8 ـ ممارسة أئمة المرحلة الاولى للصراع السياسي
  في هذه المرحلة مارس هؤلاء الأئمة (ع) الصراع السياسي، لأجل إعطاء هذه النظرية بكل وضوح، غاية الأمر أننا نرى ان امير المؤمنين (ع) لم يقم بالصراع الحاد الا بعد موت عمر بن الخطاب، نعم بعد السقيفة بأيام، سجل أمير المؤمنين (ع) للتاريخ رأيه في السقيفة وسجل ذلك الحواريون من أصحابه من امثال سلمان والمقداد وعمار. وهناك قالوا حكمهم، قالوا بأن هذا ليس تعدياً على علي (ع)، وانما هو تعد على الامة الاسلامية، وعلى التجربة الاسلامية سلمان اخذ يصف حال المسلمين وماذا يكون عليه فيما لو ولّوا علياً .
  وفاطمة الزهراء عليها السلام، في كلام لها مع نساء المهاجرين والأنصار، وصفت ايضاً حالة المسلمين لو انهم ولّوا علياً ...
  لكن بعد هذا، امير المؤمنين (ع) لم يبد على مسرح الصراع بشكل مكشوف في ايام ابي بكر وعمر بالرغم من ان الانحراف كان قد بدأ منذ خلافة ابي بكر لا الانحراف في تغيير شخص الحاكم بل الانحراف في تغيير مضمون الحكم وسياسة الحكم .
  هذا الانحراف بدأ في أيام ابي بكر واشتد في ايام عمر وانجلى في ايام عثمان بصورة غير اسلامية، وكان الانحراف يسير في خط منحن حتى وصل الى الهاوية بعد ذلك .
  نعم بدأ أمير المؤمنين (ع) معارضته لأبي بكر وعمر وعثمان وللزعامات المنحرفة جميعاً بشكل مكشوف وصريح، بعد وفاة عمر مباشرة، وقبل ان يتم

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 100 _

  الامر لعثمان عندما قال له عبد الرحمن بن عوف وكانوا ستة قد اجتمعوا للشورى قال له: مد يدك أبايعك على كتاب اللّه وسنة نبيه (ص) وسنة الشيخين، وكان يريد عبد الرحمن من ذلك ان يجعل سيرة الشيخين ممثلاً شرعياً للنظرية الاسلامية للحياة الاجتماعية، لو كان علي قبِلَ ذلك لانتهى هذا التمثيل، لأنه لم يكن في مقابل اطروحة هذين الشيخين الا علي (ع) ولو وافق على ذلك، لأصبح هو ذات النظرية السائدة، فقال: بايعني على كتاب اللّه وسنة رسوله (ص) واجتهادي .
  اما سيرة الشيخين لا يمكن ان تقبل كممثل شرعي للنظرية الاسلامية وللحياة الاجتماعية .
  هنا بدأ الامام (ع) يشجب ويعارض هذه الزعامة المنحرفة، امير المؤمنين (ع) رفض الخلافة والزعامة لأجل ان لا يدخل سيرة هذين الرجلين كجزء للنظرية الاسلامية .
  قد يقال: ان هذا باب التزاحم وباب العناوين الثانوية ماذا كان يضره لو قال: نعم فيبايعه على كتاب اللّه وسنة رسوله (ص) وسيرة الشيخين، ثم بعد هذا يقول ويعمل حسب رأيه وينقض عهده لعبد الرحمن لأن كل شرط خالف كتاب اللّه ورسوله مردود؟! ألم يكن هذا تكليفاً شرعياً بناءً على ان الوصول الى الخلافة واجب، وتنحصر مقدمة هذا الواجب بأن يمضي هذا الشرط، فعليه يكون هذا واجباً بالعناوين الثانوية لأنه مقدمة للواجب ... ؟!
  وجوابه: إنه لو قال علي بن أبي طالب (ع) ذلك لتم هذا التخطيط، ثم ان النظرية الاسلامية للحياة هي النظرية التي قدمها هؤلاء المنحرفون في المقام، وما أشد ضياع الاسلام لو قال هذا، وقد قلنا وسوف نشرح ان عودة التجربة الى الخط المستقيم على المدى البعيد البعيد، لم تكن بالامكان اصلاً حتى لو تولى أمير المؤمنين (ع) الخلافة بعد عمر، فماذا يكون الا الخسارة الا ان يعطي هذا الامضاء وهذا الصك للزعامات المنحرفة .
  من هنا بدأ الامام (ع) يصارع، ثم بعد هذا في ايام عثمان انفتح صراعه السياسي بشكل اوضح .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 101 _

  كان (ع) يعبر عن ألام الامة وعن أمالها، ومظالمها امام عثمان، ويعظه ويوبخه، ويذكره اللّه وايام اللّه والأخرة ورسول اللّه (ص) ولكن عثمان لم يكن يتعظ .
  لماذا كان حريصاً كل الحرص على ان يبدو صراعه موضوعياً عقائدياً يستهدف النظرية لا الشخص يستهدف تثبيت دعائم نظرية حقيقية للاسلام، لاتدعيم شخصه، كان الامام (ع) حريصاً على ان تكون التصورات والانعكاسات التي يعيشها الناس عن صراعه على مستوى ان صراعه صراع نظري عقائدي، وليس صراعاً شخصياً لأن هذا كان من اكبر الوسائل لتثبيت حقانية هذه النظرية التي يقدمها أليس هو يريد ان يثبت للذهنية الاسلامية ان النظرية الاسلامية للحياة الاجتماعية هذه لا تلك التي يطبقها الزعماء المنحرفون كيف يستطيع ان يرسخ هذا في الذهنية الاسلامية على انه صراع عقائدي ونضالي في سبيل تثبيت النظرية، ولهذا انتظر أمير المؤمنين (ع) ان يبرز الانحراف واضحاً ثم يبدأ الصراع. لأن هؤلاء الناس الغير الواعين لا يشعرون بمرارة الانحراف الا اذا دخل الانحراف الى بيوتهم، الا اذا مس جلودهم، أما قبل هذا فلا يترقب من الأمة الغير الواعية، ان تشعر بالانحراف .
  الانحراف بدأ في ايام ابن أبي قحافة وعمر، وكان انحرافاً مستوراً، وكان عمر موفقاً جداً في ان يلبس هذا الانحراف الثوب الديني المناسب ، نحن لا نريد ان نعطي مفهومنا الخاص عن عمر بل نأخذ بمفهوم السنة عن عمر ان عمر حتى بحسب المفهوم الذي يحتمل انه كان حقيقة في الاسلام على مستوى هذا الثوب الديني المصطنع نجد عمر فرط في العطاء بين الناس ووضع تركيباً قبلياً في المجتمع الاسلامي كما صنع عثمان، لكن فرق بينهما، لأن عمر جعل هذا التركيب القبلي الطبقي على اساس خدمة الاسلام، قال ان كل من كان أقرب للنبي (ص) يعطيه أكثر، وهذا ثوب تقبله أمة غير واعية قبولاً إجماعياً، أكثر مما تقبل النظرية الاسلامية الحقيقية .
  قبل ان يلتفت الى نتائج هذا التركيب القبلي من اللحظة الاولى، قبل ان يلتفت الى ما سوف يتمخض عنه هذا التركيب الطبقي من بلايا وكوارث ومحن في المجتمع الاسلامي،

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 102 _

  تستسيغ هذا المطلب تستسيغ ان عم الرسول (ص) أكثر الناس عطاءً ان يكون البدريون اكثر عطاءً من الاحديين ، وان يكون المهاجرون أكثر عطاءً من غيرهم وان يكون العرب الموجودون أيام رسول الله (ص) وعاشوا الدعوة في مراحلها الاولى أكثر عطاء من غيرهم، وهكذا فلو كان علي يعارض هذا الانحراف وقتئذ لفسر على مستوى تلك الذهنية بأنه صراع شخصي وليس صراعاً عقائدياً ، لم يكن بإمكانه ان يفهم المسلمين ذلك ولهذا سكت لئلا يلبس صراعه الثوب الشخصي، وهذا هو يقول: سأسالم ما سلمت أمور المسلمين مادام التعدي علي انا، فأنا ساكت مادام الناس يعيشون ويشعرون بأن الامور بخير فأنا ساكت حتي يصابوا بنيران الانحراف .
  ويعد عمر أعلن رأيه في الشيخين، فإعلانه بمخالفة سيرة الشيخين كان موقفاً عقائدياً ونضالياً، ولم يكن موقفاً شخصياً لأن المصلحة الشخصية تقتضي هنا ان يسكت فإن لم يكن بينه وبين وصوله الى الخلافة الا ان يقر بزعامة هؤلاء المنحرفين وهذا أمر مؤقت لا يمكن ان يفسر على اساس الصراع الشخصي، وانما يفسر على اساس ان هذا الشخص يريد ان يمسك بيده نظرية جديدة للاسلام غير النظرية التي طبقها الشيخان، ثم بعدما تكشف الانحراف في ايام عثمان الى درجة لم يكن بحاجة الى صعوبة لتشعر به الأمة الغير الواعية، شعرت الامة الاسلامية بذلك خصوصاً في السنوات الاخيرة من ايام عثمان، فدخل الامام (ع) في الصراع بشكل مكشوف ليثبت للتجربة الاسلامية دعائم النظرية الاخرى، فكان (ع) هو رمز نظرية اسلامية للحياة الاجتماعية تختلف عن النظرية المطبقة لواقع الحياة الاجتماعية على ما سوف نشرح ان شاء اللّه تعالى .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 103 _

9 ـ تولي أمير المؤمنين زعامة المسلمين
  انتهينا في خط العرض العام الى تولي أمير المؤمنين (ع) لزعامة المسلمين سياسياً وادارياً بعد مقتل عثمان، الا ان أمير المؤمنين (ع) حينما تولى الخلافة بعد مقتل عثمان، اراد ان يشرح للمسلمين بطريقته الخاصة، ان المسألة ليست بالنسبة اليه تبديل شخص بشخص أخر، وليست مسألة فارق اسمي بين زعيم الأمس وزعيم اليوم، وانما المسألة هي مسألة اختلاف شامل كامل للمنهج، وفي كل القضايا المطروحة .
  الا انه لعلاجها وتصفيتها، كان يريد ان يبين للمسلمين ضرورة ان ينظر اليه بوصفه قائماً على الخط، وقيماً على المنهج وأميناً على الرسالة. وعنواناً لدستور جديد، يختلف عن الوضع المنحرف القائم بعد وفاة النبي (ص) .
  لأجل هذا امتنع عن قبوله الخلافة أول الأمر، فقال لهم فكروا في غيري، واتركوني وزيراً لمن تستخلفونه، فانا لكم وزير خير مني أمير، يعني على مستوى حياة الدعة والكسل، على مستوى الرخاء واليسر، على مستوى الحياة الفارغة من المسؤولية، على مستوى هذه الحياة انا وزير خير مني امير، لاني حينما اكون اميراً سوف ارهقكم، سوف اتعبكم سوف افتح امامكم أبواب مسؤوليات كبرى تجعل ليلكم نهارا ، وتجعل نهاركم ليلاً، هذه الهموم التي تجعلكم دائماً وابداً تعيشون مشاكل الامة في كل ارجاء العالم الاسلامي، هذه الهموم التي سوف تدفعكم الى حمل السلاح ـ من دون حاجة مادية ـ لاجل تطهير الارض الاسلامية من الانحراف الذي قام عليها ... ؟
  اتركوني وزيراً أكون أفضل لكم على مستوى هذه الحياة مني وانا امير، لأني كوزير لا املك ان ارسم الخط، أو أن أضع المخطط، وانما انصح واشير

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 104 _

  وحينئذ يبقى الوضع الذي كان بعد وفاة النبي (ص) مستمراً، اصروا عليه بان يقبل الخلافة، ففرض عليهم الشروط فقبلوها اجمالاً دون ان يسألوه التوضيح، اعطاهم فكرة عن ان عهده هو عهد منهج جديد للعمل السياسي والاجتماعي والاداري، فقبلوا هذا العهد، وكان هذا سبباً في ان ينظر المسلمون من اللحظة الأولى، الى أن علي بن أبي طالب (ع) بوصفه نقطة تحول في الخط الذي وجد بعد النبي (ص)، لا بوصفه مجرد خليفة، فانتعشت مع هذا العهد الجديد أمال كثيرة .
  وحينما بويع علي (ع)، كانت اكثر الصعاب التي واجهها بعد بيعته، هو انشقاق معاوية وتخلف الشام بكامله لابن ابي سفيان عن الانضمام الى بيعته ، هذا التناقض، شق المجتمع الاسلامي في الدولة الاسلامية الى شقين، ووجد في كل منهما جهاز سياسي واداري لايعترف بالأخر ، ومنذ البدء، كان هناك فوارق موضوعية واضحة، بين وضع علي بن أبي طالب (ع) السياسي والاداري، ووضع معاوية السياسي والاداري، تجعل هذه الفوارق معاوية، احسن موقفاً واثبت قدماً، واقدر على الاستمرار في خطه من امام الاسلام (ع) .
  هذه الفوارق الموضوعية لم يصنعها الامام (ع) وانما كانت نتيجة تاريخ:
  فأولاً: كان معاوية يستقل باقليم من اقاليم الدولة الاسلامية، ولم يكن لعلي أي رصيد او قاعدة شعبية في ذلك الاقليم على الاطلاق، لأن هذا الاقليم، قد دخل في الاسلام بعد وفاة رسول اللّه (ص) وانعزال علي عن خط العمل، وكان هذا الاقليم، قد دخل ودشن حياته الاسلامية بولاية يزيد أخي معاوية، ثم بعد بولاية معاوية، وعاش الاسلام من منظار أل أبي سفيان، ولم يسمع لعلي (ع)، ولم يتفاعل مع الوجود الاسلامي والعقائدي، هذا الامام العظيم لم يكن يملك شعاراً له رصيد او قاعدة شعبية في المجتمع الذي تزعمه معاوية، وحمل لواء الانشقاق فيه، في حين، العكس فان شعار معاوية كان يملك رصيداً قوياً وقاعدة قوية في المجتمع الذي تزعمه الامام (ع) لأن معاوية، كان يحمل شعار الخليفة القتيل، والمطالبة بدمه والخليفة

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 105 _

  هذا كان أمير المجتمع الذي تزعمه علي (ع)، وكان لهذا الخليفة القتيل اخطبوط في هذا المجتمع وقواعد .
  وهكذا كان شعار ابن أبي سفيان يلتقي مع وجود قاعدة ورصيد في داخل محتمع أمير المؤمنين (ع) بينما لم يكن شعار علي يلتقي مع قاعدة ورصيد في داخل مجتمع معاوية .
  وثانياً: كانت طبيعة المهمة تميز معاوية عن علي بن أبي طالب (ع)، لأن أمير المؤمنين (ع) بوصفه الحاكم الشرعي، والمسؤول عن الأمة الاسلامية كان يريد ان يقضي على هذا الانشقاق الذي وجد في جسم الأمة الاسلامية وذلك بشخصية هؤلاء المنحرفين، واجبارهم بالقوة على انضمامهم الى الخط الشرعي، وكان هذا يستدعي الدخول في الحرب، التي تفرض على علي (ع) الطلب من العراقي ان يخرج من العراق، تاركاً امنه ووحدته واستقراره، ومعيشته ورخائه، ليحارب اناساً شاميين لم يلتق معهم بعداوة سابقة، وانما فقط بفكرة ان هؤلاء انحرفوا، ولا بد من اعادة ارض الشام للمجتمع الاسلامي والدولة الاسلامية، فكان موقف علي (ع) يتطلب ويفترض ويطرح قضية الهجوم ، على اناس لا يملكون ـ في غالبيتهم ـ الوعي لخطورة تراخيهم على قمع هذا الانحراف، انطلاقاً من عدم استيعابهم لابعاده ؟!
  في حين ان معاوية بن أبي سفيان، يكتفي من تلك المرحلة، بأن يحافظ على وجوده في الشام، ولم يكن يفكر (مادام أمير المؤمنين) ان يهاجم أمير المؤمنين، وان يحارب العراق ويضم العراق الى مملكته، وانما كان يفكر فقط، في ان يحتفظ بهذا الثغر من الثغور للمسلمين، حتى تتهيأ له الفرص والمناسبات والظروف الموضوعية، بعد ذلك يتأمر على الزعامة المطلقة في كل ارجاء العالم الاسلامي. فمعاوية لم يكن يقول للشامي، اترك استقرارك ووحدتك، واذهب الى العراق محارباً، لأن هذا الشخص خارج عن طاعتي، ولكن كان علي (ع) يقول هذا للعراقي، لان علياً (ع) كان يحمل بيده مسؤولية الامة ، ومسؤولية اعادة وحدة المجتمع الاسلامي، بينما كان كل مكسب معاوية وهمّه او قصارى امله، ان يحافظ على هذا الانشقاق ويحافظ على هذه التجزئة التي اوجدها في جسم المجتمع الاسلامي، وشتان بين قضية الهجوم حينما تطرح وقضية الدفاع.

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 106 _

  وثالثاً كان هناك فرق أخر بين معاوية والامام (ع) وهو ان معاوية، كان يعيش في بلد لم يكن قد نشأت فيه زعامات سياسية طامحة الى الحكم والسلطان من ناحية ولم يكن فيه اناس ذوو سابقة في الاسلام، ممن يرى لنفسه الحق ان يساهم في التخطيط وفي التقدير، وفي حساب الحاكم، وفي رسم الخط، لم يكن هكذا، الشام اسلمت على يد معاوية واخيه، كلهم كانوا نتيجة لإِسلام معاوية ولإِسلام اخي معاوية، ولإِسلام من استخلف معاوية على الشام ولم يكن قد مني بتناقضات من هذا القبيل .
  اما علي (ع) كان يعيش في مدينة الرسول (ص) كان يعيش في حاضرة الاسلام الاولى التي عاش فيها الرسول (ص) وعاش بعد ذلك ابو بكر، وعاش بعد ذلك عمر وعثمان، حتى قتلا ، ومن ناحية كان يواجه كثيراً ممن يرون ان من حقهم ان يساهموا في التخطيط ، وان يشتركوا في رسم الخط، كان يواجه علي (ع) اشخاصاً كانوا يرونه نداً لهم، غاية الامر انه ند افضل، ند مقدم، لكنهم صحابة كما انه هو صحابي عاش مع النبي (ص) وعاشوا مع النبي (ص) .
  طبعاً اننا نعلم ايضاً، بان خلافة علي كانت بعد وفاة النبي (ص) بعشرين سنة، وهذا معناه، ان ذلك الامتياز الخاص الذي كان يتمتع به امير المؤمنين في عهد الرسول (ص) كالنجم لا يطاول، ذاك الامتياز الخاص كان قد انتهى مفهومه وتضاءل أثره في نفوس المسلمين، الناس عاشوا عشرين سنة يرون علياً مأموماً، يرونه منقاداً، يرونه جندياً بين يدي أمير هذا الاحساس النفسي خلال عشرين سنة اذهب تلك الأثار التي خلفها عهد النبوة، وهكذا كان علي (ع) يُنظر اليه بشكل عام، عند الصحابة الذين ساهموا في حل الامور وعقدها وكانوا يمشون في خط السقيفة، هؤلاء الصحابة الذين قدموا للاسلام في صدر حياتهم، وكانوا قد قدر لهم بعد هذا ان يمشوا في خط الانحراف وفي خط السقيفة، هؤلاء كانوا ينظرون الى علي الأخ الأكبر، الزبير صحيح كان يخضع لعلي (ع) لكن كان يخضع له كالاخ الاكبر لا يرى ان اسلامه مستمد منه، هذه الحقيقة الثانية الثابتة التي كانت واضحة على عهد النبي (ص) حُرفت خلال عهد الانحراف، خلال عهد أبي بكر وعمر وعثمان، ولهذا كان الزبير يعترف بأن علياً افضل منه، لكنه لا يرى نفسه مجرد ألة ومجرد تابع

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 107 _

  يجب ان يؤمر فيطيع، فكان هناك اناس من هذا القبيل، هؤلاء يريدون ان يشتركوا في التخطيط ويشتركوا في رسم الخط، في ظرف هو ادق ظرف وابعده عن عقول هؤلاء القاصرين .
  رابعاً كانت توجد هناك الاطماع السياسية والاحزاب السياسية التي تكونت في عهد ابن الخطاب، واستفحلت بعده نتيجة للشورى، هذه الاحزاب السياسية كان يفكر في امرها ويفكر في مستقبلها ويفكر في انه كيف يستفيد اكبر قدر ممكن من الفائدة في خضم هذا التناقض، وهذا بخلاف معاوية لم يكن قد مني بصحابة أجلاء يعاصرونه ويقولون له نحن صحابة كما انت صحابي، بل كل اهل الشام مسلمون نتيجة لاسلامه واسلام اخيه، لم ير احد منهم رسول اللّه (ص) ولم يسمع احد القرأن الا عن طريق معاوية، اذن كانت حالة الاستسلام في المجتمع الشامي بالنسبة اليه لا يوجد ما يناظرها بالنسبة الى الامام (ع) في مجتمع المدينة والعراق .
  خامساً: كان هناك فرق أخر بين الامام (ع) ومعاوية، وحاصل هذا الفرق هو ان الامام (ع) كان يتبنى قضية هي في صالح الاضعف من افراد المجتمع، وكان معاوية يتبنى قضية هي في صالح الاقوى من افراد المجتمع، أمير المؤمنين (ع) كان يتبنى الاسلام بما فيه من قضايا العدالة الاجتماعية التي يمثلها النظام الاقتصادي للاسلام، وهذه القضايا لم تكن في صالح الاقوى، بل كانت في صالح الاضعف، ومعاوية كان يمثل الجاهلية بفوارقها وعنفوانها وطبقاتها، وهذا لم يكن في صالح الاضعف بل كان في صالح الاقوى، وذلك انه بعد رسول اللّه (ص) حينما دخل العراق والشام وبقية البلاد في داخل المجتمع الاسلامي، لم يقدر الخلفاء الذين تزعموا زعامة المسلمين على تذويب التنظيم القبائلي الذي كان موجوداً في هذه البلاد، بل بقي التنظيم القبائلي سائداً وبقي زعيم كل قبيلة هو الشخص الذي يرتبط كهمزة الوصل بين قبيلته وبين السلطان ، وهذا التنظيم القبائلي بطبيعته ، يخلق جماعة من الزعماء ومن شيوخ هذه القبائل الذين لم يربِّهم الاسلام في المرتبة السابقة ولم يعيشوا ايام النبوة عيشاً صحيحاً مما جعل من هؤلاء طبقة معينة ذات مصالح ، وذات

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 108 _

  اهواء وذات مشاعر في مقابل قواعدها الشعبية مما يوفر لهم اسباب النفوذ والاعتبار .
  الأن تصوروا مجتمعاً اسلامياً تركه الخلفاء المنحرفون وهو يعم بالتقسيمات القبلية بمعنى ان كل قبيلة كانت تخضع ادارياً وسياسياً لزعامة تلك القبيلة التي تشكّل كما قلنا همزة وصل بين القبيلة وبين الحاكم الذي يسهل عليه ان يرشي رؤساء هذه القبائل بقدر الامكان وهذا ما كان يفعله غير علي (ع) من الحكام وكان عاملاً من عوامل القوة بالنسبة الى معاوية، هذه الظروف الموضوعية لم يصنعها الامام (ع) وانما هي صنعت خلال التاريخ وأوجدت لمعاوية مركزاً قوياً ووجد للإِمام مركز ضعف ولولا براعة التضحية وكفاءته الشخصية ورصيده الروحي في القطاعات الشعبية الخاصة الواسعة، لولا ذلك لما استطاع (ع) ان يقوم بما مرّ به نفسه من حروب داخلية خلال اربع سنوات ...
  هكذا بدأ الامام بخلافته ودشن عهده، وبدأ الانقسام مع هذا العهد على يد معاوية بن أبي سفيان، واخذ الامام يهيئ المسلمين للقيام بمسؤولياتهم الكبيرة للقيام بدورهم في تصفية الحسابات السابقة، في تصفيتها على مستوى مالي، على المستوى الاقتصادى، على المستوى الاجتماعي على المستوى السياسي والاداري ايضاً، كل ذلك كان يحتاج الى الكفاح والقتال فأخذ يدعو الناس الى القتال وخرجوا إليه فعلاً. لقد درسنا الى هنا علياً مع معاوية بحسب ظروفه الموضوعية، فلا بد وان ندرس الذهنية العامة للمسلمين ايضاً، كيف كان يفسر هذا الخلاف الموجود بين علي ومعاوية .
  الذهنية العامة للمسلمين بدأت تفسر هذا الخلاف، بأنه بين خط خلافة راشدة، وبين شخص يحاول الخروج على هذه الخلافة، كانوا ينظرون الى علي بشكل عام على انه هو الخليفة الراشد، الذي يريد ان يحافظ على الاسلام، ويحافظ على خط القرأن في حين ان معاوية يحاول ان يتأمر هذا المفهوم ، استطاع أمير المومنين (ع) ان يثبت هذا الانطباع، بالرغم من كل الظروف الموضوعية التي قلناها، في ذهن القاعدة الشعبية الواسعة، في كل ارجاء العالم الاسلامي، عدا القطر الذي كان يرتبط بمعاوية، وهذه الذهنية هي التي كانت تصبغ المعركة بين علي ومعاوية بطابع الرسالة، كأن تعطيه معنى رسالياً .
  وكانت تفسر هذه المعركة

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 109 _

  بأنها معركة بين الجاهلية، بين فكرين ، بين هدفين ، وليست بين زعامتين وشخصيتين، الا ان الامر تطور الى الأسوأ حيث إن المسلمين بدأوا يشكون شكاً واسع النطاق، بأن المعركة بين امير المؤمنين (ع) وبين معاوية بن ابي سفيان معركة رسالية .
  من الصعب جداً ان نتصور انه كيف يمكن للمسلمين ان يشكوا في ان المعركة القائمة بين امام الورع والتقى والعدالة، وبين شخص خائن جاهلي منحرف عدو رسول اللّه (ص) كانت معركة رسالية إلا اني لا اشك في ان عدداً كبيراً من المسلمين على مر الزمن في عهد خلافة امير المؤمنين بدأ يشك في ان هذه المعركة أهي رسالية حقيقية او غير رسالية وهنا يجب ان نعرف ان المسلمين الذين شكوا من هم. انهم اولئك الذين عرفناهم عقيب وفاة الرسول (ص)، هم اولئك المسلمون الذين خلفهم الرسول فكانت خير امة اخرجت للناس، على مستوى ايمانهم وطاقتهم الحرارية واشعاعهم وشحنهم من النبي (ص) بشخص المبادئ التي طرحها (ص)، ولكن لم يكن لهم من الوعي العقائدي الراسخ الا شيء قليل، هذا المعنى شرحناه وبيناه وبينا جهاته وقلنا ان الامة لم تكن على مستوى الوعي وإنما كانت على مستوى الطاقة الحرارية، اذن فنحن سوف لن نتوقع فيها ان تبقى مشتعلة، وتبقى على جذوتها وحرارتها بعد وفاة رسول اللّه (ص)، يبقى هذا ايضاً غير منطقي، اذن يجب ان نفكر في ان هذه الطاقة الحرارية قد تضاءلت بدرجة كبيرة وحتى تلك الصبابة من الوعي تلك الجذور من الوعي التي كان رسول اللّه (ص) قد بدأ بها كي يواصل بعد هذا خلفاؤه المعصومون عملية توعية الامة، حتى تلك البذور قد فتتت ، واخفقت ومنع بعضها عن الاثمار، وبقي بعضها الأخر بذوراً منقسمة ايضاً ، وحينما نتصور الامة الاسلامية بهذا الشكل، من ناحية اخرى يجب ان نتصور مفهوم المسلمين عن معاوية، نحن الأن ننظر الى معاوية بعد ان استكمل خطه من الدنيا، وبعد ان دخل الكوفة وصعد على منبر علي بن ابي طالب (ع) وقال اني لم احاربكم لكي تصوموا او تصلوا وانما حاربتكم لان أتأمر علكيم، بعد ان اعلن بكل صراحة ووقاحة عن هدفه، وبعد ان طرح بكل برودة شعار الخليفة المظلوم وشعار الخليفة القتيل ، دخل عليه اولاد عثمان بن عفان وقالوا له : لقد جعلنا هذا الامر

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 110 _

  وتم الامر لك يا امير المؤمنين، فما بالك لا تقبض على قتلة ابينا، قال: أولاً يكفيكم انكم صرتم حكام المسلمين .
  نحن ننظر الى معاوية بعد ان ارتكب الفظائع وغير احكام الشريعة وأبدع في السنة، ننظر الى معاوية بعد ان استخلف يزيد ابنه على امور المسلمين، وبعد ان قتل مئات من الابرار والاخيار ، ننظر الى معاوية بعد ان تكشفت اوضاعه، لكن فلنفرض ان شخصاً ينظر الى معاوية قبل ان تكشف له هذه الاوضاع، لنفترض ان اولئك الاشخاص يعيشون في اطار الامة الاسلامية وقتئذ ـ ،معاوية ماذا كان يكشف عن اوضاعه وقتئذ على المسلمين، الذين كانوا يدورون في فلك السقيفة، وحكومات السقيفة، ماذا كان من اوراق معاوية مكشوفاً وقتئذ ؟ كان معاوية شخصاً قد مارس عمله الاداري والسياسي بعد وفاة رسول اللّه (ص) بأقل من سنة، خرج الى المدينة وذهب الى الشام كعامل عليها، وبقي معاوية هناك مدللاً محترماً معززاً من قبل ابن الخطاب، الذي كان ينظر اليه بشكل عام في المجتمع الاسلامي، بنظرة الاحترام والتقدير، حتى ان عمر بن الخطاب، حينما اراد ان يؤدب ولاته ، استثنى معاوية من هذا التأديب، وحينما اراد ان يقاسم اموال ولاته استثنى معاوية من ذلك ؟! فمعاوية كان والياً موثوقاً به معززاً من الناحية الاسلامية عند ابن الخطاب، وبعد هذا جاء عثمان فوسع من نطاق ولاية معاوية ، وضم اليه عدة بلاد اخرى، اضافة الى الشام، ولم يطرأ أي تغيير في ابن أبي سفيان ، فمعاوية لم يكن شخصاً مكشوفاً بل كان شخصاً عنوانه الاجتماعي انه حريص على كرامة الاسلام، وانه هو الشخص الذي استطاع ان يدخل في قلب الخليفة الخشن الذي يعاتب ويعاقب، الذي كان يضرب ابنه بحد الخمر حتى يموت، هذا الخليفة لم يضرب معاوية، ولم يعاقبه، معاوية كان نتيجة الترويجات من قبل الحكام والخلفاء المنحرفين، وكان يتمتع بسمعة طيبة وبمفهوم طيب ، هنا دخل الصراع لاول مرة شعار الأخذ بالثأر لدم عثمان، هذا الشعار الذي أخذه معاوية وكان يبدو للبسطاء من الناس وكثير من المغفلين، كان شعاراً له وجهة شرعية، كان يقول بأن عثمان قتل مظلوماً، وعثمان بالرغم من انه خان الامانة من استهزاء بالاسلام، وبالرغم من انه صير الدولة الاسلامية الى دولة عشيرة وقبيلة، وبالرغم من انه ارتكب الجرائم

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 111 _

  التي ادنى عقابها القتل، بالرغم من هذا ، ابن أبي سفيان يقول: قتل عثمان مظلوماً .
  وليس هناك من يعرف بأن عثمان يستحق القتل، كثير من الناس البسطاء ايضاً يقولون: عثمان قتل مظلوماً ، فلا بد من القصاص، فيا علي ان كنت قادراً فاعطنا قاتليه ، وان كنت عاجزاً، فانت عاجز عن ان تطبق احكام الاسلام فاعتزل الحكم لان الخليفة يشترط فيه القدرة على تطبيق احكام الاسلام .
  هذا هو الشعار الذي ابرزه معاوية في مقابل الامام (ع)، والامام (ع) في مقابل هذا الشعار لم يكن يريد بأن يصرح بأن عثمان كان جديراً بأن يقتل ، او كان يجب ان يقتل ، لانه لو صرح بهذا ، لتعمق اتهام معاوية وطّور التهمة من قول اعطني، الى قول : انك قتلت عثمان، فبقي شعار معاوية شعاراً مضللاً الى حد كبير .
  ثم لا بد وان نلاحظ الجهود والأتعاب والتضحيات التي قام بها المسلمون في كنف علي (ع) لا ادري هل ان احداً جرّب او لم يجرب هذا الايحاء النفسي، حينما تكون المهمة صعبة على الانسان وثقيلة، حينئذ توسوس له نفسه بالتشكيك في هذه المهمة بمختلف التشكيكات، فحينما يصعب عليه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حينئذ يأخذ بالوسوسة ، من قال بأن هذا الرجل مبطل ، من قال انه قادر على هذا الكلام من قال ان شروط الامر بالمعروف تامة ، وهكذا يوسوس لاجل ان يستريح من هذه المهمة، لأجل ان يلقي عن ظهره هذا العبء الكبير، كل انسان يميل بطبعه الى الدعة، الى الكسل الى الراحة الى الاستقرار، فاذا وضعت امامه مهام كبيرة ، حينئذ، اذا وجد مجالاً للشك في هذه المهمة فسوف يكون عنده دافع نفسي الى ان يشك، يشك لاجل ان يريد ان يشك ويشك لاجل انه من مصلحته ان يشك، وهذا كان موجوداً على عهد الامام (ع) .
  العراقيون قدموا من التضحيات شيئاً كثيراً بذلوا اموالهم ونفوسهم ودماءهم في حروب ثلاثة، ألاف من العراقيين ماتوا وقتلوا، عشرات من الاطفال يتموا ألاف من النساء اصبحن ارامل، ألاف من البيوت والعوائل تهدمت، كثير من المدن والقرى غارت عليها جيوش معاوية، كثير من هذه المأسي

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 112 _

  والويلات حلَّت بهؤلاء المسلمين، نتيجة ماذا ولأجل ماذا، لاجل ان يزداد مالهم، لا، لأجل ان يزداد جاههم، لا، وانما لحساب الرسالة، لحساب الخط، لحساب المجتمع الاسلامي، لاجل هذا الهدف الكبير،وهذا هدف كبير اعز من كل النفوس واعز من كل الدماء واعز من الاموال، لكن نحن يجب ان نقدر موقف هؤلاء الذين ضحوا وبذلوا وقدموا، ثم اصبحوا يشككون لان من مصلحتهم ان يشككو، واصبح الامام يدفعهم فلا يندفعون ، يحركهم، فلا يتحركون ، لماذا، لان من مصلحتهم ان يعطوا للمعركة مفهوماً جديداً، وهو ان القصة قصة زعامة علي أو معاوية ، ما بالنا وعلي ومعاوية، اما ان يكون هذا زعيماً واما ان يكون ذلك رعيماً ، نحن نقف على الحياد ونتفرج، فاما أن يتم الامر لهذا او لذاك، هذا التعبير بداياته، وهذا التفسير الذي اوحت مصلحة هؤلاء وهؤلاء هو الذي كان يشكل عقبة دون ان يتحركوا دون ان يتحرك هؤلاء من جديد الى خط الجهاد، هذا التعبير هو الذي جعل أمير المؤمنين (ع) يبكي من على المنبر، وينعي اصحابه الذين ذهبوا، اولئك الذين لم يشكوا في خطه وفيه لحظة اولئك الذين أمنوا به الى أخر لحظة، اولئك الذين كانوا ينظرون اليه كامتداد لرسول اللّه (ص)، من قبيل عمار وامثاله، هذا عمار الذي وقف بين الصفين، ووضع سيفه على بطنه، وقال: واللّه انك تعلم لو كان رضاك ان تغمد هذا في بطني حتى أخرجته من ظهري لفعلته، واللّه انك تعلم اني لا اعلم رضا الا في قتال هؤلاء المائعين المنحرفين، كان يبكي لأمثال عمار، لأن عماراً وامثاله كانوا قد ارتفعوا فوق هذه الشكوك، قد طلقوا مصالحهم الشخصية لمصلحة الرسالة، كانوا قد غضوا النظر عن كل الاعتبارات الخاصة في سبيل حماية كيان الاسلام، وفي سبيل اعادة مجد المجتمع الاسلامي ووحدة المجتمع الاسلامي الى هؤلاء .
  اصبح هؤلاء الذين كانوا يفكرون في الهموم الكبيرة يفكرون في الهموم الصغيرة، اصبحوا يفكرون في قضاياهم، يجب ان لانعتب عليهم، نحن اسوأ منهم فنحن لم نرتفع لحظة هكذاً، نهبط وهؤلاء ارتفعوا لحظة ثم هبطوا ، هؤلاء خرجوا من بلادهم وطلقوا نساءهم واطفالهم واموالهم في سبيل اللّه، وفي سبيل قضية ليس لهم ربح مادي فيها .
  هؤلاء فعلوا هذا ساعة ثم ادركهم الشيطان، اما نحن لا ندري اذا وقفنا مثل هذا الموقف هل نصمد ولو ساعة

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 113 _

  او نبقى مكاننا، على أي حال هؤلاء كانوا ثلة، لم يكونوا عمار بن ياسر، هؤلاء بدأ الشك يتسرب الى نفوسهم، بدأوا يشكون في هذا الامام (ع) الصالح حتى تمنى الموت، لان الامام (ع) اصبح يحس انه انقطع عن هؤلاء، واصبح منفصلاً عنهم ، انهم اصبحوا لا يفهمون اهداف رسالته ، ومن أمرّ ما يمكن ان يقاسيه زعيم او قائد ان يعيش في جماعة لا تتفاعل معه فكرياً، ولا تعيش مع اهدافه ولا مع خطه، مع انسان يبذل كل ما لديه في سبيلهم، وهم لا يحسون ان كل هذا في سبيلهم، وانما يشكون فيه، في نيته، هذا هو الامتحان العسير الذي قاساه افضل الصلاة والسلام عليه، لكن بالرغم من كل هذا الامتحان يحاول ان يبث من روحه الكبير في هذا المجتمع المتفتت الذي بدأ يشك، والذي بدأ يتوقف ، كان يحاول ان يبث فيهم من روحه الكبير، الى ان خر شهيداً في مسجد الكوفة .
  اللّهم اجعلنا ممن ينتصر لدينك .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 115 _

10 ـ ثلاثة أئمة
  يدور هذا البحث حول حياة الأئمة الثلاثة (الحسن والحسين وعلي بن الحسين) الذين يشكلون مع أبيهم (ع) على ما قلناه سابقاً، المرحلة الاولى من المراحل الثلاث لحياة (ع)، فاننا قلنا فيما تقدم عن تاريخ الأئمة (ع) على ان هذا التاريخ يمكن تقسيمه الى مراحل ثلاث .
  المرحلة الاولى: وهي مرحلة تفادي صدمة الانحراف، هذه المرحلة هي التي عاش فيها قادة أهل البيت (ع) مراراة الانحراف، وصدمته بعد وفاة رسول اللّه (ص)، وكانت مرارة هذا الانحراف وصدمة هذا الانحراف التي كان من الممكن ان تمتد وتقضي على الاسلام ومصالحه وعلى الامة الاسلامية، فتصبح قصة في التاريخ لا وجود لها في خط الزمن المستمر .
  الأئمة (ع) في هذه المرحلة عاشوا صدمة الانحراف وقاموا بالتحصينات اللازمة بقدر الامكان، بكل العناصر الاساسية للرسالة ضد صدمة الانحراف، فحافظوا على الرسالة الاسلامية نفسها .
  كل هذه الاركان والمقومات حصنوها تجاه صدمة الانحراف، هذه هي المرحلة الاولى وتبدأ بعد وفاة رسول اللّه (ص)، وتستمر الى حياة الامام الرابع من قادة اهل البيت (ع) .
  المرحلة الثانية: ثم تبدأ المرحلة الثانية والامام الباقر (ع) شبه البداية لها ، وحينما نقول شبه البداية، لأن تصور هذا العمل ليس حدّياً، حيث يمكن ان نقف، على اللحظة، فنقول: هذه اللحظة هي نهاية المرحلة وبداية اخرى، وانما هذا التصور يتفق مع طبيعة الاحداث المتصورة في خط تاريخ الاسلام .
  والمرحلة الثانية، هي المرحلة التي شرع فيها قادة اهل البيت (ع) ـ بعد ان وضعوا التحصينات اللازمة وفرغوا من الضمانات الاساسية ضد صدمة الانحراف ـ ببناء الكتلة، بناء الجماعة، المنطوية تحت لوائهم، الشاعرة بكل الحدود والابعاد من المفهوم الاسلامي المتبنى من قبلهم (ع)، منذ زمان

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 116 _

  علي بن الحسين (ع)، وعلى زمان الامام الباقر والصادق (ع) كان هذا العمل يبلغ القمة، وليس معنى ذلك، ان هذا العمل الاول الذي كان اللبنة الرئيسية للمرحلة، قد انقطع، وانما معنى هذا ان العمل الاول استمر، لكن حيث ان صدمة الانحراف، كان قد امكن تقليل خطرها، خلال ما قام به الائمة الاربعة الاول من جهود وتضحيات في سبيل حفظ الاسلام، وهذا يحتم ان يواجه قادة اهل البيت (ع) المهمة الجديدة، مهمة بناء الجماعة الصالحة من مجموع هذه الامة، التي حصنت بالحد الادنى من التحصين، ولا بد ان تُنتَخبَ مجموعة من هذه الامة، فيحَصّنَّون بأعلى درجة ممكنة من التحصين، ويوعون باعلى درجة ممكنة من التوعية، حتى تكون هذه الجماعة، هي الرائد والقائد والحامي للوعي الاسلامي الذي حصن بالحد الادنى.
  هذا العمل مارسه الامام الباقر (ع) على مستوى القمة وقلنا ان هذه المرحلة استمرت الى زمن الامام الكاظم (ع)، وفي زمان الامام الكاظم (ع) بدأت المرحلة الثالثة .
  وهذه المرحلة الثالثة: لا تحدد بشكل بارز من قبل الأئمة (ع) انفسهم، بل يحددها بشكل بارز ، موقف الحكم المنحرف من الأئمة انفسهم، وذلك لان الجماعة التي نشأت في ظل المرحلة الثانية التي وضعت بذرتها في المرحلة الاولى، نشأت ونمت في ظل المرحلة الثانية، وهذه الجماعة غزت العالم الاسلامي، وقتئذ، وبدا للخلفاء ان قيادة اهل البيت (ع)، اصبحت على مستوى تسلم زمام الحكم والعود بالجتمع الاسلامي الى حظيرة الاسلام الحقيقي، وهذا خلّف بشكل رئيسي ردود الفعل للخلفاء تجاه الائمة (ع) من ايام الامام الكاظم (ع) .
  هذه هي المراحل الثلاث التي سوف نستوعبها بالتأريخ، خلال تاريخ كل واحد من الأئمة (ع) الى ان يكملوا، وخصيصة هذه المرحلة الرئيسية، ان الأئمة الاربعة (ع) قاموا بتحصينات المقومات الاسلامية للحضارة الاسلامية، ضد صدمة الانحراف، هذا الانحراف وعمقه وخطورته يمكن ان ننتبه حينئذ لجلالة وعظمة منجزات الأئمة (ع).
  صدمة الانحراف: خطورة هذا الانحراف الذي يمكننا ان نوجزه في جملة

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 117 _

  بسيطة قصيرة جداً، هي ان شخصاً غير علي بن ابي طالب (ع) تولى الامر بعد رسول اللّه (ص)، واصبح سلطان المسلمين بعده .
  هذه الجملة البسيطة هي التي تشكل كل هذا البلاء العظيم بكل مضاعفاته ونتائجه التي سوف نتحدث عنها، وليست هذه الجملة معبرة فقط، عن ظلم وغبن شخصي للإمام (ع)، واستيلاء على حق خاص من حقوقه، ليس هكذا، لو كان مجرد مظلومية علي (ع)، لوقف على مستوى العقيدة الدينية، ولم يسر الى الحياة الاسلامية في كل مجالاتها الخارجية، لم تكن المسألة مسألة عقيدة فحسب، او نزاع بين شخصين في حق مشروع يدعيه المدعي وينكره المنكر، لم يكن هذا وانما كان تغيير شخص الحاكم، تعريضاً للتجربة الاسلامية للفشل المحقق فعلاً ، ثم خطر الانهيار الكامل في المستقبل .
  بيان ذلك، ولكي يتضح هذا المعنى تماماً، لا بد وأن نعرف ما هي الرسالة التي بمجرد تغيير شخص الحاكم فيها، بمجرد استيلاء ابي بكر علي الحكم بدلاً من الشخص المعين من قبل رسول اللّه (ص) بالنص، يزعزع كيان هذه الرسالة ثم يمحقها محقاً كاملاً، لولا جهود الأئمة (ع).
  كيف ان مجرد تغيير هذا الحاكم ، يوجب هذا العمق في الخطر وهذا المحق في نهاية الشوط، وما هي الرسالة الاسلامية حتى نعرف على ضوء ذلك كيف يكون هذا الخطر عميقاً، ثم نفهم بعد هذا ما هي التحصينات ضد هذا الخطر العميق، هناك منذ البدء نظرتان اساسيتان للكون ولموقف الانسان من الكون .
  احدى هاتين النظرتين: أن يرى ان الكون مملكة لمليك قدير يراقب من وراء الستار مراقبة غير منظورة، هذه هي النظرة الأولى التي يتحدد بها موقف الانسان من الكون وطبيعة هذا الكون، وهذه النظرة، تستبطن حتماً الشعور بأن وجود الانسان في الكون، هو وجود الأمين ووجود الخليفة، لا وجود الأصيل والمتحكم، لأن هذه مملكة غيره بكل ما فيها من وجود، بما فيها نفس الانسان، هي مملكة ذاك المليك القدير المراقب من وراء الستار، وهذا يشعر بانه يقوم بأعباء الأمانة والخلافة، هذه الخلافة التي قام فيها أدم (ع)، وقامت به بعد ذلك الأجيال الصالحة لبني أدم. هذه الخلافة والامانة تستبطن معنى

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 118 _

  أخر هو ضرورة استيحاء الأمر والنهي والتدبير والتقدير والتقديم من قبل ذلك المليك القدير، لأنه خليفة وأمين، والامين لا بد له ان يطبق على الامانة التي استؤمن عليها قرارات المالك، فلا بد للانسان اذن ان يكون رهن ذلك المليك القدير .
  ثم ان الجزء الأخر لهذه النظرية الاساسية، المليك القدير المراقب من وراء الستار، يراقب ويحاسب ويدقق .
  لكن بطريقة خاصة في المراقبة والتدقيق، فانه يراقب من وراء الستار، لا يتجلى للانسان في مملكته جهاراً فكل من عصاه ينزل به العقوبات، بل يختفي عن مملكته بحسب المنطق الحسي، ويراقب اهل هذه المملكة، فكرة يراقب من وراء الستار، تستبطن المسؤولية تستبطن الثواب والعقاب، والحساب والعقاب يستبطن وجود عالم أخر، وراء هذا العالم، لتحقيق نتائج هذه المراقبة المستورة، الغير السافرة والعاجلة من قبل ذلك المليك القدير، اذن جاءت فكرة عالم أخر للجزاء والحساب والعقاب، حينئذ تجيء فكرة الاهداف الكبيرة، وحينئذ الانسان لا يكون قيد هذا الشوط القصير في الدنيا، بل يكون رهن خط طويل، يمتد من ذلك العالم المنظور، وحينئذ يكون الانسان على مستوى الاهداف الكبيرة، الاهداف التي لا يستطيع هو ان يستفيد منها ويمتصها ويستنزفها، اعظم الاهداف واجل الاهداف واسمى الاهداف، هي تلك الاهداف التي تكون اوسع من عمر الانسان .
  واحد من هذه الاهداف كيف يمكن ان تحمل الانسانية بها وتحمل الانسانية على تحقيقها، اذا كانت الانسانية لا ترى الامر في نظرها الا هذا الشوط القصير، اذن هذا الهدف ليس هدفها، لأنها لا تستلزم خسارة هذا الهدف، ولا تشرب نخبه فتكون هذه الاهداف معطلة، وتبقى الانسانية رهن الاهداف القصيرة وهي غايات المادة المحدودة، وهذه الغايات المحدودة هي منطلق الوان كثيرة من الكفاح والصراع ما ين الاسرة البشرية بين فرد وفرد، بين مجتمع ومجتمع، بين قومية وقومية، بين امة امة، اما اذا اصبحت البشرية على مستوى الاهداف الكبيرة لانها انطلقت في غاياتها وفي ثباتها الى أكثر من حدود هذه الدنيا، حينئذ تستطيع ان تقوم بأعباء تلك الاهداف الكبيرة. من خرج من بيته مهاجراً في سبيل اللّه، فمات وقع اجره على اللّه، كم من الناس درسوا وماتوا قبل ان يحققوا النتيجة، كم من ألاف المجاهدين خرجوا للحرب

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 119 _

  واستشهدوا قبل ان يذوقوا لذة النصر والانتصار، كم من ألاف من المجاهدين والمعلمين طافوا وتحملوا في سبيل مباحثهم من الاذى والظلم والاهانة، وماتوا قبل ان يذوقوا لذة الانتصار، الا ان هؤلاء حيث انهم خرجوا من بيوتهم هاجروا في سبيل اللّه سبحانه وتعالى وماتوا وسط الطريق، فوقع اجرهم على اللّه سبحانه وبذلك انفتح امام هؤلاء طريق هذه الاهداف الكبيرة، فلا يهم هذا الانسان القصير العمر ان يموت خلال الخطوة الأولى او الثانية، ما دام يسير في خط، في أي مرحلة منه يموت يقع اجره على اللّه، هنا انفتح طريق الاهداف الكبيرة، انفتح باب أن القيم الخلقية لا معنى لها ما لم تكن على مستوى الاهداف الكبيرة والجزاء الكبير الغير المنظور ، والقيم الخلقية من التضحية والفداء والحب والايثار ونحو ذلك من الامور، كل هذه انفتح بابها لانها جميعاً طرق اللّه سبحانه وتعالى ، كل من يمشي في طريق من هذه الطرق ويموت ويخسر ويبتدئ تجاهها بصدمة يقع اجره على اللّه سبحانه وتعالى، كل من يضحي فلا يلاقي جزاء تضحيته يقع اجره على اللّه ، كل من يقوم بخدمة للأخر فلا يلاقي جزاء من الأخر يقع اجره على اللّه ، لانه يدخل في ملاك من خرج من بيته مهاجراً في سبيل اللّه فمات وقع اجره على اللّه .
  هذه النظرة الاساسية تشعبت منها كل هذه الشعب وكل هذه الفروع التي بكاملها تشكل الحضارة الاسلامية.
  فالحضارة الاسلامية عبارة عن هذه النظرة الاساسية بكل شعبها وفروعها التي ترجع بالنهاية الى تجسيد كامل للعلاقة مع اللّه سبحانه وتعالى، في تفاعل الانسان مع كل مجالاته الحيوية والكونية ، هذه هي النظرة الأولى وفي مقابلها نظرة اخرى.
  والنظرة الثانية هي ان يرى الانسان نفسه بانه اصيل في هذا الكون، وحينما ينظر في نفسه على انه اصيل في هذا الكون، وان هذا الكون مستقل وغير خاضع لمليك ومراقبة من وراء الستار، حينما تتركز في نظره هذه الاصالة والاستقلال بهذا الكون تنعدم المسؤولية، واذا انعدمت المسؤولية في المقام، بقي عليه هو ان يتحمل المسؤولية بنفسه .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 120 _

  يعني، بدلاً من ان يشعر بانه مسؤول ومراقب امام جهة علياً تضعه امام اهداف كبرى في سبيل الثواب الكبير والعقاب الكبير، يصنع هو المسؤولية وحينما يتحمل هو وضع المسؤولية تكون هذه المسؤولية تكون هذه المسؤولية نتاج نفسه فينعكس فيما وضعه تمام ما في نفسه، تمام المحتوى الداخلي والروحي والحسي بكل ما فيه من نقص وشهوة، وحينئذ حينما يريد الانسان ان يحدد لنفسه مسؤولياته، يحددها على ضوء اهدافه، التي سوف يحددها على ضوء مدى طريقه، وحيث ان طريقه محدود، وحيث ان طريقه منكمش في نطاق المادة، فسوف تكون الاهداف على مستوى الطريق، وحينما يكون كذلك، فسوف تكون المسؤوليات في نطاق هذه الاهداف، وبعد هذا سوف يخسر القيم الاخلاقية، ويتولد عن ذلك الوان من الصراع والنزاع بين البشرية حيث تصبح جماعات ووحداناً وهذه النظرة غير اسلامية.
  لماذا جاء الاسلام: الاسلام جاء لأجل ان يربي الانسان على النظرية الاولى، لا لأجل ان يكون مجرد عالم يجيء بنظرية ليكتبها في كتاب، بل جاء الاسلام ليربي الانسان على هذه النظرية بحيث تصبح جزءاً من وجوده وتجري مع دمه وعروقه، مع فكره وعواطفه وتنعكس على كل مجالات تصرفه وسلوكه مع اللّه سبحانه وتعالى، ومع نفسه ومع الأخرين .
  فعليه لا بد للاسلام ان يهيمن على هذا الانسان، وعلى كل طاقاته وعلاقاته، ليستطيع ان يربيه، فالمربي لا يستطيع ان يربي شخصاً ما لم يهيمن عليه، اذا لم يهيمن عليه يكون مجرد استاذ وتلميذ، الاستاذ يلقي النظرية العلمية للتلميذ ، فان شاء التلميذ قبل وان شاء رفض وهذا باب التلمذة والبحث .
  واما باب التربية فانه باب الهيمنة، الاب يستطيع ان يربي ابنه فيما اذا هيمن عليه، وعليه فالهيمنة هي الشرط الاساسي للتربية، والهيمنة كلما كانت اوسع نطاقاً واوسع مجالاً ، كانت اكثر إنجاحاً لعملية التربية، قلنا ان الاب يستطيع ان يربي ابنه، لكن قد لا يستطيع ان ينجح، لأن وجود ابنه ليس كله تحت هيمنته وسيطرته لان هذا الابن هو ابنه، وايضاً ابن المجتمع، ابن مجتمع كبير يتفاعل معه ويتأثر به ويؤثر فيه، ويتبادل معه العواطف والمشاعر

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 121 _

  والافكار والانفعالات وقد يقيم معه علاقات بالحقول الاخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك من مجالات حياته فهو ليس ابنه وحده بل ابن المجتمع ايضاً .
  الاب اقوى حقيقة وابوته مجازية، فبنوة المجتمع لهذا الولد، أكثر بكثير من بنوته لهذا الاب الذي ولد منه، ولهذا قد يعجز كثير من الأباء عن تربية ابنائهم في المجتمع الفاسد، كم سمعت من أب يتذمر اذ انه لا يستطيع ان يربي ابنه في أخر الزمان ومع هذا الفساد مثلاً، كل هذا لانه يوجد أب أخر لهذا الابن وهو المجتمع .
  كيفية وجود التربية الكاملة: والتربية الكاملة لا يمكن ان تكون لهذا الفرد، الا اذا هيمن المربي عليه، على علاقاته الاجتماعية وروابطه مع غيره ايضاً، يصبح تمام هذا الوجود تحت سيطرة هذا المربي، بحيث يصير شخص واحد هو الاب ويكون هو المجتمع، فحينئذ يصبح هذا مربياً كاملاً مطلقاً بالنسبة الى هذا الابن .
  وهذا ما صنعه رسول اللّه (ص)، هيمن على العلاقات الاجتماعية، لأنه تزعم بنفسه المجتمع، لأنه انشأ مجتمعاً وقاده بنفسه، ووقف رسول اللّه (ص) يخطط لهذا المجتمع ويبني كل العلاقات داخل الاطار الاجتماعي، علاقه الانسان مع نفسه ، علاقته مع ربه، علاقته مع عائلته، علاقته مع بقية ابناء مجتمعه، علاقته في مختلف المجالات والحقول الاجتماعية والشخصية، فكان هو الذي يخطط، لذا كل هذه الأمور صارت تحت هيمنته ، فحينئذ استكمل الشرط الاساسي للتربية الناجحة .
  ولا شك ان رسول اللّه (ص)، لو كان قد امتد به العمر، او كان قد امتدت التجربة الاسلامية من بعده على يد خلفائه المعصومين الميامين من اهل بيته من أمير المؤمنين (ع)، وأولاده (ع) اذن لقدّر لهذه التجربة والتربية ان تؤتي ثمارها بشكل عجيب، هذه الثمار نقرأها الان بعنوان المعجزات والكرامات من احوال الناس بعد ظهور الحجة، وتلك المعجزات والكرامات ليست معجزات وكرامات ، وانما هي نتيجة تربية ، هل يمكن أن يبلغ المجتمع البشري الى مستوى من التعاون والتعاضد ، الى مستوى من التوحيد والترفع، بحيث يستغني عن النقد، عن

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 122 _

  التعبير المادي القاسي جداً في حياة الانسان، الروايات وقعت تقول بان هذا سوف يقع في عهد الحجة (ع).
  ونتيجة هذه التربية المخططة على يد رسول اللّه (ص) ويد الخلفاء المعصومين من اهل بيته (ع)، فالتجربة الاسلامية اذن كانت تشمل عناصر ثلاثة ، باعتبار انها عملية تربية من فاعل وهو المربي، ومن تنظيم يستمد من قبل الشريعة، ومن حقل لهذا التنظيم وهو الامة أي المجتمع، هذه هي العناصر الثلاثة المزدوجة في هذه التجربة .
  ولكن الانحراف بدأ يغير العناصر الرئيسية لهذه التجربة .
  أحد هذه العناصر لهذه التجربة تهدّم بعد وفاة رسول اللّه (ص) بمعنى ان ثلث التجربة الاسلامية تهدم، تهدم ذاك البناء الذي لأجله جاءت اربع وعشرون الف رسالة من السماء، وكان تهدم هذا الجزء الواحد كفيلاً بهدم الجزئين الأخرين، لأن هذه التجربة متفاعلة في عناصرها، فبهدم جزء منها يتهدم الجزءان الأخران. لا ندري ان المسلمين وقتئذ، هل كانوا يتصورون عمق هذا الانحراف بعد هذا ... ؟! أكبر الظن انهم لم يكونوا يتصورون ذلك، بل غاية ما كانوا يتصورونه ان المسألة مسألة تغيير حكم من احكام اللّه لا أكثر، ان اللّه سبحانه وتعالى جعل علياً، وهم جعلوا ابا بكر، اما باقي الجهات فيبقى الوضع فيها على حاله، بقيت الصلاة على حالها، بقيت الزكاة على حالها تجبى، بقي الفقراء يُعطَونَ منها، بقي كتاب اللّه يقرأ في المساجد، بقيت الجماعات تقام ظهراً وعصراً، ومغرباً وعشاءً وصباحاً، بقي بيت اللّه يحج اليه عشرات الألاف من الناس، بقي الجنود والمرابطون يفتحون بلاد اللّه الواسعة، بلداً بلداً، وعليه لم يتغير شيء سوى ان شخصاً كان اسمه علي، هو أعدل وأعلم من أبي بكر، أقصي من مقام الحكم لغلبة الأهواء والشهوات ولامور اخرى سوف تذكر في حياة أمير المؤمنين (ع)، وجعل مكانه ابو بكر لا أكثر من هذا المقدار .
  وفي الحقيقة لم يكن الأمر كذلك، وانما كان هذا نذير شؤم بالنسبة الى التجربة الاسلامية كلها، لما بدل شخص الحاكم وجعل مكانه أخر، هذا الحاكم الأخر لم يكن معصوماً ، ولم يكن مصمماً من قبل واضع التجربة، ومعناه ان هذا الانسان على أقل تقدير، حتى لو أخذنا بمفهوم السنة عن ابي

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 123 _

  بكر ، فهو انسان تحتشد في نفسه افكار كثيرة خاطئة، تحتشد في نفسه شهوات كثيرة تعرضه للانحراف ، لم يكن معصوماً لا من ناحية المفاهيم الفكرية ولا من الناحية العملية، هذا الانسان جاء ليتسلم زمام التجربة الاسلامية في بداية امرها بدلاً من ذلك الانسان المعصوم، حينئذ من هو الحاكم الأن، هو ابو بكر، ابو بكر يعني المجموعة الكثيرة من العواطف والمشاعر والانفعالات، اذن فالحاكم هو هذه الكومة من الافكار والعواطف .
  هذا هو ابو بكر، اذن فالحاكم هو هذه الحفنة، فلنفرض ان فيها 50% افكاراً وعواطف اسلامية لكن فيها 50% من العواطف مما هو ليس باسلامي اذن فقد اصبح الحاكم مزدوج الشخصية، اصبح الحاكم في المقام عبارة عن 50% من الافكار.
  والعواطف الاسلامية من جهة رأي السنَّة و 50% من العواطف والافكار غير الاسلامية والجاهلية في المقام، فبطبيعة الحال ان هذا النصف الثاني على أقل تقدير لو لم نقل بان كلا النصفين حاله هكذا، واخذنا بنظرية من يقول ان القصة قصة مناصفة، لا اقلّ من ان يكون هذا الشخص عرضة للانحراف، من هو الضامن لعدم الانحراف، هل الضامن هو الامة، الامة لم تكن على مستوى العصمة وقتئذ، كما ان ابا بكر لم يكن معصوماً، لقد كان من الممكن ان تبلغ الأمة درجة العصمة خلال تربية طويلة ، لو ان رسول اللّه (ص) والأئمة (ع) قد توالوا على امة واحدة، ومارسوا عملية التجربُة، كان من الجائز ان تبلغ الامة بوصفها المجموعي مستوى العصمة بحيث لا تحتاج بعد هذا الى قائد معصوم، بل هي تحكم نفسها بنفسها، هذا امر جائز عقلاً، ولكن بعد رسول اللّه (ص) لم تكن الامة معصومة، والدليل على هذا يأتي بعد ذلك، فاذا لم تكن الامة على مستوى العصمة، اذن فسوف ينفتح من هذا الحكم الغير المعصوم الخطر على الاجزاء الاخرى للتجربة ، للمقومات الاساسية للرسالة الاسلامية، سوف ينفتح الخطر على المصادر الاخرى، على الكتاب والسنة ، ومن البديهي انه لم يكن الكتاب والسنة في عهد الرسول الاعظم (ص)، مدونين في كتاب، لم يكن هذا الكتاب في ايدي المسلمين بوصفه كتاباً او قرأناً، محدوداً من الفه الى يائه، وانتم تعلمون ان السنة لم تكن مكتوبة اصلاً وانما كانت محفوظة في صدور المسلمين وقتئذ والسنة كانت هي في الصدر الثاني للاسلام، ماذا يترقب من شخص حاكم منحرف في

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 124 _

  المقام ان يقف من هذين المصدرين وان يعمل في حمايتهما، لم يكن هناك تحصين من الخارج من قادة اهل البيت (ع) بالنحو الذي سوف نشرحه ان شاء اللّه، كان من الطبيعي ان يترقب ان السنة سوف تكون عرضة للضياع والانحراف والتزوير على اساس الانحراف في هذا الحكم، فالمقومات الاسلامية للاسلام سوف تتطور وتزور ، الاسلام نظرية للحياة، هذه النظرية سوف تتطور وتزور وتشوه بشكل أخر، بشكل جاهلي لا يختلف عن نظرية جاهلية لأن المصدر الاساسي للاسلام عرضة للتحريف وللاقصاء عن مجالاته الذهنية والاسلامية وحتى لو لم تكن عرضة فان النصوص الموجودة في امهات الكتب، لم تكن تعطي النظرية الحقيقية للناس ، الناس حسيون اكثر منهم منطقيون، الناس يعيشون ما يرون لا يعيشون ما يقرأون حبراً على ورق، اذن فيعيشون ما يرون النظرية التي يمارسها ابو بكر ويمارسها الخلفاء الذين تولوا من بعده، يمارس هذا الخط المنحني، من الانحراف الذي اشتد انحناؤه بالتدريج حتى بلغ الى الهاوية من الانحراف، سوف يعيشون هذا الواقع وهذا المجسَّد للنظرية الاسلامية للحياة وسوف لن تبقى هناك اطروحة اخرى للنظرية الاسلامية للحياة، وبذلك يفقد الاسلام اطروحته على المستوى النظري، وعلى المستوى النضالي، بعد ان فقده على المستوى الواقعي والمستوى الاجتماعي والخارجي، بعد هذا سوف تزول الامة نفسها لأن هذه الامة سوف ينعكس فيها، بعد اقصاء مصادر الرسالة عنها، وبعد تشويه معالم النظرية الاسلامية في وجهها، وبعد تعمق الحاكم في انحرافه، ومعنى انحراف الحاكم انه سوف يتميع في حفظ مصالح الأمة وسوف يتحيز في حاكميته، وسوف ينعكس هذا التميع للامة في الظلم والفساد والتناحر والصراع فيما بين افراد الأمة، لان الوالي لا يحفظ مصالحه الحقيقية، وسوف ينعكس على الامة في الضياع والذل وفقدان الإرادة وفقدان الشعور بالمسؤولية .
  اذن سوف تصبح الأمة، بعد شوط طويل من الزمن، ملؤها الفساد وانعدام الارادة، وهذه التجربة الاسلامية المنحرفة، سوف تسقط حتماً في يوم من الايام، لأنها منحرفة، ولو كانت اسلامية وسوف تجيء بتجربة اخرى لا اسلامية مكانها وحينما تجيء تلك التجربة مكانها، سوف تواجه امة متميعة لا

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 125 _

  يوجد لديها أي مناعة ضد الكفر، وسوف تندمج هذه الامة اندماجاً كاملاً بالتجربة الكافرة، وبذلك يضيع الإسلام والرسالة، والنظرية الإسلامية للحياة، وتضيع الأمة نفسها .
  هذه هي الاخطاء التي كان يترقب ان تنجم من منطلق الانحراف يوم السقيفة .

11 ـ بداية الانحراف
  كنا نريد أن نحدد دور الائمة (ع)، والمخلصين ممن يدور في فلكهم من اهل البيت (ع)، والواعين من المسلمين في عصرهم في حماية الاسلام، ورد الفعل على ما يقع من انحراف بعد وفاة النبي الاعظم (ص).
  هناك دور مفروض للأئمة (ع) في نص الشريعة الاسلامية، في عالم التشريع، وهو دور صيانة تجربة الاسلام، تجربة المجتمع الاسلامي التي أنشأها النبي (ص)، وكان المفروض ان هذه القيادة تتسلسل في هؤلاء الأئمة (ع) الاثني عشر (ع) واحداً بعد الأخر.
  الا اننا نريد ان نتحدث عن هذا الدور التشريعي وادلته ومبرراته، يعني لانريد ان ندرس مواطن العبرة من حياة الأئمة (ع) ونفهم ان الائمة (ع) بعد ان أقصوا عن مراكزهم القيادية في تزعم التجربة الاسلامية للمجتمع والدولة وللامة، ماذا كان وصفهم، فان معرفة وضع الائمة بعد الاقصاء مما يؤثر في حالنا ومما نحن فيه من خط في عملنا، وفي تصورنا وموقفنا الاسلامي تجاه قضايانا واهدافنا، الفكرة التي اريد ان أعرضها خلال ايام عديدة الخصها في البدء بعدة كلمات ثم بعد هذا ابدأ بتطبيقها .

ماذا جابه الاسلام
  إن الاسلام جابه بعد وفاة النبي (ص)، انحرافاً خطيراً في صميم التجربة الاسلامية التي أنشأها النبي (ص) للمجتمع الاسلامي والامة الاسلامية، وهذا الانحراف في التجربة الاجتماعية للامة والتجربة السياسية للامة في الدولة الاسلامية، كان بحسب طبيعة الاشياء من المفروض ان يتسع ليتعمق بالتدريج على مر الزمن، الانحراف يبدأ بذرة ، وتنمو هذه البذرة، وكلما تحقق مرحلة من الانحراف تمهد هذه المرحلة لمرحلة اوسع وارحب، فكان من المفروض ان يصل هذا الانحراف الى خط منحن ، طوال عملية تاريخية زمنية طويلة المدى، يصل الى الهاوية فتمر التجربة الاسلامية للمجتمع

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 126 _

  والدولة، لتصبح مليئة بالتناقضات من كل جهة ومن كل صوب، وتصبح عاجزة عن مجاراة ومواكبة الحد الادنى من حاجات الامة ومصالحها حتى تعلن عن افلاسها نهائياً عن مواكبة الحد الادنى من حاجات هذه الامة وعن الحلول بالحد الادنى للقضايا التي تتبناها وللرسالة التي تعلن عنها، فحينما يتسلسل الانحراف في خط تصاعدي من هذه القبيل أو في خط تنازلي الى الهاوية من هذا القبيل، فمن المنطقي في فهم تسلسل الاحداث، ان هذا التجربة سوف تتعرض بعد مدى من الزمن لانهيار كامل، يعني ان الدولة والمجتمع الاسلامي والحضارة الاسلامية لقيادة المجتمع سوف تتعرض للانهيار الكامل لأن هذه التجربة حين تصبح ملأى بالتناقضات، وحين تصبح عاجزة عن مواجهة وظائفها الحقيقية، تصبح عاجزة عن حماية نفسها ، لأن التجربة تكون قد استنفدت امكانية البقاء والاستمرار على مسرح التاريخ كما ان الامة ليست على مستوى حمايتها، لأن الامة لا تجني من هذه التجربة الخير الذي تفكر فيه، ولاتحقق عن طريق هذه التجربة الأمال التي تصبو اليها، فلا ترتبط بأي ارتباط حياتي حقيقي معها ، فالمفروض ان تنهار هذه التجربة في مدى من الزمن، تنهار كنتيجة نهائية، وخاتمة حتمية لبذرة الانحراف التي غرست فيها .

معنى انهيار الدولة الاسلامية
  ومعنى انهيار الدولة الاسلامية ان تسقط الحضارة الاسلامية وتتخلى عن قيادة المجتمع، والمجتمع الاسلامي يتفكك، والاسلام يقصى عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للامة، لكن الامة تبقى طبعاً المسلمون يبقون كأمة التجربة، تجربة المجتمع والدولة تفشل وتخطئ وتنهار امام اول غزو يغرها، كما انهارت التجربة امام الغزو التتري، الذي واجه الخلافة العباسية، وواجه الدولة الاسلامية في اواخر الخلافة العباسية .
  هذا الانهيار يعني ان الدولة والتجربة سقطت ام ان الامة بقيت، لكن هذه الامة ايضاً بحسب تسلسل الاحداث من المحتوم ان تنهار فبعد ان تنهار التجربة، الامة كأمة تدين بالاسلام، وتؤمن بالاسلام، وتتفاعل مع الاسلام ايضاً تنهار، لماذا: لأن هذه الامة، عاشت الاسلام الصحيح الكامل زمناً قصيراً، وهو الزمن الذي مارس فيه التجربة شخص الرسول (ص) الاعظم

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 129 _

  وبعد هذا عاشت تجربة منحرفة، هذه التجربة المنحرفة ما استطاعت ان تعمق فيها الرسالة وتعمق فيها المسؤولية تجاه عقيدتها، وتثقفها وتحصنها وتزودها بالضمانات الكافية لعدم الانهيار امام حضارة جديدة، وغزو جديد، وافكار جديدة يحملها الغازي الى بلاد الاسلام، فهذا الغازي الذي يأتي يحطم التجربة، يحطم المجتمع الاسلامي، يحطم الدولة الاسلامية، يأتي معه بتقاليد ومفاهيم حضارية، سوف تؤثر على الامة الاسلامية التي لم تعرف الاسلام معرفة حقيقية كاملة طيلة هذه التجربة المنحرفة، فسوف لن تجد هذه الامة الاسلامية، في نهاية هذه التجربة المنحرفة، بعد ان اهينت كرامتها، وبعد ان حطمت ارادتها، وبعد ان غلت اياديها عن طريق الزعامات التي مارست تلك التجربة المنحرفة وبعد ان فقدت روحها الحقيقية سوف لن تقدر على تحصين نفسها ضد ما يطرأ بعد انهيار التجربة، وحينئذ ستنهار الامة ايضاً كما انهارت التجربة .
  الامة ايضاً سوف تنهار بالاندماج مع العالم الكافر الذي غزاها سوف تذوب الامة، وتذوب الرسالة والعقيدة، وتصبح الامة خبراً بعد ان كانت امراً حقيقياً على مسرح التاريخ، وبهذا ينتهي دور الاسلام .
  هذا هو التسلسل المنطقي بقطع النظر عن دور الائمة (ع)، تبدأ بذرة الانحراف بعد النبي (ص) بحكم طبيعة الاشياء، وينمو هذا الانحراف بالتدريج، يتعمق بالتدريج، تتردى التجربة بالتدريج حتى تصبح عاجزة عن حماية نفسها وتصبح الامة ايضاً عاجزة عن حماية هذه التجربة، فتتعرض لنكسة امام أي غزو يأتي من الخارج وسوف تصبح هذه الامة حينئذ مجموعة من البشر المتميعين الذائبين الخانعين، الغير الواعين والغير الملتفتين لرسالتهم، فبطبيعة الحال ان هذا الامة سوف تنهار، وسوف تتفتت كأمة، فتسقط بعد ان سقطت التجربة .