تأليف
الشيخ الإمام المحقّق أبي جعفر نصير الدين الطوسيّ محمّد بن محمّد بن الحسن المعروف بـ (الخواجه)
(795 ـ 276 )
تحقيق وتوثيق
السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلالي

الإهداء
  إلى أوْلاديَ الأعزاء من طَلَبة العلم في الحوزات العلمية : كيْ يستهدوا في خُطُواتهم ـ على طريق الطلب ـ بأنوار هذا الكتاب . فيرشُدوا ، وينَالوا مُناهم ، بإذْن الله مسبّب الأسباب.
  وأخصّ بالوصيّة قرّتَي العَيْن ، وثَمَرتي الفُؤاد ، العزيزين : السيّد محسن الحسيني الجلاليّ و السيّد محمّد تقي الحسيني الجلاليّ أنْ يتّخذا هذا الكتابَ وِرْدا يلهجانِ به ، ومنهجا لا يَنْفكّانِ عن تطبيقه حتّى يَبْلُغا ما يُؤمَلُ فيهما من النجاحِ ، والفلاحِ ، والفقاهة ، والنباهة : في سبيل حراسة الإسْلام ، وإقامة أعْمدة الدين ، وأسألُ الله الكريمَ الوهابَ ، مُلِظّا ، مُلِحّا : أنْ يُبَلغَ تلك الأمانيَ ، ويُح قّقَ هذه الاَمالَ.
  بدعاء
  السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 6 ـ

  (اطبع شعار هفته كتاب )
  تحت هذا الشعار وتزامنا مع (أسبوع الكتاب)
  أقامت وزارة الإعلام والإرشاد الإسلامي في الجمهورية الإسلامية في إيران (المسابقة الكُبْرى لتحقيق النصوص) سعيا في إحياء مُختارات من عُيون التراث المجيد ، المذخور على مدى عصور الحضارة الإسلاميّة ، وفي مختلف الميادين الثقافية هادفة إلى إثارة العناية بكتب التراث العزيز والتعرّف على القُدُرات المتميّزة لدى محقّقي النُصوص والمعنيّين بإحياء المخطوطات.
  وقد انتُخِبَ هذا الكتاب (آداب المتعلّمين) بعنوان (أفضل الأعمال المختارة) وفاز محقّقه بالجائزة الأولى ، وهي (العُمْرة المباركة إلى بيت الله الحرام) وقد حظي المحقّق بأدائها في شهر رمضان المبارك سنة (1415 هج) والحمدُ لله ربّ العالمين
  ملاحظة : اُعلنت النتائج في الصحف الايرانية الصادرة يوم (11رجب 1414) المصادف (42 آذر 1373) بالتاريخ الهجري الشمسي.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 7 ـ

دليل الكتاب
  1 ـ مقدّمة التحقيق ص 9
  2 ـ تمهيد حول المؤلّف والكتاب ص 28
  3 ـ سطور عن حياة الإمام المحقّق ص 35
  4 ـ نماذج مصوّرة من نسخ الكتاب ص 40
  5 ـ متن الكتاب ، مع التعليقات ص 55
  6 ـ الفهارس ص 154

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 9 ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة التحقيق
  1 ـ تقديم
  الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وسيّد رسله محمّد ، وعلى الأئمة السادة المعصومين من آله الطيّبين الطاهرين ، وعلى الأوفياءالمخلصين من أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
  وبَعْدُ : فإنّ الحركةَ الثقافية المباركةَ التي بادرت بها قيادةُ الجمهوريةالإسلامية في إيران ، بعد انتصار الثورة الإسلامية الظافرة ، بتعديل مناهج الدراسات في كلّ مراحل التعليم ، وعلى جميع الأصعدة والمستويات ، في المدارس والمعاهد والجامعات ، في الوطن الكبير ، لَمِنْ أهمّ الواجبات ، وأقدس الحركات في سبيل الأهداف المنظورة للثورة الإسلامية المقدّسة.
  فمن الحقّ ما سُمّيتْ به تلك الحركةُ المباركةُ (الثورة الثقافيّة) ذلك لأنّ الثقافة تُعدّ عَصَبَ حياة الاُمّة ، والعمود الفِقْريّ في هيكل حضارتها المجيدة.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 10 ـ

  ومهما تجلّتْ أنوار الثورة الإسلاميّة وآثارها العظيمة في مختلف جوانب حياة الاُمّة من اجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية ، فإنّ الجانب الثقافيّ لابُدّ أنْ يكون مركز الإشعاع ، ومنبع الإرشاد والهداية.
  وقد كانت المراكز والمعاهد مؤسَسةً ـ في العهد المُباد ـ على أساس غير التقوي ، ومبرمجةً من قبل أساتذة غربيّين ، أو عملا مستغربين ، ضِرارا بالاُمّة ، وتشويها لثقافتها ، وهدما لحضارتها ، وتزييفا لما لَها من قِيَمٍ وأمجادٍ.
  ولقد أوغل الاستعمار البغيضُ ، وعملاؤه البُلَهأ في الحقد على الإسلام والاُمّة ، فأنْشَبُوا أظْفار عَبَثِهم في أهمّ مرافق حياة الاُمّة ، وهي الجامعات والمؤسّسات الثقافية الكُبرى ، حيث الآلاف من الشباب ، من أبناء الاُمّة يقضون أعزّ أيّام العُمُر ، واتخذوا التدابير للهيمنة عليهم ، ليتّخذوا منهم أدواتٍ طيّعةً ، يَملأون عقولهم بالأفكار الغربيّة المضلّلة ، ويدرّبونهم على المناهج المحرّفة عن الحقّ والعدل.
  لكنّ قيادة الثورة العِملاقة ، الحكيمة تداركَتْ هذا المرفق العظيم ، فتحرّكَتْ للإشراف عليه.
  ولتطهره من أدران دنس الماضي الفاسد ، وتبعّد عن مناهجه تلك التدابير المغرضة ، وتجعل منه قاعدةً صالحة لانبعاث الكوادر الكفوءة المؤمنة الخيّرة من الخِرّيجين ، حاملي العلم والإيمان ، ليكونوا وسائل صالحة لِرُقيّ البلد وازدهاره.
  والحق أنّ أجهزة الدولة ، ومرافق التعليم ـ كلّها ـ بحاجةٍ إلى مثل هذه الحركة المباركة ، وعلى حد سوأٍ في الحوزات العلميّة ، كما هو في الجامعات والمدارس والدوائر وجميع المؤسّسات الثقافيّة والعلميّة.
  لأنّ تنظيمَ التثقيف ، وأدواته ، وتوفيقها مع أهداف الثورة الإسلامية المقدّسة ، ومناهج الإسلام المرسومة ، هو واجب إسلاميّ هامّ ، قبل أن يكونَ

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 11 ـ

  حاجةً اجتماعيّةً ملموسةً.
  فإنّ الإسلامَ يؤكّد على ضمّ التربية إلى التعليم ، سابقا كلّ النُظم التربوية في ذلك : فليس كافيا ـ في الإسلام ـ العِنايةُ بالعلم وحفظ قوانينه وتطبيقها ـفقطـ من دون أنْ يتّسمَ الإنسانُ العالم بالأهداف الصالحة ، والطيّبة ، والنِيّات المخلَصة لله . ومن دون أنْ يتحلّى بالأخلاق الفاضلة والكريمة التي تزكّي نفسه عن الرذائل ، والقبائح ، والنيّات الخبيثة.
  وقد ثبتَ أنّ العلم من غير انضباطٍ تربوي يؤدّي بالإنسان المتعلّم إلى الزلَلِ ، ويهوي به في المهالك ، بل قد يجعل منه وَحْشا ضارِيا يفتك بالآخَرين ، كما نجده من عُلماء الغرب في عصرنا الحاضر ، إذ أنّ التقدّمَ الصناعيَ ، والتكنولوجيا الحديثةَ ، على ما لها من إبداعات علميّة خارقة ، أدَتْ إلى تطوير الأسلحة الفتّاكة والمدمّرة ، التي ما أهدت إلى البَشَر إلاّ رُعْبا ووحشة ، ولم تَجْنِ الأرضُ منها إلاّ الدّمار ، ولا الإنسانُ منها إلاّ القَلَق وأمّا المناهج العلميّة ، وأدواتها الحديثة ، فبالرغم من عمقها ويُسرها وسرعتها ، فإنّها لم تُفِدْ إنسانَ العصر إلا المزيدَ من الخِبرات في أساليب الخِداع والاستغلال والظلم ، والعدوان والتحريف والحرب.
  والإسلامُ حدَدَ للتعليم والتعلم آدابا ، وقرّر مناهج تسهل لكلّ من المعلّمين ، والمتعلّمين ، مهماتِهم ، وتفتح أمامهم سبل الوصول إلى أفضل الأهداف المنشودة.
  وهذه تعاليم الرسول الأكْرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الكرام من آله عليهم السلام تعدّ من أفضل البرامج التربويّة التي عرفتها البشريّة في مجال الحثّ على العلم والتعليم والتعلّم ، والاحتفاظ بالعلم وكتابته وتدوينه وضبطه ونشره.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 12 ـ

  وهذه رواية مُسْندة إلى الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام أسْندها إليه كلّ من الكلينيّ والخطيب ، أنّه قالَ : يا طالب العلم إنّ العلم ذُو فَضائل كثيرة :
  فرأسُه التواضُعُ.
  وعَيْنُه البَراءةُ من الحَسَدِ.
  واُذُنُه الفَهمُ.
  ولِسانُه الصِدْقُ.
  وحِفْظه الفحْصُ.
  وقلبُه حُسْنُ النيّة.
  وعقلُه معرفةُ الأشياءِ والاُمور الواجبة.
  ويدُه الرّحْمةُ.
  ورِجْلُه زيارةُ العلماءِ.
  وهمّتُه السّلامةُ.
  وحِكمتُه الوَرَعُ.
  ومستقره النجاةُ.
  وقائدُه العَافِيةُ.
  ومركَبُه الوَفاءُ.
  وسِلاحُه لِيْنُ الكلمة.
  وسَيْفُه الرِضا.
  وقوسُه المُداراةُ.
  وجَيْشُه مُحاوَرةُ العلماء.
  ومَالُه الأدَبُ.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 13 ـ

  وذَخيرتُه اجْتنابُ الذُنُوبِ.
  وزادُه المَعْروفُ.
  وماؤُه المُوادَعةُ.
  ودَلِيْلُه الهدى.
  ورَفيقه صُحْبَةُ الأخيار.
  رواه الكليني في الكافي (1 ـ 38) باب النوادر من كتاب فضل العلم ، الحديث (2).
  ورواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1 ـ 142) رقم 46.
  وهو من عجائب كلام الإمام عليه السلام ومن روائع بيانه ، فإنّه جامع لكلّ آداب العلم.
  وكأنّ كتابنا هذا (آداب المتعلّمين) شرح لجمله ، وتفصيل لمجمله.
  وكمْ لأمير المؤمنين عليه السلام وللأئمة من أوْلاده عليهم السلام من منثور الكلام ومنظومه ، من بدائع الحكَم الزاهرة ، وغُرر الدُرَرِ الباهرة ، ما يُعدّ ـ في مجال التربية والتعليم وآداب الطلب ـ من اُصول الفنّ وقواعده المحكمة الرصينة.
  وقد استشهدنا بكثير منه في دَعْم ما جاء به المؤلّف ، وأثبتناه في تعاليقنا على هذا الكتاب.
  وعلماء المسلمين ـ رحمهم الله ـ جمعوا تلك الآداب ووضّحوا تلك المناهج في كتبٍ ومؤلّفات ، تعالج موضوع التربية ، وتحدّد معالمها الإسلاميّة.
  ومن باب المثال ـ لا الحصر ـ نذكر :
  1 ـ أدَب العلم : للمحدّث الأقْدم ، محمّد بن الحسن بن جُمْهور ، أبي الحسن العَمّي ، البصري، ذكره النجاشيّ في فهرسته (ص 337) رقم : 901.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 14 ـ

  2 ـ أُنس العالم وأدب المتعلّم : للعالم المحدّث ، محمّد بن أحمد بن عبد الله ، أبي عبد الله الصفواني .
  ذكره النجاشيّ في فهرسته (ص 393) رقم : 1050 ، ونقل عنه ابن إدريسفي السرائر (ج 3 ، ص 639 ـ 640) ، المستطرفات (ص 149 ـ 150).
  3 ـ آداب المعلّمين : لمحمّد بن سُحْنون المغربي (ت 256).
  وقد نُشرَ بمراجعة وتعليق محمّد العروسي المطوي في تونس ، دار الكتب الشرقية سنة 1392 ـ 1972.
  4 ـ جامع بيان العلم وفضله : ليوسف بن عبد البرّ القرطبي المغربي (ت 463).
  المطبوع بمصر ، في إدارة الطباعة المنيرية ، وأعادت نشره دار الكتب العلمية ـ بيروت.
  5 ـ أدب الإمْلاء والاسْتملاء لأبي سعد السمعانيّ ، عبد الكريم بن محمّد (ت 563) طبع في ليدن 1952 م ، وطبع في بيروت 1401 هجـ .
  6 ـ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع : للخطيب البغدادي أحمد بن عليّ بن ثابت ( ت 463 )طبع بتحقيق الدكتور محمّد عجاج الخطيب ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 15 ـ

  1401 ـ 1981 في مجلّدين.
  7 ـ مُنْية المُريد في أدب المفيد والمستفيد : للشهيد الثاني ، زين الدين بن علي بن أحمد الشاميّ العاملي (ت 965) ، طبع بتحقيق الشيخ رضا المختاري ، مكتب الإعلام الإسلاميّ ـ قم 1409.
  8 ـ تذكرة السامع والمتكلّم في أدب العالم والمتعلّم : لمحمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني (ت 733) ، طبع بتحقيق السيّد محمّد هاشم الندويّ ، حيدر آباد ـ الهند ، دائرة المعارف العثمانية ـ 1354.
  9 ـ تعليم المتعلّم طريق التعلّم : لبرهان الدين الزرنوجي (ت بعد 593) ، طبع مستقلا في مصر سنة (1311 و 1319) وفي كتاب (التعليم في رأي القابسي) لأحمد فؤاد الأهواني ، وفي هامش شرحه ، بشركة المكتبة المصرية في مدينة جربون في جزيرة جاوة الأندونيسية.
  وطبع بتحقيق وتقديم صلاح محمّد الخيمي ونذير حمدان ، طبعة أولى بدارابن كثير في دمشق سنة 1406.
  01 ـ آدابُ العلماء والمتعلّمين : للسيد الحسين بن القاسم بن محمّد من أئمة الزيدية في اليمن.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 16 ـ

  طبعته الدار اليمنية للنشر والتوزيع ـ صنعاءلاحظ التراث العربي في خزانة مخطوطات المكتبة المرعشية (1 ـ 24).
  11 ـ محاسن الآداب في نظم منية المريد للشهيد رحمه الله : من نظم الشيخ عبد الرحيم بن محمّد علي التستري (ت 1313) في (1250)بيتا ، مخطوط ، ونسخة بخطّ المؤلف في مكتبة السيّد المرعشي في قم برقم (4063).
  21 ـ وطبع الدكتور أحمد فؤاد الأهواني مجموعة من رسائل العلماء في موضوع التربية والتعليم ، في مصر سنة 1968 أمّا ما ذكره العلماء ضمن مؤلّفاتهم ، ممّا يرتبط بهذا الموضوع فكثير ، مثل ماذكره الماوردي في كتابه (أدب الدنيا والدين) فقد عقد فصلا واسعا ممتعا ذكر فيه (أدب العلم) في أكثر من خمسين صفحة (41 ـ 93) ، وكتابه مطبوع بتحقيق مصطفى السقا ، نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت 1398 طبعة رابعة.
  ومن أشهر المؤلّفات في هذا الموضوع كتاب : (آداب المتعلّمين) المشتهر نسبة تأليفه إلى المحقّق العظيم الخواجه نصير الدين الطوسيّ (ت 672).
  وهو هذا الكتاب الذي نُقدّم له ، وسنفصّل الكلام عليه فيما يلي.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 17 ـ

  2 ـ موضوع الكتاب : وضع هذا الكتاب خصّيصا لذكر آداب الطلاّب الذين يتعلّمون ، دونَ الأساتذة المعلّمين ، فلذلك ينحصر ما جاء فيه بالناشئة ، إلا ما ذكره المؤلّفُ استطرادا ، أو من باب التمهيد ، كالفصل الأوّل الذي احتوى على (ماهيّة العلم ، وفضله) فإنّه لا تختصّ معرفتُه بالمتعلّمين ، إلاّ أنّ معرفتهم له أكثر ضرورةً ، لأنّه ممّا يزيدهم بصيرةً ، ويؤكّد عزمهم على الطلب.
  نعم ، إنّ ما جاء في هذا الكتاب من النصائح والآداب مفيد حتّى للمعلّمين ،وللعُلماء المنتهين ، إذ أنّ فيها ذِكْرى تنفعهم ، وتجدّد قواهم ، بل هم أحْرَصُ على تطبيقها والعمل بها ، بَعْدَ أنْ جرَبوا مراحل الحياة العلميّة ، وعرفوا صدق ما فيها ، وصواب مراميها ، وصلاح أغراضها.
  وتكادُ الشؤونُ المهمّةُ ، الضروريةُ ، وما للطالب حاجة ماسَة إليه من الإرشادات والاَداب مذكورةً هنا ، وباستيعاب تامٍّ ، فقد وفى كتابنا بجميع ذلك ، مع الإيجاز الكبير في العبارة ، حتى جاء في صفحات معدودة فقط.
  بينما آداب المتعلّم استغرقتْ في كتاب (منية المريد) ثلاثا وخمسين صفحة ، (223 ـ 276)
  3 ـ اهتمام العلماء به : لقد أبدى العلماءُ اهتماما بليغا بهذا الكتاب ، فهم يؤكّدون على دراسته ،ومطالعته ، ومحاولة تطبيقه ، والعمل به ، وقد كُنّا ـ أيّام الطَلَب ـ نسمع المشايخ الكبار يردّدون جُمَلا من عباراته ، ويستدلّون بنصّه.
  ولعلّ السَبَبَ الأوضحَ في اختياره والتأكيد عليه هو اختصار متنه ، ووضوح

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 18 ـ

  عبارته ، ممّا يُيسّرُ فهمه ، ويسهل حفظه على الناشئة ، مضافا إلى ما فيه من الجامعية والاستيعاب لأهمّ الاُصول الموضوعة ، وضرورات التربية الصحيحة.
  وممّا يمتازُ به هذا الكتاب الوجيز أنّه مشهور النسبة إلى المحقّق ، الفيلسوف العظيم ، الخواجه نصير الدين الطوسيّ ، إمام علوم الفلسفة والأخلاق والكلام ، في عصره.
  ولعلّ لهذه النسبة ـ كذلك ـ أثرا في رواجه ، والاعتناء الأكثر به من قِبل العلماء ، منذ القديم.
  فما أكثر نسخَه المخطوطة في خزائن الكتب ? كما عُنِيَ النّاسُ بطبعه ، مُنْذُ ظُهورِ الآلة ، وحتى اليوم : فطُبع مع مجموعة (جامع المقدّمات) ـ وهي مجموعة رسائل المتون الصغيرة ، التي يبدأ بدراستها الطلاّب في الحوزة العلمية ، وتحتوي على علوم : الصرف ، والنحو ، والمنطق ، والأخلاق ـ وأقدم ما وقفتُ عليه من طبعاتها ، طبعة سنة (1285 هج).
  وطُبع ضمن مجموعة أوّلها (شرح الباب الحادي عشر) لِلمقداد السيّوريّ ،وأقدم ما وقفت عليه من طبعاتها ، سنة (1294 هج).
  وطُبع في مجلّة (العرفان) الصيداويّة ، في المجلّد (19) العدد (2) لشهررمضان سنة (1348 هج) بتحقيق الشيخ محسن شرارة العامليّ ، ذكره الاُستاذ مدرس رضوي في : أحوال وآثار نصير الدين الطوسي (ص 535).
  وطُبع في كتاب (آداب المتعلّمين) تحقيق أحمد عبد الغفور عطا (ص 139 ـ 156) في بيروت سنة (1967) ، ذكره الاُستاذ عبد الرحيم محمّد عليّ في كتاب (التربية الإسلامية

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 19 ـ

  ومصادرها).
  وطَبع الدكتور يحيى الخشّاب نسخةً محقّقةً منه في مجلّة (معهد المخطوطات العربيّة) المجلّد (3) العدد (2) (ص 267 ـ 284) لسنة (1376) في القاهرة.
  وكان من اهتمام العلماء بهذا الكتاب الجليل ، أنْ قامَ جمع منهم بترجمته إلى غير العربية ، كما شرحه آخرون ، وكذلك اعتنى بعض الاُدباء بنظمه في أراجيز ، وإليك بعض ما وقفنا عليه من أعمال اتّخذت من هذا الكتاب محورا :
  1 ـ آداب التعليم ترجمة له إلى الاُردو ، لبعض فضلا الهند ، وهي مطبوعة في تلك البلاد.
  2 ـ بيان الآداب شرح له ، للمولى محمّد مؤمن بن محمّد قاسم الجزائري ، الشيرازي.
  3 ـ تربية المتعلّمين ترجمة له إلى الفارسيّة ، للسيّد أبو الحسن بن مهدي اللكهنوي ، طبعت سنة (1272).
  4 ـ ترجمته إلى الفارسية للسيّد أمير عادل الحسيني ، ذكره الأفندي في رياض العلماء (3 ـ 56).
  5 ـ ترجمته إلى الفارسية للسيّد على الطبيب بن السيّد محمّد الحُسيني ـ جدّآية الله السيّد شهاب الدين المرعشي قدس سره .
  6 ـ تذكرة الطالبين في نظم آداب المتعلّمين بالفارسية ، للسيّد الميرزا محمّد تقي أحمد آبادي ، طبعت سنة (1317) ولاحظ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لشيخنا العلامة الطهراني (1 ـ 15) و( 3 ـ 175) و (4 ـ 39 و 63 و 73 ) وغيرها.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 20 ـ

  4 ـ نسبة الكتاب : إنّ هذا الكتاب ، في جميع نُسخه المخطوطة ، وكذلك في طبعاته الكثيرة ، والجهود المبذولة حوله ، على كثرتها كذلك ، منسوب ـ في ذلك كله ـ إلى المحقّق نصير الدين الطُوسيّ ، ومن دون أيّ ترديدٍ.
  إلاّ أنّ المفهرس القدير الاُستاذ محمّد تقي دانش وه ، كانَ أوّلَ من أبدى تشكيكا في تلك النسبة ، وذكر أنّ نصَ هذا الكتاب ، يتطابق مع ما ألّفه الشيخ بُرهان الدين الزرنوجي ، الحنفي ، المتوفّى ( بعد 593) والمعروف باسم (تعليم المتعلّم).
  وأهمّ دليل أقامَه هو التشابُه الواضح بين العملين ، حتى في عدد الفصول (الاثني عشر) وعناوينها ، وأكثر عباراتها المهمّة.
  فصار يعتقد : أنّ كتاب الزرنوجي قد وقع التصرف فيه بالاختصار والتحوير ، ونسب إلى الطوسي ذكر ذلك في فهرست دانشكده أدبيات (ص 8 ـ 9) و دانشكده حقوق (ص 229).
  أقول : أما كتاب الزرنوجي فقد ذكره خليفة باسم (تعليم المتعلّم طريق التعلّم) كما في كشف الظنون (1 ـ 462) ولاحظ بروكلمان (1 ـ 462).
  وقد أشرنا إلى طبعاته فيما سبق ، ومنه نسخة مخطوطة في مكتبة الجمعية الاستشراقية الألمانية ، بمدينة هالة تاريخها سنة (998 هج) كما في فهرس (المخطوطات العربية في تلك الجمعية) رقم (48).
  ونسخة اُخرى في مكتبة مدرسة الشهيد مطهري (سابقا : سبه سالار) في طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية في إيران ، لاحظ فهرست دانشكده أدبيات ( ص 9) ، ولاحظ معجم المطبوعات العربية والمعرّبة (عمود 9).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 21 ـ

  وأمّا اتّحاده مع كتابنا (آداب المتعلّمين) فلا يمكن الالتزام به ، بالرغم من الاعتزاز بالتفاتة الاُستاذ القدير دانش بزوه ، وذلك : لأنّ المؤلّف لكتابنا قد صرّح في مقدّمته بقوله : (فأردتُ أنْ اُبيّنَ طريق التعلّم على سبيل الاختصار ، على ما رأيتُ في الكُتّاب ، وسمعتُ من أساتيذي اُولي ، العلم ... ) لاحظ الرسالة ، الفقرة [1]
  وقوله : (على سبيل الاختصار) لم يرد في كتاب الزرنوجي ، فهذا دليل واضح على أنّ كتابنا ليس هو نصّ كتاب الزرنوجي.
  وعمليّا ـ أيضا ـ : فإنّ هذا الكتاب لا يمثّل في نصّه إلاّ جزءا صغيرا ممّا جاء في كتاب الزرنوجي ، من جهة الحجم ، وإن كان محتويا على أهمّ ما جاء فيه من عناصر أساسيّة ترتبط بموضوعه ، بل حتّى على عدد فصوله وعناوينها ، كما ذكره الاُستاذ دانش بزوه.
  فمؤلّف (آداب المتعلّمين) مع أنّه حذف من كتاب الزرنوجي جميع ما فيه من الأشعار ، والحكايات ، والتوضيحات ، إلا ما شذّ ، فهو مع ذلك قد أضاف عليه بعض العناصر المهمّة ، واستشهد بأحاديث لم يذكرها الزرنوجي.
  كما أنّ بين الموجود في الكتابين من المنقولات والأحاديث ، اختلافا كبيرا ،وواضحا في بعض المواضع ، ممّا يدلّ على اختلاف ثقافتَي المؤلّفَيْنِ.
  ومع هذا ، فإنّا لا نُنْكرُ تأثر مؤلف كتابنا ، بعمل الزرنوجي ، بل نعتقدُ أنّه سائر على نهجه ، ومقتبس منه في موارد كثيرة.
  إلاّ أنّ ذلك لا يدل على اتّحاد الكتابين ، بل غاية ما يمكن قولُه هو : كون كتابنا مختصرا مأخوذا من الزرنوجي ، مع تعديلٍ وتنقيحٍ وإضافات.
  ولعلّ هذا هو ما أراد الاُستاذ القدير دانش بزوه إثباته.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 22 ـ

  أمّا من هو القائمُ بهذا العمل ?
  فبما أنّ كتابنا (آداب المتعلّمين) وبهذه الصورة الموجودة ، لم يُنسب إلا إلى الشيخ نصير الدين الطوسيّ ، ومن دون ترديدٍ ، وفي كلّ نُسَخه المخطوطة ، والمطبوعة ، والفهارس ، وكتب التراجم.
   وليس من المستبعد أنْ يكونَ الشيخُ قد اختصر عمل الزرنوجي ، بعد أن استحسنه ، فهذّبَه ، ونقّحه ، وكتبه بخطّه ، فكانَ في مؤلّفاته.
  فلا يكون ـ إذَنْ ـ إلا من عمله وتأليفه.
  ولا نشك في أنّ رواج كتاب (آداب المتعلّمين) دونَ كتاب الزرنوجي ، لم يكن إلاّ من أجل ارتباطه بالشيخ نصير الدين الطوسيّ ، وعمله فيه ، بما يصحّح نسبته إليه.
  فمن خلال ذلك انتشرت نسخه ، وتُدُووِلَتْ وكان له وقع عظيم بين العلماء.
  5 ـ عملنا في الكتاب : ولمّا وَقَعَ اختيارُنا على تقديم هذا الكتاب ، إحياءا له ، قمنا بما يلي :
  1 ـ ضَبْط نصّه : استنادا إلى مجموعةٍ من النسخ المطبوعة ، والمخطوطة قمنا باستخلاص النصّ الكامل ، والمضبوط ، منها ، وهي :
  1 ـ مخطوطة مكتبة الفاضل الخونساري ـ في مدينة خوانسار ـ : في مجموعة قيّمة برقم (13) تحتوي على كتابنا ، ثمّ كتاب (النافع ليوم الحشر) للمقداد السيّوري الحلّي ، جأ في آخرها : (فَرَغَ من تعليقه يوم الثلاثاء عند غروب الشمس ، تاسع شهر صفر المبارك

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 23 ـ

  ختم بالخير والظفر ، من شهور سنة أربع وخمسين وثمانمائة : العبدُ الفقيرُ إلى رحمة ربّه القدير : محمّد بن عليّ بن عليّ بن محمّد بن طيّ : غفر الله له ولوالديه ... ).
  وقد قرأ الكاتب النسخة على والده (علي) فكتب الوالدُ ـ على هامش الموضع المذكور ـ إنهاءاً ، هذا نصّه : ( أنهاه الولدُ العزيزُ محمّد وفّقه الله لكلّ خير ، قراءةً وبحثا وشرحا ، في مجالس آخرها سلخُ جُمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وثمانمائة ، أحسن الله عاقبته ).
  وكتب العبدُ الفقير إلى الله عليّ بن عليّ بن محمّد بن طيّ غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين آمين وقد ترجم شيخنا العلاّمة الطهراني ، لكاتب النسخة (محمّد) في الضياء اللامع (ص 128 ـ 129) وذكر هذه النسخة وهذا الإنهاء بعينه ، كما ترجم لوالده (عليّ) في ص 93 ـ 94 ونسبه : الفعقاني العامليّ ، وقال في الوالد : إنّه صاحب المسائل الفقهيّة المعروفة بـ(مسائل ابن طيّ) لاحظ الذريعة (20 ـ 331).
  لكنّي أشك في اتّحاد كاتب آداب المتعلّمين والنافع ، للاختلاف الواضح بين الخطين.
  وقد رمزنا إلى هذه النسخة بالحرف (ف).
  2 ـ مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي رحمه الله في قم : تحتفظ هذه المكتبة الزاخرة بنفائس التراث الإسلامي العظيم بنسخ عديدة من كتابنا هذا ، تمّ التعريف بها في فهرسها الكبير الذي ألّفه السيد الحسيني حفظه الله ، وقد ذكر أرقامها في كتابه (التراث العربي في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي) الجزء الأوّل (ص 25 ـ 26).

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 24 ـ

  وقد راجعناها وانتخبنا منها خمس نسخ ، وهي :
  1 ـ المرقّمة (4682) وتاريخها سنة (1012) ، وقد رمزنا إليها بالحرف (أ).
  2 ـ المرقّمة (1145) وتاريخها سنة (1108) ، وقد رمزنا إليها بالحرف (ب).
  3 ـ المرقّمة (8311) غير مؤرّخة ، وقد رمزنا إليها بالحرف (د).
  4 ـ المرقّمة (3635) وتاريخها سنة (1267) ، وقد رمزنا إليها بالحرف (ع).
  5 ـ المرقّمة (6112) وتاريخها سنة (1076) ، وقد رمزنا إليها بالحرف (و).
  ولم نفصّل الحديث عن النسخ اكتفأ بما أثبته أخونا سماحة السيّد الحسيني دام فضله في فهرست المكتبة.
  ونقدّم هنا شكرنا الجزيل إلى إدارة المكتبة العامرة وعلى رأسها فضيلة السيّد محمود المرعشي ، على إتاحته الفرصة لنا بمراجعة النسخ ، وتسهيله أمر تصويرها ، فبارك الله في هذا الخلف الكريم لذلك السلف العظيم.
  3 ـ مطبوعة الدكتور يحيى الخشاب : التي حقّقها وطبعها سنة (1376) في مجلة (معهد المخطوطات العربية) في القاهرة ، كما ذكرنا.
  واعتمد فيها على نسخة مخطوطة مؤرخة بسنة (1049) محفوظة في مكتبة جامعة القاهرة ، برقم (26184).
  وتقديرا للدكتور المحقّق وعمله ، واعتزازا بما كتبه في تمهيده ، عن المؤلف

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 25 ـ

  والكتاب ، فقد أوردنا نصّ هذا التمهيد بعد مقدّمتنا هذه ، بعنوان (تمهيد حول المؤلّف والكِتاب).
  وقد عنونّا ما نقلناه عن هذه النسخة بِعنوان (الخشاب).
  4 ـ مخطوطات اُخري : ووقفنا على نسخ اُخرى للكتاب ، لكنّها لا تتمتّع بشي من الميّزات ، بل تُشينها الأغلاط الفظيعة والكثيرة ، إلاّ أنّا راجعناها ـ أحيانا ـ للتأكد ممّا أثبتناه ، وعبّرنا عنها بـ (بعض النسخ).
  2 ـ مقابلته مع كتاب الزرنوجي : قابلنا نصّ الكتاب بما ذكره الزرنوجي ، نظرا إلى اتّحاد عبارتي الكتابين في مواضع كثيرة ، وباعتباره أصلا لكتابنا ، كما عرفنا.
  كما نقلنا من الزرنوجي ما اخترناه من الفوائد المهمّة ، والنصوص الحديثيّة ،والآثار ، وبعض الأشعار الجيّدة.
  وعبّرنا عنه بـ (الزرنوجي).
  3 ـ تخريج الأحاديث : سعينا في مجال التخريج أنْ نذكر ما وقفنا عليه من مصادر متوفّرة للأحاديث الواردة ، وبقدر الوسع.
  4 ـ دعم مادّة الكتاب : وحاولنا دعم ما جاء في الكتاب من مَوادّ تربوية ، بالتوثيق ، والاستشهاد بما وقفنا عليه من أحاديث ونصوص ، وشعر منظوم ، أخذناها من كتب

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 26 ـ

  مشاركة ، تأكيدا على ما في الكتاب ، وإفادة ممّا في تلك الكتب.
  5 ـ تفسير الكلمات : وعمدنا إلى ما كان من الألفاظ غير واضحٍ ، ففسّرناه أو ضبطناه بالحركات ، ليستعين الطالبُ بذلك على فهم المادّة.
  6 ـ تقسيم الكتاب : وقد قسّمنا مجموع النصّ إلى فقرات مستقلّة ورقّمناها ، وعنونّاها بعناوين حسب محتواها ، لما في ذلك من إسهام في تسهيل حفظها ، وضبطها على الخاطر ، كما أنّ ذلك يَسَرَ أمْرَ فَهرَسَة الكتاب ، اعتمادا على تلك الأرقام ، فكان مجموع الفقرات (60) فقرةً.
  7 ـ كلمةُ شُكْرٍ : ونقدّم في الختام شكرنا : إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ ، على مساعيها القيّمة ، بإبداع (اُسبوع الكتاب) في الوطن المقدّس ، وإقامة مَعارض الكتب ، وإنشاء المكتبات العامّة في المساجد ، والمدارس.
  ومن أروع أعمالها الإعلان عن المباراة العلميّة في تحقيق مجموعة من رسائل التراث الإسلاميّ ، وإحيائها ، ذلك الذي دفعنا إلى إخراج هذا الكتاب بهذا الشكل ، وتقديمه إلى المجتمع العلمي ، في هذه الحُلّة.
  وإلى مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، في قم ، لالتزامها بتهيئة ما يلزم لتنشيط تلك المباراة ، وتوفير أسباب نجاحها ، بما في ذلك تهيئة النسخ للمحقّقين.

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 27 ـ

  وفّقنا الله لما فيه الخير والهدى وهو المُستعان والحمد لله ربّ العالمين.
  حرّر في مدينة قم المقدّسة في الحادي عشر من ذي القعدة الحرام المصادف ليوم ميلاد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام سنة (4141 هـ).
   وكتب السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ كان الله له

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 28 ـ

  تمهيد حول المؤلف والكتاب بقلم الدكتور يحيى الخشّاب اعتزازا بما كتبه الدكتور يحيى الخشاب المصري عن المؤلّف والكتاب ، في مقدّمة تحقيقه نثبت نصّه هنا : الطوسيّ هو أبو جعفر ، نصير الدين ، محمّد بن محمّد بن حسن : وُلِدَ في جَهرُوْدِ قُم ، سنة (597 هج 1200 م).
  واشتغل في صِباه بالتحصيل والتزوّد من الحكمة ، وسافَرَ كثيرا ليتلقّى العلمَ على أهله ، ثمّ أقام في طوس فترةً طويلةً حتى نُسبَ إليها.
  والطوسي من العلماء الذين اُوتوا دِقّةَ الحسّ ورَهفَ الشعور.
  وكان شيعيّا.
  وقد رأى ما يجري في عاصمة الخلافة (بغداد) من ضعف الخليفة ، وانصرافه إلى لذّاته مع قيانه وجواريه !

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 29 ـ

  ومن تناحُر رجال الخليفة ، وحقد بعضهم على بعض ، وسعاية بعضهم ببعضٍ ، وانصرافهم جميعا عن شؤون الدين والدنيا ، وكانت مقاليدهما في أيديهم !
  ورأى الفِتنة بين السنّة والشيعة تصحو ، وأحياء الشيعة تحترق ، ومشاهدهم يمسّها التخريب ، والخليفةُ ووُزراؤه يرون هذا فلا يحسّون بإدْبار الدنيا عنهم وعن دولتهم ، ولا يحاولون درء الأذى عن الرعيّة ، أو دفع الشرّ عن الدين.
  وخرج الطوسيّ من بلاد الخليفة المستعصم بالله (640 ـ 651) هج (1242 ـ 1258 م) عَلّه يستريح إلى بَلَدٍ تُحتَرمُ فيه حريّةُ العقيدة ويأمن فيه الناسُ على أموالهم وعقائدهم.
  فسارَ إلى قهستان ، حيث كان الإسماعيليةُ يحكمون.
  فالتحقَ بخدمة علاء الدين ، محمّد بن حسن ، وتقرّب من محتشم (أي حاكم) قهستان : ناصر الدين عبد الرحيم ـ وكان حكّام قهستان يبذلون جهدا كبيرا في أنْ يزيّنوا بلاطهم بالعلماء والاُدباء.
  ولكنّ الطوسيّ لم يجدْ لدى الإسماعيلية ما كان يبغي من الأمن والطُمأنينة ، فقد وَجدَ نفسه بين قومٍ يحملونه على أنْ يذهبَ في الفكر مذهبَهم ، ولم يكن يقدر على مواجهتهم بالحقّ الذي يراه.
  وهكذا أحسَ بأنّه استجار من الرمضاء بالنار.
  وأدرك أنّ شرّا قريبا يوشك أنْ يقع ببلاد المسلمين ، واُولو الأمر عنه لاهونَ والاُمّة الإسلاميّة ـ التي أسلمتْ قيادها للخليفة ووزرائه ـ لا تدري من أمرها شيئا وهذا التراث الإسلاميّ العظيم ـ الذي يتمثّل في عشرات الاُلوف من الكتب

آدَابُ المُتَعَلِّمِينَ   ـ 30 ـ

  والرسائل في شتّى العلوم والآداب ، والذي يرعاه في تلكم الأيّام عشرات من العلماء ـ كلّ هذا أصبحَ ولا حامٍ له ولا راعٍ ممّن بيدهم الأمر في العالم الإسلاميّ ! وتقدّمت جحافلُ المغول ، في القرن السابع الهجري ، مُكْتسحةً العالم الإسلاميّ الشرقي قُطْرا بعد قُطْرٍ.
  وكانت شُهرة الطوسيّ ، في علم النجوم والرَصَد ، قد بلغت مسامع هوْلاكُو ،فأرادَ أنْ يكونَ هذا العالِمُ في حاشيته ، ليستعينَ بخبرته في النجوم (1).
  وكان الطوسي يعرف ما سَيَحل بالشرق الإسلاميّ من غارات المغول ،وكان يعلمُ أنّ البناءَ الذي أقامه العباسيّون قد دَبَ فيه الفناءُ ، وأنّ أساسه قد تقوّضَ ، ولا سبيل إلى بقائه.
  وأدرك أنّه سيدفعُ كثيرا من الشرّ والبلاء عن المسلمين لو بقيَ بجانب ملك المغول الذي لا يعرف الشفقة ، وأنّ بقاءه وتعاونه معه خير من فراره منه وتركه وحده يُفني البشرَ ، ويقضي على الإسلام.

**************************************************************
(1) لقد استغلّ بعضُ الجهلة ـ من أعداء الحقّ والعلم ـ وجود الشيخ المحقّق الطوسيّ أسيرا لدى الجيش المغوليّ ، للتهجّم عليه وعلى طائفة الشيعة الذي ينتمي إليها ، واتّهامه ، بزعم أنّ له يدا في غزو المغول للبلاد الإسلاميّة لكنّ عظمة الشيخ المحقّق الطوسي ، وإنجازاته العظيمة : باستنقاذ التراث الإسلامي من التلف وحفظه في خزانة الكتب في مراغة ، واستنقاذه لعشرات العلماء من أبناء الطائفة العامية بالذات من أنْ يُقتلوا على أيدي المغول ، وكذلك تأسيسه للرصد في مراغة ، ورعايته للعلماء والمحقّقين ، تفنّد تلك الاتّهامات الكاذبة ، والمزاعم المغرضة.
وقد دافع المنصفون بقوّة وصلابة عن الشيخ العظيم ومواقفه الموفّقة في خدمة العلم والعلماء والحضارة الإسلاميّة.
ومنهم الدكتور مصطفى جواد في مقالته التي ألقاها في الذكرى المئوية السابعة لوفاته ، والمنشورة في مجلة دانشكده ادبيات ـ طهران.