ويرى عبّاس إقبال في (تاريخه) : أنّ الطوسيّ ، علاوةً على مقامه العلميّ ، قد أدّى للحضارة الإسلاميّة عملين عظيمين :
  أوّلهما : أنّه بذل جُهدا كبيرا للمحافظة على الكتب النفيسة ، والاَثار ، حتى لا يهلكها المغول ، ممّا أتاح له أن يجمع مكتبة تحوي أربعمائة ألف مجلّد.
  والثاني : أنّه استخدم نفوذه عند هولاكو ، لينقذ من الهلاك كثيرين من أهل العلم والأدب (1).
  ويُعَد الطوسي أعلمَ أهل زمانه وهو الذي أعاد للحضارة الإسلاميّة بهاءها ، وقوّتها في أحلك الظروف السياسيّة وأقساها على القسم الشرقي من العالم الإسلاميّ ، وهو لهذا قد استحقّ لَقَبَ (اُستاذ البَشَر).
  وله ما يقرب من ثلاثة ومائة كتاب ورسالة ومقالة ، في موضوعات وفنون مختلفة ، منها خمسة وعشرون كتابا بالفارسيّة (2).
  وقد فصّل البيان عن كتبه الاُستاذ الدكتور محمّد معين ذاكرا أسماءها ، وهي : في الحكمة النظرية والعملية ، والهيئة والنجوم ، والرياضيّات ، والعلوم الطبيعيّة ، والعلوم الدينية ، والعلوم المكنونة ، وفنون الأدب ، والتاريخ ، والجغرافية ، والتصوّف (3).

**************************************************************
(1) تاريخ مفصل إيران ، المجلد الأول (ص 502).
وانظر : المجدّدون في الإسلام ، لعبد المتعال الصعيدي (ص 259) وتاريخ التمدّن الإسلامي لجورجي زيدان المصري (2 ـ 245) ومقالة الدكتور مصطفى جواد في مجلة دانشكده ادبيات ، السنة (3) العدد (4).
(2) راجع مقالين للاُستاذين حسين خطيبي ، وذبيح الله صفا ، في مجلة دانشكده ادبيات ـ طهران ، السنة (3) العدد (4) ص 11 ـ 29 .
(3) مجلة دانشكده ادبيات ـ طهران ، نفس العدد ، (ص 30 ـ 42).
وأوسع ما كتب عن الطوسي ، كتاب (أحوال وآثار خواجه نصير الدين الطوسي) تأليف محمّد تقى مدرس رضوي ، وقد طبع في طهران ـ بنياد فرهن إيران سنة 1354 ، بالفارسية.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 32 ـ

  ولشهرته الذائعة الصيت في الزيج والرَصَد ، طلب منكوقاآن من أخيه هولاكو أنْ يوفد إليه الطوسيَ ، حتى يؤسس مرصدا في بلاد المغول ، ولكنّ هولاكو لم يُلَب رغبة أخيه وأمر بإقامة المرصد في إيران.
  وفي مَراغَة أنشأ الطوسيّ مرصدا عام (756 هـ ـ 8521 م) وقد أمَدَه هولاكو ، و أباقا من بعده ، بعونٍ مالي عظيم ، منه أوقاف واسعة أتاحَتْ له أنْ يقتنيَ كثيرا من الكتب والاَلات ، كما مكّنتْه من الاستعانة بالعلماء المتفرّغين ، ليُتمَ (زيج مَراغة) .
  وقد ضَمَنَ كتابه (الزيج الإيلخانيّ) خلاصة ما بذله وصحبُه في هذا السبيل (1).
  ومن رسائل الطوسي هذه الرسالة [ آداب المتعلّمين ] التي ننشرها اليوم.
  وهي مخطوط ، باللغة العربية ، بمكتبة جامعة القاهرة ، عدد أوراقه (35)11 #18 كتب بالخطّ النسخ المشكول ، وتحت كثير من كلماته ترجمتها ، أو شرح لها ، بالفارسية ، نمرة (26184).
  ويبدو أنّ الناسخ لم يكن يُتقن العربيّة ، فقد أكثر من الخطأ في الشكل ، وفي الهجاء ولعلّها كانتْ فارسيّةً ، وعُرّبَتْ (2).

**************************************************************
(1) انظر مقال الاُستاذ آيدين صاييل اُستاذ تاريخ العلوم في جامعة أنقره ، بالفارسية ، في مجلة دانشكده ... المذكورة (ص 58 ـ 72).
(2) هذا الاحتمال الذي ذكره ـ بأن يكونَ أصلُ الكتاب فارسيّا ـ غريب جدّا ، إذْ مجرّدُ الوقوف على مخطوطة واحدة لا يكفى لإطلاق مثل هذا الحكم ، ولا يبرّره وجودُ الأغلاط ، كما لا يخفي ، خصوصا إذا لاحظنا موافقة كثيرٍ من عباراته ، لما جاء في كتاب الزرنوجي ، الذي لا يُشَك في كونه مؤلَفا عَربيا

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 33 ـ

  والرسالة في اثني عشر فصلا :
  الفصل الأول : في ماهيّة العلم ، وفضله.
  الفصل الثاني : في النيّة.
  الفصل الثالث : في اختيار العلم ، والاُستاذ ، والشريك ، والثبات.
  الفصل الرابع : في الجِدّ ، والمواظبة ، والهمّة.
  الفصل الخامس : في بداية السبق ، وقَدَره ، وترتيبه.
  الفصل السادس : في التوكل.
  الفصل السابع : في وقت التحصيل.
  الفصل الثامن : في الشفقة ، والنصيحة.
  لفصل التاسع : في الاستفادة.
  الفصل العاشر : في الوَرَع في التعلم.
  الفصل الحادي عشر : في ما يورث الحفظ ، وما يورث النسيان.
  الفصل الثاني عشر : في ما يجلب الرزق ، وما يمنع الرزق ، وما يزيد في العمر ، وما ينقص ، والطوسيّ في هذه الرسالة : يتحدّثُ عن الذين أخطأوا طريق العلم ، وتركوا شرائطه ، فلم يتيسّر لهم التحصيل ، مع اجتهادهم ، ولم ينتفعوا بثمرات العلم ، مع اشتغالهم به.
  وهو يشرحُ قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : (طَلَبُ العلم فريضة على كل مُسْلمٍ

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 34 ـ

  ومُسْلمةٍ) ويبيّن المقصود من العلم.
  ثمَ يتحدّثُ عن وجوب التأنّي في اختيار الاُستاذ والتحرّي في اختيار شريك الدرس ، والتمعن في اختيار مادّة الدرس.
  ويتحدّثُ عن آداب الدرس ، فيذكر أنّه لا يجوز للطالب أنْ يجلسَ قريبا من الاُستاذ بغير ضرورةٍ ، بل يجبُ أنْ يكونَ بينَهما قَدَرُ القوس ، لأنّه أقرب إلى التعظيم.
  ويشرحُ الحكمةَ التي تقول : (مَنْ جَدَ وَجَدَ) ويَحُث الطالب على المُثابرَة ،والمُواظَبة ، والمُطارَحة ، والمُناظرَة.
  ويدعو إلى التأمل قبل الكلام.
  ويبيّنُ الطوسي ما ينبغي على العالم من التفاني في علمه ، والإعراض عن الحرص ، وجمع المال عن طريق العلم ، ويذكر أنّ العلماء في القرون الاُولى للإسلام كانوا يتعلّمون الحِرْفَةَ أوّلا ، ثمّ يتعلّمون العلم ، حتّى لا يطمعوا في أموال الناس.
  ويشرحُ الرأي القائل بطلب العلم من المهد إلى اللحد ، وبالاستفادة من تحصيله في كلّ وقتٍ.
  ويحث الشباب على الإفادة من الشيوخ ، فإنّهم يَبْلُغونَ الأوْجَ حين يتقدّمُ بهم العُمُر ، وتتضاعَفُ الفائدةُ من الاستماع إليهم.
  وهكذا نجدُ الطوسيَ في رسالته هذه مؤدبا ، يدعو إلى نشر العلم ، وإلى خير الوسائل التي تؤدّي إلى يُسْر التحصيل ، وآداب الدّرس.
  انتهى كلام الدكتور الخشاب

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 35 ـ

  سطور عن حياة الإمام المحقّق محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسي الشهير بـ (الخواجه) مولده ووالده : ولد يوم السّبت ، الحادي عشر من جمادى الاُولي ، عند طلوع الشمس ، سنة (سبع وتسعين وخمسمائة) للهجرة النبوية ، في ضواحي قم ، في موضع يسمى جِهرُود ، أو طُوْس.
  كان والده (وجيه الدين محمّد بن الحسن) من فضلاء الطائفة في عصره ، أخذ علوم الشريعة : الفقه ، والحديث ، والكلام ، من السيّد الإمام فضل الله الراوندي ، الكاشاني.
  مشايخه : تربّى المحقّق الطوسي في كنف والده ، فأخذ منه علمي الفقه والحديث ، كما أخذ من خال أبيه الملقّب بنصير الدين المشتهر بالحديث ، ومن خاله ـ هو ـ المعروف بنور الدين ، وكان فيلسوفا ، فأخذ منه المنطق والحكمة.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 36 ـ

  وأخذ في مختلف البلاد التي هاجر إليها من : مُعين الدين ، سالم بن بدران ، في الفقه واُصوله.
  وأسْعد بن عبد القاهر.
  وفَريد الدين النيسابوريّ ، الحسن بن محمّد.
  وكمال الدين المَوْصِليّ ، موسى بن يونس ، في الرياضيات والحكمة.
  وقُطب الدين المصريّ إبراهيم بن عليّ ، في الطبّ.
  ومن غيرهم.
  هجرته : وهاجر إلى نيسابور ، بوصيّة من والده ، وكانت هي الحاضرة العلمية ، التي تزخر بالعلماء والمحدّثين والأساتذة الكبار.
  وهاجر إلى الريّ ، وبغداد ، والمَوْصِل ، آخذا من أعلامها.
  ثمّ عاد إلى طوس ، مسقط رأسه.
  وهاجر إلى منطقة (قهستان) في غربيّ إيران سنة (625) بعد تدهور الأوضاع في المناطق الشرقيّة والوسطى في إيران ، على أثر كثافة الهجوم المغولي وعبث عساكره ، وكان حاكم المنطقة ناصر الدين عبد الرحيم يهوى العلم ويجلّ العلماء ، فاستقرّ المحقّق الطوسيّ هناك.
  وطار صيت المحقّق الطوسيّ في علوم الفلسفة والرياضيات ، فطلب زعيم الإسماعيلية من الحاكم ناصر الدين إيفاده إليه ، فارتحل المحقّق ـ على كُرْه ـ إلى قلاع الإسماعيلية ، حتى استقرّ في قلعة (أَلَمُوْت) أعظمهما وأحصنها ، فظلّ هناك طوال (28) سنة ، قضاها على مَضَضٍ ، كما أعرب عنه في بعض مؤلّفاته ، كخاتمة شرح الإشارات ، وقد غزر انتاجه العلمي في تلك الظروف القاسية.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 37 ـ

  وواصلت الزحوف المغولية هجومها الوحشيّ ، حتى سقطت القلاع ومنها (ألَمُوت) سنة (356) (فأصبح المحقّق الطوسي في قبضة هولاكو) حسب تعبير السيّد الأمين (ولم يَعُد يملك لنفسه الخيار في صحبته).
  وفي سنة (656) لمابدأالزحف المغولي على بغداد ـ عاصمة الحكم العباسي ـ أرسل المحقّق الطوسي كسفير يحاول إقناع الخليفة المغرور بالصلح مع الغزاة الدمويين ، فلم يتعقّل الخليفة الموقف ، ورفض الحلول المطروحة ، فاكتسحت جيوش هولاكو بغداد فسقطت في (5 صفر 656).
  وقام المحقّق الطوسيّ بدَوْر عظيم في هذه الحادثة الأليمة حيث حدّد من تعميقها ، وقصّر من أمدها ، وأوقف نزف الدماء في الحدود الممكنة ، واستنقذ العشرات من نفوس العلماء والأشراف والفضلاء ، وأنقذ الاَلاف من كتب التراث التي تعرّضت للحريق والنهب ، وحافظ على الاَثار العمرانية من أن تطالها يد العدوان.
  وهذه هي الحقيقة المشرّفة التي اعترف بها معاصرو المحقّق والذين شاهدو الأحداث فأرّخوها ، كابن الفوطي مؤرّخ بغداد الذي كان فيها قبل الحوادث وعاشرها ، ولازم المحقّق بعدها.
  إلاّ أنّ شراذم من المزوّرين للتاريخ من أعداء العلم والدين والمستأجَرين الذين يخفّفون عن أسيادهم بوضع اللائمة على الاَخرين سوّدوا صحائف كتبهم باتّهام الإمام المحقّق الطوسي لمجرّد وجوده في يد المغول ، وتحت سيطرة هولاكو بالذات ، الذي استغلّه المحقّق ـ بفطنته ودرايته ـ للقيام بتخفيف الوطأة ، ورفع الشدّة بالقدر الممكن.
  وبعد ذلك استغلّ المحقّق نفوذه في البلاط ، فتولّى إدارة شؤون الأوقاف في البلاد ، فزار بغداد ، والحلّة ، وواسط للوقوف على أوضاعها عن كَثَب.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 38 ـ

  أكاديميّته : ورجع إلى إيران ، وأقنع المغول في إقامة أعظم أكاديميّة علمية في العالم ـ ذلك اليوم ـ تحتوي على (الرصد) والمدرسة ، والمكتبة ، فأسّسها سنة (657) وجمع فيها مَنْ تمكّن من علماء البلاد وحتى الفقهاء والاُدباء ، لإنعاش العلم تحت كنفه.
  واحتوت في مكتبتها على ما يربو على نصف مليون كتاب ، جمعها المحقّق من التراث المبعثر ، وممّا نهبه المغول من كافة البلاد التي غزوها من ما وراء النهر إلى بغداد.
  فكانت (مراغة) التي تعرف برصدها حتى اليوم ، مركز هذه الأكاديمية العظيمة.
  وفي سنة (665) سافر إلى خراسان ، ورجع إلى مراغة في (667) وسافر إلى العراق سنة (672) فأصابه المرض في بغداد ، فتوفّي يوم الغدير (18 ذي الحجة الحرام) من تلك السنة.
  ودفن في الحرم الكاظمي الشريف ، في مقابر قريش ، في الجانب الغربي من تلك البقعة المباركة ، وأوصى أن يكتب على قبره : (وَكَلْبُهمْ بَاسِط ذِرَاعَيْه بِالْوَصِيدِ).
  تلامذته : تلمّذ عند المحقّق الطوسي عشرات من العلماء ، وأشهرهم : قطب الدين الشيرازي محمود بن مسعود ، الفيلسوف المفسّر.
  والعلامة الحلّي ، الحسن بن يوسف بن المطهر ، الفقيه المحدّث الاُصوليّ الرجالي ، الحكيم.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 39 ـ

  مؤلّفاته : وخلّد المحقّق الطوسي ما يربو على (190) من المؤلّفات ، بين كتاب كبير ، ورسالة صغيرة ، وتعليقة ، وترجمة ، وفائدة ، ومقالة ، وجواب مسألة ، ورسالة خاصّة إلى أصحابه.
  ومن أشهر مؤلّفاته المتداولة :
  ـ تجريد الاعتقاد : أخصر متن يضمّ العقائد على رأي الشيعة الاثنى عشرية ، بأتمّ شكل وأقواه ، جامعا للأدلّة والبراهين ، ودفع التوهمات والاعتراضات.
  وله شروح عديدة واسعة من علمأ الشيعة ، والعامة ...
  ـ تلخيص المحصّل للفخر الرازي : نقد وتهذيب وتنقيح له.
  ـ شرح الإشارات والتنبيهات لابن سينا : وهو من أهمّ شروحه ، وأعمقها.
  ـ آداب المتعلّمين : وهو هذا الكتاب الذي نقدّم له.
  ـ جواهر الفرائض : وهو كتاب في الإرث ، وهو الأثر الفقهيّ الوحيد المعهود للمحقق الطوسيّ ، وله نسخ في مكتبة السيد المرعشيّ اقدمها برقم (49 م).
  مكانته : وقد احتلّ المحقّق الطوسي بنبوغه وجدّه مكانةً سامية بين العلماء الذين وصفوه بـ (الإمام) (الأجل) (الأعظم) (الأفضل) (الفيلسوف) (الأكمل) (المحقّق) (نصير الحقّ والملّة والدين) (مفخر العلماءء والأكابر) (سيّد الحكماء) (خاتم المحقّقين) (أفضل الحكماء والمتكلّمين) (فخر الحكماء) (سلطان العلماء) (وجيه الإسلام والمسلمين) (مولانا المعظّم) (اُستاذ البشر) (الخواجه) (1).

**************************************************************
(1) هذه الكلمة فارسيّة ، وتُلفظ (الخاجَه) وتعني : السيّد ، الكبير ، صاحب العظمة ، لاحظ : كتاب صبح الأعشى (ج 6 ص 13) وكتب الباحث اللغوي حبيب زيات المصري بحثاً قيّماً عن هذه الكلمة اصلها وتلفظها وتداولها التاريخي ، نشر في مجلة الموسم البيروتيّة ، العدد (23 و 24) عام 1416 (ص 283 ـ 287).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 40 ـ

  نماذج مصوّرة من المخطوطات المعتمدة
  1 ـ بداية نسخة (ف) وهي في مكتبة الفاضل الخونساري برقم (13)
  2 ـ نهاية نسخة (ف) وهي في مكتبة الفاضل الخونساري برقم (13)
  3 ـ بداية نسخة (أ) وهي في المرعشية برقم (4682)
  4 ـ نهاية نسخة (أ) ويليها في المجموعة بداية كتاب (الأربعين)لوالد البهائي
  5 ـ بداية نسخة (ب) وهي في المرعشيّة برقم (1145)
  6 ـ نهاية نسخة (ب) وهي في المرعشيّة برقم (1145)
  7 ـ بداية نسخة (د) وهي في المرعشيّة برقم (8311)
  8 ـ نهاية نسخة (د) وهي في المرعشيّة برقم (8311)
  9 ـ بداية نسخة (ع) وهي في المرعشيّة برقم (3635)
  10 ـ نهاية نسخة (ع) وهي في المرعشيّة برقم (3635)
  11 ـ بداية نسخة (و) وهي في المرعشيّة برقم (6112)
  12 ـ نهاية نسخة (و) وهي في المرعشيّة برقم (6112)
  13 ـ بداية بعض النسخ
  14 ـ نهاية بعض النسخ

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 55 ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

  (وبه نستعين) (1)
  الحمدُ لله على آلائه ، وأشكره على نَعمائه ، والصلاةُ على سيّد أنبيائه ، خير أوصيائه.

1 ـ المقدّمة
  وبَعْدُ : فكثير من طُلاّب العلم لا يتيسَرُ لهم التحصيلُ ـ وإنِ اجتهدوا ـ ولا ينتفعُونَ من ثمراته ـ وإنِ اشتغلوا ـ لأنّهم أخْطأوا طريقَه ، وتركُوا شرائطَه.
  وكل مَنْ أخطأ الطريقَ ، ضَلَ (2) فلا ينالُ المقْصُودَ.
  فأردتُ أنْ اُبَينَ طريقَ التعلم ، على سَبيل الاخْتِصارِ ، على ما رَأيْتُ

**************************************************************
(1) ما بين القوسين من (ف ، د ، ع ، و).
(2) زاد في غير (أ ، ف ، ب) هنا كلمة : (وأضَلَ).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 56 ـ

  في الكُتّابِ (1) وسَمعتُ من أساتيذي (2) اُولي العلم.
  والله الموفّقُ ، والمعينُ.
  فاُبيّنُ المقصودَ في فُصُولٍ شَتّى :

**************************************************************
(1) الكُتّابُ : مدرسة لتعليم الصبيان الكتابةَ والقِرأة ، وتحفيظهم القرآن الكريم ، جمعه : كتاتيب ، وفي الزرنوجي : على ما رأيت في الكُتُب.
(2) قوله (أساتيذي) ليست في (ف).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 57 ـ

الفصل الأول : في ماهيّة العلم وفضله
2 ـ فرض العلم

  إعلم أنّه قالَ رسول الله صلى الله عليه وآله : ( طَلَبُ العلمِ فريضة على كُلّ مُسْلمٍ ومُسْلمةٍ ) (1).

**************************************************************
(1) جاء الحديث بهذا النصَ في كتابنا ، وفي الزرنوجي ، وكذلك رواه الشيخ ابن فَهد الحليّ في (عدّة الداعي ص 63) مسندا عن الإمام الرّضا عليه السلام مرفوعا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال الشيخ امين الإسلام الطبرسي في خطبة تفسير مجمع البيان ما نصّه : قد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ما رواه لنا الثقات بالأسانيد الصحيحة مرفوعاً إلى إمام الهدى وكهف الورى ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن اَبائه سيّد عن سيّد وإمام عن إمام إلى ان يتّصل به عليه واَله السلام انّه قال : ... الحديث ، لاحظ مجمع البيان (ج 1 ص ).
وارسله ابن الطبرسي في مشكاة الأنوار (ص 182) وكذلك أرسله الشيخ ابن أبي جُمهور الأحسائي في عوالي اللاَلي (704 ح 36) ونقله عنه المجلسي في بحار الأنوار (1771).
لكن رواه الشيخ الطوسيّ في الأمالي (1022 و 182) مسندا عن الرّضا عليه السلام مرفوعا ـ في ابتداء حديثٍ طويل ـ من دون لفظ : (ومُسلمة).
وللحديث عند العامة طرق كثيرة ، ذكرها السخاوي في (المقاصد الحسنة ص 5 ـ 277) وقال : (ومسلمة) ليس لها ذكر في شي من طرقه.
وانظر (الرحلة في طلب الحديث) للخطيب البغدادي ، وجامع بيان العلم (71 ـ 10).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 58 ـ

  والمرادُ من العلم ـ هاهنا ـ : علمُ الحالِ ، أي : المحتاجُ إليه في الحالِ ، المُوْصِلُ إلى النَفْع في المَآلِ .
  كما يُقالُ : ( أفْضَلُ العلمِ علمُ الحال ، وأفْضَلُ العَمَلِ حِفْظُ المَآلِ (1)).
  فيفرضُ على الطالب ما يُصْلِحُ حالَه.

3 ـ شَرَفُ العلم
  وشَرَفُ العلم لا يخفى على أحَدٍ ، إذِ العلمُ هو المختَص بالإنْسانِيّة (2) لأِنَ جميع الخصال ـ سوى العلم ـ يشترك فيها الإنسانُ وسائر الحيوانات كالشجاعة ، والقُوَة ، والشَفَقَة ، وغيرها.

4 ـ العلمُ فضيلة
  وبه أظْهرَ الله تعالى فَضْلَ آدَمَ عليه السلام على الملائكة ، وأمَرَهم بالسجودِ له (3).

**************************************************************
(1) في (ف) حفظه ، وفي (ب) : حفظ الحال.
(2) في الخشاب ، وبعض النسخ : بالانسان .
(3) أي في قوله تعالي : ( وَعَلَمَ آدَمَ إلاسْمَأَ كُلَها ... ) ثمّ قال تعالي : (وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا ... ) من الاَيتين (31 و 32) من سُورة البقرة (2).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 59 ـ

5 ـ السّعادة بالعلم
  وأيضا : هو الوسيلةُ إلى السعادة الأبَديَة ، إنْ وَقَعَ العَمَلُ على مُقتضاه (1).

**************************************************************
(1) للتفصيل عن فضل العلم وشرفه راجع : مقدمة (منية المريد) للشهيد الثاني ، حيث عقد فصولا سبعة لاستيعاب ذلك ، وخصّص الفصل الثالث لذكر ما ورد عن أئمة أهل البيت : من طريق الخاصة ، فانظر (ص 93 ـ 127) ولاحظ (108 ـ 119).
و : (أدب الدُنيا والدين) للماوردي (ص 41 ـ 43) ، وقال عليّ أميرُ المؤمنين عليه السلام (أعز العِز العِلْمُ ، لأنَ به معرفةَ المعادِ والمعاشِ ، وأذل الذُلَ الجهل ، لأنّ صاحبه أصمّ ، أبكم ، أعمى ، حَيْران ) ، في نزهة الناظر (ص 33).
وقال عليه السلام :
الـعـلمُ زَيْــن فـكُـن لـلـعلم iiمـكْتَسِبا      وكُـنْ لـه طـالِبا مـا عِـشتَ مُـقْتَبِسا
اُرْكُـــنْ إلــيـه وَثِــقْ بالله واغْــنَ iiبِــه      وكُــنْ حـليما رزيـنَ الـعقلِ مُـحْتَرِسا
وكُنْ فَتًى ماسِكا مَحْضَ التقى ورعا      لِـلـديـنِ مُـغْـتَـنِما لِـلـعـلمِ iiمُـفْـتَرِسا
فَــمَـنْ تَـخَـلَـقَ بـــالاَدابِ ظَــلَ iiبـهـا      رئـيـسَ قَــوْمٍ إذا مــا فـارَقَ iiالـرُؤَسا
الديوان (ص 72).
وقال عليه السلام :
لـو صِيْغَ من فِضَةٍ نَفْس على iiقَدَر      لـعـادَ مـن فـضله لـمّا صَـفا iiذَهـبا
مـا لـلفتى حَـسَب إلا إذا iiكَـمُلَتْ      أخـلاقُـه وحَــوى الاَدابَ والـحَسَبا
فاطْلُبْ فَدَيتُكَ عِلما واكْتَسِبْ أدبا      تَـظْفَرْ بـذاك بـه واسْـتَعْجِلِ iiالطَلَبا
الديوان (ص 46).
وقال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : (تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه حسنة ، وطلبته عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه صدقة ، وبَذْله لأهله قُرْبة.
والعلم مأواه الجنة ، واُنْس في الوحشة وصاحب في الغربة ، ورفيق في الخلوة ، ودليل على السرّأ ، وعون على الضرّأ ، وزين عند الأخلاّض ، وسلاح على الأعداء.
يرفع الله به قوما في الخير ، ليجعلهم أئمةً يقتدى بفعالهم ، وتقتص آثارهم ، ويصلّي عليهم كل رطب ويابِس وحيتانُ البحر وهوامه وسباعُ البرّ وأنعامُه في نزهة الناظر (ص 50).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 60 ـ

6 ـ أنواع من العلم
  فالعلمُ الذي يُفْرَضُ على المكلَفِ بعينه (1) يجبُ تحصيلُه ، وجَبْرُه (2) عليه إنْ لَمْ يُحَصلْ .
  والذي يكونُ الاحْتياجُ إليه في الأحْيانِ ، فرض (3) على سَبيل الكِفاية إذا قامَ به البعضُ سَقَطَ عن الباقينَ ، وإنْ لم يكنْ في البَلَدِ مَنْ يقومُ به ، اشتركوا ـ جميعا ـ بتحصيله ، بالوجوب (4).
  قيلَ : (إنّ علمَ ما نفعُ (5) على نفسه ، في جميع الأحوال ، بمنزلة الطعام ،

**************************************************************
(1) في نسخة (أ) : نفسه ، بدل (بعينه).
(2) كذا في الخشاب وأكثر النسخ ، وفي (أ ، ف ، و ، ع) والاُخرى : (وجُبِرَ).
(3) في الخشاب : فرضا ، وهو غلط ، لأنّه خبر (الذي).
(4) في غير (ف) بتحصيله وللتفصيل عن أنواع العلم ، راجع : منية المريد (ص 379 ـ 383).
(5) كذا في أكثر النسخ وفي الزرنوجي (يقع) وفي (د) وبعض النسخ : ينفع ، بدل (يقع) هنا وفي الجملة التالية.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 61 ـ

  لابُدَ لكلّ أحدٍ من ذلك .
  وَعلمُ مانفعَ في الأحيانِ ، بمنزلة الدوأ ، يُحتاجُ إليه في بعض الأوقات.
  وَعلمُ النجوم بمنزلة المرض ، فتعلمه حرام لأنَه يضر ولا ينفعُ ، إلاّ قَدَرمايُعْرَفُ به القِبْلةُ ، وأوقاتُ الصلاة وغير ذلك ، فإنّه ليس بحرامٍ ) (1).

**************************************************************
(1) علم النجوم ضرره وحرمته : يُطلق علم النجوم تارةً على معرفة النجوم وأعدادها وحركاتها ومواقعها وأزمانها ، فهذا من المعارف البشريّة العامّة المتداولة ، إلا انّه لا يُفيد طالب العلم الديني شيئا ، إذ لا أثر له في حياته ولا يترتّب على معرفته شي خاص ، فبذل الجهد فيه مضر له ، من جهة تفويت الوقت عليه ، عن تحصيل ما هو ضروري ، أو أكثر أهميّة ونفعا وأثرا في حياته العملية ، وهذا معنى قول الماتن : يضر ولا ينفع.
وعلى هذا فيكون الاستثناء في قوله : (إلا قدر ما يعرف ... ) إلى آخره ، متّصلا ، إلاّ أن الحكم بحرمة هذا العلم شرعا ، لا دليل عليه ما لم يؤدّ إلى تقصير في أداء ما يجب على المكلّف معرفةً أو أداءً.
وقد يُطلق علم النجوم على خصوص تعلّم ما يتداوله المعتقدون بتأثير الكواكب العلوية في الشؤون الكونية ، وأنها الفاعلة للاَثار من دون إرادة الصانع الجبار ـ تعالى الله عمّا يقول الجاهلون ـ فهذا محكوم بالحرمة لابتنائه على الكفر بالله أو الشرك أو التفويض أو تحديد قدرته تعالي ، وكلّ ذلك مخالف للحقّ المدلول عليه في محلّه.
وهذا يضرّ بطالب العلم عقيدة ، ولا ينفعه علما ولا عملا لابتنائه على اُمور غير واقعية بل على أحكام والتزامات تخمينية وتكهنات أو أفكار خرافيّة أو نقول غير مؤكّدة ولا مضبوطة.
وعلى هذا فالاستثناء في قوله : (إلا قدر ... ) منقطع كما لا يخفي.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 62 ـ

7 ـ ماهيّة العلم
  وأمّا تفسير (1) العلم : فهو صِفة يتجلّى بها ـ لمنْ قامت هي به ـ المذكورُ (2).

8 ـ العلم حُجّة على المتعلّم
  فينبغي لطالب العلم أنْ لا يغْفُلَ عن نفسه ، وما ينفعُها ، وما يضرها ، في أوْلاها واُخراها فيَسْتجلبُ ما ينفعُها ، ويجتنبُ عمّا يضرها لئلاّ يكونَ عقلُه وعلمُه حجَةً عليه فتزدادُ عقوبتُه (3).

**************************************************************
(1) كذا في الزرنوجي وأكثر النسخ ، لكن في الخشاب و (ف) ونسخ اُخري : نفس ، بدل (تفسير).
(2) ارتبكت النسخ في إثبات هذا التعريف : ففي أكثرها والخشاب هكذا : (فهي صفة يتحلّى ... ).
وفي بعضها : ( ... يتحلّى بها مَنْ قامت به فَمخْصوص بالمذكور).
وفي نسخة : ( ... لا يتجلّى بها إلا لمن ... ).
وما أثبتناه من الزرنوجي و (ف ، و) ، ومعناه : أنّ العلم صِفة تتّضح بها المعلوماتُ لمن وُجدت فيه.
(3) في الزرنوجي ونسخٍ : ( ... عقوبة) وفي بعض النسخ : (فيزاد عقوبة).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 63 ـ

الفصل الثاني : في النيَة
9 ـ لزوم النيّة

  لابُدّ لِطالِبِ العلم من النيَة (1) في تَعَلمِ العلم ، إذ النيّةُ هي الأصْلُ في جميع الأفعال ، لقوله صلى الله عليه وآله : ( إنّما الأعمالُ بالنيّات ، وإنّما لكُلّ امرىٍ ما نوى ) (2).

**************************************************************
(1) في هامش الخشاب (أطلُبُ العِلْمَ لوجوبه قُرْبةً إلى الله تعالي).
(2) هذا الحديث لم يذيّل بقوله : (وإنّما لكل امرى ما نوي) في بعض النسخ وجُعل الذيل حديثا مستقلا في نسخ اُخري .
وقد رواه الشيخ الطوسيّ في تهذيب الأحكام (831) ح 218 و (1864) ح519 مذيّلا بلفظ : ( ... وَإنّما لكلّ امْرِىٍ مَا نَوَى) مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي الحديث (518) مع الذيل ، ونقله عنه في وسائل الشيعة (56) ح 7197 ، مذيّلا ، وانظر الوسائل (481) ح 88 و 89 ، ورواه ـ مذيّلا وغير مذيّلٍ ـ ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللاَلي (811) ح 3 و (3801) ح 2 و (112) ح 19 و (1902) ح 80 ، ورواه من العامّة : البخاري في الصحيح (21) باب بد الوحي ، ومسند أحمد (251) والبيهقي في السنن الكبرى (3417) وابنُ عساكر في الأربعين البلدانية (46 ـ 47) وهو أوّل أحاديث الجامع الصغير ، للسيوطي.
وقال الزرنوجي : حديث صحيح.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 64 ـ

  فينبغي أنْ ينويَ المتعلّمُ بِطَلَبِ العلم : رضا الله تعالى ، وإزالَةَ الجَهلِ عن نفسه ، وعن سائر الجُهالِ وإحْيأَ الدينِ ، وإبقاءَ الإسلام ِ.
  والأمر (1) بالمَعْرُوف ، والنَهي عن المنكر ، من نَفْسِه ، ومتعلّقاته ، ومن الغَيْر بِقَدَرِ الإمكان.

10 ـ سِيْرةُ الطالب (2)
  فينبغي لطالب العلم أنْ : يَصْبِرَ في المشاقّ (3).

**************************************************************
(1) في كثير من النسخ (بالأمر).
(2) أجمل المؤلّف في هذه الفقرة ما سيذكره في الفقرات التالية في فصول الكتاب ، وسنشير إلى مواضع تفصيل كلّ ما يذكر ... (48)
(3) لاحظ الفقرة وروى ابن عبد البر عن الإمام زيد الشهيد عليه السلام أنه قال : ( لا يُستطاع العلم براحة الجسم) ، جامع بيان العلم (911) .
وكتب في هامش نسخة (ف) من كتابنا هذين البيتين :
أرى الــعـلـم فــــي جـــوعٍ وذل iiوعِــفّـةٍ      وبُــعــدٍ عــــن الاَبـــأ والأهـــلِ والــوطـنْ
فـلـو كــانَ كـسبُ الـعلمِ أسـهلَ iiحـرفةٍ      لما كانَ ذو جَهلٍ على الأرضِ في الزمنْ
لاحظ الصورة رقم (2) من نماذج مصوّرات الكتاب.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 65 ـ

  ويجتهد بقَدَر الوُسْع (1) .
  فلا يَصْرِفَ عُمُرَه في الدُنْيا الحقيرة.
  ولا يُذِلَ نفسَه بالطَمَع (2).
  (ويجتنبُ الحِقدَ ، والحَسَدَ) (3).
  ويحترزَ عن التَكَبرِ (4).

**************************************************************
(1) لاحظ الفقرات (23 ـ 27).
(2) لاحظ الفقرة (37).
(3) ما بين القوسين ورد في بعض النسخ ، ولاحظ الفقرتين : (42 و 44)
(4) للتفصيل حول الأخلاق ، لاحظ الفقرة (22) وتعاليقها ، ولاحظ الفقرتين (46 و 49).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 66 ـ

الفصل الثالث : في اختيار العلم والاُستاذ والشريك والثبات
11 ـ اختيار العلم

  ينبغي لطالب العلم أنْ يختارَ من كلّ علمٍ أحْسَنَه (1) وما يحتاجُ إليه في اُمور دينه في الحالِ ، ثُمَ ما يحتاجُ إليه في المآلِ.

**************************************************************
(1) قال عليّ عليه السلام : (خذوا من كلّ علمٍ أحسنه ، فإنّ النحل يأكلُ من كلّ زهرٍ أزينَه ، فيتولّد منه جوهران نفيسان : أحدهما فيه شفأ للناس ، والاَخر يُستضأ به) ، معجم ألفاظ غرر الحكم (ص 1342) رقم (1053).
وقال عليه السلام : (العلم أكثر من أن يُحاط به ، فخذوا من كلّ علمٍ أحسنَه) ، معجم ألفاظ غرر الحكم (ص 234).
ومن قول الإمام عليه السلام اقتبس الشاعر فيما أنشدنيه سماحة العلاّمة المجاهد السيّد بدر الدين الحوثي الحسني اليماني دام عُلاه ، فقال :
مــا حـوى الـعلم جـميعا أحـد      لا ، ولــو دارسَــه ألْــفَ iiسَـنَه
إنّــمــا الــعِـلـمُ بَـعـيـد iiغـــورُه      ( فخذوا من كلّ علمٍ أحْسَنَه)
ولاحظ ما يأتي في التعليق على الفقرة ، (50) الهامش (4)

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 67 ـ

  ويُقدّمَ علمَ التوحيدِ ، ويَعْرِفَ الله تعالى بالدليل (1).

12 ـ اختيار العتيق
  ويختارَ العتيقَ دُوْنَ المحْدَثات.
  قالوا : (عليكُم بِالعتيقِ (2) وإيّاكُم والمحدَثاتِ).

**************************************************************
(1) للتوسّع في هذه الفقرة راجع منية المريد (ص366 و 379 و 385) وانظر هنا في الاعتماد على الاستاذ في اختيار العلم ، (20) الفقرة
(2) جاءت هذه الجملة ضمن كلام لبعضهم ، في جامع بيان العلم ( 2 / 193) .
فإنّه أسند إلى مَنْ قال : (ستجدون أقواما يدعونكم إلى كتاب الله ، وقد نبذوه ورأ ظهورهم ، فعليكم بالعلم ، وإيّاكم والتبدّع ، وإيّاكم والتنطُع ، وعليكم بالعتيق).
فالظاهر أنّ المراد بالعتيق هي المعارف والعلوم القديمة ، التي وقع الاتفاق على ضرورتها وفائدتها علما وعملا ، دون ما لا نفعَ فيه سوى الترف العلمي ، والنُزهة الفكرية ، وما لا دخل له في تمرينٍ أو مقدميّة لعلم ، ومن ذلك ممّا تُدووِل في العصور المتأخّرة من الجدليات والفرضيّات ، أو الصناعات المسمّاة بالعقليّة ، التي لا تمسّ حياة الانسان من قريب أو بعيد ، وليس لها مجال في التطبيق ولا أثر عمليّ ، ولا ثمرة في الدين أو الدنيا.
ومن ذلك ما اُقحم في علم الاُصول من المباحث البعيدة عن واقع العلوم المنقولة وفرض آرأ ونظريّات لا يوافق عليها العرف ولا العقلا ، ويرفضها حتى أصحاب الفنون أنفسهم ، فكم من بحثٍ لغوي يرفضه اللغويون وكم من رأي فلسفي لا يرضاه الفلاسفة ، وقد أتعب المتأخرون ، والجدد المتعلّمون أنفسهم في اقتحامها بلا طائل يعود على العلم وطلابه سوى التطويل ، وتوغّلوا في صياغة المصطلحات التي لا تعود على الدراسات سوى التعقيد ، وليس الغرض منها سوى عرض العضلات بزيادة القال والقيل.
بينما علوم شريفة من صميم الشريعة ، كالحديث وفقهه وشرحه ، وآيات الأحكام وتفسيرها ، واللغة ومتونها ، متروكة مهملة لا يرعاها إلا القلائل.
وينسحبُ مثلُ هذا الكلام على المؤلّفات التي يغلب على الجديد منها الهراء والفضول وكبر الحجم ، وزيادة المجلّدات ، وكأنّ الاهتمام بالوزن والكمّ فقط ، وهذا على خلاف المؤلّفات القديمة المبتنية على تصغير الأحجام وبذل غاية الاهتمام بالكيف والعمق والإحكام ، فقد كانوا يزنون العلم بالمؤدى وما يُفيد في مجال الأعمال ، لا كما آل إليه الأمر من وزن العلم بالأرطال.
ثمّ إنّ انتهاج هذه السيرة الجديدة في العلوم تدريسا وتأليفا وتفكيرا هو المؤدي إلى ما وصل إليه الطلاّب من الحيرة في الانتخاب ، أو اليأس من الاستيعاب ، لكثرة الاحتمالات والاَرأ وكثرة المؤلّفات في كلّ موضوع وباب ، ولا يمكن التخلّص من هذه الحالة المتردّية إلا باللجو إلى الاُصول في كلّ شي من نص أو فكر أو رأي أو كتاب ، حتى يختصر الزمان ونسبق حوادثه التي تجتاحُ الكونَ والإنسان.
والله الموفّق وهو المستعان.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 68 ـ

13 ـ اختيار المتون
  ويختارُ المُتُونَ.
  كما قيلَ : (عليكُم بالمُتُوْنِ).

14 ـ اختيار الاُستاذ
  وأما اخْتيارُ الاُسْتاذ ، فينبغي أَنْ يختارَ الأعْلَمَ ، والأوْرَعَ ، والأسَنَ.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 69 ـ

  وينبغي أنْ يُشاوِرَ في طَلَب أيّ عِلْمٍ يُرادُ في المشي إلى تحصيله (1).
  وإذا وَصَلَ (2) المتعلّمُ إلى بِلادٍ يُريدُ أنْ يتعلّمَ فيها ، فلْيكُنْ إلا يَعْجَلَ في الاخْتلاطِ مَعَ العلماء ، وأنْ يَصْبِرَ شَهرَيْنِ ، حتّى كانَ اخْتيارُه لِلاُستاذ لَمْ يُؤَد إلى تركِه والرجُوعِ إلى الاَخَر ، فلا يُبارَكْ له

15 ـ الثَبات على ما يختار
  فينبغي أنْ يَثْبُتَ ويَصْبِرَ :
  على اُسْتاذٍ.
  وعلى كِتابٍ ، حتّى لا يكون ـ بتركِه ـ أبْتَرَ.
  وعلى فَن ، حتّى لا يشتغلَ بفَن آخَرَ قَبْلَ أنْ يصيرَ ماهرا فيه.
  وعلى بَلَدٍ ، حتّى لا يَنْتَقِلَ إلى بَلَدٍ آخَر ، من غَيْر ضَرُورة (3).

**************************************************************
(1) روى الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص 291) قال : قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : (الاستشارةُ عينُ الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال : (المشورةُ حِصن من الندامة ، وأمان من الملامة) نزهة الناظر (ص 3).
وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : (نعم المؤازرة المشاورةُ ، وبئس الاستعداد الاستبداد) ورواهما في أدب الدنيا والدين (ص 289).
وروى الزرنوجي (ص 14) : قال جعفر الصادق عليه السلام لسفيان الثوري : (شاوِرْ في أمْرِك مَعَ الذين يخشونَ الله تعالي).
في الاعتماد على الاُستاذ في اختيار العلم ، ولاحظ الفقرة (20)
(2) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها : دَخَلَ.
(3) عن الرحلة إلى البلاد وفوائدها ، راجع كتاب : الرحلة إلى طلب الحديث ، للخطيب البغدادي.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
تغرَبْ عن الأوطانِ في طلب العُلى      وسافِرْ ففي الأسفار خَمْسُ iiفوائدِ
تَـفـرجُ هـم ، واكْـتِسابُ مـعيشةٍ ii،      وعــلــم ، وآداب وصــحـبـة مــاجِـدِ
وهو في الديوان (ص 61).