حـوشبا وذا iiكلع      وشرحبيل ذاك أهلك الطمع  (6)
قـوم  جـفاة لا حـيا ولا iiورع      يـقودهم ذاك الـشقي iiالـمبتدع
  إني إذا القرن لقـــرن يختضـع وأبرقوهــــا في عجاج قد سطع (7) أحمي ذمـــاري منهـــم وأمتنع وقال الأشتر أيضا فجال :

---------------------------
(1) الممسوس : الذي به مس من الجنون ، وفي هذا البيت سناد الحذو ، وهو اختلاف حركة ما قبل الردف ، وفي الأصل : ( مملوس ) ولا وجه له .
(2) سبقت ترجمته في ص 66 .
(3) ذو كلع ، هو ذو الكلاع ، انظر ص 60 ، 61 .
(4) أبلغ : أي أبلغا ، بنون التوكيد الخفيفة ، حذفها وأبقي الحركة قبلها ، انظر ما مضى ص 177 .
(5) في الأصل : ( منع ) .
(6) أي أهلكه الطمع ، وقد غير ضبط شرحبيل للشعر .
(7) العجاج ، كسحاب : الغبار ، أبرقوها : أي أبرقوا السيوف ، وفي اللسان : ( وأبرق بسيفه يبرق : إذا لمع به ) .

واقعة صفين _ 180 _

يـا حـوشب الـجلف ويا شيخ iiكلع      أيـكـمـا  أراد أشـتـر iiالـنـخع
هـا  أنـا ذا وقـد يـهولك iiالـفزع      فـي  حـومة وسـط قرار قد iiشرع
ثــم تـلاقي بـطلا غـير جـزع      سـائل  بـنا طلحة وأصحاب iiالبدع
وسل بنا ذات البعير المضطجع  (1)       كيف رأوا وقع الليوث في النقع  (2)
تـلقى أمـرأ كـذاك مـا فـيه iiخلع      وخـالف  الـحق بدين وابتدع  (3)
  نصر : عمر بن سعد ، عن رجل قد سماه (4) عن أبيه ، عن عمه محمد بن مخنف (5) قال : كنت مع أبي يومئذ وأنا ابن سبع عشرة سنة ، ولست في عطاء (6) ، فلما منع الناس الماء قال لي : لا تبرح ، فلما رأيت الناس يذهبون نحو الماء لم أصبر ، فأخذت سيفي فقاتلت ، فإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق ، ومعه قربة له ، فلما رأى أهل الشام قد أفرجوا عن الماء شد (7) فملأ قربته ثم أقبل بها ، وشد عليه رجل من أهل الشام (8) فضربه فصرعه ، ووقعت القربة منه ، وشددت على الشامي فضربته وصرعته ، وعدا أصحابه فاستنقذوه ، قال : وسمعتهم يقولون : لا بأس عليك ، ورجعت إلى المملوك فأجلسته (9) فإذا هو يكلمني وبه جرح رحيب (10) ، فلم يكن أسرع من أن جاء مولاه فذهب به ، وأخذت قربته وهي مملوءة ماء ، فجئت بها إلى أبي ، فقال : من أين جئت بها ؟ فقلت : اشتريتها ، وكرهت أن أخبره الخبر فيجد علي ، فقال : اسق القوم ، فسقيتهم وشربت آخرهم ، ونازعتني نفسي والله القتال ، فانطلقت أتقدم فيمن يقاتل ، قال : فقاتلتهم ساعة ، ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء ، قال : فما أمسيت حتى رأيت سقاتهم وسقاتنا يزدحمون على الماء ، فما يؤذي إنسان إنسانا .

---------------------------
(1) ذات البعير ، يعني بها عائشة ، وقد عرقب بعيرها يوم الجمل وأخذته السيوف حتى سقط واضطجع .
(2) النقع ، بالفتح : الغبار ، وحركه للشعر .
(3) أي وما خالف الحق .
(4) هو أبو مخنف ، وقد سبق نظير هذا الصنيع في ص 135 .
(5) ذكره في لسان الميزان ( 5 : 375 ) وقال : ( روى يحيى بن سعيد عنه أنه قال : دخلت مع أبي على علي ( عليه السلام ) عام بلغت الحلم ) ، وهذا يضم إلى أولاد مخنف ، انظر ص 135 .
(6) العطاء : اسم لما يعطي ، يقول : لم أكن في الجند فيفرض لي عطاء ، وفي الأصل : ( في غطاء ( بالمعجمة ، تحريف .
(7) شد : أسرع في عدوه ، كاشتد .
(8) شد عليه ، هنا ، بمعنى حمل عليه .
(9) في الطبري ( 5 : 241 ) : ( فاحتملته ) أي حملته .
(10) في الطبري ، ( رغيب ) وهو الأكثر في كلامهم ، انظر المفضليات ( 2 : 55 ) .

واقعة صفين _ 181 _

  قال : وأقبلت راجعا فإذا أنا بمولى صاحب القربة فقلت : هذه قربتك فخذها ، أو ابعث معي من يأخذها ، أو أعلمني مكانك . فقال : رحمك الله ، عندنا ما يكتفي به . فانصرفت وذهب ، فلما كان من الغد مر على أبي ، فوقف فسلم ، ورأني إلى جنبه فقال : من هذا الفتى منك ؟ قال : ابني . قال : أراك الله فيه السرور ، استنقذ والله غلامي أمس ، وحدثني شباب الحي أنه كان من أشجع الناس . قال : فنظر إلى أبي نظرة عرفت منها (1) الغضب في وجهه ، ثم سكت حتى مضى الرجل ثم قال : هذا ما تقدمت إليك فيه (2) ؟ قال : فحلفني ألا أخرج إلى قتال إلا بإذنه ، فما شهدت لهم قتالا حتى كان آخر يوم من أيامهم ، إلا ذلك اليوم ، نصر ، عن يونس بن أبي (3) إسحاق السبيعي ، عن مهران مولى يزيد ابن هانئ السبيعي قال : والله إن مولاي ليقاتل على الماء ، وإن القربة لفي يدي ، فلما انكشف أهل الشام عن الماء شددت حتى أستقي ، وإني فيما بين ذلك لأرمي وأقاتل .

---------------------------
(1) التكمله من الطيري ( 5 : 241 ) ، وحذف العائد على الموصوف قليل في كلامهم ، انظر حواشي الحيوان ( 6 : 241 ) .
(2) تقدم إليه في كذا : أمره وأوصاه به ، وفي الأصل : ( قدمت ) صوابه من الطبري .
(3) التكملة من الطبري ، وانظر منتهى المقال 336 .

واقعة صفين _ 182 _

  نصر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي عمرة (1) عن أبيه سليمان الحضرمي (2) ، قال : لما خرج علي من المدينة خرج معه أبو عمرة بن عمرو بن محصن (3) قال : فشهدنا مع علي الجمل ثم انصرفنا إلى الكوفة ، ثم سرنا إلى أهل الشام ، حتى إذا كان بيننا وبين صفين ليلة دخلني الشك فقلت : والله ما أدري علام أقاتل ؟ وما أدري ما أنا فيه ، قال : واشتكى رجل منا بطنه من حوت أكله ، فظن أصحابه أنه طعين (4) فقالوا : نتخلف على هذا الرجل ، فقلت : أنا أتخلف عليه ، والله ما أقول ذلك إلا مما دخلني من الشك ، فأصبح الرجل ليس به بأس ، وأصبحت قد ذهب عني ما كنت أجد ، ونفذت لي بصيرتي ، حتى إذا أدركنا أصحابنا ومضينا مع علي إذا أهل الشام قد سبقونا إلى الماء ، فلما أردناه منعونا ، فصلتنا لهم بالسيف فخلونا وإياه ، وأرسل أبو عمرة إلى أصحابه : قد والله جزناهم فهم يقاتلونا ، وهم في أيدينا ، ونحن دونه إليهم كما كان في أيديهم قبل أن نقاتلهم ، فأرسل معاوية إلى أصحابه : لا تقاتلوهم وخلوا بينهم وبينه ، فشربوا فقلنا لهم : قد كنا عرضنا عليكم هذا أول مرة فأبيتم حتى أعطانا الله وأنتم غير محمودين ، قال : فانصرفوا عنا وانصرفنا عنهم ، ولقد رأيت روايانا ورواياهم بعد ، وخيلنا وخيلهم ترد ذلك الماء جميعا ، حتى ارتووا وارتوينا ، نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، أن عمرو بن العاص قال :

---------------------------
(1) في التقريب 603 : ( أبو عمرة عن أبيه ، في سهم الفارس ، مجهول من السادسة ) ، وفي الأصل : ( عن أبيه عمرة ) تحريف .
(2) في التقريب : ( سليمان بن زياد الحضرمي المصري ، ثقة من الخامسة ) .
(3) هو أبو عمرة الأنصاري ، قيل اسمه بشر وقيل بشير ، وكان زوج بنت عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسلم المقوم بن عبد المطلب ، انظر قسم الكني من الإصابة 805 ، 801 ، وفي الاشتقاق 269 : ( وأبو عمرة بشير بن عمرو ، قتل بصفين ) .
(4) الطعين ، هنا : الذي أصابه الطاعون .

واقعة صفين _ 183 _

  يا معاوية ما ظنك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس ، أتراك تضاربهم عليه (1) كما ضاربوك عليه ، وما أغني عنك أن تكشف لهم السوءة ، قال : دع عنك ما مضى منه ، ما ظنك بعلي ؟ قال : ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه ، وأن الذي جاء له غير الماء ، فقال له معاوية قولا أغضبه ، فأنشأ عمرو يقول :
أمـرتـك أمــرا iiفـسخفته      وخالفني ابن أبي سرحه  (2)
فأغمضت في الرأي iiإغماضة      ولـم تر في الحرب iiكالفسحه
فـكيف  رأيت كباش iiالعراق      ألـم  يـنطحوا جمعنا iiنطحه
أظـن  لـها الـيوم ما بعدها      ومـيعاد  مـا بـيننا iiصبحه
فـإن  يـنطحونا غـدا iiمثلها      نكن   (3)  كالزبيري أو iiطلحه
وإن  أخـروها لـما iiبـعدها      فقد قدموا الخبط والنفحة  (4)
وقـد شرب القوم ماء iiالفرات      وقـلدك  الأشـتر iiالـفضحه
قال : ومكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه من قبل معاوية أحد ، وجاء عبيد الله بن عمر فدخل على علي في عسكره فقال : أنت قاتل الهرمزان ، وقد كان أبوك فرض له في الديوان وأدخله في الإسلام ؟ فقال له ابن عمر : الحمد لله الذي جعلك تطلبني بدم الهرمزان وأطلبك بدم عثمان بن عفان . فقال له علي : لا عليك ، سيجمعني وإياك الحرب غدا . ثم مكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يرسل إليه معاوية (5) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( ضاربهم عليه ) صوابه من ح ( 1 : 331 ) .
(2) يريد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وقد تصرف في الاسم للشعر ، انظر ما سبق في ص 161 .
(3) ح : ( فكن ) .
(4) الخبط : الضرب الشديد ، والنفحة : الدفعة من العذاب ، ح : ( الخيط ) تحريف .
(5) انظر أول هذا الكلام .

واقعة صفين _ 184 _

  ثم إن عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري (1) ، وسعيد بن قيس الهمداني ، وشبث بن ربعي التميمي فقال : ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله ( عز وجل ) وإلى الطاعة والجماعة ، وإلى اتباع أمر الله تعالى ، فقال له شبث : ألا نطمعه (2) في سلطان توليه إياه ومنزلة تكون به له أثرة عندك إن هو بايعك ؟ قال علي : ائتوه الآن فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه ـ وهذا في شهر ربيع الآخر ـ فأتوه فدخلوا عليه ، فحمد أبو عمرة بن محصن الله وأثنى عليه وقال : ( يا معاوية ، إن الدنيا عنك زائلة ، وإنك راجع إلى الآخرة ، وإن الله عز وجل مجازيك بعملك ، ومحاسبك بما قدمت يداك ، وإني أنشدك بالله أن تفرق جماعة هذه الأمة ، وأن تسفك دماءها بينها ) ، فقطع معاوية عليه الكلام ، فقال : هلا أوصيت صاحبك ؟ فقال : سبحان الله ، إن صاحبي ليس مثلك ، إن صاحبي أحق البرية في هذا الأمر في الفضل والدين والسابقة والإسلام ، والقرابة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال معاوية : فتقول ماذا ؟ قال : أدعوك إلى تقوى ربك وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق ، فإنه أسلم لك في دينك ، وخير لك في عاقبة أمرك ، قال : ويطل دم عثمان ؟ لا والرحمن لا أفعل ذلك أبدا ، قال : فذهب سعيد يتكلم ، فبدره شبث فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا معاوية ، قد فهمت ما رددت على ابن محصن ، إنه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب ، إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا أن قلت لهم قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه ، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال ؛ وقد علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب ، ورب مبتغ أمرا وطالبه يحول الله دونه ، وربما أوتي المتمنى أمنيته ، وربما لم يؤتها ، ووالله مالك في واحدة منها خير ، والله لئن أخطأك ما ترجو إنك لشر العرب حالا ، ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار ، فاتق الله يا معاوية ، ودع ما أنت عليه ، ولا تنازع الأمر أهله .
---------------------------
(1) هو أبو عمرة بن عمرو بن محصن ، وقد سبقت ترجمته في ص 185 .
(2) في الأصل : ( لا نطعمه ) .

واقعة صفين _ 185 _

  قال : فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال : ( أما بعد فإن أول (1) ما عرفت به سفهك وخفة حلمك ـ قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ، ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به ، ولقد كذبت ولويت (2) أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت وذكرت ، انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلا السيف ) ، قال : وغضب فخرج القوم وشبث يقول : أفعلينا تهول بالسيف ، أما والله لنعجلنه إليك ، فأتوا عليا ( عليه السلام ) فأخبروه بالذي كان من قوله ـ وذلك في شهر ربيع الآخر ـ قال : وخرج قراء أهل العراق وقراء أهل الشام ، فعسكروا ناحية صفين في ثلاثين ألفا ، وعسكر علي على الماء ، وعسكر معاوية فوق ذلك ، ومشت القراء فيما بين معاوية وعلي ، فيهم عبيدة السلماني (3) ، وعلقمة بن قيس النخعي ، وعبد الله بن عتبة ، وعامر بن عبد القيس ـ وقد كان في بعض تلك السواحل ـ قال : فانصرفوا من عسكر علي (4) فدخلوا على معاوية فقالوا :

---------------------------
(1) في الأصل : ( فإني أول ) تحريف .
(2) وردت هذه الكلمة في الأصل غير واضحة هكذا : ( و ـ وت ) .
(3) هو عبيدة ـ بفتح أوله ـ بن عمرو ، ويقال ابن قيس بن عمرو السلماني ، بفتح المهملة وسكون اللام ، وفتحها بعضهم ، قال ابن الكلبي : أسلم قبل وفاة النبي بسنتين ولم يلقه ، وكان شريح إذا أشكل عليه شيء كتب إلى عبيدة ، والسلماني نسبة إلى سلمان بن يشكر بن ناجية بن مراد ، انظر مختلف القبائل ومؤتلفها لمحمد بن حبيب ص 30 جوتنجن والإصابة 6401 والمعارف 188 وتهذيب التهذيب والتقريب .
(4) في الأصل : ( إلى عسكر علي ) .

واقعة صفين _ 186 _

  يا معاوية ، ما الذي تطلب ؟ قال : أطلب بدم عثمان ، قالوا : ممن تطلب بدم عثمان ، قال : من علي ( عليه السلام ) ، قالوا : وعلي ( عليه السلام ) قتله ؟ قال : نعم ، هو قتله وآوى قاتليه ، فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي فقالوا : إن معاوية يزعم أنك قتلت عثمان ، قال : اللهم لكذب فيما قال ، لم أقتله ، فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال لهم معاوية : إن لم يكن قتله بيده فقد أمر ومالا ، فرجعوا إلى علي ( عليه السلام ) فقالوا : إن معاوية يزعم أنك إن لم تكن فتلت بيدك فقد أمرت ومالأت على قتل عثمان ، فقال : اللهم كذب فيما قال . فرجعوا إلى معاوية فقالوا : إن عليا ( عليه السلام ) يزعم أنه لم يفعل ، فقال معاوية : إن كان صادقا فليمكنا من قتلة عثمان ، فإنهم في عسكره وجنده وأصحابه وعضده ، فرجعوا إلى علي ( عليه السلام ) فقالوا : إن معاوية يقول لك إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو أمكنا منهم ، قال لهم علي : تأول القوم عليه القرآن ووقعت الفرقة ، وقتلوه في سلطانه وليس على ضربهم قود ، فخصم على معاوية (1) ، فقال معاوية : إن كان الأمر كما يزعمون فما له ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا ولا ممن هاهنا معنا ، فقال علي ( عليه السلام ) : إنما الناس تبع المهاجرين والأنصار ، وهم شهود المسلمين في البلاد على ولايتهم وأمر دينهم ، فرضوا بي وبايعوني ، ولست أستحل أن أدع ضرب معاوية (2) يحكم على الأمة ويركبهم ويشق عصاهم ، فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال : ليس كما يقول ، فما بال من هاهنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فيؤامروه (3) ، فانصرفوا إلى علي ( عليه السلام ) فقالوا له ذلك وأخبروه ، فقال علي ( عليه السلام ) : ويحكم ، هذا للبدريين دون الصحابة ، ليس في الأرض بدري إلا قد بايعني وهو معي ، أو قد أقام ورضي ، فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم ودينكم .

---------------------------
(1) خصمه : غلبه في الخصومة بالحجة .
(2) أي مثل معاوية ، والضرب : المثل والشبيه .
(3) المؤامرة : المشاورة .

واقعة صفين _ 187 _

  فتراسلوا ثلاثة أشهر ، ربيعا الآخر وجماديين ، فيفزعون الفزعة (1) فيما بين ذلك ، فيزحف بعضهم إلى بعض ، وتحجز القراء بينهم ، ففزعوا في ثلاثة أشهر خمسة وثمانين فزعة ، كل فزعة يزحف بعضهم إلى بعض ويحجز القراء بينهم ، ولا يكون بينهم قتال ، قال : وخرج أبو أمامة الباهلي ، وأبو الدرداء ؛ فدخلا على معاوية وكانا معه ، فقالا : يا معاوية : علام تقاتل هذا الرجل ، فوالله لهو أقدم منك سلما (2) ، وأحق بهذا الأمر منك ، وأقرب من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فعلام تقاتله ؟ فقال : أقاتله على دم عثمان ، وأنه آوى قتلته ؛ فقولوا له فليقدنا من قتلته ، فأنا أول من بايعه من أهل الشام ، فانطلقوا إلى علي فأخبروه بقول معاوية ، فقال : هم الذين ترون ، فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسر بلين في الحديد ، لا يرى منهم إلا الحدق ، فقالوا : كلنا قتله ، فإن شاءوا فليروموا ذلك منا ، فرجع أبو أمامة ، وأبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال حتى إذا كان رجب وخشى معاوية أن يبايع القراء عليا على القتال أخذ في المكر ، وأخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا عنه (3) ويكفوا حتى ينظروا ، قال : وإن معاوية كتب في سهم : ( من عبد الله الناصح ، فإني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم ، فخذوا حذركم ) ، ثم رمى معاوية بالسهم في عسكر علي ( عليه السلام ) ، فوقع السهم في يدي رجل من أهل الكوفة ، فقرأه ثم اقرأه صاحبه ، فلما قرأه وأقرأه الناس ـ أقرأه من أقبل وأدبر ـ قالوا : هذا أخر ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية .

---------------------------
(1) في الأصل : ( فيقرعون القرعة ) وبنى سائر العبارة على ذلك ، تحريف .
(2) السلم : الإسلام . .
(3) في الأصل : ( عليه ) .

واقعة صفين _ 188 _

  فلم يزل السهم يقرأ ويرتفع حتى رفع (1) إلى أمير المؤمنين ، وقد بعث معاوية مائتي رجل من الفعلة إلى عاقول من النهر (2) ، بأيديهم المرور والزبل (3) يحفرون فيها بحيال عسكر علي ابن أبي طالب ، فقال علي ( عليه السلام ) : ويحكم ، إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له ولا يقوم عليه (4) ، وإنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم ، فالهوا عن ذلك ودعوه . فقالوا له : لا ندعهم (5) والله يحفرون الساعة ، فقال علي : يا أهل العراق لا تكونوا ضعفي (6) ، ويحكم لا تغلبوني على رأيي ، فقالوا : والله لنرتحلن ، فإن شئت فارتحل ، وإن شئت فأقم ، فارتحلوا وصعدوا بعسكرهم مليا (7) ، وأرتحل علي في أخريات الناس ، وهو يقول :
ولو أني أطعت عصبت iiقومي      إلى ركن اليمامة أو شمام  (8)
ولـكـني إذا أبـرمت iiأمـرا      مـنيت  بـخلف آراء iiالطغام
  وارتحل معاوية حتى نزل على معسكر علي الذي كان فيه ، فدعا على الأشتر ، فقال : ألم تغلبني على رائي (9) أنت والأشعث ؟ فدونكما ، فقال الأشعث : أنا أكفيك يا أمير المؤمنين ، سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك ، فجمع بني كندة ، وقال : يا معشر كندة ، لا تفضحوني اليوم ولا تخزوني ، إنما أقارع بكم أهل الشام .

---------------------------
(1) في الأصل : ( دفع ) بالدال ، وأثبت ما في ح ( 1 : 343 ) .
(2) عاقول النهر والوادي والرمل : ما اعوج منه .
(3) المرور : جمع مر ، بالفتح ، وهو المسحاة ، والزبل ، بضمتين : جمع زبيل ، وهو الجراب والقفة ، في الأصل : ( الزبيل ) والوجه الجمع ، وفي ح : ( المزور والرمل ) تحريف .
(4) ح : ( ولا يقوى عليه ) .
(5) في الأصل : ( هم ) بدل : ( لا ندعهم ) صوابه في ح .
(6) كذا في الأصل ، ولعلها : ( خلفي ) وهو بالكسر : المخالف .
(7) مليا : طويلا ، ومنه : ( واهجرني مليا ) وفي الأصل : ( عليا ) صوابه في ح .
(8) ح : ( عصمت قومي ) ، وشمام : جبل لباهلة ، وفي الأصل : ( شآم ) وجهه في ح .
(9) الراء : الرأي ، وفي ح : ( رأيي ) .

واقعة صفين _ 189 _

  فخرجوا معه رجلا يمشون (1) وبيد الأشعث رمح له يلقيه على الأرض ، ويقول : امشوا قيس رمحي ( هذا ) ، فيمشون ، فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه ذلك ويمشون معه رجالة قد كسروا جفون سيوفهم حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء ، وقد جاءه أداني عسكره ، فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة ، وانتهى أوائل أهل العراق فنزلوا ، وأقبل الأشتر في خيل من أهل العراق ، فحمل على معاوية حملة ، والأشعث يحارب في ناحية ( أخرى ) ، فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ ، ثم نزل ووضع أهل الشام أثقالهم ، والأشعث يهدر ويقول : أرضيتك يا أمير المؤمنين ! ثم تمثل ( بقول طرفة بن العبد ) :
فـفـداء  لـبـني سـعـد عـلى      ما أصاب الناس من خير وشر  (2)
مــا أقـلـت قـدمـاي ، iiإنـهم      نعم الساعون في الحي الشطر  (3)
ولـقـد  كـنـت عـليكم iiعـاتبا      فـعقبتم  بـذنوب غـير مر  (4)
كـنـت فـيكم كـالمغطى iiرأسـه      فـانجلى  الـيوم قـناعي iiوخـمر
ســادرا أحـسب غـيي iiرشـدا      فـتناهيت  وقـد صابت بقر  (5)

---------------------------
(1) ح : ( رجالة ) والرجالة والرجل والراجلون بمعنى .
(2) رواية ( فداء ) بالرفع ، أي نفسي فداء أو أنا فداء ، وفي ديوان طرفة 82 والخزانة ( 4 : 101 بولاق ) : (لبني قيس ) وفي الديوان والخزانة : ( من سر وضر ) وهما بضم أولهما السراء والضراء .
(3) أقلت : حملت أي ما أقلتني قدماي ، أي طول الحياة ، ونعم ، بكسرتين ففتح : لغة في نعم ، والشطر بضمتين : جمع شطير ، وهو الغريب البعيد ويروى : ( خالتي والنفس قدما ) على أن تكون ( خالتي ) مبتدأ خبره ( فداء ) في البيت السابق .
(4) عقبتم : أي وجدتم عقب ذلك ، والذنوب ، بالفتح : النصيب والحظ ، وفي الكتاب : ( فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) ، والمر : نقيض الحلو .
(5) تناهيت أي انتهيت من سفهي ، ويقال للأمر إذا وقع في مستقره : ( صابت بقر ) بضم القاف ، أي نزل الأمر في مستقره فلا يستطاع له تحويل ، وفي الأصل : وقد كادت ثفر ، صوابه في ح والديوان .

واقعة صفين _ 190 _

  قال : وقال الأشعث : يا أمير المؤمنين ، قد غلب الله لك على الماء ، قال علي : أنت كما قال الشاعر :
تـلاقـين قـيـسا وأتـباعه      فـيشعل  لـلحرب نارا فنارا
أخـو الحرب إن لقحت iiبازلا      سما للعلي وأجل الخطارا  (1)
  فلما غلب علي علي الماء فطرد عنه أهل الشام بعث إلي معاوية : ( إنا لا نكافيك بصنعك ، هم إلي الماء فنحن وأنتم فيه سواء ) ، فأخذ كل واحد منهما بالشريعة مما يليه ، وقال علي ( عليه السلام ) لأصحابه : أيها الناس ، إن الخطب أعظم من منع الماء ، وقال معاوية : لله در عمرو ، ما عصيته في أمر قط إلا أخطأت الرأي فيه ، قال : فمكث معاوية أياما لا يكلم عمرا ، ثم بعث إليه ، فقال : يا عمرو ، كان فلتة من رأي أعقبتني بخطائها (2) وأمت ما كان قبلها من الصواب ، أما والله لو تقايس صوابك (3) بخطائك لقل صوابك ، فقال عمرو : قد كان كذا فرأيت احتجت إلى رأيك ، وما خطاؤك اليوم حين أعذرت إليك أمس ، وكذلك أنالك غدا إن عصيتني اليوم ، فعطف عليه معاوية ، ورضي عنه ، وبات على مشق الحيل (4) حتى أصبح ، ثم غاداهم على القتال ، وعلى رايته يومئذ هاشم بن عتبة المرقال ، قال : ومعه الحدل التي يقول فيها الأشتر :
إنـا إذا مـا احـتسبنا iiالـوغى      أدرنا الرحى بصنوف الحدل  (5)

---------------------------
(1) أي إن لقحت الحرب وهي بازل ، والبزول : أقصى أسنان البعير إذا طعن في التاسعة ، يقول : إذ تجددت الحرب بعد ما طال عهدها وقوتل فيها مرات دخل في غمارها ولم يتهيب ، أجل : أعظم ، والخطار : مصدر كالمخاطرة ، يقال خاطر بنفسه : أشفى بها على خطر هلك أو نيل ملك ، وفي الأصل : ( لحقت بازلا ) ، صوابه في ح .
(2) الخطاء : الخطأ ، وفي الأصل : ( يخطاؤها ) تحريف .
(3) تكملة يقتضيها السياق .
(4) كذا في الأصل .
(5) الحدل : جمع حدلاء ، وهي القوس قد حدرت إحدى سيتيها ورفعت الأخرى ، وفي الأصل : ( الجدل ) في هذا الموضع وسابقه ، جمع جدلاء للدرع المجدولة ، ولا وجه لها هنا .

واقعة صفين _ 191 _

وضـربا  لـهاماتهم بالسيوف      وطـعنا لـهم بـالقنا iiوالاسل
عـرانين مـن مذحج iiوسطها      يخوضون أغمارها بالهبل  (1)
ووائــل تـسـعر iiنـيرانها      يـنادونهم أمـرنا قـد iiكـمل
أبـو حـسن صوت iiخيشومها      بـأسيافه  كـل حام بطل  (2)
عـلى  الـحق فـينا له منهج      عـلي واضح القصد لا بالميل
  قال : وبرز يومئذ عوف من أصحاب معاوية وهو يقول :
إنـي أنـا عوف أخو iiالحروب      عـند هـياج الحرب iiوالكروب
صاحب لا الوقاف والهيوب  (3)       عـند اشـتعال الحرب iiباللهيب
ولـست بـالناجي من iiالخطوب      ومـن رديـني مـارن iiالكعوب
إذ  جـئت تبغي نصرة iiالكذوب      ولـست بـالعف ولا iiالـنجيب
  فبرز إليه علقمة بن عمرو ، من أصحاب علي ، وهو يقول :
يـا عـجبا لـلعجب الـعجيب      قد  كنت يا عوف أخا iiالحروب
ولـيس فـيها لـك من iiنصيب      إنـك  ، فاعلم ، ظاهر iiالعيوب
فـي  طـاعة كطاعة iiالصليب      في  يوم بدر عصبة القليب  (4)
فدونك الطعنة في المنخوب  (5)       قـلبك  ذو كـفر مـن iiالقلوب
   فطعنه علقمة فقتله ، فقال علقمه في ذلك :

---------------------------
(1) الهبل : الثكل ، هبلته أمه ثكلته .
(2) في الأصل : أبا حسن د .
(3) أي أنا صاحب من ليس بوقاف ولا هيوب ، والوقوف : المحجم عن القتال ، والهيوب : الجبان ، وفي الأصل : ( صاحبها الوقاف لا الهيوب ) محرف .
(4) القليب : قليب بدر .
(5) المنخوب : الجبان ، أراد به قلبه ، وفي الأصل : ( النخوب ) ولا وجه له .

واقعة صفين _ 192 _

يـا  عـوف لو كنت امرأ iiحازما      لـم  تـبرز الـدهر إلـى علقمه
لاقـيـت لـيـثا أسـدا iiبـاسلا      يـأخـذ  بـالأنفاس iiوالـغلصمه
لاقـيـته  قـرنـا لـه iiسـطوة      يـفترس الأقـران فـي iiالملحمه
مـا  كـان في نصر امرئ iiظالم      مـا  يـدرك الـجنة والـمرحمه
مـا  لابـن صخر حرمة iiترتجى      لـهـا  ثـواب الله بـل iiمـندمه
لاقـيت  مـا لاقـى غداة iiالوغى      مـن  أدرك الأبطال يا ابن iiالأمه
ضـيعت  حـق الله فـي iiنصرة      لـلـظالم الـمعروف iiبـالمظلمة
إن أبــا سـفـيان مـن iiقـبله      لـم  يـك مـثل العصبة المسلمه
لـكـنه  نـافـق فــي iiديـنه      مـن خـشية القتل على iiالمرغمة
بـعـدا لـصخر مـع iiأشـياعه      في جاحم النار لدى المضرمه  (1)
  فمكثوا على ذلك حتى كان ذو الحجة ، فجعل علي يأمر هذا الرجل الشريف فيخرج معه جماعة فيقاتل ، ويخرج إليه من أصحاب معاوية رجل معه آخر ، فيقتتلان في خيلها ورجلهما ثم ينصرفان ، وأخذوا يكرهون أن يتراجعوا بجميع الفيلق من العراق وأهل الشام ، مخافة الاستئصال والهلاك ، وكان علي ( عليه السلام ) يخرج الأشتر مرة في خيله ، وحجر بن عدي مرة ، وشبث بن ربعي التميمي مرة ، ومرة خالد بن المعمر السدوسي ، ومرة زياد بن النضر الحارثي ، ومرة زياد بن جعفر الكندي ، ومرة سعد بن قيس الهمداني ، ومرة معقل بن قيس الرياحي ومرة قيس بن سعد بن عبادة ، وكان أكثر القوم حروبا الأشتر ، وكان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي ، ومرة أبا الأعور السلمي ، ومرة حبيب بن مسلمة الفهري ، ومرة ابن ذي الكلاع ، ومرة عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ومرة شرحبيل بن السمط ، ومرة حمزة بن مالك الهمداني ، فاقتتلوا ذا الحجة ، وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين : أوله وآخره .

---------------------------
(1) جاحم النار : معظمها وموضع الشدة فيها ، والمضرمة : مصدر ميمي من الضرم ، وهو اشتعال النار والتهابها .

واقعة صفين _ 193 _

  نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن عبد الله بن عاصم قال : حدثني رجل من قومي ، أن الأشتر خرج يوما فقاتل بصفين في رجال من القراء ، ورجال من فرسان العرب ، فأشتد قتالهم ، فخرج علينا رجل لقل والله ما رأيت رجلا قط هو أطول ولا أعظم منه ، فدعا إلى المبارزة فلم يخرج إليه إنسان ، وخرج إليه الأشتر فاختلفا ضربتين ، وضربه الأشتر فقتله ، وايم الله لقد كنا أشفقنا عليه ، وسألناه ألا يخرج إليه ، فلما قتله نادى مناد من أصحابه :
يـا سهم سهم بن أبي iiالعيزار      يا خير من نعلمه من زار  (1)
   وجاء رجل من الأزد فقال : أقسم بالله لأقتلن قاتلك ، فحمل على الأشتر وعطف عليه الأشتر (2) فضربه فإذا هو بين يدي فرسه ، وحمل أصحابه فاستنقذوه جريحا ، فقال أبو رقيقة السهمي (3) : كان هذا نارا فصادفت إعصارا ، فاقتتل الناس ذا الحجة كله ، فلما مضى ذو الحجة تداعى الناس أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم ، لعل الله أن يجري صلحا واجتماعا ، فكف الناس بعضهم عن بعض .

---------------------------
(1) زار : مرخم زارة ، وهم بطن من الأزد ، انظر الاشتقاق 288 ، وقد أنشد الطبري الرجز في ( 5 : 243 ) وعقب عليه بقوله : ( وزارة حي من الأزد ) ، وفي الأصل ( من نعلم من نزار ) ، صوابه من الطبري .
(2) التكملة من الطبري ( 5 : 243 ) .
(3) في الطبري : ( أبو رفيقة الفهمي ) .

واقعة صفين _ 194 _

  نصر : عمر بن سعد ، عن أبي المجاهد ، عن المحل بن خليفة قال : لما توادع علي ( عليه السلام ) ومعاوية بصفين اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح ، فأرسل علي بن أبي طالب إلى معاوية عدي بن حاتم ، وشبث بن ربعي ، ويزيد بن قيس ، وزياد بن خصفة ، فدخلوا على معاوية ، فحمد الله عدي بن حاتم وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإنا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا ، ويحقن الله به دماء المسلمين (1) ، وندعوك إلى أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثارا (2) ، وقد اجتمع له الناس (3) ، وقد أرشدهم الله بالذي رأوا فأتوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك ، فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل ، فقال له معاوية : كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا ، هيهات يا عدي ، كلا والله إني لابن حرب ، ما يقعقع لي بالشنان (4) ، أما والله إنك لمن المجلبين علي ابن عفان ، وإنت لمن قتلته ، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله (5) ، هيهات يا عدي ، قد حلبت بالساعد الأشد (6) ، وقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة ـ وتنازعا كلاما واحدا (7) :

---------------------------
(1 ) زاد الطبري في ( 6 : 2 ) : ( ويأمن به السبل ويصلح به البين ) .
(2) أفضلها : أي أفضل الناس ، وفي تاريخ الطبري : ( إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثارا ) ، وفي ح ( 1 : 344 ) : ( ندعوك إلى أفضل الناس سابقة وأحسنهم في الإسلام آثارا ) .
(3) ح : ( إليه الناس ) ، الطبري : ( استجمع له الناس ) .
(4) الشنان : جمع شن ، وهو القربة الخلق ، وهم يحركون القربة البالية إذا أرادوا حث الإبل على السير لتفزع فتسرع ، انظر الميداني ( 2 : 191 ) .
(5) الطبري : ( ممن يقتل الله ( عز وجل ) به ) .
(6) في الميداني ( 1 : 176 ) : ( حلبتها بالساعد الأشد ، أي أخذتها بالقوة إذا لم يتأت الرفق ) ، وفي الأصل : ( قد جئت ) ، والصواب من الطبري ( 6 : 3 ) ، وهذه العبارة لم ترد في ح .
(7) الطبري : ( جوابا واحدا ) .

واقعة صفين _ 195 _

  أتيناك فيما يصلحنا وإياك ، فأقبلت تضرب الأمثال لنا ، دع مالا ينفع من القول والفعل ، وأجبنا فيما يعمنا (1) وإياك نفعه ، وتكلم يزيد بن قيس الأرحبي فقال : إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك ، ولنؤدي عنك ما سمعنا منك ، لن ندع أن ننصح لك ، وأن نذكر ما ظننا أن لنا به عليك حجة ، أو أنه راجع بك إلى الألفة والجماعة ، إن صاحبنا لمن قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنه يخفى عليك : أن أهل الدين والفضل لن يعدلوك بعلي ( عليه السلام ) ، ولن يميلوا بينك وبينه (2) ، فاتق الله يا معاوية ، ولا تخالف عليا ، فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ، ولا أزهد في الدنيا ، ولا أجمع لخصال الخير كلها منه ، فحمد الله معاوية وأثنى عليه وقال : أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة ، فأما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي ، وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها ، إن صاحبكم قتل خليفتنا ، وفرق جماعتنا ، وآوى ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله ، فنحن لا نرد ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا ؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم ؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة ، فقال له شبث بن ربعي : أيسرك بالله يا معاوية أن أمكنت (3) من عمار ين ياسر فقتلته ؟ قال : وما يمنعني من ذلك ؟ والله لو أمكنني صاحبكم وفي الطبزي : ( أنك أمكنت ) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( يصيبنا ) وكتب فوقه : ( خ : يعمنا ) وهو ما في ح والطبري .
(2) التمييل بين الشيئين : الترجيح بينهما ، تقول العرب : إني لأميل بين ذينك الأمرين وأمايل بينهما أيهما آتي ، وفي الأصل : ( يمثلوا ) تحريف ، وفي ح : ( ولا يميلون ) .
(3) في الأصل : ( أنك إن أمكنت ) صوابه في ح .

واقعة صفين _ 196 _

   من ابن سمية (1) ما قتلته بعثمان ، ولكن كنت أقتله بنائل (2) مولى عثمان ابن عفان ، فقال له شبث : وإله السماء ما عدلت معدلا ، لا والله الذي لا إله إلا هو لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها ، فقال له معاوية : إنه لو كان ذلك كانت عليك أضيق (3) ، ورجع القوم عن معاوية ، فلما رجعوا من عنده بعث إلى زياد بن خصفة التيمي فدخل عليه ، فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال : أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا ، وقتل إمامنا ، وآوى قتلة صاحبنا ، وإني أسألك النصرة عليه (4) بأسرتك وعشيرتك ، ولك علي عهد الله وميثاقه إذا ظهرت أن أوليك أي المصرين أحببت ، قال أبو المجاهد (5) : سمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث ، قال : فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت له : ( أما بعد فإني لعلى بينة من ربي ، وبما أنعم علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) ، قال : ثم قمت ، فقال معاوية لعمرو بن العاص ـ وكان إلى جانبه جالسا ـ : ليس يكلم رجل .

---------------------------
(1) سمية ، هي سمية بنت خباط ، بمعجمة مضمومة وموحدة ثقلية ، وهي أم عمار بن ياسر ، وكانت أمة لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ، ثم زوجها ياسرا فولدت له عمارا ، وهي أول شهيدة استشهدت في الإسلام ، وجأها أبو جهل بحربة فماتت ، المعارف 111 ـ 112 والإصابة 582 .
(2) في الطبري : ( بناتل ) .
(3) الطبري : ( إنه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق ) .
(4) في الأصل : ( عليك ) صوابه في ح والطبزي .
(5) أبو المجاهد ، هو سعد الطائي الكوفي ، وثقة وكيع وابن حبان ، وقال ابن حجر : ( لا بأس به ، من السادسة ) ، انظر التقريب وحواشيه .

واقعة صفين _ 197 _

  منا رجلا منهم بكلمة فيجيب بخير (1) ، ما لهم عضبهم الله (2) ، ما قلوبهم إلا قلب رجل واحد ، نصر : حدثنا سليمان بن أبي راشد (3) ، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود ، أن معاوية بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري ، وشرحبيل بن السمط ، ومعن بن يزيد بن الأخنس السلمي ، فدخلوا على علي ( عليه السلام ) وأنا عنده ، فحمد الله حبيب بن مسلمة وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا ، يعمل بكتاب الله ، وينيب إلى أمر الله ، فاستثقلتم حياته ، واستبطأتم وفاته ، فعدوتم عليه فقتلتموه ، فادفع إلينا قتلة عثمان نقتلهم به ، فإن قلت إنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم هذا شورى بينهم ، يولى الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم ، فقال له علي ( عليه السلام ) : وما أنت لا أم لك والولاية والعزل والدخول في هذا الأمر ، اسكت فإنك لست هناك ، ولا بأهل لذاك ، فقام حبيب بن مسلمة فقال : أما والله لتريني حيث تكره ، فقال له علي : وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك ؟ ! اذهب فصوب وصعد ما بدا لك ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، فقال شرحبيل بن السمط : إن كلمتك فلعمري ما كلامي إياك إلا كنحو من كلام صاحبي قبلي ، فهل لي عندك جواب غير الجواب الذي أجبته به ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : عندي جواب غير الذي أجبته به ، لك ولصاحبك (4) ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

---------------------------
(1) في الأصل : ( ليس يتكلم رجل منهم بكلمة ) بهذا التحريف والنقص ، وتصحيحه وإكماله من الطبري ، وهذه العبارة لم ترد في ح .
(2) العضب : القطع ، وفي اللسان : ( وتدعو العرب على الرجل فتقول : ماله عضبه الله ، يدعون عليه بقطع يده ورجله ) ، وفي الأصل : ( غصبهم ) صوابه في ح والطبري .
(3) وكذا في ح ، وفي الطبري : ( سليمان بن راشد الأزدي ) .
(4) بدل هذه العبارة في ح : ( قال نعم ) ، وفي الطبري ( 6 : 4 ) : ( نعم لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به ) .

واقعة صفين _ 198 _

  أما بعد فإن الله بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأنقذ به من الضلالة ، ونعش به من الهلكة (1) ، وجمع به بعد الفرقة ، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه ، ثم استخلف الناس (2) أبا بكر ، ثم استخلف أبو بكر عمر ، وأحسنا السيرة ، وعدلا في الأمة ، وقد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا ونحن آل الرسول وأحق بالأمر ، فغفرنا ذلك لهما ، ثم ولى أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه ، فسار إليه ناس فقتلوه ، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لي : بايع ، فأبيت عليهم ، فقالوا لي : بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك ، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس ، فبايعتهم ، فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني (3) ، وخلاف معاوية إياك ، الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين ، ولا سلف صدق في الإسلام ، طليق ابن طليق ، وحزب من الأحزاب ، لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه ، حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين ؛ فعجبنا لكم (4) ولإجلابكم معه ، وانقيادكم له ، وتدعون أهل بيت نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ، ولا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس ، إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإماتة الباطل ، وإحياء معالم الدين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لنا ولكل مؤمن ومؤمنة ، ومسلم ومسلمة ، فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد : أتشهد أن عثمان قتل مظلوما ؟ فقال لهما : إني لا أقول ذلك ، قالا : فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن برآء منه ، ثم قاما فانصرفا .

---------------------------
(1) في الأصل : ( وأنعش ) صوابه في ح ، ولا يقال أنعشه فهو من كلام العامة ، نعشه : تداركه ، وفي الطبري : ( وانتاش به من الهلكة ) ، والانتياش : الاستدراك والاستنقاذ .
(2) ح ( 1 : 345 ) : ( فاستخاف الناس ) .
(3) ح فقط : ( قد بايعا ) .
(4) ح : ( فيا عجبا لكم ) ، الطبري : ( فلا غرو إلا خلافكم معه ) .

واقعة صفين _ 199 _

  فقال ( عليه السلام ) : ( إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) ، ثم أقبل على أصحابه فقال : لا يكون هؤلاء بأولى في الجد في ضلالتهم منكم في حقكم وطاعة إمامكم (1) ، ثم مكث الناس حتى دنا انسلاخ المحرم ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر عن أبي الطفيل ، أن حابس بن سعد الطائي (2) كان صاحب لواء طيئ مع معاوية ، فقال :
أمـا  بـين الـمنايا غـير iiسـبع      بـقـين مـن الـمحرم أو iiثـمان
أمــا  يـعجبك أنـا قـد iiكـففنا      عن اهل الكوفة الموت العياني  (3)
أيـنـهانا  كـتـاب الله iiعـنـهم      ولا يـنهاهم الـسبع المثاني  (4)
  فقتل بعد ، وكان مع معاوية ، فلما انسلخ المحرم واستقبل صفر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ، بعث علي نفرا من أصحابه حتى إذا كانوا من عسكر معاوية حيث يسمعونهم الصوت قام مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس : يا أهل الشام ، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقولون لكم :

---------------------------
(1) الطبري فقط : ( وطاعة ربكم ) .
(2) سبقت ترجمته في ص 64 ، وفي الأصل : ( بن سعيد ) تحريف .
(3) العياني : منسوب إلى العيان ، وفي الأصل : ( العيان ) .
(4) السبع المثاني : السور الطوال من البقرة إلى التوبة ، على أن تحسب التوبة والأنفال سورة واحدة ، ولذلك لم يفصل بينهما في المصحف بالبسملة .