5 ـ دور الأئمة عليهم السلام بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم)
  الصلاة والسلام على محمد وأله الطيبين الطاهرين .
  حينما توفي رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) خلّف امة ومجتمعا ودولة .
  واقصد بالامة المجموعة من المسلمين الذين كانوا يؤمنون برسالته ويعتقدون بنبوته واقصد بالمجتمع تلك المجموعة من الناس التي كانت تمارس حياتها على اساس تلك الرسالة وتنشئ علاقاتها على اساس التنظيم المقرر لهذه الرسالة واقصد بالدولة القيادة التي كانت تتولى، تزعم التجربة في ذلك المجتمع، والاشتغال على تطبيق الاسلام وحمايته مما يهدده من أخطار وانحراف .
  الانحراف الذي حصل يوم السقيفة، كان أول ما كان في كيان الدولة، لأن القيادة كانت قد اتخذت طريقاً غير طريقها الطبيعي، وقلنا بأن هذا الانحراف الذي حصل يوم السقيفة، في زعامة التجربة أي الدولة، كان من الطبيعي في منطق الاحداث ان ينمو ويتسع، حتى يحيط بالتجربة نفسها، فتنهار الزعامة التي تشرف على تطبيق الاسلام .
  هذه الزعامة باعتبار انحرافها، وعدم كونها قادرة على تحمل المسؤولية، تنهار في حياتها العسكرية والسياسية ، وحينما تنهار الدولة، حينما تنهار زعامة التجربة ينهار تبعاً لذلك المجتمع الاسلامي، لانه يتقوم بالعلاقات التي تنشأ

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 58 _

  على أساس الاسلام، فاذا لم تبق زعامة التجربة لترعى هذه العلاقات وتحمي وتقنن قوانين لهذه العلاقات، فلا محالة ستتفتت هذه العلاقات، وتتبدل بعلاقات اُخرى قائمة على أساس أخر غير الاسلام، وهذا معناه زوال المجتمع الاسلامي .
  تبقى الامة بعد هذا وهي أبطأ العناصر الثلاثة تصدعاً وزوالاً، بعد ان زالت الدولة الشرعية الصحيحة، وزال المجتمع الاسلامي الصحيح، تبقى الامة، الا ان هذه ايضاً من المحتوم عليها ان تتفتت، وان تنهار، وان تنصهر ببوتقة الغزو الكافر، الذي اطاح بدولتها ومجتمعها ، لأن الامة التي عاشت الاسلام زمناً قصيراً، لم تستطع ان تستوعب من الاسلام ما يحصنها ، ما يحدد ابعادها ما يقويها، ما يعطيها اصالتها وشخصيتها وروحها العامة وقدرتها على الاجتماع على مقاومة التميع والتسيب والانصهار في البوتقات الاخرى.
  هذه الامة بحكم ان الانحراف قصّر عمر التجربة، وبحكم ان الانحراف زوّر معالم الاسلام، بحكم هذين السببين الكمي والكيفي، الأمة غير مستوعبة، الامة تتحصّن بالطاقات التي تمنعها وتحفظها عن الانهيار امام الكافرين وامام ثقافات الكافرين، فتتنازل التدريج، عن عقيدتها عن أدابها، عن اهدافها وعن أحكامها، ويخرج الناس من دين اللّه افواجاً، وهذا ما أشارت اليه رواية عن احد الأئمة (عليه السلام) يقول فيها بأن أول ما يتعطل من الاسلام هو الحكم بما انزل اللّه سبحانه وتعالى، وأخر ما يتعطل من الاسلام هو الصلاة، هذا هو تعبير بسيط عما قلناه من ان اول ما يتعطل هو الحكم بما انزل اللّه أي ان الزعامة والقيادة للدولة تنحرف ، وبانحرافها سوف يتعطل الحكم بما انزل اللّه ، وهذا الخط ينتهي حتماً الى أن تتعطل الصلاة، يعني الى تمييع الامة، تعطل الصلاة هو مرحلة ان الامة تتعطل، ان الامة تتنازل عن عقيدتها، ان الامة تضيع عليها رسالتها وأدابها وتعاليمها .
  الحكم بغير ما انزل اللّه، معناه ان التجربة تنحرف، ان المجتمع يتميّع ...
  في مقابل هذا المنطق وقف الأئمة (عليه السلام) على خطين كما قلنا :

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 59 _

  الخط الأول:
  هو خط محاولة تسلم زمام التجربة، زمام الدولة، محو أثار الانحراف، ارجاع القيادة الى موضعها الطبيعي لأجل ان تكتمل العناصر الثلاثة: الامة والمجتمع والدولة .
  الخط الثاني:
  الذي عمل عليه الائمة (عليه السلام)، هو خط تحصين الامة ضد الانهيار، بعد سقوط التجربة واعطائها من المقومات، القدر الكافي، لكي تبقى وتقف على قدميها، وتعيش المحنة بعد سقوط التجربة، بقدم راسخة وروح مجاهدة ، وبايمان ثابت .
  والأن، نريد ان نتبين هذين الخطين في حياة امير المؤمنين (عليه السلام)، مع استلال العبر في المشي على هذين الخطين.
  على الخط الأول خط محاولة تصحيح الانحراف وارجاع الوضع الاجتماعي والدولي في الامة الاسلامية الى خطه الطبيعي، في هذا الخط، عمل (عليه السلام) حتى قيل عن علي (عليه السلام) انه أشد الناس رغبة في الحكم والولاية، اتهمه معاوية بن أبي سفيان، بانه طالب جاه، وانه طالب سلطان .
  اتهمه بالحقد على أبي بكر وعمر، اتهمه بكل ما يمكن ان يتهم الشخص المطالب بالجاه وبالسلطان وبالزعامة .
  أمير المؤمنين (عليه السلام) عمل على هذا الخط خط تسلم زمام الحكم، وتفتيت هذا الانحراف، وكسب الزعامة زعامة التجربة الاسلامية الى شخصه الكريم، بدأ هذا العمل عقيب وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) مباشرة كما قلنا بالأمس، حيث حاول ايجاد تعبئة وتوعية فكرية عامة في صفوف المؤمنين واشعارهم بان الوضع وضع منحرف .
  الا ان هذه التعبئة لم تنجح لاسباب ترتبط بشخص علي (عليه السلام) استعرضنا بعضها بالامس، ولاسباب أخرى ترتبط بانخفاض وعي المسلمين انفسهم. لأن المسلمين وقتئذ لم يدركوا ان يوم السقيفة كان هو اليوم الذي سوف ينفتح منه كل ما انفتح من بلاء على الخط الطويل لرسالة الاسلام، لم يدركوا هذا، ورأوا ان وجوهاً ظاهرة الصلاح قد تصدّت لزعامة المسلمين ولقياداتهم في هذا المجال، ومن الممكن خلال هذه القيادة، ان ينمو الاسلام وان تنمو الامة .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 60 _

  لم يكن يفهم من علي (عليه السلام) الا ان له حقاً شخصياً يطالب به، وهو مقصر في مطالبته، الا ان المسألة لم تقف عند هذا الحد، فضاقت القصة على أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذه الناحية، ومن أننا نجد في مراحل متأخرة من حياة امير المؤمنين (عليه السلام) المظاهر الاخرى لعمله على هذا الخط، لمحاولة تسلمه او سعيه في سبيل تسلم زعامة التجربة الاسلامية وتفادي الانحراف الذي وقع، الا ان الشيء الذي هو في غاية الوضح، من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) انه (عليه السلام) في عمله في سبيل تزعم التجربة، وفي سبيل محاربة الانحراف القائم ومواجهته بالقول الحق وبالعمل الحق، وبشرعية حقه في هذا المجال، كان يواجه مشكلة كبيرة جداً، وقد استطاع ان ينتصر على هذه المشكلة انتصاراً كبيراً جداً ايضاً .
  هذه المشكلة التي كان يواجهها هي مشكلة الوجه الظاهري لهذا العمل والوجه الواقعي لهذه العمل.
  قد يتبادر الى ذهن الانسان الاعتيادي لأول مرة إن العمل في سبيل معارضة زعامة العصر، والعمل في سبيل كسب هذه الزعامة، انه عمل في اطار فكري، انه عمل يعبَّر عن شعور هذا العامل بوجوده، وفي مصالحه، وفي مكاسبه، وبأبعاد شخصيته، هذا هو التفسير التلقائي الذي يتبادر الى الاذهان، من عمل يتمثل فيه الاصرار على معارضته في زعامة العصر على كسب هذه الزعامة، وقد حاول معاوية كما اشرنا ان يستغل هذه البداهة التقليدية في مثل هذا الموقف من أمير المؤمنين (عليه السلام).
  الا ان الوجه الواقعي لهذا العمل من قبل الامام (عليه السلام) لم يكن هذا، الوجه الواقعي هو ان علياً كان يمثل الرسالة وكان هو الامين الاول من قبل رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) على التجربة على استقامتها وصلابتها، وعدم تميعها على الخط الطويل، الذي سوف يعيشه الاسلام والمسلمون بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم). فالعمل كان بروح الرسالة ولم يكن بروحه هو، كان عملاً بروح تلك الاهداف الكبيرة، ولم يكن عملاً بروح المصلحة الشخصية، لم يكن يريد ان يبني زعامة لنفسه، وانما كان يريد ان يبني زعامة الاسلام وقيادة الاسلام في المجتمع الاسلامي، وبالتالي في مجموع البشرية على وجه الارض.

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 61 _

  هذان وجهان مختلفان، قد يتعارضا في العامل نفسه، وقد يتعارضان في نفس الاشخاص الأخرين، الذين يريدون ان يفسروا عمل هذا العامل.
  هذا العامل قد يتراءى له في لحظة انه يريد ان يبني زعامة الاسلام لا زعامة نفسه، الا انه خلال العمل، اذا لم يكن مزوداً بوعي كامل. اذا لم يكن مزوداً بارادة قوية، اذا لم يكن قد استحضر في كل لحظاته وأنات حياته، انه يعيش هذه الرسالة ولا يعيش نفسه ، اذا لم يكن هكذا، فسوف يحصل في نفسه ولولا شعوريا انفصام بين الوجه الظاهري للعمل وبين الوجه الحقيقي للعمل، وبمثل هذا الانفصام سوف تضيع امامه كل الاهداف او جزء كبير من تلك الاهداف سوف ينسى انه لا يعمل لنفسه بل هو يعمل لتلك الرسالة سوف ينسى انه ملك غيره وانه ليس ملكاً لنفسه: كل شخص يحمل هذه الاهداف الكبيرة، يواجه خطر الضياع في نفسه، وخطر ان تنتصر انانيته على هذه الاهداف الكبيرة، فيسقط في اثناء الخط، يسقط في وسط الطريق، وهذا ما كان علي (عليه السلام) معه على طرفي نقيض. علي (عليه السلام) كان يصّر دائماً على ان يكون زعيماً، يصّر دائماً على ان يكون هو الاحق بالزعامة، علي الذي يتألم، الذي يتحسّر انه لم يصبح زعيماً بعد محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) الذي يقول: لقد تقصمها ابن ابي قحافة وهو يعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى، في غمرة هذا الالم، في غمرة هذه الحساسية، يجب ان لا ننسى ان هذا الالم ليس لنفسه، ان هذه الحساسية ليست لنفسه ، ان كل هذا العمل وكل هذا الجهد، ليس لاجل نفسه بل من أجل الاسلام. و كذلك كان يربي اصحابه على انهم اصحاب تلك الاهداف الكبيرة، لا اصحاب زعامته وشخصه، وقد انتصر علي عليه السلام انتصاراً عظيماً في كلتا الناحيتين.
  انتصر علي على نفسه، وانتصر في اعطاء عمله اطاره الرسالي وطابعه العقائدي انتصاراً كبيراً .
  على ربي اصحابه على انهم اصحاب الاهداف لا اصحاب نفسه. كان يدعو الى ان الانسان يجب ان يكون صاحب الحق، قبل ان يكون صاحب شخص بعينه. علي هو الذي قال: «اعرف الحق تعرف اهله» كان يربي اصحابه، يربى عماراً وأبا ذرّ والمقداد على انكم اعرفوا الحق ... ثم احكموا

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 62 _

  على علي في اطار الحق ، وهذا غاية ما يمكن ان يقدمه الزعيم من اخلاص في سبيل اهدافه. ان يؤكد دائماً لأصحابه واعوانه ـ وهذا مما يجب على كل المخلصين ـ ان المقياس هو الحق وليس هو الشخص ، ان المقياس هو الاهداف وليس هو الفرد .
  هل يوجد هناك شخص اعظم من علي بن ابي طالب. لا يوجد هناك شخص اعظم من علي الا استاذه، لكن مع هذا جعل المقياس هو الحق لا نفسه.
  لما جاءه ذلك الشخص وسأله عن الحق في حرب الجمل هل هو مع هذا الجيش او مع ذلك الجيش، كان يعيش في حالة تردد بين عائشة وعلي، يريد ان يوازن بين عائشة وعلي، أيهما أفضل حتى يحكم بانه هو مع الحق أو عائشة ، جهودها للإسلام أفضل أو جهود علي أفضل، قال له: اعرف الحق تعرف اهله.
  علي كان دائماً مصرّاً على ان يعطي العمل الشخصي طابعه الرسالي، لا طابع المكاسب الشخصية بالنسبة اليه، وهذا هو الذي يفّسر لنا كيف ان علياً (عليه السلام)، بعد ان فشل في تعبئته الفكرية عقيب وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم)، لم يعارض ابا بكر وعمر معارضة واضحة سافرة طيلة حياة ابي بكر وعمر، وذلك ان اول موقف اعتزل فيه علي المعارضة بعد تلك التعبئة الفكرية واعطائها شكلاً واضحاً صريحاً كان عقيب وفاة عمر، يوم الشورى حينما خالف ابا بكر وعمر، هذا عندما حاول عبد الرحمن بن عوف حينما اقترح عليه المبايعة ان يبايعه على كتاب اللّه وسنة رسول وسنة الشيخين، قال عليه السلام: بل على كتاب اللّه وسنة نبيه واجتهادي .
  هنا فقط اعلن عن معارضة عمر، في حياة ابي بكر وعمر بعد تلك التعبئة، لم يبد موقفاً ايجابياً واضحاً في معارضتهما، والوجه في هذا، هو ان علياً (عليه السلام) كان يريد ان تكون المعارضة في اطارها الرسالي، وان ينعكس هذا الاطار على المسلمين، ان يفهموا ان المعارضة ليست لنفسه، وانما هي للرسالة، وحيث ان ابا بكر وعمر كانا قد بدأ الانحراف، ولكن الانحراف لم يكن قد تعمق بعد والمسلمون القصير والنظر، الذين قدموا ابا بكر على علي (عليه السلام) ثم قدموا عمر على علي (عليه السلام)، هؤلاء

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 63 _

  المسلمون القصيرو النظر لم يكونوا يستطيعون ان يعمقوا النظر الى هذه الجذور، التي نشأت في ايام ابي بكر وعمر فكان معنى مواصلة المعارضة بشكل جديد ان يفسر من أكثر المسلمين، بأنه عمل شخصي، وانها منافسة شخصية مع ابي بكر وعمر وان بدأت بهم بذور الانحراف في عهدهما الا انه حتى هذه البذور كانت الاغلب مصبوغة بالصبغة الايمانية، كانا يربطانها بالحرارة الايمانية الموجودة عند الامة، وحيث انها حرارة ايمانية بلا وعي، ولهذا لم تكن الامة تميز هذا الانحراف .
  عمر ميز بين الطبقات، الا انه حينما ميز بين الطبقات، حينما اثرى قبيلة بعينها دون غيرها من القبائل ... ؟ أتعرفون أي قبيلة هي التي اثراها، هي قبيلة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، عمر أغنى قبيلة النبي محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) اغنى عم محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) اعطى زوجات النبي عشرة ألاف، كان يعطي للعباس اثني عشر الفا، كان يقسم الاموال الضخمة على هذه الأسرة، هذا الانحراف لا يختلف في جوهره عن انحراف عثمان بعد ذلك، عثمان حينما ميز، الا ان عمر فقط ربط هذا الانحراف بالحرارة الايمانية عند الامة، لان الحرارة الايمانية عند الامة كانت تقبل مثل هذا الانحراف.
  هؤلاء أهل بيت النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، هذا عم النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، هذه زوجة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، اذن هؤلاء يمكن ان يعطوا يمكن ان يثروا على حساب النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، لكن عثمان حينما جاء لم يرد على هذا الانحراف شيئاً، الا انه لم يرتبط بالحرارة الايمانية، بدّل عشيرة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) بعشيرته هو، وهذا ايضاً انحراف مستمر لذلك الانحراف، الا انه انحراف مكشوف .
  ذاك انحراف مقنّع، ذاك انحراف مرتبط بالحرارة الايمانية عند الأمة، وهذا انحراف يتحدى مصالح الامة، والمصالح الشخصية للأمة، ولهذا استطاعت الامة ان تلتفت الى انحراف عثمان بينما لم تلتفت بوضوح الى انحراف أبي بكر وعمر، وبهذا بدأ علي بن أبي طالب (عليه السلام) معارضته لأبي بكر وعمر في الحكم بشكل واضح، بعد ان مات ابو بكر وعمر، لم يكن من المعقول تفسير هذه المعارضة على انها معارضة شخصية بسبب طمع في سلطان، بدأ هذه المعارضة واعطى رأيه بأبي بكر وعمر .
  علي بن ابي طالب (عليه السلام) بعد ان تم الامر لعثمان، بعد ان بويع عثمان يوم

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 64 _

  الشورى، قال: ان سوف اسكت ما سلمت مصالح المسلمين وامور المسلمين، وما دام الغبن علي وحدي، وما دمت انا المظلوم وحدي، وما دام حقي هو الضائع وحدي ، انا سوف اسكت سوف أبايع سوف اطيع عثمان، هذا هو الشعار الذي اعطاه بصراحة مع ابي بكر وعمر وعثمان، وبهذا الشعار اصبح في عمله رسالياً، وانعكست هذه الرسالة على عهد امير المؤمنين، وبقي (عليه السلام) ملتزماً بما تعهّد به من السكوت الى ان بدأ الانحراف في حياة عثمان بشكل مفضوح، حيث لم يرتبط بلون من الوان الحرارة الايمانية التي ارتبط بها الانحراف في ايام الخليفة الاول وفي ايام الخليفة الثاني، بل اسفر الانحراف، ولهذا اسفر علي (عليه السلام) عن المعارضة وواجه عثمان بما سوف نتحدث عنه بعد ذلك .
  فعلي (عليه السلام) في محاولته لتسلم زمام التجربة وزعامة القضية الاسلامية كان يريد ان يوفق بين هذا الوجه الظاهري للعمل، و بين الوجه الواقعي للعمل، واستطاع ان يوفق بينهما توفيقاً كاملاً، استطاع هذا في توقيت العمل، واستطاع هذا في تربيته لأصحابه، على انهم اصحاب الاهداف لا اصحاب الاشخاص، واستطاع في كل هذه الشعارات التي طرحها، ان يثبت انه بالرغم من كونه في قمة الرغبة لأن يصبح حاكماً، لم يكن مستعداً ابداً لان يصبح حاكماً مع اختيار أي شرط من الشروط المطلوبة التي تنال من تلك الرسالة .
  ألم تعرض عليه الحاكمية والرسالة بعد موت عمر بشرط ان يسير سيرته؟ فرفض الحاكمية برفض هذا الشرط .
  علي بن ابي طالب (عليه السلام) بالرغم من انه كان في اشد ما يكون سعياً وراء الحكم، جاءه المسلمون بعد ان قتل عثمان، عرضوا عليه ان يكون حاكماً، قال لهم بايعوا غيري وأنا أكون كأحدكم، بل اكون أطوعكم لهذا الحاكم، الذي تبايعونه، ما سلمت أمور المسلمين في عدله وعمله، يقول ذلك، لان الحقد الذي تواجهه الامة الاسلامية كبير جداً، تتمادى بذرة الانحراف، الذي عاشه المسلمون بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) الى ان قتل عثمان، هذا الانحراف الذي تعمق، الذي ارتفع، هذا الانحراف الذي طغى والذي استكبر، الذي خلق تناقضات في الامة الاسلامية، هذا عبء كبير جداً .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 65 _

  ماذا يريد ان يقول، يريد ان يقول: لأني انا لا اقبل شيئاً الا على ان تصفّوا الانحراف، انا لا اقبل الحكم الذي لا يصفى هذا الانحراف لا الحكم الذي يصفّيه، هذه الاحجامات عن قبول الحكم في مثل هذه اللحظات كانت تؤكد الطابع الرسالي، بحرقته بلوعته، لألمه لرغبته ان يكون حاكماً، استطاع ان ينتصر على نفسه، ويعيش دائماً لأهدافه، واستطاع ان يربي اصحابه ايضاً على هذا المنوال .
  هذا هو الخط الاول وهو خط محاولة تسلمه لزمام التجربة الاسلامية.
  أما على الخط الثاني:
  وهو خط تحصين الامة لقد كانت الامة تواجه خطراً، وحاصل هذا الخطر هو ان العامل الكمي والعامل الكيفي، سوف يجعلان هذه الامة لاتعيش الاسلام، الا زمنا قصيراً .
  بحكم العامل الكمي الذي سوف يسرع، في افناء التجربة وسوف لن تعيش الا مشوهة بحكم العامل الكيفي، الذي يتحكم في هذه التجربة، ولذا بدأ الامام بتحصين الامة، وبالتغلب على العاملين: العامل الكمي والعامل الكيفي.
  اما التغلب على العامل الكمي فكان في محاولة تحطيم التجربة المنحرفة وتحجيمها وافساح المجال للتجربة الاسلامية لتثبت جدارتها وذلك بأسلوبين :
  الاسلوب الاول: هو التدخل الايجابي الموجه في حياة هذه التجربة بلحاظ قيادتها .
  القادة والزعماء الذين كانوا يتولون هذه التجربة، كانوا يواجهون قضايا كثيرة لا يحسنون مواجهتها، كان يواجههم مشاكل كثيرة لا يحسنون حلّها، ولو حاولوا لوقعوا في أشد الاضرار والاخطار، لأوقعوا المسلمين في أشد التناقضات، ولأصبحت النتيجة محتومة اكثر، ولأصبحت التجربة أقرب الى الموت، وأقرب الى الفناء واسرع الى الهلاك، هنا كان يتدخل الامام (عليه السلام) وهذا خط عام سار الائمة (عليه السلام) كلهم عليه كما قلنا، كما سوف نقول، فكان الامام (عليه السلام) يتدخل تدخلاً ايجابياً، موجهاً في سبيل ان ينقذ التجربة من المزيد

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 66 _

  من الضياع ومن المزيد من الانحراف، ومن المزيد من السير في الضلال .
  كلنا نعلم، بأن المشاكل العقائدية التي كانت تواجهه (عليه السلام) والزعامة السياسية بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم).
  هذه المشاكل العقائدية التي كان يثيرها، وتثيرها القضايا الاخرى التي بدأت تندرج في الامة الاسلامية والاديان الاخرى التي بدأت تعاشر المسلمين، هذه المشاكل العقائدية لم تكن الزعامات السياسية وقتئذ على مستوى حلها كان الامام (عليه السلام) يعين تلك الزعامات في التغلب على تلك المشاكل العقائدية .
  كلنا نعلم بأن الدولة الاسلامية واجهت في عهد عمر خطراً من أعظم الاخطار، خطر اقامة اقطاع لانظير له في المجتمع الاسلامي، كان من المفروض ان يسرع في دمار الامة الاسلامية، وذلك حينما وقع البحث بين المسلمين بعد فتح العراق، في انه هل توزع اراضي العراق على المجاهدين المقاتلين، او أنها تبقى ملكاً عاماً للمسلمين، وكان هناك اتجاه كبير بينهم الى ان توزع الاراضي على المجاهدين الذين ذهبوا الى العراق وفتحوا العراق، وكان معنى هذا ان يعطى جميع العالم الاسلامي، أي يعطي العراق، وسوريا وايران ومصر وجميع العالم الاسلامي الذي أسلم بالفتح، سوف يوزع بين اربعة او خمسة ألاف او ستة الأف من هؤلاء المسلمين المجاهدين، سوف تستقطع اراضي العالم الاسلامي لهؤلاء، وبالتالي يتشكل اقطاع لانظير له في التاريخ .
  هذا الخطر الذي كان يهدد الدولة الاسلامية، وبقي عمر لاجل ذلك اياماً متحيراً لأنه لا يعرف ماذا يصنع، لا يعرف ما هو الأصلح، وكيف يمكن ان يعالج هذه المشكلة .
  علي بن ابي طالب (عليه السلام) هو الذي تدخل كما تعلمون وحسم الخلاف، وبيّن وجهة النظر الاسلامية في الموضوع، وأخذ عمر بنظر الامام امير المؤمنين (عليه السلام) وانقذ بذلك الاسلام من الدمار الكبير .
  وكذلك له تدخلات كبيرة وكثيرة، النفير العام الذي اقترح على عمر والذي كان يهدد العاصمة في غزو سافر، كان من الممكن ان يقضي على الدولة الاسلامية، هذا الاقتراح طرح على عمر، كاد عمر ان يأخذ به، جاء

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 67 _

  علي (عليه السلام) الى المسجد مسرعاً على ما أتذكر في بعض الروايات تقول: جاء مسرعاً الى عمر، قال له: لا تنفر نفيراً عاماً، كان عمر يريد ان يخرج مع تمام المسلمين الموجودين أنذاك في المدينة، وعندما تفرغ عاصمة السلام مما يحميها من غزو المشركين والكافرين، منعه من النفير العام.
  وهكذا كان علي (عليه السلام) يتدخل تدخلاً ايجابياً موجهاً في سبيل ان يقاوم المزيد من الانحراف، والمزيد من الضياع، كي يطيل عمر التجربة الاسلامية ويقاوم عامل الكم الذي ذكرناه .
  هذا احد اسلوبي مقاومة العامل الكمي.
  الاسلوب الثاني: لمقاومة العامل الكمي كان هو المعارضة.
  يعني كان تهديد الحكام ومنعهم من المزيد من الانحراف، لا عن سبيل التوجيه، وانما عن سبيل المعارضة والتهديد .
  في الاول كنا نفرض ان الحاكم فارغ دينياً، وكان يحتاج الى توجيه، والامام (عليه السلام) كان يأتي ويوجه، اما الاسلوب الثاني، فيكون الحاكم فيه منحرفاً ولا يقبل التوجيه، اذن فيحتاج الى معارضة، يحتاج الى حملة ضد الحاكم هذا، لاجل ايقافه عند حده، ولاجل منعه من المزيد من الانحراف .
  وكانت هذه هي السياسة العامة للائمة (عليه السلام) .
  ألسنا نعلم بأن عمر صعد على المنبر وقال: ماذا كنتم تعملون لو انا صرفناكم عما تعلمون الى ما تنكرون .
  كان يريد ان يقدر الموقف .
  وماذا سيكون لو انا صرفناكم مما تعلمون الى ما تنكرون .
  لو انحرفنا شيئاً قليلاً عن خط الرسالة ماذا سيكون الموقف .
  لم يقم له الا علي (عليه السلام) قال له: لو فعلت ذلك لعدّلناك بسيوفنا .
  كان هذا هو الشعار العام للامام (عليه السلام) بالرغم من انه لم يتنزل في عملية تعديل عمر بالسيف خلال حكم عمر، لظروف ذكرناها ، الا انه قاد المعارضة

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 68 _

  لعثمان، واستقطب أمال المسلمين ومشاعر المسلمين، واتجاهات المسلمين، نحو حكم صحيح، ولهذا كان هو المرشح الاساسي بعد ان فشل عثمان، واجتمع عليه المسلمون .
  الامام علي (عليه السلام) يتصدى للمعارضة لاجل ان يوقف الانحراف.
  هذان اسلوبان كانا هما الاسلوبان المتبعان لمواجهة العامل الجديد .
  ثم هذه المعارضة نفسها كانت تعبر من ناحية اخرى عن الخط الثاني، وهو المحافظة على الامة الاسلامية من الانهيار بعد سقوط التجربة حيث ان المسلمين لم يعيشوا التجربة الصحيحة للاسلام، او بعدوا عنها، والتوجيه وحده لا يكفي، لان هذا العمل لا يكفي لان يكسب مناعة .
  المناعة الحقيقية والحرارة الحقيقية للبقاء والصمود كأمة، اذن كان لا بد من ان يحدد الموقف .
  من ان يحدد الوجه الحقيقي للاسلام، في سبيل الحفاظ على الاسلام، وهذا الوجه الحقيقي للاسلام قدمه علي بن ابي طالب (عليه السلام) من خلال معارضته للزعامات المنحرفة اولاً، ومن خلال حكم الامام بعد أن مارس الحكم بنفسه .
  من خلال هذين العملين، ومن خلال العمل السياسي المتمثل في المعارضة، والعمل السياسي المتمثل في رئاسة الدولة بصورة مباشرة، قدم الوجه الحقيقي للاسلام، الاطروحة الصحيحة للحياة الاسلامية الاطروحة الخالية من كل تلك الالوان من الإِنحراف .
  طبعاً هذا لا يحتاج الى حديث، ولا يحتاج الى تمثيل لانه واضح لديكم .
  امير المؤمنين حينما تولى الحكم، لم يكن يستهدف من تولي الحكم تحصين التجربة او الدولة، بقدر ما كان يستهدف تقديم المثل الاعلى للاسلام، لانه كان يعرف ان التناقضات، في الامة الاسلامية، بلغت الى درجة لايمكن معها ان ينجح عمل اصلاحي ازاء هذا الانحراف مع علمه ان المستقبل لمعاوية، وان معاوية هو الذي يمثل القوى الكبيرة الضخمة في الامة الاسلامية.
  كان يعرف ان الصور الضخمة الكبيرة التي خلقها عمر وخلقها عثمان والتي خلقها الانحراف هذه القوى، كلها الى جانب معاوية ، وهو ليس الى

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 69 _

  جانبه ما يعادل هذه القوى، لكن مع هذا قبل الحكم، ومع هذا بدأ تصفية وتعرية الحكم والانحراف الذي كان قبله، ومع هذا مارس الحكم وضحى في سبيل هذا الحكم بعشرات الألاف من المسلمين، في سبيل ان يقدم الاطروحة الصحيحة الصريحة للاسلام وللحياة الاسلامية .
  وقد قلت بالامس، وأؤكد اليوم مرة اخرى بأن علي بن ابي طالب (عليه السلام) في معارضته، وعلي بن ابي طالب في حكمه لم يكن يؤثر على انحراف الشيعة فقط، بل كان يؤثر على مجموع الامة الاسلامية، علي بن ابي طالب ربى المسلمين جميعاً شيعة وسنة ، حصن المسلمين جميعاً شيعة وسنة، علي بن ابي طالب اصبح اطروحة ومثلاً اعلى للاسلام الحقيقي، من الذي كان يحارب مع علي بن ابي طالب ؟ هؤلاء المسلمون الذين كانوا يحاربون في سبيل هذه الاطروحة العالية في سبيل هذا المثل الاعلى، أكانوا كلهم شيعة بالمعنى الخاص ؟ لا ، لم يكونوا كلهم شيعة .
  هذه الجماهير التي انتفضت بعد علي بن ابي طالب علي مر التاريخ، بزعامات اهل البيت بزعامات العلويين الثائرين من اهل البيت، الذين كانوا يرفعون راية علي بن ابي طالب للحكم، هؤلاء كلهم شيعة ؟
  كان اكثرهم لا يؤمن بعلي بن ابي طالب ايماننا نحن الشيعة، ولكنهم كانوا ينظرون الى علي انه المثل الاعلى، انه الرجل الصحيح الحقيقي للإسلام، حينما اعلن والي عبد اللّه بن الزبير سياسة عبد اللّه بن الزبير، وقال بأننا سوف نحكم بما كان يحكم به عمر وعثمان، وقامت جماهير المسلمين تقول لا بل بما كان يحكم به علي بن ابي طالب ، فعلي بن ابي طالب كان يمثل اتجاهاً في مجموع الامة الاسلامية .
  والخلافة العباسية كيف قامت؟ كيف نشأت؟ قامت على اساس دعوة كانت تتبنى زعامة الصادق من أل محمد (صلى الله عليه وأله وسلم).
  الحركة السلمية التي على اساسها نشأت الخلافة العباسية كانت تأخذ البيعة للصالح، للامام الصادق من أل محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، يعني هذه الحركة استغلت عظمة الاسلام، عظمة هذا الاتجاه، وتجمع المسلمون حول هذا الاتجاه، ولم يكن هؤلاء مسلمين شيعة، اكثر هؤلاء لم يكونوا شيعة، لكن كانوا يعرفون ان الاتجاه الصالح، الاتجاه

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 70 _

  الحقيقي، الاتجاه الصلب العنيف كان يمثله علي بن ابي طالب (عليه السلام)، والواعون من اصحاب علي (عليه السلام) والواعون من ابناء علي (عليه السلام).
  ولهذا كثير من ابناء العامة، ومن أئمة العامة، من اكابر اصحاب الامام الصادق (عليه السلام)، كانوا اناساً عامين يعني كانوا اناساً سنة ، ولم يكونوا شيعة .
  دائماً كان الأئمة (عليه السلام) يفكرون، في ان يقدموا الاسلام لمجموع الامة الاسلامية، ان يكونوا مناراً، ان يكونوا اطروحة، ان يكونوا مثلاً اعلى .
  كانوا يعملون على خطين، خط بناء المسلمين الصالحين، وخط ضرب مثل اعلى لهؤلاء المسلمين، بقطع النظر عن كونهم شيعة او سنة .
  هناك علماء من اكابر علماء السنة، افتوا بوجوب الجهاد، وبوجوب القتال بين يدي ثوار أل محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، وأبو حنيفة قبل ان ينحرف ، قبل ان يرشيه السلطان ويصبح من فقهاء عمال السلطان، أبو حنيفة نفسه الذي كان من نواب السنة، ومن زعماء السنة، هو نفسه خرج مقاتلاً ومجاهداً مع راية من رايات أل محمد وأل علي (عليه السلام)، وافتى بوجوب الجهاد مع راية من رايات علي (عليه السلام)، مع راية تحمل شعار علي بن ابي طالب، قبل أن يتعامل ابو حنيفة مع السلاطين .
  اذن فاتجاه علي بن ابي طالب ، لم يكن اتجاهاً منفرداً ، اتجاهاً محدوداً، كان اتجاهاً واسعاً على مستوى الامة الاسلامية كلها ، لاجل ان يعرّف الامة الاسلامية وان يحصن الامة الاسلامية بالاسلام ، وبأهداف الاسلام ، وكيف يمكن للانسان ان يعيش الحياة الاسلامية في اطار المجتمع الاسلامي .
  المهم من هذا الحديث، ان نأخذ العبرة وان نقتدي ، حينما نرى ان علي بن ابي طالب (عليه السلام) على عظمته يربي اصحابه على انهم اصحاب الهدف، لا اصحاب نفسه .
  يجب ان لا افكر انا، ويجب ان لا تفكر انت، بأن تربي اصحابك على انهم اصحابك، وانما هم اصحاب الرسالة، أي واحد منكم ليس صاحباً للأخر ، ولهذا يجب ان نجعل الهدف دائماً مقياساً ، نجعل الرسالة دائماً مقياساً .
  احكموا علي باللحظة التي انحرف فيها عن الهدف، لأن الهدف هو الاعز والاغلى، هو رب الكون، الذي يجب ان تشعروا بانه يملككم ،

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 71 _

  بانه بيده مصيركم، بيده مستقبلكم، انه هو الذي يمكن ان يعطيكم نتائج جهادكم .
  هل انا اعطيكم نتائج جهادكم، أو أي انسان على وجه الارض يمكن ان يعطي الانسان نتائج جهاده، نتائج عمله، نتائج اقدامه على صرف شبابه، حياته، عمره، زهده على تحمله ألام الحياة، تحمله للجوع تحمله للظلم، تحمله للضيم، من الذي يعطي أجر كل هذا ؟
  هل الذي يعطي اجر هذا انا وانت، لا انا ولا انت يعطي اجر هذا، وانما الذي يعطي أجر هذا هو الهدف فقط ، هذا هو الذي يعطي النتيجة والتقييم .
  هو الذي سوف يفتح امامنا ابواب الجنة، هو الذي سوف يغير اعمالنا، هو الذي سوف يصحح درجاتنا .
  إذن لا تفكروا في ان أي واحد منكم، في ان أي واحد منا ، مرتبط مع أي واحد منا، بل فكروا هكذا: ان أي واحد منا مرتبط كله مع اكبر من أي واحد منا ، هذا الشيء الذي هو اكبر، هو اللّه سبحانه هو رضوان اللّه، هو حماية الاسلام، هو العمل في خط الائمة الاطهار (عليه السلام).
  وغفر لنا ولكم .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 73 _

6 ـ بداية الانحراف وبعض المشاكل التي واجهت أمير المؤمنين (عليه السلام)
  أن المتسلم للقيادة الفعلية، المتسلم لزمام التجربة بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) مباشرة كان من المحتوم أن يجنح الى الانحراف، لأنه كان يعيش رواسب جاهلية، وبالتالي لم يكن يُمثل الدرجة الكاملة للإِنصهار مع الرسالة، هذه الدرجة التي هي شرط اساسي لتزعم هذه التجربة، وهي التي يمكن أن تفسّر موقف الشيعة من اشتراطهم العصمة لقيادة هذه التجربة.
  الفكرة في هذا الحديث تقوم على هذا الاساس، على أساس أن قيادة التجربة، يجب أن تكون على مستوى العبء، وهذا في الواقع ليس من مختصات الشيعة، ليس من مختصات الشيعة الايمان، بأن الامام يجب ان يكون معصوماً، بل هذا ما تؤمن به كل الاتجاهات العقائدية في العالم على الاطلاق.
  أي إتجاه عقائدي في العالم، يريد أن يبني الانسان من جديد في إطاره، ويريد ان ينشئ للانسانية معالم جديدة، فكرية وروحية واجتماعية، يشترط لأن ينجح، وأن ينجز وان يأخذ مجراه في خط التاريخ، يشترط أن يكون القائد الذي يمارس تطبيق هذا الاتجاه، معصوماً ...
  فالقائد في نظر الماركسية مثلاً بوصفها اتجاهاً عقائدياً، يريد ان يبني ويصنع الانسان، ويبلوره في إطاره الخاص، يشترط فيه ان يكون معصوماً .
  إلا أن مقاييس العصمة تختلف .
  الاتجاه الماركسي يجب أن يكون القائد الذي يمارس تطبيقه معصوماً

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 74 _

  بمقاييس ماركسية، والقائد الذي يمارس زعامة التجربة الاسلامية، يجب أن يكون معصوماً بمقاييس إسلامية، والعصمة في الحالتين بمفهوم واحد، هو عبارة عن الانفعال الكامل بالرسالة، والتجسيد الكامل لكل معطيات تلك الرسالة، في النطاقات الروحية والفكرية والعملية .
  هذه هي العصمة.
  والشيعة لم يشذوا بإشتراط العصمة في الامام، عن أي اتجاه عقائدي أخر، ولهذا نرى في الاتجاهات العقائدية الاخرى، كثيراً ما يتهم القائد الذي يمثل الاتجاه، بأنه ليس معصوماً، يوجه اليه نفس التهمة، التي نوجهها نحن المسلمون الواعون، أصحاب علي بن ابي طالب (عليه السلام) الى الخلفاء الذين تولوا الخلافة بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم).
  نفس هذه التهمد يوجهونها الى القادة الذين يعتقدون بأنهم لم ينصهروا بأطروحاتهم ولم يتفاعلوا باتجاهاتها تفاعلاً كاملاً .
  بالأمس القريب جزء كبير من الماركسية في العالم إنشطر على قيادة الاتحاد السوفيتي، وإتهم القيادة التي كان متمثلة في حكام روسيا، بأنهم أناس غير مهيئين لأن يكونوا قادة للتجربة الماركسية، يعني غير معصومين بحسب لغتنا .
  إلا أن نفي العصمة عنهم بمقاييس ماركسية لا بمقاييسنا الخاصة، لا بمقاييس إسلامية .
  فأصل الفكرة، تؤمن به كل الاتجاهات العقائدية، وإنما المقياس للعصمة يختلف بإختلاف طبيعة هذه الاتجاهات العقائدية .
  نعم، العصمة في الاسلام، ذات صيغة اوسع نطاقاً من العصمة في الاتجاهات العقائدية الاخرى، وهذه السعة في صيغة العصمة تنبع من طبيعة سعة الاسلام نفسها، لأن العصمة كما قلنا، هي التفاعل الكامل والانصهار الشامل والتجاوب مع الرسالة في كل أبعاد الاسلام، والرسالة الاسلامية، تختلف عن أي رسالة اخرى في العالم، لأن أي رسالة أخرى في العالم تعالج جانباً واحداً من الانسان، الماركسية التي تمثل أحدث رسالة عقائدية في العالم الحديث تعالج جانباً واحداً من وجود الانسان وتترك الانسان حينما يذهب الى

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 75 _

  بيته، حينما يذهب الانسان الى مخبئه، حينما يخلو الانسان بنفسه، تترك الانسان، ليس لها أي علاقة معه في هذه الميادين، وإنما تأخذ بيده في مجال الصراع السياسي والاقتصادي لا أكثر .
  فصيغة الرسالة بطبيعتها صيغة منكمشة محدودة، صيغة تعالج جانباً من الحياة الانسانية، فالعصمة العقائدية التي لا بد ان تتوفر في قائد ماركسي، مثلاً هي العصمة في حدود هذه المنطقة التي تعالجها الرسالة العقائدية الماركسية .
  اما الرسالة الاسلامية الي هي رسالة السماء على وجه الأرض فهي تعالج الانسان من كل نواحيه، وتأخذه بيده الى كل مجالاته ولا تفارقه وهو على مخدعه في فراشه وهو في بيته بينه وبين ربه، بينه وبين نفسه، بينه وبين أفراد عائلته، وهو في السوق، وهو في المدرسة، وهو في المجتمع، وهو في السياسة، وهو في الاقصاد، وهو في أي مجال من مجالات حياته، ولهذا تكون الصيغة المحدودة من العصمة على أساس هذه الرسالة أوسع نطاقاً وأرحب افقاً واقسى شروطاً، و أقوى من ناحية مفعولها وامتدادها في كل أبعاد الحياة الانسانية .
  فعصمة الامام عبارة عن نزاهة في كل فكرة وكل عاطفة وكل شأن، والنزاهة في كل هذا عبارة عن انصهار كامل مع مفاهيم واحكام الرسالة الاسلامية، في كل مجالات هذه الافكار والعواطف والشؤون .
  هذا كان إستطراداً .
  إذن فالعصمة التي هي شرط لمجموع الاتجاهات العقائدية، نحن ايضاً نؤمن بها كشرط في هذا الاتجاه .
  وبطبيعة الحال فإننا عندما نقول، إن العصمة شرط في هذا الاتجاه، العصمة بحد ذاتها ايضاً ليست أمراً حتمياً غير قابل للزيادة والنقصان، والتشكيك، نفس العصمة اذا حولناها الى مفهوم النزاهة والتجاوب الكامل مع الرسالة فيكون أمراً مقولاً بالتشكيك في الشدة والضعف، وبوصف أن أئمة أهل البيت (عليه السلام) المرتبة الاسمى والأكمل من هذه المراتب المقولة بالتشكيك المختلفه شدة وضعفاً .
  ومن هنا نأتي الى ما كان موضوع الحديث، موضوع الحديث ان هؤلاء

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 76 _

  الذين تسلموا أمر التجربة بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لم يكونوا معصومين حتى بأدنى مراتب العصمة حتى بالحد الأدنى من مراتب النزاهة والتفاعل مع الرسالة الاسلامية، كما أشرنا اليه بالأمس، وحينئذ حيث أن التجربة تجربة تمثل إتجاهاً عقائدياً، واتجاهاً رسالياً، ليس اتجاه أناس يمثلون وجهة نظر معينة في الكون والحياة والمجتمع، يمثلون رسالة لتغيير الحياة على وجه الأرض وتغير التاريخ، إذن هذه التجربة العقائدية الضخمة على هذا المستوى، بحاجة الى قيادة عقائدية معصومة تتوفر فيها فعالية عالية جداً من النزاهة والتجرد والموضوعية والانفعال بمعطيات هذه الرسالة فكيف اذا لم تكن هذه المواصفات موجودة في القيادة ؟
  قد يقال: إنها كانت موجودة في الامة ككل، والأمة ككل، كانت تمارس المراقبة، وكانت تمارس التوجيه، وكانت تمارس المراقبة للحكم القائم حتى لا ينحرف، الامة ككل كانت معصومة، واذا كانت الامة ككل معصومة، إذن فالعصمة قد حصلنا عليها عن طريق الوجود الكلي للأمة .
  إلا أن هذه الفكرة غير صحيحة، نحن نؤمن بأن الأمة في وجودها لم تكن معصومة ايضاً، كما ان الخلفاء الذين تولوا الحكم بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم)، لم يكن يتوفر لديهم الحد الادنى من النزاهة المطلوبة لزعامة تجربة من هذا القبيل، الأمة بوصفها الكلي وبوجودها المجموعي ايضاً لم تكن معصومة، طبعاً اذا إستثنينا من ذلك الزعامة المعصومة الموجودة في داخل هذه الامة الممثلة في اتجاه أمير المؤمنين (عليه السلام)، هذا بالرغم من اننا نعترف ونفتخر، ونمتلئ إعتزازاً بالإيمان بأن الأمة الاسلامية التي أسسها وحرسها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ضربت أروع نموذج للأمة في تاريخ البشرية على الاطلاق، الأمة الاسلامية الي أمكن للنبي (صلى الله عليه وأله وسلم) بوقت قصير جداً، في مدة لا تبلغ ربع قرن، أن ينشئ أمة لها من الطاقة والارادة، لها من المؤهلات اللازمة القدر الكبير، الذي لا يمكن أبداً أن يتخيل الانسان الاعتيادي كيف أمكن إيجاده في ربع قرن أو أقل ؟ هذه الأمة التي قدمت من التضحيات في أيام النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) في سبيل رسالتها ما لم تقدم مثله أي أمة من أمم الأنبياء قبل النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، هذا التسابق على الجنة، التسابق على الموت، الايثار الذي كان موجوداً بين المسلمين، روح التأخى الذي شاع في المسلمين، المهاجرون والأنصار، كيف

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 77 _

  عاشوا كيف تفاعلوا، كيف انصهروا، انظروا الى أهل بلد واحد ينزح اليهم أهل بلد أخر، فيأتون اليهم ليقاسموهم خيرات بلدهم ، ومعاشهم، واموالهم، وهؤلاء يستقبلونهم برحابة صدر، ينطلقون معهم ينظرون اليهم على إنهم اخوة لهم، يعيشون مجتمعاً واحداً وكأنهم كانوا قد عاشوا مئات السنين، هذه الانفتاحات العظيمة في كل ميادين المجتمع التي حققتها الأمة بقيادة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) هذه الانفتاحات، التي لا مثيل لها، بالرغم من كل هذا نقول ان الامة لم تكن معصومة .
  إن هذه الانفتاحات كانت قائمة على أساس الطاقة الحرارية التي كانت تمتلكها الأمة من لقاء القائد الأعظم، ولم تكن قائمة على اساس درجة كبيرة من الوعي الحقيقي للرسالة العقائدية. نعم كان الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) الأعظم، يمارس عملية توعية الأمة، وعملية الارتفاع بها الى مستوى أمة معصومة، هذه العملية التي كانت مضغوطة، والتي بدأ بها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لم ينجز شيئاً منها في الخط هذا، وإنما الشيء الذي أنجز في هذا الخط، خط عمل النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) على مستوى الأمة ككل، هو إعطاء هذه الامة طاقة حرارية في الايمان بدرجة كبيرة جداً، مثل هذه الطاقة الحرارية التي تملكها الأمة يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وفي كل لحظة من لحظات انتصارها أو إنكسارها، كانت هي المصدر وهي السبب في كل الانفتاحات العظيمة، روح القائد هي التي تجذب وهي التي تحصد، وهي التي تقود هؤلاء الى المثل العليا والقيم الضخمة الكبيرة التي حددها الرائد الأعظم (صلى الله عليه وأله وسلم) بين أيديهم، إذن فهي طاقة حرارية وليست وعياً .
  وقلنا أيضاً فيما سبق، إن الطاقة الحرارية والوعي قد يتفاعلان ويتفقان في كثير من الأحيان ولا يمكن ان نقارن في الحالات الاعتيادية بين أمة واعية، وبين أمة تملك طاقة حرارية كبيرة دون درجة كبيرة من الوعي، المظاهر تكون مشتركة في كثير من الأحيان، لكن في منعطفات معينة من حياة هذه الامة في لحظات حاسمة في حياة هذه الأمة، في مواقف حرجة من تاريخ هذه الامة، يتبين الفرق بين الوعي والطاقة الحرارية، يتبين الفرق بين الوعي والطاقة الحرارية في لحظات الانفعال الشديد، سواء كان إنفعالاً موافقاً لعملية

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 78 _

  الانتقال، أو انفعالاً معاكساً، لأن الوعي لا يتزعزع في لحظة الانفعال ويبقى صامداً ثابتاً، لا يلين ولا يتميع، وعي الانسان، إيمان الانسان باهدافه ومسؤولياته، فوق كل الانفعالات، فوق كل المشاكل، فوق كل الانتصارات .
  أي انتصار يحققه الانسان، لا يمكن أن يخلق انفعالاً يزعزع وعيه، إذا كان واعياً وعياً حقيقياً يبقى على الخط، لا يشط ولا يشذ ولا يزيد أو ينقص .
  محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) هذا الرجل العظيم، يدخل الى بيت اللّه الحرام منتصراً في لحظة، لم تزعزع هذه اللحظة من خلقه، لم تخلف فيه نشوة الانتصار، وإنما خلفت فيه ذل العبودية للّه شعر بذل العبودية للّه أكثر مما يشعر بنشوة الانتصار، هذا هو الذي يمثل الوعي العظيم، لكن المسلمين عاشوا نشوة الانتصار، في لحظات عديدة لحظات الصدمة، لحظات المشكلة، لحظات المأساة.
  الواعي يبقى ثابتاً، يبقى صامداً امام المشكلة لا يتزعزع، لا يلين لا يكف لا يتراخى، يبقى على خطه واضحاً .
  النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لم يكن يبدو منه أي فرق بينه وهو حال دخوله الى مكة فاتحاً ، وهو مطرود بالحجارة من قبائل العرب المشركين، يتوجه الى اللّه سبحانه وتعالى يقول له : لا يهمني ما يصنع هؤلاء اذا كنت راضياً عني، نفس الروح الي نجدها في لحظة انقطاعه، في لحظة مواجهته البشرية التي تحمل الوان الشرور، في لحظة تمرد الانسان على هذا الوجه الذي جاء ليصلحه، لم تتبدل حالته في هذه اللحظة وبين حالته ، والانسانية تستجيب والانسانية تخضع، والانسانية تطأطئ رأسها بين يدي القائد العظيم (صلى الله عليه وأله وسلم) هذا هو الوعي.
  أما الأمة لم تكن هكذا ، ولا نريد أن نكرر الشواهد مرة أخرى حى يأتي البحث كاملاً اليوم، الشواهد على أن الأمة كانت غير واعية ، وإنما هي طاقة حرارية مرت في الأيام السابقة، إذن فالأمة الاسلامية كانت تحمل طاقة حرارية كبيرة ، ولم تكن أمة واعية بدرجة كبيرة فلم تكن العصمة متوفرة لا في القيادة، ولا في الأمة بوجودها المجموعي، ومن أجل هذا كان الانحراف حتمياً على النحو الذي بيناه بالأمس ، وهكذا بدأ الانحراف بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، وقلنا أن الخط الذي بدأه الأئمة (عليه السلام) هذا الخط ينحل الى شكلين :
  الأول: خط محاولة القضاء على هذا الانحراف بالتجربة، أليست التجربة

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 79 _

  تجربة المجتمع الاسلامي والدولة الاسلامية. هذه التجربة انحرفت بإعطاء زمامها الى أناس لا يؤمنون عليها وعلى مقدراتها، وعلى ممتلكاتها ، الخط الأول كان يحاول أخذ هذه التجربة، تسلم زمام التجربة .
  الثاني: هو الخط الذي كان يعلمه الأئمة (عليه السلام) حتى في الحالات التي كانوا يرون إن ليس في الأمكان السعي وراء تلسم زمام التجربة، وهو خط الضمان لوجود الأمة مسقبلاً .
  قلنا إن التجربة حينما انحرفت، كان من المنطقي في تسلسل الاحداث، أن يتعمق هذا الانحراف، ثم يتعمق حتى تنهار التجربة، واذا انهارت التجربة امام أول غزو، امام أول تيار، إذن فسوف لن تحارب عن إسلامها كأمة، فبعد أن تنهار الدولة والحضارة الحاكمة، وسوف تتنازل عن إسلامها بالتدريج لأنها لم تجد في هذا الاسلام المنحرف ما تدافععنه، إذ ماذا جنوا من هذا الاسلام .
  كيف نقدر أن نتصور أن الانسان غير العربي يدافع عن الاسلام الذي يتبنى زعامة العربي لغير العربي ؟ كيف يمكن ان نتصور أن الانسان العربي والفارسي يدافع عن كيان يعتبر هذا الكيان هو ملك لأسرة واحدة من قبائل العرب وهي أسرة قريش ؟؟ كيف يمكن أن نفرض أن هؤلاء المسلمين يشعرون بأنهم قد وجدوا حقوقهم قد وجدوا كرامتهم، في مجتمع يضج بكل الوان التفاوت والتمييز والاستئثار والاحتكار ؟
  إذن كانوا قد تنازلوا عن هذا الاسلام حينما تنهار التجربة بعد تعمق الانحراف.
  إلا أن الذي جعل الأمة لا تتنازل عن الاسلام، هو أن الاسلام له مثل أخر قدم له، مثل واضح المعالم، أصيل المثل والقيم، أصيل الأهداف والغايات ، قدمت هذه الأطروحة من قبل الواعين من المسلمين بزعامة الأئمة(عليه السلام) من أهل البيت (عليه السلام) ، ولنعرف مسبقاً قبل أن نأتي الى التفاصيل، ان هذه الأطروحة الي قدمها الأئمة (عليه السلام) للاسلام لم تكن تتفاعل فقط مع الشيعة المؤمنين بإمامة أهل البيت (عليه السلام) فقط ، هذه الأطروحة كان لها صدى كبير في كل العالم الاسلامي فالأئمة (عليه السلام) كان لهم أطروحة للاسلام وكانت

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 80 _

  لهم دعوى لإمامة انفسهم، صحيح ان الدعوى لإمامة انفسهم لم يطلبوا لها إلا عدداً ضئيلاً من مجموع الأمة الاسلامية، ولكن الأمة الاسلامية بمجموعها تفاعلت مع هذه الأطروحة، إذن فكان الخط الكبروي للأئمة (عليه السلام) هو تقديم الأطروحة الصحيحة للاسلام والنموذج والمخطط الواضح الصحيح الصريح، للاسلام ، في كل مجالات الاسلام في المجالات الخاصة والمجالات العامة، في المجالات الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، والخلقية والعبادية ، كانوا يقدمون هذه الأطروحة الواضحة، التي جعلت المسلمين على مر الزمن يسهرون على الاسلام ويقيمونه وينظرون اليه بمنظار أخر غير منظار الواقع الذي يعيشونه، غير مناظر التجربة الفريدة التي يعيشونها .
  هذا هو الخط الثاني الذي عمل عليه الأئمة (عليه السلام).
  والأن، نبدأ بتحليل الموقف عقيب وفاة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم).
  أمير المؤمنين حينما واجه الانحراف في التجربة قام بعملية تعبئة فكرية في صفوف المسلمين الذين يذهب تفكيرهم الى أن هذا الوضع الذي قام الأن جديداً وضع غير طبيعي، وضع منحرف عن الخط الاسلامي، واستعان بهذا السبيل ببنت رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) الزهراء (عليه السلام) لأجل أن يستثير في نفوس المسلمين عواطفهم ومشاعرهم المرتبطة بأعز شخص يحبونه ويجلّونه، وهو شخص النبي (صلى الله عليه وأله وسلم). إلا أنه لم يستطع أن يستثير المسلمين بالدرجة التي تحول مجرى التجربة ويجعل هناك تبدلاً أساسياً في الخط القائم، لم يستطع ذلك، وهذا أمر طبيعي، يعني من الطبيعي أن ينتهي أمير المؤمنين (عليه السلام) الى عدم النجاح في القضاء على هذا الانحراف، يكفي لأن نفهم هذا أن نلتفت الى نفس ما أصاب النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) وهو الرائد الأعظم (صلى الله عليه وأله وسلم) لهذه الرسالة من قلق وخوف وارتباك في سبيل تركيز خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذا النبي الذي لم يتلكأ، ولم يتوقف ، ولم يتردد عن أي لون من الوان التركيز والعمل في سبيل تلك المهمات، هذا النبي العظيم الذي لم يشعر بالخوف ولم يخفق قلبه بأي لون من الوان الوساوس والشكوك ، أو الضعف والانهيار، هذا النبي العظيم، وقف حائراً امام الأمر الالهي في أن يبلّغَ إِمامة علي بن أبي طالب، حيث جاء ما جاء الى النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) من إنذاره بأن يبلّغ، وإلا فكأنه لم

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 81 _

  يبلّغ الرسالة. هذه الموانع الي كان تمنع النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) عن تزعم علي بن أبي طالب (عليه السلام) للتجربة الاسلامية عميقة قوية واسعة، بدرجة ان النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) نفسه كان يخشى من أن يعلن عن تشريع هذا الحكم، ليس عن تطبيقه بحسب الخارج بل عن تشريعه واعلانه امام المسلمين.
  هذه جهة، والجهة الأخرى، حينما أراد أن يسجل هذا الحكم في كتاب المسلمين الاول مرة في تاريخ النبي (صلى الله عليه وأله وسلم).
  هذا النبي الذي كان المسلمون يتسابقون الى الماء الذي يتقاطر من وضوئه .
  هذا النبي الذي ذهب رسول قريش يقول لهم: إني رأيت كسرى وقيصر وملوك الأرض، فما رأيت رجلاً انجذب اليه جماعته وأصحابه، وأمنوا به، وذابوا بوجوده كما ذاب أصحاب محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) في محمد .
  هؤلاء لا يشعرون بوجودهم امام هذا الرجل العظيم (صلى الله عليه وأله وسلم) في مجلس النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) فيقوم واحد منهم فيقول ما يقول، مما تعلمون، ثم لا يحصل بعد هذا أي رد فعل لهذا الكلام، فالنبي (صلى الله عليه وأله وسلم) عندئذ يقول: قوموا عني لا ينبغي الاختلاف في مجلس نبي .
  المسألة بهذه الدرجة من العنف، الموانع بهذه الدرجة من الشمول .
  يجب أن نعرف ان علياً (عليه السلام) لم يكن رئيساً حينما فشل، ولم يكن قاصراً حينما فشل، كل هذا لم يكن، لأن كل هذا غير محتمل في شخص هو قمة النشاط، وقمة الحيوية وقمة الحرص. ومع هذا كله، النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) واجه هذه المشاكل والصعاب تجاه تشريع هذا الحكم، إذن فموقف الامام (عليه السلام) كان حرجاً غاية الحرج تجاه هذه الموانع، اما ما هي صيغة هذه الموانع، هذه الموانع تحتاج الى دراسة مفصلة لنفسية المجتمع الاسلامي في ايام الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم). فهنالك عوامل كثيرة لها دخل في نسج خيوط هذه الموانع .
  يمكن ان نذكر بعضها على سبيل المثال.
  العامل الأول: التفكير اللاإسلامي من ولاية علي بن ابي طالب (عليه السلام)، رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) جعل علياً بعده حاكماً على المسلمين، وإماماً للمسلمين

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 82 _

  ككل، المسلمون، ولنتكلم عن المسلمين المؤمنين باللّه ورسوله حقاً ، هؤلاء المسلمون المؤمنون باللّه وبرسوله حقاً، قلنا انهم لم يكونوا من الواعين بدرجة كبيرة ، نعم كان عندهم طاقة حرارية تصل الى درجة الجهاد، الى الموت في سبيل اللّه هؤلاء الذين قاموا بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ضد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أنا لا أشك بأنهم مر عليهم بعض اللحظات، كانوا على استعداد لأن يضحوا بأنفسهم في سبيل اللّه، وأنا لا أشك أن الطاقة الحرارية كانت موجودة عند هؤلاء ، سعد بن عبادة الخزرجي مثلاً، هذا الذي عارض علي بن أبي طالب (عليه السلام) الى حين ، والذي فتح أبواب المعارضة على علي بن أبي طالب الى حين سعد هذا ، كان مثل المسلمين الأخرين يكافح ويجاهد غاية الأمر لم يكن لديه الوعي، هؤلاء المسلمون المؤمنون باللّه ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلم)، لم يكونوا على درجة واحدة من الوعي وكان الكثرة الكاثرة منهم اناساً يمكلون الطاقة الحرارية، بدرجة متفاوتة، ولم يكونوا يملكون وعياً، إذن فقد تبادر الى ذهن عدد كبير من هؤلاء أن محمداً (صلى الله عليه وأله وسلم) يفكر أن يعلي مجد بني هاشم، أن يعلي كيان هذه الأسرة، أن يمد بنفسه بعده فأختار علياً، إختار ابن عمه، لأجل أن يمثل علي بن أبي طالب أمجاد أسرته، هذا التفكير كان تفكيراً منسجماً مع الوضع النفسي الذي يعيشه أكثر المسلمين كراسب الجاهلية، كراسب عرفوه ما قبل الاسلام، ولم يستطيعوا ان يتحملوا تحملاً تاماً، أبعاد الرسالة ألسنا نعلم ... ماذا صنعوا في غزوة حنين، حينما وزع رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) المال، وزع الغنائم على قريش ولم يعط الانصار، وزعه على قريش على أهل مكة، ولم يعط أهل المدينة، ماذا صنع هؤلاء ماذا صنع أهل المدينة، أخذ بعضهم يقول لبعض، إن محمداً لقي عشيرته فنسينا، لقي قريشاً ونسي الأوس والخزرج، هاتين القبيلتين اللتين قدمتا ما قدمتا للاسلام، إذن فكان هؤلاء على المستوى الذي تصوروا في هذا القائد الرائد العظيم، الذي كان يعيش الرسالة، أثر قبيلته بمال، فكيف لا يتصورون أنه يؤثر عشيرته بحكم، بزعامة، بقيادة على مر الزمن وعلى مر التاريخ .
  هذا التصور كان يصل الى هذا المستوى المتدني من الوعي، هؤلاء لم

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 83 _

  يكونوا قد أدركوا بعد أبعاد محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) ولم يكونوا قد أدركوا أبعاد الرسالة الاسلامية، وكانوا بين حين وحين يطفو على أنفسهم الراسب الجاهلي وينظرون الى النبي من منظار ذلك الراسب الجاهلي، ينظرون اليه كشخص يرتبط بالعرب ارتباطاً قومياً ، ويرتبط بعشيرته ارتباطاً قبلياً ويرتبط بإبن عمه إرتباطً رحمياً، كل هذه الارتباطات كانت تراود أذهانهم بين حين وحين، وأنا أظن ظناً كبيراً أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لو لم يكن إبن عم النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لو أن الصدفة لم تشأ أن يكون الرجل الثاني في الاسلام لو لم يكن من أسرة محمد (صلى الله عليه وأله وسلم) لو كان من عدي، أو لو كان من تميم، لو كان من أسرة اخرى، لكان لهذه الولاية مفعولاً كبيراً جداً، لقضي على هذا التفكير اللاإسلامي ... لكن ما هي حيلة محمد إذا كان الرجل الثاني في الاسلام إبن عمه، لم يكن له حيلة في أن يختار شخصاً دون شخص أخر وإنما كان عليه أن يختار من اختاره الله سبحانه وتعالى، ومن اختاره اللّه هو الرجل الثاني في الاسلام، في تاريخ الرسالة، في كيان الرسالة، وفي الجهاد ... في سبيل الرسالة، وفي الاضطهاد في سبيل الرسالة، كان من باب الاتفاق إبن عم محمد (صلى الله عليه وأله وسلم).
  هذا الاتفاق فتح باب المشاغبة على هؤلاء. هذا هو العامل الأول، هذا العامل يعيش في نفوس المؤمنين باللّه تعالى وبرسوله (صلى الله عليه وأله وسلم).
  العامل الثاني: عامل يعيش في نفوس المنافقين، والمنافقون كثيرون في المجتمع الاسلامي، خاصة وأن المجتمع الاسلامي كان قد انفتح قبيل وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) انفتاحاً جديداً على مكة، وكانت قد دخلت مكة ايضاً داخل هذا المجتمع، ودخلت قبائل كثيرة في الاسلام قبيل وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم).
  وكان هناك أناس كثيرون قد دخلوا الاسلام نفاقاً، ودخلوه طمعاً، ودخلوه حرصاً على الجاه، ودخلوه إستسلاماً للأمر الواقع، لأن هذا مُسلّم، لأن محمداً فرض زعامته على العرب .
  لم يكن شخص يفكر في أن تزعزع هذه الزعامة، إذن فلا بد من الاعتراف بهذه الزعامة.
  دخل كثير من الناس بهذه العقلية. وهؤلاء كانوا يدركون كل الإدراك ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو الرجل الثاني للنبي (صلى الله عليه وأله وسلم) وهو الاستمرار الصلب العنيد للرسالة، لا الاستمرار الرخو المتميع لها. وهؤلاء كانوا مشدودين إلى

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 84 _

  أطماع وإلى مصالح كانت تتطلب أن تستمر الرسالة ويستمر الاسلام، لأن الاسلام اذا انطفأ معنى هذا انه سوف تنطفئ هذه الحركة القوية التي بنت دولة ومجتمعاً والتي يمكن ان تطبق على كنوز دولة كسرى وقيصر وتضم أموال الأرض كلها الي هذه الأمة، كان من المصلحة ان تستمر هذه الحركة، لكن كان من المصلحة ان لا تستمر بتلك الدرجة من الصلابة والجدية، بل ان تستمر بدرجة رخوة هينة لينة، كما وصف الامام الصادق (عليه السلام) حينما سئل، كيف نجح أبو بكر وعمر بقيادة المسلمين وفشل عثمان في هذه القيادة، قال: لأن علياً أرادها حقاً محضاً، وعثمان أرادها باطلاً محضاً، وابو بكر وعمر خلطا حقاً وباطلاً .
  كان لابد وان تستمر الرسالة لكن تستمر بشكل لين هين، بشكل ينفتح على مطامح أبي سفيان، بشكل يمكن أن يتعامل معه ابو سفيان الذي جاء الى علي (عليه السلام) في لحظة قاسية تلك اللحظة التي يشعر فيها الانسان عادة بقدر كبير من المظلومية حيث يرى كيف ان الناس قد تنكروا لكل أمجاده وأنكروا كل جهاده حتى أخوته لرسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) في هذه اللحظة جاءه أبو سفيان يعرض عليه القيادة بين يديه، يعرض عليه ان يزعّمه في سبيل ان يكون هو اليد اليمنى للدولة الاسلامية، يأبى علي (عليه السلام) ذلك، يأبى وهو مظلوم، وهو متأمر عليه، وهو مضطهد حقه ثم يذهب أبو سفيان، أو بالأحرى نقول أن أبا بكر وعمر يذهبان الى أبي سفيان، ويوليان اولاد أبي سفيان على بلاد المسلمين، وهذا هو الاستمرار الهين الذي كانت مصالح المنافقين تطلبه وقتئذ وبهذا كانت قيادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وزعامته تمثل خطراً على هذه المصالح فكان لابد في سبيل الحفاظ عليها من قبل المنافقين هؤلاء أن يخلقوا في سبيلها العراقيل ويقيموا الحواجز والموانع .
  العامل الثالث: وهو مرتبط بمراحل نفسية خلقية، علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يمثل باستمرار تحدياً بوجوده التكويني، كان يمثل تحدياً للصادقين من الصحابة لا للمنحرفين من الصحابة، كان يمثل تحدياً بجهاده، بصرامته، بإستبساله، بشبابه، بكل هذه الأمور، كان يضرب الرقم القياسي الذي

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 85 _

  لا يمكن ان يحلم به أي صحابي أخر، كل هؤلاء كانوا يودون ان يقدموا خدمة للاسلام .
  أتكلم عن الصحابة الصالحين. الصحابة الصالحون كانوا يودون ان يقدموا خدمة للاسلام ولكن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يفوقهم بدرجة كبيرة، بدرجة هائلة، علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالرغم من التفاوت الكبير في العمر بينه وبين شيوخ الصحابة، من أمثال أبي بكر وعمر وغيرهما، ممن عاش بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) بالرغم من هذا، أفلس أبو بكر وأفلس عمر، وأفلس هؤلاء كلهم، امام رسوخ علي (عليه السلام) الذي كان يضرب بسيفين .
  معاوية يقول في كتابه لمحمد بن ابي بكر بأن علياً كان في أيام النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) كالنجم في السماء لا يطاول، الأمة الاسلامية كانت تنظر اليه كالنجم في السماء بالرغم من أن العدد الكبير منها لم يكن يحبونه، كان علي مجاهداً بدرجة لا يمكن ان يقاس به شخص أخر، كان صامداً زاهداً، بدرجة لا يمكن ان يقاس به شخص أخر، وهكذا في كل كمالات الرسالة الاسلامية، اذن فعلي كان تحدياً، كان إستفزازاً للأخرين، وهؤلاء الأخرون ليسوا كلهم يعيشون الرسالة فقط، بل جملة منهم يعيشون انفسهم ايضاً، يعيشون انانيتهم ايضاً، وحينما يشعرون بهذا الاستفزاز التكويني من شخص هذا الرجل العظيم الذي كان يتحداهم وهو لا يقصد أن تحداهم، بل يقصد ان يهديهم، وان يبني لهم مجدهم، يبني لهم رسالتهم وعقيدتهم، لكن ماذا يصنع بأناس يعيشون انفسهم .
  فهؤلاء الاناس كانوا يفكرون في ان هذا تحد واستفزاز لهم. كان رد الفعل لهذا مشاعر ضخمة جداً ضد علي بن أبي طالب (عليه السلام).
  يكفي مثال واحد ليتضح هذا الموقف ، النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) يسافر من المدينة الى غزوة من الغزوات فيخلف علياً مكانه أميراً على المدينة، فهل تركه الناس، لا إنما أخذوا يشيعون بالرغم من أن رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) في المرات السابقة كان يستخلف أحد الأنصار على المدينة غير علي، فكانوا يشيعون، بأنه ترك علياً لأنه لا يصلح للحرب ؟؟ علي بن أبي طالب هذا الرجل الصلب، العنيد، المترفع، هذا الرجل الذي يقول: لا يزيدني إقبال الناس علي ولا ينقصني

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 86 _

  إدبارهم عني .
  هذا الرجل الصلب استفز الاعصاب الى درجة انه اضطر ان يلحق بالنبي (صلى الله عليه وأله وسلم)، فيسأله النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) عن سبب تركه المدينة، فيقول: الناس يقولون بأنك طردتني لأني لا أصلح للحرب ؟؟
  يمكن ان تنكر اية فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكن هل يمكن ان ينكر ان علي بن أبي طالب لا يصلح للحرب ؟
  انظروا الحقد كيف وصل عند هؤلاء المسلمين بأن اخذوا يفسرون امارة علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المدينة بأنه لا يصلح للحرب، فيقول رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) كلمته المشهورة، إن علياً مني بمنزلة هارون من موسى ، انه لا ينبغي ان اخرج من المدينة الا وانت فيها اثباتاً لوجودي ولتحمي المدينة .
  هذا الموقف من هؤلاء لا يمكن ان يفسر الا على اساس هذا العامل النفسي هذا العامل الثالث .
  وهناك عوامل اخرى هذه العوامل كلها اشتركت في سبيل ان تجعل هناك موانع قوية جداً اصطدم بها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) عند تشريع الحكم، واصطدم بها علي بن أبي طالب عند محاولة مقابلة الانحراف وتعديل التجربة وإرجاعها الى وضعها الطبيعي، ولهذا فشل في زعزعة الوضع القائم بعد النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 87 _

  قلنا انه حينما وجد الانحراف بعد وفاة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وأله وسلم)، لم تكن الأمة على مستوى المراقبة بوصفها المجموعي، لم تكن قادرة على ضمان عدم وقوع هذا الحاكم المنحرف بطبيعته في سلوك منحرف، لأن كون الأمة على هذا المستوى من الضمان، إنما يكون فيما اذا وصلت الأمة بوصفها المجموعي الى درجة العصمة، أي اذا اصبحت الأمة كأمة تعيش الاسلام عيشاً كاملاً عميقاً، مستوعباً مستنيراً منعطفاً على مختلف مجالات حياتها، هذا لم يكن، بالرغم من ان الأمة الاسلامية وقتئذ، كانت تشكل أفضل نموذج للامة في تاريخ الانسان على الاطلاق. يعني نحن الأن لا نعرف في تاريخ الانسان، أمة بلغت في مناقبها ، وفضائلها، وقوة إرادتها وشجاعتها وايمانها وصبرها وجلالتها وتضحيتها ما بلغته هذه الأمة العظيمة حينما خلفها رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم).
  الذي يقرأ التاريخ تاريخ هؤلاء الناس، الذي عاشوا مع النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) تبهره انوارهم في المجال الروحي والفكري والنفسي، في مجال الجهاد والتضحية في سبيل العقيدة .
  ولكن هذه الأنوار التي تظهر للمطالع لم تكن نتيجة وضع معمق تعيشه الأمة في ابعادها الفكرية والنفسية، بل كانت نتيجة طاقة حرارية هائلة إكتسبتها هذه الأمة بإشعاع النبي (صلى الله عليه وأله وسلم).
  هذه الأمة التي عاشت مع أكمل قائد للبشرية، اكتسبت عن طريق الاشعاع من هذا القائد، درجة كبيرة من الطاقة الحرارية صنعت المعاجز، وصنعت البطولات والتضحيات التي يقل نظيرها في تاريخ الانسان .
  ولا اريد ان اتكلم عن هؤلاء الناس في أيام رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ، وإيثار كل واحد منهم للاسلام والعقيدة، إيثاره بكل وجوده وطاقاته بكل إمكانياته وقدراته ، هذه النماذج الرفيعة إنما هي نتاج هذه الطاقة الحرارية التي جعلت

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 88 _

  الامة الاسلامية تعيش ايام رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) محنة العقيدة والصبر وتتحمل مسؤولية هذه العقيدة بعد وفاته (صلى الله عليه وأله وسلم) وتحمل لواء الاسلام بكل شجاعة وبطولة الى مختلف أرجاء الارض هذه هي طاقة حرارية وليست وعياً لذا يجب ان نفرق ونميز بين الطاقة الحرارية وبين الوعي:
  الوعي: عبارة عن الفهم الفعّال: الإيجابي المحقق للاسلام في نفس الامة، الذي يتأصل ويستأصل جذور المفاهيم الجاهلية السابقة استئصالاً كاملاً. ويحوّل تمام مرافق الانسان من مرافق الفكر الجاهلي الى مرافق الفكر الاسلامي والذوق الاسلامي .
  اما الطاقة الحرارية: فهي عبارة عن توهج عاطفي حار، بشعور قد يبلغ في مظاهره نفس ما يبلغه الوعي في ظواهره بحيث يختلف الأمر، فلا يميز بين الأمة التي تحمل مثل هذه الطاقة الحرارية وبين أمة تتمتع بذلك الوعي الا بعد التبصر.
  إلا أن الفرق بين الأمة الواعية والأمة التي تحمل الطاقة الحرارية كبير، فإن الطاقة الحرارية بطبيعتها تتناقص بالتدريج بالإبتعاد عن مركز هذه الطاقة الحرارية.
  والمركز الذي كان يمون الامة بهذه الطاقة الحرارية هو شخص النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) القائد ، فكان طبيعياً ان تصبح طاقة الأمة بعده في تناقض مستمر، حال الشخص الذي يتزود من الطاقة الحرارية للشمس والنار، ثم يبتعد عنهما، فإن هذه الحالة تتنافص عنده بإستمرار .
  هكذا كان، وتاريخ الاسلام يثبت ان الامة الاسلامية كانت في حالة تناقص مستمر من هذه الطاقة الحرارية التي خلفها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) في أمته حين وفاته بخلاف الوعي فإن الوعي بذلك المعنى المركز الشامل المستأصل لجذور ما قبله ذلك الوعي من طبيعته الثبات والاستقرار، بل التعمق على مر الزمن، لأنه بطبيعته يمتد ويخلق له بالتدريج خيالات جديدة وفقاً لخط العمل وخط الاحداث، فالأمة الواعية هي أمة تسير في طريق التعمق في وعيها والأمة التي تحمل طاقة حرارية هائلة، هي الأمة التي لو بقيت وحدها مع هذه الطاقة الحرارية فسوف تتناقص طاقتها باستمرار .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 89 _

  وهناك فرق أخر: هو ان الوعي لاتهزه الانفعالات، يصمد امامها، اما الطاقة الحرارية فتهزها الانفعالات، الانفعال يفجر المشاعر الباطنية المستترة، يبرز ما وراء الستار، ما وراء سطح النفس كأن الطاقة الحرارية طاقة تبرز على سطح النفس البشرية، واما الوعي فهو شيء يثبت في اعماق هذه النفس البشرية، ففي حالة الانفعال، سواء كان الانفعال انفعالاً معاكساً، يعني حزناً وألماً أو كان انفعالاً موافقاً، أي فرحاً ولذة وانتصاراً، في كلا الحالتين سوف يتفجر ما وراء الستار ويبرز ما كان كامناً وراء هذه الطاقة الحرارية في الامة المزودة بهذه الطاقة فقط، اما الامة الواعية فوعيها يجمد ويتقوى على مر الزمن فكلما مر بها انفعال جديد أكدت شخصيتها الواعية في مقابل هذا الانفعال، وصبغته بما يتطلبه وعيها من موقف .
  هذا هو الفرق بين الوعي والطاقة الحرارية .
  نحن ندعي ان الأمة الاسلامية العظيمة التي خلفها القائد الاعظم (صلى الله عليه وأله وسلم) والتي ضربت اعظم مثل للكون في تاريخ الانسان الى يومنا هذا، هذه الامة كانت تحمل طاقة حرارية كبيرة، ولم تكن تحمل وعياً مستنيراً مجتثاً لأصول الجاهلية فيها .
  والدليل على هذا كله واضح من تاريخ الامة نفسها وكشاهد على ذلك، علينا أن ننظر الى غزوة حنين، غزوة هوازن بعد فتح مكة، ماذا صنعت هذه الامة العظيمة بتلك الطاقة الحرارية في لحظة الانفعال، رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) خرج بجيش من الانصار ومن قريش من أهل مكة فانتصر في معركته واخذ غنائم كثيرة، وكان قراره توزيع الغنائم كلها جميعاً على من خرج من مسلمي مكة ، فوزعها كذلك، ولم يعط مسلمي الانصار شيئاً منها، هذه لحظة انفعال نفسي، إن هؤلاء الأنصار يرون انفسهم خرجوا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) من المدينة ليفتحوا مكة، وفتحوها وحققوا للأمة اعظم انتصاراتها في حياة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) وبعد هذا يدخل النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) في الدين اناساً جدداً يستقلون بتمام الغنائم ويأخذونها ، هذه لحظة إنفعال، في هذه اللحظة من لحظات الانفعال لاتكفي الأمة الطاقة الحرارية بل تحتاج الأمة الى وعي يثبتها لتستطيع ان تتغلب على لحظة الانفعال، هل كان مثل هذا الوعي موجوداً ... ؟ الجواب انه لم يكن:

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 90 _

  فإن الانصار اخذوا يثيرون ما بينهم الهمس القائل: بأن محمداً (صلى الله عليه وأله وسلم) لقي أهله وقومه وعشيرته، فنسي أنصاره واصحابه، هؤلاء الذين شاركوه في محنته، هؤلاء الذين ضحوا في سبيله، هؤلاء الذين قاوموا عشيرته في سبيل دعوته، نسيهم وأهملهم وأعرض عنهم، لأنه رأى أحبائه وأولاد عمه، رأى عشيرته ...
  أنظروا الى هذا التفسير، يبدو من خلاله الانصار وكأن المفهوم القبلي متركز في واقع نفوسهم، الى درجة يبدو معه لهم، أن محمداً (صلى الله عليه وأله وسلم) وهو الرجل الأشرف والأكمل، الذي عاشوا معه، وعاشوا تمام مراحل حياته الجهادية، ولم يبد في كل مراحله الجهادية أي لون من الالوان يعطي شعوراً قبلياً قومياً، بالرغم من هذا، وبالرغم من خلوه من أي شعور يشير الى ذلك. في لحظة الانفعال قالوا، بأنه وقع تحت تأثير العاطفة القبلية والقومية ، هذه العاطفة القبلية او القومية هذا الترابط القبلي كيف كان قوياً في نفوسهم بحيث انهم اصطنعوه تفسيراً للموقف في لحظة من لحظات الانفعال، رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) سمع بالهمس، اطلع على أن هناك بذور فتنة ضده في الأنصار، فأرسل على أبناء الانصار من الأوس والخزرج، وجمعهم عنده ثم التفت اليهم (صلى الله عليه وأله وسلم) وقال ما معناه: لقد بلغني عن بعضكم هذا الموضوع ان محمداً نسي أصحابه وأنصاره حينما التقى بقومه، فسكت الجميع واعترف البعض بهذه المقالة.
  حينئذ اخذ رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) يعالج الموقف والمشكلة وذلك بإعطاء المزيد من الطاقة الحرارية، لأن هذه المشكلة ذات حدين، حد أني وحد المدى الطويل، الحد على المدى الطويل يجب ان يعالح عن طريق التوعية على الخط الطويل، وهذا ما كان يمارسه (صلى الله عليه وأله وسلم)، والمشكلة بحدها الأني يجب ان تعالج ايضاً معالجة أنية، والمعالجة الأنية لا تكون الا عن طريق إعطاء مزيد من هذه الطاقة الحرارية للسيطرة على لحظة الانفعال، ماذا قال (صلى الله عليه وأله وسلم) ؟ كيف الهب عواطفهم، قال لهم: ألا ترضون ان يذهب أهل مكة الى بلادهم بمجوعة من الأموال الزائفة، وانتم ترجعون الى بلادكم بمحمد (صلى الله عليه وأله وسلم) برسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) .
  هذه كانت دفعة حرارية حولت الموقف في لحظة حيث أخذ هؤلاء الاوس

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 91 _

  والخزرج يبكون امام رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ويستغفرون ويعلنون ولاءهم واستعدادهم وتعلقهم به، أراد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ان يعمق هذا الموقف العاطفي أكثر فعندما سكن بكاؤهم وهدأت عواطفهم قال لهم: ألا تقولون لي مقابل هذا، ثم أخذ يترجم بعض الأحاسيس المستترة في نفوسهم حتى يهيج عواطفهم تجاهه، ويتيح لذلك المجلس جواً عاطفياً وروحياً، بعد ذلك يتغلب على الموقف الى أخر القصة.
  هذه الأمة التي تحمل الطاقة الحرارية تنهار امام لحظة انفعال .
  شاهد أخر في لحظة انفعال أخرى ايضاً في تاريخ هذه الأمة .
  الامة بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) تملكتها لحظة انفعال كبيرة، لأن رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) راحل وكان رحيله (صلى الله عليه وأله وسلم) يشكل هزة نفسية هائلة بالنسبة الى الأمة الاسلامية، التي لم تكن قد تهيأت بعد ذهنياً وروحياً لأن تفقد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم)، في هذه اللحظة من الانفعال ايضاً المشاعر التي كانت في الأعماق برزت على السطح .
  المهاجرون: هناك تكلمنا عن الأنصار، وهنا نتكلم عن المهاجرين، ماذا قال المهاجرون في لحظة الانفعال ... ؟ هؤلاء المهاجرون الذين هاجروا من بلادهم، وتركوا دورهم وعوائلهم وقومهم في سبيل الاسلام، ماذا قالوا، وماذا كان موقفهم ؟
  قالوا ان السلطان سلطان قريش، إن سلطان محمد سلطان قريش، نحن أولى من بقية العرب، وبقية العرب أولى من بقية المسلمين.
  هنا يبرز الشعور القبلي والشعور القومي، في لحظة انفعال، لأن هذه اللحظة من الانفعال تشكل صدمة بالنسبة الى الطاقة الحرارية يصبح الانسان معها في حالة غير طبيعية حيث لا يوجد عنده وعي فينهار امام تلك الأفكار وهذه العواطف.
  إذن لحظة الانفعال هي التي تحدد ان هذه الأمة تحمل وعياً، أو طاقة حرارية .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 92 _

  ماذا صنع المسلمون في لحظة الانتصار والاستيلاء على كنوز كسرى وقيصر، المسلمون في هذه اللحظة، اخذوا يفكرون في الدنيا أخذوا يفكرون في أن يقتنص كل واحد منهم أكبر قدر ممكن من حطامها .
  والأزمة التي مرت بعمر بن الخطاب في تحقيق حال الأرض المفتوحة عنوة، وأن الأرض المفتوحة عنوة هل تقسم على المقاتلين أو أنها تجعل لبيت المال، وتجعل ملكاً عاماً، هذه الأزمة تبينّ، كيف ان هذه الأمة ترددت في لحظة الانفعال، لأن وجوه المهاجرين والأنصار، هؤلاء الأبرار المجاهدون هؤلاء الذين عاشوا كل حياتهم الكفاح والجهاد في سبيل اللّه، هؤلاء اخذوا يصرون إصراراً مستميتاً على أن هذه الأرض يجب ان توزع عليهم، وعلى أن كل واحد منهم يجب ان ينال أكبر قدر ممكن من هذه الأرض، الى ان أفتى علي (عليه السلام) بأن الأرض للمسلمين جميعاً، لمن هو موجود الأن ولمن يوجد بعد اليوم الى يوم القيامة.
  هذه اللحظات لحظات انفعال، لحظات الانفعال الانخذالية، ولحظات الانفعال الانفصالية هي التي تحدد ان الامة هل تحمل طاقة حرارية، أو تحمل وعياً .
  إذن كان وعي الامة يحمل وراءه قدراً كبيراً من الرواسب الفكرية والعاطفية والنفسية التي لم تكن قد استؤصلت بعد ؟
  وربما قيل: إذن ماذا كان يصنع النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) اذا لم تكن قد استؤصلت هذه الرواسب ؟
  وجوابه: ان هذه الرواسب ليس من السهل استئصالها، لأن الدعوة الاسلامية التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لم تكن مجرد خطوة الى الامام، بل كانت طفرة بين الأرض والسماء .
  إذا لاحظنا حال العرب قبل الاسلام، ولاحظنا مستوى الرسالة الاسلامية نرى ان المستوى هو مستوى الطفرة بين الأرض والسماء، لا مستوى الحركات الاصلاحية التي توجد في المجتمعات العالمية، وهي مستوى الخطوة الى الامام، أي حركة إصلاحية تنبع من الأرض وتنبع من عبقرية الانسان بما هو انسان، تزحف بالمجتمع خطوة الى الامام لا أكثر، المجتمع كان قد وصل الى الخطوة

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 93 _

  السابقة، في خط التقدم، وحينئذ من الممكن في زمن قصير ان تستأصل رواسب الخطوة السابقة، بعد الدخول في الخطوة التالية، لأن الفرق الكيفي، بين الخطوة السابقة والثانية مثلاً، فرق قليل ضئيل التشابه، بين الخطوتين تشابه كبير جداً هذا التشابه الكبير، أو ذاك التفاوت اليسير، يعطي في المقام إمكانية التحويل، إمكانية إجتثاث تلك الأصول الموروثة من الخطوة السابقة .
  لكن ماذا ترون وما تقدرون، عندما جاء النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) الى مجتمع متأخر يعيش الفكرة القبلية بأشد ألوانها ونتائجها، وأقسى مفاهيمها وأفكارها، جاء فألقى فيها فكرة المجتمع العالمي، الذي لا فرق فيه بين قبيلة وقبيلة، وبين شعب وشعب، وبين أمة وأمة، وقال: ان الناس سواسية كأسنان المشط .
  هذه الطفرة الهائلة بكل ما تضم من تحول فكري وانقلاب إجتماعي، وتغيير في المشاعر والمفاهيم والانفعالات هذه الطفرة لم تكن شيئاً عادياً في حياة الانسان، وإنما كانت شيئاً هائلاً في حياته. إذن فكيف يمكن ان نتصور، أن هذا المجتمع الذي طفر بهذه الطفرة مهما كان هذا المجتمع ذكياً، وصبوراً على الكفاح ومهما كان قوياً ومؤمناً برسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) كيف يمكن ان نتصور في الحالات الاعتيادية، أنه يودع تمام ما كان عنده من الأفكار والمشاعر والانفعالات، ويقلب صفحة جديدة كاملة، دون أي اصطحاب لموروثات العهد السابق، هذا غير ممكن إلا في فترة طويلة جداً مع ان رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) لم يعش لمجتمع ودولة كمربي تربية كاملة في المدينة الا عشر سنوات فقط، علماً ان جزءاً كبيراً من المجتمع الاسلامي دخل الاحداث بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ومجتمع مكة الذي دخل في حظيرة الاسلام وقت فتح مكة، وقبل سنتين فقط من وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) .
  فكيف يمكن ان نتصور من خلال هذه الأزمنة القصيرة ومع تلك الطفرة الهائلة الكبيرة إثبات تلك الأصول.
  فالاصول إذن كان من المنطقي والطبيعي ان لا تبقى وكان من المنطقي والطبيعي أيضاً ان لا تجتث الا في خلال أمد طويل ،وخلال عملية تستمر مع خلفاء الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) بعده .
  إلا ان هذه العملية قطعت بالانحراف، بتحول

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 94 _

  خط الخلافة عن علي (عليه السلام). وهذا لا يثير استغراباً، أو يسجّل نقطة ضعف، بالنسبة الى عمل الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) بل ينسجم مع الرسالة مع عظمتها وجلالتها ومع تخطيط النبي (صلى الله عليه وأله وسلم).
  فهذه هي الأمة التي تحمل طاقة حرارية، أمة غير واعية واذا كانت تحمل هذه الطاقة وهي غير واعية، فليست بقادرة على حماية التجربة الاسلامية وعلى وضع حد لانحراف الحاكم الذي تولى الحكم بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم)، إذ بالصيغة الاصولية التي قلناها، من ان الأمة بوصفها المجموعي ليست معصومة، ما دامت تحمل طاقة حرارية فقط ، ولاتحمل وعياً مستنيراً بجتث أصول الجاهلية فيها ، وما دامت كذلك فهي لا تقف في وجه هذا الانحراف ، وقد قلنا بأنه حتى لو أخذنا الحاكم بغير المفهوم الشيعي، مع هذا تبقى طبيعة الاشياء وطبيعة الاحداث تبرهن على أن يكون هذا الحاكم عرضة للانحراف ولتحطيم التجربة الاسلامية، وبالتالي تحطيم جميع الأصول الموضوعية والأطار العالم لهذه التجربة الشريفة المباركة .
  فإن الحاكم أولاً هو جزء عادي من هذه الامة التي قلنا بإنها لم تكن تحمل وعياً مستنيراً بل كانت تحمل طاقة حرارية، ولنفرض ان هذا الحاكم لم يكن شخصاً متميزاً من هذه الامة بإنحراف خاص، وبتخطيط سابق، للاستيلاء على الحكم، أو بتصميم على قتل رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) في سبيل الاستيلاء على الحكم، لنفرض ان هذا لم يكن ، وإنما هو جزء عادي من هذه الأمة تدل سوابقه على ذلك فمعنى كونه جزءاً من هذه الأمة ان الحاكم يستبطن قدراً كبيراً من الأفكار الجاهلية والعواطف الجاهلية والمشاعر الجاهلية، وهذا كان واضحاً من اللحظة الاولى في يوم السقيفة، وفي الحجج التي أوردها المهاجرون ضد الأنصار ، وكان من الواضح ان تقييم الخلافة لم يكن تقييماً إسلامياً، فهذه الرواسب الفكرية والعاطفية للجاهلية سوف تعمل عملها في سلوك هذا الحاكم ، وفي تخطيطه .
  إذا أضفنا الى هذا ان الحاكم كان يبدو منه في حياة الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) نزعة الاستقلال بالرأي وروح التمرد على التعبد، وهذا كان ظاهراً فيهم وخاصة الخليفة الثاني.
  حيث كانت تبدو فيه روح التمرد على جملة التعاليم التي جاء

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 95 _

  بها الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) لأنها تحدث عنده حالة تناقض بين الدعوة الجديدة التي دخل فيها وبين مفاهيمه وافكاره وعواطفه المسبقة التي صاغتها الجاهلية له ، هذه النزعة نزعة التمرد، ونزعة التعويل على الرأي لم تكن تشكل خطراً في الوقت الذي كان هذا إنساناً عادياً في المجتمع الاسلامي، وكان الرسول (صلى الله عليه وأله وسلم) هو الحاكم في هذا المجتمع، واما في الوقت الذي تولى فيه هذا الشخص وأصحابه زمام قيادة التجربة، قيادة هذه السفينة، هذه النزعة أصبحت تشكل خطراً في المقام، خطر أن هذا الحاكم، سوف يُعبِّر في جملة من قضاياه ومفاهيمه ومشاكله على وفق الموروثات الجاهلية، وعلى وفق رواسبه العاطفية والنفسية التي خلفها له أباؤه وأجداده، لا التي خلَّفها له رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم).
  واذا اضفنا الى ذلك ايضاً أن الحاكم لم يكن قد هيأ أبداً لأن يكون حاكماً ، وللحاكم مشاكله الخاصة وسلوكه الخاص وثقافته الخاصة، الحاكم خاصة اذا كان حاكماً في صدر دعوة جديدة ذات حرارة خاصة وثقافة جديدة ، فلا بد وان يكون هذا الحاكم مهيأً بصورة مسبقة تهيؤاً ثقافياً وعلمياً وروحياً ، لأن يكون حاكماً ... ؟
  وقصدنا من عدم التهيؤ هو عدم التهيؤ الثقافي والعلمي ، بمعنى انه لم يكن قد أستوعب الاسلام عمر نفسه كان يقول : شُغِلنا ايام رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) في الأسواق والحرب . ؟
  تأتيه مشكلة فلا يعرف الجواب عنها فيبعث للمهاجرين والأنصار ليستفتيهم مرة ثانية وثالثة ورابعة ، حينما يتكرر هذا المطلب منه ويقف موقفاً سلبياً تجاه المشاكل من الناحية الدينية، فيعتذر عن ذلك فيقول شغلتنا ايام رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) الحرب والعمل في الأسواق .
  رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) لم يهيؤ هذا الحاكم: نعم رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) لم يكن قد اشتغل لتهيئة مجموعة من الأمة لتحكم الناس وإنما هيأ قادة معينين من أهل البيت (عليه السلام) ليحكموا .
  كان رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) يعمل على خطين للتوعية : الخط الأول هو التوعية على مستوى الأمة، وهذه التوعية للأمة بوصفها رعية بالمقدار الذي تتطلبه

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 96 _

  الرعية الواعية من فهم وثقافة، وكان له خط عمل على مستوى أخر من التوعية، للصفوة التي اختارها الله سبحانه وتعالى حتى تخلفه لقيادة هذه التجربة كانت توعية على مستوى القيادة وعلى مستوى الحاكمية .
  وهؤلاء الذين تولوا الحكم بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) لم يكونوا قد عاشوا على هذا المستوى للتوعية من الناحية الفكرية والثقافية، ألسنا جميعاً نعرف ان الصحابة في أيام عمر وأبي بكر اختلفوا في المسائل الواضحة جداً، اختلفوا في حكم سنَّةٍ كان يمارسها رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) أمام اعينهم مدة طويلة اختلفوا في حكم صلاة الجنائز، هذه المسألة العبادية الصرفة البعيدة عن كل مجالات الهوى والسياسة والاقتصاد، فالاختلاف هنا اختلاف ناشئ من الجهل حقيقة، لا اختلاف ناشئ من الهوى، ليس من قبيل الاختلاف في حكم الأرض وفي حكم الغنيمة وحكم الخمس .
  كل هذا ينشأ من عدم التهيئة سابقاً ومن عدم الاستعداد لممارسة الحكم ولقيادة هذا التجربة يضاف الى ذلك ان الأمة كانت تحمل طاقة حرارية ولم تكن واعية الى أن الحاكم كان قاصراً او مقصراً ، يضاف الى كل ذلك ان الاسلام كان على أبواب تحول كمي هائل ، كان على أبواب ان يفتح احضانه لأمم جديدة، لم تر النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ولم تسمع أية من القرأن منه على الاطلاق .
  تلك الأمة التي خلفها النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) كانت تحمل طاقة حرارية ، لكن بعد ان اتسعت الأمة كمياً وضمَّت اليها شعوباً كثيرة، ضمت اليها الشعب العربي بأكمله تقريباً ، في زمن عمر، وضمّت اليها من الشعوب الاخرى من الفارسية والتركية والكردية والهندية والافغانية والاوروبية وغيرها ، ما بال هذه الشعوب.
  التي لم تكن قد رأت رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ولم تسمع منه كلمة من القرأن، هل يترقب ان يكون لها وعي ، او يترقب ان يكون لها طاقة حراراية ؟ تلك الطاقة، كانت نتيجة كفاح مستمر مع أشرف قائد على وجه الأرض.
  إن هذه الشعوب التي دخلت حظيرة الاسلام، لم تكن قد عاشت هذا الكفاح المستمر مع القائد إذن فهذا الانفتاح الهائل على الشعوب الاخرى ايضاً ضعّف مناعة هذه الأمة، واضعَفَ من قدرتها على الحماية، وفتح بالتالي مجالات جديدة للقصور والتقصير امام الحاكم.

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 97 _

  الحاكم الذي لم يكن مهيأً نفسياً لأن يحكم في مجتمع المدينة ، كيف يكون مهيأً نفسياً وفكرياً وثقافياً لأن يحكم بلاد كسرى وقيصر ويجتث أصول الجاهلية، الفارسية والهندية والكردية والتركية، إضافة الى إجتثاث الجاهلية العربية، هذه الجاهليات التي كانت كل واحدة منها تحتوي على قدر كبير من الأفكار والمفاهيم الأخرى، جاهليات عديدة متضاربة فيما بينها عاطفياً وفكرياً، وكلها في مجتمع واحد وفي حالة عدم وجود ضمان لا على مستوى الحاكم، ولا على مستوى الأمة ؟!
  لئن كان أولئك الذين خلفهم رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) قد رأوا بأم أعينهم، في لحظة قصيرة، تجسيداً واقعياً حياً للنظرية الاسلامية للحياة وللمجتمع في ايام رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) ورأوا تصرفات رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي، وسمعوا من رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) انه يقول: الناس سواسية كأسنان المشط فإن هذه الشعوب التي دخلت في الاسلام جديداً، لم تكن قد سمعت كل هذا بل سمعت هذا من الحكام الجدد الذين كانوا يقودون زعامة التجربة فإذا كان أمينها حاكماً منحرفاً، وكانت الأمة غير قادرة على مواجهة هذا الانحراف، وكانت على ابواب توسع هائل ضخم يضم شعوباً لا تعرف شيئاً أصلاً عن هذه النظرية الاسلامية للحياة الاجتماعية انما تعرف الواقع الذي يتجسد خارجاً والذي عاشته كواقع وهو ان فاتحاً مسلماً سيطر على بلادها .
إذن كان من المفروض ومن المنطقي بحسب طبيعة الاشياء، أن تتحول النظرية الاسلامية للحياة الاجتماعية الى نظرية اخرى وفق خط الحاكم الموجود فعلاً والذي يجسد في سلوكه وتصرفاته، حقيقة بعيدة عن الحقيقة التي عمل رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) على تجسيدها في حياته فنظرية أبي بكر وعمر وعثمان للحكم وكما عاشوها واقعياً وسياسياً واقتصادياً كانت كفيلة بأن تطمس تلك الأطروحة الصالحة فكرياً وروحياً كما انطمست سياسياً واقتصادياً يوم السقيفة ولذا كان أمراً طبيعياً أن يعمل قادة أهل البيت (عليه السلام) على التخطيط لحماية اسلامهم من ان يندرس، وذلك عن طريق الدخول في الصراع السياسي مع هؤلاء الخلفاء.
  الائمة (عليه السلام) دخلوا في صراع مع الخلفاء ومع الزعامات المنحرفة، دخلوا

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 98 _

  في الصراع يحملون في ايديهم مشعل تلك النظرية الاسلامية للحياة الاجتماعية بكل بهائها ونورها وجمالها وكمالها ولم يكونوا يستهدفون من هذا ان يعيدوا خط التجربة لأن المؤسف ان خط التجربة لم يكن بالامكان ان يعود مرة اخرى الى الاستقامة بعد ان انحرف، لم يكن الصراع السياسي يستهدف في المقام ان يعيد التجربة الى خطها المستقيم او على المدى الطويل الطويل، ولم يكن هذا هو الهدف الأني للصراع السياسي وانما كان الهدف الأني للصراع هو ان يبثوا الوعي في المسلمين والشعوب الجديدة التي دخلت في الاسلام على النظرية الحقيقية للاسلام عن الحياة، عن المجتمع عن الدولة عن الاقتصاد وعن السياسة وعن الأخرة ويبينوا لهم بصدق ما هو مفهوم الاسلام في هذه المجالات وصولاً الى ترسيخ هذه النظرية في أذهان الناس .
  صحيح ان النظرية كانت موجودة في القرأن، وكانت موجودة في النصوص، ولكن هذا لا يكفي وحده للوصول الى الهدف وذلك:
  أولاً: لأن النظريات حينما تكون حبراً على ورق لا تكفي لأن تعطي صورة واضحة عن الحقيقة الصادقة في أذهان الناس .
  ثانياً: لأن القرأن والسنة لم تكن قد فهمته هذا الشعوب الجديدة التي قد دخلت في الاسلام، السنة لم يكونوا قد سمعوا عنها شيئاً وانما سوف يسمعون عنها عن طريق الصحابة.
  واما القرأن الكريم لم يكونوا قد سمعوا شيئاً عن تفسيره ايضاً، وانما بدأوا يسمعونه عن طريق الصحابة، فلا بد حينئذ من تجسيد حي لهذه النظرية الاسلامية، وحيث لم يكن بالامكان تجسيده عن طريق الحكم بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) مباشرة ، كان من الضروري تجسيده عن طريق المعارضة للزعامات المنحرفة على يد علي (عليه السلام) والحسن والحسين (عليه السلام) أئمة المرحلة الاولى.