وله كذلك :
--------------------------- (1) عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وأبو الفرج الإصفهاني هنا في صدد أخبار عمر بن أبي ربيعة مع عائشة بنت طلحة . (2) الأغاني 1 : 205 . (3) المصدر السابق : 108 . (4) المصدر السابق : 109 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 40 _خامساً : والجدير ذكره أن أبا الفرج الإصفهاني حين ذكره لقصة اجتماع عمر بن أبي ربيعة بسكينة ، ذكر أبيات القصة في موضع آخر هكذا :
--------------------------- (1) الأغاني 1 : 172 . (2) الأغاني 17 : 162 . (3) يأتي في صفحة 74 و 75 ذكر أبيات تشبيبه بسعدى ، فراجع . (4) راجع صفحة 92 من هذا الكتاب . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 41 _وإذا أردنا أن نحسن الظن بأبي الفرج الاصفهاني ، فترجع المشكلة إلى يد التحريف والتصحيف ، التي تدور في فلك الأنظمة والحكام ، الذين حاولوا فرض حالات العبث والتزييف في التراث الإسلامي ، فضلا عن التراث الأدبي ، الذي حاولوا تسخيره لتوجهاتهم ، دون أن تسلم مجالات الترويح الأدبي البريء ، الذي يستثمره القارئ دون أن تدخله القراءات الحاكمة ضمن دوائرها السياسية المقيتة .النموذج الثاني : أبو الفرج الاصفهاني ، أخبرني الحسن بن علي قال : حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال : أخبرني عيسى بن إسماعيل ، عن محمد بن سلام ، عن جرير المديني ، عن المدائني ، وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن محمد بن سلام ، وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، عن عمر بن شبة موقوفا عليه ، قالوا : اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين ( عليهما السلام ) ، جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب ، فمكثوا أياما ، ثم أذنت لهم فدخلوا عليها ، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ، ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث ، فقالت : أيكم الفرزدق ؟ فقال لها : ها أنذا ، فقالت : أنت القائل :
عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 42 _فقال : نعم ، فقالت : فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك ؟ هلا سترتها وسترت نفسك ؟ خذ هذه الألف ، والحق بأهلك (1) .وفي رواية أخرى لأبي الفرج عن أبي الزناد : أن الفرزدق لما قال ها أنذا ، قالت : أنت الذي تقول :
--------------------------- (1) الأغاني 16 : 169 و 170 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 43 _فقال : ها أنذا ، قالت : أنت القائل :
--------------------------- (1) الأبيات وما بعدها أوردها عن الأغاني السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 5 : 345 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 44 _
قال : نعم ، قالت : أعطاك الله مناك ، وأنت القائل :
--------------------------- (1) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي :279. عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 45 _قالت : أنت القائل :
رجال الخبر : محمد بن القاسم بن مهرويه : مهمل لم تتعرض له كتب الرجال ، غير معروف . عيسى بن إسماعيل : كذلك مهمل أهملته كتب الرجال ، لا يعرف . محمد بن سلام : قال ابن حجر : لا يكتب حديثه (2) . جرير المديني : لا يعرف ، مهمل ، تركته كتب الرجال . محمد بن أبي الأزهر : غير معروف . فالخبر ساقط لمجهولية بعض رواته ، وضعف غيرهم ، وأنت ترى ما للخبر من تكلف زائد وتهويلات مصطنعة ، تصاغ للحط من كرامة السيدة سكينة عليهما السلام ، فاجتماع الشعراء على بابها يعطي صبغة عبثية تمارسها هذه السيدة الكريمة في حياتها الخاصة ، وكأنها لا ترتبط بنواميس دينية ، أو مقدسات اجتماعية تأبى هذه الحياة العبثية ، أو كأنها غير مرتبطة بأسرة أو زوج يأنف من هذه الحياة التي تمارسها زوجته ابنتهم ، وآية أسرة هي تلك التي كانت لها سيادة قريش ، وسلطنة الشرف والكرامة ، فكيف تسمح نفوسهم أن تخدش غيرتهم وكرامتهم بهذه القضايا ؟ ! --------------------------- (1) والقصة والأشعار أوردها أبو الفرج في الأغاني 6 : 169 ـ 172 بنحو آخر . (2) لسان الميزان 3 : 542 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 46 _أضف إلى أن اجتماع الفرزدق وجرير غير ممكن في ظروف الهجاء والتفاخر الذي شاع بينهما ، فالنفرة التي كانت بين الشاعرين تأبى التوفيق بينهما على باب واحدة يستعطفون رضا أحد ، وقد عرف ذلك الوقوف على باب خليفة أو وال يغدق بعطاء الشعراء ، ويستريح على تزاحم المادحين ، ويأنس لاجتماع المغنين ، وهو ديدن الامويين ومنهج الزبيريين ، ولم يعرف من آل علي عليه السلام هذا .وإذا أراد هؤلاء الوضاعون دفع هذه الوصمة عن أسيادهم إلى الهاشميين من آل علي ( عليه السلام ) ، فإن الواقع يظهر لهم خلاف ذلك ، وأعطيات خلفاء بني أمية وبني العباس وغيرهم مشهورة ، وتسول الشعراء لمديحهم أشهر من أن تذكر له شواهد . قال جرجي زيدان وهو يتحدث عن ملوك بني أمية : واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال ، فضلاً عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفا من قطع العطاء عنهم ، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين ، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جنداً ، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان ، فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية ، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه ، فإذا كان القابض عليه حكيما يعرف كيف يعطي ولمن يعطي ، أغناه ذلك عن سائر الأسباب ، فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 47 _كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان ، أكبر دهاة العرب . . فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء بني أمية خوفاً من قطع أعطيتهم ، فضلاً عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم (1) .هذا هو ديدن بني أمية وأمثالهم ، وإذا أرادوا أن يدفعوا وصمة العطاء لموارد العبث والمجون من بيت المال وهو حال الخلفاء ، فإن آل علي ( عليه السلام ) لم يعرفوا بذلك ، بل كان عطاؤهم لله تعالى غير متجاوزين على غيرهم ، ويرون أن التعدي في صرف الأموال في غير حقها خيانة للمسلمين ، لذا وجد أعداؤهم أن يلصقوا بهم هذه التهمة للتخفيف عما ارتكبه أسيادهم ، الذين عاثوا في أموال المسلمين ، ومنعوا خيارهم ووصلوا فساقهم ، وقد عرف عن آل علي ( عليه السلام ) ورعهم في الأموال ، وزهدهم ومحاسبتهم في الأعطيات إلا لله تعالى . النموذج الثالث : روى أبو الفرج ، عن حماد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله الزبيري قال : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب ورواية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه ، وقال : صاحبي أشعر فحكموا سكينة بنت الحسين (2) . والخبر كسابقه ، إلا أنهم استبدلوا الشعراء برواتهم ، وهو أضعف من غيره كما ترى . النموذج الرابع : قال الزبير : وحدثني عمي ، عن الماجشون قال : قالت سكينة لعائشة بنت طلحة : أنا أجمل منك ، وقالت عائشة : بل أنا ، --------------------------- (1) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 229 . (2) الأغاني 16 : 173 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 48 _فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة ، فقال : لأقضين بينكما ، أما أنت يا سكينة فأملح منها ، وأما أنت ياعائشة فأجمل منها (1) .رجال الخبر : الزبير بن بكار : قال ابن أبي حاتم : رأيته ولم أكتب عنه ، وقال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء : كان منكر الحديث ، ثم ذكر ان سبب تضعيفه هو روايته عن الضعفاء ، مثل محمد بن حسن بن زبالة ، وعمرو بن ابي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة (2) . مصعب الزبيري عم الزبير بن بكار : الذي حدثه بالخبر ، نود التنويه إلى أن مصعب الزبيري هذا أساس روايات قصة سكينة بنت الحسين ، والتي أخذها منه أبو الفرج الإصفهاني المرواني ، وقد ضعفه أهل الجرح ولم يقروا له بوثاقة ، بل اتفقوا على ضعفه ، لذا فإن روايات سكينة مقطوعة الضعف لما أوردها مصعب الزبيري الضعيف المطعون بوثاقته ، وهذه جملة أقوالهم فيه : قال النديم في الفهرست : [ كان ] راوية ، أديباً ، محدثاً ، وهو عم الزبير ابن بكار ، وكان أبوه عبد الله من أشرار الناس ، متحاملاً على ولد علي ( عليهم السلام ) ، وخبره مع يحيى بن عبد الله معروف (3) . قال عنه في تقريب التهذيب : لين الحديث (4) ، وتوقف فيه مالك بن أنس كما عن المغني في الضعفاء (5) . --------------------------- (1) الأغاني 16 : 159 . (2) تهذيب التهذيب 3 : 269 . (3) تهذيب التهذيب 11 : 34 . (4) تقريب التهذيب 1 : 533 . (5) المغني في الضعفاء 2 : 660 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 49 _
وفي تهذيب الكمال : قال أبو حاتم : مصعب الزبيري لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال محمد بن سعد : كان قليل الحديث ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث ، وقال في موضع آخر : في حديثه شيء ، وروى له الجماعة سوى البخاري (1) . وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير قال في مصعب الزبيري : وكان عالما فقيها ، إلا أنه كان منحرفا عن علي ( عليه السلام ) (2)) ، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عبد الله بن أحمد ، عن أبيه : أراه ضعيف الحديث ، لم أرَ الناس يحمدون حديثه ، وقال عثمان الدارمي ، عن ابن معين : ضعيف ، وقال معاوية بن صالح ، عن ابن معين : ليس بشيء ، وقال النسائي : مصعب ليس بالقوي في الحديث ، وقال ابن حبان في الضعفاء : تفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه ، وقال ابن سعد : كان كثير الحديث يستضعف. وقال الدار قطني : مدني ليس بالقوي (3) . وقد ورث مصعب تحامله وعداءه لآل علي عليه السلام من أبيه ، فأخذ يضع من الأخبار ما يحط به كرامة آل علي وقداستهم . الماجشون : قال ابن حجر : الماجشون ، يعقوب بن أبي سلمة التميمي ، مولى آل المنكدر أبو يوسف المدني ، قال مصعب الزبيري : إنما سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ، وكان يجالس عروة ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز في إمرته ، وكان عمر يأنس إليه ، فلما استخلف عمر قدم عليه فقال له : إنا تركناك حين تركنا لبس الخز ، فانصرف عنه (4) . --------------------------- (1) تهذيب الكمال 28 : 36 . (2) الكامل في التاريخ 5 : 288 حوادث سنة 236 . (3) تهذيب التهذيب 10 : 159 . (4) تهذيب التهذيب 11 : 340 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 50 _فالماجشون إذن صاحب لهو ومجون ، فكيف يؤخذ بخبره لا سيما هو صنيعة زبيرية وأموية ؟ ! فاحتفاء عروة بن الزبير ومصاحبته له ، أو مجالسته لعمر بن عبد العزيز الأموي أيام إمارته ، يغني عن حاله في الضعف واللامبالاة وعدم التحرج ، وهو يجاري توجهات بني أمية وآل الزبير في الحط من كرامة آل علي ( صلوات الله عليهم ) ، فالخبر ضعيف برجاله .على أن الخبر يتنافى والمسلمات الشرعية التي نهت الشرعية عن الإتيان بها ومزاولتها ، كتعرض المرأة إلى الأجنبي وكشف وجهها وبيان محاسنها ، حرمة نظر الأجنبي للأجنبية في الشريعة الإسلامية نهى الإسلام عن النظر إلى الأجنبية ، وكذلك نظرها إلى الأجنبي ، وذلك لقوله تعالى : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) وقد فسرت الآية بأن الزينة هي مواضع الزينة ، فالآية تحث على وجوب الستر وعدم إبداء مواضع الزينة ، واحتج قوم بالإجماع ، وقد عرفت حاله ، فإن المنقول غير حجة ، والمحصل غير حاصل . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 51 _واستدل بوجوب غض النظر بما رواه سعد الإسكاف في معتبرته عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ما هذا ؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) بهذه الآية ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (1) »(2) .فمورد نزول الآية هو النظر إلى المرأة ، وإطلاقها موجب إلى حرمة مورد النظر ، وإن ذهب بعضهم إلى أنّها خصّصت بالنظر الاستمتاعي بقرينة مورد النزول ، فإن الشاب الأنصاري كان نظره إلى المرأة بتلذذ ، إلا أن المورد لا يخصص الوارد كما هو معلوم . نعم ، في رواية أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال : استأذن ابن أم مكتوم على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : « قوما فادخلا البيت » ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال : « إن لم يركما فانكما تريانه » (3) . وغير ذلك من الأخبار ، والملازمة تدل على ثبوت الحكم في الرجل كما تدل على ثبوته في المرأة كذلك ، كما أن إرادة الشارع في الغض عن النظر عدم الوقوع في الافتتان المقتضي للإتيان بالزنا ونحوه ، لذا شدد على عدم جواز النظر العمدي مع الريبة . من هنا أمكن دفع هذا الخبر المنافي لقواعد حرمة النظر إلى الأجنبية ، ومحادثتها بريبة ، فكيف بالسيدة « آمنة» سكينة بنت الحسين التي تربت في حجور العفة والورع والتقوى ، على أن تحكيم عمر بن أبي ربيعة « الخليع » والمشهور بالعبث في أيتها أجمل ، يتنافى وأحكام الشريعة ، فضلا عن سيرة المسلمين ، وأعراف المجتمع المدني وقتذاك . --------------------------- (1) النور 24 : 30 . (2) الوسائل 20 : 192 ، ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 4 . (3) الوسائل 20 : 232 ، ب 129 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 1 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 52 _رمتني بدائها وانسلت :وإذا أوعزنا أسباب هذه القصص التي وضعت في حق سكينة بنت الحسين ( عليهما السلام ) ، لوجدنا أن دوافعها سياسية صرفة كما قدمنا ، فإن بني أمية بحثوا عن كل أمر يشين آل علي ( عليه السلام ) فلم يجدوا ، فانحازوا إلى أسلوب الشتم والسب ، فسبوا علياً على منابرهم ثمانين عاما ، وحرصوا على إظهار معائبه فلم يجدوا لذلك سبيلا ، فألصقوا تهمهم في قصص يستملحها العامة ويجعلوها من المسلمات ، ليقابلوا بذلك ما اشتهر عنهم من العبث والمجون ومنادمة المغنين ، وما عرف عن نسائهم في ارتكاب هذا المحذور ، من مجالسة الشعراء ، والاستماع إلى المغنين ، وما اشتهر عن الشعراء كذلك في التشبيب بالنساء الأمويات المتهتكات ، وسنذكر شواهد ذلك . ومن جهة أخرى احتدم الصراع بين الزبيرين وبين منافسيهم من العلويين ، وعرف العلويون بقداستهم ، فضلاً عن مشروعية خلافتهم الإلهية ، التي تحاصر كل مدع لها ، ولا يزال معارضوهم يضيقون ذرعا بذلك ، فوجدوا أن محاولة التخفيف من قداسة البيت العلوي لدى الأمة ، هو أيسر السبل في اقتناص فرص النصر الزبيري المزعوم ، فضلا عما يعانيه تاريخهم من العبث ، ومنادمة الشعراء ، ومجالسة المغنين ، وما اشتهر من أمر سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، ومجالسها المشهورة مع عمر بن أبي ربيعة ، فأرادوا دفع هذه المنقصة وإلصاقها بمنافسيهم الأقوياء ، فاستغلوا تشابه الاسمين في إلصاق هذه التهمة ، وخلط ما وقع لسكينة بنت خالد الزبيرية ، مع سكينة بنت الحسين . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 53 _هذا كما أن الشعراء قد أكثروا من التشبيب بنساء الأمويين والزبيريين ، وتاريخ الأدب العربي سجل هذه الملاحم الشعرية ، فكانت وثائق دامغة تدين تصرفاتهم ، والتي عرف بها بنو أمية وآل الزبير ، فزحزحوا هذه التهم وألصقوها في السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين ، تلافياً لما أحدثه تاريخهم العبثي المشهور ، وإليك من ملاحم عمر بن أبي ربيعة ، والعرجي ، والحارث بن خالد المخزومي ، وأبو دهبل الجمحي ، وحماد عجرد ، والأحوص ، وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت وغيرهم من شعراء الغزل ، شواهد التشبيب ، وقصائد الغزل ، وما عرفوا من منادمتهم لنساء الأمويين والزبيريين :عائشة بنت طلحة بن عبيد الله زوجة مصعب بن الزبير 1 ـ قال عمر بن أبي ربيعة مشببا بها :
(1) الأغاني 1 : 204 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 54 _2 ـ إن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت طلحة بمكة وهي تسير على بغلة لها ، فقال لها : قفي حتى أسمعك ما قلت فيك ، قالت : أوقد قلت يا فاسق ؟ قال : نعم ، فوقفت فأنشدها :
--------------------------- (1) الأغاني 206 : 1 ـ 207 . (2) المصدر السابق : 208 . (3) المصدر السابق : 366 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 55 _فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة ، والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف ، فقال الغريض : فأين نصيبي من عائشة ؟ فقلن له : أغفلناك وذهبت عن قلوبنا ، فقال : ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها ، فإنها كريمة بنت كرام ، واندفع يغني بشعر جميل :
(1) الأغاني 372 : 3 ، 366 : 1 . (2) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان : 283 ، الأغاني 316 : 3 وراجع أيضا 122 : 15 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 56 _قال أبو الفرج : والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين ، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء ، وكان يهوى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ويشبب بها (1) .7 ـ حج الحارث بن خالد المخزومي بالناس ، وحجت عائشة بنت طلحة عامئذٍ ، وكان يهواها ، فأرسلت إليه أخر الصلاة حتى أفرغ من طوافي ، فأمر المؤذنين فأخّروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ، ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس ، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه (2) . 8 ـ لما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد ـ وهو أمير على مكة ـ أني أريد السلام عليك ، فإذا خف عليك أذنت ، وكان الرسول الغريض ، فقالت له : أنا حرم فإذا أحللنا إذناك ، فلما أحلت سرت على بغلاتها ، ولحقها الغريض بعسفان أو قريب منه ، ومعه كتاب الحارث إليها : ما ضركم لو قلتم سددا . . . فلما قرأت الكتاب قالت : ما يدع الحارث باطله ، ثم قالت للغريض : هل أحدثت شيئا ؟ قال : نعم فاستمعي ، ثم اندفع يغني في هذا الشعر ، فقالت عائشة : والله ما قلنا إلا سددا ، ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه ، وأتى على الشعر كله ، فاستحسنته عائشة وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب ، وقالت : زدني ، فغناها في قول الحارث بن خالد أيضا . . . (3) . 9 ـ نظر ابن أبي ذئب إلى عائشة بنت طلحة تطوف بالبيت ، فقال لها : من أنت ؟ فقالت :
(1) الأغاني 309 : 3 . (2) المصدر السابق : 315 . (3) المصدر السابق : 317 . عقيلة قريش آمنة بنت الحسين ( عليها السلام ) _ 57 _فقال لها : صان الله ذلك الوجه عن النار ، فقيل له : أفتتنتك أبا عبد الله ؟ قال : لا ، ولكن الحسن مرحوم (1) .ولا نريد التعليق على هذه الرواية ، بل نترك الأمر إلى القارىء ليحكم بنفسه . فاطمة بنت عبدالملك بن مروان قال عمر بن أبي ربيعة فيها :
قال فيها عمر بن أبي ربيعة حين تزوجت رجلا اسمه سهيل :
(1) العقد الفريد 102 : 7 . (2) تاريخ آداب اللغة العربية 282 : 1 . (3) الأغاني 199 : 1 . (4) تاريخ آداب اللغة العربية 282 : 1 . |