12 ـ دور الأئمة (عليه السلام) تجاه هذا التسلسل
  اما دور الأئمة (عليه السلام) تجاه هذا التسلسل فيتلخص بأمرين:
  الأمر الأول: الذي كان الأئمة (عليه السلام) يعيشونه في حياتهم، هو محاولة القضاء على الانحراف الموجود في تجربة المجتمع الاسلامي، وارجاعها الى وضعها الطبيعي، وذلك باعداد طويل المدى، وتهيئة للطروف الموضوعية التي تتناسب وتتفق مع ذلك .
  فمتى ما كانت الظروف الموضوعية مهيأة لذلك، كان الأئمة (عليه السلام) على استعداد لأن يمارسوا ارجاع التجربة الى الوضع الطبيعي، كما مارس امير المؤمنين (عليه السلام) وقال: بان اللّه سبحانه وتعالى اخذ عهداً على الانسان ان لا يقر على الظلم مع وجود الناصر، والناصر موجود، وفي كلمة الناصر استبطن كل الحدود والظروف الموضوعية التي سوف تذكر فيما بعد والتي ذكرناها سابقاً .
  التي تجعل في قدرة الانسان الامام المعصوم، ان يحاول اعادة التجربة الاسلامية الى وضعها الطبيعي ووضعها الصحيح الكامل.
  الأمر الثاني: والذي كان يمارسه الأئمة (عليه السلام)، حتى في حالة الشعور بعدم وجود هذه الظروف الموضوعية، التي تهيئ الامام لخوض معركة في مقام تسلم زمام الحكم من جديد .
  فالدور الثاني الذي كان يمارسه الأئمة (عليه السلام) والذي كان يمارسه الامام (عليه السلام) هو تعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً للامة نفسها، بغية ايجاد تحصين كاف في صفوفها لكي يؤثر هذا التحصين في مناعتها، وفي عدم انهيارها بعد تردي التجربة وسقوطها، إذ كان من اللازم بعد ان حرمت الامة الاسلامية من التجربة الصحيحة الكاملة للحياة الاسلامية، بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ان تطعم وتغذى الامة كأمة، تطعم الامة وتغذى بالاسلام رسالياً، وتغذى في مجالها الروحي والفكري والاجتماعي والسياسي، لكي تستوعب الاسلام .

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 132 _

  واقصد بالامة لا مجموع الامة لأن هذا لا يمكن ان يتحقق بالنسبة الى المجموع الا في حالة قيادة تمارس التجربة وتمارس الحكم وتمارس الدولة في المجتمع، ولكن الذي اقصده في المقام من التعبئة، ايجاد قواعد واعية في الامة، وايجاد روح رسالية، فيها وايجاد عواطف تجاه هذه الرسالة في الامة .
  والائمة (عليه السلام) حتى في حالة شعورهم بعدم امكان استرجاع مركزهم المغصوب، كانوا يعملون عملاً مهماً جداً لانقاذ وجود الامة في المستقبل، وضمان عدم انهيارها الكامل وتفتتها كأمة بعد سقوط التجربة وذلك باعطاء التحصين الكامل المستمر لها، على تفصيل سوف يأتي ان شاء اللّه خلال شرح هذه الفكرة، والفكرة على سبيل الاجمال، ملخصاً لما سبق لتتمة تتبع التسلسل في عرضها .
  ولقد وقع الانحراف بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) هذه البداية في تسلسل هذه الفكرة وكان هذا الانحراف الذي وقع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) انحرافاً سياسياً خطيراً جداً، بالرغم من ان هذا الانحراف لم يمس بحسب الظاهر الا ميداناً واحداً من الميادين التي كان يعتمد عليها الاسلام، في بداية الامر لعل كثيراً من الناس بدا لهم ان هذا الانحراف لا يعني اكثر من ان شخصاً كان مرشحاً من قبل النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) او من قبل اللّه سبحانه وتعالى، وهذا الشخص قد اقصي او غصب حقه، واعطي لشخص أخر بدلاً عنه، قد يكون هذا الشخص الأخر قادراً على ان يقوم مقامه في هذه المهمة .
  الا ان الانحراف لم يكن انحرافاً شخصياً، او سهلاً او بسيطاً بهذا المقدار، لأننا قلنا فيما سبق، بأن الاسلام رسالة تربية للانسان، رسالة جاءت لتبني الانسان من جديد، وبناء الانسان من جديد، يتوقف على السيطرة على كل المجالات، وما لم يمتلك زمام كل تلك الميادين، لا يمكن ان يسيطر على كل ابعاد الانسان، وبالتالي ان يربي الانسان وفقاً للرسالة التي جاء بها، التربية الشاملة الكاملة للانسان بشكل متميزاً كلياً عن انسان ما قبل الاسلام، عن انسان الجاهلية، هذا يتوقف على المربي بحيث يسيطر على كل المجالات التي يعمل عليها الانسان يسيطر على مجالات العلاقات الفردية مع ربه، يسيطر على مجالات علاقاته مع الأخرين في النطاق العائلي، يسيطر على مجالات علاقته مع

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 133 _

  الافراد الأخرين في المجال الاجتماعي وهكذا يسيطر على كل المجالات لأن أي واحد من هذه المجالات، لو انه لم يسيطر عليه، فمعنى هذا انه لم يسيطر على جزء من الانسان، لأن الانسان يتفاعل مع كل هذه المجالات، انتم ترون ان الاب لا يستطيع ان يربي ابنه تربية كاملة شاملة، ليس الاب هو المربي الوحيد لابنه، لأن هناك اشياء اخرى تشاركه في تربية ابنه، يشاركه في تربية ابنه زملاؤه في المدرسة واساتذته فيها .
  المجتمع الذي يعيش فيه، الشارع الذي يلعب فيه، القوانين التي تطبق عليه من قبل الدولة، كل هذا يشارك في تربية الابن، فالتربية الشاملة الكاملة لهذا الانسان لا تكون الا بالهيمنة الكاملة على كل هذه المجالات، بحيث تؤخذ كل هذه المجالات بيد المربي، وبعد هذا يستطيع ان يحدد الاطروحة الصحيحة للانسان الافضل.
  علي هذا الاساس كانت سيطرة الاسلام على كل المجالات بما فيها المجال الاجتماعي الذي هو رأس هذه المجالات، كان هذا جزءاً اساسياً من التركيب الاسلامي ومن الاطروحة الاسلامية، كان من الضروري جداً للنبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ان يسيطر على كل هذه المجالات لا ان يكون واعظاً في المسجد فحسب، ولا ان يكون استاذاً في حلقة فحسب، بل يكون هذا وذاك، ويكون اضافة الى هذا وذاك، رائداً للمجتمع، حاكماً للمجتمع في كل مكان، في كل ما يمكن ان يصبو اليه المجتمع من أمال واهداف، ويكون مخططاً ومقنناً للمجتمع في كل المجالات، في كل ما يحتاج اليه المجتمع من قوانين وتنظيم، هذا هو اسلوب التربية الشاملة الكاملة الذي اتجه اليه الاسلام، وليس من الكلفة ان يقال في نص نبوي، من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، لأن الارتباط بالامام (عليه السلام) والارتباط بالقيادة جزء من التربية الشاملة الكاملة للانسان، فوجود قيادة اسلامية للحياة الاجتماعية كان جزءاً ضرورياً في الحياة الاسلامية الاجتماعية، وانجاح الثورة الاسلامية، وانتاج الامة والفرد والعائلة التي يريدها اللّه سبحانه وتعالى، والتي يحددها القرأن الكريم وعلى ضوء هذا، نستطيع ان نعرف ان أي انحراف يحصل في هذا المجال، في مجال قيادة المجتمع، أي انحراف يقع في هذه القيادة فهو يهدد المخطط بكامله: لأن هذا الانحراف، سوف يجعل المجال الاجتماعي يفلت من يد الاسلام، واذا افلت

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 134 _

  هذا المجال من يد الاسلام فسوف يفلت من يد الاسلام جزء كبير من وجود الانسان، وبالتالي، وبقانون التفاعل بين اجزاء الانسان بعضها ببعض، سوف تفلت بقية الاجزاء ايضاً .
  هذا الانحراف كان يشكل بداية خطر على التجربة الاسلامية كلها، على عملية التربية الاسلامية كلها، ولم يكن مجرد استبدال شخص بشخص أخر، كان ظلماً للتجربة الاسلامية كلها، وبالتالي للبشرية كلها .
  هذا الانحراف وقع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) وتمثل في ان جماعة من صحابة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) لم يرتضوا علياً المنصوص عليه من قبل النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، للخلافة فتصدى بعضهم لها، مارس ابو بكر قيادة التجربة الاسلامية بعده مارس عمر بن الخطاب، بعده مارس عثمان بن عفان، هؤلاء الصحابة تارة ننظر اليهم بمنظار شيعي خاص نختص نحن به في مقام النظر اليه، وهذا المنظار لا نريد ان نتحدث عنه، لأننا متفقون على طبيعة هذا المنظار، لكننا نصرف النظر عن هذا المنظار الخاص الذي نحن متفقون عليه فيما بيننا، وننظر الى هؤلاء بقطع النظر عن المنظار الخاص، النظر الى هؤلاء بالمنظار العام، ان تسلم هؤلاء الحكام لزمام زعامة التجربة الاسلامية كان يشكل بداية انحراف، وكان سبباً حتمياً لتأرجح التجربة بين الحق والباطل ، واستبطانها شيئاً من الباطل، واتساع دائرة الباطل بالتدريج وذلك لعدة أمور:
  اولاً: أن هؤلاء الصحابة الذين تسلموا زمام الحكم بقطع النظر عن ذلك المنظار الخاص الذي جمدناه الأن في حبل الكلام، هؤلاء اناس يشهد التاريخ بانهم عاشوا الجزء الأكبر من حياتهم في عصر جاهلي، وضمن اطار التفكير الجاهلي في كل ما كانوا يفكرون فيه، او يعملون فيه، او يتألمون منه، في كل مجالاتهم العاطفية، ومجالات اهدافهم، ومجالاتهم الفكرية والعقائدية، لم تكن حياتهم قبل الاسلام الا حياة من طرز جاهلي أخر، بعد هذا دخلوا في الاسلام ولا نريد ان نتحدث عن طبيعة دخولهم في الاسلام، افرضوا ان هؤلاء دخلوا في الاسلام دخولاً حسناً، وعاشوا مع الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) عيشة حسنة، الا ان هذه الاهداف المضادة لم تستأصل، وبذور هذه الجاهلية لم تستأصل من افكارهم وعقولهم، بدليل انهم بالرغم من عيشهم

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 135 _

  مع النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، وبالرغم من الإدعاء بالاستئثار بلطف النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، بالرغم من كل هذا كانوا بين حين وحين يعلنون عن تقاليد او عن تصورات ترتبط بالوضع الذي كانوا يعيشونه قبل الاسلام، ومع كل ما نعلم، يضع الخليفة الثاني احتجاجه على متعة الحج، بالرغم من ان متعة الحج عمل عبادي خالص، لا يرتبط بأي مصلحة من مصالح الدنيا المعلومة، الانسان العاقل لا يستطيع ان يدرك بعقله، أيهما احسن، هل الاحسن هي العمرة المستمرة الى الحج، او العمرة المتحلل منها التى يأتي بعدها الحج، هذا بعقولنا لا نستطيع ان نحكم عليه بانه افضل او ذاك افضل، فهي مسألة عبادية ثابتة، هنا عمر لم يتأثر في احتجاجه بعقله، لأن العقل لا يدرك ايهما الافضل، وانما تأثر بطبيعة تربية عادته وتقاليده، وان الجاهلية التي كانت قبل الاسلام، وانما تأثر بطبيعة تربية عادته وتقاليده، وان الجاهلية التي كانت قبل الاسلام، كانت ترفض التحلل بين العمرة والحج، مثل هذه العادة أثرت في نفس الخليفة الثاني اثراً كبيراً، الى درجة ان يرد على رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) وجهاً لوجه في ذلك، وفي حياتهم شواهد كثيرة على هذا تظهر بين حين وحين، ولا نريد ان نقول من هذا، ان هؤلاء كانوا اناساً يستبطنون الكفر او العداء للاسلام، او البغض لشخص النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، فان الحديث عن هذا قد جمدناه بل ان هذا يمكن ان ينسجم حتى مع التصور السني لهؤلاء، اناس صحابة صالحون، ولكنهم مع هذا كله لا يزال الراسب الجاهلي يعيش في اعماقهم بثلاثين في المائة او اربعين او خمسين، لا يزال جاهلياً والباقي اصبح اسلامياً.
  في يوم السقيفة طبعاً تعلمون بانهم قالوا: من ينازعنا سلطان محمد ... ؟؟
  محمد كان شيخ قبيلة، وهم شيوخ هذه القبيلة بعد ان مات شيخ القبيلة الأول يتولى شيوخ القبيلة الأخرون، من ينازعنا سلطان محمد ... ؟ هذا راسب جاهلي، قد لا يكون عمر او ابو بكر قد لا يكون هذا الصحابي يعيش هذا الراسب في تمام حالاته، بل يكون في بعض الحالات يترفع عن هذا الراسب، قد يكون الجانب الاسلامي يتغلب على هذا الجانب الجاهلي، حيث ان الراسب موجود، بالنهاية جزء من نفسه يمثل هذا الراسب، ولهذا يطفو هذا الراسب في لحظات عديدة من حياتهم الاجتماعية والسياسية، اذن فهؤلاء

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 136 _

  الخلفاء، بحكم وصفهم وحياتهم، لم يكونوا اناساً قد اجتثت الجاهلية من نفوسهم اجتثاثاً كاملاً، بل كانت الجاهلية تعيش في نفوسهم في حالة واضحة ملموسة وملحوظة، تنعكس على سلوكهم بين حين وأخر، وحينئذ فهؤلاء حينما يتزعمون قيادة التجربة الاسلامية فبطبيعة الحال الذي يتولى القيادة، قيادة هذه التجربة الاسلامية، ومن هم، هم مجموع هذه الافكار والعواطف التي سوف تحكم وهي التي سوف تسود ان كان من هذه 50% او 30% جاهلياً فمعنى ذلك ان الجاهلية سوف تشارك الاسلام في الحكم، وسوف يصبح للجاهلية حكم وتزعم في توجيه التجربة الاسلامية التي جاءت لأجل ان تنقذ الانسان من الجاهلية الى الاسلام، وتصنع الانسان الجديد، وتقضي على الانسان القديم، بينما كان المفروض هكذا واذا الجاهلية تشارك في الحكم في المقام .
  ثانياً: وهؤلاء لم يكونوا مهيئين للحكم، بقطع النظر عن جهة الراسب الجاهلي، لم يكونوا قد استوعبوا الرسالة الاسلامية استيعاباً كاملاً، لان هؤلاء الصحابة، تأثروا بالمحنة، عاشوا المحنة السياسية للدولة الاسلامية، المحنة العسكرية للدولة الاسلامية، الدولة الاسلامية كانت في خضم الحروب وفي خضم الفتن، وفي المنازعات مع المشركين من ناحية، ومع اليهود من ناحية اخرى، ومع سائر القبائل العربية من ناحية ثالثة .
  فخضم هذا الصراع العسكري والسياسي، كان يجعل الصحابة دائماً في دوامة التفكير، في كيفية حماية الدولة، وفي كيفية الدفاع عنها، وفي كيفية المساهمة في حروبها، تعلمون ان رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) غزا عشرات الغزوات في فترة قصيرة، في عدة سنوات عشرات الغزوات اعم من ان تكون وقع فيها القتال او لم يقع فيها القتال، فالحياة كانت حياة قلقة، حياة صراع عسكري وصراع سياسي مع الاعداء، ومع المشركين ومع المنافقين من كل صوب وحدب، لم يكن يتوفر لرسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) الوقت على تدريبهم او تثقيفهم على مستوى القيادة، صحيح ان رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) كان يمارس تثقيفاً عالمياً لأجل ايجاد امة واعية تتمتع بالحد الادنى من الوعي، اما انه لم يكن هناك تخطيط من قبل النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ولم يكن هناك تخطيط من قبلهم ايام النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) في ان

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 137 _

  يثقفوا انفسهم ويهيئوا انفسهم لكي يتسلموا الحكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)، ولهذا قال عمر بن الخطاب عندما عجز عن الفتوى، انه الهانا ايام رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) القصف في الاسواق عن تعلم مثل هذه الاحكام، ومع هذا هو لم يتهيأ لمستوى القيادة في المقام، قلنا بانه اشتغل في القصف في الاسواق كما هو يعترف، دون الشغل بوضع الدولة الاسلامية وظروفها السياسية والعسكرية، على أي حال لم يتهيأ للقيادة، من هنا نرى ان ابا بكر وعمر كانا عاجزين عن تحديد ابسط الاحكام الشرعية، لأنه لم يكن عندهم تثقيف لفترة ما بعد الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم).
  قلنا في بعض الايام السابقة، ان صلاة الميت التي كان يمارسها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) امام المسلمين، وكان يمارسها في كل يوم، لأنه في كل يوم او شهر يموت عدد لا بأس به من المسلمين، وكان النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) يصلي عليهم، مع هذا اختلف المسلمون بعد هذا، اختلف هؤلاء القادة بان التكبيرات على صلاة الميت كم عددها، هذا كله يعطي المعنى الاتكالي، ان هؤلاء كانوا في ايام النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) متكلين على القائد ، الرائد، المتوجه، الواحد كان يأتي يأتم بالنبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، لم يخطر على باله في مرة من المرات ان يحسب هذه التكبيرة الاولى وهذه الثانية وهذه الثالثة وهذه الرابعة حتى يحسب انها خمسة او اربعة، هذا معنى الاتكالية، هذه الاتكالية عاشها هؤلاء الصحابة في عصر النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، ولم يكن المسلمون متهيئين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) تهيؤاً فكرياً وعقائدياً لتحمل اعباء الرسالة .
  ثالثاً: ان التجربة التي عاشها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لو فرض انها هي التي تعطي الامكانيات الفعلية، فمن المعلوم ان هناك فارقاً كبيراً بين ظروف التجربة في ايام النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) والظروف التي كانت الامة الاسلامية مقبلة عليها حينئذ، الامة الاسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) كانت مقبلة على تحول اجتماعي وسياسي كبير وضخم جداً، لأنه كان من المفروض تحقيق فكرة المجتمع العالمي، هذه الفكرة التي دعا اليها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، ولكنه لم يحققها، لأن النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) الى ان توفي لم يمتد نفوذه الى اكثر من النطاق العربي بالرغم من ان النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) دعا ملوك العالم، دعا كسرى وقيصر، دعا سلطان الحبشة دعا غيرهم الى

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 138 _

  الاسلام لأجل توعيتهم بالاسلام، ولاجل تسجيل ان الاسلام مجتمع عالمي، ويدعو الى المجتمع العالمي، الذي لا يفرق فيه بين شعب وشعب وبين قومية وقومية، بالرغم من هذا لم يتحقق المجتمع العالمي، ايام النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) تحقق مجتمع عربي يحمل فكرة العالمية ويقوم على اساس الرسالة، لا على اساس الفكرة القومية او القاعدة القومية للرسالة، هذا المجتمع بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) كان من المفروض ان يبنى عالمياً، ان ينشئ المجتمع الاسلامي العالمي، ان يضم في مجتمع واحد العرب والفرس والترك والهنود وجميع شعوب الأرض، هذه المهمة صعبة وعظيمة جداً، تختلف كل الاختلافات عن الظروف الموضوعية للمرحلة الاولى التي عاشها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) .
  هذه المرحلة او هذه المهمة تحتاج الى عقلية رسالية، 100%، الى نزاهة عن كل شائب، وعن كل الانخفاضات الفكرية والعاطفية التي يعيشها الانسان القبلي، او الانسان القومي. عمر او ابو بكر لن يستطيعا ان يجعلا من تجربة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) (بالرغم من انها كانت تمر في المرحلة البدائية) اساساً ضامناً قطعياً لصفحة سيرهم في المرحلة الثانية، في مرحلة انشاء المجتمع العالمي، حتى الأن لم يعيشوا المجتمع العالمي الا كفكرة لم تولد الى النور، أن الناس كلهم اسرة، الناس سواسية كاسنان المشط، ان لا فرق بين عجمي وعربي، هذا كانوا يسمعونه كفكرة من النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لكن لم يكونا يريانه مجسداً في المجتمع وفي علاقاتهما، بحيث ان انساناً أعجمياً وانساناً عربياً عاشا مجتمعاً واحداً بصورة متكافئة، وانما هي مجرد فكرة لم يتيسر لمثل هؤلاء ان يحققوا هذه الفكرة ، وان يتولوا تحقيقها في مثل هذه المرحلة الدقيقة من التجربة الاسلامية بطبيعة الحال سوف تحصل هناك انخفاضات فكرية وعاطفية، تجعلهم دون مستوى تحقيق فكرة المجتمع العالمي، وقد تكون بذرة صغيرة جداً في عهد ما، قد تكون هذه البذرة تكبر بعد هذا وتصبح بلاء كبيراً وشراً مستطيراً .
  كلكم تعلمون بان في التاريخ امثلة كثيرة على هذا، العمدة على التاريخ في النقل، ان عمر بن الخطاب اعفى نصارى العرب في العراق من الجزية، العرب الذين كانوا موجودين في العراق اعطوا الجزية، عاتبوه قالوا: بان

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 139 _

  الجزية فيها شأن الذل لا ندفع الجزية فنحن عرب قال لهم، اذن فادفعوا الزكاة، فامر باخذ المال منهم بعنوان الزكاة!!، طبعاً لم تكن الزكاة باصغر من الجزية، لأن المشرك يدفع الجزية والمسلم يدفع الزكاة، غاية الامر كأن الجزية بحسب نفسها علاقة فيها مهانة، عمر بدل الجزية بالزكاة، فامر باخذ الزكاة، هذه البذرة الصغيرة جداً والطفيفة جداً لم تنطبق الا على عشيرة واحدة لا أكثر من عشائر النصارى في العراق، هذه البذرة على مر الزمن تأتي الشر المستطير، لعل هذه البذرة هي الاساس في كل الشرور التي عاشها المسلمون بعد هذا، او التي مني بها المسلمون نتيجة للكيانات القومية التي زعزعت بعد هذا الاسلام، وحطمت الرسالة الاسلامية، الكيانات القومية العربية والفارسية والتركية والهندية، الى غير ذلك من الكيانات القومية الكافرة التي انشئت في العالم الاسلامي، ولا اريد ان اصحح هذه النقطة، لا ادري انها صحيحة او لا، بل اريد ان اقول بان مهمة انشاء مجتمع عالمي، هذه المهمة تحتاج الى قيادة تختلف عن طبيعة الصلاة، والذوق التي كانت موجودة في هؤلاء الخلفاء .... ؟؟.
  رابعاً: أن الشعور بالظلم في نفس الخلفاء، يقيض التوسع في الاضرار، الخلفاء كانوا يشعرون بانهم ظلموا علياً، وانهم غصبوا علياً، وإنهم تعدوا على حق علي المنصوص عليه من قبل النبي (صلى الله عليه وأله وسلم).
  نعم لعلهم لم يكونوا يشعرون بانهم أساؤا الى الاسلام بهذا الترتيب، بحيث ان عملهم سوف يؤدي الى هدم الكيان الاسلامي، لعلهم لم يكونوا يشعرون، لعلهم لم يكن لهم دقة نظر وفهم منطق الاحداث، ومنطق التاريخ، لم يكونوا يقدرون بعد ستين سنة من وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ان يشرب الخمر خليفة المسلمين في بيته وفي قصره، لعلهم لا يستطيعون ان يفسروا هذا التفسير، لكنهم على أي حال كانوا يشعرون بانهم غصبوا علياً، وانهم اخذوا حق علي، ولهذا قالوا في تبرير ذلك بينهم وبين انفسهم، ارادوا ان يبرروا، وظهر هذا السبيل على كلماتهم ان عمر، خليفة المسلمين قال: بان رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) حاول ان يولي علياً، ان يرشح علياً لكني انا منعته، احتياطاً

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 140 _

  للاسلام، وحرصاً على مصلحة الاسلام، كل هذه التبريرات تبريرات نفسية ازاء وخز الضمير في نفوسهم، هذه التبريرات انتجت انحرافاً خطيراً وانتجت انه لا يلزم التقيد بما يقوله رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم)، هذا المبدأ تبلور في نفوسهم بالتدريج كتبرير للدفاع عن العملية التي قاموا بها، للدفاع عن الذنب الذي كان موجوداً في نفوسهم .
  وحينما قام هذا المبدأ انفتحت كل البدع والانحرافات، بعد هذا لم ير عمر بن الخطاب مانعاً ان يقول: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) احرمهما وعاقب عليهما، لم ير مانعاً من هذا بعد ان عاش مدة من الزمن، الشعور بالذنب، وحل هذا التناقض في المبدأ، بعد هذا انفتح باب البدع وباب حمل الشعارات الجزئية الهستيرية الغير الصحيحة، فهذه الامور الاربعة تجعل حتمية انحراف التجربة بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) على اساس تولي غير ائمة اهل البيت (عليه السلام) قيادة هذه الامة ...

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 141 _

13 ـ دور الأئمة (عليه السلام)
  اريد في هذا الحديث، ان اعبر عن اتجاه معين من دراسة حياة الائمة، وسوف لن يتسع الحديث في حدود هذه الفرصة ان نرسم اتجاهاً معيناً، وانما كل ما احاوله، هو اثارة التفكير حول هذا الاتجاه،واعطاء بعض الملامح العامة عن حياة الائمة (عليه السلام).
  وهذا الاتجاه الذي اريد ان اتحدث اليكم عنه هو الذي يتناول حياة كل امام، ويدرس تاريخه على اساس النظرة الكلية، بدلاً عن النظرة الجزئية، أي ينظر الى الائمة (عليه السلام) ككل مترابط ويدرس هذا الكل، ويكشف ملامحه العامة، واهدافه المشتركة، ومزاجه الاصيل .
  ويتفهم الترابط بين خطواته، وبالتالي الدور الذي مارسه الأئمة جميعاً في الحياة الاسلامية .
  ولا اريد بهذا ان لا ندرس حياة الائمة (عليه السلام) على اساس النظرة الجزئية، دراسة كل امام بصورة مستقلة، بل ان هذه الدراسة الجزئية نفسها ضرورية لانجاز دراسة شاملة كاملة ملائمة ككل، اذ لا بد لنا اولاً ان ندرس الائمة بصورة مجزئة تستوعب الى اوسع مدى ممكن حياة كل امام، بكل ما تزخر به من ملامح واهداف ونشاط، حتى نتمكن بعد هذا ان ندرسه ككل ونستخلص الدور المشترك للائمة (عليه السلام) جميعاً، وما يعبرون عنه من ملامح واهداف وترابط .
  واذا قمنا بدراسة احوال الائمة (عليه السلام) على هذين المستويين، فسوف نواجه على المستوى الاول اختلافاً في الحالات، وتبايناً في السلوك وتناقضاً من الناحية الشخصية بين الادوار التي مارسها الائمة (عليه السلام) ، فالحسن مثلاً هادن معاوية ، بينما حارب الحسين يزيد حتى قتل، وحياة السجاد قائمة على الدعاء بينما كانت حياة الباقر قائمة على الحديث والفقة، وهكذا .
  واما على المستوى الثاني، حينما نحاول اكتشاف الخصائص العامة والادوار

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 142 _

  المشتركة بالائمة (عليه السلام) ككل، فسوف تزول كل تلك الخلافات والاختلافات والتناقضات، لانها تبدو على هذا المستوى مجرد تعابير مختلفة عن حقيقة واحدة، وانما اختلف التعبير عنها وفقاً لاختلاف الظروف والملابسات التي مر بها كل امام، وعاشتها القضية الاسلامية والشيعة منحصرة على الظروف والملابسات التي مرت بالرسالة في عهد امام أخر، ويمكننا عن طريق دراسة الائمة (عليه السلام) على اساس النظرة الكلية ان نخرج بنتائج ازخر من مجموع النتائج التي تتمخض عنها الدراسات الجزئية، لأننا سوف نكشف الترابط بين اعمالهم، وسوف نتخذ مثالاً لتوضيح الفكرة .
  فنحن نقرأ في حياة الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، انه جمع الصحابة في خلافته واستشهدهم على نصوص الامامة، وشهد بذلك عدد كبير من التابعين، وطلب منهم ان يحدثوا بنصوص النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) في علي واهل البيت (عليه السلام)، ونقرأ في حياة الامام الباقر (عليه السلام) أنه قام بنفس العملية واستشهد التابعين وتابعي التابعين.
  وحين ندرس الائمة ككل ونربط بين هذه النشاطات، وبعضها ببعض ونلاحظ ان العمليات وضعت على مدى ثلاثة اجيال، نجد انفسنا امام تخطيط مترابط يكمل بعضه بعضاً، ويستهدف الحفاظ على تواتر النصوص عبر اجيال عديدة حتى تصبح في مستوى الوضوح والاشتهار، تتحدى كل مؤامرات الاخفاء والتحديد .
  وفي عقيدتي، ان وجود دور مشترك مارسه الائمة جميعاً، ليس مجرد افتراض نبحث عن مبرراته التاريخية، وانما هو مما تفرضه العقيدة نفسها وفكرة الامامة بالذات، لأن الامامة واحدة في الجميع بمسؤولياتها وشروطها، فيجب ان تنعكس انعكاساً واحداً في شروط الأئمة (عليه السلام) وادوارهم مهما اختلفت ادوارها الطارئة بسبب الظروف والملابسات، ويجب ان يشكل الائمة بمجموعهم وحدة مترابطة الاجزاء، ليواصل كل جزء من تلك الوحدة الدور للجزء الأخر ويكمله .

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 143 _

الدور المشترك للائمة (عليه السلام):
  هذا هو السؤال كله الذي يقتبس على ضوء ما تقدم. وقد لا نحتاج الى شيء من البحث لكي نتفق بسرعة على نوعية الدور المشترك الذي اسند الى الائمة (عليه السلام) في تخطيط الرسالة .
  فكلنا يعلم ان الرسالة الاسلامية، بوصفها رسالة عقائدية، قد خططت لحماية نفسها من الانحراف، وضمان نجاح التجربة خلال تطبيقها على مر الزمن، فأوكل امر صيانة التجربة وتحويلها وتوجيهها سياسياً الى الائمة (عليه السلام) بوصفهم اشخاصاً عقائديين، بلغوا في مستواهم العقائدي درجة العصمة من الانحراف والزلل والخطأ، غير اننا حينما نحاول ان نحدد الدور المشترك الذي مارسه الائمة (عليه السلام) ككل في تاريخهم المجيد، لا نعني هذا الدور الخيالي من تزعم التجربة الاسلامية، لاننا نعلم ان الاحداث المؤلمة وقعت بعد وفاة النبي الاعظم (صلى الله عليه وأله وسلم) واقصي الائمة عن القيام بدورهم القيادي في تزعم التجربة، وسلمت مقاليد الرسالة ومسؤولية تطبيقها الى اشخاص أخرين، انحرف معهم التخطيط واشتد الانحراف على مر الزمن، وانما نريد بالدور المشترك من تاريخ الائمة (عليه السلام)، الموقف العام الذي وقفوه في خضم الاحداث والمشاكل التي اكتنفت الرسالة بعد انحراف التجربة واقصائهم عن مناصبهم .
  وهنا نجد تصوراً شائعاً لدى كثيرين من الناس، الذين احتاجوا ان يقيموا الائمة بوصفهم اناساً مظلومين فقط قد اقصوا عن مركز القيادة، وذاقوا بسبب ذلك الوان الاضطهاد والحرمان، فهؤلاء الناس يعتقدون، ان دور الائمة في حياتهم، كان دوراً سلبياً على الأغلب، نتيجة لإِقصائهم عن مجال الحكم، فحالهم حال من يملك داراً فيغصب منه، وينحصر امله في امكان استرجاعها، وهذا التفكير بالرغم من انه خاطئ، فانه يعتبر خطأ من الناحية العملية وانه يحبب الى الانسان السلبية والانكماش والابتعاد عن مشاكل الامة ومجالات قيادتها، ولهذا اعتقد ضرورة ان نثبت خطأ ذلك التفكير، وندرس حياة الائمة على اساس نظرة كلية لتتبين ايجابيتهم الرسالية على طول الخط، ودورهم المشترك الفعال في حفظ الرسالة وحمايتها .

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 144 _

  ان الائمة (عليه السلام) بالرغم من اقصائهم عن مجال الحكم، كانوا يتحملون باستمرار مسؤوليتهم والحفاظ على الرسالة وعلى التجربة الاسلامية وتحصينها ضد التردي الى الهاوية، هاوية الانحراف والانزلاق عن مبادئها وقيمها ، فكلما كان الانحراف يقوى ويشتد، وينذر بخطر التردي الى الهاوية، كان الائمة (عليه السلام) يتخذون التدابير اللازمة ضد ذلك، وكلما وقع في التجربة الاسلامية والعقيدة من المحنة والمشكلة، وعجزت الزعامات المنحرفة من علاجها بحكم عدم كفاءتها، بادر الائمة (عليه السلام) الى تقويم الحل، ووقاية الامة من الاخطار التي كانت تحددها بكلمة مختصرة، كان الائمة (عليه السلام) يحافظون على المقياس العقائدي والرسالي في المجتمع الاسلامي، ويحافظون على ان لا يحبط الى درجة تشكل خطراً ماحقاً، وهذا يقدر ممارستهم جميعاً دوراً ايجابياً فعالاً في حماية العقيدة، وتبني مصالح الرسالة والامة، وتمثل هذا الدور الايجابي، في ايقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف كما عبر الامام (عليه السلام) حين صعد عمر بن الخطاب المنبر، وتساءل عن ردّ الفعل لو صرف الناس عما يعرفون الى ما ينكرون، فرد عليه الامام (عليه السلام) بكل وضوح وصراحة: اذن لقومناك بسيوفنا، وتمثل في ايقاف الزعامة المنحرفة اذ اصبحت تشكل خطراً ماحقاً ولو عن طريق الاصطدام المسلح، والشهادة في سبيل كشف زيفها وسلب تخطيطها كما صنع الامام (عليه السلام) الحسين مع يزيد في مجابهة المشاكل التي تهدد كرامة الدولة الاسلامية، وتعجز الزعامات المنحرفة عن حلها كما في المشكلة التي اشار اليها ملك الروم، الى عبد الملك بن مروان، اذ عجز عبد الملك عن الجواب، فبادر الامام السجاد (عليه السلام) واجاب بالشكل الذي يحفظ للدولة كرامتها وللأمة الاسلامية هيبتها، وتمثل ايضاً، في انقاذ الدولة الاسلامية من تحدي الكافرين الذين هددوا سيادتها، كالذي واجهه هشام من الروم وعجز عن الرد عليه، فكان الامام الباقر (عليه السلام) في مستوى الرد على هذا التحدي فخطط للاستقلال النقدي .
  وتمثل الدور الايجابي في تلك المعارضة العميقة التي كان الائمة (عليه السلام) يواجهون بها الزعامات المنحرفة بارادة سليمة لا تلين، وقوة نفسية صامدة لا تتزعزع .

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 145 _

  فاذن، هذه المعارضة، بالرغم من انها اتخذت مظهراً سلبياً بدلاً عن مظهر الاصطدام الايجابي، والمقابلة المسلحة، غير ان المعارضة حتى بصيغتها السلبية كانت عملاً ايجابياً عظيماً في حماية الاسلام والحفاظ على مثله وقيمه، لأن انحراف الزعامات القائمة، كان يعكس الوجه المشوه للرسالة، فكان لا بد للقادة من اهل البيت (عليه السلام)، ان يعكسوا الوجه النقي المشرق والمشرف لها، وان يؤكدوا عملياً بالاستمرار المطابق بين الرسالة والحكم الواقع، وهكذا خرج الاسلام على مستوى النظرية سليماً من الانحراف، وان تشوهت معالم التطبيق، ويمكنني ان اؤكد بهذا الصدد مثالاً جزئياً، ولكنه يعبر عن مدى الجهود التي بذلها الائمة (عليه السلام) في سبيل الحصول على هذا المكسب، مكسب خروج الاسلام على المستوى النظري سليماً من الانحراف، تصوروا ان الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) قد هد السجن صحته، واذاب جسمه ، حتى اصبح حين يسجد لربه كالثوب المطروح على وجه الأرض، فيدخل عليه رسول الزعامة المنحرفة فيقول له: ان الخليفة يعتذر اليك، ويأمر باطلاق سراحك، على ان تزوره وتعتذر اليه وتطلب رضاه، فيشمخ الامام (عليه السلام) ويجيب بالنفي بكل صراحة، يتحمل مرارة الكأس لا لشيء الا لكي لايحقق للزعامة المنحرفة هدفها من ان يبارك خطها، فتعكس معالم التشويه من التطبيق المنحرف على الرسالة نفسها .
  وتمثل الدور الايجابي بالائمة (عليه السلام)، في تحويل الامة العقائدية بشخصيتها الرسالية والفكرية من ناحية ... ومقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطراً على الرسالة وضربها في بدايات تكونها من ناحية اخرى ...
  والامام (عليه السلام) في علمه المحيط المستوعب، بما يجعله قادراً على الاحساس بهذه البدايات الخطرة، وتقديراً لاهميتها ومضاعفاتها والتخطيط للقضاء عليها، وقد يمكن ان يفسر على هذا الضوء، اهتمام الامام العسكري (عليه السلام) وهو في المدينة بمشروع كتاب يضعه الكندي وهو في العراق، حول متناقضات القرأن اذ اتصل به عن طريق بعض المنتسبين الى مدرسته، واحبط محاولته، واقنع مدرسة الكندي بانها على خطأ .

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 146 _

  الايجابية تنكشف في علاقات الائمة بالامة. في الواقع ان حياة الائمة، ذاكرة كلها للشواهد الايجابية، الدور المشترك الذي كانوا يمارسونه، من ذلك علاقات الأئمة بالأمة والزعامة الجماهيرية الواسعة النطاق، الذي كان امام اهل البيت يتمتع بها على طول الخط، فلان هذه الزعامة لم يكن امام اهل البيت يحصل عليها صدفة، او على اساس مجرد الانتماء الى الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) بل على اساس العطاء للدور الايجابي الذي يمارسه الامام في الامة، بالرغم من اقصائه عن منصب الحكم. فان الامة لا تمنح على الاغلب الزعامة مجاناً ، ولا يملك الفرد قيادتها وميل قلوبها من دون عطاء سخي منه تستنصره الامة في مختلف عباداتها، تستفيد منه في حل مشكلاتها والحفاظ على رسالتها، ان تلك الزعامة الواسعة التي كانت نتيجة لايجابية الائمة (عليه السلام) في الحياة الاسلامية، هي التي جعلت علي بن ابي طالب المثل الاعلى للثوار الذين قضوا على عثمان بن عفان وهي التي كانت تتمثل بمختلف العلاقات التي عاشها الائمة (عليه السلام) مع الامة .
  انظروا الى الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) كيف يقول لهارون الرشيد: انت امام الاجسام وانا امام القلوب، انظروا الى عبد اللّه بن الحسن، حين اراد ان يأخذ البيعة لابنه محمد، كيف يقول للامام الصادق (عليه السلام) مرتبكاً: انك اذا اجبت لم يختلف عن ابني احد من اصحابك ولم يختلف عليه اثنان من قريش ولا من غيرهم، ولاحظوا مدى ثقة الامة بقيادة ائمة اهل البيت (عليه السلام) نتيجة لما يعيشونه من دور ايجابي من حماية الاسلام ومصالح الامة لاحظوا المناسبة الشهيرة التي انشد فيها الفرزدق قصيدته في الامام السجاد (عليه السلام)، كيف ان هيبة الحكم وجلال السلطان، لم يستطيعا ان يشقا لهشام طريقاً لاستلام الحجر، بين الجموع المحتشدة من افراد الامة في موسم الحج، بينما استطاعت زعامة اهل البيت (عليه السلام)، ان تكهرب تلك الجماهير في لحظة، وهي تحس بمقدم الامام القائد، فتشق الطريق بين يديه نحو الحجر، ولاحظوا قصة الهجوم الشيعي الهائل الذي تعرض له قصر المأمون، نتيجة لاغضاب الامام الرضا (عليه السلام)، فلم يكن مناص من الالتجاء الى الامام لحمايته من غضب الامة، وقال له الامام (عليه السلام): اتق اللّه في امة محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) وما ولي لك من

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 147 _

  هذا الامر وخصك به، انك قد ضيعت امور المسلمين، وتعرضت في ذلك الى غيرك ليحكم بغير حكم اللّه سبحانه وتعالى .
  ان كل هذه النماذج والمظاهر للزعامة الشيعية التي عاشها ائمة اهل البيت (عليه السلام) على طول الخط تبرهن على ايجابيتهم، وشعور الامة بدورهم الفعال في حماية الرسالة، الايجابية تنكشف في علاقات الائمة بالحكام ويمكننا ان نتطرق لزاوية جديدة، لنصل الى نفس هذا النتيجة من زاوية علاقات الزعامات المنحرفة من امام اهل البيت (عليه السلام) على طول الخط، فان هذه العلاقات كانت تقوم على اساس الخوف الشديد من نشاط الائمة (عليه السلام)، ودورهم في الحياة الاسلامية، حتى يصل الخوف لدى الزعامات المنحرفة احياناً الى درجة الرعب، وكان محصول ذلك الاستمرار بتطويق امام ذلك الوقت ووضع رقابة محكمة عليه، ومحاولة فصله عن قواعده الشعبية، ثم التأمر على حياته ووفاته شهيداً، بقصد التخلص من خطره، فهل كان من الصدفة او لمجرد تسلية، أن تتخذ الزعامات المنحرفة كل هذه الاجراءات تجاه ائمة اهل البيت (عليه السلام)، بالرغم من انها تكلفها ثمناً باهظاً من سمعتها وكرامتها، أو كان ذلك نتيجة شعور الحكام المنحرفين، بخطورة الدور الايجابي الذي يمارسه الائمة ؟ والا فلماذا كل هذا القتل والتشريد والسجن والتبعيد، هل كان الائمة يحاولون تسلم الحكم .
  قد يتبادر الى الذهن هذا السؤال: وهو ان ايجابية الائمة (عليه السلام)، هل كانت تصل الى مستوى العمل لتسلم زمام الحكم من الزعامات المنحرفة، او تقتصر على حماية الاسلام والرسالة الاسلامية ومصالح الامة من التردي الى الهاوية وتفاقم الانحراف ؟
  وجواب ذلك: يحتاج الى توسع في الحديث يضيق عنه المجال هنا، غير ان الفكرة الاساسية للجواب المستخلص من بعض النصوص والاحاديث المتعددة، ان الائمة (عليه السلام) لم يكونوا يرون الظهور بالسيف، والانتصار المسلح أنياً، كافياً لاقامة دعائم الحكم على يد الامام، ان اقامة هذا الحكم وترسيخه، لا يتوقفان في نظرهم، على مجرد تهيئة حملة عسكرية، بل يتوقف

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 148 _

  قبل ذلك على اعداد جيش عقائدي، يؤمن بالامام وعصمته ايماناً مطلقاً، ويعيش اهدافه الكبيرة ويدعم تخطيطه في مجال الحكم، ويحرس ما يحققه للأمة من مصالح، وكلكم تعرفون قصد الخراساني الذي جاء الى الامام الصادق (عليه السلام)، يعرض عليه تبني حركة الثوار الخراسانيين، فأجل جوابه، ثم امره بدخول النار فرفض، وجاء ابو بصير، فامره بذلك، فسارع الى الامتثال، فالتفت الامام الى ثوار خراسان وقال: لو كان بينكم اربعون مثل هذا لخرجت لهم .
  وعلى هذا الاساس تسلم امير المؤمنين زمام الحكم، في وقت توفر فيه ذاك الجيش العقائدي متمثلاً في الصفوة المختارة من المهاجرين والانصار والتابعين .
  عرفنا ان الدور المشترك الذي كان الائمة (عليه السلام) يمارسونه في الحياة الاسلامية كدور لايقاف المزيد من الانحراف، وامساك المقياس عن التردي الى الحضيض، والهبوط الى الهاوية غير ان هذا في الحقيقة، يعبر عن بعض ملامح الدور المشترك، وهناك جانب أخر في هذا الدور المشترك لم نشر اليه حتى الأن، وهو جانب رعاية الشيعة، بوصفهم الكتلة المؤمنة بالامام (عليه السلام)، والاشراف عليها بوصفها المجموعة المرتبطة به والتخطيط لسلوكها وحمايتها، وتنمية وعيها، واسعافها بكل الاساليب التي تساعد على صمودها في خضم المحن، وارتفاعها الى مستوى الحاجة الاصلاحية، الى جيش عقائدي وطبقة واعية، ولدينا عدد كبير من الشواهد في حياة الائمة (عليه السلام) على انهم كانوا يباشرون نشاطاً واسعاً في سبيل الاشراف على الكتلة المرتبطة بهم والمؤمنة بامامتهم حتى ان الاشراف كان يصل احياناً الى درجة تنظيم اساليب الحل للخلافات الشخصية بين افراد الكتلة، ورصد الاموال لها، كما يحدّث بذلك المعلى بن خنيس، عن الامام الصادق (عليه السلام) .
  وعلى هذا الاساس، يمكننا أن نفهم عدداً من النصوص عن الائمة (عليه السلام)، بوصفها تعليم اساليب الجماعة التي يشرفون على سلوكها، وقد تختلف هذه الأساليب باختلاف ظروف الشيعة والملابسات التي يمرون بها .
  هذه نقاط احببت اثارتها عن دراسات الائمة .

أهل البيت (عليه السلام) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 149 _

  وختاماً ارجو ان يكون هذا منطلقاً للباقين في حياة اهل البيت (عليه السلام)، وابتهل الى اللّه ان يجعلنا من التابعين والسائرين على خطاهم .

  فهرست المحتويات
  ـــــــــــــــــــــــــ
  أهل البيت ... تنوع أدوار ووحدة هدف
  1 ـ ليلة جرح الإمام عليه السلام
  3 ـ التغيير والتجديد في النبوة
  4 ـ مضاعفات وفاة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)
  5 ـ دور الأئمة عليهم السلام بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم)
  6 ـ بداية الانحراف وبعض المشاكل التي واجهت أمير المؤمنين (عليه السلام)
  8 ـ ممارسة أئمة المرحلة الأولى للصراع السياسي
  9 ـ تولي أمير المؤمنين زعامة المسلمين
  10 ـ ثلاثة أئمة
  11 ـ بداية الانحراف
  12 ـ دور الأئمة (عليه السلام) تجاه هذا التسلسل
  13 ـ دور الأئمة (عليه السلام)