وكان يقول بعد ذلك : علي بن الحسين أعظم الناس عليَ منَة (1) ، ومنها : التصغير والتهوين : فحيثما كان الزهري وعروة بن الزبير ينالان من الإمام علي ( عليه السلام ) ، بلغ ذلك علي بن الحسين ( عليه السلام ) فجاء حتّى وقف عليهما ، وقال : أمّا أنت يا عروة ، فإنّ أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك .
  وأمّا أنت يا زهريّ ، فلو كنت بمكة لأريتك كيرَ أبيك (2) ، ومنها : التكذيب لتزلّفاته : ففي الحديث أن الزهريّ قال لعلي بن الحسين ( عليه السلام ) : كان معاوية يُسكته الحلم ، وينطقه العلم فقال الإمام ( عليه السلام ) : كذبتَ يا زهريّ ، كان يُسكته الحَصَر ، وينطقه البَطَر (3) ، ومنها : الرسالة التي وجّهها الإمام ( عليه السلام ) إليه : ويبدو أنّ الزهريَ لم يأبه بكلّ النصائح والتوجيهات السابقة ، فتوغّل في دوّامة الحكم الغاشم ، وإلتحق بالبلاط الشاميّ ، فلم يتركه الإمام ( عليه السلام ) ، بل أرسل إليه رسالة دامغة ، يصرّح فيها بكل أغراضه ، ويكشف له ، ولأمثاله ، أخطار الاتصال بالأجهزة الظالمة ، وقد رواها العامة والخاصة ، ونصّ الغزّالي على أنها كتبت إلى الزهري ( لما خالط السلطان ) (4) .

---------------------------
(1) تاريخ دمشق ( الحديث 125 ) ومختصره لإبن منظور ( 17 : 246 ) .
(2) شرح نهج البلاغة ( 4 : 102 ) ، ب (3) .
(3) الإعتصام ( 2 : 257 ) وانظر نزهة الناظر ( ص 43 ) وعن معاوية وكذب ما نسب إليه من صفة الحلم إقرأ ما نقل عن شريك لما ذكر عنده باحلم فقال : هل كان معاوية إلا معدن السفه ؟ ! والله لقد أتاه قتل أمير المؤمنين ـ وكان متكئاً فإستوى حالياً ثم قال : يا جارية غنيني با ليوم قرت عيني وأنشأت تقول :

ألا أبـلغ معاوية بن iiحرب      فـلا قرت عيون iiالشامتينا
أ في شهر الصيام فجعتمونا      بـخير الناس طرا iiأجمعينا
قتلتم خير من ركب iiالمطايا      وأفضلهم ومن ركب السفينا
  فرفع معاوية عموداً كان بين يديه فضرب رأسها ونثر دماغها أين كان خلمه ذلك اليوم ؟ ! نقل ذلك في الغدير ( 11 / 79 ) عن نسخة مخطوطة من محاظرات الراغب الأصبهاني لكنه لم يوجد في مطبوعة المحاظرات ! ! ! .
(4) إحياء علوم الدين ( 2 : 143 ) وانظر المحجة البيضاء في إحياء الإحياء ( 3 : 260 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 155 _

  ورواها من أعلامنا إبن شعبة ، ونعتمد نسخته هنا (1) قال : كتابه ( عليه السلام ) إلى محمّد بن مسلم الزُهْريّ ، يعظه :
  كفانا الله ، وإيّاك ، من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد أصبحتَ بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نِعمُ الله بما أصحّ من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حجج الله بما حمّلك من كتابه ، وفقّهك من دينه ، وعرّفك من سنّة نبيه محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرضي لك في كلّ نعمةٍ أنعم بها عليك ، وفي كلّ حُجّة احتجّ بها عليك الفرض بما قضى ، فما قضى إلاّ إبتلى شكرك في ذلك ، وأبدى فيه فضله عليك ، فقال : ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ، ( إبراهيم (14) الاَية (7) )فانظر : أيَ رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك : كيف رعيتها ? وعن حججه عليك : كيف قضيتها ? ولا تحسبنّ الله قابلاً منك بالتعذير ، ولا راضياً منك بالتقصير ، هيهات هيهات ليس كذلك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال : ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) ، ( آل عمران (3) الاَية (187) ) واعلم أنّ أدنى ما كتمتَ ، وأخفّ ما إحتملت أن آنست وحشة الظالم ، وسهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دُعيت ! ، فما أخوفني أن تبوء بإثمك غداً ، مع الخونة ، وأن تُسأل عمّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ماليس لك ممَن أعطاك ، ودنوت ممّن لم يردَ على أحدٍ حقّاً ، ولم تردَ باطلاً حين أدناك ، وأحببتَ مَنْ حادَ الله ! أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلّماً إلى ضلالتهم ، داعياً إلى غيّهم ، سالكاً سبيلهم ، يُدخلون بك الشكَ على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم ، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ، وإختلاف الخاصّة والعامّة إليهم ، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك في كَنَف ما خربّوا عليك ? فانظر لنفسك ، فإنّه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول ، وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً ? فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ) ، ( الأعراف (7) الاَية (169) ) ، إنّك لست في دار مقام ، أنت في دارٍ قد آذنتْ برحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه ? طوبى لمن كان في الدنيا على وجلٍ ، يا بؤس مَن يموت وتبقى ذنوبه من بعده ، إحذر فقد نُبّئتَ ، وبادر فقد اُجّلتَ ، إنّك تعامل مَن لا يجهل ، وإنّ الذي يحفظ عليك لا يغفل .
   تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداوِ دينك فقد دخله سقم شديد ، ولا تحسب أني أردتُ توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكنّي أردتُ أن ينعش الله ما فات من رأيك ، ويردّ إليك ما عزُب من دينك ، وذكرت قول الله تعالى في كتابه : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، ( الذاريات (51) الاَية (55) ) ، أغفلتَ ذكر مَن مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيتَ بعدهم كقَرن أعضب .

---------------------------
(1) تحف العقول ( ص 274 ) والمحجة البيضاء ( 3 : 260 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 156 _

  انظر: هل إبتلوا بمثل ما إبتليت به ? أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ? أم هل تراهم ذكرت خيراً أهملوه ? وعلمت شيئاً جهلوه ? بل : حظيت بما حلّ من حالك في صدور العامّة ، وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك ، إن أحللت أحلّوا ، وإن حرّمت حرّموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم في ما لديك ذهابُ علمائهم ، وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحبّ الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة ? وما الناس فيه من البلاء والفتنة ? قد ابتليتهم ، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم ممّا رأوا ، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغتَ ، أو يدركوا به مثل الذي أدركتَ ، فوقعوا منك في بحرٍ لا يدرك عمقه ، وفي بلاءٍ لا يقدّر قدره ، فالله لنا ولك ، وهو المستعان .
  أمّا بعد : فأعرض عن كلّ ما أنت فيه حتّى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقةً بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ، ولا يفتنون بها رغبوا ، فطلبوا ، فما لبثوا أن لحقوا ، فإن كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ ، مع كبر سنّك ، ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه ? الجاهل في علمه ? المأفون في رأيه ? المدخول في عقله ? إنّا لله وإنّا اليه راجعون ، على من المعوّل ? وعند مَن المستعتب ? نشكو إلى الله بثّنا ، وما نرى فيك، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك ، فانظر : كيف شكرك لمن غذَاك بنعمه صغيراً وكبيراً ? وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلاً ? وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً ? وكيف قربك أو بعدك ممّن أمرك أن تكون منه قريباً ذليلاً ? مالك لا تنتبه من نعستك ? وتستقيل من عثرتك ? فتقول : والله ما قمتُ لله مقاماً واحداً أحييتُ به له ديناً أو أَمَت له فيه باطلاً ? فهذا شكرك من استحملك ? ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : ( أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) ، ( مريم (19) الاَية (59) ) إستحملك كتابه ، واستودعك علمه ، فأضعتهما ، فنحمد الله الذي عافانا ممّا إبتلاك به ، والسلام (1) . .

---------------------------
(1) روى الرسالة في تحف العقول ( 274 ـ 277 ) ورواها الحائري في : بلاغة علي بن الحسين ( ص 122 ـ 126 )ورواها المقرم في : الإمام زين العابدين ( ص 4 ـ 159 ) ولاحظ إحياء علوم الدين للغزالي ( 2 : 143 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 157 _

  إنّ هذه الرسالة تدلّ على سياسة الإمام ( عليه السلام ) من جهتين :
فأولاً : محتواها يدلّ على انّ الإمام كان يراقب الأوضاع بدقّة فائقة ، فهو يضع النقاط على مواضعها من الحروف ، ولا تشذّ عنه صغار الأمور فضلاً عن كبارها ? ومثل هذا لا يصدر إلاّ ممّن لم ينعزل عن الحياة الاجتماعية ، ولم يزهد في السياسة .
وثانياً : إنّ إرسال مثل هذه الرسالة إلى الزهري ، وهو من أعيان علماء البلاط ، لابدّ أن لا تخفى عن أعين الحكّام ، أو على الأقل يحتمل أن يرفعها الزهري إلى أسياده من الحكّام وفي هذا من الخطورة على الإمام الذي أرسل الرسالة ما هو واضح وبيّن، وقد وصفهم فيها بالظلم والفساد ، ونهى ، وحذّر ، وحاول صرف الزهري عن اصطحابهم ، فالسياسة تطفح من جُمَل هذه الرسالة ، لكنّ الإمام ( عليه السلام ) في هذه المرحلة لا يأبه بكل الإحتمالات ، والأخطار المتوقّعة ، بل يصارح أعوان الظلمة بكلّ ما يجب إعلانه من الحقّ ، كما صارح الظالمين أنفسهم بالمواجهة ، والإستفزاز ، وقد وقفنا على شيءٍ من مواجهة الإمام ( عليه السلام ) للمتظاهرين بالزهد والصلاح ممن كان يميل باطناً إلى الدنيا ، ويحبّ الرئاسة والوجاهة ، وأوضح مصاديق ذلك : هم عُلماء البلاط ووعّاظ السلاطين الذين إرتبطوا بالولاة والحكّام ، ليستمتعوا باللذات من خلال الحضور معهم ، والتطفّل على موائدهم .

ثالثاً : موقفه من الحركات المسلّحة
  كان الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) يخطو نحو أهدافه بحذر تامٍ ، ووعي كامل ، لا يُثيرُ انتباه الحكّام والولاة المغرورين ، كي لا يقضوا على حركته وهي في المهد ، فهم ، بانهماكهم في ترفهم وإغترارهم بقدراتهم ، كانوا بعيدين عن الأجواء التي يصنعها الإمام ( عليه السلام ) ، فكانوا يعدّون مواقفه شخصيّة خاصة وفرديّة ، بل يستوحون منها الانصراف عن التصدّي لأيّ نشاط سياسيّ ، فلذلك لم يُظهر الإمام إنتماءٍ إلى أيّة حركة معارضة للدولة ، ولم يسمح لها أن تتصل بالإمام ، سواء الحركات المتحبّبة إليه ، كحركة التوّابين وحركة المختار ، أو الحركات المحايدة كحركة أهل الحرَة ، أم المعادية له كحركة ابن الزبير في مكّة والعراق ، لكن الاَثار تشير إلى أن الإمام ( عليه السلام ) لم يكن في معزل عن تلك الحركات ، سلباً أو إيجاباً ، حسب قربها أو بعدها عن الأهداف الأساسية التي كان الإمام وراء تحقيقها وتثبيتها ، فهو من جهة كان يركّز على خططه العميقة والواسعة ، بالشكل الذي يغرّر بالحكّام الأمويين بصحّة تصورّاتهم عن شغله وشخصه ، حتّى أعلنوا عنه أنّه ( الخير ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 158 _

  ولعلّ رجال الدولة كانوا في رغبة شديدة في الإحتفاظ بهذا التصوّر ، حتّى لا يتورّطوا مع آل أبي طالب بأكثر ممّا سبق ، وليتفرّغوا لغير الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ممّن أعلن الثورة والمعارضة لهم كابن الزبير ، فلذا نشروا هذا المعنى في عملية تحريف ، ليدفعوا مجموعة من الناس للمشي بسيرة الإمام ( عليه السلام ) ، وقد وقف كتّاب من مؤرخي عصرنا الحاضر على هذه الاَثار ، فأعلنوا : ( أنّ الإمام ( عليه السلام ) تبنّى مسلكاً ، يرفض فيه كلّ تحرك مناهض للسلطة ، ويبتعد عن كلّ نشاط معادٍ لها ) (1) ، مع أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) كان يهدف من خلال مواقفه حتّى العبادية والعلمية والشخصية منها إلى تثبيت مخططاته السياسية كما عرفنا في الفصول السابقة ، وكان مع ذلك يتعامل مع الحركات السياسية الأخرى بشكل مدروس ومدبّر ، حسب المواقع والظروف : فبالنسبة إلى حركة الحرّة : وجدنا الإمام ( عليه السلام ) قد أحرز أنها حركةً لم تنبع عن مبدأ يتّفق وضرورات الموقف الإسلاميّ الصحيح ، فلا القائمون بها كانوا من العارفين بحقّ الإمام ( عليه السلام ) ، ولا خططهم المعلنة كانت أساسية ، ولا أهدافهم كانت واضحة أو مدروسة ، وأهم ما كانت عليه خطورةَ الموقع الذي إختاروه للتحرّك ، وهو ( المدينة ) فقد عرّضوها للجيش الشامي الملحد ، ليدنّس كرامتها ويستهين بمقدّساتها ، وقد عرفنا أن الإمام ( عليه السلام ) إتخذ موقف المنجي للمدينة المنكوبة ولأهلها الذين إستباح حرماتهم الجيشُ الأمويّ ، ولم تكن حركة الحرّة تتبع أمر الإمام ( عليه السلام ) ولا قيادته بل ولا إشرافه ، بل كان الإمام ( عليه السلام ) يومها في فترة لملمة قواه وتهيئة وضعه ، والتأهّب لخطته المستقبلية ، كما سبق حديث عن ذلك كلّه في الفصل الأول (2) .
  وأما فتنة ابن الزبير : فمع أن ابن الزبير لم يكن بأولى من ابن مروان ، في الحكم والسيطرة ، وأن طموحاته المشبوهة كانت مرفوضة لدى أهل الحقّ ، وخاصّةً للعلويين وعلى رأسهم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، ومع ما كان عليه من الحقد والعداء لاَل عليّ ( عليه السلام ) (3) ذلك الذي بدأه في حياته بدفع أبيه في أتون حرب الجمل ، وقد حمّله الإمام الصادق ( عليه السلام ) ذلك الوزر في كلمته

---------------------------
(1) الإمام السجاد ( عليه السلام ) لحسين باقر ( ص 98 ) .
(2) لاحظ ( ص 65 ـ 72 ) من هذا الكتاب .
(3) فقد قال لإبن عباس : إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة مروج الذهب ( 3 : 84 و 89 ) وانظر تاريخ اليعقوبي ( 2 : 261 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 159 _

الشهيرة : ( ما زال الزُبير منّا أهل البيت حتّى أدرك فرخه فنهاه عن رأيه ) (1) ، وبدأ في عهد سطوته العداء لاَل محمد ( عليهم السلام ) بصورة مكشوفة لمّا هدّد مجموعة منهم بالإحراق عليهم في شعب أبي طالب بمكة (2) ، وبلغ به حقده أنْ منع الصلاة على النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قائلاً : ( إنّ له ( أهل سوء ) يشمخون باُنوفهم ) حسب تعبيره الوقح (3) ، وكان بحكم معرفته بموقعيّة الإمام السجاد ( عليه السلام ) يضع العيون على الإمام يراقبون تصرّفاته (4) ، وقد قتل أخوه مصعب الشيعة بالعراق ، حتّى النساء (5) ، فلذلك كان الإمام يظهر التخوّف من فتنته (6) ، ولعلّ من أوضح مبرّرات الإمام في تخوّفه من فتنة إبن الزبير أنّه إتّخذ مكّة موقعاً لحركته ، مما يؤدي عند إندحاره إلى أن يعتدي الأمويون على هذه البلدة المقدَسة الاَمنة ، وعلى حرمة البيت الحرام والكعبة الشريفة ? وقد حصل ذلك فعلاً ، مع أنَ علم الإمام ( عليه السلام ) بفشل حركته لضعفه وقلّة أنصاره بالنسبة إلى جيوش الدولة الجرّارة ، كان من أسباب إمتناع الإمام ومعه كل العلويين من الإعتراف بحركة ابن الزبير ، وهو كان يؤكّد على أخذ البيعة منهم لكسب الشرعية أولاً ، ولجرّهم معه إلى هاوية الفناء والدمار في ما لو إندحر ، وقد كان متوقّعاً ذلك ، فيقضي على آل محمد ( عليهم السلام ) فيكون قد وصل إلى أمنيته القديمة .

---------------------------
(1) أرسله الصدوق في الخصال ( ص 157 ) باب الثلاثة ح 199 .
(2) تاريخ اليعقوبي ( 2 : 261 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 118 ) وطبقات إبن سعد ( 5 : 100 ) ومروج الذهب ( 3 : 85 ) .
(3) تاريخ اليعقوبي ( 2 : 261 ) مروج الذهب ( 3 : 88 ) .
(4) شرح رسالة الحقوق ، لعبد الهادي المختار ( ص 102 ) .
(5) مروج الذهب ( 3 : 107 ) وتاريخ اليعقوبي ( 2 :264 ) .
(6) الكافي () التوحيد للصدوق ( ص 374 ) وشرح الأخبار ( 3 : 261 ) وبحار الأنوار ( 46 37 و 145 ) ، وحلية الأولياء ( 3 : 134 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 160 _

  إن الإمام ( عليه السلام ) بإظهاره التخوّف من فتنة إبن الزبير ، كان قد أحبط كلّ أهداف إبن الزبير وأمانيه الخبيثة تلك ، كما أنّ في هذا التصرّف تهدئةً لِوَغَرِ صدور الأمويين ضدّ آل محمّد ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، تمهيداً لتثبيت العقيدة وترسيخ قواعدها ، وبهذا حدّد الإمام ( عليه السلام ) موقفه من الحركات البعيدة عن خطّ الإمامة ، والتي لم تنتهج إتّباع الإسلام المحمّدي الخالص الذي يحمله أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهو لم يظهر تجاهها ما يستفيده الأمويون ، كما لم يؤيدها بحيث تكون ذريعة للأمويين على محاسبة الإمام ( عليه السلام ) ، ولا قام بما يعتبر وسيلة يتشبَث بها أولئك المتحرّكون غير الأصيلين في الفكر والعقيدة ، والمشبوهون في الأهداف والمنطلقات ، فإتّخذ الإمام من هذه الحركات موقف الحزم والحيطة ، فهي وإن لم تكن على المعلوم من الحقّ إلاّ أنها كانت معارضة للمعلوم من الباطل الحاكم ، ومؤديّة إلى تضعيفه وزعزعته ، وتحديد سطوته ، والإمام ( عليه السلام ) لا يهدف إلى مجرّد إحداث البلبلة ، وتعويض فاسد بفاسد ، أو نقل السلطة من إبن مروان ، إلى إبن الزبير ، أو إبن الأشعث ، أو غيرهم من المتصدّين للحكم بالباطل ، فتركهم الإمام ( عليه السلام ) يشتغل بعضهم ببعض حتّى ينكشف للأمة زيف دعواهم الإمامة والخلافة ، ويظهر للأمة أنهم جميعاً لا يطلبون إلاّ الحكم والسلطة ، دون صلاح الإسلام وإصلاح ما فسد من أمور المسلمين ، وأمّا موقفه من الحركات الاُخرى : فهي بفرض انّها قامت بشعارات حقّة . . كحركة التوّابين في عين الوردة ، وشعارهم ( يالثارات الحسين ) (1) وهم الذين تحالفوا على بذل نفوسهم وأموالهم في الطلب بثأر الحسين ( عليه السلام ) ومقاتلة قتلته وإقرارالحقّ مقرّه في رجل من آل بيت نبيّهم ( صلوات الله عليه وسلامه ) (2) .
  وكحركة المختار الذي كتب إلى الإمام علي بن الحسين السجاد ( عليه السلام ) يريده على أن يُبايع له ، ويقول بإمامته ، ويظهر دعوته ، وأنفذ إليه مالاً كثيراً (3) وتتَبع قتلة الحسين ( عليه السلام ) فقتلهم (4) ، ولكنّ الإمام ( عليه السلام ) كان حكيماً في تعامله مع المتحرّكين أولئك ، فلم يعلنْ عن إرتباطه المباشر بهم ، وكذلك لم يعلن عن رفض حركتهم ، مثلما واجه إبن الزبير ، بل أصدر بياناً عاماً ، يصلح لتبرير الحركات الصالحة ، من دون أن يترك آثاراً سيئة على الإمام ( عليه السلام ) : فقال لعمّه محمد بن الحنفية : ( يا عمّ ، لو أنّ عبداً

---------------------------
(1) أيام العرب في الإسلام ( ص 436 ) .
(2) الفخري في الاَداب السلطانية ( ص 104) .
(3) مروج الذهب ( 3 : 83 ) .
(4) مروج الذهب ( 3 :84 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 161 _

تعصّب لنا أهلَ البيت ، لوجب على الناس مؤازرته ، وقد ولَيتك هذا الأمر ، فاصنع ما شئت ) (1) ، إن تولية الإمام ( عليه السلام ) لعمّه في القيام بأمور الحركات الثوريّة تلك كان هو الطريق الأصلح ، حيث أن محمّد بن الحنفيّة لم يكن متّهماً من قبل الدولة بالمعارضة ، ولم يُعْرَف منه ما يشير إلى التصدي للإمامة لنفسه ، بينما الإمام ( عليه السلام ) كانت الدولة تتوجّس منه خيفةً بإعتباره صاحب الدم في كربلاء ، والمؤهّل للإمامة ، لعلمه وتقواه وشرفه ، ولم يخفَ على عيون الدولة أنّ جمعاً من الشيعة يعتقدون الإمامة له .
  وبذلك كان الإمام ( عليه السلام ) قد حافظ على وجوده من أذى الأمويين وإستمرّ على رسم خططه والتأكيد على منهجه لإحياء الدين وتهيئة الأرضيّة للحكم العادل ، وهو مع ذلك لم يقطع الدعم عن تلك الحركات التي إنتهجت الثأر لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، فلمّا أرسل المختار برؤوس قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى الإمام السجّاد ( عليه السلام ) ، خرّ الإمام ساجداً ، ودعا له ، وجزّاه خيراً (2) ، وقام أهل البيت كافّة بإظهار الفرح ، وترك الحداد والحزن، ممّا يدلّ على تعاطفهم عملياً ، وعلنيّاً مع المختار وحركته ، ولو نظرنا إلى هذا العمل ، نجده لا يُثير من الأمويين كثيراً من الشكوك تجاه الإمام ، إذ من الطبيعي أن يفرح الموتور بقتل ظالمه ، ويدعو لمن قتله وإنتقم منه وثأر لدماء الشهداء خصوصاً ، إذا إقترن مع رفض الإمام ( عليه السلام ) لقبول هدايا المختار المادّية (3) ، فإنّ ذلك يدلّ بوضوح على أن الإمام ( عليه السلام ) لا يريد التورّط سياسيّاً مع حركة بعيدة عنه جغرافيّاً ، ولم تلتق مع أهدافه البعيدة المدى حضارياً وتاريخيّاً ، ولا تعدو أن تكون فوزاً أو بُروزاً مقطعيّاً فقط .
  وأمّا ما ورد عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) من أحاديث في ذمّ المختار أو لعنه : فالذي يوجّهه أنّ الحكّام الظلمة عامّةً وبني أمية خاصّة إستعملوا أساليب التزوير والإتّهامات الباطلة ضدّ معارضيهم بغرض إسقاط المعارضة في نظر العامة .

---------------------------
(1) بحار الأنوار ( 45 : 365 )وانظر أصدق الأخبار للسيد الأمين ( ص 39 ) والمختار الثقفي لأحمد الدجيلي ( ص 39 ) .
(2) رجال الكشي ( ص 125 و 127 ) وشرح الأخبار ( 3 : 270 ) وتاريخ اليعقوبي ( 2 : 259 ) .
(3) مروج الذهب ( 3 : 83 ) ورجال الكشي ( ص 126 ) رقم ( 200 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 162 _

  قد إستهدفوا شخص المختار وأصحابه بأشكال من الإتهامات التي تعبُر على أذهان العوام ، مثل السحر والشعوذة ، كما إتّهموه بدعوى النبوّة ، والاُلوهية ، وما أشبه ذلك من الخرافات ، سعياً في إبطال مفعول حركته ، وإبعاد الناس عنه ، والتشويش على نداءاته وشعاراته بالطلب بثارات الحسين ( عليه السلام ) وتأسّفه على قتله ، وإعلانه عن هويَة القاتلين ، وحمايته لبني هاشم من الأذى ، ولقد تواترت أخبار البلاطيّين ، وإتّهامهم إيّاه على طريقة ( اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتّى يصدّقك الناس ) وقد ملئت الصحف والكتب والأخبار بتلك الأكاذيب ، حتّى صدّقها الناس فعلاً ! ! .
  وإذا كان المختار بتلك المنزلة التي أبداها الحكّام والنقلة والرواة والمؤرّخون ، وكان من أخبارهم الموحشة عنه ما ملأ مسامع الناس وأفكارهم : أنّه ساحر ، كذّاب على الله ورسوله ، مدّعٍ للنبوّة ، وما إلى ذلك من الترّهات والأكاذيب ، إذا كان المختار عند العامة بهذه المنزلة ، فهل يجوز للإمام ( عليه السلام ) أنْ يدافع علناً عن حركته ? أو أنْ يسكت إذا سُئِلَ عنه ? إنّ إظهار التعاطف معه ، ولو بأدنى شك ، كانت الدولة تستغلّه لضرب الإمام ( عليه السلام ) وتشويه سمعته عند العامة العمياء ، فلا نستبعد أن يكون الإمام ( عليه السلام ) قد أصدر ضدّ ما يعرفه الناس عن المختار ، ما يبرّى ساحة الإمام ( عليه السلام ) من الموافقة عليه ، أو السكوت عنه ، ففي الخبر : قام الإمام ( عليه السلام ) على باب الكعبة يلعن المختار ! فقال له رجل : يا أبا الحسين ، لِمَ تسبه ? وإنّما ذُبِحَ فيكم ? .
  قال الإمام ( عليه السلام ) : إنّه كان كذّاباً ، يكذب على الله ورسوله (1) فلو صحَ هذا الخبر ، فإنّ وقوف الإمام ( عليه السلام ) على باب الكعبة ، وإعلانه بهذا الشكل عن ذمّ المختار ولعنه ، لا يخلو من قصد أكثر من مجرّد اللعن حيث أنّ في ذلك دلالة واضحة على إرادة مجرّد الإعلان بذلك وتبيينه للناس ، وفي قول المعترض : ( ذُبِحَ فيكم ) الهدف السياسيّ من تلطيخ سمعة أهل البيت ( عليهم السلام ) وتوريطهم بما لطّخوا به سمعة المختار .

---------------------------
(1) مختصر تاريخ دمشق ، لإبن منظور ( 17 : 243 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 163 _

  إذ لا يصدر مثل هذا الإعتراض ، وهذا الإعلان، عن شخص غير مغرض في مثل ذلك الموقف ، ثمّ إنّ ما ورد من أمثال هذه الأحاديث ، المشتملة على ذمّ المختار من قبل أهل البيت ( عليهم السلام ) ورواتهم ، إنّما رواها رجال الدولة وكتّابهم ومؤرّخو البلاط ، مما يدّل على أن المستفيد الوحيد من ترويجها هم أولئك الذين يرتزقون من الإرتباط بالدولة ، هذا لو صحّت تلك الأحاديث والنقول ، وإلاّ ، فهل يشكّ أحد من دارسي التاريخ في أنّ المختار تحرّك بشعار الأخذ بثارات الحسين ( عليه السلام ) وقد وصفنه زوجتاه بعد قتله بأنّه ( رجل يقول ربّي الله ، كان صائم نهاره ، قائم ليله ، قد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قتلة إبن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهله وشيعته ، فأمكنه الله منهم حتّى شفى النفوس ) (1).
  وقتل معه سبعة آلاف رجل كلّهم طالبون بدم الحسين (2) ، أليس ما قام به المختار من أخذ الثار ، مكرمةً تدعو إلى السكوت عنه ، على الأقلّ ? ولقد ذكّر الإمام الباقر ( عليه السلام ) بمثل هذا في حديثه عن المختار لمّا دخل عليه أبو الحكم بن المختار ، فتناول يد الإمام ليقبّلها فمنعه ، ثم قال له : اصلحك الله ، إنّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا ، والقول والله قولك . . . ولا تأمرني بشي إلاّ قبلتُه ، فقال الإمام : سبحانَ الله أخبرني أبي ـ والله ـ أنّ مهر اُمّي كان ممّا بَعَثَ به المختار ، أوَلم يبْنِ دورنا ، وقَتَلَ قتلتنا ، وطلب بدمائنا ، فرحمه الله ، وأخبرني ـ والله ـ أبي : أنّه كان ليسمر عند فاطمة بنت عليّ يمهّدها الفراش ويُثْني لها الوسائد ، ومنها أصاب الحديث ، رحم اللهُ أباك ، رحم اللهُ أباك ، ما أصاب لنا حقّاً عند أحدٍ إلاّ طلبه . . . . (3)

---------------------------
(1) مروج الذهب ( 3 : 107 ) وانظر تاريخ اليعقوبي ( 2 :264 ) .
(2) مروج الذهب ( 3 : 107 ) .
(3) رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) ( ص 126 ) رقم ( 199 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 164 _

  وعلى حدّ قول ابن عباس لما طُلِبَ منه سبّ المختار : ذاك رجل قَتَلَ قتلتنا ، وطلب ثأرنا وشفى غليل صدورنا ، وليس جزاؤه منّا الشتم والشماتة (1) ، إنّ خروج الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) من أزمة الحركات المعارضة للدولة ، على إختلاف مواقفها تجاهَ الإمام ، من مُواليةٍ ، ومُحايدة ، ومُعاديةٍ ، وبالشكل الذي لا يترك أثراً سلبيّاً عليه ، ولا يحمّله مسؤوليّة ، ولا تستفيد الأطراف المتنازعة من موقعه كإمام ، وككبير أهل البيت ( عليه السلام ) ، ولا تتضرّر أهدافه وخططه التي رسمها لإحياء الدين ، إنّ الخروج من مثل هذا المأزق ، وبهذه الصورة ، عمل جبّار لابدّ أن يُعدّ من أخطر مواقف الإمام السياسيّة ، ويستحقّ دراسة معمّقة لمعرفة أسسه ، وأبعاده .
  وبعد : إنّ ما بذله الإمام السجّاد ( عليه السلام ) من جهود وجهاد في سبيل الله ، وما قام به من فرض الإمامة وواجب الولاية تجاه الدين والأمة ، مع إقتران المهمّة بظروف صعبة وحرجة للغاية ، حيث ملئت الأجواء بالرعب والردّة والإنحراف عن القيم والموازين والأعراف ، سواء الدينيّة ، ام الأخلاقية ، بل حتّى الإنسانية ! .
  إنّ ما بذله الإمام ( عليه السلام ) في سبيل القيام بالمهمة تمَ بأفضل ما يُتصوّر ، فقد رسم لمخططاته خطّة عمل ناجحة بحيث مهّد الأرضية لتجديد معالم التشيع ، ممثلاً لكلّ ما للإسلام من مجد وعدل وعلم وحكمة ، لَهُوَ عمل عظيم ، يدعو إلى الإعجاب والفخر والتمجيد ، ويجعل من الإمام ( عليه السلام ) في طليعة القوّاد السياسيّين الخالدين .

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ لابن الأثير ( 4 :278 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 165 _

  ولقد حقّ له ( عليه السلام ) أن يكلّل تلك الحياة العظيمة بالطمأنينة التي ملأت وجوده الشريف عندما حُضِرَ ، فأغمض عينيه حين الوفاة ، وفتحهما ليقول كلمته الأخيرة ، فيقرأ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) ، ( سورة الزمر (39) الاَية (74) ثم قبض من ساعته (1) ، فسَلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً .
  وكما كانت نَتائج الثورة الحسينيّة في كربلاء تتبلور في انتصار الإسلام بإستمرار شعائره وعدم تمكّن الأعداء من القضاء عليها ، بالرغم من إستشهاد الصفوة من خيرة المسلمين وعلى رأسهم الإمام أبو عبد الله الحسين السبط الشهيد ( عليه السلام ) وأهل بيته وشيعته ، فإنّ الظلمة لم يتمكنّوا من محو الإسلام ، بل بقيَ مستمرّاً ، ممثّلاً في أذانه وصلاته وكعبته وسائر أصوله وضروريّاته ، وقد أعلن الإمام السجّاد ( عليه السلام ) عن هذه الحقيقة ، وأبرزَ هذه النتيجة في ما أجاب به إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ، حين قدم علي بن الحسين ( عليه السلام ) وقد قتل الحسين ( صلوات الله عليه ) إستقبله إبراهيم وقال : يا عليّ بن الحسين ، مَنْ غَلَبَ ? ـ وهو مغط رأسَه وهو في المحمل ! ـ فقال له علي بن الحسين : إذا أردت انْ تعلم مَنْ غَلَبَ ، ودخل وقتُ الصلاة ، فأذنْ ثُمّ أقم (2) ، فإنّ الإمام ( عليه السلام ) جعل إستمرار الشعائر التي تُذكر فيها شهادةُ التوحيد والرسالة عَلَناً وعلى رؤوس الأشهاد دليلاً على إنتصار الحسين ( عليه السلام ) وغلبته ، وهذا من أعظم العِبَر لمن إعتبر ، فكذلك تبلورت نتائج مخططات الإمام السجّاد ( عليه السلام ) في إحياء التشيع من جديد ، والتمهيد لقيام أولاده الأئمة ( عليهم السلام ) بالحركات التجديدية المتتالية .

---------------------------
(1) الكافي ( 1 : 468 ) و ( 3 ـ 165 ) وانظر عوالم العلوم ( ص 299 ) .
(2) أمالي الطوسي ( ص 677 ) المجلس (37) الحديث 1432 ـ 11 . .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 166 _

الخاتمة

نتائج البحث
  وبعد هذا التجوال الذي قمنا به خلال مصادر حياة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، وأعماله وأفكاره ، وأدعيته وأحاديثه ، تمكّنا من جمع شتات المؤشّرات إلى الأبعاد السياسيّة في حياة الإمام ( عليه السلام ) ، وبعد فرزنا لها في فصول الكتاب ، علمنا : أنّ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قد قام بأعمال سياسية كبيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرّع الدين ، وإذا لاحظنا صعوبة المهمة التي قام بها في الظروف الحرجة والخطيرة التي عايشها ، وعلى طول المدّة حتّى وفاته ( عليه السلام ) ، عرفنا عظمة تلك الجهود التي بذلها في خصوص هذا المجال وحده ، وهو ( عليه السلام ) وإن لم يمدّ يداً إلى السلاح الحديديّ إلاّ أنّه إلتزم النضال بكلّ الأسلحة الأخرى التي لا تقلّ أهميّة وخطورة عن السلاح الحديدي ، فشَهَرَ سلاحَ اللسان بالخطب والمواعظ ، وسلاحَ العلم بالتثقيف والإرشاد ، وسلاحَ الأخلاق بالتربية والتوجيه ، وسلاحَ الإقتصاد بالإعانات والإنفاق ، وسلاحَ العدالة بالإعتاق ، وسلاحَ الحضارة بالعرفان ، حتّى وقف سدّاً منيعاً في وجه أخطر عمليّة تحريف تهدف إبادة الإسلام من جذوره ، في الحكم الأمويّ الجاهليّ .
  وبقيت الخطوط الاُخرى لسياسة الإمام ( عليه السلام ) غير معلنة ولا واضحة ، أو غير مشروحة ، حتّى عصرنا الحاضر ، فلذلك وقع كثير من كتّاب العصر في وَهْمٍ فظيع ، تجاه الموقف السياسي للإمام ( عليه السلام ) حتّى نُسبت إليه تهمة الإنعزال عن السياسة ، بل ممالأة الظالمين ، مما لا يقبله أيّ شريف فضلاً عمّن يعتقد في زين العابدين ( عليه السلام ) أنّه إمام منصوب من قبل الله تعالى ، ليلي أمور المؤمنين إنّ الإمام ( عليه السلام ) كان مسؤولاً ومن خلال منصبه الإلهي عن كلّ ما يجري في العالم الإسلاميّ ، وقد أنجز الإمام ( عليه السلام ) بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قياديّ ، وبكل سريّة وذكاء ، فشنّ على الطغاة الحاكمين ، وأمثالهم من الطامعين ، حرباً شعواء ، لكنها باردة صامتةً بيضاء في البداية ، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية ، ولم ينقض القرنُ الأوّل، إلاّ أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) تبدو على الساحة ، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم طال مائة عام من الإنحراف والظلم والتعديّ على

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 167 _

الإسلام بمصادره :
أ ـ القرآن الذي منع تفسيرُه وتأويله من المصادر الموثوقة .
ب ـ والحديث الذي منع تدوينهُ ونشُره ، واُحرق كثير منه .
ج ـ ورجاله الذين نفوا ، واُخرجوا من ديارهم ، أو قتّلوا تقتيلاً .
د ـ ومكارمه وأخلاقه وفقهه وتراثه الذي طالته أيدي التزوير والدسّ والتحريف ، فشوّهت سمعته ، وسُوّد وجه تاريخه .
  لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة ، تمكّن من الوقوف امام كل هذه التحدّيات الرهيبة ، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة ، ولم تنقض فترة على وفاة الإمام ( عليه السلام ) حتّى بدأ العدّ التنازليّ للحكم الجاهلي ، وبدأ الحكّام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم ، وتعنّتهم ، ولم تطل دولتهم بعيداً ، إلاّ انمحت آثارها حتّى من عاصمتهم دمشق الشام ، وأما أهداف الإمام السجاد ( عليه السلام ) فقد تولاّها بعده إبنه الإمام الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) ، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، فإستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة ، وتمكَنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإماميّ بأفضل ما بإمكانهما ، فكوّنا أكبر جامعة علميّة إسلاميّة ، تربّى فيها آلاف من العلماء المبلّغين للإسلام بعد استيعاب معارفه ، على أيدي الإمامين العظيمين ، وقد تمكّن الإمامان من رفع الغشاوة عن كثير من الحقائق المطموسة تحت أَكداس من غبار التهم والتشويه والتحريف في شؤون الإسلام ، عامَةً ، وفي ما يرتبط بحقّ أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الإمامة والحكم ، خاصةً ، وعندما نرى تصدّي الحكّام من أمويّين وعباسيّين للإمامَيْن الباقر والصادق ( عليهما السلام ) ومَنْ كان على خطّهما ، نجد أنّ ما قاما به يعدّ فتحاً عظيماً في المعيار السياسيّ ، وإنجازاً في قاموس الحركات الإجتماعية ، خاصة في تلك العصور المظلمة .
  لقد قام الإمامان الباقر والصادق ( عليهما السلام ) بتهيئة الكوادر الكفوءة ، وتعميق الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي ، وتسليح الأمّة بالعلم ، وتثبيت قواعد العقيدة والإيمان ، لتكوين جيش عقائديّ منيع ، لصدّ التيّارات الإلحادية المبثوثة بين الأمّة ، والقضاء على الطلائع الملحدة المبعوثة من قبل الحكّام مثل علماء البلاط ووعّاظ السلاطين .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 168 _

  وبكل ذلك تمّيزت الاَيدولوجيّة الإسلامية المتكاملة ، وعلى مذهب الشيعة ، المأخوذة من ينابيع الحقّ والصدق ، أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والمعتمدة على أصفى المصادر الحقّة : القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة الموثوقة ، والمتّخذة من العقل الراجح مناراً لتمييز الحقّ ، على أساس من التقوى والورع والإجتهاد ، والإيمان ، فكان هذا العمل تحدّياً معلناً ضدّ الحكومات الفاسدة التي كانت تروّج للتيارات العقائدية الملحدة ، والخارجة عن إطار العقائد الإسلامية ، وتدعو إلى حياة التفسّخ ، والترف ، واللهو ، والفساد (1) ، كما إستفاد ابنه العظيم زيد الشهيد ( عليه السلام ) من الأرضيّة التي مهّدها الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) للثورة ، فكان عمله دعماً لموقف الإمامين ( عليهما السلام ) في تنفيذ خطط الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وإستثمار جهوده ، والإستمرار بأهدافه (2) .
  إنّ تلك التدابير ، التي إتّبعها الإمام السجّاد وإبناه الإمام الباقر وزيد الشهيد ، وحفيده الإمام الصادق ( عليهم السلام ) ، وشيعتهم المجاهدون على خطّهم ، وتلك المواقف الجريئة التي اتخذوها من الحكّام الظالمين والحكومات الفاسدة ، من أجل العقيدة ، لا ولن تصدر ممن يركن إلى الدعة والراحة ، أو أذهلته المصائب والفجائع ، بل ، إنّ ما قاموا به يعدّ في العرف السياسي ، أهمّ من حمل السلاح في مثل تلك المرحلة بالذات .

---------------------------
(1) إقرأ كتاب ( الأغاني ) للوقوف على جانب منقول من هذه الحياة العابثة التي عاشها الخلفاء ولاحظ : ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين للندويّ .
(2) إقرأ عن زيد الشهيد بحار الأنوار ( 46 : 168 ـ 209 ) وعوالم العلوم الجزء (18) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 169 _

  وأما مجموع ما أنتجته تلك الجهود والتدابير ، فهو أكبر مما تؤثّره البسالة والبطولة في ميادين الحروب ، وهو عمل لا يقوم به إلاّ أصحاب الرسالات من العلماء بالله الذين يفوق مدادهم فضلاً وأثراً من دماء الشهداء ، وإن مَنْ يعرف أوّليات النضال السياسيّ ، وبديهيّات التحرّك الإجتماعيّ ، وخصوصاً عند المعارضة ، ليدرك أنّ سيرة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) السياسيّة التي عرضناها في فصول هذا الكتاب ، هي مشاعل تنير الدرب للسائرين على طريق الجهاد الشائك ، ممن يلتقي مع الإمام ( عليه السلام ) في تخليد الأهداف الإلهيّة السامية ، وأيّ مناضلٍ يعرض عن كلّ هذه الجهود ، ولا يعدّها ( جهاداً سياسيّاً ) ? .
  والغريب ، أنّ أصحاب دعوى النضال والحركة ، في هذا العصر وفيهم من اتّهم الإمام بالإنعزال السياسيّ يتبجّحون بإسم النضال والمعارضة السياسية ، لمجرد إصدار بيان ، أو إعلان رفضٍ ، ولو من بُعد أميال عن مواقع الخطر ، ومواقف المواجهة ثمّ هم لا يعتبرون تلك التصريحات الخطيرة ، وتلك المواجهات والمواقف الحاسمة ، التي قام بها الإمام ( عليه السلام ) ، نضالاً سياسياً ? وهم ، يقيمون الدنيا ، لو وقعت خدشة في إصبع لهم ، ويعتزّون بقطرة دم تراق منهم ، بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي اُثخن به الإمام ( عليه السلام ) في كربلاء ، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة ، قيمةً وأثراً ? مع أن الاَلام التي تحمّلها الإمام ( عليه السلام ) في جهاده ، ومن خلال جهوده العظيمة ، والأخطار التي إقتحمها في سبيل إنجاح مخططه ، أكثر ألماً ، وأعمق أثراً ، من جرح ظاهر يلتئم ، وقرح يندمل لكن الإمام السجّاد زين العابدين ( عليه السلام ) ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختصّ به كإمامٍ للأمّة ، فتحمَل آلام الجهاد وجروحه ، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها إنفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة ، كألمع قائد إلهيّ في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها ، وأكثر الهجمات ضراوةً ، وأكثر الحكومات حقداً وبعداً عن الإسلام ، وبإسم الخلافة الإسلامية ، وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقّها ، وبأبهر النتائج وأخلدها .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 170 _

  وأما نحن الشيعة في الوقت الحاضر: فإنَا نواجه اليوم حملة شرسة من أعداء المذهب ، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام ، يشبه وضع التشيّع في هذا العصر في كثير من الجهات ما كان عليه في القرن الأول، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلةً ، فاليأس والقنوط يعمَان الجميع ، حتّى العاملين في حقل الحركات الإسلامية ، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب ، والإرتداد ، المتمّثل بإبتعاد عامة الناس عن خطّ الإمامة والولاية ، وفي ظروف غيبة الإمام ( عليه السلام ) ، التي معها تزداد الحَيْرة وتتأكّد الشبهة ، وتعدد الاتجاهات والاَراء والأهواء ، التي إقتطعت أشلاء الاُمّة ، وفرَقتها أيدي سبأ ، والحكومات الجائرة ، بما تمتلك من أجهزة القمع ، وأساليب الفتك والهتك ، والسجن والقتل ، وبأحدث أساليب التعذيب ، خصوصاً تلك الحاملة لسيوف التكفير ومشانق الإتهام بالردة ، وبدعوى شعارات إسلامية مزيَفة ، والغختراق الثقافيّ الهدَام ، لصفوف الاُمَة الإسلامية وعقولها ، وبوسائل الإعلام الحديثة ، المقروءة والمسموعة والمرئيّة ، وبإستخدام الأثير والأشعة والأقمار الصناعية والغزو الفكري المخلخل للوجود الدينيّ من الداخل ، بالأفكار والشبهات المضلّلة ، والحملات الكاذبة ، الطائشة ضدّ المقدّسات الإسلامية ، التي تروّجها الدول الإستعمارية الحاقدة ، ويزمر لها الحكّام العملاء في البلدان الإسلامية ، والتصرّفات العشوائية المشبوهة التي يقوم بها الضالون من رجال الدين ، والبلاطيون من وعّاظ السلاطين ، والمتزلّفون إلى المناصب والأموال والفخفخة والعيش الرغيد في القصور ، والمتطفّلون على الموائد وفي السهرات ، والمُتّكِؤون على أرائك الحكم وأسرّة الإدارة ، والراكنون إلى الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي ، وحكموا الناس بالجور .
  وأصحاب الدعاوى الزائفة بالإجتهاد والمرجعيّة ، مع فقدان أوليات المعارف اللازمة ، والفراغ من الإلتزام الصحيح باُصول العقيدة ، والإنتماء المذهبي ، وإنّما بالركون إلى الحزبيّة الضيّقة ، وبدعوى الإنطلاق لمسايرة الجيل المتطلّع وإدعاء مصادمة الواقع بالفتاوى التي لا أساس لها في الفقه ومصادره ، وبالأفكار المخالفة لضرورات الدين والمذهب ، بإسم التجديد ، والتوعية ، والتوحيد ، والتأليف وغير ذلك من العناوين العصريّة الغارّة لأفكار الشباب وبالأموال التي توزّع بأرقام كبيرة ، من مصادر مجهولة أو معلومة ! ! .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 171 _

  إنّ كلّ هذه الحقائق الجارية في عصرنا ، تمثّل بالضبط الفصول التي عاصرها الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لكن بشكلها العصري .
  لكنّ الحقّ الناصعَ وهو ( الإسلام ) المتأصل في قلوب المؤمنين ، يتجلّى أكثر ممّا مضى بفضل الثقافة الواسعة حول المعارف الإسلامية ، وظهور حقائق القرآن والسنّة ، وفضل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ذلك الذي لم يَعُد اليوم مكتوماً ولا ممنوعاً .
  وأساليب عمل الإمام السجّاد ( عليه السلام ) وجهاده وتعاليمه السياسيّة والاجتماعيّة ماثلة أمام مَنْ يطلب الحقّ ، فعلى كل مَن يُريد النضال والحركة في سبيل الله ، أنْ يقتديَ بإمامه ، ويجعل عمله مشعلاً يهتدي بنور إرشاده ، ويسير على منهجه في النضال والتحرك السياسيّ والاجتماعيّ ، فيكون على بصيرة من أمر دينه ، ويصل إلى أفضل النتائج المتوخّاة في أمر دنياه .
والله المستعان ، والْحَمْدُ لله رَبَ الْعَالَمِينَ ، وصلى الله على رسوله المصطفى الأمين وآله الطاهرين .
الملاحق
الملحق الأوّل : رسالة الحقوق .
الملحق الثاني : من تقاريظ الكتاب نثراً ونظماً .
الملحق الثالث : تقرير موجز عن المباراة الكتابية عن الإمام السجّاد ( عليه السلام ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 172 _

الملحق( 1 ) :
  رسالة الحقوق عن الإمام السجّاد برواية أبي حمزة الُثمالي :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  توثيق الرسالة : إتّفقت المصادر الحديثيّة ـ كافةً ـ على نسبة هذا الكتاب إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، برواية أبي حمزة الُثمالي ثابت بن دينار الشهير بإبن أبي صفيّة الأزدي الكوفي ( رحمه الله) صاحب الدعاء المشهور بإسمه الذي يُتلى في أسحار شهر رمضان المبارك ، وقد توفّي عام ( 150 ) لقي من الأئمة السجّاد والباقر والصادق والكاظم : ( عليهم السلام ) ، قال النجاشي : كان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث ، وروى عنه العامّة (1) ، وقد نسبه إليه النجاشي بإسم ( رسالة الحقوق ) عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، ثم أسند روايتها إليه (2) ، لكن المنقول عن الكليني أنّه أوردها في ما جمعه بإسم ( رسائل الأئمة ) مما يدلّ على كون لكتاب ( رسالةً ) بعثها الإمام ( عليه السلام ) إلى بعض أصحابه (3) ، وبهذا جاء التصريح في بعض أسانيد الرسالة (4) ، ولعلّ المرسل إليه هو أبو حمزة نفسه وبذلك يوجّه إختصاص روايتها به ، وإنتهاء الأسانيد كلّها إليه .

---------------------------
(1) رجال النجاشي ( ص 115 ) رقم 296 ، لكنّهم إنهالوا عليه قدحاً وجرحاً ، وبما أنّا لم نجد في ما رُوي عنه وبطريقه ما يقتضي ذمّه ، فضلاً عن جرحه ، نعرف أنّه لا سبب لموقفهم منه إلا التعصّب المذهبي والطائفية البغيضة ، وإلاّ فالرجل كما وصفه النجاشيّ وغيره : من علماء الرجال الإماميّة ، وقد حرم العامّة أنفسهم من معارف أهل البيت ، بمثل هذه المواقف الظالمة .
(2) المصدر ( ص 116) .
(3) نقله في مستدرك الوسائل ( 691 : 11 ) عن فلاح السائل لإبن طاوس ، وسيأتي .
(4) الخصال ( ص 564 ) رقم (1) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 173 _

مصادر الرسالة :
  تعدّدت مصادر هذه الرسالة : فأوردها من القدماء الشيخ الصدوق في العديد من كتبه : أعظمها كتاب من لا يحضره الفقيه ، الذي هو من الاُصول الحديثية الأربعة ، وأوردها في الخصال ، والأمالي ، والشيخ الصدوق أسْنَدَ رواية الكتاب إلى أبي حمزة الثمالي في الخصال والأمالي ، إلاّ أنّه حذف الإسناد في الفقيه ، على دأبه فيه حيث أ نّه يحذف الأسانيد ويُحيل على المشيخة التي أعدّها لذكرها ، فلا يعدّ الحديث ـ في هذا الفرض ـ مرسلاً ، وقد أورد أسانيده إلى أبي حمزة الثمالي في المشيخة وقال : وطرقي إليه كثيرة ولكنني إقتصرت على طريق واحد منها(1) .
  وأما الكليني : فالمنقول عن إبن طاوس في فلاح السائل قوله : ( رُوّينا بإسنادنا في كتاب ( الرسائل ) عن محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده إلى مولانا زين العابدين ( عليه السلام ) (2) يدلّ على كون الحديث مسنَداً عند الكليني ، إلا إنّ كتاب ( الرسائل ) مفقود ، وإبن طاوس نقل عنه هكذا بِحذف الإسناد ، ومن المحتمل قويّاً أن يكون الكليني قد رواه عن شيخه علي بن إبراهيم ، الذي يروي الرسالة كما في سند النجاشي ، كما سيأتي ، وقد أورد إبن شعبة الحرّاني الحسن بن علي بن الحسين أبو محمد هذه ( الرسالة ) في كتابه العظيم ( تحف العقول عن آل الرسول ) هي مرسلة شأن كلّ ما في الكتاب ، إلا أن من المطمأَنّ به كون رواياته في الأصل مسندة ، لأمرين .
الأول : لقوله في مقدّمة الكتاب : وأسقطتُ الأسانيد ، تخفيفاً وإيجازاً ، وإن كان أكثره لي سماعاً ، ولأنّ أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها (3) ، فقد حذف الأسانيد تخفيفاً ، وهذا أمر متداول عند المؤلّفين ، بعد عصر التدوين ، لثبوت الأسانيد في مواضعها من الأصول المنقول منها ، وإن كانت المحافظة على الأسانيد وإثباتها أحوط ، لما يتعرّض له التراث من الاَفات ، وكذلك حذَفَ الأسانيد ، لأنَ الحاجة إليها إنّما هي ماسّة في باب الأحكام ومسائل الشريعة ، وأمّا الاَداب والحكم فلا تكون الأحاديث فيها إلاّ مرشدةً إلى ما يقتضيه العقل والحكمة والتدبير ، والمضامين تشهد بصحة الأحاديث من دون تأثير الأسانيد في ذلك ، فأحاديث الكتاب وإن كانت على ظاهر الإرسال إلاّ أنّها مسندة واقعاً .

---------------------------
(1) مشيخة الفقيه ( ص 36 ) من المطبوع مع الفقيه ، الجزء الرابع .
(2) لاحظ مستدرك الوسائل ( 691 :11 ) .
(3) تحف العقول( ص 3 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 174 _

الثاني : إنّ أحاديث الكتاب مرويّة بأسانيدها في المصادر المتقدّمة ، ولا يرتاب الناظر إلى كتاب ( تحف العقول ) في كون مؤلّفه على جانب كبير من العلم والمعرفة بالحديث وشؤونه ، مما يربأ به من إثبات ما لا سند له في كتابه مع تصريحه بنسبة ما أثبته إلى الأئمة ( عليهم السلام ) ، ومن المعلوم أنّ النسبة لا يمكن الجزم بها إلاّ مع ثبوت الأسانيد ، وفي خصوص رواية ( رسالة الحقوق ) فإنّ ما أثبته من النصّ موافق لما نقله ابن طاوس عن ( رسائل ) الكليني (1)وقد عرفت كون روايته مسندةً ، وسمّاها إبن شعبة ( رسالة الحقوق ) (2) وهو الإسم الذي ذكره النجاشي لها ، عندما أسند إليها ، كما مرّ .
مجموعة الأسانيد :
1 ـ سند الصدوق في الخصال : قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى رحمه الله ، قال : حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، قال : حدّثنا خيران بن داهر ، قال : حدّثني أحمد بن علي بن سليمان الجبلي ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي حمزة الُثمالي ، قال : هذه رسالة علي بن الحسين ( عليه السلام ) إلى بعض أصحابه (3) .
2 ـ سند الصدوق في الأمالي : قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى ، قال حدّثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسديّ ، قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: قال :(4) .
3 ـ سند النجاشي : قال : أخبرنا أحمد بن علي ، قال : حدّثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) (5) ـ أما سند الصدوق في ( الفقيه ) : فقد ذكر في موضع الحديث ما

---------------------------
(1) لاحظ مستدرك الوسائل ( 11 :169 ) .
(2) تحف العقول ( ص 255 ) .
(3) الخصال ( ص 564 ) رقم (1) .
(4) الأمالي للصدوق ( ص 302 ) وهو تمام المجلس (59) في ربيع الاَخر سنة (368) .
(5) رجال النجاشي ( ص 116 ) رقم (296) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 175 _

نصّه :روى إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار ، عن سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام) قال (1) .
  ممّا يدلّ على كون سنده إليه هو سند الأمالي المنتهي إلى إسماعيل بن الفضل ، لكنه قال في المشيخة : ( وما كان فيه : عن أبي حمزة الُثمالي ، فقد رويته عن أبي رحمه الله ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، ثابت بن دينار الثمالي (2) ، وهذا السند يختلف عن أسانيد الصدوق السابقة ، فيظهر الإختلاف بين ما أثبته في الكتاب ، وبين السند المثبت في المشيخة .
  ولو كان إرجاع الصدوق في المشيخة على طريقه إلى ( إسماعيل بن الفضل ) وهو الهاشمي ، فقد قال : رويته عن جعفر بن محمد بن مسرور ( رحمه الله) عن الحسين بن محمد ابن عامر ، عن عمّه عبد الله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن محمد ، عن الفضل بن إسماعيل بن الفضل ، عن أبيه إسماعيل بن الفضل الهاشمي (3) ، وهذا السند لا يجتمع مع أسانيده السابقة في شيء ، فالأمر كما قلنا مرتبك ، إلا أنْ يتدارك بما أفاده بقوله : ( وطرقي إليه كثيرة ولكنني إقتصرت على طريق واحد منها )(4) وجعل ذلك دالاً على إلتزامه بنظرية ( التعويض ) بين الأسانيد ، وقد صرّح المجلسيّ الأوّل المولى محمد تقي في قول الصدوق في الفقيه ( روى إسماعيل بن الفضل بإسناده ) بقوله : ( القويّ كالصحيح ) (5) .

---------------------------
(1) من لا يحضره الفقيه ( 2 : 376 ) .
(2) مشيخة الفقيه( ص 36 ) طبع مع الجزء الرابع من ( من لا يحضره الفقيه ) .
(3) مشيخة الفقيه( ص 102 ) .
(4) مشيخة الفقيه ( ص 36 ) .
(5) روضة المتقين ( 5 : 500 ).

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 176 _

  والظاهر حكمه على سند الصدوق في الأمالي المنتهي إلى إسماعيل ، وقال النوري في سند النجاشي : إنّه أعلى وأصحّ من طريق الصدوق في الخصال إلى محمد بن الفضيل(1) ، ويظهر من المشجّرة التي رتّبناها أنّ سَنَد النجاشي ليس أعلى من سند الصدوق في الأمالي ، لاستواء عدد الرواة من كلّ منهما إلى أبي حمزة ، مع أنّ سند النجاشي ليس سالماً من النقد ، من جهة رواية ( إبراهيم بن هاشم مباشرةً عن( محمد بن الفضيل ) فانّ المعروف مكرّراً روايته عن البزنطي ، ورواية البزنطي عن ( محمد بن الفضيل ) كما ورد في سند الصدوق في لمشيخة إلى أبي حمزة ، ومع ذلك فإنّ السيّد الإمام البروجرديّ قال في ( طبقات رجال النجاشي ) عند ذكر محمد بن الفضيل : ( عن أبي حمزة ، عنه إبراهيم بن هاشم ، كأنّه من السادسة ) وعلّق : وروايته عن أبي حمزة محلّ ريب (2) .
  ومهما يكن ، فإنّ تعدّد الأسانيد والطرق إلى أبي حمزة ، لم يدع مجالاً للبحث السَنَدي في هذا الكتاب ، خصوصاً على المنهج المختار من عدم اللجوء إلى المعالجات الرجاليّة إلاّ في مواقع إستقرار التعارض بعدم المرجّحات ، والمفروض هنا عدم وجود ما يُعارض مضامين هذه الرواية أصلاً ، مضافاً إلى ما عرفت من أنّ أمثال هذه المضامين ، الدائرة حول الاَداب والحِكَم ليست بحاجةٍ إلى الأسانيد ، لشهادة الوجدان بما فيها ، والأهمّ من كلّ ذلك تلقّي كبار المحدّثين لها بالقبول بإيرادها في كتبهم ، المؤلّفة للعمل ، خصوصاً كتاب الفقيه الذي وضعه المؤلّف على أنْ يكون حجّة بينه وبين الله تقدّس ذكره ، وأنّ جميع ما فيه مستخرَج من كتبٍ مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع(3) وهذا كافٍ في تجويز النسبة المعتبرة في الكتب .

---------------------------
(1) مستدرك الوسائل ( 11 : 169 ) .
(2) الموسوعة الرجالية (6) رجال أسانيد فهرست الشيخ النجاشي ( ص 613 ) السطر الأوّل .
(3) من لا يحضره ( 1 : 3 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 177 _

محتوى المتن
  تحتوي الرسالة على ( خمسين حقّاً ) ، وقد جاء التصريح بهذا العدد ، في خاتمة المتن الذي أورده في تحف العقول ، فقال : ( فهذه خمسون حقّاً محيطاً بك ) (1) ، والصدوق لم يورد هذه الخاتمة في رواياته ، إلاّ أنّه إلتزم بكون عدد الحقوق ( خمسين حقّاً ) في كتابه الخصال حيث عنون للباب الذي أورد الرسالة فيه بأبواب الخمسين فما فوقه ، وذكر الرسالة في أوّل حديث في الباب ، وقال : الحقوق الخمسون التي كتب بها عليّ بن الحسين سيّد العابدين ( عليه السلام ) إلى بعض أصحابه (2) ، وقد التزم أكثر المعاصرين الذين أوردوا متن الرسالة في مطبوعاتهم بترقيم الحقوق ، فزاد بعضهم رقماً واحداً فكان العدد (3) .   والسبب في ذلك أنّ الصدوق ذكر في رواياته ( حقّ الحجّ ) وهذا لم يرد في رواية تحف العقول ، فلمّا جمع المؤلّفون بين الروايتين ، إعتقاداً بوحدة الرسالة ، زاد عندهم هذا العدد الواحد ، ووجود ( حقّ الحجّ ) ضروريّ :
1 ـ لأنّه من فروع الدين الهامّة ، ومما بُنِيَ عليه الإسلام من العبادات الخمس الواجبة ، كما في روايات كثيرة( 23) فلابدّ من ذكره ، كما ذكرت بقيّة العبادات .
2 ـ أنّ الشيخ الصدوق في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه ، أورد هذه الرسالة في ملحقات كتاب الحجّ ، ولا ريبَ في لزوم وجود إرتباط بينها وبين الحجّ ، ولو بهذا المقدار ، فليلاحظ ، ثم إنّ المؤلّفين المعاصرين إرتبكوا كثيراً في ترقيم سائر الحقوق ، فلم يرقّموا ما هو حقّ من جهة ، ورقّموا ما ليس بحقّ من جهة اُخرى ، وإليك بيان ذلك :

---------------------------
(1) تحف العقول( ص 272 ) .
(2) الخصال( ص 564 ) .
(3) راجع وسائل الشيعة ( 1 : 14 ) الباب الأول ( وجوب العبادات الخمس ) من أبواب مقدمة العبادات .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 178 _

1 ـ عدّ جميع المؤلّفين ( حقّ نفسك ) بالرقم (2) مع أنّه ليس حقّاً مستقلاً ، وإنّماالمراد منه حقّ أعضاء نفس الإنسان ، بقرينة قوله ـ في المقدّمة ـ في جوامع الحقوق : ثم ما أوجبه الله ( عزّ وجلّ ) لنفسك من قرنك إلى قدمك على إختلاف جوارحك ، فجعل لِلسانِك . . . )(1) وهذا واضح في كون المراد بحقّ النفس ، حقّ ما لنفس الإنسان ، أي في جوارحه ، في مقابل قوله بعد ذلك : ( ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك )(2) ثمّ إنّه ذكر عند تفصيل حقوق الأعضاء : ما نصّه : ( وأما حقّ نفسك عليك أنْ تستعملها في طاعة الله : فتؤدّي إلى لسانك حقّه )(3) ، فوجود الفاء في ( فتؤدي ) يقتضي كون ما بعدها تفريعاً وتفصيلاً لما قبلها ومن الواضح أنّه لم يذكر للنفس حقّاً غير إستعمال الجوارح ، فيدل على أنّ المراد بالنفس ( شخص الإنسان ) لا النفس الناطقة ، فليس المراد وضع حقّ خاص لها ، دون الجوارح حتّى يضاف على حقوقها .
  والغريب أن طابع ( تحف العقول ) عدّ هذا الحقّ برقم (2) بينما لم يذكر ( حق ّالحجّ ) فأخلّ بالحقّين كما سيتضح .
2 ـ ذكر في مقدّمة الرسالة ، في جوامع الحقوق : ( (ج) ثم جعل ( عزّ وجل ) لأفعالك عليك حقوقاً ) ثم ذكر الواجبات وقال في آخرها : ( ولأفعالك عليك حقّاً )(4) فتكون الحقوق المذكورة ( ستّة ) آخرها ( حقّ الأفعال ) ، وقد ذكر في تحف العقول ( حقّ الأفعال ) بعد (13) حقّ الهدي ) بقوله : ( واعلم أنّ الله يُراد باليَسير ولا يُراد بالعسير . . . ) إلى آخره (5) .

---------------------------
(1) لاحظ الرسالة ( ص 271 ) .
(2) لاحظ الرسالة ، المقدمة( ص 271 ) .
(3) لاحظ الرسالة( ص 273 ) .
(4) لاحظ الرسالة( ص 271 ) .
(5) تحف العقول( ص 255 ) لاحظ الرسالة الحق رقم (14) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 179 _

  فلا بدّ أنْ يكون حقّ الأفعال ، مستقلاً ، غير حقّ الواجبات الخمسة المذكورة أوّلاً ، ويؤيده أنّ محتواه لا يرتبط بما سبقه بشكل مستقيم ، بل هو أمر عام لها ولغيرها ، والظاهر أنّ المراد بحقّ الأفعال هو حدّ العمل الذي يجب على الإنسان القيام به في كلّ مجال ، حتّى في غير الواجبات الخمسة المذكورة أولاً ، وهذا أصل عظيم له دور كبير في حياة الإنسان ، لكن جميع المؤلّفين أهملوا هذا الحقّ في الترقيم ، كما أن روايات الصدوق لم تورده إطلاقاً ، وهو الحق (14) بترقيمنا .
3 ـ إعتبر المؤلّفون ( حقّ المملوك ) برقم مستقل ، بينما هو داخل في حقّ الرعية بالملك ، وله موردان : ( الزوجة والمملوك ) وهذا هو ثالث حقوق الرعيّة : بالسلطان ، وبالعلم ، وبالملك ، وقد صرّح في المقدّمة-في اُصول الحقوق ) بعنوان ( هـ ) بإنّ حقوق الرعيّة ثلاثة ، بينما تصير حسب ترقيمهم ، أربعة ! .
  والظاهر أنّ الموجب لهذا الإرتباك هو ملاحظتهم لكلمة ( حقّ ) وعدّهم لها ـ حيث وقعت ـ برقم مستقلّ ، من دون تأمّل في المعاني ، وقد وفّقنا الله لتلافي كلّ هذا الإرتباك فقسمنا النصّ : إلى اُصول الحقوق ، وهي السبعة المُعْلَمة برموز من حروف ( أ ، ب ، ج ، د ، ها ، و ، ز ) ، وإلى فروع الحقوق ، وهي الخمسون ، مرقمة بالأعداد ، ومطبوعة بالحروف البارزة ، وإلى بنود الحقوق ، وهي موادّها المذكورة تحت عنوان كلّ حقّ ، ذكرنا كلّ مادّةٍ منها في سطر مستقلّ مبدوءاً بشريط في أول السطر ( ـ ) ، وبما أنّ النصّ الذي أثبتناه هو جامع بين كلّ الروايات الواردة وملفّق منها ، وهي رواية تحف العقول التي إتّخذناها أصلاً ، وروايات الصدوق .
* فقد وضعنا المعقوفين ليحتويا ما ورد في روايات الصدوق زيادة على ما في تحف العقول .
* ووضعنا بين القوسين ما إختصّت به رواية تحف العقول ، ولم يرد في روايات الصدوق . * وما خرج عن المعقوفين والقوسين ، فهو مشترك بين النصّين ووارد في جميع الروايات .
* وما أضفناه من العناوين وغيرها ، فقد نبّهنا على وجه إضافته ، إختلاف النسخ : ثمّ إنّ من الملاحظ وجود إختلاف بين ما أورده في تحف العقول وبين روايات الصدوق ، من جهة ، وبين رواية الصدوق في بعض كتبه وبين ما أورده في بعضها الاَخر ، في عباراتٍ من متن الحديث زيادة وحذفاً تارة ، وإجمالاً وتفصيلاً ، من جهة أخرى .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 180 _

  ووقوع مثل هذا الإختلاف في الأحاديث الطوال أمر غير عزيز ، يعود ذلك أساساً إلى إعتماد الرواة على النقل بالمعنى ، لأنّ أمثال هذه الروايات تهدف إلى إبلاغ معانيها ، وأداء مضامينها ، ولا يدخل في القصد منها ما يوجب المحافظة على ألفاظها بنصوصها ، وليست كما هو المفروض في الكلمات القصار ، والخطب البلاغية المبتنية على إعمال الصناعات اللفظية والمحسّنات البديعيّة المؤثّرة في نفوس السامعين إلى جانب المعاني والمؤدّيات ، ومن المحتمل أيضاً أن يلجأ بعض الرواة إلى الإختصار لأمثال هذه الأحاديث الطوال ، والإقتصار على الجمل المهمّة فقط ، وقد حمّل بعضُ المتأخّرين الشيخَ الصدوق مسؤولية القيام بالإختصار ، قائلاً : ( إنّه يختصر الخبر الطويل ، ويُسقط منه ما أدّى نظره إلى إسقاطه ) (1) ، لكنّ هذا تحامل على الشيخ الصدوق ، المعترَف له بكثرة النقل للأخبار والحفظ والمعرفة بالحديث والرجال والاَثار (2) ، ومع إحتمال النقل بالمعنى كما ذكرناه ، لم تصل النَوْبة إلى إحتمال الإختصار أصلاً ، مع أنّ أصل الإختصار أمر جائز لا مانع منه ، إذ هو عبارة عن تقطيع الحديث ، المعمول به ، والمقبول من دون نزاع ، لتعلّق غرض المحدّث ببعض الحديث فيقتصر عليه ، مضافاً إلى أنه لا دليل على نسبة الاختصار ـ المفروض ـ إلى الشيخ الصدوق .
  فمن المحتمل ـ قويّاً ـ أن يكون بعض الرواة السابقين على الصدوق ، قد إختصر النصّ ، ورووه له مختَصراً ، ويشهد لهذا الإحتمال : أن روايات الصدوق في كتبه المختلفة هي في نفسها متفاوتة ، مع أنّ الأصل هو رواية اللفظ ، إلاّ أن المقارنة بين النصّين تعطي اطمئناناً بأنّ الرواة مع إختصارهم للنصّ ، عمدوا إلى نقل مقاطع بطريق رواية المعنى ، فالنصّان لا يختلفان في المعنى عند إختلافهما في اللفظ ، وعند إتفاقهما في اللفظ فالإختصار ملحوظ .

---------------------------
(1) مستدرك الوسائل( 171 : 11 ) .
(2) لاحظ الخلاصة ، رجال العلامة الحلي( ص 147 ) رقم (44) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 181 _

  وأما وحدة النصّ الصادر من الإمام ، فالدليل عليه أمران :
الأول : الإستبعاد الواضح في أنْ تُوجّه رسالة بنصّين مختلفين إلى شخص معيّن ، ويرويهما راوٍ واحد ، من دون ذكر التفاوت بينهما .
الثاني : تطابُق أكثر عبارات النصّين لفظاً من دون أدنى تفاوت مما يدّل على وجود أصل مشترك بينهما ، وعلى أخذ المختصر من المفصّل .

النصّ المختار :
  ومهما يكن ، فإنّا تمكنّا بالمقارنة الدقيقة بين النصّين من إنتخاب نص جامع ، بالتلفيق بينهما ، بحيث لا يشذّ عنه شيء من عبارتيهما ، ولا كلمة واحدة مؤثّرة في المعنى ، وبما أنّ نصّ ( تحف العقول ) هو أوفى ، وأجمع ، وأسبك ، وأكثر تفصيلاً فقد جعلناه ( الأصل ) وأوعزنا إلى ما في روايات الصدوق من الفوائد و الزوائد ، بما لا يفوت معه شيء مما له دخل في جميع أبعاد النصّ ، وقد أشرنا إلى الرموز المستعملة في عملنا سابقاً .   ولم نُشِرْ إلى الأخطاء الواضحة ، ولا الإختلافات المرجوحة ، تخفيفاً للهوامش ، نسخ الرسالة : لقد تداول الأعلام هذه الرسالة القيّمة بالرعاية والعناية ، وتناقلوها على طولها في مؤلّفاتهم ، فقد وردت في الكتب التالية مخطوطها ومطبوعها ، كما نشرت مستقلةً أيضاً ، وإليك ما وقفنا عليه من طبعاتها
1 ـ كتابُ مَنْ لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين ( ت 381 ) وقد أوردها في نهاية كتاب الحج ، بعنوان ( باب الحقوق ) فلاحظ ( ج 2 ص 371 ـ 381 ) من طبعة النجف .
2 ـ روضة المتّقين شرح الفقيه ، للمحدث المولى محمدتقي المجلسي الأول ( ت 1070 ) في ( ج 5 ص 500 ـ 527 ) مشروحةً .
3 ـ الخصال ، للشيخ الصدوق ، في أبواب الخمسين فما فوقه ( 564 ـ 570 ) .
4 ـ الأمالي ، للشيخ الصدوق ، في المجلس (59) ( ص 301 ـ 306 ) .
5 ـ تحف العقول ، لإبن شعبة الحراني ( ق 4 ) ( ص 255 ـ 272 ) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 182 _

6 ـ مكارم الأخلاق ، للطبرسي صاحب مجمع البيان ( ق 6 ) ( ص 455 ) .
7 ـ بحار الأنوار ، للعلامة المجلسي محمد باقر بن محمد تقي ( ت 1110 ) في الجزء (74) .
8 ـ عوالم العلوم والمعارف ، للشيخ عبد الله البحراني ( ق 12 ) في الجزء (18) .
9 ـ مستدرك الوسائل ، للمحدّث النوري حسين بن محمد تقي ( ت 1320 ) في ( 2 : 274 ) من الطبعة الأولى و ( 11 : 154 ) من الطبعة الحديثة .
10 ـ أعيان الشيعة ، للإمام السيد محسن الأمين العاملي ( ج 4 ص 215 ـ 230 ) .
11 ـ بلاغة علي بن الحسين ، للشيخ جعفر عباس الحائري ( المعاصر ) ( ص 130 ـ 163 ) .
12 ـ الإمام زين العابدين للسيد عبدالرزّاق المقَرَم الموسوي ( ت 1391 هج ) ( ص 118 ـ 135 ) .
13 ـ حياة الإمام زين العابدين للشيخ باقر شريف القرشي ( المعاصر ) ( ص 477 ـ 511 ) .
14 ـ شرح رسالة الحقوق ، للخطيب السيد حسن القباني الحسيني فقد شرح الرسالة في مجلدين ، طبعا في النجف ، واُعيدا في قم ( 1406 ) وبيروت .
15 ـ وتنسب إلى الإمام زيد الشهيد بإسم ( الرسالة الناصحة والحقوق الواضحة ) وتشبه أنْ تكون مختصرةً من رسالة الحقوق المروية عن والده الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) كما جاء في مؤلّفات الزيدية ( 442 ) رقم ( 1608 ) لصديقنا العلامة السيّد أحمد الحسيني ، ولقد وقفت أنا على كتاب الإمام زيد الشهيد ( عليه السلام ) ، فرأيته غير كتابنا هذا ، وهو أخصر منه ، وسأقوم بنشره بعون الله .
  وأشكر الأخ المحقق يحيى سالم عزان اليماني بإتحافنا بنسختين من رسالة الإمام زيد ( عليه السلام ) ، جاء بهما من اليمن في زيارته إلى قم المقدسة عام 1418 هج ، وذكر صديقنا الكاتب المعجمي الشيخ عبد الجبّار الرفاعيّ كتاب الحقوق للإمام زيد بن عليّ ، في كتابه : معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت ( عليهم السلام ) ( ج 8 ص 181 ) برقم ( 20453 ) وقال : مخطوط في الجامع الكبير في صنعاء برقم 2364 ، كما ذكرها في هذا الجزء بعنوان ( رسالة الحقوق ) برقم ( 20491 ) وأورد طبعاتها ، ومنها : بغداد 1369 هج ( 179 ص ) تحقيق عبد الهادي المختار ، سلسلة حديث الشهر (6) .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 183 _

  والأعمال المؤلّفة حول ( رسالة الحقوق ) ضمن ما أورده الشيخ الرفاعيّ مما كتب عن الإمام السجّاد ( عليه السلام ) في هذا المجلّد هي بالأرقام :
* 20372 رساله إمام زين العابدين ( بالأردو ) .
* 20399 رساله حقوق إخوان ( ترجمة فارسية ) .
* 20400 رساله حقوق ( ترجمة فارسية ) .
* 20489 رساله الحقوق ( ترجمة فارسية ) .
* 20490 رساله الحقوق( بالاردو ) .
* 20742 النَهْجَيْن في شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين للشيخ صالح بن مهدي الساعدي . . .

سندنا إلى رواية الرسالة :   لقد مَنَ الله على الاُمّة الإسلاميّة ببذل الجهد والعناية في حفظ التراث الإسلاميّ ، وخصوص الحديث الشريف ، بالمراقبة التامّة عليه ، وتحمّله بكلّ دقّة وأدائه بكلّ إحتياط ، وقد وفّقنا الله تعالى للسلوك في السلسلة الشريفة لِرواة الحديث بطريقة الإجازة المتداولة بين الأعلام والمتعارف عليها بين علماء الإسلام ، وبذلك تتّصل بطرق مشايخنا الكرام إلى رواية هذه الرسالة ، فأروي عن مشايخي الكرام وهم عدّة ممّن لقيتُهم من المشايخ ، وأوّلهم وأعلاهم سَنَداً شيخ مشايخ الحديث في القرن الرابع عشر الإمام الشيخ آقا بزرك الطهراني( 1293 ـ 1389 ) وآخرهم سيّد مشايخ العصر الحجّة النسّابة السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشيّ ( 1315 ـ 1411 ) بطرقهما المتّصلة بالعنعنة المقدّسة ، إلى إبن طاوس ، وإبن شعبة ، والنجاشي ، والصدوق ، والكليني ، أئمّة الحديث الذين أثبتوا هذه الرسالة في مؤلّفاتهم ، بأسانيدهم التي أثبتناها سابقاً ، وقد فصّلنا ذكر الطرق والمشايخ إلى المؤلّفات والاُصول والكتب في ثبتنا الكبير ( ثَبَت الأسانيد العوالي من مروّيات الجلالي ) والحمد لله على توفيقه ، وبعد :

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 184 _

  فإنّ ما نقدّمه اليومَ هو أوثقُ ما طُبِعَ حتّى الاَن لهذه الرسالة من النصوص ـ سواء ما جاء ضمن المؤلّفات أم ما طبع مستقلاًّ ? ـ بالنسبة إلى المقارنة الدقيقة بين جميع النسخ والمروّيات ، وإلى إنتخاب النصّ الموحَد الجامع لكلّ ما جاء فيها ، وإلى إخراجه وتنظيمه وترقيمه ، وأمَلُنا أنْ نكون بتقديمه ، قد أدّيْنا بعض ما يجب علينا تجاه التراث الإسلاميّ العزيز ، من واجبات التحمّل والصيانة ، والضبط والتحقيق ، والأداء والتبليغ ، والحمد لله على نعمه المتواترة ، حمداً كما هو أهلُه وكما يحب أنْ يُحْمَدَ ، ونصلّي ونسلّم على سيّدنا رسولالله مُحمّد ، وعلى الأئمة الأطهار من آله الأخيار أولي العدل والفضل والَمجْد .

رسالة الحقوق
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدّمة
  اعلم ـ رحمك الله ـ أنّ لله عليك حقوقاً محيطةً بك في كلّ حركةٍ تحرّكْتَها أو سكنةٍ سكنْتَها ( أو حالٍ حُلْتَها ) أو منزلةٍ نزلتَها أو جارحة قلَبْتَها أو آلةٍ تصرّفْتَ بها ( بعضُها أكبرُ من بعض ) :
(أ) فأكبر حقوق الله عليك : ما أوجَبَهُ لنفسه تبارك وتعالى من (1) حقّه الذي هو أصل الحقوق ( ومنه تُفَرَعُ ) .
(ب) ثمّ ما أوجبه الله ( عز وجَل ) لنفسك ، من قَرْنك إلى قدمك ، على إختلاف جوارحك : فجعل (2) للسانك عليك حقّاً (1)و (3) لسمعك عليك حقّاً ، و (4) لبصرك عليك حقّاً ، و (5) ليدك عليك حقّاً ، و (6) لرجلك عليك حقاً ، و (7) لبطنك عليك حقاً ، و (8) لفرْجِك عليك حقاً ، فهذه الجوارح السبعُ التي بها تكون الأفعال .

---------------------------
(1) في التحف ، أخَرَ ذكر اللسان عن السمع والبصر ، هنا ، لكنّه قدمه عليهما في ذكر تفصيل الحقوق ، فكان ما أثبتناه هنا أنسب .

جهاد الامام السجاد ( عليه السلام ) _ 185 _

(ج) ثمّ جعل ( عزّ وجل ) لأفْعالك عليك حقوقاً : فجعل (9) لصلاتك عليك حقاً ، و (10) لحجّك عليك حقاً (1) ، و (11) لصومك عليك حقاً ، و (12) لصَدَقتك عليك حقّاً ، و (13) لهَدْيك عليك حقاً ، و (14)لأفعالك عليك حقاً ، ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك ، من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها عليك (د) : حقوق أئمّتك ، ثم (ها) حقوق رعيّتك ، ثمّ (و) حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعّبُ منها حقوق .
(د) فحقوق أئمّتك ثلاثة : أوجبُها عليك (15) حق سائسك بالسلطان ، ثمّ (16) حقّ سائسك بالعلم ، ثمَ (17) حقّ سائسك بالمِلْك ، وكل سائسٍ إمام .
(هـ) وحقوق رعيّتك ثلاثة : أوجبها عليك (18) حق رعيّتك بالسُلطان ، ثمَ (19) حق رعيتك بالعلم ، فإن الجاهل رعيّة العالم ، ثم (20) حقّ رعيّتك بالمِلْك : من الأزواج وما ملكت الأيمانُ .
(و) وحقوق رَحِمكَ كثيرة ، متّصلة بقَدَر إتّصال الرحم في القرابة فأوجبها عليك (21)حق اُمك ، ثمَ (22) حقّ أبيك ، ثمَ (23) حقّ ولدك ، ثمَ (24) حقّ أخيك ، ثمّ الأقرب فالأقرب ، والأول فالأول (2) .
(ز) ثم ( حقوق الاَخرين ) (3)(25) حقّ مولاك المُنْعم عليك ، ثمَ (26) حقّ مولاك الجارية نِعْمَتُك عليه ، ثمَ (27) حقّ ذي المعروف لديك ، ثمَ (28) حقّ مُؤذّنك لصلاتك ، ثمَ (29) حقّ إمامك في صلاتك ، ثمَ (30) حقّ جليسك ، ثمَ (31) حقّ جارك ، ثمَ (32) حقّ صاحبك ، ثمَ (33) حقّ شريكك ، ثمَ (34) حقّ مالِك ، ثمَ (35) حقّ غريمك الذي يُطالِبُك (4) ، ثمَ (36) حقّ خليطك ، ثم (37) حقّ خصمك المدّعي عليك ، ثمَ (38) حقّ خصمك الذي تدّعي عليه ، ثمَ (39) حقّ مُسْتشيرك ، ثمَ (40) حقّ المُشير عليك ، ثمَ (41) حقّ مُسْتنصِحك ، ثمَ (42) حقّ الناصِح لك .

---------------------------
(1) الحقّ رقم (10) لم يذكر في رواية التحف ، لا هنا ولا في تفصيل الحقوق ، وإنما ورد في روايات الصدوق ، فقط ، فلاحظ ما ذكرناه عند التفصيل عن الحقّ (10) .
(2) في غير التحف : الأولى فالأولى .
(3) ما بين المعقوفين هنا زيادة منّا ، لتحديد عناوين اُصول الحقوق السبعة ، والمعبّر عنها ب ( الحقوق الجارية . . . ) في آخر هذه المقدّمة ، فلاحظ .
(4) أضاف في النسخ هنا : ( ثمّ حقّ غريمك الذي تُطَالبه ) وهذا غير مذكور في تفاصيل الحقوق ، لا في الصدوق ولا التحف ، وبدونه تتم الحقوق : خمسين حقّاً ، فالظاهر كونه زائداً .