وإذا تَهاوَنَ في الفَهمِ ، ولم يجتَهدْ مرّةً أو مرّتينِ ، يَعْتادُ ذلِكَ ، فلا يَفهمُ الكلامَ اليسير (1).
  فينبغي أنْ لا يَتَهاوَنَ ، بل يَجْتَهدَ ، ويَدْعُوَ الله تعالى ، ويَتَضَرَعَ إليه ، فإنَه يُجيبُ مَنْ دَعاه ، ولا يُخَيبُ مَنْ رَجاه.

33 ـ المُباحثةُ والمُذاكَرة
  ولابُدَ لطالب العلم من المطارحَة (2) والمناظَرةِ.
  فينبغي أنْ يكونَ بالإنصافِ ، والتأنّي ، والتأملِ.
  فيحترز عن الشَغَبِ (3) والغَضَبِ ، فإنَ المناظرةَ والمذاكرةَ مشاوَرة ، والمشاوَرةُ إنّما تكونُ لاستخراج الصوابِ ، وذلك إنّما يحصل بالتأمل

**************************************************************
(1) راجع للتفصيل عن (الفهم) بحثا ممتعا في أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 59 ـ 75) ، وممّا جأ فيه (ص 79) أنشد المبرّد لبعضهم :
فـسَلِ الـفقيه تـكُن فقيها iiمثله        لا خـيرَ فـي عـلمٍ بغير iiتدَبرِ
وإذا تعسَرتِ الاُمورُ iiفأرْجِها        وعليك بالأمر الذي لم يَعْسُرِ
(2) في الزرنوجي : المذاكرة والمناظرة والمطارحة ، بدل ما في كتابنا ، وتتناوب هذه الكلمات في المواضع الاَتية حسب اختلاف النسخ والمراد منها واحد.
(3) في بعض النسخ : التعسف ، بدل (الشغب).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 96 ـ

  والإنْصافِ ، ولا يحصل ذلك بالغَضَب ، والشَغَبِ (1).
  وفائدة المطارحة (2) والمُناظرة أقوى من فائدة مجرّد التكرار ، لأنّ فيه تكرارا مع زيادةٍ.
  قيل : (مُطارحةُ ساعةٍ خير من تكرار شَهرٍ) (3) لكن إذا كانَ مَعَ

**************************************************************
(1) أضاف الخشاب هنا : والمشقّة.
(2) في نسخة (أ) : المباحثة ، بدل (المطارحة).
(3) قد أكّد الأئمة : على المذاكرة في أحاديث كثيرة ، منها : عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنّه قال : (تذاكروا ، وتلاقوا وتحدّثوا ، فإنّ الحديث جلاء للقلوب ، إنّ القلوب لترين كما يرين السيفُ ، جلاؤها الحديث) ، رواه الكليني في الكافي (411) كتاب فضل العلم ، الحديث قبل الأخير من الباب (10) سؤال العالم وتذاكره.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : (إذا اجتمع المسلمان فتذاكرا غفر الله لأبَشّهما بِصاحبه) ، رواه ابن منظور في لسان العرب (2666) طبع صادر ، مادة (بشش).
وعنه عليه السلام قال : (تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، فإنّكم إن لم تفعلوا يَدْرُسْ علمُكم) ، رواه في جامع بيان العلم (1011) وانظر تدوين السنّة الشريفة (ص 564) فقد خرجناه عن مصادر اُخري.
وقال أبو جعفر الباقرعليه السلام : (رحم الله عبدا أحيى العلم) قيل : وما إحياؤه : قال : (أنْ يذاكر به أهل الدين والورع) ، رواه الكليني في الكافي (501) كتاب فضل العلم ، الباب (10).
وقال الباقر عليه السلام : (تذاكر العلم دراسة ، والدِراسَةُ صلاة حَسَنة) ، رواه الكليني في الكافي (501) كتاب فضل العلم ، الحديث الأخير من الباب (10) سؤال العالم وتذاكره.
وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام : (القلوبُ تُرْب ، والعلم غرسُها ، والمذاكرة ماؤها ، فإذا انقطع عن التُرْبِ ماؤها جَفَ غرسها) ، رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (4192).
وقال الصادق عليه السلام : (دراسة العلم لِقاح المعرفة) رواه الحلواني في نزهة الناظر (ص 56).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 97 ـ

  مُنْصِفٍ ، سليم الطبْع.
  وإيّاك والمذاكرة مع مُتَعنتٍ ، غير مُسْتَقيمِ الطبع ، فإنّ الطبيعةَ مُسْتَرِقَة (1) والأخلاقَ متعدّيَة ، والمجاورة مؤثرة (2).

34 ـ التأمل والتدقيق
  وينبغي لطالب العلمِ أنْ يكونَ متأملا ـ في جميع الأوقات ـ في دقائِق العلُومِ ، ويَعْتادَ ذلكَ ، فإنّما يُدْرِكُ الدقائقَ بالتأمل.
  ولهذا قيل : (تأمَلْ تُدْرِكْ) (3).

**************************************************************
(1) في الزرنوجي : مسرقة ، وفي بعض النسخ : مسرية.
(2) لاحظ الفقرة [16] وتعليقاتها ، حول اختيار الصاحب والشريك.
(3) في الخشاب : (بالتأمُلِ يُدْرَكُ).
أقول : وكذلك ما يذكره المؤلّفون من قولهم : (فافْهم) وقد اشتهر عند الطلبة أنّ ذلك إشارة إلى بعض الإشكالات الدقيقة ، وكانَ بعض الظرفأ يقول : (إنّه أمر بالمحال) وممّا نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله :
إذا الـمُـشْـكِلاتُ تـصـدّيْنَ لــي        كــشـفـتُ حـقـائـقـها iiبِـالـنَـظَرْ
فإنْ برقتْ في مَخِيْل iiالصواب        عــمـيـأَ لا يـجـتـليها iiالـبَـصَـرْ
مُــقـنَـعـةً بــغـيـوب iiالاُمــــور        وَضـعتُ عـليها صحيح iiالفِكَرْ
لــسـانـا كـشـقـشقة iiالأرحــبـيّ        أو كـالـحـسام الـيـماني iiالـذَكَـرْ
وقــلــبـا إذا iiاسْـتَـنْـطَـقَـتْهالفنو        نُ أبــــرَ عـلـيـهـا بـــواه iiدُرَرْ
ولـسـتُ بـإمَـعةٍ فــي iiالـرجـالِ        يُـسـائـل هــذا وذا مــا iiالـخَـبَرْ
ولـكـنّني مِــذْرَبُ iiالأصـغـرَيْ        ن اُبيّنُ مَعْ ما مضى ، ما غَبَرْ
نقله ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1132) وقال : قال أبو علي : (المخيل) السحابُ يُخال فيه المطر ، والشقشقة ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه ، ومنه قيل ـ لخطبأ الرجال ـ : شقاشق ، وعن ابن مسعود : الإمّعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه غيره ، ورواه الرضي في خصائص الأئمة ( ص 47 ـ 48 ) باختلاف.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 98 ـ

  ولابُدَ من التأمل قَبْلَ الكلامِ ، حتّى يكونَ صَوابا ، فإنَ الكلامَ كالسَهمِ ، فلابُدّ من تقويمه (1) بالتأملِ قبلَ الكلام ، حتّى يكونَ ذِكره مُصيبا (2).

**************************************************************
(1) في نسخة (أ) تعوّدٍ وفي نسخةٍ : تقديمه بدل (تقويمه).
(2) قد ورد عن أهل البيت : حديث كثير عن الكلام وخطورته ، نورد بعضه : قال أمير المؤمنين عليه السلام : (اللسان مِعيار : أطاشَه الجهلُ ، وأرجَحَه العقلُ) ، رواه الماوردي في أدب الدين (ص 265).
وقال عليه السلام : (إذا أراد الله صلاح عبد ، ألْهمه قلّة الكلام ، وقلّة الطعام وقلّة المنام) ، معجم غرر الحكم (ص 1329) رقم (872).
وقال عليه السلام شعرا :
إنّ الـقـليل مــن الـكـلام iiبـأهله        حَــسَـن وإنّ كـثـيـره مـمـقـوتُ
ما زلّ ذو صَمْتٍ وما منْ مُكْثرٍ        إلاّ يــزل ومـا يُـعاب iiصَـمُوتُ
إنْ شُـبّه الـنُطقُ الـمبينُ بـفضّةٍ        فـالـصّـمتُ دُر زانَـــه iiيـاقـوتُ
وهو في الديوان (ص 59).
وسيأتي في الفقرة [59] بيان مذامّ الإكثار من الكلام ، وما ورد فيه من الحديث فلاحظ التعليقة (45 و 48) هناك.
وممّا قيل في الصمت والكلام :
الصمتُ زيْن والسكوتُ سلامة        وإذا نـطـقتَ فـلا تـكن iiمِـكثارا
فـلئنْ نـدمتَ على سكوتك iiمرَةً        فـلـتندمنَ عـلـى الـكلامِ iiمِـرارا

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 99 ـ

  في (اُصول الفقه) : هذا أصْل كبير ، وهو : أنْ يكونَ كلامُ الفقيه لمُناظِره (1) بالتأمل.

35 ـ الاسْتِفادَةُ
  ويكون مُسْتفيدا في جميع الأحْوالِ والأوْقاتِ ، ومن جميع الأشْخاصِ.
  قال رسول الله 6 : (الحكمة (2) ضالّةُ المؤمِنِ أينما وَجَدَها أخذها) (3).

**************************************************************
(1) كذا الصواب ظاهرا ، وفي أكثر النسخ (المناظر) وفي (ف ، ب ، و) (المناظرة) والمراد : أنّ الكلام مع المناظر لابدّ أن يكون بعد التأمّل والدقّة.
(2) اُضيف هنا قوله : ( ـ أي العلم ـ ) في الخشاب فقط ، وكأنّه إدراج من كاتبه ، لتفسير الحديث ، وقد ورد في هامش (ب).
(3) نقل هذا الحديث الراغب الاصفهاني في محاضراته ( 5 / 511) إلا أنّه قال : (قيّدَها) بدل (أخذها) ، ورواه المناوي في كنوز الحقائق ( 1 / 121 ) بدون ذيله : (أينما ... إلى آخر الحديث).
وورد قوله : (الحكمة ضالَة المؤمن) في الحكمة (80) من الحكم التي جمعها الرضي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ، مذيّلا بقوله : ( ... فَخُذ الحِكمةَ ولو من أهل النفاق ) ، فراجع نهج البلاغة (ص 481) رقم 80 من الحكم.
ومن كلامه عليه السلام : (الحكمة ضالَةُ كُلّ مؤمنٍ ، فخذوها ولو من أفواه المُنافقين).
وقوله عليه السلام : (خذ الحكمة أنّى كانت ، فإنّ الحكمة ضالّةُ كلّ مؤمنٍ).
رواهما الاَمدي في غرر الحكم ، فراجع : معجم ألفاظ غرر الحكم (ص و 629).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 100 ـ

  وقيل : (خُذْ ما صَفا ، ودَعْ ما كَدر).
  وليسَ لِصحيحِ البَدَنِ والعَقْلِ عُذْر في تَرْك التعَلمِ.


36 ـ الشكْرُ والدعاء
  وللمتعلّم أنْ يشتغلَ بِالشكر ، باللسانِ ، والأرْكانِ : بأنْ يرى الفَهمَ والعلمَ من الله.
  ويُراعيَ الفُقراءَ بالمالَ وغيره.
  ويَطْلُبَ من الله التوفيقَ والهدايةَ ، فإنّ الله تعالى هادٍ لمن (1) اسْتَهداه ، (وَمَنْ يَتَوَكَلْ عَلَى الله فَهوَ حَسْبُه) (2) ويهديه إلى صراطٍ مُسْتقيم.

**************************************************************
(1) في أكثر النسخ (هادي مَن).
(2) اقتباس من الاَية (3) من سورة الطلاق : (65).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 101 ـ

37 ـ علوّ الهمّة بنبذ الطمعِ والبخلِ
  وينبغي لطالب العلم أنْ يكونَ ذا همَةٍ عاليةٍ : لا يطمعُ في أموال الناس.
  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إيّاكَ والطَمَعَ فإنَه فَقْر حاضِر) (1).
  ولا يَبْخَلُ بما عندَه من المال ، بَلْ يُنْفِقُ على نفسه وعلى غيره (2).

**************************************************************
(1) كذا رواه الزرنوجي ، والماوردي في أدب الدنيا والدين (ص 314) قال : روي أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، أوصني ? قال : (عليك باليأس ممّا في أيدي الناس ، وإيّاك ... ) ، ورواه في كنوز الحقائق (911) وفيه : الفقر الحاضر.
ومن حكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : (إنّ أكرم الناسِ مَنْ اقتنى اليأس ولزم القنوعَ والورعَ ، وبرِى من الحرص والطمع ، فإنّ الطمعَ والحِرصَ الفقرُ الحاضر ، وإنّ اليأسَ والقناعة الغنى الظاهر) ، رواه في غرر الحكم ودرر الكلم ، راجع معجم ألفاظه (ص 1313) رقم (701).
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام : (ترك طلب الحوائج إلى الناس هو الغِنى الحاضر) ، رواه في نزهة الناظر (ص 43).
(2) ومن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله :
لا تـخـضـعنَ لـمـخـلوقٍ عــلـى iiطـمَـعٍ      فــإنّ ذلــك وَهــن مـنـك فــي iiالـديـنِ
واســتـرزِقِ الله مــمّـا فـــي iiخـزائـنـه      فـإنّـمـا الأمـــرُ بــيـن الــكـاف iiوالـنـونِ
إنّ الـــــذي أنــــتَ تــرجــوه iiوتــأمُـلُـه      مــن الـبـرية مـسـكينُ ابــنُ iiمـسكينِ
ما أحْسنَ الجود في الدنيا وفي الدين      وأقـبح الـبخل فـي مَـنْ صيغ من iiطينِ
وهو في الديوان (ص 114).
وقال عليه السلام :
دَعِ الحِرْصَ على الدنيا      وفي العَيْش فلا iiتَطْمَعْ
ولا تـجـمع مـن iiالـمال      فـلا تـدري لـمَنْ iiتجمَعْ
ولا تـدري أفـي iiأرضـك      أمْ فــي غـيرها iiتُـصْرَعْ
فــإنَ الــرزقَ iiمـقسوم      وســوُ الـظَـن لا iiيَـنـفعْ
فـقـير كـل مـن iiيَـطْمَعْ      غـنـى كــل مـن iiيَـقْنَعْ
وهو في الديوان (ص 77).
وقال عليه السلام في ذمّ البخل :
إذا اجـتمعَ الاَفـات فالبخلُ iiشرها      وشر من البُخل المواعيدُ iiوالمَطْلُ
ولا خـيرَ فـي وَعْـدٍ إذا كـان iiكـاذبا      ولا خـيرَ في قولٍ إذا لم يكُنْ iiفِعْلُ
وإنْ كُـنتَ ذا عَـقْلٍ ولـم تكُ iiعالِما      فـأنْتَ كـذي رِجْـلٍ ولـيس له iiنَعْلُ
ألا إنّــمـا الإنـسـانُ غِـمْـد لـعـقله      ولا خيرَ في غِمْدٍ إذا لم يكنْ نصْلُ
وهو في الديوان (ص 93).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 102 ـ

  قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (الناسُ كلهم في الفَقْرِ مَخافَة الفقرِ) (1).
  وكانوا في الزمان الأوّل يتعلّمونَ الحِرْفَةَ ، ثُمَ يتعلّمونَ العِلْمَ ، حتّى لا يطمعُوا في أموال الناس (2).
  وفي الحكمة : (مَن استغْنى بِمال الناس ، افْتَقَرَ).
  والعالِمُ إذا كانَ طامِعا ، لا تَبْقى له (3) حُرْمة العِلمِ ،

**************************************************************
(1) رواه الزرنوجي كذلك ، ولم نقف على تخريج له.
(2) راجع للتفصيل حول احتراف السلف من أهل العلم ، الجامع لأخلاق الراوي ( 1/ 142 ـ 145) الأحاديث (47 ـ 52) ، وانظر أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 91 ـ 92).
(3) في (أ) : لا يرعى ، بدل (لا تبقى له).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 103 ـ

  فلا يقول بالحقَ (1).

38 ـ التقدير للتكرار
  وينبغي لطالب العِلْمِ أنْ يُعِدَ وَيُقَدرَ لنفسه تقديرا في التكرار ، فإنّه لا يستقر قلبه (2) حتّى يَبْلُغَ ذلك المبْلَغ.
  وينبغي أنْ يُكَررَ سبق الأمْسِ خمسَ مرّاتٍ ، وسبق اليوم ، الذي قبل الأمْسِ أرْبَعَ مرّاتٍ ، وسبق الذي قبلَه ثلاثا ، والذي قبلَه اثْنتينِ ، والذي قبلَه واحدةً.
  فهذا أدْعى إلى الحفظ (3).

39 ـ المخافَتةُ والإجْهارُ عند التكرار
  وينبغي أنْ لا يعتادَ المخافتةَ (4) في التكرار ، لأنّ الدرسَ والتكرارَ لابُدّ أنْ يكونا بقوّةٍ ونِشاطٍ.
  ولا يشتغلُ في حال نُعاسٍ ، أو غَضَبٍ ، أو جُوعٍ ، أو عَطَشٍ ، ونحو] (5) ، [ذلك

**************************************************************
(1) في (ف) وبعض النسخ : فلا يقول الحق ، والجملة ساقطة من (ع).
(2) في (أ) : نفسه ، بدل (قلبه).
(3) اُضيف هنا في (ع) وبعض النسخ : (والتكرار) ولم يوردها الزرنوجي.
(4) في الخشاب : المخافة ، وفي آخر : المخالفة.
(5) ما بين المعقوفين ورد في (ع) فقط.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 104 ـ

  ولا يَجْهرُ جَهرا ، ولا يُجْهدُ نَفْسَه (1) لئِلاّض (يَتَنَفّرَ و ) (2) ينقطع عن التكرار ، فخَيْرُ الاُمُورِ أوْسَطُها (3).

**************************************************************
(1) كذا في الزرنوجي ، وارتبكت النسخ في إثبات هذه الجُملة بشكلٍ غريب : ففي الخشاب : (ولا يجتهد بهذا الجهد نفسه) ومثله في نسخة (أ) إلا أنّ فيها : (ولا يجهد ...) بدل (لا يجتهد ...) وفي بعض النسخ : (ولا يجتهد جهدا نفسه) وفي آخر : (ولا يجتهد جهدا ليجهد نفسه) ، وقوله (ولا يجهر جهرا) ساقط من (ف).
وما ذكرناه هو الصواب ، لأنّه أنسب لمقابلة المخافتة المذكورة في صدر الفقرة.
(2) هذه الكلمة من (ف ، و).
(3) هذه الجملة من الأحاديث الأربعين المعروفة بـ(سلسلة الإبريز) المنقولة راجع : شرح البداية]بالسند العزيز ، من رواية (14) أبا من المسلسلات بالاَبأ ، [للشهيد الثاني (ص 130) وهو الحديث (36) منها ، ونصّها مطبوع في : لوامع الأنوار في جوامع العلوم والاَثار ، للسيد مجد الدين ( 3/ 328 ـ 332) وأثبته كما في المتن وقد طبعها مشروحة مخرجة السيّد محمّد جواد الحسيني الجلالي باسم (سلسلة الإبريز بالسند العزيز) فلاحظ (ص 59) و (ص 103) وفيهما : (أوساطها) ونقل في هامشه عن بعض النسخ : (أوسطها) .
وله تخريج عن الشعب للبيهقي ، فلاحظ الجامع الصغير (2 / 69) وكنوز الحقائق بهامشه (1 / 124 )

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 105 ـ

  والأربعون الابريزية هذه مشهورة اتّصلت بها الاجازات ، فلاحظ : فهرس الفهارس والأثبات للكتاني (ص 948) وذكر له شرحا باسم : القول الوجيز في شرح سلسلة الابريز ، للعلامة النمازي الَيمني المتوفى سنة (675) وقال : موجود بالمكتبة التيمورية بمصر (انظر عدد 280 من قسم المجاميع).
  قال الكتاني : وقد سبق لي أن خرّجت متون الأحاديث المذكورة بسندٍ واحد مسلسل بالأشراف منى إلى سيّدنا عليّ وحفظها عني جماعة الأصحاب بالمشرق والمغرب ، وهي أربعون حديثا ، قصيرة الألفاظ ، كثيرة المعاني ، تكلم عليها الشيخ السخاوي في (شرح الألفية) وغيره ، اُنظر : فهرس الفهارس (ص 978).
  ورواه الماوردي في أدب الدين والدنيا (ص 28) بلفظ : (أوساطها).
  وورد في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشُهرتَيْنِ : الثياب الحسنة التي يُنظر إليه بها ، والدنيئة الرثّة التي يُنظر إليه بها ، وقال : (أمرا بين الأمرين ، وخير الاُمور أوساطها) ، نقله الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي والسامع (6031) رقم 192.
  وأسند الكليني عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنّه : لَقِيَ الرشيدَ ـ حين قدومه المدينة ـ على بَغْلةٍ ، فاعترض عليه في ذلك فقال عليه السلام : (تطأطأتْ عن سُمُوّ الخَيْلِ ، وتجاوزتْ قَمَأ العِيْر ، وخيرُ الاُمور أوسطها) رواه في الكافي (5406) وأرسله في الدُرّة الباهرة (ص 3) وفيه : خيلا الخيل ، وارتفعتْ عن ذلّ العِيْر ، وأرسله ابن أبي جمهور في عوالي اللاَلى (2961) الحديث 199.
  وروى الماوردي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : (خير الاُمور النَمَطُ الأوسطُ ، إليه يرجع العالي ، وبه يلحق التالي) أدب الدنيا والدين (ص 28).
  وقال الشاعر :
عـليك بـأوْساط الاُمـور iiفـإنّها      نجاة ولا تركبْ ذلولا ولا صَعْبا
  وأنشد السيّد العلاّمة مجد الدين المؤيّدي الحسني شيخنا في الإجازة ، قوله :
عـليك بـأوساط الاُمـور iiفإنّها      سَبيل إلى نيل المراد iiقويمُ
ولا تـكُ إمّـا مُفْرِطا أو مُفرّطا      كِلا طرفَيْ قصدِ الاُمور ذميمُ
  في لوامع الأنوار (ج 1 ، ص 26).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 106 ـ

40 ـ المداومة على الطلب
  ولابُدّ له من المداومة في العلم ، من أوّل التحصيل إلى آخر العُمُر (1).

**************************************************************
(1) حول (وقت التحصيل) لاحظ : الفصل السابع ، من كتابنا.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 107 ـ

الفصل السادس : في التَوَكلِ
41 ـ اقتصاد الطالب

  لابُدَ لطالب العلم من التوكلِ في طلب العلمِ ، ولا يهتمّ لاُمور الرِزْق ، ولا يشغل قلبَه بذلك (1) ويصبر (2).

**************************************************************
(1) في الخشاب : (ولا يهمّ لاُمور الرزق ، ولا قلبه بذلك).
(2) روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال : (مَنْ طلب العلم تكفّلَ الله برزقه) ، رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1541).
والاَثار العامة الواردة في القناعة تشمل طلاّضب العلم بطريق الأولويّة ، فمنها : ما عن الحسن المثنّى عن أبيه الإمام الحسن السبط عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب : ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الدُنيا دُول ، فما كان منها لكَ أتاك على ضعفك ، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك ، ومَنْ انقطع رجاؤه ممّا فاتَ استراحَ بدنُه ، ومَنْ رضي بما رزقه الله تعالى قرّت عينُه) ، رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص 225).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 108 ـ

  وقال عليّ أمير المؤمنين عليه السلام : (الصَبْر مطيّة لا تَكْبُو والقناعةُ سَيْف لا يَنْبُو) ، رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص 276).
  وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من الكلام المنظوم عدّة مقاطع ، منها قوله عليه السلام :
أفـادتـنـي الـقـنـاعةُ كــلَ عِــز      وأي غِـنًـى أعَــز مـن الـقناعَه
فـصـيّرها لـنـفسك رأسَ iiمـالٍ      وصَـيّـر بـعدها الـتقوى iiبـضاعَه
تَـحُـزْ رِبْـحا وتَـغْنى عـن iiبـخيلٍ      وتَنْعَمُ في الجنان بِصَبْر ساعَه
  وهو في الديوان (ص 76) ورواه الماوردي (ص 224) وفيه : (تحرَز حين تغنى) في الشطر الأوّل من البيت الأخير.
  وقوله عليه السلام :
إذا أظْـمـأتْكَ أكُـف iiالـرجال      كَـفَتْكَ الـقناعَةُ شَـبْعا ورَيّا
فكُنْ رجُلا رِجْلُه في الثرى      وهـامةُ هـمّته فـي iiالـثُريّا
أبــيّــا لــنـائِـلِ ذي iiثــــروَةٍ      تــراه لِـمـا فــي يـديْه iiأبِـيّا
فـــإنَ إراقـــةَ مــأ iiالـحـياة      لــدونَ إراقــة مــأ iiالـمَـحيّا
  وهو في الديوان (ص 127).
  وقال عليه السلام :
صُنِ النفس واحملها على ما يزينُها      تَـعِـشْ سـالما والـقول فـيك جـميلُ
ولا تُـــرِيَـــنَ الـــنــاسَ إلاّ iiتــحــمـلا      نــبـا بِـــكَ دَهـــر أو جَــفـاكَ خـلـيلُ
وإنْ ضـاقَ رِزْق اليومِ فاصْبِرْ إلى iiغَدٍ      عـسـى نـكـباتُ الـدَهـرِ عـنك iiتَـزُولُ
يَـعِـز غَـنِـي الـنـفس إنْ قَــلَ iiمـالُـه      ويـغـنى غـنـي الـمـالِ وهــو iiذلـيـلُ
  وهو في الديوان (ص 92).
  وقوله عليه السلام :
ألا فاصْبِرْ على الحَدَث iiالجليل      ودَاوِ جَــواك بـالـصَبْر iiالـجـميلِ
ولا تَـجْـزَعْ وإنْ أعْـسَـرْتَ iiيـوما      فقد أيْسَرْت في الزمن الطويلِ
ولا تـيـأسْ فــإنَ الـيـأسَ iiكُـفْر      لــعـلَ الله يُـغـني مــن iiقـلـيلِ
ولا تَـظْـنُـنْ بــربّـك غَـيْـرُ iiخَـيْـرٍ      فــــإنَ الله أولــــى iiبـالـجـميلِ
وإنَ الــعُـسْـرَ يـتـبـعُـه iiيَــسـار      وقــول الله أصْــدَقُ كُــل iiقـيـلِ
  وهو في الديوان (ص 88).
  وقال عليه السلام :
رضـينا قِـسمة الـجبّار فينا      لـنـا عـلـم ولـلـجُهالِ مــالُ
فإنَ المالَ يفنى عن قريبٍ      وإنَ الـعـلـم بــاقٍ لا iiيُــزالُ
  وهو في الديوان (ص 85).
  وممّا أنشأتُ من الشعر وهو من نظمي سنة ورودي إلى النجف الأشرف (1384) مخاطبا للنفس :
أبـعد ضـمان الله للعلم رزق iiمن      أتــاه حـثيثا تـطلبين ألا iiاقـعدي
فـإن كـان رزقا ساقه الله iiرحمةً      أتاكِ ولم يحتج إلى الضَرْبِ باليدِ

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 109 ـ

  لأنَ طلبَ العلم أمْر عظيم ، وفي تَعَب تحصيله أجْر قوِيّ ، وهو أفضلُ من قرأة القرآن (1) عند أكثر العلماء (2).

**************************************************************
(1) في (ف ، ج ، ع) وبعض النسخ : الغزا ، وفي آخر : الغذأ ، وفي الزرنوجي : الغزوات ، بدل (قرأة القرآن).
(2) زاد في (ب) : والفقهاء ، وقد دلّتْ آثار عديدة على أفضلية العلم من مجرّد التلاوة ، والصلاة ، ويمكن الاستشهاد لذلك بما دلّ على أنّ (تفكّر ساعة أفضل من عبادة ألف سنة) ونحو ذلك.
فلاحظ مستطرفات السرائر (ص 21) الحديث الأول، وجامع بيان العلم (211 ـ 27) و (ص 50 ـ 52).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 110 ـ

  فمن صَبَر على ذلك وَجَدَ لذّته تفوق سائر لذّات الدُنيا.
  ولذا كانَ محمّد بنُ الحسن (1) ـ إذا سَهرَ اللياليَ وانحلَ له المشكلاتُ ـ يقول : (أَيْنَ أبنأُ المُلوكِ من هذه اللذّاتِ).

42 ـ انحصار الاشتغال بالعلوم
  وينبغي أنْ لا يشتغل بشيٍ (2).
  ولا يُعْرِضَ عن الفقه ، والتفسير ، والحديث ، وعلم القرآن (3).

**************************************************************
(1) كذا في النسخ ، والزرنوجي ، والظاهر أنّ المراد به (الشيباني) صاحب أبي حنيفة ، لكن في بعضها : أضاف (الطوسي رحمة الله عليه) ، وكأنّه نَظَرَ إلى أنّ مؤلّف الكتاب يتحدّث عن نفسه والظاهر أنّ هذه العبارة منقولة عن أصلها عند الزرنوجي ، ولا ينافي ذلك أن يكون القائم بأمر الاختصار هو المحقّق الطوسيّ ، كما لا يخفي.
(2) أي لا يشغل نفسه بالعلاقات والارتباطات غير العلميّة ، بل يحصر علاقاته بالاُمور التحصيلية ، حتى لا تفوته فُرَصُ التحصيل.
(3) ذكر هذه العلوم باعتبار لزوم الارتباط بها دائما وعلى طول مدّة التحصيل ، لأهميّتها الأساسيّة بين علوم الإسلام فهي مصادره الأساسيّة.
وإلاّ ، فالعلوم جميعها يجب الاشتغال بها ومعرفتها ، وقد ذكر المؤلّف في وجوب الاهتمام بعلم التوحيد [11] الفقرة .
وراجع للتفصيل عن العلوم الواجب تعلّمها ، منية المريد ، وخاصة الخاتمة (ص 365).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 111 ـ

الفصل السابع : في وقت التحصيل
43 ـ وقت الطلب واستغلاله

  قيل : (وَقْتُ الطلبِ : من المَهدِ إلى اللحْدِ) (1).
  وأفضل أوقاته : شَرْخُ الشباب (2) ووقتُ السَحَرِ ، وما بين العشأين (3).
  وينبغي أنْ يستغرق جميع أوقاته.

**************************************************************
(1) وفي الأثر المعروف : (اطلبوا العلم من المَهدِ إلى اللَحْدِ).
(2) الشَرْخ من الشباب : أوّله ونَضْرتُه.
وفي الخشاب : شَرْخ سِنّ الشباب.
(3) أي ما بين الصلاتين : المغرب والعشأ ، فإنّ دأبهم كان على التفريق بينهما والاشتغال في ذلك الوقت بالدرس والبحث والطلب.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 112 ـ

44 ـ التنوّع لدفع المَلَل
  فإذا مَلَ من علمٍ اشتغلَ بعلمٍ آخر (1).
  وكانَ محمّدُ بنُ الحسنِ لا ينامُ الليلَ ، وكانَ يضَعُ عندَه دفاتِرَ ، فكانَ إذا مَلَ من نوعٍ ينظُر في نوعٍ آخَر.

**************************************************************
(1) قال أمير المؤمنين عليه السلام : (روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة ، فإنّها تكلّ كما تكلّ الأبدان) ، رواه الكليني في الكافي (481) كتاب فضل العلم ، الحديث الأول من باب (17) النوادر.
  وقال أمير المؤمنين عليه السلام : (روّحوا القلوبَ ، وابتغُوا لها طُرَف الحكمة ، فإنّها تَمَل كما تمَل الأبدان) ، رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1832) والقرطبي في جامع بيان العلم (1051) ، وروى الرازي في جامع الأحاديث رقم (74) : (تذاكروا وتلاقوا وتحدّثوا فإنّ الحديث جلا المؤمن ، إنّ القلوب لتدثر كما يدثر السيف جلاه).
  وقد مرّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قوله : (... إنّ القلوب لترينُ كما يرين السيف جلاؤها الحديث) ، رواه في الكافي (411) كتاب فضل العلم ، الحديث قبل الأخير من باب (10) سؤال العالم وتذاكره.
  وقال علي عليه السلام : (إنّ للقلوب شهوةً وإقبالا وإدبارا ، فأتوها من قِبَلِ شهوتها وإقبالها ، فإنّ القلبَ إذا اُكره عَمِيَ) ، رواه في نزهة الناظر (ص 20).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 113 ـ

45 ـ مدافعة النوم
  وكان يَضَعُ عندَه المأُ ، ويُزيلُ نومَه بالمأِ ، وكانَ يقولُ : (النَوْمُ من الحَرارة) (1).

**************************************************************
(1) أضاف في الزرنوجي على هذا القول : (... فلابُدَ من دفعه بالمأ البارد).
والمراد بالمأ ترطيب العينين ، وتبريد الوجه به ، لا شربه ، كما هو واضح ، فإنّ شربه يزيد الرطوبة ، والبلغم ، ويكسّل كما مرّ في الفقرة [27] .

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 114 ـ

الفصل الثامن : في الشَفَقةِ والنَصيحة
46 ـ طلب الكمال

  ينبغي أنْ يكونَ صاحبُ العِلْم مُشفقا ، ناصحا ، غير حاسِدٍ ، فالحَسَدُ يَضُر ولا ينفع (1)

**************************************************************
(1) الحَسَدُ من الأخلاق المذمُومة ، وقد تضافرت أحاديث الأئمة في بيان قُبحه ومضارّه ، والتأكيد على دنأة الحسود ورذالته : وقال الإمام زين العابدين عليه السلام : (الحسود لا ينال شرفا ، والحقود يموتُ كمدا ، واللئيم يأكُلُ مالَه الأعداء (وَالَذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلا نَكِدا) ، رواه في نزهة الناظر (ص 44) وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : (آفة الدين : العُجْب ، والحَسَدُ ، والفخر) ، رواه في نزهة الناظر (ص 52).
وقال الإمام عليّ الهادي عليه السلام : (الحَسَدُ ماحِقُ الحَسَناتِ ، والزَهوُ جالب المقْتِ ، والعُجْبُ صارِف عن طَلَبِ العلم ، وداعٍ إلى التخبطِ في الجهل ، والبُخْلُ أذمّ الأخلاق ، والطَمَعُ سجيَة سَيّئة) ، رواه في نزهة الناظر (ص 70).
وقال الهادي عليه السلام : (إيّاك والحَسَدَ ، فإنّه يبينُ فيك ولا يبين في عدوّك) ، رواه في نزهة الناظر (ص 71).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 115 ـ

  بل ، يسعى بنيّة تحصيل الكمال (1).

47 ـ شَفَقَةُ المُعَلم
  وينبغي أنْ تكونَ همَةُ المُعَلم أنْ يصيرَ المتعلّم في قرنِه (2) عالما (3).
  ويُشْفِقَ على تلاميذه.
  ... بحيث فاق علمأ العالم (4).

**************************************************************
(1) قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : (الكمالُ كل الكمالِ : التفقّه في الدين ، والصَبْر على النائبة ، وتقدير المعيشة) ، رواه الكليني في الكافي (321).
(2) كذا في أكثر النسخ (قرنه) ولعلّ المراد : زمانه وعصره ، وفي (أ) وفي نسخ اُخرى (قوّته).
(3) عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : (إنّ الذي يعلّم العلم منكم ، له مثل أجر الذي يتعلّمه ، وله الفضلُ عليه ، فتعلّموا العلم من حَمَلة العلم ، وعلّموه إخوانكم كما علّمكم العلماء) ، أسنده الحسن بن محبوب في (المشيخة) ونقله الحلي في مستطرفات السرائر (ص 85) رقم 31.
(4) في أكثر النسخ : (فاق على ...) وهذه الجملة غير واضحة في كتابنا ، ولم ترد في الزرنوجي ، لكنّه ذكر حكاية عن البرهان والد الشهيد الصدر حسام الدين والسعيد الصدر تاج الدين ، أنّه كان يقدّم تدريس الغربأ على تدريس ولديه المذكورين ، فببركة شفقته على الغربأ (فاق ابناه أكثر فقهأ أهل الأرض في ذلك العصر في الفقه) ، لاحظ تعليم المتعلّم (ص 36).
وكأنّ في كتابنا سقطا ، فلذا وضعنا في بداية هذه الجملة نقاطا ثلاثةً.
واعلم أنّ كتابنا هذا خاص بآداب المتعلّمين كما تدلّ عليه ترجمته ، دونَ المعلّمين ، وإنّما ذكرت هذه الفقرة المرتبطة بشؤون المعلّم ، استطرادا.
وللمعلّم آداب ، ذكرها مفصّلة الشيخ الشهيد الثاني في منية المريد ، في أقسام ثلاثة : آدابه في نفسه ، ومع طَلَبَتِه ، وفي مجلس الدرس ، فراجعها (ص 177 ـ 221).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 116 ـ

48 ـ ترك النزاع والمخاصمة
  وينبغي لطالب العلم أنْ لا يُنازعَ أحَدا ، ولا يُخاصِمَه ، لاِنّه يُضَيّعُ أوقاتَه ، فالُمحْسِنُ سيُجْزَى بإحْسانِه ، والمُسيُ ستكفِيه مَسأتُه (1).
  قيلَ : (عليكَ أنْ تشتغلَ بمصالح نَفْسك ، لا بِقَهرِ عَدُوكَ فإذا قُمْتَ

**************************************************************
(1) كذا في الخشاب ، وفي الزرنوجي : (مساويه).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
وذي سَفَه يُخاطبني بِجَهلٍ      فـأكـره أنْ أكـونَ لـه iiمُـجيبَا
يَـزِيـدُ سـفاهةً وأَزِيْـدُ iiحِـلْما      كـعُـودٍ زادَ بـالإحْـراقِ iiطـيـبَا
وهو في الديوان (ص 38).
وقال عليه السلام:
إنْ كُنْتَ تطلبُ رُتبة الأشرافِ      فـعليك بـالإحسان iiوالإنصافِ
وإذا اعـتدى أحد عليك iiفَخَله      والـدَهرَ فـهو لـه مـكافٍ كـافِ
وهو في الديوان (ص 80).
وقال الزرنوجي ـ في هذا الموضع ـ : أنْشَدَ سُلطان الشريعة الهمداني :
دَعِ المَرَْ لا تَجْزِه على سوء فِعْلِه      سـيكفيه مـا فـيه وما هو iiفاعِلُه
قيلَ : (مَنْ أرادَ أنْ يُرْغِمَ أنْفَ عَدُوّه فليكرّر هذا الشعر).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 117 ـ

  بمصالحِ نَفْسِكَ تَضمَنَ ذلك (1) قَهرَ عَدُوكَ (2).
  وإيّاك والمعاداةَ ، فإنّها تفضحُكَ ، وتُضَيّعُ أوقاتَكَ.
  وعليكَ بِالتحملِ ، لا سيّما من السُفَهاء (3).

**************************************************************
(1) في الخشاب : (تَضْمَنُ بذلك).
(2) قال الزرنوجي : واُنشدتُ :
إذا شِئْتَ أنْ تلقى عدوّكَ راغِما      وتـقـتُـلَه غَــمّـا وتُـحـرِقَـه iiهـمَـا
فَـرُمْ لـلعُلى وازْدَدْ من العلم إنَه      مَنِ ازْدادَ عِلما زادَ حاسِدَه iiغَمَا
وفي باب عَدَمِ الاعتناء بالأعداء والحاسدين ، أمثال منظومة ، منها قول بعض الزعماء :
أوَ كُلّما طَنَ الذُبابُ طردْتُه      إنّ الذُبابَ إذَنْ عليَ iiكريمُ
وقال آخر :
وما كل كلبٍ نابِحٍ يَسْتَفِزني      ومـا كـلَما طَـنَ الـذُبابُ iiاُراعُ
وقال ثالث :
لو كل كلبٍ عَوى ألْقَمْتُه حَجَرا      لأصْـبَـحَ الـصَـخْرُ مِـثقالا بـدِينارِ
وقال رابع :
إذا نَطق السفيه فلا تُجِبْه      فـخير من إجابته السكوتُ
(3) قال أمير المؤمنين عليه السلام : (تعلّموا العِلمَ ، وتعلّموا الحِلمَ ، فإنّ العلمَ خليلُ المؤمنِ ، والحلمُ وزيرُه ، والعقل دليلُه ، والرفقُ أخوه ، والعمل رفيقه ، والبر والدُه ، والصبر أميرُ جنودِه) ، رواه في نزهة الناظر (ص 29) وروى نحوه باختصار عن الإمام الصادق (ص 59).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 118 ـ

49 ـ الابتعاد عن سُو الظنّ
  وإيّاك أنْ تَظُنَ بالمؤمِنِ سُوا ، فإنَه منشأُ العَداوة.
  ولا يحل ذلك ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (ظُنوا بالمُؤْمنينَ خَيْرا) (1).

**************************************************************
(1) قال الخشاب : رواه في الفتوحات الربانيّة (7/ 21) وفيه : (بالمؤمن).
واعلم أنّ الأحاديثَ عن المعصومين : في باب سُو الظنّ والنهي عنه ، والأمر به ، وكذلكَ في باب حُسْن الظنّ والأمر به ، والنهي عنه ، كثيرة وظاهرها المُعارضة والمُضادّة فالاَمرة بحُسْن الظَنّ : منها ما في المتن من حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
ومنها : قول الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام : (مَنْ حَسَنَ ظنَه روّح قلبه) ، رواه في نزهة الناظر (ص 54).
ومنها : قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام : (خُذْ من حُسْنِ الظنّ بطَرَفٍ تُروجُ به أمركَ ، وتروّحُ به قلبك) ، رواه في نزهة الناظر (ص 53).
وقال البرقي في (باب محبة المسلمين والاهتمام بهم) من المحاسن : في كلام أمير المؤمنين عليه السلام : (لا تظننَ بكلمة خرجت من أخيك سوا ، وأنت تجد لها في الخير محملا) ، رواه عن المحاسن في السرائر باب المستطرفات (6423) ونقله في الوسائل (02123) باب 161 من أبواب العشرة ، ح 3 عن الكافي (2692) ح 3.
ومِن الدافعة على سو الظنّ : قول الإمام الصادق عليه السلام : (احتَرِسُوا من الناسِ بِسُوِ الظن) ، رواه في نزهة الناظر (ص 30).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 119 ـ

  وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (الحزْمُ سُوُْ الظَن) ، رواه في نزهة الناظر (ص 54) ، وابن الرازي في جامع الأحاديث.
  ونقل الحلواني صاحب النزهة عن البرادي ، أنّه قال : قيل للمقيت الجُرجاني : ما هذه المضادة?
  فقال : يُريدون بسو الظن : أنْ لا تستتمَ إلى كلّ أحَدٍ فتؤدّي سرّك وأمانتك ، ويُريد بحسن الظنّ : أنْ لا تسي ظنَك بأحَدٍ أظهر لك نصْحا وقال لك جميلا ، وصحَ عندك باطنه ، وهو مثل قولهم : (احْمِلْ أمر أخيك على أحْسنِه حتّى يبدو لك ما يغلبك عليه) ، نقله في نزهة الناظر (ص 54).
  أقول : بل الأولى حملُ ذلك على اختلاف الزمان وأهله صَلاحا وفسادا ، كما تدلّ عليه أخبار شريفة ، والحديث يفسّر بعضه بعضا ، وهي : ما روي في حِكَمِ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه قال : (إذا استولى الصلاحُ على الزمانِ وأهله ، ثُمَ أسأ رجل الظنَ بِرَجُلٍ ـ لم تظهر منه خِزية ـ فقد ظَلَمَ ، وإذا استولى الفسادُ على الزمانِ وأهله ، ثُمَ أحْسَنَ رَجُل الظنّ بِرَجُلٍ فقد غُررَ) ، رواه الرضيّ في نهج البلاغة ، الحكمة (114).
  وما عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام : (إذا سأَ الزمانُ وسأ أهلُه ، فسوُ الظنّ من حُسْنِ الفِطَنِ).
  وما رُوي عن الإمام أبي الحسن الهادي عليه السلام : (إذا كانَ زَمان ـالعدلُ فيه أغلبُ من السُوء ـ فليسَ لأحَدٍ أنْ يُظنَ بأَحَدٍ سُوءا ، حتّى يَبْدو ذلكَ منه ، وإنْ كانَ زَمان ـ فيه السُوُ أغْلَبُ من العَدْل ـ فليسَ لأحَدٍ أَنْ يظُنَ بأحَدٍ خَيْرا ، حتّى يبدو ذلك منه) ، رواه في نزهة الناظر (ص 71).