الشيباني ان يذهب الى الخليفة ابي بكر واخباره عن عزمه على حرب الفرس فأذن له الخليفة (1) ، وفي الوقت نفسه ظهر هناك منافس للمثنى وهو مذعور بن عدي (*) ، الذي كتب الى الخليفة ان يوليه أمر السواد ، الا ان المثنى كتب الى الخليفة يخبره بأمر مذعور بن عدي طالباً منه ان يولي من يراه صالحاً لهذه المهمة ، وبعض مشاورة الخليفة لبعض الصحابة اتفق رأيهم بأن يبحث خالد بين الوليد للعراق فكيون قريباً من بلاد الشام فأن استغنى عنه اهل الشام لزم العراق (2) ، وبهذا امر الخليفة كلاً مذعور بن عدي والمثنى بن حارثة والاذعان لخالد وملازمته ان بقي في العراق ، وعند مغادرته الى بلاد الشام ان يخلفه المثنى على العراق (3) .

(4) خطة الحرب
  لقد قسم الخليفة الجيش الذي اعده لتحرير العراق الى قسمين فالاول بقيادة خالد بن الوليد يدخل اسفاه ووجهته الابلة ، والآخر يدخل العراق من اعلاه بقيادة عياض بن غنم (**) ، ووجهته الحيرة (4) ، فكتب خالد للمثنى وحرملة (***) ، ومذعور

*************************************************
(1) الازدي : محمد بن عبد الله : فتوح الشام ، كلكتا 1854 م ، ص 45 ـ 46 .
(*) مذعور بن عدي : وفد مع جماعة من قومه الى الرسول ( ص ) فاسلموا ، شهد فتوح العراق واليرموك ، واشتهر في الغارات التي كان يشنها على السواد مع اربعة الاف من قومه ، ( انظر ابن حجر : الاصابة في تميز الصحابة جـ 3 : 63 ـ 64 .
(2) الازدي : فتوح الشام ص 45 ، ابن عبد البر : الاستيعاب جـ 4 : 1457 .
(3) الازدي : فتوح الشام ، ص 53 ، البلاذري : الفتوح ص 337 .
(**) عياض بن غنم بن اهيب بن الحارث ، اسلم قبل الحديبية ثم شهدها مع الرسول ( ص ) اشترك مع ابي عبيدة الجراح في الشام فلما توفى ابو عبيدة ولى عياض مكانه فامره الخليفة عمر بن الخطاب عليها وولاه ايضاً جند الشام وحمص ، توفي في الشام في خلافة عمر سنة 20 هـ ، ( انظر ابن سعد : الطبقات الكبرى : جـ 7 : ق 2 : ص 122 .
(4) الطبري : التاريخ : جـ 3 : 347 ، 372 ابن خلدون : العبر ، جـ 2 : 887 .
(***) حرملة : حرملة بن سلمى من الصحابة ، ابن حجر : الاصابة جـ 1 : 319 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 26 ـ

وسلمى (*) بالانضمام لجيشه والتوجه نحو مدينة الابلة (1) ، وبعد ان وصل خالد النباج استقبله المثنى فيها ، وتذكر المصادر ان عدد جيش خالد كان ثمانية عشر الف محارب (2) ، وبهذا العدد القليل وعلى ارض غير ارضه وفي بلاد غير بلاده استطاع خالد ان يهزم امبراطورية الفرس بجيوشها الجرارة في القتال ، حيث لقي خالد الفرس في عدة معارك ولم يهزم في واحدة منها ، فقد كان يسير بجيش ابداً على تعبئة كاملة ليقاتل عدوه اينما لقيه بصورة مفاجئة حيث وصفه عمر بن العاص ( في اناة القط ووثبة الاسد ، فلا يهمل الحيطة ولا يجعل التعويل كله على الشجاعة دون الحزم والحيلة وكان يحارب بثمانية عشر الف مقاتل وكأنه كان يحارب بخمسة اضعاف هؤلاء ) ، (3) ، وبعد ذلك أرسل ابو بكر الى العراق امدادات بقيادة القعقاع بن عمر (**) الى خالد بن الوليد الا ان المصادر

*************************************************
(*) سلمى : هو سلمى بن القين بن عمر بن بكر بن مالك التميمي الحنظلي من الصحابة ( ابن حجر : الاصابة جـ 1 : 680 ) .
(1) الطبري : التاريخ جـ 3 : 347 .
(2) الطبري : التاريخ جـ 3 : 347 ، ابن الاثير ، الكامل : جـ 2 : 261 ، ابن حجر : الاصابة جـ 2 : 51 .
(3) العقاد : عباس محمود ، عبقرية خالد ـ دار الهلال ، القاهرة لا ، ت ص 229 (**) القعقاع بن عمرو : قائد عربي كان له دور كبير في تحرير العراق وهو من قبيلة تميم اسلم في السنة التاسعة للهجرة بعد غزوة تبوك ، كان اول خروج له في عبد الخليفة ابو بكر اذ امره بالتوجه على ابي بكر وقتل علقمة بن علاثة أو اسره ففر علقمة واسلم اهله ، وشهد القعقاع مع خالد كاظمة ثم حارب معه في العراق وصحبه الى الشام حيث تولى احد الكراديس في اليرموك وعاد مرة اخرى الى العراق وابرز دوره في معركة القادسية وتحرير المدائن ، ( انظر ابن عبد البر : الاستيعاب جـ 4 : 1465 ) ، واشتهر القعقاع بالشجاعة حتى ان ابا بكر كان يقول : لصوت القعقاع قبل الجيش خير من الف رجل كما شهد فتح دمشق ومعظم فتوح العراق وله فيها اشعار كثيرة ، قيل ان ابا بكر ارسل القعقاع لخالد مدداً على محاصرته الحيرة ، ( ابن حجر : الاصابة جـ 3 : 230 ) .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 27 ـ

لا تذكر عددهم (1) .
  وفي هذا الوقت كان على مدينة الابلة قائد فارسي يسمى هرمز وقد ارسل اليه خالد كتاباً يدعوه الى الاسلام او دفع الجزية (2) ، وعندما وصل كتاب خالد اخذ هرمز يستعد للحرب وهو وكان يزمع لقاء المسلمين جنوب الابلة ليبعد الخطر عن هذه المدينة في حالة انتصار المسلمين ، كما يعتقد بأنه سوف يجعل منها خط دفاع ثان ، ولقد اتبع خالد عنصر المباغتة (*) ، في ضرب الفرس مما ادى الى انهزامهم شر هزيمة بالرغم بأنهم قاموا بأقران السلاسل خشيت من الفرار لذا سميت المعركة ( ذات السلاسل ) ومع ذلك فأن هزيمتهم كانت كبيرة حتى ان امراء جيشهم هربوا مثل قباذ وانو شجان ، فقام المسلمون بجمع هذه

*************************************************
(1) انظر : ابن الاثير : الكامل جـ 2 : 261 ، ابن خلدون : العبر : جـ 2 : 887 .
(2) الطبري : التاريخ : جـ 3 ، 347 ـ 348 .
(*) المباغتة : هي احداث موقف لا يكون العدو مستعداً له ، والكتمان من اهم الوسائل التي تؤدي الى المباغتة ، والسرعة في التنقل لانزال ضربة لا يتوقعها العدو في زمان لا يتوقعه او في مكان لا يتوقعه ، واستخدام الارض الصعبة والعبور الاراضي الصعبة ، واستخدام اسلحة جديدة غير متوقعة كلها وسائل تؤدي للمباغتة ايضاً ، كما تعبد المباغتة اقوى العوامل وابعدها اثراً في الحرب ، ( خطاب : محمود شيت : خالد بن الوليد المخزومي ، الطبعة الثانية ، 1970 ، ص 250 ) ، وتتمثل خطة المباغتة بتضليل خالد عدوه وبذلك باختيار الحفير موضعاً للصدام ثم انحيازه فجأة الى كاظمة ، ( عرجون : صادق ابراهيم ) ، خالد بن الوليد ، الطبعة الثانية 1967 ، ص 194 ) .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 28 ـ

تخطيط مدينة البصرة   ـ 29 ـ

السلاسل وبعد انتصار المسلمين الساحق في هذه المعركة استعد خالد بفتح مدينة الابلة (1) .
  يذكر ان قطبة بن قتادة عندما دخل المسلمون الابلة قال : ( حمل علينا خالد بن الوليد في خيله ، فقلنا اننا مسلمون ، فتركنا فغزونا الابلة ) (2) ، ويذكر الطبري ان خالداً ارسل معقل بن مقرن المزني فغنمها وجمع له الاموال والسبي (3) .
  استخدم خالد بن الوليد في دخوله مدينة الابلة خطة الانسحاب ثم المباغتة والهجوم ، اذ انه انسحب من معسكر سويد نهاراً وعاد اليها ليلاً بعد ان قسم جيشه اربع وحدات ، وفي الصباح عندما هاجم اهل الابلة ها لهم ما وجدوا فيه من عظم القوة والاستعداد وانهزموا شر هزيمة فتبعهم المسلمون وقتلوا منهم عدداً كبيراً ، وبعد هذا الانتصار عهد خالد بأدارتها لسويد بن قطبة قائلاً له :
  ( قد والله عركناهم لك عركة لا يزال هايبين ما قمت ببلاد ) (4) ، وبعد

*************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 338 ، الطبري : التاريخ جـ 3 ، ص 349 ، ابن الاثير : الكامل : جـ 2 : 262 ـ 263 ، ابن كثير : البداية والنهاية جـ 6 : 344
شلبي : احمد : التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية جـ 1 : 344 : الجندي : علي ، خالد بن الوليد ، القاهرة ، لا . ت . ص 31 .
(2) ابن سعد : الطبقات الكبرى جـ 7 : 76 ، خليفة بن خياط ، التاريخ ، طبعة 1967 ، جـ 1 : 85 ، ابن حجر : الاصابة : جـ 6 : 445 .
(3) الطبري : التاريخ جـ 3 : 35 ، ابن الاثير : الكامل : جـ 2 : 263 ، ابن خلدون : العبر : جـ : 189 .
(4) الازدي : فتوح الشام ، ص 48 ـ 50 ، البلاذري ـ الفتوح : ص 337 ـ 338 ،
ابن حجر : الاصابة : جـ 3 : 270 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 30 ـ

اخذ ذلك ذلك اخذ خالد بفتح مسالح الفرس التي حولها مثل الخريبة وحين اتم ذلك اراد التوجه الى الحيرة (1) ، وعندما هم خالد بن الوليد المسير الى الحيرة ، امره الخليفة ابو بكر بالذهاب الى الشام (*) ، اذ ان جيشنا قد حشد جيشنا كبيراً تعداده ثمانون الف مقاتل (3) ، وترك المثنى بن حارثة الشيباني قائداً على العراق ، وقد حاول الفرس استغلال ذهاب خالد وجيشه الى الشام فكتب رستم الى دهاقان (**) السواد بالثورة على المسلمين في مناطقهم واستجاب له البعض ونقضوا العهود التي برمها خالد معهم (4) ، وبالنظر لقلة جيش المسلمين وكثرة عدد الجيش الفارسي ارتأى القائد المثنى ان ينسحب الى اطراف السواد (5) ، وبقى كذلك

*************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 338 ، قدامة بن جعفر : الخراج وصنعة الكتابة ص 174 ـ 175 .
(2) ابن اعثم : الفتوح ، جـ 1 : ص 132 .
(*) لقد ترك خالد بن الوليد في مسيره الى بلاد الشام اثراً كبيراً في عملية عرقلة الفتح في العراق لان المناطق المفتوحة لم يستكمل تنظيمها بعد ان اصبحت في حوزة المسلمين وان جيش الاسلام تضائل الى النصف وكان الفرس ينظرون الى خالد بعين الرهبة والخوف ، وتوصل الفرس الى ان الهزائم التي لحقت بهم امام جيوش المسلين كان سببه حسن اعتقاده هو ملوكهم الضعفاء الذين تعاقبوا على حكمهم قادة الجيش فيما بينهم .
( انظر : عبد الحميد : حسين ، الفتح الاسلامي في العراق والجزيرة ، بغداد 1961 ، ص 210 .
(3) الطبري : التاريخ جـ 2 : 4 ، ابن اعثم : الفتوح : جـ 1 : 132 .
(**) دهاقان : جمع دهقات : رئيس الاقليم ، فارس معرب ، ( البستاني ، معجم البستان ، مجلد 1 : ص 805 ) .
(4) الدينوري : الاخبار الطوال : ص 119 : ابن العبري ، تاريخ مختصر الدول ص 173 .
(5) اليعقوبي : التاريخ جـ 2 : ص 143 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 31 ـ

حتى آواخر عهد الخليفة ابي بكر (*) ، وتشير بعض المصادر التأريخية ان انسحاب المسلمين من هذه المناطق كان بناء على توجيهات الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بعد استخلافه ، حتى تصلهم الامدادات من المدينة ، وكان المثنى قد كتب الى الخليفة عمر بن الخطاب يعلمه بأوضاع العراق ، فأجابه عمر بقوله : ( ان تلح من البر ، وادع من يليك ، واقم منه قريباً على حدود ارضك وارضهم ، حتى يأتيك أمرى ) (1) ، وفي هذه الاثناء وجه الخليفة جيشاً كبيراً قوامة اربع الاف رجل (2) الى العراق بقيادة سعد بن ابي وقاص (**) وكان هدف

*************************************************
(*) توفي ابو بكر بعد أن امضى في الخلافة سنتين ونصف وقسم ابو بكر بين الناس والسوية وفي عهده تمكن الاسلام من بلاد العرب وعهد لفتح سورية وبلاد الفرس ، ( ابن الاثير : الكامل : جـ 2 : 418 ) .
وقد اختلف في سبب موته ، فقيل ان اليهود سمته في ارز وقيل في حسو فأكل هو والحارث بن كلدة فقال الحارث اكلنا طعاماً مسموما سم سنة فماتا بعد سنة ، وعن عائشة انه اغتسل وكان يوماً بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج الى الصلاة ، واقر عمر ان يصلي بالناس وعهد الخلافة الى عمر ثم توفي مساء ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان بقين من جمادي الاخرة سنة ثلاث عشرة فكانت خلافته سنين وثلاثة اشهر وعشر ليال وعمره ثلاث وستون سنة .
( ابي الفداء : المختصر في اخبار البشر ، مجلد 1 : 67 ) .
(1) الطبري : التاريخ جـ 3 : 3 .
(2) الطبري : التاريخ جـ 3 : 5 .
(**) سعد بن ابي وقاص : هو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري ، امه حمنة بنت سفيان بنت امية بنت عم ابن سفيان ابن حرب بن امية ، وسعد خاله الرسول ( ص ) فآمنة بنت وهب ام النبي من بني زهرة ، وأول دم اريق في الاسلام كان على يد سعد حين ضرب رجل من المشركين بلحى جهل فشجه وهو صاحب اول سهم رمي في الاسلام . »»»

تخطيط مدينة البصرة   ـ 32 ـ

هذا الجيش استرجاع المناطق التي حررها المسلمون والمضي في طرد الفرس من العراق (1) ، وكانت مدينة الابلة اول مدينة اعادة المسلمون تحريرها .
  وكان الخليفة عمر فقد كتب الى سعد بن ابي وقاص يقول : ( ان ابعث الى فرج الهند رجلاًً لا ترضاه يكون بحيالة ويكون ردءاً لك من شيء ان اتاك من تلك التخوم ) ، فبعث سعد بن ابي وقاص المغيرة بن شعبة ومعه خمسمائة رجل الى الابلة حيث نزلوا على مقربة منها (2) ، وبهذه الامدادات ضعفت قوة العدو وزادات قوة المسلمين في هذه الجهة .
  وبعث الخليفة عمر بن الخطاب قوة صغيرة بقيادة شريح بن عامر (*) ، ويبدوا ان هذه القوة لم تقم بعمل حاسم كبير ،

*************************************************
»»» ( ينظر : ابن حزم : ابو محمد علي بن احمد بن سعيد جوامع السبرة ، تحقيق احسان عباس ، القاهرة ( دار المعارف ) لا . ت ، ص 46 ، ابن قتيبة : عبد الله مسلم : المعارف : تحقيق ثورة عكاشة ، القاهرة ، 1960 ، ص 241 ، ابن هشام : ابو محمد عبد الملك البصري ، السيرة النبوية ، تحقيق مصطفى السقا ، الطبعة الثانية ، القاهرة 1951 ، جـ 1 : ص 275 ) .
(1) اليعقوبي : التاريخ : جـ 2 : 143 ، الطبري جـ 3 : 483 .
(2) الطبري : التاريخ : جـ 3 : 8 .
(*) شريخ بن عامر بن سعد بن بكر من الصحابة ولي البصرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب فقتل في الاحواز ، ابن حجر : الصحابة ، جـ 2 : 144 ـ 145 .
(3) العلي : صالح احمد ، التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري ، الطبعة الاولى 1953 ، ص 36 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 33 ـ

وتوجه شريح من الابلة نحو الاحواز (*) ، وبعد التحام مع مسالحها استشهد (1) .

(5)التحرير العربي الاسلامي الثاني للابلة سنة 14 هـ
  يميل معظم المؤرخين العرب (2) ، الى ان عتبة بن غزوان هو الذي حرر الابلة للمرة الثانية على الرغم من ان هناك النصوص التاريخية ترى ان قريط (**) بن ابي

*************************************************
(1) نظر : خليفة بن خياط ، التاريخ جـ 1 ، ص 95 ، الطبري : التاريخ جـ 3 : 9 : ابن الاثير : اسد الغابة ، جـ 2 : 365 ، الذهبي ، تاريخ الاسلام ، جـ 2 : 6 ، ابن خلدون : العبر : جـ 2 : 942 ، ابن حجر : الاصابة ، جـ 2 : 144 .
(*) الاهواز : جمع هوز ، وأصله حوز ، فلما كثر استعمال الفرس لهذه اللفضة غيرتها حتى اذهبت اصلها جملة لانه ليس في كلام الفرس جاء مهملة وان تكلموا بكلمة فيها جاء قلوبها هاء ، وعلى هذا يكون الاهواز اسماً عربياً سمية فيه بالاسلام ، وكان اسمها في ايام الفرس خوزستان ، فالاهواز اسم للكوره بأسرها ، وقال صاحب كتاب العين : الاهواز سبع كور بين البصرة وفارس ، ياقوت : المعجم : مجلد 1 : مادة الاهواز ص 284 ـ 285 .
(2) ابن سعد : الطبقات : جـ 6 : 5 ، خليفة ابن خياط : التاريخ جـ 1 : 96 ، البلاذري : الفتوح ص 478 ، الدينوري : الاخبار الطوال : 117 ، الطبري : التاريخ جـ 3 : 60 ، ابن دريد : محمد بن الحسن الازدي البصري : الاشتقاق : تحقيق عبد السلام محمد هارون ، القاهرة ، 1941 ، جـ 2 : 311 ، ابن الفقيه : احمد بن محمد الهمداني : مختصر كتاب البلدان ، ليدن ، 1302 هـ ، ص 188 العسكري : ابو هلال : الاوائل ، طنجة ( مطبعة دار الامل 1966 ) ص 433 ،
ابن الاثير : اسد الغابة : جـ 3 : 364 ، ابن العبري ، تاريخ مختصر الدول : 174 ، ابن حجر : الاصابة ، جـ 6 : 527 .
(**) قريط بن ابي رمثه : من الصحابة مع ابيه الى البحرين بصحبه العلاء بن الحضري في ايام الرسول ( ص ) فأقام فيها الى ان خرج الى العراق متوجهاً الى الابلة في خلافة عمر بن الخطاب ثم توجه الى فتح خراسان مع الاحنف بن قيس وسكنها الى ان مات ، ( البستي : محمد بن حيان : حجر الاصابة جـ 6 ، ص 519 ـ 520 ) .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 34 ـ

رمثة (1) ، وقطبة بن قتادة (2) ، هما اللذان قاما بالتحرير ، الا اننا نرجح ما ذهب اليه معظم المؤرخون من ان عتبة بن غزوان هو الذي حرر الابلة للمرة الثانية وذلك على اثر ارسال الخليفة عمر بن الخطاب كتاب الى عتبة بن غزوان الذي كان مع سعد بن ابي وقاص والذي ذكر فيه يستعمله على ارض الهند ( الابلة ) وبدعوة الى كفاح الاعداء (3) ، فأصرار الخليفة على فتح الابلة انما كان لاهمية المنطقة عسكرياً ، ولمنع الامدادت التي قد يرسلها الفرس من هذه الناحية لاسناد قواتها المنهارة ، ولا نعرف على وجه الدقة عدد الجند الذين صحبوا عتبة بن غزوان ، اذ ان المراجع التاريخية تقدر عددهم بين الثلاثمائة والالف (4) ، فوصل عتبة (5) بعد ذلك كما يذكر الطبري (6) موضع الخريبة

*************************************************
(1) البستي : المصدر السابق ، ص 61 : ابن حجر : الاصابة جـ 6 : 52 .
(2) ابن الاثير : اسد الغابة ، جـ 4 : 206 ، ابن حجر ، الاصابة جـ 6 : 446 .
(3) ذكر كل من الطبري في التاريخ جـ 3 : 92 ، وابن الاثير : الكامل جـ 2 : 262 نص الكتاب الذي بعثه الخليفة عمر بن الخطاب الى عتبة : ( اني قد استعملتك على ارض الهند وهي حومة من حومة العدو ، وارجو ان يكفيك الله حولها وان يعينك عليها ) .
(4) ابن سعد : الطبقات جـ 7 : 5 ، البلاذري : الفتوح ص 478 ، الدينوري : الاخبار الطوال ص 116 ، العسكري : الاوائل ص 224 ، ياقوت : المعجم جـ 1 : 431 .
(5) الدينوري : الاخبار الطوال ص 117 ، الطبري : التاريخ جـ 3 : 90 .
(6) الطبري ، التاريخ ، جـ 3 ، 92 ـ 93 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 35 ـ

ثم نزل نحو الابلة فنزل قرب الاجانة (*) .
  واختلف المؤرخون حول تحرير عتبة للبصرة فمنهم من يقول انه تأخر في هجومه على البصرة ما دفع بالخليفة بارسال من يحل محله في قيادة الجيش (1) ، وفي رواية اخرى يذكر الطبري ان عتبة لم يتقاعس عن التوجه الى الابلة ، ولم يمكث دون حرب عند وصوله البصرة ولكن انشغل بالاشتراك مع القوات الاعتراضية التي ارسلت من قبل الفرس لعرقلة مسيرة ولكن عتبة اخذ يتحين الفرص للهجوم على المدينة بعد ان شع باستعداد الفرس وسمحت للفرس و الفرصة المناسبة حيث اعد عتبة خطة الهجوم فهجم الجيش الاسلامي مما ادى الى هروب الفرس تاركين الابلة للمسلمين ، وقد استسلمت الابلة للجيش المحرر رغم قلة عدد القوات الاسلامية (2) .
  وبعد ان تم تحرير الابلة بعث عتبة كتاباً الى الخليفة عمر بن الخطاب

*************************************************
(*) الاجانة : يوضح البلاذري ( الفتوح ص 351 ، وياقوت ( المعجم جـ 1 ، 832 ) بأنه كان لدجلة العوراء ( دجلة البصرة ) خور والخور طريق للماء لم يحفره احد يجري فيه ماء الامطار اليه وتراجع ماءها عند المد وينصب في الجزر ، وكان طوله فرسخ ، وكان يحده مما يلي البصرة غورة واسعة تسمى الاجانة في الجاهلية ، وسمته العرب في الاسلام الحزاره ، وهو على مقدار ثلاثة فراسخ من البصرة .
( العميد ، طاهر مظفر ، مجلة كلية الاداب ـ عدد 22 لسنة 1978 ) ص 111 ، ( نشأة مدينة البصرة ) .
(1) نفس المصدر السابق ، جـ 3 : 94 .
(2) الطبري : التاريخ جـ 3 : 93 ، ابن الاثير : الكامل : جـ 2 : 348 ، الساعدي : كاظم جواد : تاريخ البصرة ، النجف 1959 ، ص 10 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 36 ـ

جاء فيه : ( اما بعد فأن الله ، وله الحمد ، فتح علينا الابلة وهي مرفيء سفن البحر من عمان ، والبحرين ، وفارس ، والهند والصين ، وانما ذهبهم وفضتهم وذراريهم وانا كاتب اليك ببيان ذلك ان شاء الله ) (1) ، وكان فتحها عنوة (2) ، في رجب او شعبان من سنة 14 هـ (3) .
  وبعد ان تم للمسلمين تحرير مدينة الابلة اتخذوها قاعدة للانطلاق نحو المناطق المجاورة ، ففتح عتبة بن غزوان دستميسان (*) فقاتل اهلها وأسر صاحبها ، وهناك رواية تقول ان الخليفة عمر بن الخطاب أرسل الى عتبة ليوافيه في المدينة واستعمل عتبة مجاشع بن مسعود (**) على جماعة وسيرهم (4) الى مدينة الفرات (***) واستخلف المغيرة بن شعبة على الصلاة الى ان يقدم

*************************************************
(1) الدينوري : الاخبار الطوال ص 117 .
(2) المصدر السابق ص 117 .
(3) خليفة بن خياط ، التاريخ جـ 1 : 97 ، البلاذري : الفتوح ، ص 447 الدينوري : الاخبار الطوال ، ص 117 ، ياقوت : المعجم جـ 4 : 242 ، ابن العبري : تاريخ مختصر الدول : 174 ، السيولي : عبد الرحمن بن ابي بكر ، تاريخ الخلفاء القاهرة ، 1959 ، ص 131 .
(*) دستمسيان : دورة كثيرة القرة والنخيل بين واسط والبصرة والاهواز وهي الى الاهواز اقرب وقيل دستيمسان كورة قصبتها الابلة فتكون البصرة في هذه الكورة ، ياقوت : المعجم جـ 1 : مادة دست .
(**) مجاشع بن مسعود من الصحابة غزا كابوا في الهند ، قال خليفة بن خياط انه قتل يوم الجمل والمدائني يقول انه قتل في محاربة ابن الزبير اثناء سيطرته على البصرة ، ( ابن حجر : الاصابة ، جـ 3 : 342 ) .
(4) الطبري : التاريخ جـ 3 : 94 .
(***) المقصود بمدينة الفرات هنا هو فرات البصرة او ما يسمى بكورة بهمن اردشير ، ( ياقوت : المعجم جـ 4 : 242 ) .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 37 ـ

مجاشع بن مسعود ، فسار عتبة الى عمر وظفر مجاشع بأهل الفرات وجمع الفيلكان ـ وهو احد قادة الفرس ومن كبار رجال مدينة ابزقباذ (*) ـ جيشاً لقتال المسلمين فخرج اليه المغيرة فلقيهم في المرغاب (**) فأقتلوا وبعد ذلك توجه المغيرة الى ميسان (***) ففتحها (1) ، واستطاع المغيرة من قتل بعض الفرس وهرب الآخرين ، وكتب عتبة الى الخليفة بالفتح فقال الخليفة عمر لعتبة : من استعملت على البصرة ؟ فقال مجاشع بن مسعود ، قال الخليفة استعمل رجلاً من اهل الوبر على اهل المدر ؟ واخبره بما كان المغيرة يعمله وامر ان يرجع الى عمله فمات عتبة في الطريق وولي الخليفة المغيرة على البصرة (2) .

*************************************************
(*) ابزقباذ : ( ابن قباذ ) ، بجواز ميسان او دستميسان ، يذكر في الفتوح مع المذار اذ انه طاسيجة بين البصرة وواسط ، ( ياقوت : المعجم جـ 3 : 773 .
(**) المرغاب : لم اجد شرح لهذا الموضوع في المصادر الا انها غير المرغاب التي اشار اليها ياقوت .
(***) ميسان : موضوع من مواضيع البصرة استعمل عليها الخليفة عمر عدي بن فضلة ، ( البغدادي : مراصد الاطلاع ، جـ 2 : 185 .
(1) البلاذري : الفتوح : ص 477 ـ 478 ، الطبري ، التاريخ جـ 3 : 94 .


تخطيط مدينة البصرة   ـ 38 ـ

الفصل الثاني
موضع البصرة قبل الاسلام وعوامل اختياره
1 ـ موضع البصرة قبل الاسلام
  يبدو ان منطقة البصرة كانت تظطلع بدور مهم في حياة شبه جزيرة العرب قبل الاسلام ، حيث كانت الغارات العربية في صحرائهم المجاورة متصلة بالقرى والحاميات الفارسية ومسالحها في المنطقة (1) ، ثم اخذت هذه الغارات شكلاً منظماً بعد النجاح الكبير الذي حققه بنو بكر بن وائل في موقعة ذي قار (*) ، حيث انهزمت القوات الفارسية في ميدان المعركة شر هزيمة وأخذ العرب يغيرون على

*************************************************
(1) الشبلي : احمد ، التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية جـ 1 : 112 .
(*) موقعة ذي قار : وهي الموقعة التي حدثت بين عرب بكر بن وائل وبين الجيش الفارسي ، فكان النصر فيها للعرب وانهزم الفرس شر هزيمة رغم ان القوات العربية التي اشتركت في هذه الموقعة كانت صغيرة العدد بالنسبة الى عدد القوات الفارسية ، وكانت لموقعة ذي قار نتائج خطيرة ، فقد حدثت عندما بدأ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الدعوة لرسالته وكان لهذه موقعة فضل كبير على الاسلام وبلغت على اصداؤها في معظم انحاء الجزيرة العربية ، ويمكن معرفة ما حققه العرب من نصر في قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما سمح بهذا النصر الذي احرزتة بكر : ( هذا اول يوم انتصفت فيه العرب مع العجم وبي نصروا ) .
( انظر : اليعقوبي ، التاريخ جـ 1 : 246 ، الطبري : التاريخ جـ 1 : 207 ، المسعودي مروج الذهب ، جـ 1 : 307 ، الاصفهاني : الاغاني ، جـ 20 : 318 ـ 336 ابن عبد ربه : العقد الفريد جـ 3 ، 347 ـ 379 تحقيق محمد سعيد العريان ، القاهرة ، 194 ،
حسين : ابراهيم حسن : تاريخ الاسلام السياسي والثقافي والاجتماعي جـ 1 : 39 ، الطبعة السادسة 1961 ، خطاب محمود شيت : قادة فتح العراق والجزيرة ، ص 25 ، حسن : علي ابراهيم : التاريخ الاسلامي العام طبعة 1977 ، ص 85084 كذلك :
Nicholson : Reynold :
Aliterary History of the arabs . p . 70 London 1907 .


تخطيط مدينة البصرة   ـ 39 ـ

الاطرف الغريبة من امبراطويتهم (1) ، فأتبع الفرس طريقة المصالحة والمهادنة في تعاملهم مع كبرى القبائل والتي بجوارهم وخاصة قبيلة بكر فيعنوا رئيسها قيس بن مسعود الشيباني حاكماً على الابلة (2) .
  وربما كانت قبيلة بكر كانت تسعى للقيام بدور يشبه ما وكان عليه الحال في الحيرة ، اذ يشير الاصفهاني : انه عندما هلك النعمان اخذت بكر بن وائل تغير في السواد فوفد قيس بن مسعود الى كسرى فسأله على ان يضمن له على بكر ان لا يدخلوا السواد ولا يفسدوا فيه فأقطعه الابلة وما والاها وقال : هل تكفيك وتكفي اعراب قومك (3) .
  وبالاضافة الى ما ذكرناه ، فأن هذه المنطقة وكانت معروفة لدى العرب ، اذ كانت الابلة تعد مركزاً تجارياً يجذب القوافل التجارية العربية الى هذه المنطقة التي عرفت عند العرب في الفترة الجاهلية بأرض الهند (4) .
  كانت منطقة البصرة قبل ان يشرع العرب بتمصيرها تشمل سبع دساكر (*)

*************************************************
(1) الاصفهاني : ابو الفرج علي بن الحسين : الاغاني جـ 20 : 133 ، القاهرة 1931 .
(2) المرزباني : ابي عبد الله محمد بن عمران بن موسى : معجم الشعراء ، تحقيق عبد الستار احمد فراج ، القاهرة 1960 ، 200 ـ 201 .
(3) الاصفهاني : الاغاني : جـ 20 : 132 .
(4) البلاذري : الفتوح : ص 341 ، الطبري جـ 3 : 90 ، الهمداني ، صفة جزيرة العرب ص 204 ، الحوراني : جورج فصلو : العرب والملاحة في المحيط الهندي ، القاهرة 1958 ، ص 110 .
الدساكر السعبة هي :
آ ـ البطنية : الاوسط .
ب ـ هداد : الشرق . »»»

تخطيط مدينة البصرة   ـ 40 ـ

قديمة (1) ، في الخريبة اثنتان وبالزابوقة واحدة وفي بني تميم اثنتان وفي الازد اثنتان (2) ، وكانت هذه الدساكر السبعة مأهولة وذات منازل ثابتة وقد حدد ماسنيون مواقع هذه الدساكر ، الا انها تحولت الى خمس مناطق عسكرية قبيلة تدعى الاخماس في العصر الاسلامي (3) .

*************************************************
»»» جـ ـ الزابوقة : الشرق .
د ـ الزاوية : الجنوب ، ويحددها ياقوت بقوله موضع قرب البصرة كانت به الواقعة المشهورة بين الحجاج وبين الاشعث وهي قرب المدينة على فرسخين منها كان فيه قصر لانس بن مالك ، البغدادي : مراصد الاطلاع جـ 2 : 156 .
هـ ـ الحدان : الغرب ويذكرها ياقوت بأنها احدى محال البصرة القديمة يقال لها بنو حدان بن شمس بن عمرو بن عثم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الاسد وسكنها جماعة من اهل العلم ، ( ياقوت : المعجم : مجلد 2 : 227 ) .
و ـ السبخة : الشرق
وهي موضع بالبصرة ينسب اليه ابو يعقوب فرقد بن يعقوب السبخي بن زهاد البصرة ، ( ياقوت : المعجم مجلد 3 : 183 ) وكانت هذه الدسكرة تنصل بالفرضة القريبة من الجسر ودار الرزق .
( ماسيون : خطط الكوفة : ص 140 ) .
ز ـ الخريبة : الجنوب .
انظر ماسينون : خطط الكوفة ص 37 .
(1) البلاذري : الفتوح ص 488 ، الطبري : التايخ جـ 3 : 90 ، الحميري : الروض المعطار : ص 107 .
(2) الجاحظ : البيان والتبيين ، جـ 1 : 639 ، البلاذري : الفتوح ص 488 ، الطبري : التاريخ جـ 3 : 60 ، ياقوت المعجم : مجلد 2 : 431 مادة بصرة .
(3) خطط الكوفة : ص 37 ، الخربوطلي : علي حسين : تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي طبعة 1959 ، ص 290 ، الشرقي : علي :العرب والعراق : الطبعة الاولى 1963 ، ص 59 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 41 ـ

2 ـ عوامل اختيار موضع البصرة
  تعد مدينة البصرة اول مدينة انشأها العرب في العراق في العصر الاسلامي (1) ، وهي واحدة من عشرات المدن التي انشأها المسلمون خارج الجزيرة العربية خلال الحكم الراشدي والاموي والعباسي (2) .
  وكان الخليفة عمر بن الخطاب قد وجه عتبة بن غزوان الى الابلة طالباً منه ان يختار موضعاً ليبني فيه للمسلمين مدينة فكتب له الخليفة : ( انطلق انت ومن معك حتى اذا كنتم في اقصى ارض العرب فأدنى ارض العجم فاقيموا ) (3) .

*************************************************
(1) اليعقوبي : التاريخ : جـ 2 : 154 ، الدينوري ، الاخبار الطوال : 125 ، ياقوت : المعجم : المجلد 3 : 430 مادة البصرة ، العميد : طاهر مظفر : نشأة مدينة البصرة ( مجلة كلية الاداب عدد 22 لسنة 1978 ، ص 241 ، حسين : عبد الرزاق : نشأة مدن العراق وتطورها طبعة 1973 ص 25 ، زيدان : جرجي : تاريخ المدن الاسلامي : جـ 2 : 176 ، كذلك انظر :
Al ـ Khattab ـ Adill Abudlla : basra city . Astudy in Urban Geography . London 1972 r . 32 .
(2) لاجل الاطلاع على اسماء المدن ومؤسسيها وتاريخ تأسيسها تراجع الملاحق الاولى الى العاشرة من كتاب عروبة المدن الاسلامية للدكتور ناجي معروف صفحات 43 ـ 76 ، الطبعة الاولى 1964 ، بغداد ، حسين : عبد الرزاق : نفس المصدر : ص 25 .
(3) البلاذري : الفتوح : 488 ، اليعقوبي : البلدان : مجلد 2 : 143 ، الطبري : التاريخ جـ 3 : 90 ، ابن الاثير : الكامل جـ 2 : 338 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 42 ـ

وفي وسعنا ان نحدد العوامل التي حفزت المسلمين لاختيار موضع البصرة بعوامل ثلاث هي :

 أ ـ العامل العسكري .
ب ـ العامل الجغرافي .
ج ـ العامل الاقتصادي .

آ ـ العامل العسكري
  تتفق معظم المصادر التاريخية بأن السبب الرئيسي لتأسيس مدينة البصرة هو العامل العسكري الذي يتمثل برغبة الخليفة عمر بن الخطاب في تركيز قوة المسلمين الحربية في جنوب العراق حتى يتسنى لهم الانطلاق في هذه القاعدة نحو المناطق الشرقية حيث تتركز القوات الفارسية التي بدأ المسلمون مناهضتها ، لكي تصبح هذه المدينة حلقة وصل بين مركز الخلافة في المدينة المنورة والقوات الاسلامية المتواجدة في العراق (1) ، وفضلاً عن ذلك حتى يستطيع المسلمون قطع المؤن والامدادات الفارسية عن قواتهم في المدائن (2) ، ومحاصرة القوات الفارسية المتواجدة في المنطقة وعرقلة حصول الامدادات العسكرية لها حيث كانت تواجه زحف القوات الاسلامية على مواقعها ، كما اتخذها المسلمون قاعدة للسيطرة على مسالح الفرس الاخرى القريبة منها لاضعاف قدرتها العسكرية والدفاعية (3) .

*************************************************
(1) Anderson : Nels :
Urbanisn and urbanizati on . E . N . Brill Nether Land 1964 . p . 114

(2) الطبري : التاريخ جـ 3 : حوادث سنة 14 هـ .
(3) ياقوت : المعجم : المجلد (1) : 43 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 43 ـ

يمتاز موضع البصرة بأهمية العسكرية ، ونستطيع ان نستشف هذه الاهمية من رسالة الخليفة عمر الى عتبة بن غزوان التي يقول بها ( أن الحيرة فقد فتحت فأتِ أنت ناحية البصرة واشغل من هناك اهل فارس والاحواز وميسان عن امداد اخوانهم ) (1) .
  نزل العرب اول الامر ، في معسكرات متنقلة وعندما ازداد عدد المقاتلين من رجال القبائل التي انضمت اليهم ، بدأ التفكير في اقامة مصر لتلبية حاجات الجند المجاهدين ، اضافة الى متطلبات الامور العسكرية (2) ، وكما قصد في بنائها ان تكون مركزاً للجيش العربي المحرر اذ اخير مكانها على مقربة من النهر عند طرف السهل والوادي الخصب القريب من المشارب والمرعى (3) .
  ويذكر ان العرب شنوا غارات عديدة على منطقة الخريبة قبل ان يشرع عتبة بن غزوان في تأسيس مدينة البصرة ويروي الطبري ان قطبة بن قتادة كان يغير بناحية الخريبة في الوقت الذي كان فيه المثنى بن حارثة الشيباني يغير على الحيرة ، اذ كان الفرس مسلحة (*) في الخريبة مشحونة بالجند المقاتلين

*************************************************
(1) ياقوت : المعجم : المجلد الاول : 433 مادة بصرة ، ويروي الطبري في الجزء الثالث ص 90 بأن الخليفة عمر كتب الى عتبة بن غزوان ( قد فتح الله عز وجل على اخوانكم الحيرة وما حولها وقتل عظيم من عضمائها ولست آمن يمدوهم من اهل فارس فأني أريد ان اوجهك الى ارض الهند لتمنع اهل ذلك الجيرة من امداد اخوانهم على اخواتهم وتقاتلهم لعل الله يفتح عليكم ) .
(2) المنجم : اسحق بن حسين : امام المرجان في ذكر المدائن المشهورة في كل مكان تحقيق كود ازي روما ، 1929 ص 296 ـ 297 ، دائرة المعارف الاسلامية مادة بصرة : مجلد 3 : 669 .
(3) قاسم : عون الشريف : شعر البصرة في العصر الاموي ـ بيروت 1972 ص 9 .
(*) المسلحة : قوم في عدة بموضع رصد وقد وكلوا به بازاء ثغر ، واحدهم مسلحي والجمع المسالح ، والمسلحة كالثغر والمرقب ، وقال ابن شميل مسلحة »»»

تخطيط مدينة البصرة   ـ 44 ـ

الذين بدأت القوات الاسلامية تحاصرهم وتضعف مقدرتهم القتالية ، وبعد ان تم للمسلمين الاستيلاء على الخريبة عنوة وتم تطهيرها من المحتلين الفرس ، استمر زحف المسلمون شرقاً نحو ميناء الابلة فحرروه وبتحرير هذا الميناء المهم تم القضاء على الوجود الفارسي في غرب شط العرب ، ثم اتخذوا الخريبة قاعدة لهم للانطلاق منها على مسالح الفرس الاخرى القريبة منها (1) ، كما يشار بأن القائد عتبة بن غزوان قد أستأذن الخليفة في ان يكون للمسلمين مقراً لاستيطانهم ويكون مقراً لراحتهم بعد القتال ، فقد روي ابو عبيدة : ( ان عتبة كتب الى الخليفة عمر ان لا بد للمسلمين من منزل لا يشتون به اذا اشتو ويكون فيه اذا انصرفوا من غزوهم (2) ، فأجابة بأن يجمع اصحابة في موضع واحد وليكن قريباً من الماء والمرعى وان يكتب اليه بصفته (3) .

*************************************************
»»» الجند خطاطيف لهم بين ايديهم ينقضون لهم الطريق ويتحسسون خبر العدو ويعلمون عليهم لئلا يهجم عليهم ولا يدعون واحداً من العدو يدخل لئلا يدخل بلاد المسلمين واذا جاء جيش انذروا مسلمين ، ( ابن منظور : محمد بن كريم : لسان العرب ، مجلد 2 : مادة مسلح ، بيروت 1956 ) .
فالمسلحة اذا هي القوم الذين يحفظون الثغور من العدوا ، وسموا مسلحة لانهم يكونون ذوي السلاح ، ولانهم يسكنون المسلحة ، كما تعرف بالمنظرة العربية وقابلها المسلحة بالفارسية ( جواد علي : المفصل : جـ 2 : 629 ) .
(1) الطبري : التاريخ جـ 3 : 91 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 341 ، كذلك ينظر : دائرة المعارف الاسلامية : مجلد 5 : 453 .
(3) البلاذري : الفتوح ص 341 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 45 ـ

   والمعروف ان الخليفة عمر بن الخطاب اشترط على قادته في العراق ومصر عند اختيارهم لمواضع المدن التي يقيمومنها ان لا يفصل بينها وبين المدينة المنورة بحر وماء ، وكان السلمون عندما احتلوا توج وتوبند جلن وطاسان قد أستأذنوه في اتخاذ مصر لهم بطلسان فمنعهم لان نهر دجلة يمنعهم عنه فكتب لهم : ( ان بيني وبينكم دجلة لا حاجة في شيء بيني وبينه دجلة ان تتخذوه مصراً ) ، ثم قدم عليه رجلاً من بيني سدومس (*) فقال له : يا امير المؤمنين ان مررت بمكان دون دجلة فيه مصر ومسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى ايضاً البصيرة ، فأعجب ذلك الخليفة عمر .
   وبهذا تعتبر المعسكرات التي اقامتها الجيوش الاسلامية النواة الاولى للمدن العربية الاسلامية في العراق وفي غيره من الاقطار العربية الاسلامية ، حيث نلاحظ ان العرب اسسوا في عهد الخليفة عمر ستة امصار اثنتين منها في العراق هما البصرة والكوفة (2) .

ب ـ العامل الجغرافي
  يبدوا ان للعامل الجغرافي دوراً لا يقل اهمية عن العامل العسكري في اختيار مدينة البصرة ، وهنا لا بد من تحديد ما المقصود بهذا العامل الجغرافي ؟

*************************************************
(*) بنو سدوس : بفتح السين ، بطن بن ذهل بن شيبان المدنانية وهم بنو سدوس بن شيبان بن ذهل .
ينظر : القلقشندي : ابي العباس احمد : نهاية الارب في معرفة انساب العرب ، تحقيق ابراهيم الانباري ، القاهرة 1959 ، الطبعة الاولى ص 283 .
(1) ياقوت : المعجم : المجلد الاول : ص 430 مادة بصرة .
(2) Hourarni ـ A . H :
The Eslanic city . 1965 . p . 89 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 46 ـ

المعروف ان المدن نشأت وتطورت بفضل ما قام به الانسان ولكن يظهر للعامل الجغرافي اثر في نمو وتطور هذه المدينة والذي يتمثل بدراسة المكان الذي مثل مقر سكن الانسان ان صح التعبير ، فالعامل الجغرافي يتمثل بظاهرتين رئيستين هما الموضع (*) ، والموقع ، فقد طلب الخليفة عمر من القائد عتبة كما اشرنا ان يكون المكان المختار قريباً من الماء والمرعى وليس هناك بحراً يفصل بين مدينتهم ومقر الخلافة (1) .
  فبعد ان تم تحرير الابلة أمر الخليفة عمر خالداً ان يتخذ للمسلمين موضعاً قريباً من الماء والمرعى ولا يفصله عنهم بحر او نهر (2) .
  ويؤكد لابلاش بأن الطبيعة اثراً في نمو وازدهار المدينة ان تحاول فرض نفسها عن المدينة وعلى الانسان حيث يظهر اثر الطبيعة واضحاً في شكل المدينة الهندسي (3) .

*************************************************
(*) يمكن تحديد موضع البصرة الآن شرق مركز قضاء الزبير حالياً والذي يبعد عن البصرة حوالي ( 25 كم ) الى غربها ، وتبعد عن الزبير 5 كم .
(1) ابن سعد : الطبقات 7 : 6 ، ياقوت : المعجم : مجلد 1 ، 433 .
(2) البلاذري : الفتوح : ص 341 .
(3) Lablash : Vedal :
principlecs of hunan Geography transportati on p . 72

تخطيط مدينة البصرة   ـ 47 ـ

  ومن الملاحظ ان معظم المدن الاسلامية تقع عند التقاء الطرق ، مثلاًً البصرة عند التقاء الطرق البرية والنهرية (1) ، كما ان معظها تنشأ قرب الانهار او انها تطل عليها على ما يذكر كولي تجتذب المدن اليها (2) ، وهذا ما نراه بصورة واضحة في المدن التي نشأة وتطورت على شواطىء دجلة والفرات ، فالبصرة قريبة من شط العرب والتي اشتهرت بانهارها منذ اقدم الازمنة .
  ويذكر الخطاب بأن المدينة أنشئت في بدايتها على شكل معسكر بالقرب من الحافة الشرقية للهضبة الغربية ، وفي موضع اعلى من مستوى الفيضان ، بينما يذكر عن موقع البصرة بأنها تقع قرب الخليج ويمكن الوصول الى شط العرب كما تقع المدينة على حافة الصحراء وبالقرب من الاهواز وعلى الطريق البري والبحري (3) .
  وموقع البصرة على مقربة من ساحل الخليج له اثر جعلها تتميز بناحية دفاعية وهي ذات موقع حصين ، اذ بالامكان صد هجمات الاعداء ، كما ان موقعها على طرف الصحراء أضمن للسلامة اذ دعت الضرورة باالاتصال السريع لداخل الجزيرة العربية لمواجهة اي خطر داهم على ساكن المصر الجديد .
  الظاهر ان منطقة البصرة القديمة كان تمتاز بموقعها العسكري الطبيعي ومما لا شك فيه ان هذا الموقع الستراتيجي المهم ، كذلك وجود الانهار التي

*************************************************
(1) Ghabot ـ G :
Urban Geography . London 1967 . r 120
(2) Gooley ـ C . H :
Theory of transportation Su Sooiological .
Theory and Social Research . 1930 . P . 125 .
(3) Al ـ khatab : op . cit . p . 32 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 48 ـ

تعتبر وسيلة دفاعية تصد الغزاة المعتدين وتعرقل تقدمهم ، والظاهر ان العرب قد ادركوا اهيمة مواقع المدن التي شيدوها قبل الاسلام وخير مثال على ذلك مدينة الحضر (1) .
  وهذه ميزة اخرى لموضع البصرة القديم تبرز اهميته العسكرية كأحسن نموذج للستراتيجية الحربية ، اذ ان وجود الخليج العربي في جنوبه ، وشط العرب في شرقه ، والفرات في شماله ، تؤلف خطوط دفاع عن المدينة المنشأة ، فالجيش الغازي لها سواء كان قادماً من الشمال ( المدائن ) او من الشرق ( بلاد فارس ) يتعسر على جنده العبور الى هذه المدينة .
  ويتضح لنا من النصوص التاريخية السابقة التي اوردها ، الطبري (2) ، وياقوت (3) ، والبلاذري (4) ، بصورة واضحة ، ان الخليفة عمر بن الخطاب اهتم اهتماماً خاصاً في اختيار الموقع التي ستقام عليه مدينة البصرة ، ومن النصوص التاريخية تلك اصبح معروفاً عن المسلمين منذ فجر الاسلام حتى العصور المتأخرة انهم كانوا يتحرون مواضع مدنهم ويتفحصون امكنتها تفحصاً طبوغرافياً لذلك وضعوا شروط

*************************************************
(1) تقع مدينة الحضر في بادية جزيرة العراق ضمن مدينة الموصل على بعد حوالي 70 كم ، وهي ذات موقع ستراتيجي مهم بين نهري دجلة والفرات وبين تخوم الامبراطورية الفارسية والرومانية ، ( انظر : الشمس : ماجد عبد الله ، الحضر ، مطبعة شفيق 1968 ، ص 6 ، كذلك : فؤاد سفرو محمد علي ( الحضر مدينة الشمس ) وزارة الاعلام ( مديرية الآثار العامة ) ( طبع بمساهمة من مؤسسة كولبنكيان ص 17 ) .
(2) الطبري : التاريخ ، جـ 3 : 91 .
(3) ياقوت : المعجم : مجلد (1) : 433 ، مادة بصرة .
(4) البلاذري : الفتوح : 341 .

تخطيط مدينة البصرة   ـ 49 ـ

وقواعد لبناء المدن وتخطيطها (1) .
  اضافة الى ما ذكرناه عن الموقع والموضع فأن للمناخ دوراً في تطور المدن ، فقد حرص العرب منذ البداية ان يكون الموضع المختار لبناء مدنهم التي انشأوها صحياً خالياً من الحشرات وكذلك بعيدة عن المباق والهوام ، وغير موبؤة ولا وخمة الهواء ، كما تمتاز بمناظرها الجميلة ، ومما ترتاح له النفس (2) .

جـ ـ العامل الاقتصادي
  يرى بعض المؤرخين ان سبب تمصير البصرة هو العامل الاقتصادي المتمثل بقلع المواصلات بين الفرس مع اهالي الهند بواسطة الخليج العربي ، لغرض عرقلة حركة التجارة بالنسبة للفرس مع الهند (3) ، كما كانت المنطقة مأهولة لدى العرب فقد كان النشاط التجاري الذي يتمركز في فرضة الابلة يجذب القوافل التجارية العربية الى هذه البقعة التي عرفها العرب في جاهليتهم بأسم ارض الهند (4) .
  نظراً لما يتمتع به موضع البصرة من موقع جغرافي مهم ، سهل على المدينة

*************************************************
(1) العميد : طاهر مظفر : بغداد و ( مدينة المنصور المدورة ) مطبعة النعمان ( النجف 1967 ) ص 129 ، المعاضيدي ، عبد القادر سلمان : واسط في العصر الاموي ( 1974 ) ص 86 ـ 95 .
(2) ابن الاثير : الكامل : جـ 2 : 223 ، ياقوت : المعجم : جـ 4 : 326 ، معروف ناجي : عروبة المدن الاسلامية : ص 29 .
(3) الطرابلسي : نوفل بن نعمة الله بن جرجيس ، صاحية الطرب في تقدمات العرب ، بيروت ّّلاّ . ت ص 140 .
(4) الهمداني : ابو محمد الحسن اليمني : صفة جزيرة العرب ، القاهرة ، مطبعة السعادة 1953 ، ص 204 .