قد نبذنا إليكم على سواء (1) ، إن الله لا يحب الخائنين ، قال : فتحاجز الناس (2) وثاروا إلى أمرائهم ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي الزبير قال : كانت وقعة صفين في صفر ، قال نصر : في حديث عمر ـ يعني ابن سعد (3) ـ إن عليا ( عليه السلام ) لما انسلخ المحرم أمر مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس : يا أهل الشام ، ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم : إني قد استدمتكم واستأنيت بكم (4) لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه ، واحتججت عليكم بكتاب الله ودعوتكم إليه ، فلم تتناهوا عن طغيان ، ولم تجيبوا إلى حق ، وإني قد نبذت إليكم على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين ، فثار الناس إلى أمرائهم ورؤسائهم ، قال : وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتبان الكتائب ، ويعبيان العساكر ، وأوقدوا النيران ، وجاءوا بالشموع (5) ، وبات علي ( عليه السلام ) ليلته كلها يعبي الناس ، ويكتب الكتائب ، ويدور في الناس يحرضهم ، نصر : عمر بن سعد ، وحدثني رجل عن عبد الله بن جندب عن أبيه أن عليا ( عليه السلام ) كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه يقول : لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم ؛ فإنكم بحمد الله على حجة ، وترككم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم ، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل .

---------------------------
(1) انظر ما سبق في ص 28 .
(2) تحاجز القوم : أخذ بعضهم بحجز بعض .
(3) خلط ابن أبي الحديد بين هذا الإسناد وسابقه فجعلهما لعمرو بن شمر .
(4) في الأصل : ( قد استنبذتكم واستأناتكم ) ، صوابه في ح ، وفي الطبري ( 6 : 5 ) : ( قد استدمتكم ) فقط .
(5) وجاءوا بالشموع ، ليست في الطبري .

واقعة صفين _ 201 _

  حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم ، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا إلا بإذني ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى (1) ، وإن شتمن أعراضكم وتناولن أمراءكم وصلحاءكم ؛ إنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول ، ولقد كنا وإنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات ، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن إسماعيل بن يزيد يعني ابن أبي خالد (2) ، عن أبي صادق ، عن الحضرمي قال : سمعت عليا ( عليه السلام ) حرض في الناس (3) في ثلاثة مواطن : في يوم الجمل ، ويوم صفين ، ويوم النهروان ، فقال : عباد الله ، اتقوا الله ( عز وجل ) ، وغضوا الأبصار ، واخفضوا الأصوات ، وأقلوا الكلام ، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة ، والمبارزة والمعانقة والمكادمة (4) ، واثبتوا ( واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) ، ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) اللهم ألهمهم الصبر ، وأنزل عليهم النصر ، وأعظم لهم الأجر .

---------------------------
(1) في الأصل وح ( 1 : 346 ) : ( إلا باذني ) صوابه من الطبري ( 6 : 6 ) .
(2) إسماعيل بن أبي خالد ، أبو عبد الله ، أحد التابعين ، رأي سعيد من رأي النبي ، منهم أنس بن مالك ، توفى بالكوفة سنة 146 ، انظر المعارف 211 وتهذيب التهذيب .
(3) في الأصل : ( عرض في الناس ) صوابه في ح ، وفي الطبري : ( يحرض الناس ) .
(4) المكادمة : مفاعلة من الكدم ، وهو العض ، والتأثير بالحديد ، وهذا هو الأقرب ، وفي اللسان : ( رجل مكدم : إذا لقى قتالا فأثرت فيه الجراح ) ، وفي الأصل : ( المكارمة ) بالراء ، صوابه في الطبري ( 6 : 6 ) .

واقعة صفين _ 202 _

  نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن محمد بن علي ، وزيد بن حسن ، ومحمد بن المطلب (1) ، أن عليا ( عليه السلام ) ومعاوية عقدا الأولوية ، وأمرا الأمراء ، وكتبا الكتائب ، واستعمل علي على الخيل عمار بن ياسر ، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، ودفع اللواء إلى هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص الزهري ، وجعل على الميمنة الأشعث بن قيس ، وعلى الميسرة عبد الله بن العباس ، وجعل على رجالة الميمنة سليمان بن صرد الخزاعي ، وجعل على رجالة الميسرة الحارث بن مرة العبدي ، وجعل القلب مضر الكوفة والبصرة ، وجعل الميمنة اليمن ، وجعل الميسرة ربيعة ، وعقد ألوية القبائل فأعطاها قوما منهم بأعيانهم جعلهم رؤساءهم وأمراءهم ، وجعل على قريش وأسد وكنانة عبد الله بن عباس ، وعلى كندة حجر بن عدي ، وعلى بكر البصرة حضين بن المنذر ، وعلى تميم البصرة الأحنف بن قيس ، وعلى خزاعة عمرو بن الحمق ، وعلى بكر الكوفة نعيم بن هبيرة ، وعلى سعد ورباب البصرة جارية بن قدامة السعدي ، وعلى بجيلة رفاعة بن شداد ، وعلى ذهل الكوفة يزيد بن رويم الشيباني (2) ، وعلى عمرو وحنظلة البصرة (3) أعين بن ضبيعة ، وعلى قضاعة وطيئ عدي بن حاتم ، وعلى لهازم الكوفة عبد الله بن حجل العجلي ، وعلى تميم الكوفة عمير بن عطارد ، وعلى الأزد واليمن جندب ابن زهير ، وعلى ذهل البصرة خالد بن المعمر السدوسي ، وعلى عمرو وحنظلة الكوفة (4) شبث بن ربعي ، وعلى همدان سعيد بن قيس ، وعلى لهازم البصرة حريث بن جابر الحنفي (5) .

---------------------------
(1) ذكره في لسان الميزان ( 5 : 383 ) وقال : ( روى عن أبان بن بشير ، وعنه وهب بن كعب ، مجهول ) ، ح : ( بن عبد المطلب ) تحريف .
(2) ح ( 1 : 346 ) : ( رويما الشيباني أو يزيد بن رويم ) .
(3) ح : ( وعلى عمرو البصرة وحنظلتها ) .
(4) ح : ( وعلى عمرو الكوفة وحنظلتها ) .
(5) ح : ( الجعفي ) .

واقعة صفين _ 203 _

   وعلى سعد ورباب الكوفة الطفيل أبا صريمة ، وعلى مذحج الأشتر بن الحارث النخعي ، وعلى عبد القيس الكوفة صعصعة بن صوحان ، وعلى قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل البكائي (1) ، وعلى عبد القيس البصرة عمرو بن حنظلة ، وعلى قريش البصرة الحارث بن نوفل الهاشمي ، وعلى قيس البصرة (2) قبيصة بن شداد الهلالي ، وعلى اللفيف من القواصي القاسم بن حنظلة الجهني ، واستعمل معاوية على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وعلى الرجالة مسلم بن عقبة المري (3) ، وعلى الميمنة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة القهري ، وأعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وعلى أهل دمشق ـ وهم القلب ـ الضحاك بن قيس القهري ، وعلى أهل حمص ـ وهم الميمنة ـ ذا الكلاع الحميري ، وعلى أهل قنسرين ـ وهم ( في ) الميمنة ( أيضا ) زفر بن الحارث ، وعلى أهل الأردن ـ وهم الميسرة ـ سفيان بن عمرو الأعور السلمي ، وعلى أهل فلسطين ـ وهم في الميسرة ـ أيضا مسلمة بن مخلد ، وعلى رجالة أهل حمص حوشبا ذا ظليم (4) ، وعلى رجالة قيس طريف بن حابس الألهاني (5) .

---------------------------
(1) هو عبد الله بن الطفيل بن ثور بن معاوية بن عبادة بن البكاء ، العامري ثم البكائي ، له إدراك ، وقد شهد مشاهد علي ، والعامري : نسبة إلى عامر بن صعصعة ، والبكائي ، بفتح الباء وتشديد الكاف : نسبة إلى البكاء ، وبنو البكاء من قبائل ربيعة بن عامر بن صعصعة ، انظر الاشتقاق 179 ، وفي الأصل : ( الكناني ) تحريف ، صوابه في ح والإصابة 6328 .
(2) الكلام بعد : ( البكائي ) إلى هنا ساقط من ح .
(3) المري : نسبة إلى مرة بن عوف ، قال ابن دريد في الاشتقاق 174 : ( فمن قبائل مرة بن عوف مسلم بن عقبة الدي اعترض أهل المدينة فقتلهم يوم الحرة في طاعة يزيد بن ومعاوية ) ، انظر المعارف 153 ، ح : ( المزني ) تحريف .
(4) سبقت ترجمته في ص 60 .
(5) الألهاني ، بالفتح : نسبة إلى ألهان ، وهم إخوة همدان بن مالك بن زيد بن كهلان ، انظر الاشتقاق 250 .

واقعة صفين _ 204 _

   وعلى رجالة أهل الأردن عبد الرحمن بن قيس القيني ، وعلى رجالة أهل فلسطين الحارث بن خالد الأزدي ، وعلى رجالة قيس دمشق همام بن قبيصة ، وعلى قيس وإياد حمص (1) بلال بن أبي هبيرة الأزدي وحاتم بن المعتمر الباهلي (2) ، وعلى رجالة الميمنة حابس بن سعد الطائي ، وعلى قضاعة دمشق حسان بن بحدل الكلبي (3) ، وعلى قضاعة الأردن حبيش بن دلجة القيني ، وعلى كنانة فلسطين شريكا الكناني (4) ، وعلى مذحج الأردن المخارق بن الحارث الزبيدي ، وعلى لخم وجذام فلسطين (5) ناتل بن قيس الجذامي (6) ، وعلى همدان الأردن حمزة بن مالك الهمداني ، وعلى خثعم اليمن حمل بن عبد الله الخثعمي (7) ، وعلى غسان الأردن يزيد بن الحارث ، وعلى جميع القواصى القعقاع بن أبرهة الكلاعى (8) ـ وأصيب في المبارزة أول يوم تراءت فيه الفئتان .

---------------------------
(1) ح : ( وعلى قيس حمص وإيادها ) .
(2) ما بعد ( الأزدي ) ليس في ح .
(3) بحدل ، بالحاء المهملة وزان جعفر ، وفي الأصل وح : ( بجدل ) بالجيم ، تحريف ، وهو حسان بن مالك بن بحدل أبو سليمان الكلبي ، زعيم بني كلب ومقدمهم ، ويروون أنه سلم عليه بالخلافة أربعين ليلة ، انظر تاريخ ابن عساكر ( 9 : 342 ) المخطوطة التيمورية وكذا الأغاني ( 11 : 114 ) .
(4) في الأصل : ( شريك البكائي ) ، وأثبت ما في ح ( 1 : 346 ) .
(5) ح : ( وعلى جذام فلسطين ولخمها ) .
(6) ناتل ، بمثناة ، ابن قيس بن زيد الشامي الفلسطيني أحط أمراء معاوية ، قتل سنة ست وستين ، وفي الأصل : ( نائل ) وفي ح : ( نابل ) صوابهما ما أثبت من تهذيب التهذيب والاشتقاق 225 والمشتبه للذهبي 514 .
(7) ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق ، في حرب الحاء المهملة ، قال : ( حمل بن عبد الله الخثعمي ، شهد صفين مع معاوية ، وكان يومئذ أميرا على خثعم ) ، وفي ح : ( جمل ) بالجيم ، تحريف ، صوابه في ابن عساكر ( 11 ، 551 ) مخطوطة التيمورية .
(8) ترجم له ابن عساكر في ( 35 : 369 ) ، وفي ح : ( الكلابي ) تحريف .

واقعة صفين _ 205 _

   نصر : إسماعيل بن أبي عميرة (1) عن الشعبي أن عليا عليه السلام بعث على ميمنته عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس ، وذكر عن فضيل بن خديج (2) أن عليا ( عليه السلام ) بعث على خيل أهل الكوفة الأشتر ، وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف ، وعلى رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر ، وعلى رجالة أهل البصرة قيس بن سعد ـ وكان قد أقبل من مصر إلى صفين ـ وجعل معه هاشم بن عتبة ، وابنه ، و ( جعل ) مسعود بن فدكي التميمي على قراء أهل البصرة ، فصار قراء أهل الكوفة إلى ابن بديل وعمار بن ياسر .
  آخر الجزء الثالث من أجزاء ابن الطيوري والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويتلوه الجزء الرابع وأوله (3) : ( نصر ، عن عمر قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن القاسم مولى يزد بن معاوية ) ، وجدت في الجزء الخامس من نسخة عبد الوهاب بخطه :

---------------------------
(1) في الأصل : ( بن أبي عمرة ) ، وأثبت ما في ح ( 1 : 347 ) كما سبق ص 22 .
(2) ذكره الذهبي في المشتبه 151 قال : ( وفضيل بن خديج شيخ لأبي مخنف لوط الأخباري ) ، وترجم له ابن حجر في لسان الميزان ، وفي الأصل : ( فضل بن خديج ) ، صوابه في المراجعين المذكورين .
(3) تكملة يستقيم بها الكلام ، وانظر أول الجزء التالي .

واقعة صفين _ 206 _

  ( سمع جميعه على الشيخ أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار ، الأجل السيد الأوحد قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني ، وابناه القاضيان أبو عبد الله محمد (1) وأبو الحسين أحمد ، وأبو عبد الله محمد بن القاضي أبي الفتح بن البيضاوي ، والشريف أبو الفضل محمد بن علي بن أبي يعلى الحسني ، وأبو منصور محمد بن محمد بن قرمي ، بقراءة عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي في شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة .

الجزء الرابع
   رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي رواية الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي - سماع مظفر بن على بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له .

---------------------------
(1) ترجم له السمعاني في الورقة 219 وياقوت في معجم البلدان ، ولي القضاء ببغداد مدة ، وكانت ولادته بالدامغان سنة 400 ووفاته سنة 498 ، والدامغاني : نسبة إلى الدامغان ، بفتح الميم ، وهي قصبة بلاد قومس .

واقعة صفين _ 207 _

  بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، قال أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال أبو الفضل نصر بن مزاحم : عن عمر قال : عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن القاسم مولى يزيد بن معاوية ، أن معاوية بعث على ميمنته ذا الكلاع ، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري ، وعلى مقدمته من يوم أقبل من دمشق أبا الأعور السلمي ، وكان على خيل أهل دمشق ، وعمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها (1) ؛ و ( جعل ) مسلم بن عقبة المري على رجالة أهل دمشق ، والضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم (2) ، وبايع رجال من أهل الشام على الموت ، فعقلوا أنفسهم بالعمائم (3) ، فكانوا خمسة صفوف معقلين (4) .

---------------------------
(1) وكذا في الطبري ( 6 : 6 ) لكن في ح ( 1 : 347 ) : ( أبا الأعور السلمي وكان على خيل دمشق كلها عمرو بن العاص ومعه خيول الشام بأسرها ) ، تحريف .
(2) وكذا في الطبري ، لكن في ح : ( على سائر الرجالة بعد ) .
(3) أي جعلوا العمائم لهم بمثابة العقل ـ جمع عقال ، وفي الأصل : ( فعلقوا ) تحريف صوابه في ح والطبري ، وسيأتي في هذا الكتاب قوله : ( وقد قيدت عك أرجلها بالعمائم ) .
(4) في الأصل : ( معلقين ) ، صوابه في ح والطبري .

واقعة صفين _ 208 _

  وكانوا يخرجون فيصطفون أحد عشر صفا (1) ويخرج أهل العراق فيصطفون أحد عشر صفا ، فخرجوا أول يوم من صفر ( من سنة سبع وثلاثين ) ، وذلك يوم الأربعاء ، فاقتتلوا ، وعلى من خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر ، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة ، فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ، ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض ، ثم خرج ( في اليوم الثاني ) هاشم بن عتبة في خيل ورجال ، حسن عددها وعدتها ، وخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل على الخيل ، والرجال على الرجال ، ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض ، وخرج اليوم الثالث عمار بن ياسر ، وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد القتال ، وجعل عمار يقول : يا أهل الإسلام (2) ، أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين ، فلما أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأسلم وهو والله فيما يرى (3) راهب غير راغب ، وقبض الله رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم ؟ ألا وإنه معاوية ، فالعنوه لعنه الله ، وقاتلوه فإنه ممن يطفيء نور الله ، ويظاهر أعداء الله ) ، وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل ، فأمره أن يحمل في الخيل ، فحمل وصبروا له ، وشد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه ، وبارز يومئذ زياد بن النضر أخا له لأمه (4) .

---------------------------
(1) الطبري : ( وكانوا يخرجون ويصفون عشرة صفوف ) .
(2) في ح : ( يا أهل الشام ) ، فقد يكون ذلك إغراء لهم بصاحبهم وحثا لهم على الخلاف عليه ، وعند الطبري : ( يا أهل العراق ) يخاطب أصحابه .
(3) الطبري : ( نرى ) .
(4) هذه التكملة من الطبري .

واقعة صفين _ 209 _

   من بني عامر يقال له معاوية بن عمرو العقيلي (1) ـ وكانت أمهما هند امرأة من بني زبيد ـ فلما التقيا تساءلا (2) وتواقفا ، ثم انصرف كل واحد منها عن صاحبه ، ورجع الناس يومهم ذاك ، نصر : أبو عبد الرحمن المسعودي ، حدثني يونس بن الأرقم بن عوف ، عن شيخ من بكر بن وائل قال : كنا مع علي بصفين ، فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح ، فقال ناس : هذا لواء عقده له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلم يزالوا كذلك حتى بلغ عليا ، فقال : هل تدرون ما أمر هذا اللواء ؟ إن عدو الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله هذه الشقة فقال : ( من يأخذها بما فيها ؟ ) ، فقال عمرو : وما فيها يا رسول الله ؟ قال : فيها أن لا تقاتل به مسلما ، ولا تقربه من كافر (3) فأخذها ، فقد والله قربه من المشركين ، وقاتل به اليوم المسلمين (4) : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسروا الكفر ، فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عدواتهم منا (5) ، إلا أنهم لم يدعوا الصلاة ، نصر : أخبرني عبد العزيز بن سياه ؛ عن حبيب بن أبي ثابت قال : لما كان قتال صفين قال رجل لعمار : يا أبا اليقظان : ألم يقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( قاتلوا الناس حتى يسلموا ، فإذا أسلموا عصموا منى دماءهم وأموالهم ) ؟ قال : بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا (6) .

---------------------------
(1) الطبري : ( يقال له عمرو بن معاوية بن المنتفق بن عامر بن عقيل ) .
(2) ليست في ح ، وفي الطبري : ( تعارفا ) وفي الأصل : ( تسايلا ) .
(3) الضمير للواء ، وفي ح : ( بها ) في الموضعين ، أي الشقة .
(4) ح : ( قربها ) و ( قاتل بها ) .
(5) ح : ( فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه ) ، ولم يرو سائر هذه الفقرة .
(6) في الأصل : ( أهوانا ) صوابه في ح .

واقعة صفين _ 210 _

  نصر : عبد العزيز ، قال حبيب بن أبي ثابت قال : حدثني منذر الثوري (1) قال : قال محمد بن الحنفية : لما أتاهم رسول الله من أعلى الوادي ومن أسفله ، وملأ الأودية كتائب (2) استسلموا حتى وجدوا أعوانا ، نصر ، عن فطر بن خليفة (3) ، عن منذر الثوري قال عمار بن ياسر : والله ما أسلم القوم ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا ، نصر ، عن الحكم بن ظهير ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، و ( قال : وحدثنا الحكم أيضا ، عن عاصم بن أبي النجود (4) ، عن زر بن حبيش (5) ، عن عبد الله بن مسعود قالا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه ) ، قال الحسن : فما فعلوا ولا أفلحوا ، نصر : عمرو بن ثابت ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه ، قال : فحدثني بعضهم قال : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل ولم نفلح .

---------------------------
(1) هو المنذر بن يعلى الثوري ، أبو يعلى الكوفي ، ترجم له في تهذيب التهذيب ، وفي الأصل : ( منذر العلوي ) لعلها ( الكوفي ) وأثبت ما في ح .
(2) في الأصل : ( وملؤوا ) ، ح : ( وملأ الأودية كتائب ـ يعني يوم فتح مكة ) .
(3) فطر بكسر الفاء ، بن خليفة المخزومي مولاهم ، أبو بكر الحناط ، انظر تهذيب التهذيب والمعارف ومشارق الأنوار ( 2 : 168 ) ، وفي الأصل : ( قطرب ) تحريف .
(4) هو عاصم بن بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ ، كان حجة في القراءة ، قرأ على عبد الرحمن السلمي ، وزر بن حبيش ، ويعرف بابن أبي النجود ، بفتح النون ، وبهدلة أمه كما في القاموس ، توفى سنة 128 ، انظر تهذيب التهذيب والمعارف 231 .
(5) زر ، بكسر أوله وتشديد الراء ، بن حبيش ، بالتصغير ، بن حباشة ، بالضم ، الأسدي الكوفي ، كان أعرب الناس ، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية ، مات سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وعشرين سنة ، انظر تهذيب التهذيب والمعارف 188 والإصابة 2965 .

واقعة صفين _ 211 _

  نصر ، عن يحيى بن يعلى ، عن الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله بن عمر (1) : إن معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار ، ولولا كلمة فرعون : ( أنا ربكم الأعلى ) ما كان أحدا أسفل من معاوية ، نصر ، عن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن سالم بن أبي الجعد (2) عن أبي حرب بن أبي الأسود (3) عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال : إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( شر خلق الله خمسة : إبليس ، وإبن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون ذو الأوتاد ، ورجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم ، ورجل من هذه الأمة يبايع على كفره عند باب لد (4) ، قال الرجل : إني لما رأيت معاوية بايع عند باب لد ذكرت قول رسول الله ، فلحقت بعلي فكنت معه ، نصر ، عن جعفر الأحمر ، عن ليث عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يموت معاوية على غير الإسلام ) ، عن جعفر الأجمر ، عن ليث ، عن محارب بن زياد ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يموت معاوية على غير ملتي ) ، نصر ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

---------------------------
(1) في الأصل : ( عبد الله بن عمرو ) ، تحريف .
(2) هو سالم بن أبي الجعد رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم ، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين ، وقيل مائة ، تهذيب التهذيب .
(3) هو أبو حرب بن أبي الأسود الديلي البصري ، ثقة ، قيل اسمه محجن ، وقيل عطاء ، مات سنة 108 ، تهذيب التهذيب .
(4) لد ، بالضم والتشديد : قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين ، ( اللهم العن التابع والمتبوع ، اللهم عليك بالأقيعس ) ، فقال ابن البراء لأبيه : من الأقيعس ؟ قال معاوية .

واقعة صفين _ 212 _

  نصر ، عن قيس بن الربيع وسليمان بن قرم (1) ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سعيد ، عن علي قال : رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في النوم ، فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود واللدد ، فقال : ( انظر ! ) ، فإذا عمرو بن العاص ومعاوية معلقين منكسين تشدخ رؤوسهما بالصخر ، نصر ، عمر حدثني يحيى بن يعلى بن عبد الجبار بن عباس ، عن عمار الدهني (2) ، عن أبي المثنى ، عن عبد الله بن عمر قال : ما بين تابوت معاوية وتابوت فرعون إلا درجة ؟ وما انخفضت تلك الدرجة إلا أنه قال : ( أنا ربكم الأعلى ) ، نصر ، عن أبي عبد الرحمن قال : حدثني العلاء بن يزيد القرشي ، عن جعفر بن محمد قال : دخل زيد بن أرقم على معاوية ، فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير ، فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما ، فقال له عمرو بن العاص : أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين ؟ فقال زيد : إن رسول الله غزا غزوة وأنتما معه ، فرأكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ، ثم رأكما اليوم الثاني واليوم الثالث ، كل ذلك يديم النظر إليكما ، فقال في اليوم الثالث :

---------------------------
(1) هو سليمان بن قرم ـ بفتح القاف وسكون الراء ـ بن معاذ أبو داود البصري ، النحوي ، قال ابن حجر : ( سيء الحفظ ، يتشيع من السابعة ) ، تقريب التهذيب ، وفي الأصل : ( بن قوم ) تحريف .
(2) هو عمار بن معاوية الدهني ، بضم الدال المهملة وسكون الهاء بعدها نون ، أبو معاوية البجلي الكوفي ، صدوق يتشيع من الخامسة ، تقريب التهذيب .

واقعة صفين _ 213 _

   إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص ( مجتمعين ففرقوا بينهما ؛ فإنهما لن يجتمعا على خير (1) ، نصر ، عن محمد بن فضيل (2) ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي قال : أخبرني أبو هلال أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول : إنهم كانوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعوا غناء فتشرفوا له ، فقام رجل فاستمع له ، وذاك قبل أن تحرم الخمر ، فأتاهم ثم رجع فقال : هذا معاوية وعمرو بن العاص يجيب أحدهما الآخر وهو يقول :
يــزال حــواري تـلوح عـظامه      زوى الحرب عنه أن يحس فيقبرا  (3)
   فرفع رسول الله يديه فقال : اللهم أركسهم في الفتنة ركسا ، اللهم دعهم إلى النار دعا (4) ، نصر ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثمالي (5) ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن عمر قال : إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون ، وذلك بأن فرعون قال : ( أنا ربكم الأعلى ) ، نصر : شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمر قال :

---------------------------
(1) الكلام التالي إلى كلمة : ( فاقتلوه ) التي ستأتي في ص 221 محذوف من طبعة بيروت .
(2) هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم ، أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق رمى بالتشييع ، مات سنة خمس وتسعين ومائة ، تهذيب التهذيب .
(3) في اللسان : ( وحكى بعضهم زلت أفعل ، أي ما زلت ) ، والحس : القتل الشديد ، وفي الكتاب : ( إذ تحسونهم بإذنه ) .
(4) الإركاس والركس : الرد والإرجاع ، وفي التنزيل : ( والله أركسهم بما كسبوا ) ، والدع : الدفع الشديد ، وفي الكتاب : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) ، وقد ورد الحديث في اللسان ( ركس ) بلفظ : ( اللهم أركسهما في الفتنة ركسا ) ، وجاء في اللسان ( دعع ) : ( اللهم دعها إلى النار دعا ) صوابه : ( دعهما ) .
(5) هو ثابت بن أبي صفية الثمالي ، بضم المثلثة ، أبو حمزة ، واسم أبيه دينار وقيل سعيد ، كوفي ضعيف رافضي من الخامسة ، مات في خلافة أبي جعفر ، تقريب التهذيب .

واقعة صفين _ 214 _

  أتيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعته يقول : ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي ) ، فشق علي ذلك وتركت أبي يلبس ثيابه ويجيء ، فطلع معاوية ، نصر ، عن بليد بن سليمان (1) ، حدثني الأعمش ، عن علي بن الأقمر (2) قال : وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا : لو مررنا برجل قد شهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعاينه ، فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : يا صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حدثنا ما شهدت ورأيت ، قال : إن هذا أرسل إلي ـ يعني معاوية ـ فقال : لئن بلغني أنك تحدث لأضربن عنقك ، فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت : وددت أن أحد سيف في جندك (3) على عنقي ، فقال : والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك ، وأيم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت (4) رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال فيه ، رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرسل إليه يدعوه ـ وكان يكتب بين يديه ـ فجاء الرسول فقال : هو يأكل ، فقال : لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع ؟ قال : وخرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( اللهم العن القائد والسائق والراكب ) ، قلنا : أنت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال : نعم ، وإلا فصمتا أذناي ، كما عميتا عيناي .

---------------------------
(1) هو تليد ، بفتح التاء المثناة ، بن سليمان المحاربي ، أبو سليمان أو أبو إدريس الكوفي الأعرج ، رافضي ضعيف ، قال صالح جزرة : كانوا يسمونه ( بليدا ) يعني بالموحدة ، مات سنة تسعين ومائة ، تقريب التهذيب ، وقد ورد ( بليد ) هاهنا بالموحدة فأثبته كما هو .
(2) هو علي بن الأقمر بن عمرو الهمداني الوادعي ، كوفي ثقة ، تقريب التهذيب .
(3) في الأصل : ( جسدك ) .
(4) في الأصل : ( ما سمعت من ) وكلمة ( من ) مقحمة .

واقعة صفين _ 215 _

  نصر ، عن عبد العزيز بن الخطاب ، عن صالح بن أبي الأسود ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه ) ، قال نصر : ثم رجع إلى حديث عمرو بن شمر ، قال : فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب ، وخرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال ، ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية (1) : أن اخرج إلى أبارزك ، قال له : نعم ، ثم خرج إليه يمشي ، فبصر به علي فقال : من هذان المتبارزان ؟ فقيل له : ابن الحنفية وابن عمر ، فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له فقال : أمسك دابتي ، فأمسكها له ثم مشى إليه فقال : أنا أبارزك فهلم إلى ، قال : ليس لي في مبارزتك حاجة ، قال : فرجع ابن عمر وأخذ ابن الحنفية يقول لأبيه : منعتني من مبارزته ، فوالله لو تركتني لرجوت أن أقتله ، قال : يا بني ، لو بارزته أنا لقتلته ، ولو بارزته أنت لرجوت أن تقتله ، وما كنت آمن أن يقتلك ، ثم قال : يا أبه أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله ؟ والله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه ، فقال : يا بنى ( لا تذكر أباه ولا ) تقل فيه إلا خيرا (2) . يرحم الله أباه ، ثم إن الناس تحاجزوا وتراجعوا .

---------------------------
(1) هو محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو أخو الحسن والحسين ابني علي ، بيد أن والدة ، هذين هي فاطمة الزهراء ، وأم ذاك هي خولة بنت جعفر الحنفية ، فنسب إليها تمييزا له ، كان ابن الحنفية أحد أبطال صدر الإسلام ، وكان ورعا واسع العلم ، توفى سنة 81 ، وفيات الأعيان ( 1 : 449 ) وطبقات ابن سعد ( 5 : 66 ) .
(2) ح ( 1 : 480 ) : ( لأبيه إلا خيرا ) .

واقعة صفين _ 216 _

  فلما أن كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن العباس والوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا ، ودنا ابن عباس من الوليد بن عقبة ، فأخذ الوليد يسب بني عبد المطلب (1) وأخذ يقول : يا ابن عباس قطعتم أرحامكم ، وقتلتم إمامكم ، فكيف رأيتم صنع الله بكم ، لم تعطوا ما طلبتم ، ولم تدركوا ما أملتم ، والله ـ إن شاء الله ـ مهلككم وناصرنا عليكم (2) ، فأرسل إليه ابن عباس : أن ابرز إلى ، فأبي أن يفعل ، وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا ، ثم انصرفوا عند الظهر وكل غير غالب ، وذلك يوم الأحد (3) ، نصر ، عن عمر بن سعد ، قال : أبو يحيى عن الزهري قال : وخرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري ، فلحق بعلي ( عليه السلام ) في ناس من قراء أهل الشام ، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص ، وقال عمرو : يا معاوية ، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرابة قريبة ، ورحم ماسة ، وقدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله ، ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (4) ، وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المعدودين ، وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ، ولهم في النفوس مهابة ، فبادر بأهل الشام مخاشن الوعر ، ومضايق الغيض (5) ؛ واحملهم على الجهد ، وأتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا ، فيظهر فيهم كآبة الخذلان ، ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل .

---------------------------
(1) ح : ( فأكثر من سبب بني عبد المطلب ) .
(2) ح : ( والله إن شاء أمهلكم وناصر عليكم ) ، وما في الأصل يوافق ما في الطبري ( 6 : 7 ) .
(3) بعد هذه الكلمة في الأصل كلام ناقص لم يرد في ح وهو : ( وخرج شمر بن أبرهة ابن الصباح الحميري فلحق بعلي في ناس من قراء أهل الشام ، فلما رأى ذلك معاوية وعمرو وما خرج إلى علي من قبائل أهل الشام وأشرافهم ) ، وانظر ما يلي .
(4) النجدة : الشجاعة وشدة البأس .
(5) الغيض : القليل ، ومنه : فلان يعطي غيضا من فيض ، ح : ( 1 : 481 ) ، ( مخاشن الأوعار ومضايق الغياض ) .

واقعة صفين _ 217 _

   فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة ، وأمر بالمنبر فأخرج ، ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا خطبته ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس أعيرونا أنفسكم وجماجمكم ، لا تفشلوا ولا تخاذلوا (1) ؛ فإن اليوم يوم خطار ، ويوم حقيقة وحفاظ ؛ فإنكم على حق وبأيديكم حجة (2) وإنما تقاتلون من نكث البيعة ، وسفك الدم الحرام ، فليس له في السماء عاذر ، ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (3) : أيها الناس ، قدموا المستلئمة ، وأخروا الحاسر ، وأعيروا جماجمكم ساعة ؛ فقد بلغ الحق مقطعه ، وإنما هو ظالم ومظلوم (4) ، نصر : عمر بن سعد ، عن أبي يحيى ، عن محمد بن طلحة ، عن أبي سنان الأسلمي قال : لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو ، وتحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا ، قال : وكأني أنظر إلى علي متوكئا على قوسه ، وقد جمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنده ، فهم يلونه ، و ( كأنه ) أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه (5) ، فحمد الله ثم قال : أيها الناس ، اسمعوا مقالتي ، وعوا كلامي ؛ فإن الخيلاء من التجبر ، (6) .

---------------------------
(1) ح : ( لا تقتتلوا ولا تتجادلوا ) .
(2) في الأصل : ( ولكم حجة ) ، وأثبت ما في ح .
(3) الكلام من : ( ثم صعد ) إلى هنا ، ليس في ح ، فإن ابن أبي الحديد جعل كلام عمرو من بقية خطبة معاوية ، والحق أنهما خطبتان كما سيظهر مما يلي ، وانظر البيان والتبيين 2 : 285 .
(4) في الأصل : ( فإنه هو ظالم أو مظلوم ) وأثبت ما في ح .
(5) ح : ( متوافرون معه ) .

واقعة صفين _ 218 _

  ألا إن المسلم أخو المسلم ، لا تنابذوا ولا تخاذلوا ؛ فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة ، من أخذ بها لحق ، ومن تركها مرق ، ومن فارقها محق ، ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالكذاب إذا نطق ، نحن أهل بيت الرحمة ، وقولنا الصدق ، ومن فعالنا القصد (1) ، ومنا خاتم النبيين ، وفينا قادة الإسلام ، ومنا قراء الكتاب (2) ، ندعوكم إلى الله وإلى رسوله ، وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء رضوانه ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفئ لأهله (3) ، ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص السهمي ، أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما ، وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قط ، ولم أعصه في أمر قط ، أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال ، وترعد فيها الفرائص ، نجدة (4) أكرمني الله بها ، فله الحمد ولقد قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإن رأسه لفي حجري ، ولقد وليت غسله بيدي وحدي ، تقلبه الملائكة المقربون معي ، وايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على ( أهل ) حقها ، إلا ما شاء الله ، قال : فقال أبو سنان الأسلمي (5) : فسمعت عمار بن ياسر يقول : أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه أولا ، وأنها لن تستقيم عليه آخرا ، ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم ، ( فتأهبوا واستعدوا ) .

---------------------------
(1) ح : ( وفعلنا الفضل ) .
(2) ح : ( وفينا حملة الكتاب ) .
(3) ح : ( علي أهله ) .
(4) ح : ( بنجدة ) .
(5) في الأصل : ( الأسدي ) وأثبت ما في ( 1 : 481 ) مطابقا ما مضى في ص 223 .

واقعة صفين _ 219 _

  نصر : عمرو بن شمر (1) ، عن مالك بن أعين ، عن يزيد بن وهب ، أن عليا قال في هذه الليلة : ( حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا ؟ ) ، قال : فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال : الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ، ولا ينقض ما أبرم ، ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة ولا من خلقه ، ولا تنازعت الأمة (2) في شئ من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله ، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت (3) بيننا في هذا المكان ، فنحن من ربنا بمرأى ومسمع ، فلو شاء لعجل النقمة ولكان منه التغيير (4) حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق (5) أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة عنده دار ( الجزاء ) والقرار ، ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) ، ألا إنكم لاقو العدو غدا إن شاء الله ، فأطيلوا الليلة القيام ، وأكثروا تلاوة القرآن ، واسألوا الله الصبر والنصر ، والقوهم بالجد والحزم ، وكونوا صادقين ، ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ، فمر عليهم كعب بن جعيل التغلبي وهو يقول :

---------------------------
(1) ح : ( عمر بن سعد ) .
(2) ح ( ولا تنازع البشر ) .
(3) في الأصل : ( ألفت ) وأثبت ما في ح ، الطبري ( 6 : 8 ) : ( فلفت ) .
(4) فيه إشارة إلى قول الله : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وفي ح : ( النصر ) وأثبت ما في الأصل مطابقا ما في الطبري .
(5) ح فقط : ( المحق ) .

واقعة صفين _ 220 _

أصبحت  الأمة في أمر iiعجب      والملك  مجموع غدا لمن iiغلب
فـقلت  قولا صادقا غير iiكذب      إن غـدا يـهلك أعلام iiالعرب
غـدا نـلاقي ربـنا iiفنحتسب      يا رب لا تشمت بنا ولا تصب
مـن خلع الأنداد كلا iiوالصلب      غـدا يـكونون رمادا قد iiكثب
  بعد الجمال والحيـــاء والحســب فلما كان الليل خرج علي فعبأ الناس ليلته كلها حتى أصبح ، وعقد الأولوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب ، وبعث علي مناديا فنادى : يا أهل الشام (1) ، اغدوا على مصافكم . فضج (2) أهل الشام في عسكرهم ، واجتمعوا إلى معاوية ، فعبأ خيله وعقد الألوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب ، ثم نادى معاوية : أين الجند المقدم ؟ فخرج أهل حمص في رايتهم عليهم ذو الكلاع الحميري (3) ، ثم نودي : أين أهل الأردن ؟ فخرجوا في راياتهم عليهم ( أبو الأعور ) سفيان بن عمرو السلمي ، ثم نودي : أين أهل قنسرين ؟ فجاءوا في راياتهم عليهم زفر بن الحارث ، ثم نودي : أين جند الأمير ؟ فجاء أهل دمشق على راياتهم وهم القلب ، وعليهم الضحاك بن قيس الفهري ، فأطافوا بمعاوية . وسار أبو الأعور وسار عمرو بن العاص ( ومن معهما ) حتى وقفوا قريبا من أهل العراق ، فنظر إليهم عمرو فاستقلهم وطمع فيهم ، وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف ، ثم رجع عمرو بن العاص إلى معاوية فقال : قد عرفت وعلمت ما بيننا من العهد والعقد ، فاعصب هذا الامر برأسي ، وأرسل إلى أبي الأعور فنحه عني ودعني والقوم ، فأرسل معاوية إلى أبي الأعور : إن لأبي عبد الله رأيا وتجربة ليست لي ولا لك ، وقد وليته أعنة الخيل ، فسر حتى تقف أنت وخيلك على تل كذا ، ودعه والقوم .

---------------------------
(1) في الأصل : ( لا تعب ) صوابه في ح ( 1 : 482 ) .
(2) في الأصل : ( فصبح ) صوابه في ح ( 1 : 481 ) .
(3) في الأصل : ( أبو الأعور السلمي ) ، وهو تحريف فإن أبا الأعور السلمي هو سفيان بن عمرو والسلمي الذي سيأتي ذكره ، وأما من كان على أهل حمص فهو ذو الكلاع الحميري كما سبق في ص 206 .

واقعة صفين _ 221 _

  فسار أبو الأعور ، فأقبل عمرو بن العاص ثم نادى ابنه : يا عبد الله بن عمرو ، قال : لبيك ، وقال : يا محمد بن عمرو ، قال : لبيك ، قال : قدما لي هذه الدرع وأخرا عني هذه الحسر ، وأقيما الصف قص الشارب ؛ فإن هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء ، فمشيا براياتهما وعدلا الصفوف ، وسار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف ، وأحسن الصف ثانية ، ثم حمل قيسا وكلبا وكنانة على الخيول ، ورجل سائر الناس ؛ وقعد على منبره وأحاط به أهل اليمن وقال : لا يقربن هذا المنبر أحد إلا قتلتموه كائنا من كان ، نصر ، عن عمر ، عن الحارث بن حصيرة وغيره قال : لما قام أهل الشام وأهل العراق وتواقفوا وأخذوا مصافهم للقتال ، قال معاوية : من هؤلاء في الميسرة ؟ ميسرة أهل العراق ، قالوا : ربيعة ، فلم يجد في أهل الشام ربيعة ، فجاء بحمير فجعلهم بإزاء ربيعة على قرعة أقرعها من حمير وعك ، فقال ذو الكلاع : باستك من سهم لم تبغ الضراب (1) ، كأنه أنف من أن تكون حمير بإزاء ربيعة ، فبلغ ذلك الخندف الحنفي (2) ، فحلف بالله لئن عاينه ليقتلنه أو ليموتن دونه ، فجاءت حمير حتى وقفت بإزاء ربيعة ، وجعل السكون والسكاسك بإزاء كندة وعليها الأشعث ، وجعل بإزاء همدان من أهل العراق الأزد وبجيلة ، وبإزاء مذحج من أهل العراق عكا ، فقال راجز من ، أهل الشام :
ويل  لام مذحج من iiعك      وأمـهم  قـائمة iiتـبكي
نصكهم بالسيف أي صك      فـلا رجال كرجال iiعك
---------------------------
(1) ينعي على سهام القرعة التي لم تأت بما أتت به مريدة .
(2) ح ( 1 : 482 ) : ( جحدرا الحنفي ) .

واقعة صفين _ 222 _

  وجعل بإزاء التيم (1) من أهل العراق هوازن وغطفان وسليما ، وقد قيدت عك أرجلها بالعمائم ، ثم طرحوا حجرا بين أيديهم وقالوا : لا نفر حتى يفر هذا الحكر ( بالكاف ) ، وعك تقلب الجيم كافا ، وصف القلب خمسة صفوف ، وفعل أهل العراق أيضا كذلك (2) ، قال : ثم قال عمرو بن العاص :
يـأيها الجند الصليب iiالإيمان      قوموا قياما واستعينوا الرحمن
إني  أتاني خبر فأشجان  (3)       أن  عـليا قـتل ابـن iiعفان
ردوا علينا شيخنــــا كمــــا كان   فرد عليه أهل العراق وقالوا (4) :
أبـت سيوف مذحج iiوهمدان      بأن نرد نعثلا كما كان  (5)
خلقا جديدا مثل خلق الرحمن      ذلك  شأن قد مضى وذا iiشأن
  وصاح رجل من أهل الشام (6) :
ردوا  علينا شيخنا ثم بجل  (7)       أولا تكونوا جزرا من الأسل  (8)
فقال رجل من أهل العراق :

---------------------------
(1) في الأصل : ( التميم ) .
(2) في الأصل : ( كك ) وهو رمز إلى كلمة ( كذلك ) ، وفي ح : ( مثل ذلك ) .
(3) أي فأشجاني ، وفي ح : ( ذو ألوان ) .
(4) التكملة من ح ( 1 : 482 ) .
(5) نعثل : رجل من أهل مصر كان طويل اللحية ، وكان عثمان إذا نيل منه وعيب ، شبه بهذا الرجل المصري لطول لحيته ، ولم يكونوا يجدون فيه عيبا غير هذا ، انظر اللسان ( نعثل ) .
(6) ح : ( ثم نادى عمرو بن العاص ثانية يرفع صوته ) .
(7) بجل بمعنى حسب ، وقبل البيت كما في اللسان ( 14 : 70 ) :
(8) الجزر : قطع اللحم تأكله السباع ، والأسل : الرماح ، ح : ( حرزا ) تحريف .

واقعة صفين _ 223 _

نـحن  بـني ضـبة أرباب iiالجمل      الـموت  أحـلى عـندنا من iiالعسل
كـيف نـرد نـعثلا وقد قحل  (1)       نحن ضربنا رأسه حتى انجفل  (2)
لـما  حـكى حكم الطواغيت iiالأول      وجار في الحكم وجار في العمل  (3)
وأبــدل الله بــه خـير iiالـبدل      أقـدم  لـلحرب وأنكى للبطل  (4)
  وقال إبراهيم بن أوس بن عبيدة السلمي ، من أهل الشام :
لـلـه  در كـتائب iiجـاءتكم      تـبكي فـوارسها على iiعثمان
سـبعون  ألفا ليس فيهم iiقاسط      يـتلون كـل مـفصل iiومثان
يـسلون  حـق الله لا iiيعدونه      ومجيئكم للملك والسلطان  (5)
فـأتوا بـبينة عـلى ما iiجئتم      أولا فـحسبكم مـن الـعدوان
وأتوا بما يمحو قصاص iiخليفة      لـه  ، لـيس بـكاذب iiخوان
  قال : وبات على ليلته كلها يعبي الناس ، حتى إذا أصبح زحف بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام ، فأخذ علي يقول : من هذه القبيلة ؟ ومن هذه القبيلة ؟ يعني قبائل أهل الشام ـ فيسمون له ، حتى إذا عرفهم وعرف مراكزهم قال للأزد : اكفوني الأزد ، وقال لخثعم : اكفوني خثعما . وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام ، إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد (6) ، مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير ، فصرفهم إلى لخم (7) .

---------------------------
(1) قحل : أي مات وجف جلده .
(2) انجفل : انقلب وسقط .
(3) هذا البيت وسابقة لم يرويا في ح ، وفي الأصل : ( لما حكم ) .
(4) أنكى : تفضيل من النكاية ، وهي الهزيمة والغلبة ، وفي الأصل : ( وألظي ) ولا وجه له إلا أن جعل مقلوبا من ألظ ، ومورد هذا السماع .
(5) يسلون : يسألون ، بإسقاط الهمزة وإلقاء حركتها على السين .
(6) ح ( 1 : 283 ) : ( إلا قبيلة ليس منهم بالعراق إلا القليل ) صوابه ( بالشام ) .
(7) ح : مثل بجيلة فإن لخما كانت بإزائها ، وفي الطبري ( 6 : 8 ) : ( إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق واحد ، مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام إلا عدد قليل ، فصرفهم إلى لخم ) ، وفي الأصل : ( ففرقهم إلى لخم ) ، صوابه من الطبري .

واقعة صفين _ 224 _

  ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا اقتتالا شديدا نهارهم كله ، وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب ، وكان علي يركب بغلا له يستلذه (1) ، فلما حضرت الحرب قال : ائتوني بفرس ، ( فأتوه بفرس ) له ذنوب أدهم (2) يقاد بشطنين (3) يبحث الأرض بيديه جميعا (4) ، له حمحمة وصهيل ، فركبه وقال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم ، قال : كان علي إذا سار إلي القتال ذكر اسم الله حين يركب ، ثم يقول : الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم ، ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ، ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ثم يقول : اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأتعبت الأبدان ، وأفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار ، ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) ، سيروا علي بركة الله ، ثم يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، يا الله يا أحد يا صمد ، يا رب محمد ، بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ) ، إياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم كف عنا بأس الظالمين ، فكان هذا شعاره بصفين .

---------------------------
(1) ح ( 1 : 479 ) : ( بغلة له يستلذها ) .
(2) الذنوب : الوافر الذنوب الطويلة .
(3) الشطن : الحبل ، وفي اللسان : ( وفي حديث البراء : وعنده فرس مربوطة بشطنين ، الشطن : الحبل ، وقبل هو الطويل منه ، وإنما شده بشطنين لقوته وشدته ) ، ح : ( نفار شطين ) محرف .
(4) في الأصل : ( يبحث بيديه الأرض جميعا ) والوجه ما أثبت من ح .

واقعة صفين _ 225 _

  نصر : الأبيض بن الأغر (1) عن سعد بن طريف (2) ، عن الأصبغ قال : ما كان علي في قتال قط إلا نادى : كهيعص ، نصر : قيس بن الربيع ، عن عبد الواحد بن حسان العجلي ، عمن حدثه عن على أنه سمع يقول يوم صفين : اللهم إليك رفعت الأبصار ، وبسطت الأيدي ( ونقلت الأقدام ) ، ودعت الألسن ، وأفضت القلوب ، وتحوكم إليك في الأعمال ، فاحكم بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين (3) ، اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا ، وقلة عددنا ، وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ، وشدة الزمان ، وظهور الفتن ، أعنا عليهم بفتح تعجله ، ونصر تعز به سلطان الحق وتظهره ، نصر : عمرو بن شمر ، عن عمران ، عن سلام بن سويد قال : كان علي إذا أراد أن يسير إلى الحرب قعد على دابته وقال : ( الحمد لله رب العالمين على نعمه علينا وفضله العظيم ، ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ، ثم يوجه دابته إلى القبيلة ، ثم يرفع يديه إلى السماء ثم يقول : ( اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار ، نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا ، ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) ، سيروا على بركة الله ، ثم ( فيحمل ) يورد والله من اتبعه ومن حاده (4) حياض الموت .

---------------------------
(1) هو الأبيض بن الأغر بن الصباح الكوفي ، ذكره ابن حبان في الثقات ، روي عن صالح بن حيان ، ومجالد ، وعبيدة الضبي ، وروى عنه مروان بن معاوية ، ويحيي بن حسان التميمي ، لسان الميزان .
(2) سعد بن طريف الإسكاف الحنظلي الكوفي ، كان رافضيا ، وترجم له في تهذيب التهذيب ، وفي الأصل ، ( بن سعد بن ظريف ) كأنه تتمة للرجل قبله ، والصواب ما أثبت .
(3) الفاتح : القاضي الحاكم ، وفي اللسان ، ( ويقال للقاضي الفتاح لأنه يفتح مواضع الحق ، وقوله تعالي : ربنا افتح بيننا : أي اقض بيننا ) .
(4) المحادة : المعاداة والمخالفة .

واقعة صفين _ 226 _

  نصر ، عن عمر بن سعد ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه قال : لما كان غداة الخميس لسبع خلوان من صفر من سنة سبع وثلاثين صلى علي فغلس بالغداة ، ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ ، ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم ، وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم ، فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم ، قال : نصر فحدثني (عمر بن سعد ، عن ) مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال : ( اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف ) ، الذي جعلته مغيضا لليل والنهار (1) ، وجعلت فيه مجري الشمس والقمر ، ومنازل الكواكب والنجوم ، وجعلت سكانه سبطا (2) من الملائكة لا يسأمون العبادة ؛ ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم ؛ ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ؛ ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ، ورب البحر المسجور ( المحيط ) بالعالمين ، ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا ؛ إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي ، وسددنا للحق ؛ وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة ، واعصم بقية أصحابي من الفتنة ) ، قال : فلما رأوه وقد أقبل خرجوا إليه بزحوفهم (3) ، وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر : مع عمار بن ياسر ، ومع قيس بن سعد ، ومع عبد الله بن بديل .

---------------------------
(1) أي يغبض فيه الليل والنهار ، في الأصل : ( مغيضا الليل ) ، صوابه من الطبري ( 6 : 8 ) ، وفي ح : ( محيطا بالليل والنهار ) .
(2) السبط : الأمة ، وهذه الكلمة ساقطة من ح .
(3) ح : ( تقدموا إليه بزحوفهم ) .

واقعة صفين _ 227 _

  بن بديل ، والناس على راياتهم ومراكزهم ، وعلي في القلب في أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ، وعظم من معه من أهل (1) المدينة الأنصار ، ومعه من خزاعة عدد حسن ، ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة ، وكان علي رجلا دحداحا (2) ، أدعج العينين ، كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا ، ضخم البطن ، عريض المسربة (3) ، شثن الكفين ، ضخم الكسور (4) ، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه (5) ؛ لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري (6) ، إذا مشى تكفأ به ومار به جسده (7) ؛ له سنام كسنام الثور (8) ، لا تبين عضده من ساعده (9) ، قد أدمجت إدماجا ، لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس ، وهو إلى السمرة ، أذلف الأنف (10) ، إذا مشى إلى الحرب هرول ، وقد أيده الله بالعز والنصر .

---------------------------
(1) هذه التكملة من الطبري .
(2) الدحداح : القصير السمين ، وفي ح : ( ربعة ) .
(3) المسربة : الشعر وسط الصدر إلى البطن .
(4) شثن : غليظ ، والكسور : الأعضاء .
(5) الخفاف ، بالضم : الخفيف ، وبالكسر : جمع خفيف .
(6) المشاش ، بالضم : رءوس العظام ، مثل المنكبين والمرفقين والركبتين .
(7) تكفأ جسده : تمايل ، والمور : التحرك والمجئ والذهاب ، كما تتكفأ النخلة العيدانة .
(8) في الأصل : (البعير ) والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 48 ) ، وسنام كل شيء : أعلاه .
(9) العضد : ما بين المرفق إلى الكتف ، يذكر ويؤنث ، والساعد : الذراع .
(10) الذلف : قصر الأنف وصغره .

واقعة صفين _ 228 _

  ثم زحف علي بالناس إليهم ، ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها لكرابيس (1) وجلس تحتها ، وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة ( وهو على ميسرة أهل الشام ) ، فلم يزل يحوزه (2) ، ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر ، نصر ، عن عمر ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عبد الله بن بديل قام في أصحابه فقال : إن معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحق ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزين لهم الضلالة (3) ، وزرع في قلوبهم حب الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجسا إلى رجسهم ، وأنتم والله على نور من ربكم وبرهان مبين ، قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم ، وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب من ربكم ظاهر مبروز (4) ؟ ! ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) ، وقد قاتلتهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (5) والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر ، قوموا إلى عدو الله وعدوكم (6) .

---------------------------
(1) الكرابيس : ضرب من الثياب ، فارسي معرب .
(2) حازهم يحوزهم : نحاهم فانحازوا ، أي تركوا مركزهم ومعركه قتالهم ، والحوزاء : الحرب تحوز القوم ، في الأصل : ( يجوره ) ، وفي ح ( 1 : 483 ) : ( يجوزه ) ، صوابه بالحاء والزاي ، وقد جاءت على هذا الصواب الذي أثبت ، في الطبري ( 6 : 9 ) .
(3) في الأصل : ( الضلال ) وأثبت ما في ح والطبري .
(4) المبروز : الظاهر المنشور ، انظر اللسان (برز ) ، وفي الأصل : ( مبرور ) ، وفي الطبري : ( طاهرا مبرورا ) ح : ( ظاهر مبين ) ، وبعد هذه الكلمة في الأصل وح لفظة : ( قوله ) وليست في الطبري .
(5) الطبري : ( وقد قاتلناهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرة ، وهذه ثانية ) .
(6) الطبري : ( قوموا إلى عدوكم بارك الله عليكم ) .

واقعة صفين _ 229 _

  نصر ، قال : قال عمر بن سعد ، عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن (1) ، عن أبيه (2) أن عليا أمير المؤمنين حرض الناس فقال : إن الله ( عز وجل ) قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب ، وتشفي بكم على الخير (3) إيمان بالله ورسوله ، وجهاد في سبيله ؛ وجعل ثوابه مغفرة الذنوب ، ومساكن طيبة في جنات عدن ، ورضوان من الله أكبر (4) ، فأخبركم بالذي يحب فقال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) ، فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، وقدموا الدارع ، وأخروا الحاسر ، وعضوا على الأضراس ؛ فإنه أنبى للسيوف عن الهام (5) ، وأربط للجأش ، وأسكن للقلوب ، وأميتوا الأصوات ؛ فإنه أطرد للفشل ، وأولى بالوقار ، والتووا في أطراف الرماح ؛ فإنه أمور للأسنة (6) ، وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ، ولا تجعلوها إلا في أيدي شجعانكم المانعي الذمار ، والصبر عند نزول الحقائق ، أهل الحفاظ ، الذين يحفون براياتكم ويكتنفونها ، يضربون خلفها وأمامها ، ولا تضيعوها (7) أجزأ كل امرئ منكم ـ رحمه الله ـ وقذ (8) قرنه ، وواسى أخاه بنفسه ، ولم يكل قرنه إلى أخيه ، فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه ، فيكتسب بذلك لأئمة ، ويأتي به دناءة ، وأني هذا ، وكيف يكون هكذا ؟ ! هذا يقاتل اثنين وهذا ممسك يده ، قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ، وقائما ينظر إليه ، من يفعل هذا يمقته الله ، فلا تعرضوا لمقت الله ؛ فإنما مردكم إلى الله ، قال الله لقوم : ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) ، وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة ، استعينوا بالصدق والصبر ؛ فإنه بعد الصبر ينزل النصر .

---------------------------
(1) هو عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي أبو زياد الكوفي توفى سنة 111 ، انظر تهذيب التهذيب .
(2) أبوه هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي ، توفى سنه 95 ، وفي ح : ( عن أبي عمرو عن أبيه ) .
(3) أشفي على الشيء : أشرف ، وفي الحديث : ( فأشفوا على المرج ) .
(4) كذا في الأصل وح ، ورفعه على الاستئناف ، وهذه الجملة لم ترد في الطبري .
(5) أنبي : أبعد ، والهام : الرؤوس .
(6) أمور : تفضيل من المور ، وهو الاضطراب والمجئ والذهاب ، في الطبري : ( أصون للأسنة ) .
(7) ح : ( ولا يضيعوها ) تحريف ، وفي الطبري : ( ولا يضعونها ) .
(8) هذه التكملة من الطبري ، وقذه : ضربه شديدا .

واقعة صفين _ 230 _

  نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن مالك بن قدامة الأرحبي (1) قال : قام سعيد بن قيس يخطب أصحابه بقناصرين (2) فقال : ( الحمد لله الذي هدانا لدينه ، وأورثنا كتابه ، وامتن علينا بنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجعله رحمة للعالمين ، وسيدا للمسلمين ، وقائدا للمؤمنين ، وخاتم النبيين ، وحجة الله العظيم على الماضين والغابرين ، وصلوات الله عليه ورحمة الله وبركاته ، ثم كان مما قضى الله وقدره ـ والحمد لله على ما أحببنا وكرهنا ـ أن ضمنا وعدونا بقناصرين ، فلا يحمد بنا اليوم الحياص (3) ، وليس هذا بأوان انصراف ، ولات حين مناص ، وقد اختصنا الله منه بنعمة فلا نستطيع أداء شكرها ، ولا نقدر قدرها : أن أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا ، وفي حيزنا ، فوالله الذي هو بالعباد بصير أن لو كان قائدنا حبشيا مجدعا (4) إلا أن معنا من البدريين (5) سبعين رجلا ، لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا وتطيب أنفسنا ، فكيف وإنما رئيسنا ابن عم نبينا ، بدري صدق ، صلى صغيرا ، وجاهد مع نبيكم كبيرا ، ومعاوية طليق من وثاق الإسار ، وابن طليق ، ألا إنه أغوى جفاة فأوردهم النار ، وأورثهم العار ، والله محل بهم الذل والصغار ، ألا إنكم ستلقون عدوكم غدا ، فعليكم بتقوى الله والجد والحزم ، والصدق والصبر ؛ فإن الله مع الصابرين ، ألا إنكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم ، والله لا يقتل رجل منكم رجلا منهم إلا أدخل الله القاتل جنات عدن ، وأدخل المقتول نارا تلظى ، ( لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) ، عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه ، وجعلنا وإياكم ممن أطاعه واتقاه ، وأستغفر الله لنا ولكم وللمؤمنين .

---------------------------
(1) ح : ( الأزدي ) .
(2) في القاموس : ( قناصرين بالضم : موضع بالشام ) .
(3) الحياص : العدول والهرب ، ح ( 1 : 483 ) : ( فلا يجمل بنا ) .
(4) ح : ( رجلا مخدوعا ) محرف ، وهو إشارة إلى حديث أبي ذر ، قال : ( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف ) ، انظر صحيح مسلم ( 2 : 85 ) .
(5) البدريون : الذي حضروا وقعة بدر ، وفي الأصل : ( البدوبين ) ، صوابه في ح .

واقعة صفين _ 231 _

  ثم قال الشعبي : لعمري لقد صدق بفعله ، وبما قاله في خطبته (1) ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر وزيد بن حسن قالا : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوى صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب ، واستوسقت لك البلاد (2) ، قال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضا عن الجنة ، وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ؟ فقال معاوية : إن لك حكمك أبا عبد الله إن قتل ابن أبي طالب ، رويدا لا يسمع الناس كلامك ، فقال لهم عمرو : ( يا معشر أهل الشام ، سووا صفوفكم ، وأعيروا ربكم جماجمكم ، واستعينوا بالله إلهكم ، وجاهدوا عدو الله وعدوكم ، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم ، ( واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الفضل بن أدهم قال : حدثني أبي أن الأشتر قام يخطب الناس بقناصرين ، وهو يومئذ على فرس أدهم مثل حلك (3) الغراب ، فقال : الحمد لله الذي خلق السموات العلى ، ( الرحمن على العرش استوى ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) ، أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، حمدا كثيرا بكرة وأصيلا ، من يهده الله فقد اهتدى ، ومن يظلل الله فقد غوى ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالصواب والهدى ، وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم كان مما قضى الله وقدر أن ساقتنا المقادير إلى هذه البلدة من الأرض (4) ، ولف بيننا وبين عدونا ، فنحن بحمد الله ونعمته ومنه وفضله قريرة أعيننا ، طيبة أنفسنا ، ونرجو في قتالهم حسن الثواب ، والأمن من العقاب ، معنا ابن عم نبينا ، وسيف من سيوف الله ، علي بن أبي طالب ، صلى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لم يسبقه بالصلاة ذكر حتى كان شيخا ؛ لم يكن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة ، فقيه في دين الله ، عالم بحدود الله ، ذو رأي أصيل ، وصبر جميل ، وعفاف قديم ، فاتقوا الله ، وعليكم بالحزم والجد ، واعلموا أنكم على الحق ، وأن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية ، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري ، ومن سوى ذلك (5) من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
(1) وردت الكلمة محرفة في ح ( 1 : 484 ) بلفظ : ( حثل ) والصواب ما أثبت ، وحلك الغراب : شدة سواده ، انظر ما مضى في ص 174 .
(2) في هامش الأصل : ( خ : البقعة ) ، أي في نسخة .
(3) أي ومع من سوى ذلك ، وفي ح : ( سوى من حولكم ) .
(4) ح : ( صدق فعله ما قال في خطبته ) .
(5) استوسقت البلاد : اجتمعت على الطاعة واستقر فيها الملك ، ح : ( استوثقت ) تحريف .

واقعة صفين _ 232 _

  ومع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فما يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب ، فإنما أنتم على إحدى الحسنيين : إما الفتح ، وإما الشهادة ، عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعة واتقاه ، وألهمنا وإياكم طاعته وتقواه ، وأستغفر الله لي ولكم (1) ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر عن الشعبي ، عن صعصعة بن صوحان العبدي قال : سمعت زامل بن عمرو الجذامي يقول : طلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس ويحرضهم على قتال علي ومن معه من أهل العراق ، فعقد فرسه ـ وكان من أعظم أصحاب معاوية خطرا ـ ثم قال : الحمد لله حمدا كثيرا ، ناميا جزيلا ، واضحا منيرا ، بكرة وأصيلا ، أحمده وأستعينه ، وأومن به وأتوكل عليه ، وكفى بالله وكيلا ، ثم إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالفرقان حين ظهرت المعاصي ودرست الطاعة ، وامتلأت الأرض جورا وضلالة ، واضطرمت الدنيا كلها نيرانا وفتنة ، وورك (2) عدو الله إبليس على أن يكون قد عبد في أكنافها ، واستولى بجميع أهلها ، فكان الذي أطفأ الله به نيرانها ، ونزع به أوتادها وأوهى به قوى إبليس ، وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظفره بهم ـ رسول الله محمد بن عبد الله ، ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ثم كان مما قضى الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين ، وإنا لنعلم أن فيهم قوما كانت لهم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
(1) في الأصل : ( واستعفروا ) والوجه ما أثبت من ح .
(2) ورك بالمكان وروكا : أقام .

واقعة صفين _ 233 _

   سابقة ذات شأن وخطر ، ولكني ضربت الأمر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهذر دم عثمان صهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نبينا ، الذي جهز جيش العسرة (1) ، وألحق في مسجد رسول الله بيتا وبنى سقاية ، وبايع له نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيده اليمني ( على اليسرى ) ، واختصه رسول الله بكريمتيه : أم كلثوم ورقية ، ابنتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإن كان أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه ، وقد قال الله ( عز وجل ) لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) ، وقتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له ، ولم يعر أحد من الذنوب ! وأنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله ، فإن لم يكن مالا على قتل عثمان فقد خذله ، وإنه لأخوه في دينه وابن عمه (2) ، وسلفه (3) ، وابن عمته (4) ، ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم وبلادكم ، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل ، فاستعينوا بالله واصبروا ، فلقد ابتليتم أيتها الأمة والله ، ولقد رأيت في منامي في ليلتي هذه ، لكأنا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا ، ونحن في ذلك جميعا ننادي : ( ويحكم الله ) ، ومع أنا والله ما نحن لنفارق العرصة (5) حتى نموت ، فعليكم بتقوى الله ، ولتكن النيات لله (6) ؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول :

---------------------------
(1) وذلك في غزوة تبوك ، إذ حدثت عسرة في الظهر ، وعسرة في الزاد ، وعسرة في الماء ، فكان العشرة يعتقبون على بعير ، وكانت الجماعة تتعاور التمرة الواحدة ، وكان الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه ويشربه ، وقد أنفق عثمان في جيش العسرة ألف دينار ، انظر تفسير الآية 117 من سورة التوبة وكتب السير .
(2) يعني بذلك العمومة البعدى لا الدنيا ، فإن عبد شمس جد عثمان الأعلى ، وهاشما جد علي الأعلى ـ هما ولدا عبد مناف بن قصي بن كلاب .
(3) السلفان : الرجلان يتزوجان بأختين ، كل منهما سلف صاحبه .
(4) أم عثمان هي أروى بنت كريز ، وأم أمه هي البيضاء بنت عبد المطلب .
(5) أي عرصة الحرب ، وهي ساحتها ، ح ( 1 : 485 ) : ( ومع أنا والله لا نفارق العرصة ) .
(6) ح ( 1 : 485 ) : ( وليكن الثبات لله ) ، تحريف .

واقعة صفين _ 234 _

   إنما يبعث المقتتلون على النيات (1) ، أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وأعزلنا ولكم النصر ، وكان لنا ولكم في كل أمر ، وأستغفر الله لي ولكم ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن عامر (2) ، عن صعصعة العبدي (3) ( عن أبرهة بن الصباح ) قال : قام يزيد بن أسد البجلي ( في أهل الشام ) يخطب الناس بصفين ، وعليه يومئذ قباء خز ، وعمامة سوداء ، آخذا بقائم سيفه ، واضعا نعل السيف (4) على الأرض متوكئا عليه ، قال صعصعة : فذكر لي أبرهة (5) أنه ( كان ) يومئذ من أجمل العرب وأكرمه وأبلغه (6) فقال : ( الحمد لله الواحد القهار ، ذي الطول والجلال ، العزيز الجبار ، الحليم الغفار ، الكبير المتعال ، ذي العطاء والفعال ، والسخاء والنوال ، والبهاء والجمال ، والمن والإفضال ، مالك اليوم الذي لا ينفع فيه بيع ولا خلال (7) ، أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وفي كل حالة من شدة أو رخاء ، أحمده على نعمه التؤام (8) ، وآلائه العظام ، حمدا قد استنار ، بالليل والنهار ، ثم إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة النجاة في الحياة ، وعند الوفاة ، وفيها الخلاص ، يوم القصاص ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى ، وإمام الهدى ، ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كثيرا .

---------------------------
(1) ح : ( على الثبات ) تحريف ، وانظر لسان الميزان ( 4 : 367 ) ، والحديث رواه السيوطي في الجامع الصغير ( 1 : 351 ) من رواية ابن عساكر عن عمر ، وروى السيوطي أيضا نظيرا لهذا الحديث وهو : ( إنما يبعث الناس على نياتهم ) ، رواه ابن ماجه عن أبي هريرة .
(2) هو عامر بن شراحيل الشعبي ، المترجم في ص 23 .
(3) هو صعصعة بن صوحان العبدي ، تابعي كبير مخضرم فصيح ثقة ، مات في خلافه معاوية ، وصوحان ، بضم الصاد ، تهذيب التهذيب ، وفي الأصل : ( بن عامر بن صعصعة العبدي ) ، والصواب : ( عن عامر عن صعصعة ) كما أثبت .
(4) نعل السيف : حديدة في أسفل غمده ، ح : ( نصل السيف ) تحريف .
(5) هو أبرهة بن الصباح الحبشي ، أو الحميري ، ذكره ابن حجر في الإصابة 15 ، وفي الأصل : ( ابن أبرهة ) صوابه في ح .
(6) أي من أجمل من وجد من العرب ، فلذا وحد الضمير ذهابا إلى المعنى ، انظر اللسان ( 18 : 221 س 21 ـ 25 ) ، وفي ح : ( وأكرمها وأبلغها ) .
(7) في الأصل : ( يملك يوم لا ينفع فيه بيع ولا خلال ) ، صوابه من ح .
(8) التؤام ، كغراب : جمع توأم ، ح : ( التوام ) : جمع تامة .

واقعة صفين _ 235 _

  ثم قد كان مما قضى الله (1) أن جمعنا وأهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض ، والله يعلم أني كنت لذلك كارها ، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا ، ولم يتركونا نرتاد لأنفسنا ، وننظر لمعادنا حتى نزلوا بين أظهرنا ، وفي حريمنا وبيضتنا ، وقد علمنا أن في القوم أحلاما وطغاما ، فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا ، وقد كنا نحب ألا نقاتل أهل ديننا ، فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلتاهم كراهية (2) فإنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، أما والله الذي بعث محمدا بالرسالة لوددت أني مت منذ سنة ؛ ولكن الله إذا أراد أمرا لم يستطع العباد رده ، فنستعين بالله العظيم ؛ وأستغفر الله لي ولكم ، ثم انكفأ ، قال نصر : وفي حديث عمر ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عمرو بن العاص قال يومئذ :
لا  تأمننا  بعدها  أبا  حسن  (3)       إنا نمر الحرب إمرار الرسن  (4)
لتصبحن   مثلها  أم  لبن   (5)       طاحنة  تدقكم  دق  الحفن   (6)

---------------------------
(1) ح : ( من قضاء الله ) .
(2) في الأصل وح ( 1 : 485 ) : ( غدا حمية ) والوجه ما أثبت .
(3) في الأصل : ( بعده أبا الحسن ) وأثبت ما في ح ، وكتب ناسخ الأصل : ( ويروي : خذها إليك فاعلمن أبا حسن ) .
(4) الرسن : الحبل ، وإمراره : إحكام قتله . ح : ( تمر الأمر ) .
(5) اللبن : جمع لبون ، وهي ذات اللبن من الإبل ، عني كثرة ما بهذه الحرب من الإبل وركبانها .
(6) الحفن : جمع حفنة ، بالفتح ، وهي ملء الكفين من طعام ، ولا يكون إلا من شيء يابس كالدقيق ونحوه .

واقعة صفين _ 236 _

  فأجابه شاعر من شعراء أهل العراق :
ألا احذروا في حربكم أبا iiالحسن      ليثا   أبا  شبلين  محذورا  iiفطن
يدقكم دق المهاريس الطحن  (1)       لتغبنن  يا  جاهلا أي غبن  (2)
حتى  تعض  الكف أو تقرع iiسن      ندامة  أن فاتكم عدل السنن  (3)
  نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، أن أول فارسين التقيا في هذا اليوم ـ وهو اليوم السابع من صفر ، وكان من الأيام العظيمة في صفين ، ذا أهوال شديدة ـ حجر الخير وحجر الشر ، أما حجر الخير فهو حجر بن عدي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وحجر الشر ابن عمه ، وذلك أن حجر الشر دعا حجر بن عدي (4) إلى المبارزة ، وكلاهما من كندة ، فأجابه فاطعنا برمحيهما ، ثم حجز بينهما امرؤ من بني أسد ، وكان مع معاوية (5) ، فضرب حجرا ضربة برمحه (6) ، وحمل أصحاب علي فقتلوا الأسدي ، وأفلتهم حجر بن يزيد (7) حجر (8) الشر هاربا ، وكان اسم الأسدي خزيمة بن ثابت ، نصر : عمرو بن شمر ، عن عطاء بن السائب قال : أخبرني مروان بن الحكم أن حجرا يوم قتل الحكم بن أزهر جعل يرتجز ويقول :

---------------------------
(1) المهاريس : جمع مهراس ، وهو حجر مستطيل منقور يهرس به الحب .
(2) في الأصل : ( لتغبنن راكبا ) صوابه في ح ( 1 : 485 ) .
(3) عدل السنن ، أي الطريق العادل المستقيم ، وهذا البيت لم يرو في ح ، وفي الأصل : ( إن فاته ) .
(4) هو حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي ، وفد على النبي فأسلم ، وقتل سنة 51 أو 53 ، انظر الإصابة 1624 .
(5) ح ( 1 : 486 ) : ( من عسكر معاوية ) .
(6) في الأصل : ( رمخه ) صوابه في ح .
(7) هو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة بن حجر بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي ، وفد على النبي فأسلم ، وكان شريفا ، وكان مع علي يوم الجمل ، واتصل بعد بمعاوية فاستعمله على أرمينية ، انظر الإصابة 1626 ، وقد ورد ذكره في حواشي الاشتقاق ص 219 أنه حجر بني زيد ، صوابه ( بن يزيد ) .
(8) تكملة يقتضيها السياق .

واقعة صفين _ 237 _

أنـا  الـغلام الـيمني iiالكندي      قد لبس الديباج والإفرندي  (1)
أنـا الشريف الأريحي iiالمهدي      يـا حـكم بـن أزهر بن iiفهد
لـقد  أصـبت غارتي iiوحدي      وكـرتـي وشـدتي iiوجـدي
  أثبــت أقاتلـــك الغـــداة وحدي فلما أن أصاب الحكم بن أزهر حمل عليه رفاعة بن ظالم الحميري وهو يقول :
أنـا ابن عم الحكم بن iiأزهر      الـماجد الـقمقام حين iiيذكر
في الذروتين من ملوك حمير      يـا حجر الشر تعالى iiفانظر
أنـا الـغلام الـملك iiالمحبر      الواضح الوجه كريم العنصر
أقـدم  إذا شـئت ولا iiتأخر      والله  لا تـرجع ولا iiتـعثر
  في قـــاع صفيــن بواد معفـر ثم إن رفاعة حمل على حجر الشر فقتله فقال علي : الحمد لله الذي قتل حجرا بالحكم بن أزهر ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم ، أن عليا قال : من يذهب بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه ؟ فأقبل فتى اسمه سعيد فقال : أنا صاحبه ، ثم أعادها فسكت الناس وأقبل الفتى (2) فقال : أنا صاحبه ، فقال علي دونك ، فقبضه ( بيده ) ثم أتى معاوية فقرأه عليهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه .

---------------------------
(1) في اللسان والقاموس أن ( الفرند ) ضرب من الثياب ، دخيل معرب ، وفي المعرب 135 ، 243 أن الفرند الحرير ، وأنشد للفرزدق :
(2) ح : ( وتقدم الفتى ) .

واقعة صفين _ 238 _

  وأما الإفرندي ، فلم أجده إلا المنسوب إلى الإفرند ، لغة في فرند السيف ، ولذي الرمة :
ليسن الفرند الخسرواني iiفوقه      شـاعر  خز العراق iiالمفوف
كـأن الفرند الخسرواني iiلثنه      بأعطاف أنقاء العقوق العواتك
  ما فيه فقتلوه ، وزعم تميم (1) أنه سعيد بن قيس ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر (2) قال : سمعت الشعبي يقول : كان عبد الله بن بديل الخزاعي مع علي يومئذ ، وعليه سيفان ودرعان ، فجعل يضرب الناس بسيفه قدما وهو يقول :
لـم  يـبق إلا الـصبر iiوالـتوكل      وأخـذك الترس وسيفا مقصل  (3)
ثـم  التمشي في الرعيل الأول  (4)       مشى الجمال في حياض المنهل  (5)
والله يقضي مـــا يشــا ويفعــل فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية ( والذين بايعوه على الموت ، فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل ، وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري وهو في الميسرة أن يحمل عليه بجميع من معه ، واختلط الناس واضطرم الفيلقان : ميمنة أهل العراق ، وميسرة أهل الشام ، وأقبل عبد الله بن بديل يضرب الناس بسيفه قدما ) حتى أزال معاوية عن موقفه (6) .

---------------------------
(1) هو تميم بن حذلم ـ بكسر المهملة وسكون المعجمة وفتح اللام ـ الضبي ، أبو سلمة الكوفي ، ثقة مات سنة 100 ، وقد اختلف في اسم أبيه فقيل ( خزيم ) و ( حذيم ) والصواب ( حذلم ) ، انظر تقريب التهذيب ومنتهى المقال .
(2) هو جابر بن يزيد الجعفي ، ثقة في نفسه ، ولكن جل من روى عنه ضعيف فمن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ، ومفضل بن صالح السكوني ، وفي الميزان أنه روى عن أبي الطفيل الصحابي ، مات سنة 127 أو 132 ، تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال ، ومنتهى المقال .
(3) ح ( 1 : 486 ) : ( والترس والرمح ) ، وفي الأصل وح : ( وسيف مصقل ) تحريف ، وإنما هو ( مقصل ) يقال سيف قاصل ومقصل وقصال : قطاع ، وأنظر للرجز الإصابة ، 455 في ترجمة عبد الله بن بديل حيث نقل الخبر عن وقعه صفين .
(4) التمشي : المشي ، وفي الأصل : ( التمسني ) صوابه في ح .
(5) في الأصل : ( في الحياض ) صوابه في ح .
(6) في الأصل : ( فأزاله عن موقفه ) وأثبت ما في ح لتلتئم التكملة السابقة بالكلام .

واقعة صفين _ 239 _

  وجعل ينادي : يا لثارات عثمان ! ـ يعني أخا كان له قد قتل ـ وظن معاوية وأصحابه أنه إنما يعني عثمان بن عفان (1) ، ( وتراجع معاوية عن مكانه القهقري كثيرا ، وأشفق على نفسه ، وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه ، ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق فكشفها ، حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء ، فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم ، ولجج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية ، وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى انتهى إليه ) عبد الله بن عامر واقفا ، ( فنادى معاوية بالناس : ويلكم ! الصخر والحجارة إذا عجزتم عن السلاح ) ، فأقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر (2) حتى أثخنوه وقتل الرجل ، وأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر ( حتى وقفا عليه ) ، فأما عبد الله ابن عامر فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه ، وكان له ( من قبل ) أخا وصديقا ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، ( فقال : لا والله ، لا يمثل به وفي روح ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، فإنا لا نمثل به ) ، فقد وهبته لك (3) ، فكشف ( ابن عامر ) عن وجهه فقال معاوية : هذا كبش القوم ورب الكعبة اللهم أظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي ، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر (4) :
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها      وإن  شـمرت عـن ساقها الحرب شمرا
---------------------------
(1) بعد هذا في الأصل : ( حتى إذا أزال معاوية عن موقفه ) وهي عبارة مقحمة .
(2) ح : ( فرضخه الناس بالصخر والحجارة ) .
(3) ح : ( قد وهبناه لك ) .
(4) هو حاتم الطائي من قصيدة له في ديوانه ( خمسة دواوين العرب 121 ـ 122 ) .