تأليف
محمد باقر الصدر

1 ـ ليلة جرح الإمام عليه السلام
  19/ شهر رمضان / 1388 هجري
  هذه الليلة 3 ... لذكرى ...
  ذكرى أشأم ليلة بعد يوم توفي فيه رسول اللّه (صلى الله عليه وأله وسلم) فاليوم الذي توفي فيه رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) كان اليوم الذي خلف فيه النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) تجربته الاسلامية في مهب القدر، في رحبة المؤامرات التي اتت عليها بعد برهة من الزمن واليوم الذي اغتيل فيه الامام امير المؤمنين عليه السلام كان اليوم الذي قضى على اخر امله في اعادة خط تلك التجربة الصحيحة، هذا الامل الذي كان لا يزال يعيش في نفوس المسلمين الواعين متجسدا في شخص هذا الرجل العظيم، الذي عاش منذ اللحظة الاولى هموم الدعوة وألامها و اكتوى بنارها و شارك في بنائها لبنة لبنة ... واقام صرحها مع استاذه (صلى الله عليه وأله وسلم) مدماكاً فوق مدماك .
  هذا الرجل الذي كان يعبر عن كل هذه المراحل بكل همومها ... ومشاكلها وألامها ...
  هذا الرجل هو الذي كان يمثل هذا الامل الوحيد الذي بقي للمسلمين الواعين في ان تسترجع التجربة خطها الواضح الصريح واسلوبها النبوي المستقيم... حيث ان الانحراف في اعماق هذه التجربة كان قد طغى وتجبر واتسع بحيث لم يكن هناك أي امل في ان يقهر هذا الانحراف... اللهم الا على يد رجل واحد كعلي بن ابي طالب (عليه السلام) ولهذا كانت حادثة اغتيال هذا الامام العظيم... حينما خر صريعا في مثل هذه الليلة تقويضاً حقيقياً لأخر

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 6 _

  أمل حقيقي في قيام مجتمع اسلامي صحيح على وجه الارض الى يوم غير معلوم، وأجل غير محدود .
  كان هذا الاغتيال المشؤوم عقيب حكم مارسه الامام (عليه السلام) طيلة أربع أو خمس سنوات تقريباً حيث بدأ منذ اللحظة الاولى لتسلم زمام الحكم عقلية التغيير الحقيقية في كيان هذه التجربة المنحرفة وواصل سعيه في سبيل انجاح عملية التغيير واستشهد ، وخر صريعاً بالمسجد وهو في قمة هذه المحاولة أو في أخر محاولة انجاح عملية التغيير وتصفية الانحراف الذي كان قد ترسخ في جسم المجتمع الاسلامي متمثلاً في معسكر منفصل عن الدولة الاسلامية الام.
  والظاهرة الواضحة في هذه الاربع او الخمس سنوات التي مارس فيها الامام (عليه السلام) عملية الحكم هي وإلى ان خر صريعاً في سبيل اقامة عدل الله على الأرض، كان غير مستعد بأي شكل من الاشكال وفي أي صيغة من الصيغ لتقبل انصاف الحلول بالنسبة الى تصفية هذا الانحراف أو لتقبل أي معنى من معاني المساومة أو المعاملة على حساب هذه الامة التي كان يرى بكل حرقة وألم انها تهدر كرامتها وتباع بأرخص ثمن .
  هذه الظاهرة تسترعي الانتباه سياسياً من ناحية وتسترعي الانتباه فقهياً من ناحية اخرى:
  ـ اما من الناحية السياسية فقد استرعت انتباه اشخاص معاصرين للامام (عليه السلام) واسترعت انتباه اشخاص حاولوا ان يحللوا ويدرسوا حياة الامام (عليه السلام).
  فقد لوحظ على الامام عليه افضل الصلاة والسلام : ان عدم تقبله بأي شكل من الاشكال لهذه المساومات وانصاف الحلول كأن يُعَقّدُ عليه الموقف ويثير أمامه الصعاب ويرسخ المشاكل ويجعله عاجزاً عن مواجهته لمهمته السياسية والمضي بخط تجربته الى حيث يريد .
  فمثلاً: ذاك الشخص الذي جاء اليه بعقلية هذه المساومات واقترح عليه ان يبقي معاوية بن ابي سفيان والياً على الشام برهة من الزمن قائلاً : إن بإمكانك ابقاء معاوية والياً على الشام برهة من الزمن وهو في هذه الحالة سوف

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 7 _

  يخضع ويبايع وبعد هذا يكون بامكانك استبداله او تغييره بأي شخص أخر بعد أن تكون قد استقطبت كل اطراف الدولة وقد تمت لك البيعة والطاعة في كل ارجاء العالم الاسلامي، فاشتر بإبقاء هذا الوالي او ذلك الوالي، هذا الحاكم او ذلك الحاكم، بابقاء هذه الثروات المحرمة في جيب هذا السارق او في جيب ذلك السارق برهة من الزمن ثم بعد هذا يمكنك ان تصفي كل هؤلاء الولاة الفجرة وترجع كل هذه الثروات المحرمة الى بيت المال .
  فالامام (عليه السلام) في جواب هذا الشخص، رفض هذا المنطق واستمر في خطه السياسي يرفض كل مساومة ومعاملة من هذا القبيل، ومن هنا قال معاصروه ، وقال غير معاصريه انه كان بامكانه ان يسجل نجاحاً كبيراً، وان يحقق توفيقاً من الناحية السياسية اكثر، لو انه قبل انصاف الحلول، ولو انه مارس هذا النوع من المساومات ولو بشكل مؤقت .
  ـ اما من الناحية الفقهية فهي ناحية التزاحم، الفقه يقول: بانه اذا توقف واجب اهم على مقدمة محرمة فلا بد من الحفاظ على ذلك الواجب الاهم وفي سبيل حرمة المقدمة لا يجوز تبرير ترك الواجب الاهم حينما يقال ذلك اذا توقف انقاذ نفس محترمة من الغرق على اجتياز ارض مغصوبة لا يرضى صاحبها باجتيازها فلا بد من اجتيازها حيث تسقط هنا حرية هذا المالك وعدم رضاه، لأن النتيجة اهم من هذه المقدمة، كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) في بعض غزواته مثالاً مشابهاً لهذا المثال، حيث كان الجيش الاسلامي مضطراً الى الخروج من المدينة عن طريق معين ، وهذا الطريق كان فيه مزرعة لأحد الصحابة، وكان لا بد للجيش حينما يمر على هذه المزرعة وبحكم طبيعة مروره كجيش من ان يتلف كثيراً من محاصيل هذه المزرعة ويصيبها باضرار فصاحب المزرعة ما هان عليه ان يقدم هذه الاضرار في سبيل الله وفي سبيل الرسالة ... احتج على ذلك وصرخ ثم جاء الى رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) فقال : مزرعتي ومالي، فلم يجبه رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) واصدر اوامره الى الجيش، فمشى في هذه المزرعة حتى لم يبق في هذه المزرعة شيء مما كان يخاف تلفه صاحب المزرعة الا وتلف .
  كل ذلك لان النتيجة كانت اهم من المقدمة كان هذا الجيش يسير لأجل

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 8 _

  ان يغير وجه الدنيا ولأجل تغيير وجه الدنيا اذا تلفت مزرعة، اذا ضاعت هناك ثروة صغيرة لشخص ، في سبيل ان يحفظ مقياس توزيع الثروات في العالم على الخط الطويل الطويل، فهذا أمر صحيح ومعقول من الناحية الفقهية فمن الناحية الفقهية دائماً يقرر ان الواجب اذا توقف على مقدمة محرمة وكان ملاك الواجب اقوى من ملاك الحرمة: فلا بد ان يقدم الواجب على الحرام .
  وعلى هذا الضوء حينئذ تثار هذه القضية في هذه الظاهرة التي استوضحناها في حياة امير المؤمنين (عليه السلام) كحاكم .
  وهي انه لماذا لم يطبق هذه القاعدة في سبيل استباحة كثير من المقدمات المحرمة، أليس اجماع الرأي عليه ، أليس تملكه زمام قيادة مجتمع اسلامي، أليس هذا امراً واجباً محققاً لمكسب اسلامي كبير ، لانه هو الذي سوف يفتح ابواب الخيرات والبركات ويقيم حكومة الله على الارض... ؟؟؟
  اذن فلماذا في سبيل تحقيق هذا الهدف اذا توقف هذا الهدف على مقدمة محرمة من قبيل امضاء ولاية معاوية بن أبي سفيان برهة من الزمن، أو إمضاء الاموال المحرمة التي نهبها أل امية، او غيرهم من الاسر التي وزع عليها عثمان بن عفان اموال المسلمين... ؟؟
  لماذا لا يكون السكوت مؤقتاً عن غير هذا النهب والسلب مقدمة للواجب الأهم .
  ولماذا لا يكون جائزاً حينئذ على اساس توقف الواجب الاهم على ذلك ... ؟؟
  الواقع هو ان الامام (عليه السلام) كان لا بد له ان ينهج هذا الطريق ولم يكن بامكانه كقائد رسالي يمثل الاسلام واهدافه لم يكن بامكانه ان يقبل هذه المساومات وانصاف الحلول ولو كمقدمة وليس قانون باب التزاحم الفقهي هنا صالحاً للانطباق على موقف امير المؤمنين (عليه السلام) وذلك بعد اخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:
  النقطة الاولى: انه لا بد وان يلحظ في المقام ان امير المؤمنين (عليه السلام) كان

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 9 _

  يريد ان يرسخ قاعدة سلطانه في قطر جديد من اقطار العالم الاسلامي وهذا القطر هو العراق.
  وكان شعب العراق وابناء العراق مرتبطين روحياً وعاطفباً مع الامام (عليه السلام) ولكن لم يكن شعب العراق ولا أبناء العراق يعون رسالة علي (عليه السلام) وعياً حقيقياً كاملاً ، ولهذا كان الامام بحاجة الى أن يبني تلك الطليعة العقائدية، ذلك الجيش العقائدي الذي يكون اميناً على الرسالة واميناً على الاهداف وساعداً له ومنطلقاً بالنسبة الى ترسيخ هذه الاهداف في كل ارجاء العالم الاسلامي.
  والامام (عليه السلام) لم يكن يملك هذه القاعدة بل كان بحاجة الى ان يبنيها اذن كيف يبني هذه القاعدة ؟
  هل يمكن ان يبني هذه القاعدة في جو من المساومات وانصاف الحلول؟ حتى لو كانت هذه المساومات وانصاف الحلول جائزة شرعاً الا ان جوازها الشرعي لا يؤثر في هذه الحقيقة النفسية الواقعية شيئاً وهي ان شخصاً لا يمكن ان يعيش في جو من المساومات وانصاف الحلول فيكتسب روحية أبي ذر أو يكتسب روحية عمار بن ياسر ، روحية الجيش العقائدي الواعي البصير بأن المعركة ليست للذات وانما هي للأهداف الكبيرة التي هي أكبر من الذات .
هذه الروحية لا يمكن ان تنمو ولا يمكن لعلي (عليه السلام) ان يخلقها في من حوله في حاشيته وفي أوساطه وقواعده الشعبية، في جو من المشاحنات والمساومات وانصاف الحلول حتى لو كانت جائزة ... ان جوازها لايغير من ملدلوها التربوي شيئاً ولا من دورها في تكوين نفسية هذا الشخص بأي شكل من الأشكال ...
  اذن فالامام (عليه السلام) كان امامه حاجة ملحة حقيقية في بناء دولته الى قاعدة شعبية واعية يعتمد عليها في ترسيخ الاهداف في النطاق الاوسع وهذه القاعدة الشعبية لم تكن جاهزة له حينما تسلم زمام الحكم حتى يستطيع ان يتفق معها .
  على ان هذه المساومات وانصاف الحلول انها ضرورات استثنائية لاتوجب

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 10 _

  الانحراف عن ذلك الخط ... انما كان على علي (عليه السلام) ان يبني ذلك الجيش العقادي كان على علي (عليه السلام) ان ينتزع الخيّر الخيّر الطيّب الطيّب من جماعته وحاشيته العراقيين لكي يشكل منهم كتلة واعية من قبيل مالك الاشتر وغيره وهؤلاء لم يكن بالامكان ممارسة بناء نفسي وروحي وفكري وعاطفي حقيقي لهم في جو مليء بالمساومات وانصاف الحلول ... كانت المساومات وانصاف الحلول نكسة بالنسبة الى عملية التربية لهذا الجيش العقائدي وكان فقدان هذا الجيش العقائدي يعني فقدان القوة الحقيقية التي يعتمد عليها الامام (عليه السلام) في بناء دولته لأن أي دولة عقائدية بحاجة الى طليعة عقائدية تستشعر بشكل معمق وموسع أهداف الدولة وواقع أهميتها وضرورتها التاريخية ولهذا كان لا بد من الحفاظ على صفاء وطهر عملية التربية لبناء هذا الجيش العقائدي كان لا بد لألاف من مالك الاشتر ان يشهدوا إنساناً لا تزعزعه المغريات ولا يتنازل الى أي نوع من انواع المساومات حتى يستطيعوا من خلال حياة هذا الرجل العظيم ان يتبينوا المدلول الرسالي الكامل لأطروحته الابعاد الواسعة للصيغة الاسلامية للحياة اذن فكان على علي (عليه السلام) لأجل ممارسة عملية التربية لبناء هذا الجيش العقائدي كان لا بد له ان يترفع عن هذه المساومات والحلول الوسط، لكي يستطيع ان يخلق ذلك الجو الرفيع نفسياً وفكرياً وروحياً والذي سوف ينشأ في داخله وفي اعماقه... جيل يستطيع ان يحتضن أهداف أمير المؤمنين (عليه السلام) ويضحي من أجلها في حياته وبعد وفاته ...
  النقطة الثانية: لا بد من الالتفات ايضاً الى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء في أعقاب ثورة ، ولم يجئ في حالة اعتيادية، ومعنى ذلك ان البقية الباقية من العواطف الاسلامية، كل هذه العواطف تجمعت، ثم ضغطت، ثم انفجرت في لحظة ارتفاع... وماذا ينتظر القائد الرسالي غير لحظة ارتفاع في حياة امة، لكي يستطيع أن يستثمر هذه اللحظة في سبيل اعادة هذه الامة الى سيرها الطبيعي...
  كان لا بد للامام (عليه السلام) ان يستثمر لحظة الارتفاع الثورية هذه، لأن المزاج النفسي والروحي وقتئذ لشعوب العالم الاسلامي ، لم يكن ذاك المزاج الاعتيادي الهادئ الساكن لكي يمشي حسب مخطط تدريجي ، وانما كان هو

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 11 _

  المزاج الثوري الذي استطاع ان يرتفع الى مستوى قتل الحاكم والاطاحة به، لانه انحرف عن كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وأله وسلم) اذن هذا الارتفاع الذي وجد في لحظة في حياة الامة الإسلامية لم يكن من الهين إعادته وبعد ذلك كان لا بد للحاكم الذي يستلم زمام المسؤولية في مثل هذه اللحظة ان يعمق هذه اللحظة ان يمدد هذه اللحظة، أن يرسخ المضمون العاطفي والنفسي في هذه اللحظة عن طريق هذه الاجراءات الثورية التي قام بها أمير المؤمنين ...
  لو ان الامام علي (عليه السلام) أبقى الباطل مؤقتاً وأمضى التصرفات الكيفية التي قام بها الحكام من قبل ، لو أنه سكت عن معاوية وسكت عن أحزاب أخرى مشابهة لمعاوية بن أبي سفيان إذن لهدأت العاصفة ولانكمش هذا التيار العاطفي النفسي، وبعد انكماش هذا التيار العاطفي وهدوء تلك العاصفة سوف لن يكون بمقدور الامام (عليه السلام) ان يقوم بمثل هذه الاجراءات .
  النقطة الثالثة: ولا بد ايضاً من الالتفات الى نقطة هي : ان الامام (عليه السلام)، كان حريصاً على ان تدرك الامة كأمة أن واقع المعركة بينه (عليه السلام) وبين خصومه ، بينه وبين معاوية ليست معركة بين شخصين ، بيد قائدين ، بين قبيلتين ، وانما هي معركة بين الإسلام والجاهلية .
  كان حريصاً على ان يفهم الناس أن واقع المعركة هو واقع المعركة بين رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) والجاهلية التي حاربته في بدر واُحد وغيرهما من الغزوات وكان هذا الحرص سوف يمنى بنكسة كبيرة لو أنه (عليه السلام) أقر معاوية ، وأقر مخلفات عثمان السياسية والمالية ، لو أنه أقر هذه المخلفات ولو الى برهة من الزمن اذن لترسخ في اذهان الناس، وفي اذهان المسلمين بشكل عام شك في ان القضية ليست قضية رسالية وانما هي قضية اهداف حكم ، اذا انسجمت مع واقع هذه المخلفات فتلغي هذه المخلفات ذلك الشك الذي نما عند الامة في أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرغم من انه لم يكن يوجد له أي مبرر موضوعي وانما المبرر كانت له مبرراته الذاتية بالرغم من انه لم يكن يوجد أي مبرر موضوعي لشك ، وبالرغم من ان المبرر الوحيد للشك كان مبرراً ذاتياً وبالرغم من هذا استفحل هذا الشك وقرر ، وامتحن هذا الامام العظيم (عليه السلام) بهذا الشك ومات واستشهد والامة شاكة ... ثم استسلمت الامة بعد هذا وتحولت الى

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 12 _

  كتلة هامدة بين يدي الامام الحسن (عليه السلام) هذا كله بالرغم من أن الشك لم يكن له مبرر موضوعي فكيف اذا افترضنا ان الشك وجدت له مبررات موضوعية بحسب الصورة الشكلية .
  كيف لو ان المسلمين رأوا ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي هو رمز الاطروحة ورمز الاهداف الرسالية هذا الشخص يساوم ويعمل ويبيع الامة ولو مؤقتاً مع خيار الفسخ .
  كيف يمكن للأمة ان تدرك الفرق بين بيع بلا خيار الفسخ وبين بيع يكون فيه خيار الفسخ إن البيع على أي حال طبيعته هو البيع وأمير المؤمنين (عليه السلام) كانت مهمته الكبرى هي أن يحافظ على وجود الامة على ان لا تتنازل الامة عن وجودها .
  الامة التي قالت لعمر بن الخطاب، لأكبر خليفة تولى الحكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم)، اذا انحرفت عما نعرف من أحكام الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وأله وسلم) نقوِّمك بسيوفنا ، هذه الامة التي قالت هذه الكلمة بكل شجاعة لأكبر خليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) كانت قد بدأت تتنازل عن وجودها او بتعبير أخر كانت هناك مؤامرات عليها لكي تتنازل عن وجودها، وكان على علي بن ابي طالب (عليه السلام) ان يحافظ على هذه الامة، ويحصنها ضد أن تتنازل عن وجودها ، عملية التنازل عن الوجود كان يمثلها معاوية بن أبي سفيان ، وجذور معاوية في تاريخ الاسلام، هذا الذي عبر عنه وقتئذ ، بأن الاسلام أصبح هرقلية وكسروية الهرقلية والكسروية كان يكنى بها عن تنازل الامة عن وجودها ، يعني تحولت التجربة الاسلامية من أمة تحمل رسالة الى ملك وسلطان يحمل هذه الرسالة بمستوى وعيه لهذه الرسالة واخلاصه لهذه الرسالة سلباً وايجاباً ، هذه المؤامرة الكبيرة التي نجحت بعد هذا والتي توجت بكل المأسي والمحن والكوارث التي كانت ولاتزال الى يومنا هذا هي نتيجة تنازل الامة عن وجودها، نتيجة خداع الامة، وتحجيمها او الضغط عليها حتى تنازلت عن وجودها في عقد لا يقبل الفسخ ...
  أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يريد وقد أدرك الامة في اللحظات الاخيرة من وجودها المستقل، أن يمدد هذا الوجود المستقل أن يشعر الامة بأنها ليست

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 13 _

  سلعة تباع وتشترى، أنها ليست شيئاً يساوم عليها ، اذن كيف يشعرها بأنها ليست سلعة تباع وتشترى ، اذا كان هو يبيعها ويشتريها ، ولو في عقود قابلة للفسخ ؟
  كيف يستطيع أن يشعر الأمة بأنها لا تباع ولا تشترى ، ليست وفق رغبات السلاطين وليست وفق رغبات الحكام، وانما تمثل خلافة الله في الارض، لأجل أن تحقق أهداف هذه الخلافة في الارض.
  كيف يمكن ان يفهم الامة ذلك اذا كان هو يبيع قطاعات من هذه الامة لحكام فجرة من قبيل معاوية بن أبي سفيان، في سبيل ان يسترجع هذه القطاعات بعد ذلك .
  بطبيعة الحال كان هذا معناه مواكبة المؤامرة التي كان روح العصر يتفجر او يتمخض عن مثلها والتي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) واقفاً لأجل ان يحبطها وينقذ الامة منها ، وحينئذ لايمكن بحال من الاحوال ان نفترض ان الامام (عليه السلام) يساهم في حبك هذه المؤامرة .
  النقطة الرابعة والاخيرة: هي ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يكن يتعامل مع الفترة الزمنية القصيرة التي عاشها فقط ، وانما كان يحمل هدفاً أكبر من ذلك، أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحس بأنه قد أدرك المريض وهو في أخر مرضه ، قد أدركه حيث لا ينفع العلاج ولكنه كان يفكر في ابعاد أطول وأوسع للمعركة .
  لم يكن يفكر فقط في الفترة الزمنية التي عاشها وانما كان يفكر على مستوى اخر أوسع وأعمق ، هذا المستوى يعني أن الاسلام كان بحاجة الى ان تقدم له في خضم الانحراف بين يدي الأمة أطروحة واضحة صريحة نقية لا شائبة فيها ولا غموض ، لا التواء فيها ولا تعقيد ، لا مساومة فيها ولا نفاق ولا تدجيل .
  لماذا ... ؟ لأن الامة كتب عليها ان تعيش الحكم الاسلامي المنحرف منذ نجحت السقيفة في اهدافها اذن فالاسلام الذي تعطيه السقيفة امتدادها التاريخي هذا الاسلام اسلام مشوه ممسوخ اسلام لا يحفظ الصلة العاطفية فضلاً عن الفكرية بين الامة ككل وبين الرسالة، بين أشرف رسالات السماء وأشرف

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 14 _

  أمم الارض لا يمكن أن يحفظ هذه الصلة العاطفية والروحية بين الامة الاسلامية وبين الاسلام على اساس هذا الاسلام المعطى لهرون الرشيد، ولمعاوية بن أبي سفيان ، ولعبد الملك بن مروان، هذا الاسلام لا يمكن ان يحفظ هذه الصلة فكان لا بد لحفظ هذه الصلة بين جماهير الامة الاسلامية وبين هذه الرسالة، من إعطاء صورة واضحة محدودة للاسلام وهذه الصورة اعطيت نظرياً على مستوى ثقافة أهل البيت (عليه السلام) وأعطيت عملياً على مستوى تجربة الامام (عليه السلام) فكان الامام (عليه السلام) في تأكيده على العناوين الاولية في التشريع الاسلامي، وفي تأكيده على الخطوط الرئيسية في الصيغة الاسلامية للحياة كان في هذا يريد ان يقوم المنهاج الاسلامي واضحاً غير ملوّث بلوثة الانحراف التي كتبت على تاريخ الاسلام مدة طويلة من الزمن وكان لا بد لكي يتحقق هذا الهدف من ان يعطي هذه التجربة بهذا النوع من الصفاء والنقاء والوضوح دون ان يعمل ما اسميناه بقوانين باب التزاحم...
  وهكذا كان وظل الامام (عليه السلام) صامداً مواجهاً لكل المؤامرات التي كانت الامة تساهم في صنعها وفي حياكتها على اساس جهلها وعدم وعيها وعدم شعورها بالدور الحقيقي الذي يمارسه عليه السلام في سبيل حماية وجودها من الضياع وحماية كرامتها من ان تتحول الى سلعة تباع وتشترى حتى خر صريعاً على يد شخص من هذه الامة التي ضحى في سبيلها ... خر صريعاً في المسجد فقال :
  فزت ورب الكعبة ...
  لنحاسب علياً وهو في أخر لحظة من لحظات حياته (عليه السلام) حينما قال: فزت ورب الكعبة.
  هل كان علي أسعد انسان او اتعس انسان ... ؟
  هنا مقياسان:
  فتارة نقيس علياً (عليه السلام) بمقياس الدنيا.
  وأخرى نفيس علياً بمقاييس الله سبحانه وتعالى ...
  لو كان قد عمل كل عمله للدنيا ، لنفسه ، فهو اتعس انسان ... ومن

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 15 _

  اتعس من علي (عليه السلام) الذي بنى كل ما بنى واقام كل ما أقام من صرح ثم حرم من كل هذا البناء ومن كل هذه الصروح ؟
  هذا الاسلام الشامخ العظيم الذي يأكل الدنيا شرقاً وغرباً هذا الاسلام بني بدم علي (عليه السلام) بني بخفقات قلب علي (عليه السلام) بني بألام علي (عليه السلام)، بني بنار علي (عليه السلام)، كان علي هو شريك البناء بكل محن هذا البناء بكل ألام هذا البناء وفي كل مأسي هذا البناء أي لحظة محرجة وجدت بتاريخ هذا البناء لم يكن علي (عليه السلام) هو الانسان الوحيد الذي يتجه اليه نظر البنّاء الاول (صلى الله عليه وأله وسلم) ونظر المسلمين جميعاً لاجل انقاذ عملية البناء اذن فعلي (عليه السلام) كان هو المضحي دائماً في سبيل هذا البناء، هو الشخص الذي اعطى ولم يبخل الذي ضحى ولم يتردد الذي كان يضع دمه على كفه في كل غزوة في كل معركة ، في كل تصعيد جديد لهذا العمل الاسلامي الراسخ العظيم ...
  اذن شيدت كل هذه المنابر بيد علي (عليه السلام) واتسعت ارجاء هذه المملكة بسيف علي (عليه السلام).
  جهاد علي كان هو القاعدة لقيام هذه الدولة الواسعة الاطراف لكن ماذا حصّل علي (عليه السلام) من كل هذا البناء في مقاييس الدنيا، اذا اعتمدنا مقاييس الدنيا ... ؟
  لو كان علي (عليه السلام) يعمل لنفسه فماذا حصّل علي (عليه السلام) من كل هذه التضحيات من كل هذه البطولات ؟ ماذا حصل غير الحرمان الطويل الطويل، غير الاقصاء عن حقه الطبيعي بقطع النظر عن نص او تعيين من الله سبحانه وتعالى؟ كان حقه الطبيعي ان يحكم بعد ان يموت النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) لأنه الشخص الثاني عطاء للدعوة وتضحية في سبيلها .
  اُقصي من حقه الطبيعي قاسى الوان الحرمان أنكرت عليه كل امتيازاته، معاوية بن أبي سفيان هو الذي يقول لمحمد بن ابي بكر، كان علي كالنجم في السماء في ايام رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ولكن أباك والفاروق إبتزا حقه وأخذا أمره، وبعد هذا نحن شعرنا أن بامكاننا أن ندخل في ميدان المساومة مع هذا الرجل ويقول عن نفسه ، يحدث عن مقامه في ايام النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) ، وكيف أخذ المقام هذا يتنازل بالتدريج نتيجة لمؤامرات الحاكمين عليه، حتى قيل علي ومعاوية .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 16 _

  اذن فعلي (عليه السلام) حينما واجهه عبد الرحمن بن ملجم بتلك الضربة القاتلة على رأسه الشريف، كان ماضيه كله ماضي حرمان والم وخسارة لم يكن قد حصل على شيء منه، لكن الاشخاص الذي حصلوا على شيء عظيم من هذا البناء هم اولئك الذي لم يساهموا في هذا البناء هم اولئك الذي كانوا على استعداد دائم للتنازل عن مستوى هذا البناء في أية لحظة من اللحظات اولئك حصلوا على مكاسب عريضة من هذا البناء اما هذا الامام الممتحن الذي لم يفر لحظة الذي لم يتلكأ في أي أن، الذي لم يتلعثم في قول او عمل، هذا الامام العظيم لم يحصل على أي مكسب من هذا البناء بأي شكل من الاشكال انظروا ان هذه الحادثة يمكن ان تفجر قلب الانسان، وما الانسان غير العامل، حينما ينظر في حال عامل على هذا الترتيب يتفجر قلبه ألماً لحال هذا العامل المسكين، لحال هذا العامل التعيس ، الذي بنى فغير الدنيا ثم لم يستفد من هذا التغيير ثم تعالوا انظروا الى المستقبل الذي ينظره الامام علي (عليه السلام) بعين الغيب هذا ماضيه ، فماذا عن مستقبله ؟
  كان يرى بعين الغيب ان عدوه اللدود سوف يطأ منبره، سوف يطأ مسجده ، سوف ينتهك كل الحرمات والكرامات التي ضحى وجاهد في سبيلها سوف يستقل بهذه المنابر التي شيدت بجهاده وجهوده ودمه ، سوف يستغلها في لعنه وسبه عشرات السنين هو الذي كان يقول لبعض الخلّص من اصحابه انه سوف يعرض عليكم سبي ولعني والبراءة مني اما السب فسبوني واما البراءة مني فلا تتبرؤوا مني .
  اذن فهو كان ينظر بعين الغيب الى المستقبل بهذه النظرة لم يكن يرى في المستقبل نوعاً من التكذيب يتدارك به هذا الحرمان، الاجيال التي سوف تأتي بعد أن يفارق الدنيا ، كانت ضحية مؤامرة أموية جعلتها لا تدرك أبداً دور الامام علي (عليه السلام) في بناء الاسلام.
  هذا هو حرمان الماضي وهذا هو حرمان المستقبل.
  وبالرغم من كل هذا قال (عليه السلام) : فزت ورب الكعبة ، حينما أدرك انها اللحظة الاخيرة وانه انتهى خط جهاده وهو في قمة جهاده وانتهى خط محنته

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 17 _

  وهو في قمة صلاته وعبادته قال : فزت ورب الكعبة، لانه لم يكن انسان الدنيا ولو كان انسان الدنيا لكان اتعس انسان على الاطلاق لو كان انسان الدنيا لكان قلبه يتفجر الماً وكان قلبه ينفجر حسرة ولكنه لم يكن انسان الدنيا، لو كان انسان الدنيا فسوف يندم ندماً لا ينفعه معه شيء ، لانه بنى شيئاً انقلب عليه ليحطمه أي شيء يمكن ان ينفع هذا الشخص ؟ اذا فرضنا أن شخصاً اراد ان يربي شخصاً أخر لكي يخدمه فلما ربى ذاك الشخص ونمى واكتمل رشده جاء ليقتله ماذا ينفع هذا الشخص ندمه غير ان يموت .
  هذا الرجل العظيم قال : فزت ورب الكعبة، كان اسعد انسان ولم يكن اشقى انسان لانه كان يعيش لهدفه ، ولم يكن يعيش للدنيا ، كان يعيش لهدفه ولم يكن يعيش لمكاسبه ولم يتردد لحظة وهو في قمة هذه المأسي والمحن ، في صحة ماضيه ، وفي صحة حاضره ، وفي انه ادى دوره الذي كان يجب عليه .
  هذه هي العبرة التي يجب ان نأخذها .
  نحن يجب ان نستشعر دائماً ان السعادة في عمل العامل لا تنبع من المكاسب التي تعود اليه نتيجة لهذا العمل .
  يجب ان لا نقِّيم سعادة العامل على اساس كهذا لاننا لو قيّمناه على هذا الاساس فقد يكون حظنا كحظ هذا الامام الذي بنى اسلاماً ووجّه امة، ثم بعد هذا انقلبت عليه هذه الامة لتلعنه على المنابر الف شهر .
  نحن يجب ان لا نجعل مقياس سعادة العامل في عمله هو المكاسب والفوائد التي تنجم عن هذا العمل وانما رضى الله سبحانه وتعالى وانما حقانية العمل، كون العمل حقاً وكفى ، وحينئذ سوف نكون سعداء سواء أثر عملنا او لم يؤثر ، سواء قدر الناس عملنا ام لم يقدروا ، سواء رمونا باللعن او بالحجارة على أي حال سوف نستقبل الله سبحانه وتعالى ونحن سعداء لاننا ادينا حقنا وواجبنا وهناك من لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها، لئن ضيع هؤلاء السعادة ولئن ضيعوا فهمهم، ولئن استولى عليهم الغباء فخلطوا بين علي (عليه السلام) ومعاوية ، لئن انصرفوا عن علي وهم في قمة الحاجة اليه فهناك من

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 18 _

  لا يختلط عليه الحال، من يميز بين علي (عليه السلام) وبين أي شخص أخر، هناك من قد اعطى لعلي (عليه السلام) نتيجة لعمل واحد من اعماله مثل عبادة الثقلين .
  ذاك هو الحق وتلك هي السعادة.
  اللهم احشرنا معه واجعلنا من شيعته والمترسمين خطاه والحمد للّه .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 19 _

بسم الله الرحمن الرحيم 20/ شهر رمضان /1388 هجري   كنا نتحدث عن تلك الظاهرة الفريدة في المرحلة التي قضاها الامام (عليه السلام) حاكماً متصرفاً ومصرفاً لشؤون المسلمين .
  هذه الظاهرة الفريدة هي ما المحنا اليها من أن الامام (عليه السلام) كان حريصاً كل الحرص على اعطاء العناوين الاولية للصيغة الاسلامية للحياة، والوقوف على التكليف الواقعي الاولي بحسب مصطلح الاصوليين، دون تجاوزه الى ضرورات استثنائية تفرضها طبيعة الملابسات والظروف .
  قلنا ان هذه النقطة بحثت من الناحية الفقهية ومن الناحية السياسية معاً، فقيل مثلاً:
  لماذا لم يرتض الامام بأنصاف الحلول او بشيء من المساومة ؟
  لماذا لم يسكت ؟
  لماذا لم يُمضِ ولو بصورة مؤقتة الجهاز الفاسد الذي تركه وخلفه عثمان بعد موته ؟
  لماذا لم يُمضِ الجهاز حتى اذا اطاعه هذا الجهاز واسلم له القيادة بعد ذلك يستطيع ان يمارس بشكل اقوى واعنف عملية التصفية ؟
  كنا نعالج هذه المسألة وقلنا ان الجواب على هذا السؤال وتفسير هذه الظاهرة الفريدة في الحياة للإمام (عليه السلام) يتضح بمراجعة عدة نقاط استعرضنا من هذه النقاط اربع:
  النقطة الاولى: هي ان الامام (عليه السلام) كان بحاجة الى انشاء جيش عقائدي في دولته الجديدة التي كان يخطط لإنشائها في العراق، وهذا الجيش العقائدي

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 20 _

  لم يكن موجوداً بل كان بحاجة الى تربية واعداد فكري ونفسي وعاطفي وهذا الاعداد كان يتطلب جواً مسبقاً صالحاً لان تنشأ فيه بذور هذا الجيش العقائدي .
  وهذا الجو ما لم يكن جواً كفاحياً رسالياً واضحاً، لا يمكن ان تنشأ في احضانه بذور ذلك الجيش العقائدي، لو افترضنا ان الجو كان جو المساومات وانصاف الحلول حتى في حالة كون انصاف الحلول تكتسب الصفة الشرعية بقانون التزاحم على ما ذكرناه حتى في هذه الحالة تفقد الصيغة مدلولها التربوي .
  النقطة الثانية: هي ان الامام (عليه السلام) جاء لتسلم زمام الحكم في لحظة ثورة لا في لحظة اعتيادية، ولحظة الثورة تستبطن لحظة تركيز وتعبئة وتجمع كل الطاقات العاطفية والنفسية في الامة الاسلامية لصالح القضية الاسلامية فكان لا بد من اغتنام هذه اللحظة بكل ما تستنبطه من هذا الزخم الهائل عاطفياً ونفسياً وفكرياً .
  النقطة الثالثة: التي ركزنا عليها، هي ان ظاهرة الشك في مجتمع الامام (عليه السلام) هذه الظاهرة التي بيناها في محاضرات سابقة وكيف انها عصفت بالتجربة واستطاعت ان تقضي على الأمال والاهداف التي كانت معقودة عليها ، هذا الشك بالرغم من انه لم يكن يملك في سيرة الامام (عليه السلام) أي مبرر موضوعي ، وكانت مبرراته ذاتية محضة بالنحو الذي شرحناه تفصيلاً فيما مضى فقد استفحل وطغى ، فكيف لو افترضنا ان هذه المبررات الذاتية اضيفت اليها مبررات موضوعية من الناحية الشكلية، إذن لكان هذا الشك أسرع إلى الانتشار والتعمق والرسوخ وفي النهاية الى تقويض هذه التجربة .
  النقطة الرابعة: التي ختمنا بها الحديث بالامس هي عبارة عن ان انصاف الحلول او المساومة هنا كانت في الواقع اشتراكاً في المؤامرة وكانت تحقيقاً للمؤامرة من ناحية الامام (عليه السلام) ولم تكن تعبيراً عن الاعداد لإحباط هذه المؤامرة لان المؤامرة لم تكن مؤامرة على شخص الامام علي (عليه السلام) لم تكن مؤامرة على حاكمية الامام علي (عليه السلام) حتى يقال : انه يمهد لهذه الحاكمية بشيء من هذه

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 21 _

  الحلول الوسط، وانما المؤامرة كانت مؤامرة على وجود الامة الاسلامية، على شخصية هذه الامة، على ان تقول كلمتها في الميدان بكل قوة وجرأة وشجاعة، على ان تَنسَلِخ عن شخصيتها وينصب عليها قيم من اعلى يعيش معها عيش الاكاسرة والقياصرة مع شعوب الاكاسرة والقياصرة ، هذا الذي كان يسمّى بالمصطلح الاسلامي بالهرقلية والكسروية .
  هذه هي المؤامرة .
  وهذه المؤامرة هي التي كان يسعى خط السقيفة بالتدريج عامداً او غير عامد الى تعميقها الى انجاحها في المجتمع الاسلامي .
  فلو ان الامام (عليه السلام) كان قد مارس انصاف الحلول، لو كان قد باع الامة بيعاً مؤقتاً مع خيار الفسخ، اذن لكان بهذا قد اشترك في انجاح وفي سلخ الامة عن ارادتها وشخصيتها .
  كانت الامة وقتئذ بحاجة كبيرة جداً لكي تستطيع ان تكون على مستوى مسؤوليات ذلك الموقف العصيب، وعلى مستوى القدرة للتخلص من تبعات هذه المؤامرة .
  كان لا بد من ان تشعر بكرامتها بارادتها ، بحريتها ، باصالتها ، بشخصيتها في المعترك وهذا كله مما لا يتفق مع ممارسة الامام (عليه السلام) لانصاف الحلول .
  النقطة الخامسة: التي لا بد من الالتفات اليها في هذا المجال هي ان الامام (عليه السلام) لو كان قد امضى هذه الاجهزة الفاسدة التي خلفها عثمان الخليفة من قبله فليس من المعقول بمقتضى طبيعة الاشياء ان يستطيع بعد هذا ان يمارس عملية التغيير الحقيقي في هذه التجربة التي يتزعمها .
  وفي الواقع ان هذا الفهم لموقف امير المؤمنين (عليه السلام) الذي اعرضه في هذه النقطة مرتبط بحقيقة مطلقة تشمل موقف امير المؤمنين (عليه السلام) وتشمل أي موقف رسالي عقائدي أخر مشابه لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) أي موقف أخر يستهدف تغييراً جذرياً او اصلاحياً حقيقياً في مجتمع او بيئة او حوزة او في أي مجتمع أخر من المجتمعات وهذه الحقيقة المطلقة هي ان كل اصلاح لا

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 19 _

  يمكن ان ينشأ على يد الاجهزة الفاسدة نفسها التي لا بد أن يطالها التغيير .
  فلو افترضنا ان الزعيم المسؤول عن اصلاح تلك البيئة أقر الاجهزة الفاسدة التي يتوقف الاصلاح على ازالتها وعلى تبديدها ، لو انه أقر هذه الاجهزة وتعاون معها وامضاها ولو مؤقتاً ، ثم بعد ان إكتسب القوة والمزيد من القدرة، وامتد افقياً وعامودياً في ابعاد هذه التجربة التي تزعمها ، بعد هذا استبدل هذه الركائز بركائز اخرى هذا المنطق منطق لا يتفق مع طبيعة العمل الاجتماعي ومع طبيعة الاشياء وذلك لان هذا الزعيم من اين سوف يستمد القوة من اين سوف تتسع له القدرة ؟ من اين سوف يمتد افقياً وعامودياً ؟
  هل تهبط عليه هذه القوة بمعجزة من السماء ؟ لا ... وانما سوف يستمد هذه القوة من تلك الركائز نفسها ...
  أي زعيم في أية بيئة يستمد قوته وتتعمق هذه القوة عنده باستمرار ، من ركائزه ، من أسسه من اجهزته التي هي قوته التنفيذية التي هي واجهته على الامة ، التي هي تعبيره ، التي هي تخطيطه ، فإذا افترضنا ان هذه الاجهزة كانت هي الاجهزة الفاسدة التي يريد المخطط الاصلاحي ازالتها وتبديلها باجهزة اخرى، فليس من المعقول ان يقول الزعيم في أية لحظة من اللحظات، وفي أي موقف من المواقف: دع هذه الاجهزة معي دعني اعمل مع هذه الاجهزة حتى امتد حتى اشمخ وبعد ان امتد واشمخ استطيع ان اقضي على هذه الاجهزة ، فإن هذا الشموخ الناتج من هذه الاجهزة لا يمكن ان يقضي على هذه الاجهزة.
  النتيجة منطقياً مرتبطة بمقدماتها والنتيجة واقعياً مرتبطة ايضاً بركائزها واسسها، فهذا الشموخ المستمد من ركائز فاسدة ، من اجهزة فاسدة، لا يمكن ان يعود مرة اخرى فيتمرد على هذه الاجهزة.
  هذا الزعيم حتى لو كان حسن النية، حتى لو كان صادقاً في نيته وفي تصوره سوف يجد في نهاية الطريق أنه عاجز عن التغيير ، سوف يجد في نهاية الطريق انه لا يتمكن ان يحقق اهدافه الكبيرة لان الزعيم مهما كان زعيماً ، والرئيس مهما كان حاكماً وسلطاناً، لا يغير بيئة بجرة قلم ، لا يغير بيئة باصدار قرار باصدار أمر، وانما تتغير البيئة عن طريق الاجهزة التي تنفذ ارادة هذا

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 23 _

  الزعيم، وتخطيط هذا الزعيم، اذن كيف سوف يستطيع هذا الزعيم ان ينفذ ارادته، ان يحقق أهدافه ان يصل الى امله ؟
  فطبيعة الاشياء وطبيعة العمل التغييري في أي بيئة تفرض على أي زعيم يبدأ هذا العمل ان يبني زعامته بصورة منفصلة عن تلك الاجهزة الفاسدة وهذا ما كان يفرض على الامام (عليه السلام) ان لا يمضي مخلفات عثمان الادارية والسياسية ... ؟
  النقطة السادسة: التي لا بد من الالتفات اليها ايضاً في هذا المجال هي ان الامام (عليه السلام) لو كان قد امضى ولو مؤقتاً الاجهزة التي خلفها عثمان امضى مثلاً ولاية معاوية بن أبي سفيان وحاكميته على الشام لحصل من ذلك على نقطة قوة مؤقتة .
  لو باع الامة من معاوية بيعاً مؤقتاً مع خيار الفسخ اذن لاستطاع بذلك ان يحصل على نقطة قوة ونقطة القوة هي ان معاوية سوف يبايعه وسوف يبايعه اهل الشام وهذه النقطة نقطة قوة في حساب عملية التغيير لكن في مقابل هذا ايضاً سوف يحصل معاوية بن أبي سفيان ، على نقطة قوة كما حصل الامام (عليه السلام) على نقطة قوة ونقطة القوة التي سوف يحصل عليها معاوية هي اعتراف الامام (عليه السلام) صاحب الاطروحة الجديدة صاحب الخط الاسلامي الأخر المعارض على طول الزمن منذ تشكلت السقيفة بشرعية معاوية بن أبي سفيان بأن معاوية رجل على اقل التقادير يوصف بأنه عامل قدير على تسيير مهام الدولة وعلى حماية مصالح المسلمين وعلى رعاية شؤونهم هذا الاعتراف ، هو المدلول العرفي الواضح لمثل هذا الامضاء في الذهنية الاسلامية العامة، فنقطة قوة لمعاوية مقابل نقطة قوة لعلي (عليه السلام)...
  ونحن اذا قارنا بين هاتين النقطتين فسوف لن ننتهي الى قرار يؤكد ان نقطة القوة التي حصل عليها الامام (عليه السلام) هي اهم في حساب عملية التغيير الاجتماعية التي يمارسها الامام (عليه السلام) من نقطة القوة التي يحصل عليها معاوية، خاصة اذا التفتنا الى ان تغيير الولاة في داخل الدولة الاسلامية وقتئذ لم يكن عملية سهلة ولم يكن عملية بهذا الشكل من اليسر الذي نتصوره في دولة مركزية تسيطر حكومتها المركزية على كل أجهزة الدولة وقطاعاتها .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 24 _

  ليس معنى ان معاوية يبايع او يأخذ البيعة لخليفة في المدينة ان جيشاً في الحكومة المركزية سوف يدخل الشام وان هناك ارتباطاً عسكرياً حقيقياً سوف يوجد بين الشام وبين الحكومة المركزية وانما يبقى هذا الوالي بعد اخذ البيعة همزة الوصل الحقيقية بين هذا البلد وبين الحكومة المركزية لضعف مستوى الحكومة المركزية وقتئذ من ناحية ، ومن ناحية اخرى لترسخ معاوية في الشام بالخصوص لأن الشام لم تعرف حاكماً مسلماً قبل معاوية وقبل أخي معاوية ومنذ دشن الشام حياته الاسلامية فانما دشنها على يد اولاد أبي سفيان اذن ترسخ معاوية من الناحية التاريخية والصلاحيات الاستثنائية التي اعطيت له من قبل عمر بن الخطاب في ان ينشئ له سلطنة وملكية في الشام بدعوى ان هذا يكون مظهر عز وجلال للاسلام في مقابل دولة القياصرة.
  هذه الصلاحيات الاستثنائية التي أخذها معاوية من عمر بن الخطاب لأجل انشاء مظاهر مستقلة في الشام، لا تشبه الوضع السياسي في الدولة الاسلامية في باقي الاقاليم وهذا مما رسخ نوعاً من الانفصالية في الشام عن باقي اجزاء جسم الدولة الاسلامية .
  ثم الصلاحيات التي أخذها بعد هذا من عثمان بن عفان حينما تولى الخلافة، وحينما شعر بأنه قادر على ان يستهتر بشكل مطلق بالامر والنهي، بحيث لم يبق طيلة مدة خلافة عثمان أي ارتباط حقيقي بين الشام والمدينة وانما كان هو الأمر والناهي في الشام مما جعل الشام يعيش حالة شبه انفصالية في الواقع وان لم تكن إنفصالية بحسب العرف الدستوري للدولة الاسلامية وقتئذ ، وهذا مما يعقد الموقف على امير المؤمنين (عليه السلام) ويجعل نقطة القوة التي يحصل عليها وهي مجرد البيعة في الايام الاولى نقطة غير حاسمة بينما اذا اراد بعد هذا ان يعزل معاوية فبامكان معاوية ان يثير - الى جانب وجوده المادي القوي المترسخ في الشام - الشبهات على المستوى التشريعي والاسلامي .
  لماذا يعزلني ؟
  ماذا صدر مني حتى يعزلني بعد ان اعترف باني حاكم عادل صالح لادارة شؤون المسلمين ؟

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 25 _

  ما الذي طرأ وما الذي تجدد ؟
  مثل هذا الكلام كان بامكان معاوية ان يوجهه حينئذ الى الامام (عليه السلام) ولم يكن للإمام (عليه السلام) ان يعطي جواباً مقنعاً للرأي العام الاسلامي وقتئذ على مثل هذه الشبهة.
  بينما حين يعزله من البداية يعزله على اساس انه يؤمن بعدم صلاحيته، وبأنه لاتتوفر فيه الشروط اللازمة في الحاكم الاسلامي، وهو لا يتحمل مسؤولية وجوده كحاكم، في الفترة السابقة التي عاشها معاوية حاكماً من قبل عثمان او من قبل عمر بن الخطاب .
  النقطة السابعة: التي لا بد من الالتفات اليها في هذا المجال هي: ان هذه الشبهة تفترض ان معاوية بن أبي سفيان لو ان الامام (عليه السلام) امضى حاكميته وامضى ولايته لبايعه ولأعطى نقطة القوة هذه الى أمير المؤمنين (عليه السلام) ولكن لا يوجد في الدلائل والقرائن التي كانت تكتنف موقف الامام (عليه السلام) ما يوحي بصحة هذا الافتراض، فان معاوية لم يعص علياً لأجل انه عزل عن الولاية، وانما كان ذلك في اكبر الظن جزءاً من مخطط لمؤامرة طويلة الامد للأموية على الاسلام، الاموية كانت تريد ان تنهب مكاسب الاسلام بالتدريج هذا النهب الذي عبر عنه بأقسى صورة ابو سفيان حينما ركل قبر حمزة رضوان اللّه عليه بقدمه وهو يقول: ان هذا الدين الذي قاتلتمونا عليه، هذا الدين الذي بذلتم دماءكم في سبيله، وضحيتم في سبيله قوموا واقعدوا وانظروا كيف اصبح كرة في يد صبياننا واطفالنا .
  كان الشرف الاموي يريد ان يقتنص وان ينهب مكاسب البناء الاسلامي والوجود الاسلامي، وكانت هذه المؤامرة تنفذ على مستويات وكانت المرحلة الاولى من هذه المؤامرة ترسخ الاخوين في الشام يزيد بن ابي سفيان ثم معاوية بعد يزيد بن أبي سفيان بعد يزيد .
  ومحاولة استقطاب معاوية للشام، عن طريق بقائه هذه المدة الطويلة فيها .
  ثم كان معاوية بن أبي سفيان بنفسه، ينتظر الفرصة الذهبية التي يتيحها مقتل عثمان بن عفان هذه الفرضة الذهبية التي تعطيه سلاحاً غير منتظر يمكن ان يمسكه ويدخل به الى الميدان ... ولهذا تباطأ عن نصرة عثمان بن عفان كان

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 26 _

  عثمان يستنصره ويستصرخه ويؤكد له انه يعيش لحظات الخطر ولكن معاوية كان يتلكأ في إنقاذه وكان معاوية - على أقل تقدير - قادراً على ان يؤخر هذا المصير المحتوم بعثمان الى مدة أطول لو انه وقف موقفا ايجابياً حقيقياً في نصرة عثمان بن عفان الا انه تلكأ وتلعثم وكان يخطط لكي يبقى هذا التيار كاسحاً ولكي يخرج عثمان بن عفان على يد المسلمين ميتاً ثم بعد هذا لكي يأتي ويمسك بزمام هذا السلاح ولكي يقول انا ابن عم الخليفة المقتول ومن المعلوم ان معاوية سوف لن يتاح له في كل يوم، ان يكون ابن عم الخليفة المقتول، فهذه الفرصة الذهبية التي كانت على مستوى الاطماع والأمال الاموية لنهب كل مكاسب الاسلام هذه الفرصة الذهبية لم يكن من المظنون ان معاوية سوف يغيرها عن طريق الاكتفاء بولاية الشام، ولاية الشام كانت مرحلة اما منذ قتل عثمان بدأ معاوية في نهب كل الوجود الاسلامي، وتزعم كل هذا الوجود وكان هذا يعني ان تعيينه او ابقاءه والياً على الشام سوف لن يكون على مستوى اطماعه في المرحلة الاولى التي بدأت بمقتل عثمان بن عفان من مراحل المؤامرة الاموية على الاسلام .
  وأخيراً لا بد من الالتفات ايضاً إلى شيء أخر: هو ان الوضع الذي كان يعيشه الامام (عليه السلام) في ملاحظة طبيعة الامة في ذلك الوضع، وطبيعة الامام (عليه السلام) في ذلك الوضع، لم يكن ليوحي بالاعتقاد بالعجز عن امكان النجاح لعملية التغيير دون مساومة .
  ومن الواضح ان الفكرة الفقهية التي اشرنا اليها سابقاً عن توقف الواجب الاهم على المقدمة المحرمة، انما تكون فيما اذا كان هناك توقف بالفعل، بحيث يحرز ان هذا الواجب الاهم لا يمكن التوصل اليه الا عن طريق هذه المقدمة المحرمة، والظروف وطبيعية الاشياء وقتئذ لم تكن توحي، ولم تكن تؤدي الى اليقين بمثل هذا التوقف .
  وذلك لأن المؤامرة التي كان علي (عليه السلام) قد اضطلع بمسؤولية احباطها حينما تولى الحكم لم تكن قد نجحت بعد بل كانت الامة في يوم قريب سابق على يوم مقتل عثمان قد عبرت تعبيراً معاكساً مضاداً لواقع هذه المؤامرة ولمضمون هذه المؤامرة .
  هذه المؤامرة صحيح انها تمتد بجذورها الى امد طويل قبل هذا التاريخ،

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 27 _

  المؤامرة على وجود الامة الاسلامية فإن الامة الاسلامية التي سهر عليها رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) على اعطائها اصالتها وشخصيتها وكرامتها ووجودها، حتى كان قد الزم نفسه والزمه ربه بالشورى والتشاور مع المسلمين لأجل تربية المسلمين تربية نفسية واعدادهم لا تحمل مسؤولياتهم واشعارهم بانهم هم الامة التي يجب ان تتحمل مسؤوليات هذه الرسالة خلفها رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) وهي تعيش هذه الروحية وتعيش على هذا المستوى عاطفياً ونفسياً، وبدأت جذور المؤامرة للقضاء على وجود الامة كافة وتحويل الوجود الى السلطان والحاكم .
  أول جذر من جذور هذه المؤامرة اعطي كمفهوم في السقيفة حينما قال احد المتكلمين فيها من ينازعنا سلطان محمد .
  والسقيفة وان كانت بمظهرها اعترافاً بوجود الامة لأن الامة تريد ان تتشاور في أمر تعيين الحاكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) ولكن المفهوم الذي اعطي في السقيفة والذي كتب له ان ينجح يوم السقيفة ، وان يمتد بأثره بعد ذلك بعد يوم السقيفة هذه، المفهوم كان بحد ذاته ينكر وجود الامة.
  كان ينظر الى النبوة على انها سلطان قريش انها سلطان عشيرة معينة وهذه العشيرة المعينة هي التي يجب ان تحكم وان تسود، نظرية مالكية العشيرة، التي تتحدى وجود الامة، وتنكر عليها إصالتها ووجودها وشخصيتها، هذه النظرية طرحت كمفهوم في السقيفة ثم بعد هذا امتدت واتسعت عملياً ونظرياً .
  عمر بن الخطاب كان ايضاً يعمق بشكل أخر هذا المفهوم .
  في مرة من المرات سمع عمر بن الخطاب ان المسلمين يتحلقون حلقاً حلقاً، ويتكلمون في أن امير المؤمنين اذا اصيب بشيء فمن يحكم المسلمين بعد عمر ؟
  المسلمون اناس يحملون همّ التجربة هّم المجتمع همّ الامة تطبيقاً لفكرة : ان كل مسلم يحمل الهموم الكبيرة يفكرون في ان عمر بن الخطاب حينما يموت ، من الذي يحكم المسلمين ؟

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 28 _

  هذا تعبير عن وجود الامة في الميدان.
  انزعج عمر بن الخطاب جدّاً لهذا التعبير عن وجود الامة ، لانه يعرف ان وجود الامة في الميدان معناه وجود علي (عليه السلام) في الميدان، معناه وجود الخط المعارض في الميدان، كلما نمت الامة كلما تأصل وجودها اكثر واكتسبت ارادتها ووعيها بدرجة اعمق كلما كان علي هو الاقدر وهو الأكفأ لممارسة عملية الحكم، لهذا صعد على المنبر وقال ما مضمونه: أن أقواماً يقولون ماذا ومن يحكم بعد امير المؤمنين ...؟ الا ان بيعة ابي بكر كانت فلتة وقى اللّه المسلمين شرها .
  يعني ماذا يريد ان يقول في هذا الكلام يريد ان يقول في هذا الكلام بان المسلمين لا يجوز ان يعودوا مرة اخرى الى التفكير المستقل في انتخاب شخص وانما الشخص يجب ان يعين لهم من اعلى ، لكن لم يستطع ولم يجرأ ان يبين هذا المفهوم والا هو في نفسه كان هكذا يرى ...
  كان يرى ان الامة يجب ان تستمع منه هو يعين من اعلى هذا الحاكم، لا ان الامة نفسها تفكر في تعيين هذا الحاكم كما فكرت مثلاً عقيب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وأله وسلم) كان ذلك فلتة وقى الله المسلمين شرها، والامة يجب الا تعود الى هذه الفلتة مرة اخرى .
  اذن فما هذا البديل؟ هذا البديل لم يبرزه لكن البديل كان في نفسه هو اني انا يجب ان اعين هذا ايضاً، كان استمرارية لجذور المؤامرة وبعد هذا عبر عن هذا البديل بكل صراحة وهو على فراش الموت، وحينما طلب منه المتملقون ان يوصي والا يهمل امة محمد (صلى الله عليه وأله وسلم)، حينما طلبوا منه ذلك عبر عن هذا البديل بكل صراحة فأسند الامر الى ستة ايضاً كان فيه نوع من التحفظ لانه لم يعين واحداً وحيداً لا شريك له وانما عين ستة كأنه يريد ان يقول: بأني اعطيت درجة من المشاركة للامة عن طريق اني اسندت الامر الى ستة هم يعينون فيما بينهم واحداً منهم .
  انظروا كيف كانت المؤامرة على الامة تنفذ بالتدريج .
  كانت المؤامرة على وجودها على كيانها على ارادتها كأمة ... تحمل اشرف رسالات السماء .

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 29 _

  طبعاً عبد الرحمن بن عوف الذي كان قطب الرحى في هؤلاء الستة ايضاً لم يستطع في تلك المرحلة ان يطفئ دور الامة لم يحل المشكلة عن طريق التفاوض فيما بين هؤلاء الستة، في اجتماع مغلق وانما ذهب يستشير الامة ويسأل المسلمين من الذي ترشحونه من هؤلاء الستة ؟ الى هنا كانت الامة لاتزال تحتفظ بدرجة كبيرة من وجودها بحيث ان عمر بن الخطاب لم يستطع ان يغفل وجود الامة يسأل هذا ويسأل ذاك من تريدون من هؤلاء الستة ؟ يقول ما سألت عربياً الا وقال: علي بن ابي طالب (عليه السلام) وما سألت قرشياً الا وقال عثمان بن عفان يعني جماهير المسلمين كانت تقول علي بن ابي طالب (عليه السلام) وعشيرة واحدة معينة كانت تريد ان تنهب الحكم من الامة كانت تقول عثمان لان عثمان بن عفان كان تكريساً لعملية النهب بينما علي بن ابي طالب (عليه السلام) كان تعبيراً وتأكيداً لوجود الامة في الميدان، ولهذا ارادته الامة، وارادت العشيرة عثمان .
  ثم بعد هذا جاء عثمان بن عفان وفي دور عثمان بن عفان تكشفت المؤامرة أكثر فأكثر وامتدت أكثر فأكثر .
  اصبحت العشيرة تحكم وتقول بكل صراحة بان المال مالنا والخراج خراجنا والارض ارضنا ان شئنا اعطينا للأخرين وان شئنا حرمناهم .
  لكن هذا كلام يقال خارج نطاق الدستور، اما في نطاق الدستور كانت لا تزال الصيغة الاسلامية وهي ان المال مال الله والناس سواسية المسلمون كلهم عبيد الله لا فرق بين قرشيهم وعربيهم وبين عربيهم واعجميهم بين أي مسلم واي مسلم أخر، هذه كانت الصيغة الدستورية حتى في عهد عثمان لكن هذا الوالي الاموي المتغطرس او ذاك الاموي المتعجرف او هذا الاموي المستعجل والمتهور كان ينطق بواقع أخر لا يعبر عن الدستور حيث ينظر الى الامة على انها قطيع يتحكم فيه كيف يشاء وعلى ان ارض الاسلام مزرعة ينتفع بخيراتها من يشاء هو ويحرم من خيراتها من شاء ولكن منطق الدستور الاسلامي كان هو المتحذر في نفوس ابناء الامة هذا المنطق هو ان ارض السواد ملك الامة وان الامة هي صاحبة الرأي فهي القائدة وهي سيدة الموقف وهذا يعني ان المؤامرة لا تزال غير ناجحة بالرغم من الجذور بالرغم من المقدمات

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 30 _

  بالرغم من الارهاصات النظرية والعملية بالرغم من كل ذلك المؤامرة لم تكن ناجحة الامة كانت هي الامة، الامة كانت تأتي الى عثمان وتقول: لا نريد هذا الوالي لان هذا الوالي منحرف منحرف لا يطبق كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وأله وسلم) ولم يكن يستطيع عثمان بن عفان ان يجيب بصراحة ويقول ليس لك ارادة، هذا الوالي يمثلني انا، وانا الحاكم انا الحاكم المطلق لم يكن يستطيع عثمان بن عفان ان يقول هذا وانما كان يعتذر ويقيل ويرجع وهكذا كان يناور مع الامة يشتغل بمناورات من هذا القبيل مع هذه الامة التي بدأت تحس بالخطر على وجودها فعبرت الامة تعبيراً ثورياً عن وجودها وعن كرامتها فقتلت هذا الخليفة وبعدها اتجهت طبيعياً الى الامام (عليه السلام) لكي يعبر من جديد عن وجودها لكي يحبط المؤامرة لكي يعيد الى هذه الامة كل كرامتها خارج نطاق الدستور وداخل نطاق الدستور لكي يقضي على كل انحراف خرج به الحكام عن الدستور عن الصيغة الاسلامية للحياة .
  فمن هنا كانت القضية لاتزال في بدايتها لا تزال الامة هي الامة لا تزال بحسب مظهرها على اقل تقدير هي تلك الامة التي قتلت الحاكم في سبيل الحفاظ على وجودها وعلي (عليه السلام) صاحب الطاقات الكبيرة هو الشخص الوحيد الذي يؤمل فيه ان يصفي عملية الانحراف .
  فالظروف والملابسات لم تكن تؤدي الى يأس ... كانت تؤدي الى امل وما وقع خارجاً خلال هذه الاربع سنوات كان يؤكد هذا الامل فان علياً (عليه السلام) لولا معاكسات جانبية لم تكن تنبع من حقيقة المشاكل الكبرى في المجتمع، لاستطاع ان يسيطر على الموقف.
  لولا مسألة التحكيم مثلاً، لولا ان شعاراً معيناً طرح من قبل معاوية هذا الشعار الذي انعكس بفهم خاطئ عند جماعة معينة في جيش الامام (عليه السلام) لولا هذا لكان بينه وبين قتل معاوية وتصفيته بضعة امتار .
  اذن كان الامل في ان علياً (عليه السلام) يمكنه ان يحقق الهدف ويعيد للامة وجودها من دون حاجة الى المساومات وانصاف الحلول كان هذا الامل أملاً معقولاً وكبيراً ولهذا لم يكن هناك مجوز لارتكاب انصاف الحلول والمساومات .
  ولكن هذا الامل قد خاب كما قلنا ، انتهى أخر أمل حقيقي في هذه

أهل البيت (ع) تنوع ادوار ووحدة هدف _ 31 _

  التصفية حينما خر هذا الامام (عليه السلام) العظيم صريعاً في مسجده صلوات الله عليه وانتهى أخر امل في هذه التصفية وقدر للمؤامرة على وجود الامة ان تنجح وان تؤتي مفعولها كاملاً .
  غير ان الامام (عليه السلام) حينما فتح عينيه في تلك اللحظة العصيبة ورأى الحسن (عليه السلام) وهو يبكي ويشعر ويحس ويدرك بان وفاة ابيه هي وفاة لكل هذه الأمال اراد ان ينبهه الى ان الخط لا يزال باقياً والى ان التكليف لا يزال مستمراً وان نجاح المؤامرة لا يعني أن نلقي السلاح .
  نعم المؤامرة يا ولدي نجحت ولهذا سوف تشردون وسوف تقتلون ولكن هذا لا يعني ان المعركة انتهت يجب ان تقاوم حتى تقتل مسموماً ، ويجب ان يقاوم أخوك حتى يقتل بالسيف شهيداً ولا بد ان يستمر الخط حتى بعد ان سرق من الامة وجودها لان محاولة استرجاع الوجود اذا بقيت في الامة فسوف يبقى هناك نفس في الامة سوف يبقى هناك ما يحصن الامة ضد التميع والذوبان .
  الامة حينما تتنازل عن هذه الارادة والشخصية لجبار من الجبابرة حينئذ تكون عرضة للذوبان والتميع في أتون أي فرعون من الفراعنة .
  لكن اذا بقي لدى الامة محاولة استرجاع هذا الوجود باستمرار هذه المحاولة التي يحاولها خط علي (عليه السلام) ومدرسة علي (عليه السلام) والشهداء والصديقون من ابناء علي (عليه السلام) وشيعته اذا بقيت هذه المحاولة فسوف يبقى مع هذه المحاولة امل في ان تسترجع الامة وجودها وعلى اقل تقدير سوف تحقق هذه المحاولة كسباً أنياً باستمرار وهو تحصين الامة ضد التميع والذوبان المطلق في ارادة ذلك الحاكم وفي اطار ذلك الحاكم.
  وهذا ما وقع .
  أسأل اللّه سبحانه ان يجعلنا من انصاره وشيعته والسائرين في خطه والمساهمين في هذه المحاولات .