--------------------------- (1) الكلام التالي إلى كلمة : ( فاقتلوه ) التي ستأتي في ص 221 محذوف من طبعة بيروت . (2) هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم ، أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق رمى بالتشييع ، مات سنة خمس وتسعين ومائة ، تهذيب التهذيب . (3) في اللسان : ( وحكى بعضهم زلت أفعل ، أي ما زلت ) ، والحس : القتل الشديد ، وفي الكتاب : ( إذ تحسونهم بإذنه ) . (4) الإركاس والركس : الرد والإرجاع ، وفي التنزيل : ( والله أركسهم بما كسبوا ) ، والدع : الدفع الشديد ، وفي الكتاب : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) ، وقد ورد الحديث في اللسان ( ركس ) بلفظ : ( اللهم أركسهما في الفتنة ركسا ) ، وجاء في اللسان ( دعع ) : ( اللهم دعها إلى النار دعا ) صوابه : ( دعهما ) . (5) هو ثابت بن أبي صفية الثمالي ، بضم المثلثة ، أبو حمزة ، واسم أبيه دينار وقيل سعيد ، كوفي ضعيف رافضي من الخامسة ، مات في خلافة أبي جعفر ، تقريب التهذيب . واقعة صفين _ 214 _
أتيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعته يقول : ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي ) ، فشق علي ذلك وتركت أبي يلبس ثيابه ويجيء ، فطلع معاوية ، نصر ، عن بليد بن سليمان (1) ، حدثني الأعمش ، عن علي بن الأقمر (2) قال : وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا : لو مررنا برجل قد شهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعاينه ، فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : يا صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حدثنا ما شهدت ورأيت ، قال : إن هذا أرسل إلي ـ يعني معاوية ـ فقال : لئن بلغني أنك تحدث لأضربن عنقك ، فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت : وددت أن أحد سيف في جندك (3) على عنقي ، فقال : والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك ، وأيم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت (4) رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال فيه ، رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرسل إليه يدعوه ـ وكان يكتب بين يديه ـ فجاء الرسول فقال : هو يأكل ، فقال : لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع ؟ قال : وخرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( اللهم العن القائد والسائق والراكب ) ، قلنا : أنت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال : نعم ، وإلا فصمتا أذناي ، كما عميتا عيناي .
--------------------------- (1) هو تليد ، بفتح التاء المثناة ، بن سليمان المحاربي ، أبو سليمان أو أبو إدريس الكوفي الأعرج ، رافضي ضعيف ، قال صالح جزرة : كانوا يسمونه ( بليدا ) يعني بالموحدة ، مات سنة تسعين ومائة ، تقريب التهذيب ، وقد ورد ( بليد ) هاهنا بالموحدة فأثبته كما هو . (2) هو علي بن الأقمر بن عمرو الهمداني الوادعي ، كوفي ثقة ، تقريب التهذيب . (3) في الأصل : ( جسدك ) . (4) في الأصل : ( ما سمعت من ) وكلمة ( من ) مقحمة . واقعة صفين _ 215 _
نصر ، عن عبد العزيز بن الخطاب ، عن صالح بن أبي الأسود ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه ) ، قال نصر : ثم رجع إلى حديث عمرو بن شمر ، قال : فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب ، وخرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال ، ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية (1) : أن اخرج إلى أبارزك ، قال له : نعم ، ثم خرج إليه يمشي ، فبصر به علي فقال : من هذان المتبارزان ؟ فقيل له : ابن الحنفية وابن عمر ، فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له فقال : أمسك دابتي ، فأمسكها له ثم مشى إليه فقال : أنا أبارزك فهلم إلى ، قال : ليس لي في مبارزتك حاجة ، قال : فرجع ابن عمر وأخذ ابن الحنفية يقول لأبيه : منعتني من مبارزته ، فوالله لو تركتني لرجوت أن أقتله ، قال : يا بني ، لو بارزته أنا لقتلته ، ولو بارزته أنت لرجوت أن تقتله ، وما كنت آمن أن يقتلك ، ثم قال : يا أبه أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله ؟ والله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه ، فقال : يا بنى ( لا تذكر أباه ولا ) تقل فيه إلا خيرا (2) . يرحم الله أباه ، ثم إن الناس تحاجزوا وتراجعوا .
--------------------------- (1) هو محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو أخو الحسن والحسين ابني علي ، بيد أن والدة ، هذين هي فاطمة الزهراء ، وأم ذاك هي خولة بنت جعفر الحنفية ، فنسب إليها تمييزا له ، كان ابن الحنفية أحد أبطال صدر الإسلام ، وكان ورعا واسع العلم ، توفى سنة 81 ، وفيات الأعيان ( 1 : 449 ) وطبقات ابن سعد ( 5 : 66 ) . (2) ح ( 1 : 480 ) : ( لأبيه إلا خيرا ) . واقعة صفين _ 216 _
فلما أن كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن العباس والوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا ، ودنا ابن عباس من الوليد بن عقبة ، فأخذ الوليد يسب بني عبد المطلب (1) وأخذ يقول : يا ابن عباس قطعتم أرحامكم ، وقتلتم إمامكم ، فكيف رأيتم صنع الله بكم ، لم تعطوا ما طلبتم ، ولم تدركوا ما أملتم ، والله ـ إن شاء الله ـ مهلككم وناصرنا عليكم (2) ، فأرسل إليه ابن عباس : أن ابرز إلى ، فأبي أن يفعل ، وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا ، ثم انصرفوا عند الظهر وكل غير غالب ، وذلك يوم الأحد (3) ، نصر ، عن عمر بن سعد ، قال : أبو يحيى عن الزهري قال : وخرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري ، فلحق بعلي ( عليه السلام ) في ناس من قراء أهل الشام ، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص ، وقال عمرو : يا معاوية ، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرابة قريبة ، ورحم ماسة ، وقدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله ، ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (4) ، وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المعدودين ، وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ، ولهم في النفوس مهابة ، فبادر بأهل الشام مخاشن الوعر ، ومضايق الغيض (5) ؛ واحملهم على الجهد ، وأتهم من باب الطمع
قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا ، فيظهر فيهم كآبة الخذلان ، ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل .
--------------------------- (1) ح : ( فأكثر من سبب بني عبد المطلب ) . (2) ح : ( والله إن شاء أمهلكم وناصر عليكم ) ، وما في الأصل يوافق ما في الطبري ( 6 : 7 ) . (3) بعد هذه الكلمة في الأصل كلام ناقص لم يرد في ح وهو : ( وخرج شمر بن أبرهة ابن الصباح الحميري فلحق بعلي في ناس من قراء أهل الشام ، فلما رأى ذلك معاوية وعمرو وما خرج إلى علي من قبائل أهل الشام وأشرافهم ) ، وانظر ما يلي . (4) النجدة : الشجاعة وشدة البأس . (5) الغيض : القليل ، ومنه : فلان يعطي غيضا من فيض ، ح : ( 1 : 481 ) ، ( مخاشن الأوعار ومضايق الغياض ) . واقعة صفين _ 217 _
فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة ، وأمر بالمنبر فأخرج ، ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا خطبته ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس أعيرونا أنفسكم وجماجمكم ، لا تفشلوا ولا تخاذلوا (1) ؛ فإن اليوم يوم خطار ، ويوم حقيقة وحفاظ ؛ فإنكم على حق وبأيديكم حجة (2) وإنما تقاتلون من نكث البيعة ، وسفك الدم الحرام ، فليس له في السماء عاذر ، ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (3) : أيها الناس ، قدموا المستلئمة ، وأخروا الحاسر ، وأعيروا جماجمكم ساعة ؛ فقد بلغ الحق مقطعه ، وإنما هو ظالم ومظلوم (4) ، نصر : عمر بن سعد ، عن أبي يحيى ، عن محمد بن طلحة ، عن أبي سنان الأسلمي قال : لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو ، وتحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا ، قال : وكأني أنظر إلى علي متوكئا على قوسه ، وقد جمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنده ، فهم يلونه ، و ( كأنه ) أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه (5) ، فحمد الله ثم قال : أيها الناس ، اسمعوا مقالتي ، وعوا كلامي ؛ فإن الخيلاء من التجبر ، (6) .
--------------------------- (1) ح : ( لا تقتتلوا ولا تتجادلوا ) . (2) في الأصل : ( ولكم حجة ) ، وأثبت ما في ح . (3) الكلام من : ( ثم صعد ) إلى هنا ، ليس في ح ، فإن ابن أبي الحديد جعل كلام عمرو من بقية خطبة معاوية ، والحق أنهما خطبتان كما سيظهر مما يلي ، وانظر البيان والتبيين 2 : 285 . (4) في الأصل : ( فإنه هو ظالم أو مظلوم ) وأثبت ما في ح . (5) ح : ( متوافرون معه ) . واقعة صفين _ 218 _
ألا إن المسلم أخو المسلم ، لا تنابذوا ولا تخاذلوا ؛ فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة ، من أخذ بها لحق ، ومن تركها مرق ، ومن فارقها محق ، ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالكذاب إذا نطق ، نحن أهل بيت الرحمة ، وقولنا الصدق ، ومن فعالنا القصد (1) ، ومنا خاتم النبيين ، وفينا قادة الإسلام ، ومنا قراء الكتاب (2) ، ندعوكم إلى الله وإلى رسوله ، وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء رضوانه ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفئ لأهله (3) ، ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص السهمي ، أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما ، وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قط ، ولم أعصه في أمر قط ، أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال ، وترعد فيها الفرائص ، نجدة (4) أكرمني الله بها ، فله الحمد ولقد قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإن رأسه لفي حجري ، ولقد وليت غسله بيدي وحدي ، تقلبه الملائكة المقربون معي ، وايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على ( أهل ) حقها ، إلا ما شاء الله ، قال : فقال أبو سنان الأسلمي (5) : فسمعت عمار بن ياسر يقول : أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه أولا ، وأنها لن تستقيم عليه آخرا ، ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم ، ( فتأهبوا واستعدوا
) .
--------------------------- (1) ح : ( وفعلنا الفضل ) . (2) ح : ( وفينا حملة الكتاب ) . (3) ح : ( علي أهله ) . (4) ح : ( بنجدة ) . (5) في الأصل : ( الأسدي ) وأثبت ما في ( 1 : 481 ) مطابقا ما مضى في ص 223 . واقعة صفين _ 219 _
نصر : عمرو بن شمر (1) ، عن مالك بن أعين ، عن يزيد بن وهب ، أن عليا قال في هذه الليلة : ( حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا ؟ ) ، قال : فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال : الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ، ولا ينقض ما أبرم ، ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة ولا من خلقه ، ولا تنازعت الأمة (2) في شئ من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله ، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت (3) بيننا في هذا المكان ، فنحن من ربنا بمرأى ومسمع ، فلو شاء لعجل النقمة ولكان منه التغيير (4) حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق (5) أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة عنده دار ( الجزاء ) والقرار ، ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) ، ألا إنكم لاقو العدو غدا إن شاء الله ، فأطيلوا الليلة القيام ، وأكثروا تلاوة القرآن ، واسألوا الله الصبر والنصر ، والقوهم بالجد والحزم ، وكونوا صادقين ،
ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ، فمر عليهم كعب بن جعيل التغلبي وهو يقول :
--------------------------- (1) ح : ( عمر بن سعد ) . (2) ح ( ولا تنازع البشر ) . (3) في الأصل : ( ألفت ) وأثبت ما في ح ، الطبري ( 6 : 8 ) : ( فلفت ) . (4) فيه إشارة إلى قول الله : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وفي ح : ( النصر ) وأثبت ما في الأصل مطابقا ما في الطبري . (5) ح فقط : ( المحق ) . واقعة صفين _ 220 _
--------------------------- (1) في الأصل : ( لا تعب ) صوابه في ح ( 1 : 482 ) . (2) في الأصل : ( فصبح ) صوابه في ح ( 1 : 481 ) . (3) في الأصل : ( أبو الأعور السلمي ) ، وهو تحريف فإن أبا الأعور السلمي هو سفيان بن عمرو والسلمي الذي سيأتي ذكره ، وأما من كان على أهل حمص فهو ذو الكلاع الحميري كما سبق في ص 206 . واقعة صفين _ 221 _
فسار أبو الأعور ، فأقبل عمرو بن العاص ثم نادى ابنه : يا عبد الله بن عمرو ، قال : لبيك ، وقال : يا محمد بن عمرو ، قال : لبيك ، قال : قدما لي هذه الدرع وأخرا عني هذه الحسر ، وأقيما الصف قص الشارب ؛ فإن هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء ، فمشيا براياتهما وعدلا الصفوف ، وسار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف ، وأحسن الصف ثانية ، ثم حمل قيسا وكلبا وكنانة على الخيول ، ورجل سائر الناس ؛ وقعد على منبره وأحاط به أهل اليمن وقال : لا يقربن هذا المنبر أحد إلا قتلتموه كائنا من كان ، نصر ، عن عمر ، عن الحارث بن حصيرة وغيره قال : لما قام أهل الشام وأهل العراق وتواقفوا وأخذوا مصافهم للقتال ، قال معاوية : من هؤلاء في الميسرة ؟ ميسرة أهل العراق ، قالوا : ربيعة ، فلم يجد في أهل الشام ربيعة ، فجاء بحمير فجعلهم بإزاء ربيعة على قرعة أقرعها من حمير وعك ، فقال ذو الكلاع : باستك من سهم لم تبغ الضراب (1) ، كأنه أنف من أن تكون حمير بإزاء ربيعة ، فبلغ ذلك الخندف الحنفي (2) ، فحلف بالله لئن عاينه ليقتلنه أو ليموتن دونه ، فجاءت حمير حتى وقفت بإزاء ربيعة ، وجعل السكون والسكاسك بإزاء كندة وعليها الأشعث ، وجعل بإزاء همدان من أهل العراق الأزد وبجيلة ، وبإزاء مذحج من أهل العراق عكا ، فقال راجز من ، أهل الشام :
(1) ينعي على سهام القرعة التي لم تأت بما أتت به مريدة . (2) ح ( 1 : 482 ) : ( جحدرا الحنفي ) . واقعة صفين _ 222 _
وجعل بإزاء التيم (1) من أهل العراق هوازن وغطفان وسليما ، وقد قيدت عك أرجلها بالعمائم ، ثم طرحوا حجرا بين أيديهم وقالوا : لا نفر حتى يفر هذا الحكر ( بالكاف ) ، وعك تقلب الجيم كافا ، وصف القلب خمسة صفوف ، وفعل أهل العراق أيضا كذلك (2) ، قال : ثم قال عمرو بن العاص :
--------------------------- (1) في الأصل : ( التميم ) . (2) في الأصل : ( كك ) وهو رمز إلى كلمة ( كذلك ) ، وفي ح : ( مثل ذلك ) . (3) أي فأشجاني ، وفي ح : ( ذو ألوان ) . (4) التكملة من ح ( 1 : 482 ) . (5) نعثل : رجل من أهل مصر كان طويل اللحية ، وكان عثمان إذا نيل منه وعيب ، شبه بهذا الرجل المصري لطول لحيته ، ولم يكونوا يجدون فيه عيبا غير هذا ، انظر اللسان ( نعثل ) . (6) ح : ( ثم نادى عمرو بن العاص ثانية يرفع صوته ) . (7) بجل بمعنى حسب ، وقبل البيت كما في اللسان ( 14 : 70 ) : (8) الجزر : قطع اللحم تأكله السباع ، والأسل : الرماح ، ح : ( حرزا ) تحريف . واقعة صفين _ 223 _
--------------------------- (1) قحل : أي مات وجف جلده . (2) انجفل : انقلب وسقط . (3) هذا البيت وسابقة لم يرويا في ح ، وفي الأصل : ( لما حكم ) . (4) أنكى : تفضيل من النكاية ، وهي الهزيمة والغلبة ، وفي الأصل : ( وألظي ) ولا وجه له إلا أن جعل مقلوبا من ألظ ، ومورد هذا السماع . (5) يسلون : يسألون ، بإسقاط الهمزة وإلقاء حركتها على السين . (6) ح ( 1 : 283 ) : ( إلا قبيلة ليس منهم بالعراق إلا القليل ) صوابه ( بالشام ) . (7) ح : مثل بجيلة فإن لخما كانت بإزائها ، وفي الطبري ( 6 : 8 ) : ( إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق واحد ، مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام إلا عدد قليل ، فصرفهم إلى لخم ) ، وفي الأصل : ( ففرقهم إلى لخم ) ، صوابه من الطبري . واقعة صفين _ 224 _
ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا اقتتالا شديدا نهارهم كله ، وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب ، وكان علي يركب بغلا له يستلذه (1) ، فلما حضرت الحرب قال : ائتوني بفرس ، ( فأتوه بفرس ) له ذنوب أدهم (2) يقاد بشطنين (3) يبحث الأرض بيديه جميعا (4) ، له حمحمة وصهيل ، فركبه وقال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم ، قال : كان علي إذا سار إلي القتال ذكر اسم الله حين يركب ، ثم يقول : الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم ، ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ، ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ثم يقول : اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأتعبت الأبدان ، وأفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار ، ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) ، سيروا علي بركة الله ، ثم يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، يا الله يا أحد يا صمد ، يا رب محمد ، بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ) ، إياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم كف عنا بأس الظالمين ، فكان هذا شعاره بصفين .
--------------------------- (1) ح ( 1 : 479 ) : ( بغلة له يستلذها ) . (2) الذنوب : الوافر الذنوب الطويلة . (3) الشطن : الحبل ، وفي اللسان : ( وفي حديث البراء : وعنده فرس مربوطة بشطنين ، الشطن : الحبل ، وقبل هو الطويل منه ، وإنما شده بشطنين لقوته وشدته ) ، ح : ( نفار شطين ) محرف . (4) في الأصل : ( يبحث بيديه الأرض جميعا ) والوجه ما أثبت من ح . واقعة صفين _ 225 _
نصر : الأبيض بن الأغر (1) عن سعد بن طريف (2) ، عن الأصبغ قال : ما كان علي في قتال قط إلا نادى : كهيعص ، نصر : قيس بن الربيع ، عن عبد الواحد بن حسان العجلي ، عمن حدثه عن على أنه سمع يقول يوم صفين : اللهم إليك رفعت الأبصار ، وبسطت الأيدي (
ونقلت الأقدام ) ، ودعت الألسن ، وأفضت القلوب ، وتحوكم إليك في الأعمال ، فاحكم بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين (3) ، اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا ، وقلة عددنا ، وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ، وشدة الزمان ، وظهور الفتن ، أعنا عليهم بفتح تعجله ، ونصر تعز به سلطان الحق وتظهره ، نصر : عمرو بن شمر ، عن عمران ، عن سلام بن سويد قال : كان علي إذا أراد أن يسير إلى الحرب قعد على دابته وقال : ( الحمد لله رب العالمين على نعمه علينا وفضله العظيم ، ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ، ثم يوجه دابته إلى القبيلة ، ثم يرفع يديه إلى السماء ثم يقول : ( اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار ، نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا ، ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) ، سيروا على بركة الله ، ثم ( فيحمل ) يورد والله من اتبعه ومن حاده (4) حياض الموت .
--------------------------- (1) هو الأبيض بن الأغر بن الصباح الكوفي ، ذكره ابن حبان في الثقات ، روي عن صالح بن حيان ، ومجالد ، وعبيدة الضبي ، وروى عنه مروان بن معاوية ، ويحيي بن حسان التميمي ، لسان الميزان . (2) سعد بن طريف الإسكاف الحنظلي الكوفي ، كان رافضيا ، وترجم له في تهذيب التهذيب ، وفي الأصل ، ( بن سعد بن ظريف ) كأنه تتمة للرجل قبله ، والصواب ما أثبت . (3) الفاتح : القاضي الحاكم ، وفي اللسان ، ( ويقال للقاضي الفتاح لأنه يفتح مواضع الحق ، وقوله تعالي : ربنا افتح بيننا : أي اقض بيننا ) . (4) المحادة : المعاداة والمخالفة . واقعة صفين _ 226 _
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه قال : لما كان غداة الخميس لسبع خلوان من صفر من سنة سبع وثلاثين صلى علي فغلس بالغداة ، ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ ، ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم ، وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم ، فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم ، قال : نصر فحدثني (عمر بن سعد ، عن ) مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال : ( اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف ) ، الذي جعلته مغيضا لليل والنهار (1) ، وجعلت فيه مجري الشمس والقمر ، ومنازل الكواكب والنجوم ، وجعلت سكانه سبطا (2) من الملائكة لا يسأمون العبادة ؛ ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم ؛ ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ؛ ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ، ورب البحر المسجور ( المحيط ) بالعالمين ، ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا ؛ إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي ، وسددنا للحق ؛ وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة ، واعصم بقية أصحابي من الفتنة ) ، قال : فلما رأوه وقد أقبل خرجوا إليه بزحوفهم (3) ، وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر : مع عمار بن ياسر ، ومع قيس بن سعد ، ومع عبد الله
بن بديل .
--------------------------- (1) أي يغبض فيه الليل والنهار ، في الأصل : ( مغيضا الليل ) ، صوابه من الطبري ( 6 : 8 ) ، وفي ح : ( محيطا بالليل والنهار ) . (2) السبط : الأمة ، وهذه الكلمة ساقطة من ح . (3) ح : ( تقدموا إليه بزحوفهم ) . واقعة صفين _ 227 _
بن بديل ، والناس على راياتهم ومراكزهم ، وعلي في القلب في أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ، وعظم من معه من أهل (1) المدينة الأنصار ، ومعه من خزاعة عدد حسن ، ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة ، وكان علي رجلا دحداحا (2) ، أدعج العينين ، كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا ، ضخم البطن ، عريض المسربة (3) ، شثن الكفين ، ضخم الكسور (4) ، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه (5) ؛ لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري (6) ، إذا مشى تكفأ به ومار به جسده (7) ؛ له سنام كسنام الثور (8) ، لا تبين عضده من ساعده (9) ، قد أدمجت إدماجا ، لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس
، وهو إلى السمرة ، أذلف الأنف (10) ، إذا مشى إلى الحرب هرول ، وقد أيده الله بالعز والنصر .
--------------------------- (1) هذه التكملة من الطبري . (2) الدحداح : القصير السمين ، وفي ح : ( ربعة ) . (3) المسربة : الشعر وسط الصدر إلى البطن . (4) شثن : غليظ ، والكسور : الأعضاء . (5) الخفاف ، بالضم : الخفيف ، وبالكسر : جمع خفيف . (6) المشاش ، بالضم : رءوس العظام ، مثل المنكبين والمرفقين والركبتين . (7) تكفأ جسده : تمايل ، والمور : التحرك والمجئ والذهاب ، كما تتكفأ النخلة العيدانة . (8) في الأصل : (البعير ) والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 48 ) ، وسنام كل شيء : أعلاه . (9) العضد : ما بين المرفق إلى الكتف ، يذكر ويؤنث ، والساعد : الذراع . (10) الذلف : قصر الأنف وصغره . واقعة صفين _ 228 _
ثم زحف علي بالناس إليهم ، ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها لكرابيس (1) وجلس تحتها ، وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة ( وهو على ميسرة أهل الشام ) ، فلم يزل يحوزه (2) ، ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر ، نصر ، عن عمر ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عبد الله بن بديل قام في أصحابه فقال : إن معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحق ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزين لهم الضلالة (3) ، وزرع في قلوبهم حب الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجسا إلى رجسهم ، وأنتم والله على نور من ربكم وبرهان مبين ، قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم ، وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب من ربكم ظاهر مبروز (4) ؟ ! ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) ، وقد قاتلتهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (5) والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر ، قوموا إلى عدو الله وعدوكم (6) .
--------------------------- (1) الكرابيس : ضرب من الثياب ، فارسي معرب . (2) حازهم يحوزهم : نحاهم فانحازوا ، أي تركوا مركزهم ومعركه قتالهم ، والحوزاء : الحرب تحوز القوم ، في الأصل : ( يجوره ) ، وفي ح ( 1 : 483 ) : ( يجوزه ) ، صوابه بالحاء والزاي ، وقد جاءت على هذا الصواب الذي أثبت ، في الطبري ( 6 : 9 ) . (3) في الأصل : ( الضلال ) وأثبت ما في ح والطبري . (4) المبروز : الظاهر المنشور ، انظر اللسان (برز ) ، وفي الأصل : ( مبرور ) ، وفي الطبري : ( طاهرا مبرورا ) ح : ( ظاهر مبين ) ، وبعد هذه الكلمة في الأصل وح لفظة : ( قوله ) وليست في الطبري . (5) الطبري : ( وقد قاتلناهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرة ، وهذه ثانية ) . (6) الطبري : ( قوموا إلى عدوكم بارك الله عليكم ) . واقعة صفين _ 229 _
نصر ، قال : قال عمر بن سعد ، عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن (1) ، عن أبيه (2) أن عليا أمير المؤمنين حرض الناس فقال : إن الله ( عز وجل ) قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب ، وتشفي بكم على الخير (3) إيمان بالله ورسوله ، وجهاد في سبيله ؛ وجعل ثوابه مغفرة الذنوب ، ومساكن طيبة في جنات عدن ، ورضوان من الله أكبر (4) ، فأخبركم بالذي يحب فقال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) ، فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، وقدموا الدارع ، وأخروا الحاسر ، وعضوا على الأضراس ؛ فإنه أنبى للسيوف عن الهام (5) ، وأربط للجأش ، وأسكن للقلوب ، وأميتوا الأصوات ؛ فإنه أطرد للفشل ، وأولى بالوقار ، والتووا في أطراف الرماح ؛ فإنه أمور للأسنة (6) ، وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ، ولا تجعلوها إلا في أيدي شجعانكم المانعي الذمار ، والصبر عند نزول الحقائق ، أهل الحفاظ ، الذين يحفون براياتكم ويكتنفونها ، يضربون خلفها وأمامها ، ولا تضيعوها (7) أجزأ كل امرئ منكم ـ رحمه الله ـ وقذ (8) قرنه ، وواسى أخاه بنفسه ، ولم يكل قرنه إلى أخيه ، فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه ، فيكتسب بذلك لأئمة ، ويأتي به دناءة ، وأني هذا ، وكيف يكون هكذا ؟ ! هذا يقاتل اثنين وهذا ممسك يده ، قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ، وقائما ينظر إليه ، من يفعل هذا يمقته الله ، فلا تعرضوا لمقت الله ؛ فإنما مردكم إلى الله ، قال الله لقوم : ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) ، وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة ، استعينوا بالصدق والصبر ؛ فإنه بعد الصبر ينزل النصر .
--------------------------- (1) هو عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي أبو زياد الكوفي توفى سنة 111 ، انظر تهذيب التهذيب . (2) أبوه هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي ، توفى سنه 95 ، وفي ح : ( عن أبي عمرو عن أبيه ) . (3) أشفي على الشيء : أشرف ، وفي الحديث : ( فأشفوا على المرج ) . (4) كذا في الأصل وح ، ورفعه على الاستئناف ، وهذه الجملة لم ترد في الطبري . (5) أنبي : أبعد ، والهام : الرؤوس . (6) أمور : تفضيل من المور ، وهو الاضطراب والمجئ والذهاب ، في الطبري : ( أصون للأسنة ) . (7) ح : ( ولا يضيعوها ) تحريف ، وفي الطبري : ( ولا يضعونها ) . (8) هذه التكملة من الطبري ، وقذه : ضربه شديدا . واقعة صفين _ 230 _
نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن مالك بن قدامة الأرحبي (1) قال : قام سعيد بن قيس يخطب أصحابه بقناصرين (2) فقال : ( الحمد لله الذي هدانا لدينه ، وأورثنا كتابه ، وامتن علينا بنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجعله رحمة للعالمين ، وسيدا للمسلمين ، وقائدا للمؤمنين ، وخاتم النبيين ، وحجة الله العظيم على الماضين والغابرين ، وصلوات الله عليه ورحمة الله وبركاته ، ثم كان مما قضى الله وقدره ـ والحمد لله على ما أحببنا وكرهنا ـ أن ضمنا وعدونا بقناصرين ، فلا يحمد بنا اليوم الحياص (3) ، وليس هذا بأوان انصراف ، ولات حين مناص ، وقد اختصنا الله منه بنعمة فلا نستطيع أداء شكرها ، ولا نقدر قدرها : أن أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا ، وفي حيزنا ، فوالله الذي هو بالعباد بصير أن لو كان قائدنا حبشيا مجدعا (4) إلا أن معنا من البدريين (5) سبعين رجلا ، لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا وتطيب أنفسنا ، فكيف وإنما رئيسنا ابن عم نبينا ، بدري صدق ، صلى صغيرا ، وجاهد مع نبيكم كبيرا ، ومعاوية طليق من وثاق الإسار ، وابن طليق ، ألا إنه أغوى جفاة فأوردهم النار ، وأورثهم العار ، والله محل بهم الذل والصغار ، ألا إنكم ستلقون عدوكم غدا ، فعليكم بتقوى الله والجد والحزم ، والصدق والصبر ؛ فإن الله مع الصابرين ، ألا إنكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم ، والله لا يقتل رجل منكم رجلا منهم إلا أدخل الله القاتل جنات عدن ، وأدخل المقتول نارا تلظى ، ( لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) ، عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه ، وجعلنا وإياكم ممن أطاعه واتقاه ، وأستغفر الله لنا ولكم وللمؤمنين .
--------------------------- (1) ح : ( الأزدي ) . (2) في القاموس : ( قناصرين بالضم : موضع بالشام ) . (3) الحياص : العدول والهرب ، ح ( 1 : 483 ) : ( فلا يجمل بنا ) . (4) ح : ( رجلا مخدوعا ) محرف ، وهو إشارة إلى حديث أبي ذر ، قال : ( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف ) ، انظر صحيح مسلم ( 2 : 85 ) . (5) البدريون : الذي حضروا وقعة بدر ، وفي الأصل : ( البدوبين ) ، صوابه في ح . واقعة صفين _ 231 _
ثم قال الشعبي : لعمري لقد صدق بفعله ، وبما قاله في خطبته (1) ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر وزيد بن حسن قالا : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوى صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب ، واستوسقت لك البلاد (2) ، قال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضا عن الجنة ، وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ؟ فقال معاوية : إن لك حكمك أبا عبد الله إن قتل ابن أبي طالب ، رويدا لا يسمع الناس كلامك ، فقال لهم عمرو : ( يا معشر أهل الشام ، سووا صفوفكم ، وأعيروا ربكم جماجمكم ، واستعينوا بالله إلهكم ، وجاهدوا عدو الله وعدوكم ، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم ، ( واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الفضل بن أدهم قال : حدثني أبي أن الأشتر قام يخطب الناس بقناصرين ، وهو يومئذ على فرس أدهم مثل حلك (3) الغراب ، فقال : الحمد لله الذي خلق السموات العلى ، ( الرحمن على العرش استوى ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) ، أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، حمدا كثيرا بكرة وأصيلا ، من يهده الله فقد اهتدى ، ومن يظلل الله فقد غوى ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالصواب والهدى ، وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم كان مما قضى الله وقدر أن ساقتنا المقادير إلى هذه البلدة من الأرض (4) ، ولف بيننا وبين عدونا ، فنحن بحمد الله ونعمته ومنه وفضله قريرة أعيننا ، طيبة أنفسنا ، ونرجو في قتالهم حسن الثواب ، والأمن من العقاب ، معنا ابن عم نبينا ، وسيف من سيوف الله ، علي بن أبي طالب ، صلى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لم يسبقه بالصلاة ذكر حتى كان شيخا ؛ لم يكن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة ، فقيه في دين الله ، عالم بحدود الله ، ذو رأي أصيل ، وصبر جميل ، وعفاف قديم ، فاتقوا الله ، وعليكم بالحزم والجد ، واعلموا أنكم على الحق ، وأن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية ، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري ، ومن سوى ذلك (5) من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
--------------------------- (1) وردت الكلمة محرفة في ح ( 1 : 484 ) بلفظ : ( حثل ) والصواب ما أثبت ، وحلك الغراب : شدة سواده ، انظر ما مضى في ص 174 . (2) في هامش الأصل : ( خ : البقعة ) ، أي في نسخة . (3) أي ومع من سوى ذلك ، وفي ح : ( سوى من حولكم ) . (4) ح : ( صدق فعله ما قال في خطبته ) . (5) استوسقت البلاد : اجتمعت على الطاعة واستقر فيها الملك ، ح : ( استوثقت ) تحريف . واقعة صفين _ 232 _
ومع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فما يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب ، فإنما أنتم على إحدى الحسنيين : إما الفتح ، وإما الشهادة ، عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعة واتقاه ، وألهمنا وإياكم طاعته وتقواه ، وأستغفر الله لي ولكم (1) ، نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر عن الشعبي ، عن صعصعة بن صوحان العبدي قال : سمعت زامل بن عمرو الجذامي يقول : طلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس ويحرضهم على قتال علي ومن معه من أهل العراق ، فعقد فرسه ـ وكان من أعظم أصحاب معاوية خطرا ـ ثم قال : الحمد لله حمدا كثيرا ، ناميا جزيلا ، واضحا منيرا ، بكرة وأصيلا ، أحمده وأستعينه ، وأومن به وأتوكل عليه ، وكفى بالله وكيلا ، ثم إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالفرقان حين ظهرت المعاصي ودرست الطاعة ، وامتلأت الأرض جورا وضلالة ، واضطرمت الدنيا كلها نيرانا وفتنة ، وورك (2) عدو الله إبليس على أن يكون قد عبد في أكنافها ، واستولى بجميع أهلها ، فكان الذي أطفأ الله به نيرانها ، ونزع به أوتادها وأوهى به قوى إبليس ، وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظفره بهم ـ رسول الله محمد بن عبد الله ، ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ثم كان مما قضى الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين ، وإنا لنعلم أن فيهم قوما كانت لهم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
--------------------------- (1) في الأصل : ( واستعفروا ) والوجه ما أثبت من ح . (2) ورك بالمكان وروكا : أقام . واقعة صفين _ 233 _
سابقة ذات شأن وخطر ، ولكني ضربت الأمر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهذر
دم عثمان صهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نبينا ، الذي جهز جيش العسرة (1) ، وألحق في مسجد رسول الله بيتا وبنى سقاية ، وبايع له نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيده اليمني ( على اليسرى ) ، واختصه رسول الله بكريمتيه : أم كلثوم ورقية ، ابنتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإن كان أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه ، وقد قال الله ( عز وجل ) لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) ، وقتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له ، ولم يعر أحد من الذنوب ! وأنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله ، فإن لم يكن مالا على قتل عثمان فقد خذله ، وإنه لأخوه في دينه وابن عمه (2) ، وسلفه (3) ، وابن عمته (4) ، ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم وبلادكم ، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل ، فاستعينوا بالله واصبروا ، فلقد ابتليتم أيتها الأمة والله ، ولقد رأيت في منامي في ليلتي هذه ، لكأنا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا ، ونحن في ذلك جميعا ننادي : ( ويحكم الله ) ، ومع أنا والله ما نحن لنفارق العرصة (5) حتى نموت ، فعليكم بتقوى الله ، ولتكن النيات لله (6) ؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول :
--------------------------- (1) وذلك في غزوة تبوك ، إذ حدثت عسرة في الظهر ، وعسرة في الزاد ، وعسرة في الماء ، فكان العشرة يعتقبون على بعير ، وكانت الجماعة تتعاور التمرة الواحدة ، وكان الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه ويشربه ، وقد أنفق عثمان في جيش العسرة ألف دينار ، انظر تفسير الآية 117 من سورة التوبة وكتب السير . (2) يعني بذلك العمومة البعدى لا الدنيا ، فإن عبد شمس جد عثمان الأعلى ، وهاشما جد علي الأعلى ـ هما ولدا عبد مناف بن قصي بن كلاب . (3) السلفان : الرجلان يتزوجان بأختين ، كل منهما سلف صاحبه . (4) أم عثمان هي أروى بنت كريز ، وأم أمه هي البيضاء بنت عبد المطلب . (5) أي عرصة الحرب ، وهي ساحتها ، ح ( 1 : 485 ) : ( ومع أنا والله لا نفارق العرصة ) . (6) ح ( 1 : 485 ) : ( وليكن الثبات لله ) ، تحريف . واقعة صفين _ 234 _
إنما يبعث المقتتلون على النيات (1) ، أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وأعزلنا ولكم النصر ، وكان لنا ولكم في كل أمر ، وأستغفر الله لي ولكم ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن عامر (2) ، عن صعصعة العبدي (3) ( عن أبرهة بن الصباح ) قال : قام يزيد بن أسد البجلي ( في أهل الشام ) يخطب الناس بصفين ، وعليه يومئذ قباء خز ، وعمامة سوداء ، آخذا بقائم سيفه ، واضعا نعل السيف (4) على الأرض متوكئا عليه ، قال صعصعة : فذكر لي أبرهة (5) أنه ( كان ) يومئذ من أجمل العرب وأكرمه وأبلغه (6) فقال : ( الحمد لله الواحد القهار ، ذي الطول والجلال ، العزيز الجبار ، الحليم الغفار ، الكبير المتعال ، ذي العطاء والفعال ، والسخاء والنوال ، والبهاء والجمال ، والمن والإفضال ، مالك اليوم الذي لا ينفع فيه بيع ولا خلال (7) ، أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وفي كل حالة من شدة أو رخاء ، أحمده على نعمه التؤام (8) ، وآلائه العظام ، حمدا قد استنار ، بالليل والنهار ، ثم إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة النجاة في الحياة ، وعند الوفاة ، وفيها الخلاص ، يوم القصاص ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى ، وإمام الهدى ، ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كثيرا .
--------------------------- (1) ح : ( على الثبات ) تحريف ، وانظر لسان الميزان ( 4 : 367 ) ، والحديث رواه السيوطي في الجامع الصغير ( 1 : 351 ) من رواية ابن عساكر عن عمر ، وروى السيوطي أيضا نظيرا لهذا الحديث وهو : ( إنما يبعث الناس على نياتهم ) ، رواه ابن ماجه عن أبي هريرة . (2) هو عامر بن شراحيل الشعبي ، المترجم في ص 23 . (3) هو صعصعة بن صوحان العبدي ، تابعي كبير مخضرم فصيح ثقة ، مات في خلافه معاوية ، وصوحان ، بضم الصاد ، تهذيب التهذيب ، وفي الأصل : ( بن عامر بن صعصعة العبدي ) ، والصواب : ( عن عامر عن صعصعة ) كما أثبت . (4) نعل السيف : حديدة في أسفل غمده ، ح : ( نصل السيف ) تحريف . (5) هو أبرهة بن الصباح الحبشي ، أو الحميري ، ذكره ابن حجر في الإصابة 15 ، وفي الأصل : ( ابن أبرهة ) صوابه في ح . (6) أي من أجمل من وجد من العرب ، فلذا وحد الضمير ذهابا إلى المعنى ، انظر اللسان ( 18 : 221 س 21 ـ 25 ) ، وفي ح : ( وأكرمها وأبلغها ) . (7) في الأصل : ( يملك يوم لا ينفع فيه بيع ولا خلال ) ، صوابه من ح . (8) التؤام ، كغراب : جمع توأم ، ح : ( التوام ) : جمع تامة . واقعة صفين _ 235 _
ثم قد كان مما قضى الله (1) أن جمعنا وأهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض ، والله يعلم أني كنت لذلك كارها ، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا ، ولم يتركونا نرتاد لأنفسنا ، وننظر لمعادنا حتى نزلوا بين أظهرنا ، وفي حريمنا وبيضتنا ، وقد علمنا أن في القوم أحلاما وطغاما ، فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا ، وقد كنا نحب ألا نقاتل أهل ديننا ، فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلتاهم كراهية (2) فإنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، أما والله الذي بعث محمدا بالرسالة لوددت أني مت منذ سنة ؛ ولكن الله إذا أراد أمرا لم يستطع العباد رده ، فنستعين بالله العظيم ؛ وأستغفر الله لي ولكم ، ثم انكفأ ، قال نصر : وفي حديث عمر ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عمرو بن العاص قال يومئذ :
--------------------------- (1) ح : ( من قضاء الله ) . (2) في الأصل وح ( 1 : 485 ) : ( غدا حمية ) والوجه ما أثبت . (3) في الأصل : ( بعده أبا الحسن ) وأثبت ما في ح ، وكتب ناسخ الأصل : ( ويروي : خذها إليك فاعلمن أبا حسن ) . (4) الرسن : الحبل ، وإمراره : إحكام قتله . ح : ( تمر الأمر ) . (5) اللبن : جمع لبون ، وهي ذات اللبن من الإبل ، عني كثرة ما بهذه الحرب من الإبل وركبانها . (6) الحفن : جمع حفنة ، بالفتح ، وهي ملء الكفين من طعام ، ولا يكون إلا من شيء يابس كالدقيق ونحوه . واقعة صفين _ 236 _
فأجابه شاعر من شعراء أهل العراق :
--------------------------- (1) المهاريس : جمع مهراس ، وهو حجر مستطيل منقور يهرس به الحب . (2) في الأصل : ( لتغبنن راكبا ) صوابه في ح ( 1 : 485 ) . (3) عدل السنن ، أي الطريق العادل المستقيم ، وهذا البيت لم يرو في ح ، وفي الأصل : ( إن فاته ) . (4) هو حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي ، وفد على النبي فأسلم ، وقتل سنة 51 أو 53 ، انظر الإصابة 1624 . (5) ح ( 1 : 486 ) : ( من عسكر معاوية ) . (6) في الأصل : ( رمخه ) صوابه في ح . (7) هو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة بن حجر بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي ، وفد على النبي فأسلم ، وكان شريفا ، وكان مع علي يوم الجمل ، واتصل بعد بمعاوية فاستعمله على أرمينية ، انظر الإصابة 1626 ، وقد ورد ذكره في حواشي الاشتقاق ص 219 أنه حجر بني زيد ، صوابه ( بن يزيد ) . (8) تكملة يقتضيها السياق . واقعة صفين _ 237 _
--------------------------- (1) في اللسان والقاموس أن ( الفرند ) ضرب من الثياب ، دخيل معرب ، وفي المعرب 135 ، 243 أن الفرند الحرير ، وأنشد للفرزدق : (2) ح : ( وتقدم الفتى ) . واقعة صفين _ 238 _
وأما الإفرندي ، فلم أجده إلا المنسوب إلى الإفرند ، لغة في فرند السيف ، ولذي الرمة :
--------------------------- (1) هو تميم بن حذلم ـ بكسر المهملة وسكون المعجمة وفتح اللام ـ الضبي ، أبو سلمة الكوفي ، ثقة مات سنة 100 ، وقد اختلف في اسم أبيه فقيل ( خزيم ) و ( حذيم ) والصواب ( حذلم ) ، انظر تقريب التهذيب ومنتهى المقال . (2) هو جابر بن يزيد الجعفي ، ثقة في نفسه ، ولكن جل من روى عنه ضعيف فمن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ، ومفضل بن صالح السكوني ، وفي الميزان أنه روى عن أبي الطفيل الصحابي ، مات سنة 127 أو 132 ، تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال ، ومنتهى المقال . (3) ح ( 1 : 486 ) : ( والترس والرمح ) ، وفي الأصل وح : ( وسيف مصقل ) تحريف ، وإنما هو ( مقصل ) يقال سيف قاصل ومقصل وقصال : قطاع ، وأنظر للرجز الإصابة ، 455 في ترجمة عبد الله بن بديل حيث نقل الخبر عن وقعه صفين . (4) التمشي : المشي ، وفي الأصل : ( التمسني ) صوابه في ح . (5) في الأصل : ( في الحياض ) صوابه في ح . (6) في الأصل : ( فأزاله عن موقفه ) وأثبت ما في ح لتلتئم التكملة السابقة بالكلام . واقعة صفين _ 239 _
وجعل ينادي : يا لثارات عثمان ! ـ يعني أخا كان له قد قتل ـ وظن معاوية وأصحابه أنه إنما يعني عثمان بن عفان (1) ، ( وتراجع معاوية عن مكانه القهقري كثيرا ، وأشفق على نفسه ، وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه ، ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق فكشفها ، حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء ، فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم ، ولجج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية ، وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى انتهى إليه ) عبد الله بن عامر واقفا ، ( فنادى معاوية بالناس : ويلكم ! الصخر والحجارة إذا عجزتم عن السلاح ) ، فأقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر (2) حتى أثخنوه وقتل الرجل ، وأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر ( حتى وقفا عليه ) ، فأما عبد الله ابن عامر فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه ، وكان له ( من قبل ) أخا وصديقا ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، ( فقال : لا والله ، لا يمثل به وفي روح ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، فإنا لا نمثل به ) ، فقد وهبته لك (3) ، فكشف ( ابن عامر ) عن وجهه فقال معاوية : هذا كبش القوم ورب الكعبة اللهم أظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي ، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر (4) :
(1) بعد هذا في الأصل : ( حتى إذا أزال معاوية عن موقفه ) وهي عبارة مقحمة . (2) ح : ( فرضخه الناس بالصخر والحجارة ) . (3) ح : ( قد وهبناه لك ) . (4) هو حاتم الطائي من قصيدة له في ديوانه ( خمسة دواوين العرب 121 ـ 122 ) . |