مـعاوي  لا أعـطيك ديني ولم iiأنل      بذلك  دنيا (1)  فانظرن كيف iiتصنع
فـان تـعطني مصرا فأربح iiبصفقة      أخـذت بـها شـيخا يـضر iiوينفع
ومـا  الـدين والـدنيا سواء iiوإنني      لآخـذ مـا تـعطي ورأسـي iiمقنع
ولـكني  أغـضى الـجفون iiوإنني      لأخـدع  نـفسي والـمخادع iiيخدع
وأعـطيك أمـرا فـيه لـلملك iiقوة      وإني به إن زلت النعل أضرع (2)
وتمنعني مصرا وليست برغبة  (3)       وإنـي بـذا الـممنوع قـدما لمولع
  قال : أبا عبد الله ، ألم تعلم أن مصرا مثل العراق ؟ قال : بلى ، ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك ، وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي ، قال : فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال : أما ترضى أن نشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك ، فليتك لا تغلب على الشام ، فقال معاوية : يا عتبة ، بت عندنا الليلة ، قال : فلما جن على عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية ، وقال :
أيـها  الـمانع سيفا لم iiيهز      إنما ملت علي خز وقز (4)
---------------------------
(1) ح ( 1 : 137 ) : ( ولم أنل به منك دنيا ) .
(2) ح : ( وألفي به أن زلت النعل أصرع ) .
(3) في الأصل : ( ولست نزعته ) والصواب من ح ، قال ابن أبي الحديد تعليقا على هذا البيت : ( قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : كانت مصر في نفس عمرو بن العاص لأنه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر ، فكان لعظمها في نفسه وجلالتها في صدره وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه ) .
(4) القز من الثياب أعجمي معرب ، وهو الذي يسوى منه الإبريسم ، وفي الأصل : ( بز ) ، والبز : الثياب ، أو ضرب منها . وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 41 _

إنـما أنـت خروف ماثل  (1)       بـين ضرعين وصوف لم iiيجز
أعـط عـمرا إن عـمرا iiتارك      ديـنه الـيوم لدنيا لم تحز  (2)
يـا  لـك الـخير فخذ من iiدره      شـخبه الأولـى وأبعد ما iiغرز
واسحب الذيل وبادر فوقها  (3)       وانـتهزها  إن عـمرا iiيـنتهز
أعـطـه مـصرا وزده iiمـثلها      إنـما مـصر لـمن عـز iiوبز
واتـرك  الـحرص عليها iiضلة      واشبب  النار لمقرور يكز  (4)
إن  مـصـرا لـعـلى أو لـنا      يغلب اليوم عليها من عجز (5)
  فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلى عمرو وأعطاها إياه . قال : فقال له عمرو : ولي الله عليك بذلك شاهد ؟ قال له معاوية : نعم لك الله على بذلك ، لئن فتح الله علينا الكوفة . قال عمرو : ( والله على ما نقول وكيل ) ، قال : فخرج عمرو ومن عنده فقال له ابناه : ما صنعت ؟ قال : أعطانا مصر ( طعمة ) ، قالا : وما مصر في ملك العرب ؟ قال : لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما مصر ، قال : فأعطاها إياه ، وكتب له كتابا ، وكتب معاوية : ( على أن لا ينقض شرط طاعة ) ، وكتب عمرو : ( على ألا تنقض طاعة شرطا (6) ، وكايد كل
---------------------------
(1) ماثل : قائم ، وفي الأصل وح : ( مائل ) .
(2) في الأصل : ( لم تجز ) والصواب من ح .
(3) الفوق ، بالضم ، هنا : الطريق الأول .
(4) الكزاز : داء يأخذ من شدة البرد وتعتري منه رعدة ، وفي الأصل : ( يكن ) محرفة .
(5) في الأصل : ( ولنا ) وأثبت ما في ح ، وفي الأصل : ( من عجن ) تحريف .
(6) في الأصل : ( ولا ينقض طاعة شرطا ) وأثبت ما في ح ، وانظر الكامل للمبرد 184 ليبسك .

واقعة صفين _ 42 _

  واحد منهما صاحبه (1) ، وكان مع عمرو ابن عم له فتي شاب ، وكان داهيا حليما (2) ، فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتي وقال : ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش ؟ أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك ، أترى أهل مصر ـ وهم قتلة عثمان ـ يدفعونها إلى معاوية وعلي حي ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب ؟ فقال عمرو : يا ابن الأخ ، إن الأمر لله دون علي ومعاوية ، فقال الفتى في ذلك شعرا :
ألا يـا هـند أخت بني iiزياد      دهى عمرو بداهية البلاد (3)
رمـى عمرو بأعور iiعبشمي      بعيد  القعر مخشى الكياد (4)
لـه  خـدع يحار العقل iiفيها      مـزخرفة  صـوائد iiلـلفؤاد

---------------------------
(1) قال ابن أبي الحديد ( 1 : 138 ) : ( تفسيره أن معاوية قال للكاتب اكتب على ألا ينتقض شرط طاعة ، يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشيء ، وهذه مكايدة له ، لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصرا ولم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته ويحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصرا ، لأن مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء كانت مصر مسلمة إليه أو لا ، فلما انتبه عمرو على هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك وقال : بل اكتب : على أن لا تنقض طاعة شرطا يريد أخذ إقرار معاوية له بأنه إذا كان أطاعه لا تقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه ، وهذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية ، ومنع له من أن يغدر بما أعطاه من مصر ) .
(2) الحليم : ذو الأناة والعقل ، وفي ح : ( وكان لعمرو بن العاص ابن عم من بني سهم أريب ) ، وفي الإمامة والسياسة : ( وكان مع عمرو بن العاص ابن أخ له جاءه من مصر ) ، وانظر ما سيأتي في س 5 هذه الصفحة من قوله : ( يا ابن الأخ ) وما سيأتي بعد القصيدة في الصفحة التالية .
(3) أراد : دهي ، فسكن آخره للشعر ، وفي ح : ( رمى ) وكلاهما بالبناء للمفعول .
(4) في الأصح وح : ( محش الكباد ) ، وإنما يريد أنه يخشى كيده .

واقعة صفين _ 43 _

فـشرط في الكتاب عليه iiحرفا      يـنـاديه بـخدعته iiالـمنادي
وأثـبت  مـثله عـمرو iiعليه      كـلا  الـمرأين حية بطن واد
ألا يا عمرو ما أحرزت iiمصرا      ومـا مـلت الغداة إلى iiالرشاد
وبـعت  الـدين بالدنيا خسارا      فـأنت بـذاك مـن شر iiالعباد
فـلو كنت الغداة أخذت iiمصرا      ولـكن  دونـها خـرط iiالقتاد
وفـدت  إلى معاوية بن iiحرب      فـكنت بـها كـوافد قوم iiعاد
وأعـطيت  الذي أعطيت iiمنه      بـطرس فـيه نضح من iiمداد
ألـم تـعرف أبـا حسن iiعليا      ومـا نـالت يداه من iiالأعادي
عـدلت بـه معاوية بن iiحرب      فـيا بـعد البياض من iiالسواد
ويـا بـعد الأصابع من iiسهيل      ويـا بـعد الصلاح من iiالفساد
أتـأمن  أن تـراه على iiخدب      يحث الخيل بالأسل الحداد (1)
يـنادي بـالنزال وأنـت iiمنه      بـعيد فـانظرن من ذا iiتعادي
  فقال عمرو : يا ابن أخي ، لو كنت مع علي وسعني بيتي ، ولكني الآن مع معاوية (2) ، فقال له الفتى : إنك إن لم ترد معاوية لم يردك ، ولكنك تريد دنياه و ( هو ) يريد دينك ، وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب فلحق بعلي فحدثه بأمر عمرو ومعاوية ، قال : فسر ذلك عليا وقر به ، قال : وغضب مروان وقال : ما بالي لا أشتري كما اشترى عمرو ؟ قال : فقال له معاوية : إنما تبتاع الرجال لك ، قال : فلما بلغ عليا ما صنعه معاوية وعمرو قال :

---------------------------
(1) الخدب : الضخم من كل شيء .
(2) ح : ( لو كنت عند علي لوسعني ، ولكني الآن عنده ) .

واقعة صفين _ 44 _

يـا عـجبا لـقد سـمعت iiمـنكرا      كـذبا عـلى الله يـشيب iiالـشعرا
يـسترق الـسمع ويـغشى البصرا      مـا كـان يـرضى أحمد لو iiخبرا
أن يـقـرنوا وصـيـه iiوالأبـترا      شاني الرسول واللعين الأخزرا  (1)
كـلاهما  فـي جـنده قـد iiعسكرا      قـد  بـاع هـذا دينه فأفجرا  (2)
مـن ذا بـدنيا بـيعه قـد iiخـسرا      بملك مصر أن أصاب الظفرا  (3)
إنـي  إذا الـموت دنـا وحـضرا      شـمرت ثوبي ودعوت قنبرا  (4)
قــدم  لـوائي لا تـؤخر iiحـذرا      لـن يـدفع الحذار ما قد قدرا  (5)
لـما  رأيـت الـموت موتا iiأحمرا      عـبأت  هـمدان وعـبوا حـميرا
حـي  يـمان يـعظمون iiالـخطرا      قــرن  إذا نـاطح قـرنا كـسرا
قل لابن حرب لا تدب الخمرا (6)  ii       أرود قـليلا أبـد مـنك iiالـضجرا
لا تحسبني يا ابن حرب غمرا (7)       وسـل بـنا بـدرا مـعا iiوخـيبرا
---------------------------
(1) يعني بالأبتر العاص بن وائل ، والد عمرو بن العاص ، وفيه نزل قول الله : ( إن شانئك هو الأبتر ) ، وبالأخزر عمرو بن العاص ، وكأنه كان أخزر ينظر بمؤخر عينيه .
(2) أفجر : كذب ، أو عصى ، أو كفر ، ومثله فجر .
(3) ح : ( بيعة قد خسرا ) .
(4) قنبر بفتح القاف والباء : مولى علي ، وإليه ينسب المحدثان العباس بن الحسن وأحمد ابن بشر القنبريان .
(5) الحذار : الحذر ، وفي الأصل : ( لن ينفع ) صوابه في ح .
(6) الخمر ، بفتح الخاء المعجمة والميم : ما واراك من الشجر والجبال ونحوها ، والدبيب : المشى على هينة ، يقال للرجل إذا ختل صاحبه : هو يدب له الضراء ، ويمشي له الخمر ، وفي الأصل : ( لا ندب الحمرا ) والكلمتان محرفتان ، والصواب في ح ، والإرواد : الإمهال .
(7) الغمر ، بتثليث أوله وبفتح أوله وثانيه : من لم يجرب الأمور ، وفي الأصل : ( عمرا ) محرف .

واقعة صفين _ 45 _

كانت قريش يوم بدر جزرا (1)       إذ وردوا الأمـر فذموا iiالصدرا
لو  أن عندي يابن حرب iiجعفرا      أو حـمزة القرم الهمام iiالأزهرا
  رأت قريش نجم ليل ظهرا نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : لما بات عمرو عند معاوية وأصبح أعطاه مصر طعمة له ، وكتب له بها كتابا وقال : ما ترى ؟ قال : أمض الرأي الأول ، فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب ( محمد ) بن أبي حذيفة فأدركه فقتله ، وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه ، ثم قال : ما ترى في علي ؟ قال : أرى فيه خيرا ، أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق ، ومن عند خير الناس في أنفس الناس ، ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي ، وهو عدو لجرير المرسل إليك ، فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان ، وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل ؛ فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب ، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا (2) .
  فكتب إلى شرحبيل : ( إن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي ابن أبي طالب بأمر فظيع ، فاقدم ) ، ودعا معاوية يزيد بن أسد ، وبسر بن أرطاة ، وعمرو بن سفيان ، ومخارق بن الحارث الزبيدي ، وحمزة بن مالك ، وحابس بن سعد الطائي ـ وهؤلاء رءوس قحطان واليمن ، وكانوا ثقات معاوية وخاصته ـ وبني عم شرحبيل بن السمط ، فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان ، فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه .
---------------------------
(1) الجزر بفتحتين : اللحم الذي تأكله السباع ، يقال تركوهم جزرا إذا قتلوهم .
(2) في الأصل : ( وإن تعلق يقلبه لم يخرجه شيء أبدا ) ، وأثبت الصواب من ح .

واقعة صفين _ 46 _

  فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي ، وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه (1) ، وكان أفقه أهل الشام ، فقال : يا شرحبيل بن السمط ، إن الله لم يزل يزيدك خيرا مذ هاجرت إلى اليوم ، وإنه لا ينقطع المزيد من الله حت ينقطع الشكر من الناس ، ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، إنه قد ألقى إلينا قتل عثمان ، وأن عليا قتل عثمان (2) ، فإن يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار ، وهم الحكام على الناس ، وإن لم يكن قتله فعلام تصدق معاوية عليه ؟ لا تهلك نفسك وقومك . فإن كرهت أن يذهب بحظها جرير فسر إلى علي فبايعه على شامك وقومك (3) ، فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية ، فبعث إليه عياض الثمالي (4) ، وكان ناسكا :
يـا شرح يا ابن السمط إنك iiبالغ      بود  علي ما تريد من الأمر  (5)
ويـا شرح إن الشام شامك ما بها      سـواك فدع قول المظل من iiفهر
فإن  ابن حرب ناصب لك iiخدعة      تكون علينا مثل راغية البكر  (6)

---------------------------
(1) عبد الرحمن بن غنم ، أحد الرجال المختلف في صحبتهم للرسول . ومات سنة 78 ، انظر الإصابة 5173 و 6371 ، في الأصل : ( وحنثه ) وإنما هي ( وختنه ) كما جاء في ح .
(2) بدلها في ح : ( إنه قد ألقى إلى معاوية أن عليا قتل عثمان ، ولهذا يريدك ) .
(3) ح : ( عن شامك وقومك ) .
(4) الثمالي : نسبة إلى ثمالة ، بطن من بطونهم ، وفي الأصل : ( اليماني ) صوابه في ح ومعجم المرزباني 269 ، قال المرزباني : ( شامي ، يقول لشرحبيل بن السمط لما بويع معاوية . . . ) وأنشد بعض أبيات القصيدة التالية .
(5) شرح : مرخم شرحبيل ، وهذا بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء ، ولكنه سكن الراء للشعر ، وفي الأصل : ( شرخ ) بالخاء صوابه في ح .
(6) الراغية : الرغاء ، والبكر ، بالفتح : ولد الناقة ، انظر أمثال الميداني ( 2 : 78 ) ، وهذا مثل يضرب في التشاؤم ، يشار به إلى ما كان من رغاء بكر ثمود حين عقر قدار ناقة صالح فأصاب ثمود ما أصاب ، انظر ثمار الفلوب 282 والمفضليات ( 2 : 195 طبع المعارف ) .

واقعة صفين _ 47 _

فـإن نـال ما يرجو بنا كان iiملكنا      هنيئا  له ، والحرب قاصمة iiالظهر
فـلا تـبغين حـرب العراق iiفإنها      تـحرم  أطـهار النساء من iiالذعر
وإن عـليا خير من وطئ iiالحصى      من الهاشميين المداريك للوتر  (1)
لـه  فـي رقاب الناس عهد iiوذمة      كـعهد  أبي حفص وعهد أبي iiبكر
فبايع  ولا ترجع على العقب iiكافرا      أعيذك  بالله العزيز من الكفر  (2)
ولا  تـسمعن قـول الـطغام فإنما      يـريدون  أن يلقوك في لجة البحر
ومـاذا عـليهم أن تـطاعن دونهم      عـليا  بـأطراف الـمثقفة  السمر
فـإن  غـلبوا كـانوا عـلينا أئمة      وكنا بحمد الله من ولد الظهر  (3)
وإن غلبوا لم يصل بالحرب iiغيرنا      وكـان عـلى حـربنا آخر iiالدهر
يـهون عـلى عليا لؤي بن iiغالب      دماء  بني قحطان في ملكهم iiتجري
فـدع  عنك عثمان بن عفان إننا ii،      لك الخير ، لا ندري وإنك لا تدري
عـلى  أي حال كان مصرع iiجنبه      فلا  تسمعن قول الأعيور أو iiعمرو
  نصر بن مزاحم ، في حديث محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : لما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فأعظموه ، ودخل على معاوية فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا شرحبيل ، إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي ، وعلى خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان ، و ( قد ) حبست نفسي عليك ، وإنما أنا رجل من أهل الشام ، أرضى ما رضوا ، وأكره ما كرهوا .

---------------------------
(1) المداريك : المدركون ، جمع مدراك ، والوتر ، بالكسر : الثأر والذحل .
(2) على العقب ، فيه إشارة إلى قول الله : ( يردوكم على أعقابكم ) ، وفي الأصل : ( العقد ) بالدال ، صوابه في ح .
(3) يقال فلان من ولد الظهر ، بالفتح : أي ليس منها ، وقيل معناه أنه لا يلتفت إليه ، قال أرطاة بن سهية :

واقعة صفين _ 48 _

فـمن  مـبلغ أبـناء مـرة iiأنـنا      وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر
  عليك ، وإنما أنا رجل من أهل الشام ، أرضى ما رضوا ، وأكره ما كرهوا ، فقال شرحبيل : أخرج فانظر ، فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطؤون له ، فكلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان بن عفان ، فخرج مغضبا إلى معاوية فقال : يا معاوية ، أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان ، ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك ، قال معاوية : ما كنت لأخالف عليكم ، وما أنا إلا رجل من أهل الشام ، قال : فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذا ، قال : فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق ، وأن الشام كله مع شرحبيل (1) ، فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال : ابعث إلى جرير ( فليأتنا ) ، فبعث إليه حصين : أن زرنا ، فإن عندنا شرحبيل بن السمط ، فاجتمعا عنده ، فتكلم شرحبيل فقال : يا جرير ، أتيتنا بأمر ملفف (2) لنلقينا في لهوات الأسد ، وأردت أن تخلط الشام بالعراق ، وأطرأت عليا (3) وهو قاتل عثمان ، والله سائلك عما قلت يوم القيامة ، فأقبل عليه جرير فقال : يا شرحبيل ، أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا (4) وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار ، وقوتل على رده طلحة والزبير ، وأما قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواتها ألقيت نفسك .

---------------------------
(1) إلى هنا ينتهي اقتباس ح في ( 1 : 140 ) وينتقل إلى ( 1 : 249 ) .
(2) في اللسان : ( اللفف : ما لففوا من ها هنا وها هنا ، كما يلفف الرجل شهادة الزور ) ، وفي اللسان أيضا : ( أحاديث ملففة : أي أكاذيب مزخرفة ) ، ح : ( ملفق ) بالقاف في آخره ، وهما وجهان صالحان كما رأيت .
(3) قال ابن منظور : ( أطرأ القوم : مدحهم ، نادرة ، والأعرف بالياء ) ، ح : ( أطريت ) بالياء .
(4) ح : ( ملفقا ) بقاف بعد الفاء ، وأنظر الحاشية الثانية من هذه الصفحة .

واقعة صفين _ 49 _

  وأما خلط العراق بالشام فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل ، وأما قولك إن عليا قتل عثمان فوالله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد (1) ، ولكنك ملت إلي الدنيا ، وشئ كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص ، فبلغ معاوية قول الرجلين ، فبعث إلى جرير فزجره (2) ولم يدر ما أجابه أهل الشام ، وكتب جرير إلى شرحبيل (3) :
شـرحبيل يـا ابن السمط لا تتبع iiالهوى      فـما  لـك فـي الدنيا من الدين من iiبدل
وقـل  لاب ن حـرب مالك اليوم iiحرمة      تروم بها ما رمت ، فاقطع له الأمل  (4)
شـرحـبيل إن الـحق قـد جـد iiجـده      وإنــك  مـأمون الأديـم مـن iiالـنغل
فــأرود ولا تـفـرط بـشـئ iiنـخافه      عليك ، ولا تعجل فلا خير في العجل  (5)
ولا  تـك كـالمجرى إلـى شـر غـاية      فـقد  خـرق الـسربال واستنوق iiالجمل
وقـال ابـن هـند فـي عـلي iiعضيهة      ولـله فـي صـدر ابـن أبي طالب أجل
ومـا لـعلي فـي ابـن عـفان iiسـقطة      بـأمر  ، ولا جـلب عليه ، ولا قتل  (6)
---------------------------
(1) انظر الآية 53 من سورة سبأ وأقوال أصحاب التفسير فيها .
(2) في الأصل : ( فزجوه ) صوابه في ح .
(3) ح : ( وكتب كتاب لا يعرف كاتبه إلى شرحبيل يقول ) .
(4) ح : ( مالك اليوم . . . فاقطع ) .
(5) الإرواد : الإمهال ، والفرط : السبق .
(6) خ : ( ولا مالا عليه ولا قتل ) ، والممالاة : المساعدة والمعاونة .

واقعة صفين _ 50 _

ومــا كــان إلا لازمـا قـعر بـيته      إلـى  أن أتـى عـثمان في بيته iiالأجل
فـمن  قـال قـولا غـير هـذا iiفحسبه      من الزور والبهتان قول الذي احتمل  (1)
وصـي  رسـول الله مـن دون iiأهـله      وفـارسه الأولى به يضرب المثل  (2)
  فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر ، وقال : هذه نصيحة لي في ديني ودنياي ، ( و ) لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشئ وفي نفسي منه حاجة ، فاستتر له القوم ، ولفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ، ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به علياً ، ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة ، حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه ، وبلغ ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق ـ وكان يرأى رأي علي بن أبي طالب فبايعه بعد ، وكان ممن لحق من أهل الشام ، وكان ناسكا ـ فقال :
لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى      شـرحبيل بـالسهم الذي هو iiقاتله
ولـفف  قـوما يـسحبون iiذيولهم      جميعا  وأولى الناس بالذنب iiفاعله
فـألفى  يـمانيا ضـعيفا نـخاعه      إلـى كل ما يهوون تحدي iiرواحله
فـطاطا  لـها لـما رمـوه iiبثقلها      ولا  يـرزق التقوى من الله iiخاذله
لـيأكل  دنيا لابن هند بدينه  (3)       ألا وابـن هـند قـبل ذلـك iiآكله
---------------------------
(1) أي الذي احتمله ، ح : ( بعض الذي احتمل ) .
(2) ح : ( ومن باسمه في فضله يضرب المثل ) .
(3) في الأصل : ( ليأكل به دنيا ابن هند ) .

واقعة صفين _ 51 _

وقالوا علي في ابن عفان خدعة      ودبت  إليه بالشنان غوائله  (1)
ولا والـذي أرسى ثبيرا iiمكانه      لـقد كـف عـنه كفه iiووسائله
وما  كان إلا من صحاب iiمحمد      وكـلهم تـغلي عـليه iiمراجله
  فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال : هذا بعيث الشيطان ، الآن امتحن الله قلبي ، والله لأسيرن صاحب هذا الشعر أو ليفوتنني ، فهرب الفتى إلى الكوفة وكان ـ أصله منها ـ وكاد أهل الشام أن يرتابوا ، نصر : محمد بن عبيد الله ، وعمر بن سعد بإسناده قال : وبعث معاوية إلى شرحبيل بن السمط فقال : ( إنه كان من إجابتك الحق ، وما وقع فيه أجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ، ما علمت ، وإن هذا الأمر الذي قد عرفته لا يتم إلا برضا العامة ، فسر في مدائن الشام ، وناد فيهم بأن عليا قتل عثمان ، وأنه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه ) ، فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيبا ، وكان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألها ، فقال : ( يا أيها الناس ، إن عليا قتل عثمان بن عفان ، وقد غضب له قوم فقتلهم ، وهزم الجميع وغلب على الأرض فلم يبق إلا الشام ، وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت (2) حتى يأتيكم (3) أو يحدث الله أمرا ، ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية ، فجدوا ( وانهضوا ) ، فأجابه الناس إلا نساك أهل حمص (4) ، فإنهم قاموا إليه فقالوا : بيوتنا قبورنا ومساجدنا ، وأنت أعلم بما ترى . وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها ، لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به .

---------------------------
(1) الشنان ، كسحاب : لغة في الشنآن ، وهو البغض ، وأنشد للأحوص :
(2) ح : ( غمرات الموت ) .
(3) في الأصل : ( بيكم ) وإعجامه وإكماله من ح .
(4) ح : ( إلا نساكا من أهل حمص ) .

واقعة صفين _ 52 _

  فبعث إليه النجاشي بن الحارث (1) ، وكان صديقا له :
ومـا الـعيش إلا ما تلذ iiوتشتهي      وإن  لام فـيه ذو الـشنان iiوفندا
شـرحبيل  ما للدين فارقت iiأمرنا      ولـكن لـبغض الـمالكي iiجرير
وشـحناء  دبـت بين سعد iiوبينه      فـأصبحت كـالحادي بغير iiبعير
وما أنت ، إذ كانت بجيلة iiعاتبت      قـريـشا  فـيالله بـعد iiنـصير
أتـفصل أمـرا غبت عنه iiبشبهة      وقـد حـار فيها عقل كل iiبصير
بـقول  رجـال لـم يكونوا iiأئمة      ولا  لـلتي لقوكها بحضور  (2)
ومـا قـول قـوم غائبين iiتقاذفوا      مـن  الـغيب مـا دلاهم iiبغرور
وتترك  أن الناس أعطوا عهودهم      عـليا  عـلى أنـس به iiوسرور
إذا قـيل هـاتوا واحـدا iiتقتدونه      نظيرا له لم يفصحوا بنظير  (3)
لـعلك أن تـشقى الـغداة iiبحربه      شرحبيل ما ما جئته بصغير  (4)
  نصر : عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي ، أن شرحبيل ابن السمط بن جبلة الكندي دخل على معاوية فقال : أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ، ونحن المؤمنون ، فإن كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك بثأرنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا ، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد ، ثم جاهدنا معه حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك ، فقال جرير : يا شرحبيل ، مهلا فإن الله قد حقن الدماء ، ولم الشعث ، وجمع أمر الأمة ، ودنا من هذه الأمة سكون ، فإياك أن تفسد بين الناس ، وأمسك عن هذا القول قبل أن يظهر منك قول لا تستطيع رده ، قال : لا والله لا أسره أبدا ، ثم قام فتكلم ، فقال الناس : صدق صدق ، القول ما قال ، والرأي ما رأى ، فأيس جرير عند ذلك عن معاوية وعن عوام أهل الشام .

---------------------------
(1) وكذا ورد في ح ، والمعروف في شعرائهم النجاشي الحارثي ، وأسمه قيس بن عمرو ابن مالك ، من بني الحارث بن كعب ، وهو ممن حده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لشربه الخمر ، انظر الشعراء 68 والخزانة ( 4 : 368 ) .
(2) في الأصل : ( ولا بالتي لقوكها ) ، والصواب من ح ( 1 : 250 ) .
(3) تقتدونه ، المعروف تعديته بالباء ، فقد عداه بتضمينه معنى تتبعونه ، وفي ح : ( يقتدي به ) .
(4) أي ليس الذي جئته بصغير ، وفي ح : ( فليس الذي قد جئته بصغير ) .

واقعة صفين _ 53 _

   نصر ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : كان معاوية أتى جريرا في منزله فقال : يا جرير ، إني قد رأيت رأيا . قال : هاته ، قال : اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي ، وأسلم له هذا الأمر ، وأكتب إليه بالخلافة ، فقال جرير : اكتب بما أردت ، وأكتب معك ، فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير : ( أما بعد فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحب ، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام ، وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار على أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة ، فأبيت ذلك عليه ، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا ، فإن بايعك الرجل ، وإلا فأقبل ) ، وفشا كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة :
مـعاوي  إن الـشام شامك iiفاعتصم      بـشامك لا تـدخل عـليك iiالأفاعيا
وحــام  عـليها بـالقنابل iiوالـقنا      ولا تك محشوش الذراعين وانيا  (1)
وإن عـلـيا نـاظـر مـا iiتـجيبه      فـأهد  لـه حـربا تشيب iiالنواصيا
وإلا فـسلم إن فـي الـسلم iiراحـة      لـمن  لا يريد الحرب فاختر iiمعاويا
وإن كـتابا يـا ابـن حـرب كتبته      عـلى طـمع ، يزجى إليك الدواهيا
سـألت عـليا فـيه مـا لـن iiتناله      ولــو نـلته لـم يـبق إلا iiلـياليا
وسـوف تـرى منه الذي ليس iiبعده      بـقاء  فـلا تـكثر عـليك iiالأمانيا
أمـثـل  عـلي تـعتريه iiبـخدعة      وقـد كـان ما جربت من قبل iiكافيا
---------------------------
(1) حام : أمر من المحاماة ، والقنابل : الجماعة من الناس ، الواحدة قنبلة وقنبل بفتح = القاف والباء فيهما ، ح : ( بالصوارم ) .

واقعة صفين _ 54 _

  منه ما كنت حاذيا (1) قال : وكتب إليه أيضا :
ولـو  نـشبت أظـفاره فـيك iiمرة      حــــذاك ، ابـــن iiهــنـد
مـعاوي  إن الـملك قد جب iiغاربه      وأنـت  بـما في كفك اليوم iiصاحبه
أتـاك كـتاب مـن عـلي iiبـخطة      هـي الفصل فاختر سلمه أو iiتحاربه
ولا  تـرج عـند الـواترين مـودة      ولا  تـأمن الـيوم الذي أنت iiراهبه
فـحاربه إن حاربت حرب ابن iiحرة      وإلا فـسلم لا تـدب عـقاربه  (2)
فـإن  عـليا غـير سـاحب iiذيـله      على خدعة ما سوغ الماء شاربه  (3)
ولا  قـابـل مـا لا يـريد iiوهـذه      يـقوم بـها يـوما عـليك iiنـوادبه
---------------------------
القاف والباء فيهما ، ح : ( بالصوارم ) ، محشوش ، في اللسان : ( حشت اليد وأحشت وهي محش : يبست ، وأكثر ذلك في الشلل ، وحكى عن يونس حشت على صيغة ما لم يسم فاعله ) ، وفي ح : ( موهون الذراعين ) .
(1) حذاه حذوا : أعطاه ، والبيت لم يرو في ح ، وفي الأصل : ( حداك ) و ( حاديا ) بالدال المهملة ، تحريف .
(2) في الأصل وح : ( حربن حرة ) .
(3) يقال ساغ الطعام والشراب وأساغه : إذا ألفاه سائغا سهل المدخل في الحلق ، ولم أجد هذه الصيغة من التضعيف في المعاجم .

واقعة صفين _ 55 _

ولا تـدعن الـملك والأمـر iiمقبل      وتـطلب مـا أعيت عليك iiمذاهبه
فـإن كـنت تنوي أن تجيب iiكتابه      فـقـبح  مـمـليه وقـبح كـاتبه
فـألق  إلـى الـحي اليمانين كلمة      تـنال بـها الأمر الذي أنت iiطالبه
تـقول : أمـير الـمؤمنين iiأصابه      عـدو ومـالاهم عليه أقاربه  (1)
أفـانين  مـنهم قـاتل iiومحضض      بـلا  تـرة كـانت وآخـر iiسالبه
وكـنت  أمـيرا قـبل بالشام iiفيكم      فحسبي وإياكم من الحق واجبه  (2)
فـجيئوا ، ومن أرسى ثبيرا iiمكانه      نـدافع بحرا لا تردد غواربه  (3)
فـأقلل وأكـثر مالها اليوم iiصاحب      سـواك  فصرح لست ممن iiتواربه
  قال : فخرج جرير يتجسس الأخبار ، فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له وهو يقول :
حـكـيم  وعـمار الـشجا iiومـحمد      وأشترو المكشوح جروا الدواهيا  (4)
وقـد كـان فـيها لـلزبير عـجاجة      وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا  (5)
---------------------------
(1) الممالاة : المعاونة والمساعدة ، ويعني بأمير المؤمنين عثمان .
(2) في الأصل : ( فحبلي ) صوابه في ح .
(3) في الأصل وح : ( تجيبوا ) تحريف . والغوارب : أعالي الموج ، يستحلفهم بمن أرسى جبل ثبير في مكانه أن ينهضوا لمعاونته على عدوه لكثير العدد .
(4) حكيم ، بهيئة التصغير ، هو ابن جبلة بن حصن العبدي ، وكان من عمال عثمان على السند ثم البصرة ، انظر مروج الذهب ( 1 : 440 ) والإصابة 1991 ، وعمار ، هو عمار ابن ياسر الصحابي ، ومحمد ، هو ان أبي بكر الصديق ، انظر مروج الذهب ( 1 : 440 ـ 442 ) ، والأشتر : لقب مالك بن الحارث الشاعر التابعي ، وكان قد قدم في نفر من أهل الكوفة ، انظر المعارف 84 ، والمكشوح ، هو المرادي ، وقد اختلف في اسمه ، انظر الإصابة 7307 .
(5) يعني بصاحبه الأدنى ( الزبير بن العوام ) ، وقد قتل طلحة والزبير يوم الجمل .

واقعة صفين _ 56 _

فـأمـا  عـلـي فـاستغاث iiبـبيته      فـلا آمـر فـيها ولـم يـك iiنـاهيا
وقـل  في جميع الناس ما شئت iiبعده      وإن  قـلت أخطا الناس لم تك iiخاطيا
وإن قـلت عـم الـقوم فـيه بـفتنة      فـحسبك مـن ذاك الـذي كان iiكافيا
فـقـولا لأصـحاب الـنبي iiمـحمد      وخـصا الـرجال الأقـربين iiالمواليا
أيـقتل  عـثمان بـن عفان iiوسطكم      على  غير شيء ليس إلا تماديا  (1)
فـلا نـوم حـتى نـستبيح iiحريمكم      ونخضب من أهل الشنان العواليا  (2)
  قال جرير : يا ابن أخي ، من أنت ؟ قال : أنا غلام من قريش وأصلى من ثقيف ، أنا ابن المغيرة بن الأخنس ( بن شريق ) ، قتل أبي مع عثمان يوم الدار ، فعجب جرير من قوله وكتب بشعره إلى علي (3) ، فقال علي : والله ما أخطأ الغلام شيئا ، وفي حديث صالح بن صدقة قال : أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي : وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا ! وأبطأ على علي حتى أيس منه ، وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا : وكتب علي إلى جرير بعد ذلك : ( أما بعد فإذا أتاك ـ كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، وخذه بالأمر الجزم ، ثم خيره بين حرب مجلية ، أو سلم محظية (4) ، فإن اختار الحرب فانبذ له (5) ، وإن اختار السلم فخذ بيعته ) .

---------------------------
(2) الشان لغة في الشنآن وهو البغض ، انظر ما سبق في ص 50 ، والعوالي : عوالي الرماح .
(3) ح : ( من شعره وقوله وكتب بذلك إلى علي ( عليه السلام ) .
(4) ح : ( مخزبة ) .
(5) انظر التنبيه الثالث من ص 28 .

واقعة صفين _ 57 _

  فلما انته الكتاب إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب ، فقال : ( له ) يا معاوية ، إنه لا يطبع علي قلب إلا بذنب ، ولا يشرح ( صدر ) إلا بتوبة (1) ، ولا أظن قلبك إلا مطبوعا ، أراك قد وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك ) ، فقال معاوية : ( ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء الله ) ، فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال : ( يا جرير الحق بصاحبك ) ، وكتب إليه بالحرب (2) ، وكتب في أسفل كتابه بقول كعب بن جعيل :
أرى الـشام تكره ملك iiالعراق      وأهل العراق لها كارهونا (3)
وكــل  لـصاحبه مـبغض      يرى  كل ما كان من ذاك iiدينا
---------------------------
(1) في الأصل : ( ولا ينشرح إلا بتوبة ) وأثبت ما في ح .
(2) لم يذكر لنا نصر نص رسالة معاوية ، وهي كما جاءت في كامل المبرد 184 : ( بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب ، أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت برئ من دم عثمان كنت كأبي بكر وعمر وعثمان أجمعين ، ولكن أغريت بعثمان المهاجرين ، وخذلت عنه الأنصار ، فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف ، وقد أبي أهل الشام إلا قتالك حت تدفع إليهم قتلة عثمان ، فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ، ولعمري ما حجتك على كحجتك على طلحة والزبير ، لأنهما بايعاك ولم أبايعك ، وما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ، لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام ، وأما شرفك في الإسلام وقرابتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وموضعك من قريش فلست أدفعه ) ، وقد روى هذه الرسالة صاحب الإمامة والسياسة ( 1 : 87 ) وزاد بعد قوله : ( كانت شورى بين المسلمين ) هذا الكلام : ( وقد كان أهل الحجاز أعلى الناس وفي أيديهم الحق ، فلما تركوه صار الحق في أيدى أهل الشام ) ، وهذه العبارة الأخيرة توضح لنا السر في ارتياب ابن أبي الحديد في آخر الصفحة 252 من الجزء الأول ، في تمام الرواية التي رواها المبرد ، وقال في أول 253 : ( وما وجدنا هذا الكلام في كتابه ) ، وما هو ذا الكلام بتمامه بين يدي القارئ .
(3) ح ( 1 : 158 ) : ( تكره أهل العراق ، وأهل العراق لهم ) ، وفي كامل المبرد 184 : ( تكره ملك العراق ، وأهل العراق لهم ) .

واقعة صفين _ 58 _

إذا  مــا رمـونـا iiرمـيـناهم      ودنـاهم مـثل ما يقرضونا  (1)
وقـالـوا  عـلـي إمــام iiلـنا      فـقلنا رضـينا ابـن هند iiرضينا
وقـلـنا  نـري أن تـدينوا iiلـنا      فـقـالوا  لـنـا لا نــري (2)
أن ندينا ومن دون ذلك خرط القتاد      وضـرب  وطعن يقر العيونا (3)
وكــل  يـسـر بـمـا iiعـنده      يـرى  غـث مـا في يديه سمينا
ومــا فــي عـلي iiلـمستعتب      مـقال سـوى ضـمه iiالـمحدثينا
وإيـثاره  الـيوم أهـل الـذنوب      ورفـع الـقصاص عـن iiالقاتلينا
إذا  سـيـل عـنه حـدا iiشـبهة      وعمى الجواب على السائلينا  (4)
فـلـيس بــراض ولا iiسـاخط      ولا  فــي الـنهاة ولا الآمـرينا
ولا  هــو ســاء ولا iiســره      ولا  بـد مـن بعض ذا أن iiيكونا
   قال : فكتب إليه : ( من علي إلى معاوية بن صخر ، أما بعد فقد أتاني كتاب امرئ ليس له نظر يهديه ، ولا قائد يرشده ، دعاه الهوى فأجابه ، وقاده فاتبعه ، زعمت أنه أفسد عليك بيعة خطيئتي في عثمان ، ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا ، وأصدرت كما أصدروا ، وما كان الله ليجمعهم على ضلالة .

---------------------------
(1) دناهم ، من الدين ، وهو القرض ، وفي قول الحماسي : ( دناهم كما دانوا ) ، يقرضونا ، من الإقراض ، وقد حذف نون الرفع ، وهو وجه جائز في العربية ، انظر التنبيه رقم 2 ص 4 ، وفي الأصل : ( يعرضونا ) صوابه في ح والكامل .
(2) ح : ( ألا لا نرى ) .
(3) قال المبرد : ( وأحسن الروايتين : يفض الشؤونا ، وفي آخر هذا الشعر ذم لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، أمكنا عن ذكره ) .
(4) سيل : سئل ، حدا شبهة : ساقها في الأصل : ( عن السائلينا ) صوابه في ح .

واقعة صفين _ 59 _

  ولا ليضربهم بالعمى ، وما أمرت (1) فيلزمني خطيئة الآمر ، ولا قتلت فيجب على القصاص ، وأما قولك أن أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة ، فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون والأنصار ، وإلا أتيتك به من قريش الحجاز ، وأما قولك : ادفع إلينا قتلة عثمان ، فما أنت وعثمان ؟ إنما أنت رجل من بني أمية ، وبنو عثمان أولى بذلك منك ، فإن زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلى أحملك وإياهم على المحجة ، وأما تمييزك بين الشام والبصرة وبين طلحة والزبير فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا واحد (2) ؛ لأنها بيعة عامة لا يثني فيها النظر ، ولا يستأنف فيها الخيار (3) ، وأما ولوعك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حق العيان ، ولا يقين الخبر (4) . وأما فضلى في الإسلام وقرابتي من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشرفي في قريش فلعمري لو استطعت دفع ذلك لدفعته ) ، وأمر النجاشي فاجابه في الشعر فقال :
دعـن يـا معاوى ما لن iiيكونا      فـقد  حـقق الله مـا تحذرونا
أتـاكم  عـلي بـأهل iiالحجاز      وأهل العراق فما تصنعونا  (6)
---------------------------
(1) ح : ( وما ألبت ) ، والتأليب : التحريض .
(2) ح والكامل : ( إلا سواء ) ، وما في ح هنا نقل عن الكامل لا عن كتاب نصر .
(3) ح والكامل : ( لأنها بيعة شاملة لا يستثني فيها الخيار ولا يستأنف فيها النظر ) .
(4) الخبر : العلم ، والاختبار ، وفي الأصل : ( ولا بعين الخير ) والصواب من ح .
(5) ح والكامل : ( ثم دعا النجاشي أحد بني الحارث بن كعب فقال له : إن ابن جعيل شاعر أهل الشام ، وأنت شاعر أهل العراق ، فأجب الرجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أسمعني قوله ، قال : إذا أسمعك شعر شاعر ، فقال النجاشي يجيبه ) .
(6) روي المبرد هذين البيتين ، وقال في إثرهما : ( وبعد هذا ما نمسك عنه ) .

واقعة صفين _ 60 _

عـلي  كـل جـرداء iiخـيفانة      وأشـعث نـهد يسر العيونا  (1)
عـليها  فـوارس مخشية  (2)       كـأسد الـعرين حـمين iiالعرينا
يـرون  الـطعان خلال iiالعجاج      وضرب  الفوارس في النقع iiدينا
هـم  هزموا الجمع جمع iiالزبير      وطـلـحة والـمعشر الـناكثينا
وقـالـوا يـمينا عـلي iiحـلفة      لنهدي إلى الشام حربا زبونا  (3)
تـشيب الـنواصي قبل المشيب      وتلقى  الحوامل منها الجنينا  (4)
فـإن تكرهوا الملك ملك iiالعراق      فـقد  رضـي القوم ما iiتكرهونا
فـقـل لـلمضلل مـن iiوائـل      ومـن  جـعل الغث يوما iiسمينا
جـعـلتم عـلـيا iiوأشـيـاعه      نـظير ابـن هـند ألا iiتستحونا
إلـى  أول الـناس بعد iiالرسول      وصـنو  الـرسول من iiالعالمينا
وصـهر الـرسول ومـن iiمثله      إذا  كان يوم يشيب القرونا  (5)

---------------------------
(1) الجرداء : الفرس القصيرة الشعر ، والخيفانة : الخفيفة الوثابة ، والنهد ، من الخيل : الجسيم المشرف .
(2) مخشية : مخوفة ، وفي الأصل : ( تحسبهم ) ، صوابه في ح ( 1 : 252 ) .
(3) ح : ( آلوا ) ، أي حلفوا .
(4) ح : ( تشيب النواهد ) .
(5) قال ابن أبي الحديد : ( أبيات كعب بن جعيل خير من هذه الأبيات ، وأخبث مقصدا وأدمى وأحسن ) .

واقعة صفين _ 61 _

  نصر : صالح بن صدقة بإسناده قال : لما رجع جرير إلي على كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية ، فأجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر : أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه ، وأقام ( عنده ) ، حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه (1) ، أو يخاف غمه إلا سده ، فقال جرير : ( والله لو أتيتهم لقتلوك ـ وخوفه بعمرو ، وذي الكلاع ، وحوشب ذي ظليم (2) ـ وقد زعموا أنك من قتلة عثمان ) ، فقال الأشتر : ( لو أتيته والله يا جرير لم يعيني جوابها ، ولم يثقل على محملها ، ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر ) ، قال : فائتهم إذا ، قال : الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر ؟ نصر : عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي قال : اجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر : أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا ، وأخبرتك بعداوته وغشه ؟ وأقبل الأشتر يشتمه ويقول : يا أخا بجيلة ، إن عثمان اشتري منك دينك بهمدان ، والله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا (3) ، إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ، ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم ، وأنت والله منهم ، ولا أري سعيك إلا لهم ، ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه ، حتى تستبين هذه الأمور ويهلك الله الظالمين ، قال جرير : وددت والله أنك كنت مكاني بعثت ، إذا والله لم ترجع ، قال : فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا ، ولحق به أناس من قسر من قومه (4) ، ولم يشهد صفين من قسر (5) غير تسعة عشر .

---------------------------
(1) روحه ، أي ما فيه من روح ، والروح ، بالفتح : الراحة ، وفي ح ( 1 : 260 ) : ( يرجو فتحه ) .
(2) ظليم ، بهيئة التصغير ، كما في القاموس ، وهو حوشب بن طخمة .
(3) ح : ( بأهل أن تترك تمشى فوق الأرض ) .
(4) قسر ، بفتح القاف ، هم بنو بجيلة رهط جرير بن عبد الله البجلي ، وفي الأصل : ( ولحق به أناس من قيس فسر من قومه ) ، صوابه في ح .
(5) في الأصل : ( قيس ) والكلام يقتضي ما أثبت من ح .

واقعة صفين _ 62 _

  ولكن أحمس (1) شهدها منهم سبعمائة رجل ، وخرج عليٌّ إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه ، وخرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال : أصلحك الله ، إن فيها أرضا لغير جرير ، فخرج علي منها إلي دار ثوير بن عامر فحرقها وهدم منها ، وكان ثوير رجلا شريفا ، وكان قد لحق بجرير ، وقال الأشتر فيما كان من تخويف جرير إياه بعمرو ، وحوشب ذي ظليم ، وذي الكلاع (2) :
لـعمرك  يا جرير لقول عمرو      وصـاحبه  مـعاوية iiالـشامي
وذي  كـلع وحوشب ذي iiظليم      أخف على من زف النعام (3)
ذا اجـتمعوا عـلي فخل iiعنهم      وعـن بـاز مخالبه دوام (4)
فـلست  بـخائف ما iiخوفوني      وكـيف أخـاف أحـلام iiالنيام
وهـمهم الـذين حـاموا iiعليه      من الدنيا وهمي ما أمامي  (5)
فـإن أسـلم أعـمهم iiبـحرب      يـشيب لـهولها رأس الـغلام
وإن أهـلك فـقد قـدمت iiأمرا      أفوز  بفلجه يوم الخصام  (6)
وقـد  زأروا إلـى iiوأوعدوني      ومن  ذا مات من خوف iiالكلام
---------------------------
(1) بنو أحمس ، هم من بطون بجيلة بن أنمار بن نزار ، وكانت بجيلة في اليمن ، انظر المعارف 29 ، 46 .
(2) انظر ما سبق في ص 60 .
(3) أي قول هؤلاء أخف من زف النعام ، والزف ، بالكسر : صغار ريش النعام .
(4) دوام : داميات ، وقد عني بالبازي نفسه .
(5) حاموا ، من الحوم ، وهو الدوران ، يقال لكل من رام أمرا : حام عليه حوما وحياما وحؤوما وحومانا ، وحاموا ، بفتح الميم ، من المحاماة والمدامعة .
(6) الفلج : الظفر والنصر ، وعني بيوم الخصام اليوم الآخر .

واقعة صفين _ 63 _

  وقال السكوني :
تـطاول  لـيلى يـا لحب iiالسكاسك      لـقول أتـانا عن جرير ومالك  (1)
أجـر  عـليه ذيـل عـمرو iiعداوة      وما هكذا فعل الرجال الحأوانك (2)
فـأعظم بـها حـري عليك iiمصيبة      وهل يهلك الأقوام غير التماحك  (3)
فـإن  تـبقيا تـبق الـعراق بغبطة      وفـي الناس مأوى للرجال iiالصعالك
وإلا فـليت الأرض يـوما iiبـأهلها      تـميل إذا مـا أصـبحا في iiالهوالك
فــإن جـريـرا نـاصح لإمـامه      حريص  على غسل الوجوه iiالحوالك
ولـكن أمـر الله فـي الـناس iiبالغ      يـحل مـنايا بـالنفوس iiالـشوارك
---------------------------
(1) السكاسك : حي من اليمن ، أبوهم سكسك بن أشرس بن ثور بن كندي ، انظر اللسان ( 12 : 327 ) والاشتقاق 221 .
(2) الحوانك : جمع حانك على غير قياس ، فهو من إخوان الفوارس ، واشتقاق الحانك من قولهم : ( حنكت الشيء فهمته ) ، انظر اللسان ( 12 : 299 س 19 ـ 20 ) .
(3) أراد : أعظم بها مصيبة حري ، والحري : الحارة ، والتماحك : اللجاج والمشارة .

واقعة صفين _ 64 _

  قال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة قال : لما أراد معاوية السير إلى صفين قال لعمرو بن العاص : إني قد رأيت أن نلقى إلى أهل مكة وأهل المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان ، فاما أن ندرك حاجتنا ، وإما أن يكف القوم عنا ، قال عمرو : إنما نكتب إلى ثلاثة نفر : راض بعلي فلا يزيده ذلك إلا بصيرة ، أو رجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو عليه ، أو رجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي ، قال : على ذلك ، فكتبا : ( أما بعد فإنه مهما غابت عنا من الأمور فلن يغيب عنا أن عليا قتل عثمان ، والدليل على ذلك مكان قتلنه منه ، وإنما نطلب بدمه حتى يدفعوا إلينا قتلته فنقتلهم بكتاب الله ، فإن دفعهم على إلينا كففنا عنه ، وجعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عليه عمر بن الخطاب ، وأما الخلافة فلسنا نطلبها ، فأعينونا على أمرنا هذا وانهضوا من ناحيتكم ، فإن أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد ، هاب على ما هو فيه ، قال : فكتب إليهما عبد الله بن عمر (1) : أما بعد فلعمري لقد أخطأتما موضع البصيرة ، وتناولتماها من مكان بعيد وما زاد الله من شاك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا ، وما أنتما والخلافة ؟ وأما أنت يا معاوية فطليق (2) ، وأما أنت يا عمرو فظنون (3) . ألا فكفا عني أنفسكما ، فليس لكما ولا لي نصير ، وكتب رجل من الأنصار مع كتاب عبد الله بن عمر :

---------------------------
(1) في الإمامة والسياسة ( 1 : 85 ) أن صاحب الكتاب هو المسور بن مخرمة .
(2) الطليق : واحد الطلقاء ، وهم ( اللين ) ؟ أطلقهم الرسول يوم الفتح ، انظر ص 29 ، وزاد في الإمامة والسياسة : ( وأبوك من الأحزاب ) .
(3) الظنون ، بالفتح : المتهم ومن لا يوثق به ، ومثله الظنين . ح : ( فظنين ) .

واقعة صفين _ 65 _

مـعـاوي إن الـحـق أبـلج iiواضـح      ولـيس  بـما ربـصت أنت ولا iiعمرو
نـصبت ابـن عـفان لـنا اليوم iiخدعة      كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر (1)
فـهـذا كـهـذاك الـبلا حـذو iiنـعله      سـواء  كـرقراق يـغر به السفر  (2)
رمـيتم عـليا بـالذي لا يـضره  (3)       وإن  عـظمت فـيه الـمكيدة iiوالـمكر
ومـا  ذنـبه أن نـال عـثمان iiمـعشر      أتـوه مـن الأحـياء يـجمعهم iiمـصر
فـصـار إلـيـه الـمـسلمون iiبـبيته      عـلانية  مـا كـان فـيها لـهم iiقـسر
فـبـايعه الـشـيخان ثــم iiتـحـملا      إلـى  الـعمرة الـعظمى وباطنها iiالغدر
فـكان الـذي قـد كـان مما iiاقتصاصه      رجـيع  فـيالله مـا أحدث الدهر  (4)
فـمـا  أنـتما والـنصر مـنا iiوأنـتما      بـعيثا حـروب ما يبوخ لها الجمر  (5)
ومـــا أنـتـما لـلـه در iiأبـيـكما      وذكـر  كـما الـشورى وقد فلج iiالفجر
  قال : وقال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : قام عدي بن حاتم إلى علي عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عندي رجلا من قومي لا يجاري به (6) ، وهو يريد أن يزور ابن عم له ، حابس بن سعد (7) الطائي ، بالشام ـ فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره ويكسر أهل
---------------------------
(1) يعني بالشيخين طلحة والزبير ، انظر ح ( 1 : 258 ) .
(2) يعني بالرقراق السراب ، ترقرق : تلألأ ، وجاء وذهب .
(3) ح : ( لا يضيره ) .
(4) اقتصاصه : روايته وحكايته ، والرجيع : المكرر المعاد من القول ، ح : ( مما اقتصاصه يطول ) .
(5) فما أنتما والنصر ، يجوز في نحو هذا التركيب الرفع على العطف ، والنصب على أنه مفعول معه انظر همع الهوامع ( 1 : 221 ) .
(6) ح : ( لا يوازي به رجل ) .
(7) حابس بن سعد ، قيل كانت له صحبة ، وقتل بصفين ، انظر تهذيب التهذيب ( 2 : 127 ) ، وقال ابن دريد في الاشتقاق 235 : ( كان علي طيئ الشام مع معاوية ، وقتل ، وكان عمر ولاه قضاء مصر ثم عزله ) ، ح : ( حابس بن سعيد ) محرف الشام .

واقعة صفين _ 66 _

  فقال له علي : نعم ، فمره بذلك ـ وكان اسم الرجل خفاف بن عبد الله ـ فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام ، وكان حابس سيد طيئ فحدث خفاف حابسا أنه شهد عثمان بالمدينة ، وسار مع علي إلى الكوفة ، وكان لخفاف لسان وهيئة وشعر ، فغدا حابس وخفاف إلى معاوية فقال حابس : هذا ابن عمي قدم الكوفة مع علي ، وشهد عثمان بالمدينة ، وهو ثقة ، فقال له معاوية : هات يا أخا طيئ ، حدثنا عن عثمان ، قال : حصره المكشوح ، وحكم فيه حكيم ، ووليه محمد وعمار (1) ، وتجرد في أمره ثلاثة نفر : عدي بن حاتم ، والأشتر النخعي ، وعمرو بن الحمق ؛ وجد في أمره رجلان ، طلحة والزبير (2) وأبرأ الناس منه علي . قال : ثم مه ؟ قال : ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش ، حتى ضلت النعل (3) وسقط الرداء ، ووطئ الشيخ ، ولم يذكر عثمان ولم يذكر له ، ثم تهيأ للمسير وخف معه المهاجرون والأنصار ، وكره القتال معه ثلاثة نفر : سعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة . فلم يستكره أحدا ، واستغنى بمن خف معه عمن ثقل . ثم سار حتى أتى جبل طيئ ، فأتاه منا جماعة كان ضاربا بهم الناس ، حتى إذا كان في بعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ، فسرح رجالا إلى الكوفة فأجابوا دعوته ، فسار إلى البصرة فهي في كفه (4) ، ثم قدم إلى الكوفة ، فحمل إليه الصبي ، ودبت (5) ، إليه العجوز ، وخرجت إليه العروس فرحا به ، وشوقا إليه ، فتركته وليس همه إلا الشام ) .

---------------------------
(1) انظر التنبيه الرابع من ص 54 .
(2) ح : ( حصره المكشوح والأشتر النخعي وعمرو بن الحمق ، وجد في أمره طلحة والزبير ) ، وفيه سقط كما ترى .
(3) ح : ( ضاعت النعل ) .
(4) ح : ( فإذا هي في كفه ) .
(5) في الأصل : ( دنت ) والوجه ما أثبت من ح ، والدبيب : المشى على هينة .

واقعة صفين _ 67 _

  فذعر معاوية من قوله ، وقال حابس : أيها الأمير لقد أسمعني شعرا غير به حالى في عثمان ، وعظم به عليا عندي ، قال معاوية : أسمعنيه يا خفاف ، فأسمعه قوله شعرا :
قـلت والـليل سـاقط iiالأكـناف      ولـجنبي  عـن الـفراش iiتجاف
أرقـب الـنجم مـائلا ومتى العم      ض بـعين طـويلة التذارف (1)
لـيت شـعري وإنـني لـسؤول      هـل  لـي الـيوم بالمدينة iiشاف
من صحاب النبي إذ عظم الخطب      وفـيـهم مــن الـبرية iiكـاف
أحــلال دم الإمــام iiبـذنـب      أم حــرام بـسنة الـوقاف  (2)
قـال  لـي القوم لا سبيل إلى iiما      تـطلب الـيوم قلت حسب خفاف
عـند قـوم لـيسوا بأوعية iiالعلم      ولا  أهــل صـحـة وعـفاف
قـلت لـما سـمعت قولا iiدعوني      إن  قـلبي مـن القلوب iiالضعاف
قد  مضى ما مضى ومر به الدهر‍      كـمـا مـر ذاهـب iiالأسـلاف
إنـني  والـذي يـحج له النا س      عـلى  لحق البطون العجاف  (3)
---------------------------
(1) مائلا ، أي إلى الغيب ، والغمض ، بالضم : النوم ، في الأصل : ( راقب الليل ) تحريف ، هذا والبيت والستة الأبيات التي بعده لم ترو في ح .
(2) الوقاف : المتأني الذي لا يعجل ، وفي حديث الحسن : ( إن المؤمن وقاف متأن ، وليس كحاطب الليل ) ، والوقاف أيضا : المحجم عن القتال .
(3) لحق البطون ، عني بها الإبل ، ولحق : جمع لاحق ولاحقة ، واللاحق : الضامر . وفي ح : ( لحق البطون عجاف ) .

واقعة صفين _ 68 _

تـتبارى مـثل الـقسى مـن iiالنب‍      ع بشعث مثل الرصاف نحاف  (1)
ارهـب  الـيوم ، إن أتـاك iiعلي      صيحة  مثل صيحة الأحقاف  (2)
إنــه  الـليث عـاديا iiوشـجاع      مـطرق نـافث بسم زعاف  (3)
فـارس الـخيل كـل يـوم iiنزال      ونـزال الـفتي مـن iiالإنـصاف
واضـع السيف فوق عاتقه iiالأي‍من      يـذرى  بـه شؤون القحاف  (4)
لا يـرى الـقتل في الخلاف iiعليه      ألـف ألـف كـانوا من iiالإسراف
ســوم الـخيل ثـم قـال لـقوم      تـابعوه إلـى الـطعان خـفاف ii:
اسـتعدوا لـحرب طـاغيه الـشا      فـلـبـوه كـالـبنين iiالـلـطاف
ثـم قـالوا أنت الجناح لك iiالري‍ش      الـقدامى ونـحن مـنه iiالـخوافى
أنــت وال وأنــت والـدنـار      ونـحـن  الـغـداة iiكـالأضياف
وقـرى  الـضيف في الديار iiقليل      قـد تـركنا العراق للإتحاف  (5)
---------------------------
(1) شبه الإبل بالقسى في تقوسها ، والشعث ، عنى بهم الحجاج الذين قد شعثت رؤوسهم أي تلبد شعرها واغبر ، والرصاف : العقبة التي تلوى فوق رعظ السهم إذا انكسر ، ورعظ السهم : مدخل سنخ النصل ، وفي ح : ( مثل السهام ) .
(2) الصيحة : العذاب والهلكة ، وقوم الأحقاف هم عاد قوم هود ، انظر الآيات 21 ـ 26 من سورة الأحقاف ، والأحقاف : رمل فيما بين عمان إلى حضر موت ، ح : ( إن أتاكم علي ، صبحة مثل صبحة ) ، والصبحة : المرة من صبح القوم شرا : جاءهم به صباحا .
(3) عاديا ، ينظر فيه إلى قوم عبد يغوث بن وقاص في المفضليات ( 1 : 156 ) : ) أنا الليث معدوا عليه وعاديا ) ، وعدا الليث : وثب ، وفي الأصل : ( غازيا ) وفي ح : ( غاديا ) ، والشجاع ، بالضم والكسر : الحية الذكر .
(4) يذرى : يطيح ويلقي ويطير ، والشؤون : مواصل قبائل الرأس ، ح : ( يفري به ) .
(5) الإتحاف : أن يتحفه بتحفة ، وهي ما تتحف به الرجل من البر واللطف ، في الأصل : ( للانحاف ) ، تحريف ، والبيت لم يرو في ح .

واقعة صفين _ 69 _

وهـم  ما هم إذا نشب iiالبأس      ذووالـفضل والأمور الكوافي
وانـظر اليوم قبل نادية القوم      بـسلم أردت أم بخلاف  (1)
إن هذا رأي الشفيق على الشا      م  ولـولاه ما خشيت iiمشاف
  فانكسر معاوية وقال : يا حابس ، إني لا أظن هذا إلا عينا لعلي ، أخرجه عنك لا يفسد أهل الشام ـ وكنى معاوية بقوله ـ ثم بعث إليه بعد فقال : يا خفاف ، أخبرني عن أمور الناس ، فأعاد عليه الحديث ، فعجب معاوية من عقله وحسن وصفه للامور ، آخر الجزء الأول من الأصل ، والحمد لله وصلواته على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وسلم ويتلوه الجزء الثاني .

---------------------------
(1) نادية القوم : دعوتهم ، وفي الحديث : ( فبينما هم كذلك إذ نودوا نادية ) ، في الأصل : ( نادبة ) بالباء الموحدة ، تحريف ، وفي ح : ( قبل بادرة القوم ) ، والبادرة : ما يبدر حين النضب من قول أو فعل ، ح : ( بسلم تهم ) .

واقعة صفين _ 70 _


   رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد ، رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري ، رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ، رواية أبي البركات عبد الواهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، سماع مظفر بن علي بن محمد المعروف بابن المعجم ـ غفر الله له .
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

   أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال أبو الفضل نصر بن مزاحم ، عن عطية بن غنى (1) ، عن زياد بن رسم قال : كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب خاصة ، وإلى سعد بن أبي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، دون كتابه إلى أهل المدينة ، فكان في كتابه إلي ابن عمر : أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلى أن يجتمع عليه الأمة (2) بعد قتل عثمان منك ، ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على أنصاره فتغيرت لك ، وقد هون ذلك علي خلافك على علي ، ومحا عنك بعض ما كان منك (3) فأعنا ـ رحمك الله ـ على حق هذا الخليفة المظلوم ، فإني لست أريد الإمارة عليك ، ولكني أريدها لك ، فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين ) .

---------------------------
(1) ح ( 1 : 259 ) : ( عطية بن غناء ) .
(2) ح : ( الناس ) .
(3) في الأصل : ( وجزني إليك بعض ما كانت منك ) ، وأثبت ما في ح .

واقعة صفين _ 71 _

   وكتب في أسفل كتابه :
ألا  قـل لعبد الله واخصص iiمحمدا      وفارسنا المأمون سعد بن مالك  (1)
ثـلاثة رهـط مـن صحاب iiمحمد      نجوم ومأوى للرجال الصعالك  (2)
ألا تـخـبرونا والـحوادث iiجـمة      ومـا الـناس إلا بـين ناج iiوهالك
أحـل  لـكم قـتل الإمـام iiبـذنبه      فـلستم  لأهـل الـجور أول iiتارك
وإلا  يـكـن ذنـبا أحـاط iiبـقتله      فـفي  تـركه والله إحـدى iiالمهالك
وإمـا  وقـفتم بـين حـق iiوباطل      تـوقف نـسوان إماء عوارك  (3)
ومـا  الـقول إلا نـصره أو iiقتاله      أمـانة  قـوم بـدلت غـير iiذلـك
فـإن تنصرونا تنصروا أهل iiحرمة      وفي خذلنا يا قوم جب الحوارك  (4)
  قال : فأجابه ابن عمر : ( أما بعد فإن الرأي الذي أطمعك في هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه ، أني تركت عليا في المهاجرين والأنصار ، وطلحة والزبير ، وعائشة أم المؤمنين ، واتبعتك (5) ، أما زعمك أني طعنت علي على فلعمري ما أنا كعلي في الإيمان والهجرة ، ومكانه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونكايته في المشركين .
---------------------------
(1) هو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ، واسمه سعد بن مالك بن أهيب ـ وقيل وهيب ـ بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري ، وهو أحد الستة أهل الشورى ، ولي الكوفة لعمر ، وهو الذي بناها ، ثم عزل ووليها لعثمان ، توفى سنة 55 ، الإصابة 3187 .
(2) الصعالك : جمع صعلوك ، وحذف الياء في مثله جائز ، والصعلوك : الفقير الذي لا مال له .
(3) العوارك : الحوائض من النساء ، جمع عارك .
(4) الحوارك : جمع حارك ، وهو أعلى الكاهل .
(5) ح : ( أترك ) مع إسقاط كلمة : ( أني ) قبلها ، وفي ح أيضا ( وأتبعك ) بدل : ( واتبعتك ) .

واقعة صفين _ 72 _

  ولكن حدث أمر لم يكن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى فيه عهد ، ففزعت فيه إلى الوقوف (1) ، وقلت : إن كان هدى ففضل تركته ، وإن كان ضلالة فشر نجوت منه ، فأغن عنا نفسك (2) ) ، ثم قال لابن أبي غزية : أجب الرجل ـ وكان أبوه ناسكا ، وكان أشعر قريش ـ فقال :
مـعاوي  لا تـرج الـذي لست iiنائلا      وحاول نصيرا غير سعد بن مالك  (3)
ولا  تـرج عـبد الله واتـرك iiمحمدا      فـفي مـا تـريد اليوم جب iiالحوارك
تـركنا  عـليا فـي صـحاب iiمحمد      وكـان لـما يـرجى لـه غير iiتارك
نـصير رسـول الله فـي كل iiموطن      وفـارسه الـمامون عـند iiالـمعارك
وقـد خـفت الأنـصار معه iiوعصبة      مـهاجرة  مـثل الليوث الشوابك  (4)
---------------------------
(1) ح : ( ولكن عهد إلى في هذا الأمر عهد ففرغت فيه الوقوف ) ، تحريف ونقص .
(2) أغن نفسك : اصرفها وكفها ، ومنه قول الله : ( لن يغنوا عنك من الله شيئا ) ، وفي الأصل : ( فأعزل عنا نفسك ) ، صوابه من ح .
(3) انظر ما مضى في الصفحة السابقة .
(4) أسد شابك : مشتبك الأنياب مختلفها ، والشابك أيضا من أسماء الأسد ، وفي الأصل : ( الشوائك ) تحريف .

واقعة صفين _ 73 _

وطـلحة يـدعو والـزبير iiوأمنا      فـقلنا لـها قـولي لنا ما بدا iiلك
حـذار أمـور شـبهت iiولـعلها      موانع في الأخطار إحدى iiالمهالك
وتـطمع فـينا يا ابن هند سفاهة      عليك بعليا حمير والسكاسك  (1)
وقـوم  يمانيون يعطوك iiنصرهم      بـصم العوالي والسيوف iiالبواتك
  قال : وكان من كتاب معاوية إلى سعد : ( أما بعد فإن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش ، الذين أثبتوا حقه واختاروه على غيره ، وقد نصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الأمر ، ونظيراك في الإسلام ، وخفت لذلك أم المؤمنين ، فلا تكرهن ما رضوا ، ولا تردن ما قبلوا ، فإنا نردها شورى بين المسلمين ) ، وقال شعرا :
يـا  سـعد قد أظهرت iiشكا      وشك المرء في الأحداث داء
عـلى أي الأمور وقفت iiحقا      يـرى  أو بـاطلا فله iiدواء
وقـد  قـال النبي وحد iiحدا      يـحل  به من الناس iiالدماء
ثـلاث : قاتل نفسا ، iiوزان      ومـرتد  مضى فيه iiالقضاء
فـإن  يـكن الإمام يلم iiمنها      بـواحدة  فـليس لـه iiولاء
---------------------------
(1) انظر ما سبق في ص 62 .

واقعة صفين _ 74 _

وإلا  فـالتي جـئتم حـرام  (1)       وقـاتـلـه وخـاذلـه iiســواء
وهــذا حـكـمه لا شـك فـيه      كـما أن الـسماء هـي iiالـسماء
وخـير  الـقول مـا أوجزت فيه      وفــي إكـثارك الـداء iiالـعياء
أبـا  عـمرو دعـوتك في رجال      فـجاز عـراقي الدلو الرشاء  (2)
فـأمـا إذ أبـيت فـليس iiبـيني      وبـينك حـرمة ، ذهـب iiالرجاء
سوى قولي ، إذا اجتمعت قريش :      عـلـى سـعد مـن الله iiالـعفاء
   فأجابه سعد : ( أما بعد فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من يحل له الخلافة من قريش ، فلم يكن أحد منا أحق بها (3) من صاحبه ( إلا ) باجتماعنا عليه ، غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يك فينا ما فيه ، وهذا أمر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره (4) ، فأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما ، والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت ) ، ثم أجابه في الشعر :
مـعاوي  داؤك الـداء iiالعياء      فـليس  لـما تـجئ به iiدواء
طـمعت اليوم في يا ابن iiهند      فـلا  تطمع فقد ذهب iiالرجاء
عـليك  اليوم ما أصبحت فيه      فما يكفيك من مثلي الإباء  (5)
---------------------------
(1) في الأصل : ( حراما ) .
(2) أراد انقطع الأمل ، وعراقي الدلو : جمع عرقوة ، قال الأصمعي : يقال للخشبتين اللتين تعترضان على الدلو كالصليب : العرقوتان ، وهي العراقي ، وفي الأصل : ( عوالي الدلو ) ولا وجه له ، وهذه القصيدة وسابقتها لم أجدهما في كتاب ابن أبي الحديد .
(3) في الأصل : ( به ) صوابه في ح ( 1 : 260 ) .
(4) ح : ( قد كرهت أوله وكرهت آخره ) .
(5) أي الذي يكفيك مني الإباء .

واقعة صفين _ 75 _

فـما الـدنيا بـباقية iiلـحي      ولا حـي لـه فـيها iiبـقاء
وكـل  سرورها فيها iiغرور      وكـل  مـتاعها فـيها iiهباء
أيـدعوني  أبـو حسن iiعلي      فـلم أردد عـليه بـما iiيشاء
وقلت له اعطني سيفا بصيرا      تـمر بـه الـعداوة iiوالولاء
فـإن الـشر أصـغره iiكبير      وإن الـظهر تـثقله الـدماء
أتـطمع  في الذي أعيا iiعليا      على  ما قد طمعت به iiالعفاء
لـيوم مـنه خـير منك iiحيا      ومـيتا ، أنـت للمرء iiالفداء
فـأما أمـر عـثمان فـدعه      فـإن الـرأي أذهـبه iiالبلاء
  وكان كتاب معاوية إلى محمد بن مسلمة : ( أما بعد فإني لم أكتب إليك وأنا أرجو متابعتك (1) ، ولكني أردت أن أذكرك النعمة التي خرجت منها والشك الذي صرت إليه ، إنك فارس الأنصار ، وعدة المهاجرين ، ادعيت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمرا لم تستطع إلا أن تمضي عليه ، فهذا نهاك عن قتال أهل الصلاة ، فهلا نهيت أهل الصلاة عن قتال بعضهم بعضا ، وقد كان عليك أن تكره لهم ما كره لك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو لم تر عثمان وأهل الدار من أهل الصلاة (2) ؟ فأما قومك فقد عصوا الله وخذلوا عثمان ، والله سائلك وسائلهم عن الذي كان ، يوم القيامة ) ، فكتب إليه محمد ( بن مسلمة ) : ( أما بعد فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من رسول ( الله صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل الذي في يدي .

---------------------------
(1) ح : ( مبايعتك ) .
(2) ح : ( أهل القبلة ) في المواضع الثلاثة .

واقعة صفين _ 76 _

  فقد أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما هو كائن قبل أن يكون ، فلما كان كسرت سيفي ، وجلست في بيتي (1) واتهمت الرأي على الدين ، إذ لم يصح لي معروف آمر به ، ولا منكر أنهى عنه ، وأما أنت فلعمري ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى ، فإن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا (2) ، فما أخرجني الله من نعمة ولا صيرني إلى شك ، إن كنت أبصرت خلاف ما تحبني به ومن قبلنا من المهاجرين والأنصار ، فنحن أولى بالصواب منك ) ، ثم دعا محمد بن مسلمة رجلا من الأنصار ، وكان فيمن يرى رأي محمد في الوقوف ، فقال : أجب يا مروان بجوابه فقد تركت الشعر ، فقال مروان ، لم يكن عند ابن عقبة الشعر (3) ، وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : ضربت الركبان إلى الشام بقتل عثمان ، فبينما معاوية ( يوما ) إذ أقبل رجل متلفف ، فكشف عن وجهه فقال : يا أمير المؤمنين ، أتعرفني ؟ قال : نعم ، أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة فأين تريد ؟ قال : إليك القربان (4) ، أنعى إليك ابن عفان ، ثم قال :

---------------------------
(1) يروى عن محمد بن مسلمة أنه قال : ( أعطاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيفا فقال : قاتل به المشركين ما قوتلوا ، فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضا فائت به أحدا فاضرب به حتى ينكسر ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية خاطئة ، انظر الإصابة 7800 .
(2) ح : ( فقد خذلته حيا ، والسلام ) وبذلك تنتهي هذه الرسالة في ح .
(3) يفهم من هذا أن اسم هذا الأنصاري مروان بن عقبة .
( 4 ) القربان ، بالضم والكسر : الدنو .

واقعة صفين _ 77 _

إن بـنـي عـمـك عـبد iiالـمطلب      هـم قـتلوا شـيخكم غـير iiالـكذب
وأنـت  أولـى الـناس بالوثب iiفثب      واغـضب مـعاوي لـلإله iiواحتسب
وسـر  بنا سير الجرئ المتلئب  (1)       وانهض بأهل الشام ترشد وتصب  (2)
  ثم اهزز الصعدة للشأس الكلب (3) يعني ( عليا ) ، فقال له : عندك مهز (4) ؟ قال : نعم ، ثم أقبل الحجاج بن الصمة على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين (5) ، إني كنت فيمن خرج مع يزيد بن أسد ( القسري ) مغيثا لعثمان ، فقدمنا أنا وزفر بن الحارث فلقينا رجلا زعم أنه ممن قتل عثمان ، فقتلناه ، وإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنك تقوي على علي بدون ما يقوي به عليك ، لأن معك قوما لا يقولون إذا قلت ، ولا يسألون إذا أمرت ، وإن مع علي قوما يقولون إذا قال ، ويسألون إذا أمر ؛ فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه ، واعلم أنه لا يرضى علي إلا بالرضا ، وإن رضاه سخطك ، ولست وعلي سواء (6) : لا يرضى علي بالعراق دون الشام ، ورضاك الشام دون العراق .

---------------------------
(1) قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 253 ) : ( المتلئب : المستقيم المطرد ) ، وفي اللسان أيضا : اتلأب : أقام صدره ورأسه ، وفي الأصل : ( الملتبب ) ولا وجه له .
(2) في الأصل : ( وجمع أهل الشام ) ، صوابه من ح .
(3) الصعدة ، بالفتح : القناة المستوية ، والشأس ، أصل معناه المكان الغليظ الخشن ، قال ابن أبي الحديد : ( ومن رواه : للشاسي ، بالياء فأصله الشاصي بالصاد ، وهو المرتفع ، يقال شصا السحاب إذا ارتفع ، فأبدل الصاد سينا ، ومراده هنا نسبة علي ( عليه السلام ) إلى التيه والرفع عن الناس ) ، قلت : قد أبعد ابن أبي الحديد في التخريج ، إنما يكون : ( الشاسي ) مخفف ( الشاسيء ) وهو من المقلوب ، وفي اللسان ( مادة شأس ) : ( ويقال مقلوبا : مكان شاسيء وجاسيء : غليظ ) .
(4) مهز : مصدر ميمي من الهز ، يقال هززت فلانا لخير فاهتز ، ح : ( أفيك مهز ) .
(5) زاد ابن أبي الحديد : ( ولم يخاطب معاوية بأمير المؤمنين قبلها ) أي قبل هذه الزيارة ، وهذه العبارة تعليق من ابن أبي الحديد ، وتقرأ بفتح الطاء من ( يخاطب ) وإلا فإن الحجاج خاطبه قبلها بأمير المؤمنين في أول الحديث ، وانظر ص 80 س 6 .
(6) كذا وردت العبارة في الأصل ، وح ، وهو وجه ضعيف في العربية ، إذ لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد توكيده بالضمير المنفصل ، أو وجود فاصل بين المتبوع والتابع .

واقعة صفين _ 78 _

  فضاق معاوية ( صدرا ) بما أتاه ، وندم على خذلانه عثمان (1) ، وقال معاوية حين أتاه قتل عثمان :
أتـانـي أمـر فـيه لـلنفس iiغـمة      وفـيـه  بـكـاء لـلعيون iiطـويل
وفـيـه  فـنـاء شـامل iiوخـزاية      وفـيـه اجـتداع لـلأنوف iiأصـيل
مـصاب  أمـير الـمؤمنين iiوهـدة      تـكاد  لـها صم الجبال تزول  (2)
فـلله  عـينا مـن رأي مـثل iiهالك      أصـيب  بـلا ذنـب وذاك iiجـليل
تـداعت  عـليه بـالمدينة iiعـصبة      فـريقان  مـنها قـاتل وخذول  (3)
دعـاهم  فـصموا عـنه عند iiجوابه      وذاكم  على ما في النفوس دليل  (4)
نـدمت على ما كان من تبعي iiالهوى      وقـصري فـيه حسرة وعويل  (5)
سـأنعى  أبـا عـمرو بـكل iiمثقف      وبيض لها في الدار عين صليل  (6)
تـركـتك لـلقوم الـذين هـم iiهـم      شـجـاك  فـماذا بـعد ذاك iiأقـول
فـلست  مـقيما مـا حـييت بـبلدة      أجــر بـها ذيـلي وأنـت iiقـتيل
---------------------------
(1) في الأصل : ( وهذه ) ، صوابها من ح .
(2) ح : ( على خذلان عثمان ) .
(3) ح : ( منهم قاتل ) .
(4) أي عند طلبه الجواب ، وفي ح : ( عند دعائه ) .
(5) يقال : قصرك أن تفعل كذا ، أي حسبك وكفايتك وغايتك ، كما تقول : قصارك وقصاراك ، الأولى بفتح القاف والأخريان بضمها .
(6) أبو عمرو : كنية عثمان بن عفان ، وفي رثائه تقول زوجه نائلة بنت الفرافصة : ح : ( سأبغي ) أي سأطلب ثاره ، والبيض ، بالكسر : السيوف ، جمع أبيض ، والدارع : لابس الدرع .

واقعة صفين _ 79 _

ومالي  لا  أبكي  وتبكي  iiقرابتي      وقد غيبوا عنا فضول أبي iiعمرو
فلا  نوم حتى تشجر الخيل iiبالقنا      ويشفى من القوم الغواة غليل  (1)
ونطحنهم  طحن  الرحى  iiبثفالها      وذاك  بما  أسدوا إليك قليل  (2)
فأما    التي   فيها   مودة   iiبيننا      فليس   إليها   ما   حييت  iiسبيل
سألقحها    حربا   عوانا   iiملحة      وإني  بها  من عامنا لكفيل  (3)
  نصر : وأفتخر الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بإمرة المؤمنين ، نصر : صالح بن صدقة ، عن إسماعيل بن زياد ، عن الشعبي ، أن عليا قدم من البصرة مستهل رجب الكوفة ، وأقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص ، قال : وفي حديث عثمان بن عبيد الله الجرجاني قال : بويع معاوية على الخلاف ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنة نبيه ، فأقبل مالك بن هبيرة الكندي ـ وهو يومئذ رجل من أهل الشام ـ فقام خطيبا وكان غائبا من البيعة ، فقال : ( يا أمير المؤمنين ، أخدجت هذا الملك (4) ، وأفسدت الناس ، وجعلت للسفهاء مقالا ، وقد علمت العرب أنا حي فعال ، ولسنا بحي مقال ، وإنا نأتي بعظيم فعالنا على قليل مقالنا ، فابسط وقال الزبرقان بن عبد الله السكوني :

---------------------------
(1) الشجر : الطعن بالرمح . وفي حديث الشراة : ( فشجرناهم بالرماح ، أي طعناهم بها حتى اشتبكت فيهم ) ، وعنى بالخيل الفرسان .
(2) الثفال ، بالكسر ، جلد يبسط تحت الرحى ليقي الطحين من التراب ، ولا تثفل الرحى إلا عند الطحن ، في الأصل : ( وأطحنهم ) وأثبت ما في ح ، وفي الأصل أيضا : ( بما أسدى إلي ) ، والوجه ما أثبت من ح .
(3) في الأصل : ( من عامها ) .
(4) الإخداج : النقص ، وفي الأصل : ( أخرجت ) بالراء ، تحريف ، يدك أبايعك على ما أحببنا وكرهنا ) ، فكان أول العرب بايع عليها مالك ابن هبيرة .