ومن الملاحظ ان معظم المدن الاسلامية تقع عند التقاء الطرق ، مثلاًً البصرة عند التقاء الطرق البرية والنهرية
(1) ، كما ان معظها تنشأ قرب الانهار او انها تطل عليها على ما يذكر كولي تجتذب المدن اليها
(2) ، وهذا ما نراه بصورة واضحة في المدن التي نشأة وتطورت على شواطىء دجلة والفرات ، فالبصرة قريبة من شط العرب والتي اشتهرت بانهارها منذ اقدم الازمنة .
ويذكر الخطاب بأن المدينة أنشئت في بدايتها على شكل معسكر بالقرب من الحافة الشرقية للهضبة الغربية ، وفي موضع اعلى من مستوى الفيضان ، بينما يذكر عن موقع البصرة بأنها تقع قرب الخليج ويمكن الوصول الى شط العرب كما تقع المدينة على حافة الصحراء وبالقرب من الاهواز وعلى الطريق البري والبحري
(3) .
وموقع البصرة على مقربة من ساحل الخليج له اثر جعلها تتميز بناحية دفاعية وهي ذات موقع حصين ، اذ بالامكان صد هجمات الاعداء ، كما ان موقعها على طرف الصحراء أضمن للسلامة اذ دعت الضرورة باالاتصال السريع لداخل الجزيرة العربية لمواجهة اي خطر داهم على ساكن المصر الجديد .
الظاهر ان منطقة البصرة القديمة كان تمتاز بموقعها العسكري الطبيعي ومما لا شك فيه ان هذا الموقع الستراتيجي المهم ، كذلك وجود الانهار التي
*************************************************
(1) Ghabot ـ G :
Urban Geography . London 1967 . r 120
(2) Gooley ـ C . H :
Theory of transportation Su Sooiological .
Theory and Social Research . 1930 . P . 125 .
(3) Al ـ khatab : op . cit . p . 32 .
تخطيط مدينة البصرة ـ 48 ـ
تعتبر وسيلة دفاعية تصد الغزاة المعتدين وتعرقل تقدمهم ، والظاهر ان العرب قد ادركوا اهيمة مواقع المدن التي شيدوها قبل الاسلام وخير مثال على ذلك مدينة الحضر (1) .
وهذه ميزة اخرى لموضع البصرة القديم تبرز اهميته العسكرية كأحسن نموذج للستراتيجية الحربية ، اذ ان وجود الخليج العربي في جنوبه ، وشط العرب في شرقه ، والفرات في شماله ، تؤلف خطوط دفاع عن المدينة المنشأة ، فالجيش الغازي لها سواء كان قادماً من الشمال ( المدائن ) او من الشرق ( بلاد فارس ) يتعسر على جنده العبور الى هذه المدينة .
ويتضح لنا من النصوص التاريخية السابقة التي اوردها ، الطبري (2) ، وياقوت (3) ، والبلاذري (4) ، بصورة واضحة ، ان الخليفة عمر بن الخطاب اهتم اهتماماً خاصاً في اختيار الموقع التي ستقام عليه مدينة البصرة ، ومن النصوص التاريخية تلك اصبح معروفاً عن المسلمين منذ فجر الاسلام حتى العصور المتأخرة انهم كانوا يتحرون مواضع مدنهم ويتفحصون امكنتها تفحصاً طبوغرافياً لذلك وضعوا شروط
*************************************************
(1) تقع مدينة الحضر في بادية جزيرة العراق ضمن مدينة الموصل على بعد حوالي 70 كم ، وهي ذات موقع ستراتيجي مهم بين نهري دجلة والفرات وبين تخوم الامبراطورية الفارسية والرومانية ، ( انظر : الشمس : ماجد عبد الله ، الحضر ، مطبعة شفيق 1968 ، ص 6 ، كذلك : فؤاد سفرو محمد علي ( الحضر مدينة الشمس ) وزارة الاعلام ( مديرية الآثار العامة ) ( طبع بمساهمة من مؤسسة كولبنكيان ص 17 ) .
(2) الطبري : التاريخ ، جـ 3 : 91 .
(3) ياقوت : المعجم : مجلد (1) : 433 ، مادة بصرة .
(4) البلاذري : الفتوح : 341 .
تخطيط مدينة البصرة ـ 49 ـ
وقواعد لبناء المدن وتخطيطها
(1) .
اضافة الى ما ذكرناه عن الموقع والموضع فأن للمناخ دوراً في تطور المدن ، فقد حرص العرب منذ البداية ان يكون الموضع المختار لبناء مدنهم التي انشأوها صحياً خالياً من الحشرات وكذلك بعيدة عن المباق والهوام ، وغير موبؤة ولا وخمة الهواء ، كما تمتاز بمناظرها الجميلة ، ومما ترتاح له النفس
(2) .
جـ ـ العامل الاقتصادي
يرى بعض المؤرخين ان سبب تمصير البصرة هو العامل الاقتصادي المتمثل بقلع المواصلات بين الفرس مع اهالي الهند بواسطة الخليج العربي ، لغرض عرقلة حركة التجارة بالنسبة للفرس مع الهند
(3) ، كما كانت المنطقة مأهولة لدى العرب فقد كان النشاط التجاري الذي يتمركز في فرضة الابلة يجذب القوافل التجارية العربية الى هذه البقعة التي عرفها العرب في جاهليتهم بأسم ارض الهند
(4) .
نظراً لما يتمتع به موضع البصرة من موقع جغرافي مهم ، سهل على المدينة
*************************************************
(1) العميد : طاهر مظفر : بغداد و ( مدينة المنصور المدورة ) مطبعة النعمان ( النجف 1967 ) ص 129 ، المعاضيدي ، عبد القادر سلمان : واسط في العصر الاموي ( 1974 ) ص 86 ـ 95 .
(2) ابن الاثير : الكامل : جـ 2 : 223 ، ياقوت : المعجم : جـ 4 : 326 ، معروف ناجي : عروبة المدن الاسلامية : ص 29 .
(3) الطرابلسي : نوفل بن نعمة الله بن جرجيس ، صاحية الطرب في تقدمات العرب ، بيروت ّّلاّ . ت ص 140 .
(4) الهمداني : ابو محمد الحسن اليمني : صفة جزيرة العرب ، القاهرة ، مطبعة السعادة 1953 ، ص 204 .