شط العرب وشط البصرة والتاريخ

الدكتور محمد طارق الكاتب

الأهداء
   لذكرى المرحوم والدي الدكتور محمد وداد الكاتب الذي أحب البصرة حباً جماً فقصدها وعاش فيها وعمل من أجل خدمة أهلها وضم جسده تراباً .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 2 ـ

المقدمة
   لقد كان موضوع شط العرب وتاريخ البصرة والأبلة دائماً من المواضيع التي كانت تستهويني وكنت أقضي الساعات الطويلة في قراءة ماكتبه المختصون في مختلف العلوم بهذا الشأن ، وحاولت منذ سنوات أن أجمع لدي كل ما وصل إلى يدي من مطبوعات ومقالات وخرائط لها علاقة بالبصرة وشط العرب .
  ومنذ حوالي تسع سنوات تمكنت نتيجة لما تجمع لدي من معلومات من إعداد خارطة تظهر موقع البصرة القديمة العظمى قرب الزبير ومواقع الأنهر المندثرة التي كانت تمتد آنذاك من شط العرب أو من دجلة العوراء كما كانت تسمى آنذاك الى البصرة القديمة ، وقد ترددت كثيراً منذ أن إعددت هذه الخارطة في نشرها وضننت في إعطائها إلى من طلبها مني خشية الخطأ بسبب عدم وجود حفريات موقعية تثبت مابينت على هذه الخارطة ، ورغم أن الحالة بالنسبة لي لم تتبدل حتى الآن ولا زلت أعتقد أن هذه الخارطة لابد أنه بالإمكان جعلها أكثر دقة وإضافة معلومات جديدة أخرى إليها اذا ما تمت الحفريات الموقعية في المنطقة ، غير انه مع ذلك فهي اول محاولة من نوعها لتثبيت موقع البصرة القديمة واحيائها ومواقع الانهر التي مر فيها ، فقد حاول البعض اعداد مثل هذه الخارطة ولم يتمكن من ذلك فلعل في وجود هذه الخارطة في هذا الكتاب فائدة لمن يهتم بمثل هذه الامور .
   كذلك كنت بحكم عملي في مصلحة الموانئ العراقية من المهتمين في موضوع الترسبات والغرين الذي يحمله شط العرب سنوياً الى الخليج العربي ، وبالتالي تقدم شط العرب سنوياً بسبب هذا الطمى الذي تحمله اليه أنهر دجلة .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 3 ـ

والفرات والسويب وكارون ، ونتيجة لدراساتي في الكتب التاريخية والجغرافية والجيولوجية فقد تمكنت من التوصل إلى بعض الأستنتاجات المفيدة والتي تحدد موقع رأس الخليج العربي خلال القرنين الاول والثاني للهجرة وأن لهذه الإستنتاجات من فائدة لمن يدرس هذا الموضوع سواء من الناحية الجغرافية أو التاريخية أو الجيولوجية فقد وجدت من المفيد أن أرفق خارطة تبين نتيجة دراساتي هذه للموقع المحتمل لرأس الخليج العربي آنذاك .
   إن موقع مدينة الأبلة القديمة كان دائماً من المواضيع التي تثير النقاش والجدال بين من هم على إطلاع بالموضوع ، وأذكر أنني حضرت العديد من المجالس التي ترددت خلالها هذه النقاشات ، وكنت دائماً أود أن أضع كافة المعلومات المتوفرة حول الموضوع في شكل يمكن أن يستنتج منه وبصورة منطقية موقع مدينة الأبلة القديمة على دجلة العوراء وبصورة تنهي هذا النقاش أو الجدل بقدر الإمكان ، وقد حاولت في هذا الكتاب عرض الموضوع بصورة تفصيلية مع الإتنتاجات التي توصلت إليها والتي تشير الى أن مدينة العشار الحالية ( موقع جامع المقام ومحلة مقام علي وغيرها من مناطق العشار القديمة ) هي الأبله القديمة والتي قد يرقى تأريخها حتى زمان الأكديين كما سنرى فيما بعد .
  ولما كنت أرى ضرورة إلمام من يود دراسة هذه المواضيع بالتفاصيل التاريخية والجغرافية التي أعدها المؤلفون القدامى منهم والجدد ، فقد أوردت وبالنص ماكتبه هؤلاء ، وبالرغم من أن هذه الطريقة لها نقائصها وخاصة عندما يذكر المؤلف أمراً لا أتفق معه فيه ، بينت ملحوظاتي حولها بهوامش في بعض الأحيان وتركت التعليق على البعض الآخر لإنني لم أجد ما يثبت العكس أو لإنني لم أجد حاجة للخوض في تفاصيل كثيرة ما تكون لا علاقة لها بموضوعنا وقد جاءت عرضاً من قبل المؤلف الذي أترك له إثبات ما يقوله ، فما أورده مما جاء في بكتابات المؤلفين ليس على سبيل الإستشهاد بهم بل لبيان ماكتبه هؤلاء بما له علاقة بموضوعنا ويقع أمر إثبات أقوالهم عليهم إلا في الحالات التي أشير اليها إلى ذلك وعندئذ فإنني اؤيد ماورد بإقوالهم .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 4 ـ

   إن الفضل الأول لدفعي إلى الكتابة ونشر ما أعددت من دراسات حول شط العرب والبصرة والأبلة يعود إلى المهندس عدنان القصاب المدير العام لمصلحة الموانيء العراقية فقد طلب مني بمناسبة المباشرة بحفر شط العرب أن أكتب في مجلة الموانيء سلسلة من المقالات تبين علاقة هذا النهر الجديد بتاريخ المنطقة ، فكانت النتيجة أن نشرت سلسلة مكونة من ستة أقسام في محلة الموانيء من 30 تموز 1970 ، حتى 31 كانون الأول 1970 بعنوان ( شط العرب وشط البصرة والتاريخ ) فإلى الأخ الفاضل المهندس عدنان القصاب أوجه شكري الجزيل لتشجيعي ونشر هذه المقالات التي كانت أساساً إلى هذا الكتاب .
   كذلك أود أن أسجل هنا شكري العميق للأستاذ ألأديب عبد الجبار الضاحي الشمخاني والذي قدم لي كل المساعدة بتنقيح وتصليح ما كتبته وبإعطائي الآراء والأفكار وخاصة بترجمة الكلمات الفارسية العديدة التي وردت في هذا الكتاب وأوضح لي الكثير مما غلق فهمه علي من نصوص في كتابات الأولين .
   ولما لشط العرب من أهمية كبرى في الوقت الحاضر وحيث انه من مواضيع الساعة خاصة بالنسبة للعلاقات العراقية الأيرنية ، فقد وجدت من المفيد ان الحق بكتابي هذا فصلاً كنت قد كتبته عن ( شط العرب في قضايا الحدود العراقية الأيرانية ) والذي نشر في مجلة القوة البحرية العراقية لعام ( 1969 ) ثم أعيد نشره لمرة ثانية في كتاب محافظة البصرة لعام ( 1970 ) .
   فقد حاولت أن أعرض للقاريء الكريم أمر شط العرب وشط البصرة فيما يتعلق بجغرافيتها وتاريخها وآمل أن اكون قد أوفيت الموضوع بعض حقه وتمكنت من إيضاح بعض أجزاء مما خفي منها لعلني أكون بذلك قد خدمت الجغرافة التاريخية للبصرة العزيزة .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 5 ـ



1 ـ تمهيد

شط العرب في القرن العشرين

يتكون شط العرب حالياً من إقتران نهري الفرات و دجلة في القرنة فيجري من هناك بإتجاه الجنوب الشرقي ولمسافة قدرها حوالي ( 204 ) كيلو مترات حيث يصب في الخليج العربي ويمتد مستمراً في قعر ذلك الخليج لحوالي ( 5 ) كم أخرى ناقلاً مياه أنهر دجلة والفرات والسويب وكارون إلى الخليج العربي بمعدل من التصريف يبلغ ( 35.3 ) الف مليون متر مكعب سنوياً وكميات هائلة من الغرين تقدر بملايين أطنان من الطمى سنوياً وقد إمتد خط الماء الواطيء في الخليج العربي للشاطيء الغربي لشط العرب بما معدله حوالي ( 150 ) متراً سنوياً وبما معدله حوالي ( 100 ) متر للشاطيء الشرقي خلال النصف الأول من القرن العشرين .
   وخلال رحلة الماء في شط العرب من القرنة حتى البحر فإنه يمر ببساتين النخيل التي تكون أكثر من ثلث عدد النخيل الموجود في العراق إذ يقدر عدد النخيل على طول شط العرب بحوالي 14 مليون نخلة حيث تنتج حوالي ( 100 ) إلى ( 150 ) ألف طن سنوياً من التمور وتمتد بساتين النخيل هذه على ضفتي شط العرب وعلى محاذاتها بعمق يتراوح بين كيلو مترين إلى ثلاثة أو أربعة فيدخل الماء الأنهار والسواقي الصغيرة ثم يخرج منها مرتين تقريباً يومياً بفعل المد والجزر تلك الظاهرة الطبيعية التي طالما حيرت العقل البشري لإسباب حدوثها

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 6 ـ

مع العلم إن الجغرافيين العرب ربطو هذه الظاهرة بحركة القمر حول الأرض فقال أبو القاسم بن حوقل النصيبي في كتابه ( صورة الأرض) ( ص 54 ) والذي كتبه خلال سفرته التي بدأت يوم الخميس لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة للهجرة .
   ( أما المد والجزر فإنه من أعجب الأشياء وذلك إنه يبتديء بالمد عند طلوع القمر ولايزال يتزايد إلى أن يصير القمر في وسط السماء ثم يبتديء بالجزر إلى أن يحصل القمر في أفق المغرب ثم يبتديء بالمد عند طلوع القمر ولايزال يتزايد إلى أن يصير القمر في درجة الرابع وتد الأرض يبتدأ بالنقصان إلى وقت طلوع القمر ويعود في الزيادة وتختلف أوقاته بإختلاف طلوع القمر ومغيبه وتبارك الله أحسن الخالقين ) .
   أما عرض شط العرب فيتراوح بين عدة مئات من الأمتار في أماكن مختلفة منها حوالي ( 400 ) متراً أمام مدينة العشار حتى حوالي ( 1500 ) متر عند مصبه بالخيج العربي أما عمقه فيسمح للبواخر الكبير بغاطس حوالي ( 9 ) أمتار بالوصول إلى المعقل وبغاطس ( 9.75 ) أمتار بالوصول إلى عبادان وحوالي ( 10.75 ) متراً إلى الفاو آخذين بنظر الإعتبار إرتفاع المياه في شط العرب بسبب المد .
  إن الأنهر الرئيسة التي تصب في شط العرب هي كما بينا سابقاً الانهر الاربعة دجلة والفرات ( بمجرييه الأعلى عند القرنة والاسفل عند كرمة علي شمال المعقل ) والسويب وكارون ، غير أن عدد الانهر والترع والسواقي الصغيرة التي تتفرع من شط العرب تقدر بالآلاف فمنها أنهار رئيسية معروفة مثل نهر الشافي ونهر الماجدية والرباط الخندق والعشار والخور والسراجي ومهيجران وحمدان والحمزة وأبو مغيرة وأبو الخصيب وأبو الفلوس وكلها على الضفة الغربية لشط العرب وأنهر تقع على الضفة الشرقية لشط العرب منها نهر كتيبان ونهر الكباسي وشط العرب الصغير والخيين وغيرها كثير .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 7 ـ

   وبمحاذاة شط العرب من الغرب وإبتداءٍ من القرنة ولمسافة سبعين كيلو متراً يمتد هور (1) الحمار بما فيه من قصب وبردي ومستنقع ماء مكوناً بحيرة كبيرة يمر بها ماء الفرات وما يصل إليها من شط العرب من الماء خلال المد .
  ثم نجد وبمحاذاة شط العرب أيضاً لنصفه الأسفل وعلى بعد منه يتراوح بين ( 20 ) و ( 50 ) كيلو متراً طريقاً للماء يعرف بخور الزبير يتصل مباشرةً بالخليج العربي عن طريق خور عبد الله وخور شيطانة (2) .
   ويمتد خور الزبير هذا شاقاً الأرض الصحراوية غرب شط العرب لمسافة قدرها حوالي ( 40 ) كيلو متراً مكوناً في نهايته الشمالية ( بما يشبه الكف ) حوضاً يجتمع فيه ماء البحر المالح بسبب فعل المد (3) من الخليج العربي .

 ************************************************
(1) الهور ( بفتح الهاء وسكون الواو ) وجمعه أهوار فهو البحيرة تجري إليها مياه غياض وآجام فتتسع فهي تتكون عادة من تجمعات المياه العذبة التي تنقلها الأنهار فيكثر فيها القصب البردي لدينا بهور الحمار وهور الحويزة وغيرها من الأهوار في جنوب العراق أمثلة عديدة لما يقصد بكلمة الهور .
(2) الخور ( بفتح الخاء وسكون الواو ) في اللغة هو المنخفض من الأرض بين النشزيين أي بين المرتفعين وتستعمل كلمة الخور أذا كان لدينا طريق للماء في الارض فهناك مثلاً خور عبد الله وخور الزبير وخور موسى وكلها ( أخوار ) تمتد من الخليج العربي في الأرض وهي جميعاً مداخل لماء البحر المالح وإضافة لذلك فإن المنخفض الموجود بين المرتفعين في قعر البحر يسيمى خوراً أيضاً فإذا بدأ المنخفض من البحر وإنتهى في اليابسة أو قربها فهو خور ولدينا مثل على ذلك بخور العمية ( بفتح العين وسكون الميم وفتح الياء ) حيث يوجد الميناء العميق لتحميل ناقلات النفط الضخمة في الخليج العربي قرب مدخل شط العرب ، وهناك أيضاً مثل خور العمية عبارة عن وادي تحت قعر البحر يبدأ في البحر وينتهي فيه .
(3) المد والجزر ظاهرة طبيعية تحصل مرتين يومياً تقريباً بعد المد في المدن الساحلية وكان أول من قام وبصورة علمية بإحتساب إرتفاعات المد والجزر العالم الرياضي الشهير ( نيوتن ) حيث وضع نظريتها العامة وقد تلاه عدد كبير من العلماء وبالإمكان حالياً تقدير الجزر والمد الذي يحصل في أية بقعة على سطح الأرض وإحتسابها بدقة كبيرة .
وفي الواقع إنني لاأريد الخوض في هذا الموضوع فهو أمر طويل ويتطلب كتابة الكثير عنه لإعطاء فكرة كاملة عن ذلك وقد أعود إليه في يوم من الايام .
أما الصيهود فبالغة هي الفلاة لاشيء فيها ولاماء ويقصد بذلك مواسم شحة الماء ففي جنوب العراق يعتبر الموسم من شهر تموز حتى حوالي شهر تشرين الأول موسم الصيهود أي شحة الماء ، فكمية المياه العذبة التي تصل شط العرب تكون قليلة وبالتالي فتشح المياه العذبة ويعتبر الموسم صيهود أي أن الجزر هو امر يومي بينما الصيهود هو امر موسمي .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 8 ـ

  ويتعرض شط العرب إلى الفيضان دورياً بسبب فيضانات أنهر دجلة والفرات وكارون وكرخة وكثيراً ما تتغطى الاراضي الزراعية على جانبيه كما حصل خلال الاعوام 1969 و 1654 و 1946 بمياه الفيضان فيصل تصريف شط العرب في مصبه إلى حوالي ( 4500 ) متر مكعب في الثانية وخاصة إذا ماحدثت فيضانات هذه الأنهر سوية وفي وقت واحد وبالرغم من السداد الذي تقام على الأرض فإن الماء يتسرب إليها بفعل تأثير المياه الجوفية وبسبب كسر بعض السداد بقوة مياه الفيضان .
  وإذا ما توغلنا غرباً عن شط العرب وبعد أن ننتهي من بساتين النخيل التي تحاذيه نجد أرضاً قاحلة لا نبت فيها ولا زرع تكسوها طبقة الأملاح غير أنها لاتزال تشير إلى أنها كانت في زمان ليس ببعيد أرضاً زراعية خصبة فآثار الأنهر القديمة المندرسة وآثار السدود والتلال التي تكونت بسبب رفعة الطبقة العليا من التربة قبل ألف عام لا زالت ظاهرة للعيان ومن يركب الطائرة من المعقل إلى الفاو أو إلى الكويت يجد مساحات واسعة من هذه الاراضي القاحلة مؤشرة بخطوط مستقيمة تتوالى الواحدة بعد الأخرى كل حوالي مائتي متر وخاصة في الشكل المثلث المكون بين أبي الخصيب حتى خور الزبير ومن هناك إلى أمام عبادان كذلك الحال في المنطقة الرباعية الشكل المحصورة بين الشعيبة والزبير والمعقل والبصرة ، فهنا آثار الترع والأنهار الصغيرة والسواقي والأنهار الكبيرة التي كانت في يوم من الأيام جنة من جنان الأرض بخضرة بساتينها وكثرة ثمارها .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 9 ـ

2 ـ دجلة والفرات وشط العرب لدى الجغرافيين الأغريق والرومان
   لم يكن شط العرب والأجزاء السفلى لنهري دجلة والفرات خلال القرون القليلة قبل وبعد الميلاد على ماهي عليه الآن فمثلاً كان نهر دجلة يصب في الخليج العربي مباشرةً وكذلك كان الحال لنهر الفرات ، ولهذا الامر شواهد عديدة فقد ورد في سجلات سنحاريب لحملته ضد عيلام عام 696 قبل الميلاد (1) بإن الأسطول الآشوري في طريقه من آشور إلى البحر المر (2) إنتقل من دجلة إلى الفرات في أوبس ( مجهولة الموقع ) ومن هناك إستمر الأسطول والمحاربون نزولاً في الفرات بينما سار سنحاريب محاذياً لهم بالبر ثم إلتقيا في باب سالمتي ( مجهولة الموقع ) (3) التي تقع مرتين ضعف الساعة بطريق البر من ضفة الفرات حتى ساحل البحر .
  هكذا جاء وصف الفرات في سجلات سنحاريب فهو قد إنتقل من دجلة إلى الفرات في محل ما من بابل ومن هناك إستمر حتى البحر تاركاً المسير في دجلة لإسباب نجهلها غير أن الواضح أن دجلة كان يسير في مجرى آخر عن الفرات وإن كلاً منهما يصب على حدة في البحر وإن باب سالمتي تبعد مسيرة أربع ساعات عن البحر على ضفة الفرات .

  ************************************************
(1) مجلة سومر ـ جورج رو ـ صفحة 31 المجلد السادس عشر .
(2) البحر المر ـ هو الإسم الذي كان يطلقه الآشوريون على الخليج العربي .
(3) قد تكون باب سلامتي ( أي باب سلامة ) هي البصرة القديمة فكما سنرى فيما بعد أن الإسم قريب من أسماء البصرة القديمة إضافة إلى أن بعدها يقع على مسافة أربع ساعات من السير أي حوالي عشرين كيلو متراً عن البحر وهي بعد البصرة القديمة عن نهاية خور الزبير .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 10 ـ

   كذلك الحال حينما نقرأ تاريخ سفرة ( نياكورس ) قائد إسطول الإسكندر المقدوني والذي غادر الهند في تشرين الثاني عام 326 قبل الميلاد بإسطول يحتوي على ( 1800 ) سفينة ( وبصحبته أندروسشينس من مدينة ثاسوس وأرستوبولس وأورثا غوراس وكانا من رجال البحر ) سارت بمحاذاة الضفة الشرقية للخليج العربي وبدلاً من دخوله نهر كارون ( وكان يسمى نهر يولايس ) من مصبه في الخليج العربي عبر نياركوس هذا المدخل ودخل في مصب الفرات حتى وصل مدينة ( ديريدوتس ـ تريدون ) وهنا في هذه المدينة أعلموه أنه قد أخطأ الطريق فعاد مرة أخرى إلى الخليج العربي ومنه إستمر حتى وصل إلى مصب نهر يولايس فدخل منه حتى وصل قرب الأحواز الحالية على الطريق المؤدية إلى شوش وكان ذلك يوم 24 شباط 325 قبل الميلاد بعد رحلة دامت 146 يوماً .
  لم يتوفق أكثر الكتاب الأجانب إلى تعيين موقع مدينة ديريدوس ( تريدون ) بصورة صحيحة وقد إعتمد أكثرهم على خارطة الكولونيل جنسي المطبوعة عام 1849 قبل ميلادية وبين موقع هذه المدينة قرب جبل سنام غير أن العلامة هارتمان في دائرة المعارف الإسلامية أشار إلى رواية ساقها الجوهري في تاج العروس فقال :
( البصرة بلد معروف وكانت تسمى في القديم تدمر والموئتفكة لانها أئتفكت بأهلها اي انقلبت في أول الدهر ) ويقول ظناً ويقول هي قلب لكلمة ( تردم ) أي تردن .
   ولو أضفنا إلى هذه الرواية ما جاء بمعجم البلدان لياقوت بما كتبه عن الخريبة وهو النص التالي :
   ( بلفظ تصغير خربة موضع البصرة وسميت بذلك فيما ذكره الزجاجي لإن المرزبان (1) كان قد إبتنى به قصراً وأخرب بعده فلما نزل المسلمون البصرة

 ************************************************
(1) المرزبان كلمة فارسية تتكون من المرز الحدود وبان أي الحارس ومعناها حارس الحدود .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 11 ـ

إبتنوا عنده وفيه أبنية سموها الخريبة وقال حمزة بنيت البصرة سنة 14 من الهجرة على طرف البر إلى جانب مدينة عتيقة من مدن الفرس كانت تسمى ( وهشتا باذ أردشير ) فخربها المثنى بن حارث الشيباني بشن الغارات عليها فلما قدمت العرب إلى البصرة سموها الخريبة وعندها كانت وقعة الجمل بين علي وعائشة ) .
   فيظهر لنا أن الأسم الفارسي ( وهشتا باذ أردشير ) قد أطلق على مدينة ديريدوتس ( تريدون ) خلال الحكم الفارسي للمنطقة وكذلك كما اطلق اليونانيون اسم ( ديريدوتس ) على ( تردم ) بعد الإستيلاء عليها ثم خربت هذه المدينة فسماها العرب ( خريبة ) ثم دخلت في خطط البصرة بعد الفتح الإسلامي وكانت تقع في الجهة الشمالية الشرقية لمدينة البصرة القديمة .
   وإذن فالبصرة القديمة كانت تقع على مجرى الفرات القديم إلى البحر ومن يدرس التصاوير الجوية للمنطقة حالياً يرى مجرى لنهر قديم يمر بالبصرة القديمة نحو الجنوب إلى خور الزبير مخترقاً هذا الخور في منطقة يتفرع فيها الخور إلى عدة أقسام ثم يختفي أثره في الصحراء بالجزء المحصور بين شط العرب وخور الزبير حالياً وإن أسم البصرة قبل الفتح الإسلامي كان ( وهشتا باذ أردشير ) وقبلها ( ديريدوتس ) وقبلها ( تردن ) و ( تردم ) ولاندري إن كان إسمها قبل ذلك ( باب سالمتي ) ، ولو قارنا معاني هذه الأسماء المختلفة لمدينة البصرة القديمة نجد أن هناك علاقة وثيقة بينهما فمن الواضح أن إسم ( باب سالمتي ) يقصد به ( السلامة ) ويقصد به الوصول إلى السلامة نسبة إلى لراكب البحر عند نزوله الى البر في هذه المدينة .
   أما كلمة تريدون teredon وهي الصيغى التي ورد بها إسم هذه المدينة بكتابات المؤرخين الأغريق فلا شك أن أصل هذه الكلمة هي أما ( تردن ) بفتح التاء وسكون الراء وضم الدال وسكون النون أو ( تردم ) وقد كتب لي حضرة

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 12 ـ

العلامة الفاضل المطران جبرائيل كني رئيس أسقافة البصرة على الكلدان بمعاني الكلمات التالية باللغات الأرامية واليونانية ومنه أورد النص التالي :
1 ـ تردم
   كلمة آرامية مركبة من ( ترعا ) أي ( باب ) و ( د ) حرف الإضافة و ( يم ) أي البحر بمعنى باب البحر وإن بعض القبائل الآرامية كانت تحذف حرف العين من الأسماء عند إضافتها مثلاً أربيل وأصلها ( إرع بيل ) أي أرض الإله بيل أو ( أربع إيل ) الآلهة الأربعة .
2 ـ تردن
  كلمة آرامية مركبة من ( ترعا ) أي باب وفي حالة الجزم بالآرامية تكون ( ترع ) و ( د ) للإضافة و ( عدن ) أي عدن أو فردوس عدن وكما قلنا أعلاه حذف حرف ( ع ) من الكلمة الأولى ومن بداية الثانية فأصبحت ( تردن ) أي باب عدن .
3 ـ طريدون
   هي تحريف لكلمة تردن من المؤرخين أو الرحالة الغربيين الذين قصدوا هذه الديار وبسبب التلفظ الحقيقي بإسماء المدن والمواقع التي مروا بها أو كتبوا عنها بلغاتهم وإكتفائهم بسمعها على لسان العامة دون التحقق عن لفظها الأصل وأخذوها على علاتها فتحرفت والأمثلة على ذلك عديدة منها ماجاء في رحلات الأفرنسي تافرنيه فطريدون وهي تحريف لكلمة تردن أي باب عدن ( أي الفردوس الأرضي ) .
4 ـ ديريدوتس
   كلمة يونانية مركبة من ( ديرا ) أي ( باب ) و ( إيداتوس ) أي مياه كما جاء في كتب الصرف والقواميس الأغريقية فإن إسم ماء بالمفرد بالإغريقي هو ( أيدور )

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 13 ـ

وبما أن تصريف هذا الأسم هو شاذ فيصبح بالجمع ( إيداتور ) وتعريبه المياه فتكون كلمة ( ديريدوتس ) بالعربية ( باب المياه ) أي ( باب البحر ) أو للقادم من البحر إلى البر تكون باب المياه نهري دجلة والفرات العظيمين ) .
   ولو أضفنا إلى ما أوردناه أعلاه معنى الكلمة ( وهشتباذ أردشير ) فمن المحتمل أن أصل كلمة ( وهشتباذ ) هي ( بهشت آباد ) تعني ( مدينة الجنة ) أما أردشير فهي نسبة إلى أحد ملوك الفرس .
   فأعتقد أن العلاقة أصبحت واضحة بالنسبة لتسمية البصرة فهي قد تكون سميت أولاً ( باب السلامة ) ثم أصبحت ( باب البحر ) عندما سميت ( تردم ) ثم كانت ( باب عدن ) عندما تحرفت الميم وأصبحت نوناً فكانت ( تردن ) وعندما جاءها الإغريق بعد الإسكندر المقدوني ترجم إسم المدينة إلى ( ديريدوتس ) وهو ( باب المياه ) ثم عادت فسميت زمن الفرس ( مدينة الجنة ) ترجمة إلى الفارسية من كلمة ( تردن ) التي كانت تعني ( باب جنة عدن ) فهذه البصرة القديمة إذا كانت ( باب البحر ) أو ( باب المياه ) أو باب ( جنة عدن ) فالقادم من البحر إلى هذه المدينة يرى جنة الله في أرضه وبلاد ما بين النهرين أطلق عليها ( جنة عدن ) منذ قديم الزمان فليس غريباً إذا أن يكون إسم البصرة باب هذه الجنة .
   إن حقيقة كون نهري دجلة والفرات كانا يصبان في الخليج العربي مباشرةً قد ذكرها عدد من الجغرافيين الأغريق فمنهم إيراتوسثنس ( 276 ـ 194 قبل الميلاد ) الذي أشار إلى أن تريدون يقع قرب مصب الفرات في الخليج العربي كذلك الأمر بما أورده الجغرافي سترابوا ( ولد عام 63 قبل الميلاد ) ، فيقول ( أن الملاحة ممكنة في دجلة من مصبه حتى أوبس حتى سلوقيا كذلك الفرات فهو صالح للملاحة حتى بابل لمسافة تزيد عن 3000 ستاديا ) فلو

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 14 ـ

علمنا أن الستاديا اليونانية تقابل حوالي 197 متراً أي أقل ( 200 ) متر فتكون المسافة التي تصلح الملاحة فيها ذلك الوقت في الفرات ( 600 ) كيلو متر .
   أما بلايني ( 23 ـ 79 بعد الميلاد ) ففي الأجزاء الخاصة بجغرافية البلدان من كتابه ( التاريخ الطبيعي ) فإنه يشير إلى نهري دجلة والفرات بعض التفصيل فيقول عن الأجزاء الجنوبية لهذين النهرين مايلي :
( يقول نياركس وأوتيسكريتس أن المسافة نهراً من البحر حتى بابل عن طريق الفرات هي أربعمائة وإثنا عشر ميلاً ويقول بعض الكتاب أن الفرات يستمر مجراه في قناة واحدة لمسافة سبعة وثمانين ميلاً بعد بابل قبل إنقسامها إلى قنوات عديدة لإغراض الري وحينما يكف نهر الفرات خلال مرروره في مجراه عن المحافظة على من يسكن على ضفتيه كما هي الحال عندما يقرب من جاراكس يكثر في المنطقة ( الأتالي ) وهم سكانها العرب وبعد ذلك يسكن السيناتي ( البدو الرحل ) .
  ثم يتكلم بلايني عن نهر دجلة في أجزائه العليا ثم إنقسامها إلى قسمين ثم إلتقائها ويستمر بالنص التالي :ـ
  ( يستمر مجرى النهر بين سلوقيا والمدائن فيصب في البحيرات الكلدانية والتي تمتد لمسافة ( 70 ) ميلاً ويخرج منها بقناة واسعة ( أي شط العرب ) فيمر يمين مدينة جاركس وثم يصب في البحر الفارسي ( الخليج العربي ) حيث يبلغ عرض المصب عشرة اميال ، كانت المسافة بين مصبي دجلة والفرات في البحر تبلغ سابقاً خمسة وعشرين ميلاً ويقول بعض الكتاب أنها تبلغ سبعة اميال فقط وكلاهما صالح للملاحة حتى البحر غير أن الأورجيني وغيرهم من سكنة هذه الضفاف قد أنشأ السداد على مياه الفرات لإغراض الري وفي الوقت الحاضر لايمكن لنهر الفرات التصريف إلى البحر إلا بواسطة دجلة ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 15 ـ

ثم يصف بلايني مدينة جاراكس ( يعتقد البعض أنها مدينة المحمرة الحالية ) فيقول :
   ( تقع مدينة جاركس في أقصى نهاية الخليج العربي ( يلاحظ هنا إستعمال بلايني تعبير الخليج العربي وليس البحر الفارسي ) حيث تبدأ الأجزاء المهمة من بلاد العرب ( يوديمون أي السعيدة ) وهي مبنية على مرتفعات صناعية يمر على يمينها نهر دجلة وعلى يسارها نهر يولايس وتقع على قطعة أرض طولها ثلاثة أميال قريبة جداً من ملتقى هاذين النهرين وقد أسست هذه المدينة من قبل الأسكندر الأكبر وبأمر منه سميت الإسكندرية غير أن هذه المدينة دمرت بسبب فيضان النهرين وقد أعاد بناءها أنتيوكس وأسماها بإسمه ثم دمرت مرة أخرى ثم قام باسينس ( ملك البلاد العربية المجاورة ) بإعادة بناءها وإنشاء السداد للمحافظة عليها وأسماها بإسمه وتمتد هذه السداد لمسافة ثلاثة أميال أما عرضها فأقل قليلاً وتقع على بعد ( 10 ) ستاديا من الساحل ( أي كيلو مترين ) ولها ميناءها الخاص غير أنه بالنسبة إلى جوبا فإنها تبعد ( 50 ) ميلاً عن البحر وفي الوقت الحاضر فإن السفراء من بلاد العرب وتجارنا الذين قاموا بزيارة المنطقة يقولون إنها لم تقع على بعد مائة وعشرين ميلاً ساحل البحر ، ففي الحقيقة لايوجد موقع في العالم حيث ترمى الانهر الطمى اكثر هذه المنطقة والعجيب أن مياه المد والتي تمتد لمسافة بعيدة هذه المدينة لاتعيد هذه الطمى ) .
   ثم يصف بلايني الساحل العربي في الخليج العربي فيقول :
   سنصف الآن الساحل بعد تركنا جراكس والتي جرى كشفها بإمر الملك أنتيوكس إبيفانس ( 176 ـ 164 قبل الميلاد ) نصل أولاً إلى المحل الذي كان مصب الفرات وهو نهر سالسس ومنتهى بلاد الكلدان ، أن البحر في هذه المنطقة ولمسافة ( 50 ) ميلاً عبارة عن سلسلة من الدوامات بدلاً من البحر العادي ثم نصل نهر أرجينس ثم صحراء لمسافة مائة ميل حتى نصل جزيرة أكارا وخليج كابيوس ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 16 ـ

ثم هناك كتاب آخر كتبه بحار أغريقي من برنيكة ( ميناء مصري على ساحل البحر الأحمر ) مجهول الإسم حوالي عام 80 بعد الميلاد يصف فيها التجارة في البحر الاحمر والخليج العربي فيصف الخليج العربي ويقول :
ومن هذا المضيق ( أي مضيق هرمز ) يمتد الخليج إلى الداخل وفي نهايته ميناء تجاري يعرف بإسم مدينة أبولوكس ( الأبله ) وتقع قرب باسينو خاراكس ( جاراكس ) ونهر الفرات ) .
   ويقول الدكتور جواد علي في ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) عن الأبله الصفحة ( 20 ) مايلي :
   ( أبو لوكس ) apologus هي ( أوبولم ) ubulum في الكتابات الأكدية وق ورد في نص أيام الملك ( تغلت فلاسر ) الثالث اسم قبيلة u - bu - lu كما ورد هذا الإسم على هذه الصورة : u - bu - lum في جملة أسماء القبائل التي إنتصر عليها ( سرجون الثاني ) ويرى ( كلاسر ) صلة بين apologus و ( أبلة ) وإسم هذه القبيلة التي تقع مواطنها على رأيه في جنوب العراق ) .
   فعلى ذلك فإن مدينة الأبلة قد ترقى نسبة إلى هذه القبيلة إلى العهد الأكدي وإن التسمية أبولوكس التي إستعملها الجغرافيون الأغريق هو تحريف لكلمة ( الأبلة ) الأكدية الأصل فقد حور الأغريق كلمة ( الأبلة ) هذه ، وجعلوها قريبة من إسم الآلهة ( أبولو ) ، بينما الظاهر مما أوردناه أعلاه أن ذلك غير وارد ، وفي الوقت الذي كانت توجد فيه بلدة الأبلة خلال العهد الأكدي فهناك وعلى بعد حوالي عشرين كيلو متراً وبإتجاه الجنوب الغربي منها كانت تقع ( باب سلامتي ) والتي أشرنا إلى إحتمال كونها البصرة القديمة فمدينة ( باب سلامتي ) كانت موجودة عندما مر بها سنحاريب عام ( 696 ) قبل الميلاد .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 17 ـ

   فيظهر لنا مما أورده الجغرافيون الأغريق والرومان أن دجلة كانت تصب مباشرةً في الخليج العربي وتقع على ضفتها الشرقية مدينة جاراكس وعلى ضفتها الغربية مدينة الأبلة وأن الفرات كان يصب في الخليج العربي مباشرةً كانت تقع مدينة ديريدوتس ( تريدون ـ البصرة ) أما شط العرب الحالي فكان جزءاً مما كان يسمى بنهر دجلة في ذلك الوقت ونهر كارون ( نهر يولايس ) والذي كان يصب في الخليج العربي مباشرةً فيحتمل أنه كان أيضاً على إتصال بدجلة وبقناة كانت تقع قرب ملتقاهما مدينة جاراكس .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 18 ـ

3 ـ شط العرب في العهد الساساني وقبيلة فتح الاسلامي
  يعلمنا المؤرخون الجغرافيون القدماء أن دجلة أبدلت مجراها خلال العهد الساساني فيقول مثلاً أبو علي أحمد بن عمر بن رسته ( المتوفي عام 360 هـ ) في كتابه الأعلاق النفيسة صفحة 95 :
( ثم لأن دجلة هذه التي هي اليوم سكرت من عند الخيزرانية ليعود الماء إلى دجلة العوراء وينفذ إلى المذار ( موقع قبر عبد الله بن علي بن أبي طالب ( ع ) ـ جنوب العمارة ـ فيصير إلى بقية دجلة العوراء فخرقت وأنفق عليها كسرى مالاً عظيماً فاعياه ذلك وجرت دجلة في موضعها الذي هو اليوم بين يدي واسط فصارت البطائح ( الأهوار ) هذه التي تكون اليوم فأوعرت دجلة من ذلك الموضع المكسور الى مذار وبطلت تلك البطائح التي كانت بجوخي فبقي من دجلة العوراء من المذار إلى بحر الهند وذلك مقدار ثلاثين فرسخاً وهي دجلة البصرة وإليه ينتهي مد البحر ومنه يجزر إذا رجع الماء الى البحر ورام بعد ذلك خالد بن عبد الله ان يسكرها وأنفق الاموال فسفت دجلة ذلك البنيان وأصله اليوم يرى إذا قل الماء في دجلة من أجر وصاروج وربما طفت به السفن ) .
   وفي الواقع أن نهر دجلة قد إبدل مجراه عام ( 628 ) ميلادية فقد كان نهر دجلة قبل ذلك التاريخ يجري في موقع يماثل مجراه الحالي في القرن العشرين ويمتد حتى البحر جنوب عبادان غير أنه بسبب الفيضان الكبير الذي حدث في تلك السنة فقد أبدل دجلة مجراه إلى موقع غربي المجري الأصلي فصار يمر

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 19 ـ

بموقع مدينة واسط ، أما مجرى دجلة الواقع بين البصرة الحالية إلى قرب قلعة صالح الحالية فقد بقي كما هو ويصله الماء من الأهوار وبسبب المد فسمي ذلك الجزء دجلة العوراء إذ أن هذا الجزء من دجلة قد إعور أي أصبح بدون ماء ففي اللغة يقال : عار عين الماء أي دفنها وكبسها بالتراب حتى تنسد عيونها ، ويقال : فلات عوراء أي صحراء لا ماء فيها فعندما يقال أعورت دجلة أي أصبحت بدون ماء ويقصد الماء العذب الذي كان يجري إليها من دجلة . . أي أن النهر الذي كان يجري شرق مدينة الابلة القديمة كان يسمى نهر دجلة حتى عام 628 م ثم سمي بعدها دجلة العوراء وبقي كذلك طيلة حوالي اربعة قرون سمي بعدها شط العرب فلأنه نهر العرب وسيبقى كذلك أبد الدهر .
   ويقول لسترنج في كتابه بلدان الخلافة الشرقية ( 1905 م ) ـ ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد ـ ( صفحة 44 ) بهذا الشأن مايلي :
  ( ودجلة الحالي على مايرام في الخارطة الحديثة يجري في شط الحي مثلاً من عند قرية يقال لها اليوم كوت العمارة ( كوت ) وهي في موضع بلدة ماذرايا القرون الوسطى ومجرى دجلة الحالي هذا لى القرنة هو المجرى نفسه الذي كان أيام الساسانيين على مايبدو حين لم تكن البطيحة العظمى التي وصفها البلدانيون العرب قد تبطحت وقد ذهب المؤرخ البلاذري إلى أن نشأة البطيحة كانت في أيام قباذ الأول ( 488 ـ 531 بعد الميلاد ) الملك الساساني وقد تولى العرش في أوآخر المئة الخامسة للميلاد ، ففي أيامه أغفل امر السدود في دجلة إغفالاً دام سنين كثيرة وإرتفعت المياه فتدافقت من جملة بثوق فغلب الماء على ما كان من الأرضين منخفضاً في جنوبه وجنوبه الغربي ، وفي عهد أنوشروان العادل بن قباذ وخليفته ( 531 ـ 579 بعد الميلاد ) رممت السدود بعض الترميم حتى عادت تلك الارضين إلى عمارتها وزراعتها ، إلا أنه في عهد كسرى أبرويز ( 590 ـ 628 م ) وقد عاصر النبي محمد ( ص ) زادت الفرات ودجلة ثانية في نحو السنة السابعة والثامنة للهجرة ( 629 م ) ( يقول المترجمان هنا أن هذا التاريخ خطأ

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 20 ـ

والصحيح أن الزيادة حصلت سنة 628 م في آخر سنة لحكم كسرى أبرويز والتي تقابل سنة 6 و 7 للهجرة ) زيادة عظيمة لم يرى مثلها قبل ، وإنبثقت بثوق عظام في مواضع لا تحصى وغلب الماء على الارضين وعلى ما جاء في البلاذري أن كسرى أبرويز ركب بنفسه لسد تلك البثوق بعد فوات الأوان ، ونشر الأموال على الأنطاع وقتل الفعلة بالكفاية وصلب على بعض البثوق فيما يقال أربعين جساراً في يوم فلم يقدر للماء على حيلة ، ولما لم تعد المياه إلى حالها الأول أصبحت ماغمرته من بقاع بطيحة دائمة ، إذ أنه للفوضى التي سادت السنوات التالية ولقيام الجيوش الإسلامية بإكتساح بلاد مابين النهرين ولإنحلال المملكة الساسانية بقي حال السدود على ما آلت إليه مغفلة بطبيعة الحال ، فكانت البثوق تنفجر فلا يلتفت إليها ويعجز الدهاقين ( أي النبلاء الفرس الذين كانوا يملكون تلك الأرض ) عن سد معظمها فإتسعت البطيحة وعرضت ) .
   يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان ـ المجلد (1) صفحة ( 668 ) عن البطيحة وكيف تكونت :
   ( البطيحة بالفتح ثم الكسر وجمعها البطايح والبطيحة والبطحاء واحد وتبطح السيل أذا إتسع في الأرض وبذلك سميت بطايح واسط لأن المياه تبطحت فيها أي سالت وإتسعت في الأرض وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة وكانت قديماً قرى متصلة وأرضاً عامرة فإتفق في أيام كسرى أبرويز أن زادت دجلة زيادة مفرطة وزادت الفرات أيضاً بخلاف العادة فعجز عن سدها فتبطح الماء في تلك الديار والعمارات والمزارع فطرد أهلها عنها فلما نقص الماء واراد العمارة أدركته المنية وولى بعده إبنه شيرويه فلم تطل مدته ثم ولى نساء لم تكن فيهن كفاية ثم جاء الإسلام فإشتغلوا بالحروب والجلاء ولم يكن للمسلمين درية بعمارة الأرضين فلما ألقت الحروب أوزارها وإستقرت الدولة الإسلامية قرارها إستفحل أمر البطايح وإنفدت مواضع البثوق وتغلب الماء على النواحي ودخلها العمال بالسفن فرأوا فيها مواضع عالية لم يصل الماء إليها فبنوا فيها قرى وسكنها قوم وزرعوها

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 21 ـ

الأرز وتغلب عليها في أوائل أيام بني بويه أقوام من أهلها وتحصنوا بالمياه والسفن وجيرت تلك الأرض عن طاعة السلطان وصارت تلك المياه لها كالمعاقل الحصينة إلى أن إنتفضت دولة الديلم ثم دولة السلجوقية فلما إستبد بنو العباس بملكهم ورجع الحق إلى نصابه رجعت البطايح إلى أحسن نظام وجباها عمالهم كما كان في قديم الأيام ، وقال حسان بن السخت الجرجني حضرت الحسين بن عمرو الرستمي وكان من أعيان قواد المأمون وهو يسأل الموبذان من خراسان ونحن في دار ذي الرياستين عن النوروز المهرجان (1) وكيف جعلها عيداً أوكيف سميا فقال الموبذان أنا أنبئك عنهما : إن واسط كانت في ايام بن دارا تسمى إفرونية ولم تكن على شاطيء دجلة وكانت دجلة تجري على سننها في ناحية بطن جوخا فإنبثقت في أيام بهرام جور زالت على مجراها إلى المذار وصارت تجري إلى جانب واسط منصبة فغرقت القرى والعمارات التي كانت موضع البطايح وكانت متصلة بالبادية ولم تكن البصرة ولا ما حولها إلا الأبلة فإنها من بناء ذي القرنين وكان موضع البصرة قرى عادية مخوفاً بها لا ينزلها أحد ولايجري بها نهر إلا دجلة الأبلة فأصاب القرى والمدن التي كانت في موضع البطايح وهم بشر كثير وباء فخرجوا هاربين على وجوههم وتبعهم أهاليهم بالأغذية والعلاجات فأصابوهم موتى فرجعوا فلما كان أول يوم من فرودين ماه من شهور الفرس أمطر الله عليهم مطراً فأحياهم فرجعوا إلى أهاليهم فقال ملك ذلك الزمان هذا نوروز أي هذا يوم جديد فسمي به فقال الملك هذا يوم مبارك فأن جاء الله عز وجل فيه بمطر وإلا فليصب الماء بعضهم على بعض وتبركوا به وصيروه عيداً فبلغ المأمون هذا الخبر فقال إنه لموجود في كتاب الله وهو قوله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) الآية ( البقرة 243 ) .

 ************************************************
(1) عيد نوروز والمهرجان :
شيير المسعودي في ( مروج الذهب ومعادن الجوهر ـ الجزء الثاني ـ ( مطبعة دار الأندلس ـ صفحة 186 ) يوم نوروز فيقول ( شهور الفرس كلها ثلاثون يوماً فأولها فرودين ماه وأول يوم منه النيروز ( بإستعمال الياء بدلاً من الواو ) وبينه وبين المهرجان مائة وأربعة وسبعون يوماً ( وفي نسخة أخرى مائة وأربعة وتسعون يوماً وفي نسخة أخرى مائة وأربعة وسبعون يوماً وقد سبق أن بينها مائة وتسعة وستين يوماً ) فالواقع أن عيد نوروز هذا يقابل يوم 21 آذار لكل عام وهو يوم بدء فصل الربيع حيث تتساوى يومها ساعات الليل والنهار أم يوم المهرجان فهو يوم آخر وهو عيد كاوه ( الحداد ) والضحاك ـ وسأشير إلى هذا العيد فيما بعد .»»»

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 22 ـ

أما متى عاد دجلة إلى مجراه الحالي فيبين لسترنج أيضاً أن التحول كان تدريجياً وإن المراجع الإسلامية في عهد تيمورلنك ( القرن التاسع عشر الهجري ) تبين لأن دجلة السفلى كانت لازالت تمر بواسط ومن طليعة الرحالين الذين تطرقوا إلى الفرع الشرقي لدجلة كان جون نيوبري ( 1581 م ) حيث قال أن الفرع الشرقي لدجلة صالح لسير السفن كذلك الأمر عندما إنحدر تافرنيه الفرنسي ( 1652 م ) إلى البصرة ماراً بالفرع الشرقي لدجلة في أيامه كان الفرع الغربي وهو المار بواسط غير صالح لسير السفن .
   أما عن نهر الفرات فيظهر أنها كانت لازالت في هذه الفترة تصب مياهها بالبطائح الواقعة شمال الأبلة ومنها تتصل عن طريق دجلة بالخليج العربي وذلك كما وصفها بلايني خلال القرن الأول بعد الميلاد .
  فعلى كل نجد أن أهم حدث خلال هذا العهد هو تحول مجرى نهر دجلة من موقعها الذي كان يماثل مجراها الحالي في القرن العشرين إلى موقع غربي ذلك يمر بمدينة واسط وبذلك أعورت دجلة للجزء الأسفل الذي يمر بمدينة الأبلة فأصبح نهر دجلة يمتد من مدينة المذار ( قبر عبد الله بن علي ) ماراً بميسان ( العزير الحالية ) ثم مكوناً مجرى عريضاً بعد إتصاله بالبطايح يسمى دجلة العوراء ماراً بالأبلة على يمينه وبعبادان على يساره حيث يصب في الخليج العربي بعد عبادان مباشرةً .

 ************************************************
( تتمة ) .
يقول المسعودي ( ج 1 ـ ص 264 ) مايلي بالفصل الخاص بذكر ملوك الفرس الأولى وجمل من أخبارهم وسيرهم ان بعد الملك طهمورث بن نوبجهان بن أرفشخد بن أشهنج ( ملك بعده أخوه جميشيد وكان ينزل بفارس وقيل إنه كان في زمنه طوفان وذهب كثير من الناس إلى أن النيروز في أيامه أحدث وفي ملكه رسم ) ( يظهر أن جمشيد هذا قد عاش حوالي القرن العشرين قبل الميلاد أو حتى قبل ذلك ) ، والذي أراه هنا هو أن العلوم الفلكية ورصد حركات النجوم والشمس والقمر كانت متقدمة في عصر هذا الملك ، حيث عرف فلكيوه بطريقة ما هذا اليوم وقاموا بتثبيته كبداية لفصل الربيع وسمي بالنوروز اي اليوم الجديد وبالنظر للجهل السائد في ذلك الوقت ولجعل اليوم ذات معنى ومفهوم شعبي ربط الكهنة والحكام هذا اليوم بحوادث اما أخترعت كأسطورة أو بالصدفة لتقريب أذهان الشعب إلى قبول هذا اليوم الذي أصبح بداية السنة الشمسية. »»» يتبع

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 23 ـ

(تتمه )
  وبالطبع فقد إرتبط هذا اليوم كعيد بالنسبة للدين الذي كان سائداً أنذاك في بلاد فارس ، فبعد الفتح الإسلامي ولغرض ربط هذا اليوم الذي كان أصلاً يمثل ظاهرة طبيعية بحته أكثر من كونها يوماً دينياً فقد إختلفت القصص المختلفة حولها ومنها ما سبق ما أوردناه نقلاً عن ياقوت الحموي فيما قاله عن البطيحة حتى أن المأمون وهو الخليفة الذي كان متأثراً لدرجة كبيرة بالثقافة الفارسية أورد الآية القرانية الكريمة لتبرير الإحتفال بيوم نيروز .
   إنني ما كنت أود أن أتطرق إلى هذا الموضوع فهو موضوع طويل وقائم بذاته لذلك أرجو العذر في الاستمرار لتوضيح بعض النقاط التي وردت خلال ماكتبناه حول الموضوع فمثلاً نجد أن ياقوت نفسه قد خلط بين النوروز والمهرجان فكما بينا أعلاه فالنوروز غير المهرجان وبينهما أكثر من مائة وستين يوماً .
  أن التراث الشعبي يتحدث عن قصة الحداد ( كاوة ) وثورته على الضحاك فيقال ان الضحاك هذا كان ملكاً من ملوك الفرس القدامى الموصوفين بالظلم وكان يشكو من ورم جراحي على كتفيه فوصف له بوضع مخ إنسانين كل يوم على موضع الورم ، وإستمر الحال بذلك فضجر الناس حتى تمكن الحداد ( كاوة ) أن يثور على هذا الضحاك وأنخذ من جلد المنفاخ الذي يستعمله في الحدادة علماً لثورته وتمكن فعلاً من القضاء عليه فخلص الناس من شروره .
  هذا مايقوله التراث الشعبي عندنا عن عيد كاوة الحداد والضحاك أما لو رجعنا إلى المسعودي ( ج 1 ـ ص 247 ) فنجد أنه بعد جمشيد ( الذي سبق ذكره ) ملك بلاد فارس ( بيوراسب ) وأنقل منه النص التالي :
(يتبع )
( ثم إن ملك بعده بيوراسب بن ارواسب بن رستوان بن نياداس إبن طالح إبن قروال بن ساهر فرس بن كيومرث وهو ( ألده آك ) وقد عربت أسماءه جميعاً فسماه قوم من العرب الضحاك وسماه قوم بهارست وليس هو كذلك وأنما إسمه على وصفناه بيوراسب وقتل جمشيد الملك وقد توزع فيه ) أمن الفرس كان من العرب ؟ فزعمت الفرس أنه منها وإنه كان ساحراً وأنه ملك الأقاليم السبعة وأن ملكه كان ألف سنة وبقي في الأرض وتمرد وللفرس فيه خطب طويل وإنه مقيد مغلل في جبل دباوند يبن الري وطبرستان وقد ذكرته شعراء العرب ممن تقدم وتأخر وقد إفتخر ابو نؤاس به وزعم أنه من اليمن لإن أبا نؤاس مولى لسعد العشيرة من اليمن فقال :
وكـان مـنا الضحاك iiتعبده      الجمل والوحش في مساربها

ثم ملك بعده أفريدون بن أثاقابان بن جشمد ملك الأقاليم السبعة فأخذ بيوراسب فقيده في جبل دباوند على حساب ما ذكرناه وقد ذكر كثير من الفرس ومن عنى بإخبارهم مثل عمر كسرى وغيره أن إفريدون جعل هذا اليوم الذي قيد فيه الضحاك عيداً له وسماه المهرجان ) .
  ويقول المسعودي في مروج الذهب ( ج 2 ـ ص 99 ) عن هذا الضحاك فيورد أصل القصة المتوارثة في التراث الشعبي ( ومن الناس من رأى أن ( الضحاك ) ذا الأفواه المقدم ذكره في هذا الكتاب الذي تنازعت فيه الفرس والعرب من أي الفريقين هو أنه خرج بكتفيه حيتان فكانتا لا تغذيان إلا بإدمغه الناس فأفني خلقاً كثراًَ من أرض فارس وإجتمعت على حربه جماعة كثيرة وافاه إفريدون بهم وقد شالوا رأية من الجلود تسميها الفرس ( درفش كاوان ) فأخذ إفريدون الضحاك وقيده في جبل دنياوند على ما ذكرناه وقد كان وزير الضحاك في كل يذبح كبشاً ورجلاً ويخلط أدمغتهما ويطعم تينك الحيتين اللتين كانتا في كتفي الضحاك ، ويطرد من تخلص إلى الجبال فتوحشوا وتناسلوا في تلك الجبال فهم بدء الأكراد وهؤلاء من نسلهم وتشعبوا أفخاذاً وما ذكرناه من خبر الضحاك فالفرس لا يتناكرونه ولا أصحاب التواريخ القديمة والحديثة .
  وللفرس في أخبار الضحاك مع إبليس أخبار عجيبة وهي موجودة في كتبهم وتزعم الفرس أن طهومرث المقدم ذكره في ملوك الفرس الأولى هو نوح النبي ( عليه السلام ) ، وتفسير ( درفش ) بالفارسية ـ الفهلوية ـ وهي الاولى ـ الراية والمطرد والعلم ) :
  ويقول عماد الدين إسماعيل أبو الفدا في كتابه ( المختصر في اخبار البشر ) ( طبعة دار المعرفة ) الصفحة ( 40 ) عن ( النوروز ) وعن الضحاك :
  ثم ملك بعده جمشيد بجيم مفتوحة وميم ساكنة وشين مكسورة مفتوحة وباء مثناة من تحتها وذال منقوطة وهو آخر طهمورث لإبويه و ( جم ) هو القمر و ( شيذَ ) هو الشعاع اي شعاع القمر وكذلك أيضاً يسمون خورشيد أي شعاع الشمس لأن ( خور ) إسم الشمس وجمشيد المذكور ملك الاقاليم السبعة وسلك السيرة الصالحة المتقدمة وزاد عليها ورتب الناس على طبقات كالحجاب والكتاب وأمر أن يلازم كل واحد طبقته ولا يتعداها وأحدث النيروز وجعله عيداً ينعم

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 24 ـ

( تتمة )
الناس فيه ( من الكامل ) لإبن الأثير ووضع لكل أمر من الأمور خاتماً مخصوصاً به فكتب على خاتم الحرب الرفق والمداراة وعلى خاتم الخراج العدل والعمارة وعلى خاتم البريد والرسل الصدق والأمانة وعلى خاتم المظالم السياسة والإنتصاف وبقيت رسوم تلك الخواتم حتى محاها الإسلام إنتهى كلام إبن الأثير قال إبن مسكويه ثم إنه بعد ذلك بدل سيرته الصالحة بإن أظهر التكبر والجبروت على وزرائه وقواده وأثر اللذات وترك كثيراً من السياسات التي كان يتولاها بنفسه وعلم بيوراسب بإستيحاش الناس من جميشد وتنكر خواصه عليه فقصده وهرب جميشد وتتبعه بيوراسب حتى ظفر به وقتله بإن أشره بمنشار ثم ملك ( بيوراسب ) وكان يقال له ( ألده آك ) ومعناه ( عشر آفات ) (*) فلما عرب قيل ( الضحاك ) ولما ملك ظهر منه شرشديد وفجور وملك الأرض كلها وسار فيها بالجور والعسف وبسط يده بالقتل وسن العشور والمكوس وإتخذ المغنيين والملهيين وكان على منكبيه سلعتان يحركهما إذا شاء فإدعى أنهما حيتان تهويلا على ضعفاء العقول وكان يسترهما بثيابه ولما إشتد على الناس جوره وظلمه ظهر بإصبهان رجل يقال له ( كابي ) وكان الضحاك قد قتل له إبنين فأخذ ( كابي ) المذكور عصا وعلق بطرفها جراباً ويقال أنه كان حداداً وأن الذي علقه نطع كان يتوقى به النار وصاح في الناس ودعاهم إلى مجاهدة بيوراسب فأجابه خلق كثير وإستفحل أمره وبقي ذلك العلم معظماً عند الفرس ورصعوه بالجواهر وسموه ( درفش كابيان ) ولما قوى أمر ( كابي ) قصد ( بيوراسب ) فهرب منه وسأله الناس ( كابي ) أن يمتلك عليهم فأبى لكونه ليس من بيت الملك وأمرهم أن يملكوا بعض ولد ( جميشد ) وكان ( أفريدون أبن أثفان ) من أولاد جمشيد وكان مستخفياً من الضحاك فوافى بجماعته إلى ( كابي ) فإستبشر الناس به وولوه الأمر وصار ( كابي ) أحد أعوانه حتى إحتوى ( أفريدون ) على منازل ( بيوراسب ) وأمواله وتبعه وأسره بديواند وقتله وكان النبي إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) في أواخر أيام الضحاك ولذلك زعم قوم أنه نمروذ وأن نمروذ عامل من عماله وقد إختلف في الضحاك المذكور إختلافاً كثيراً فيزعم كل من الفرس واليونان والعرب أنه منهم ، والفرس يجعلونه قبل الطوفان لإنهم لايعترفون بالطوفان ) ففي الروايتين اللتين أوردناهما أعلاه نجد أن المسعودي وأبا الفدا قد أكملا الصورة التي بنيناها عن كاوه الحداد والمهرجان في التراث الشعبي كذلك بين المسعودي علاقة الموضوع بإخواننا الأكراد ثم يستمر أبو الفدا في ( المختصر في أخبار البشر ) الصفحة ( 83 ) فيقول عن ( النوروز ) والمهرجان مايلي :
  ( وللفرس أعياد ورسوم فمنها ( النوروز ) وهو اليوم الأول من فرودينماه وإسمه يوم جديد لكونه عزة الحول الجديد وبعد أيام خمسة كلها أعياد ومن أعيادهم ( التريكان ) وهو ثالث عشر من تيرماه ولما وافق إسم اليوم الثالث عشر إسم شهر صار ذلك اليوم عيداً وهكذا كل يوم يوافق إسمه اسم شهره فهو عيد ومنها ( المهرجان ) وهو سادس عشر ( مهرماه ) وفيه زعموا أن فريدون ظفر بالساحر الضحاك بيوراسب وحبسه في جبل دنياوند . . . ) .
  غير أن المسعودي له رواية أخرى بشأن ( المهرجان ) حيث يورد فيها تفسير آخر لهذا اليوم فهو يقول عن المهرجان ( ج 2 ـ ص 181 ) مايلي :
سر تسمية المهرجان
  وتشرين الأول أحد وثلاثون يوماً وفيه يكون المهرجان وبين النيروز والمهرجان مائةً وتسعة وستون يوماً وعند الفرس في معنى المهرجان أنه كان لهم ملك في قديم الزمان من ملوك الفرس وقد عم ظلمه خواص الناس وعوامهم وكان يسمى ( مهر ) وكانت الشهور تسمى بإسماء الملوك فقيل مهرماه ومعنى ماه ( هو الشهر وإن ذلك الملك طال عمره وإشتدت وطأته فمات في النصف من هذا الشهر ، وهو مهرماه فسمي ذلك اليوم الذي مات فيه ( المهرجان ) وتفسيره نفس مهر ذهبت لأن الفرس تقدم في لغتها ما تؤخره العرب في كلامها وهذه اللغة الفهلوية وهي الفارسية الأولى وأهل المروآت بالعراق وغيرها من مدن العجم يجعلون هذا اليوم أول يوم من الشتاء فتغير فيه الفرس والآلات وكثيراً من الملابس فهنا نجد ان المسعودي نفسه قد اورد قصتين مختلفتين أبطالها أشخاص سموا بإسماء مختلفة لتفسير يوم المهرجان ، على كل فان المهم بالموضوع هو أن يوم النوروز كان يمثل بدء فصل الربيع ويوم المهرجان وهو يوم آخر في منتصف شهر ( مهرماه ) يقابل بدء موسم الشتاء في بلاد فارس أي أن اليومين كانا يمثلان ظاهرة طبيعية تشمل بلاد فارس والبلاد المجاورة وقد قام الكهنة والحكام بربطها بقصص إسطورية عن حوادث ظلم أو إنقاذ من موت بسبب الفيضانات لتقريبها إلى أذهان الشعب وتحبيب ذكرها إليهم ثم مرت العصور وجاء الفتح الإسلامي فقام منهم على ثقافة فارسية بالإحتفاظ بذكرى هذه الأيام والإحتفال بها ثم توارثتها الأجيال وبقيت إلى يومنا هذا .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 25 ـ


شط العرب حتى نهاية الخلافة العباسية

   بقي شط العرب يسمى دجلة العوراء طيلة القرون الأربعة للهجرة فأول إشارة إلى إسم شط العرب كانت في كتاب ( سفرنامه ) للرحالة ناصر خسرو العلوي الذي وصل البصرة يوم 20 شعبان 433 المصادف 28 كانون الأول ( 1051 م ) فيقول :
   للبصرة سور عظيم يحيط بها ماعدا الجزء المطل على النهر وهذا النهر هو شط العرب ويلتقي دجلة والفرات عند حدود مدينة البصرة ويلتقي بهما أيضاً قناة الحويزة فيسمى النهر حينئذ شط العرب ويتفرع من شط العرب هذا قناتان كبيرتان بين منبعهما مسافة فرسخ (1) ، وقد شقا صوب القبلة مسافة أربعة فراسخ ثم يلتقيان ويكونان قناة واحدة تسير مسافة فرسخ واحد ناحية الجنوب ومن هاتين القناتين شقت ترع كثيرة مدت في كل الأطراف وغرست أشجار النخيل والحدائق على شواطئها والقناة العليا وهي الشمالية الشرقية تسمى نهر معقل والثانية هي الغربية الجنوبية تسمى نهر الأبلة ومنها تتكون جزيرة كبيرة مستطيلة والبصرة على أقصر ضلع من هذا المستطيل ) .

 ************************************************
(1) ـ الفرسخ ـ يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان ( الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة الاف ذراع فالفرسخ إثنا عشر ألف ذراع ـ والذراع أربعة وعشرون إصبعاً ـ والإصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض ) ، وأما الميل العربي فيقول البروفسور فللينو أنه يساوي 1973.2 متراً غير أننا لو أخذنا طول الدرجة عند فلكي المأمون يساوي ( 111815 ) متراً وبإعتبار الدرجة ( 67 و 56 ) ميلاً كما وجدوا متوسطها لكان طول الميل العربي 1973 و 43 متراً أي أن الميل العربي كان يساوي 1973 متراً تقريباً وبهذا يكون الفرسخ 5919.6 متراً أي اقل ستة كيلو مترات تقريباً والميل العربي يكوت تقريباً 2 كيلو متر والذراع يساوي خمسين سنتمتراً أي نصف متر تقريباً .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 26 ـ

   فهنا في الكثير من كتب الجغرافيين والمؤرخين العرب نجد الاشارة ألى الأنهار المختلفة التي كانت تأخذ من دجلة العوراء ومن أشمل ما كتب حول الموضوع مؤخراً هو ( خطط البصرة ـ دراسة أولية مستمدة من المصادر الأدبية مجلة سومر ـ الجزئين الأول والثاني ـ المجلدين الثاني والتاسع ـ 1952 ـ للدكتور صالح أحمد العلي ) فقد قدم المؤلف فيه عن انهر البصرة وترعها وخططها الكثير الوافي ومن هذا المصدر أرود النص التالي :
   ( والانهر الآخذة من دجلة العوراء هي نهر أبي أسد وعلى بعد فرسخين منه نهر المرأة ثم بعد هذا بثلاث فراسخ نهر الدير وبعده بست فراسخ بثق شيرين وبعده بفرسخين نهر معقل وبعده بإربعة فراسخ نهر الابلة ( ناصر خسرو بين الأبلة ومعقل فرسخ هو الأصوب ) وبعده بإربعة فراسخ نهر اليهودي (1) وبعده بفرسخ نهر أبي الخصيب وبعده بفرسخ نهر الأمير بفرسخين نهر القندل ) .
   يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان ما يلي عن هذه الانهر وأخرى تتعلق بهذه الانهر النص التالي :

 ************************************************
(1) نهر اليهودي
لم اجد في المصادر الأدبية المعروفة أية إشارة إلى كيفية تسمية هذا النهر غير أن التراث الشعبي يشير إلى أن هذا النهر منسوب إلى طبيب يهودي أقطعه هارون الرشيد هذه المقاطعة فسميت نسبة إلى دينه ، ويذكرون في ذلك قصة حظية الرشيد المريظة التي عالجها هذا الطبيب من مرض يظهر أنه كان نفسياً تسبب ببقاء يديها مرتفعة إلى الأعلى عندما تظاهر الطبيب برفع رداء الجارية أمام جمع من الناس عند الخليفة أنزلت الجارية يدها إلى الأسفل لتمنعه من رفع الرداء فشفيت ، غير أننا في بحثنا هذا الموضوع نجد أن هذه الجارية قد جاءت بالتفصيل في كتاب ( عيون الأنباء في طبقات الاطباء ـ لإبن أبي أصيبعة ـ الصفحة ( 188 ) ـ منشورات دار مكتبة دار الحياة ) في ذكر الطبيب جبرائيل بن يختيشوع بن جورجيس ، فلما كان هذا الطبيب مسيحياً وليس يهودياً ، لذا فأن ما يتناقله الناس في هذا الصدد غير صحيح ، غير أنني لا أستبعد وجود أساس ما لهذا النوع والذي أحتمله هو أن النهر كان يعود فعلاً لطبيب يهودي عمل في البصرة خلال القرن الثاني للهجرة فسمي نسبة إليه ، ومن أشهر هؤلاء الأطباء كان ( ماسر جويه ) متطبب البصرة الذي كتب عنه إبن أبي إصيبعه في كتابه المشار إليه أعلاه الصفحة 232 فقال :
( وهو الذي نقل كتاب اهرن من السرياني إلى العربي وكان يهودي المذهب سريانياً ( كذا ) وهو الذي يعنيه أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتابه الحاوي بقوله قال اليهودي ) .
وفي كتاب طبقات الأطباء والحكماء ، لإبن جلجل ـ تحقيق فؤاد سيد ـ مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية 1955 ـ الصفحة 61 ـ أنه كان زمان بني أمية ، ويضيف إبن أبي أصيبعه لذلك رواية عن حادثة لهذا الطبيب مع أبي نؤاس بشأن جارية إسمها جنان اي أن هذا الطبيب قد عاش لإرذل العمر ، ولما كان الرازي يسميه ( اليهودي ) وكان طبيباً مشهوراً جداً في البصرة فلا إستغرب أن إسم نهر اليهودي كان منسوباً إلى ( ماسر جويه ) هذا خاصة إن وصفه من قبل الرازي بقوله ( اليهودي ) قد يكون إشارة لإسم الشهرة الغالبة عليه .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 27 ـ

( نهر ابي الاسد ـ كنية رجل والاسد بفتح السين احد شعوب دجلة بين المذار ومطارة ( ياقوت معجم البلدان مجلد 4 ـ صفحة 5661 ـ مطارة ( بتسكين الميم ) من قرى البصرة على ضفة دجلة والفرات في ملتقاهما بين المذار والبصرة ) ـ ( أي قد تكون القرنة الحالية ) في طريق البصرة يصب هناك في دجلة العظمى ومأخذه ايضاً من دجلة قرب نهر دقلة وابو الاسد احد قواد المنصور كان وجه الى البصرة ايام مقام عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس عم المنصور بها فحفر بها النهر المعروف بأبي الاسد وقيل بل أقام على فم النهر لان السفن لم تدخله لضيقه فوسعه حتى دخلته فنسب اليه وكان محفوراً قبله .
  يقول لسترنج في كتاب بلدان الخلافة الشرقية ـ صفحة ( 62 ) حول نهر ابي الاسد والبطائح التالي :
  ( والبطائح جمع البطيحة وقد وصفناه في صفحة 43 والرقعة التي تبطحت فيها هذه البطائح تنتشر فيها المدن والقرى وكل واحدة منها تتوسد نهرها ومع ان هوائها وخم فإن تربتها كانت حين تجف غاية في الخصب فأبن رستة وقد كتب في نهاية المئة الثالثة ( التاسعة ) وصف البطائح بقوله ينبت فيها القصب ويخرج من هذه البطائح انهار منها سمكهم من الطري والمالح كان يحمل الى النواحي المجاورة اما مياه دجلة فالظاهر انها من قطر فشرقاً ـ ولعلها كانت تتبع مجرى الفرات الحالي بوجه التقريب ـ تشق طريقها بين أهوار متصلة الى نهر ابي الاسد وتنصب مياه البطائح من هذا النهر الى فيض البصرة والبطائح ان خلت من القصب سماها العرب الهور او الهول ويصل بينها ازقة تسير فيها الزواريق اما السفن النهرية الكبيرة فانها تجنح اسفل القطر على ما جاء في ابن رسته :
  ( ويحمل بعض ما فيها من الزواريق فتمر في شبه أزقة قصب تصل ما بين الاهوار ـ وبين هذه الازقة مواضع ـ متخذة من قصب ـ اشباه الدكاكين ـ عليها أكواخ من قصب يكتنون بها من البق ) وفيها مسالح يعمل رجالها على تطهير المجرى وحماية الملاحين لأن في البطائح مكامن طبيعية تختبىء فيها اللصوص .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 28 ـ

وقد سرد ابن سرابيون اسماء اربعة من هذه الاهوار التي تحمل الماء الى البصرة الاول هور بحصى والثاني هور بكمص والثالث هور بصرياثا والهور الرابع المحمدية وهو أعظم الاهوار وفيه كانت المنارة المسماة منارة حسان وإنما عرفت بذلك نسبة الى حسان النبطي الذي كان في خدمة الحجاج عامل بني أمية فاعاد بعض تلك الارضين الى عماره ويلي الهور الاخير زقاق قصب وهو ماد الى نهر ابي الاسد ويمر النهر بالحالة وقرية الكوانين وهو يحمل ماء البطيحة الى رأس فيض دجلة وابو الاسد هذا ونهره يتفق هو ومجرى الفرات الحالي فوق القرنة ، كان من موالي الخليفة المنصور وحين كان قائداً للجيش في البصرة حفر بها النهر على ذكر ياقوت وقيل ان السفن لم تدخله لضيقه فوسعه حتى دخلته فنسب اليه وكان على ما ذكر ياقوت محفوراً قبله منذ أيام الساسانيين ) .
   ثم نعود الى ياقوت فيقول في معجم البلدان مايلي :

نهر المرأة
   ( بالبصرة حفره اردشير الاصغر قال الساجي صالح بن الوليد عند نزوله البصرة أهل نهر المرأة واسم المرأة طماهيج هي التي صالحته على عشرة الاف درهم وفي كتاب البلاذري ان خالد بن الوليد اتى نهر المرأة ففتح القصر صلحاً صالحه عنه النوشجان بن جسنسماه والمرأة صاحبة القصر كامور زاد بنت نرسى وهي بنت عم النوشجان وإنما سميت المرأة لان ابا موسى الاشعري قد نزل بها فزودته خبيصاً فجعل يكثر ان يقول اطعمونا من خبيص المرأة فغلب على اسمها ) .

نهر الدير
  ( نهر كبير بين البصرة ومطاراً ( مطاره ) بينه وبين البصرة نحو عشرين فرسخاً سمي بذلك للدير كان على فوهته يقال له دير الدهدار ( كلمة الدهدار فارسية مكونة من كلمة ده أي قرية ودار أي صاحب فكلمة دهدار معناه صاحب القرية ) وهنالك بليد حسن وبه يعمل اكثر الغضار الذي بنواحي البصرة ينسب اليه . . . الخ ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 29 ـ

   والذي ارجحه ان دير الدهار كان ديراً للنصارى يتعبدون فيه فقد كان هناك عدد كبير من الاديرة للنصارى منتشرة في انحاء العراق سواء قبل الفتح الاسلامي او بعده وفي الكتب الادبية العديد من الامثال بهذا الشأن .
  أما ما ورد بكلام ياقوت الحموي عن هذا الدير بأنه ( وهناك بليد حسن وبه يعمل اكثر الغضار الذي بنواحي البصرة ) فيقصد ياقوت بذلك انه كانت هناك بلدة صغيرة يعمل فيها اكثر الخزف الذي بنواحي البصرة ، اذا لو رجعنا الى كلمة ( الغضار ) بفتح الغين والضاد فنجد ان معناه ( الطين الازب الحر ( الطين اللازب والطين الذي يلزق باليد لاشتداده ) الصفحة المتخذة منه ( الصفحة قصعة كبيرة منبسطة تشبع خمسة ) خزف أخضر ـ يحمل لدفع العين أي أن الفخار والخزف المستعمل في البصرة كان يصبع في تلك المنطقة بكثرة ودليل هذا ان نفس هذه المنطقة حالياً تستعمل في صناعة الطابوق المحلي وبنوعية أفضل من الأنواع الأخرى التي تصنع في محلات غيرها قرب البصرة وذلك بسبب توفر الطين اللازب الحر فيها .
   ويضيف لهذا الدكتور صالح أحمد العلي فيقول :
   ( وكان ماء البطيحة يصف في نهر الدير فلما قدم سليمان بن علي ( 133 ـ 137 هـ ) إتخذ له ضيعة في المغيثة وأنفق عليها مليون درهم وأنشأ لها مسناة على البطيحة فحجر الماء عن نهر الدير وصرفه إلى نهر إبن عمر . . . ) ( ثم يستمر ياقوت فيقول في معجم البلدان :

نهر عدي بن إرطأة
   ( بالبصرة كان نهر عدي خوراً من نهر البصرة حتى فتقه عدي بن أرطأة الكزاري عامل عمر بن عبد العزيز من بثق نهر شيرين جارية أبرويز ولما فرغ عدي من نهره كتب إلى عمر عبد العزيز إني إحتفرت لإهل البصرة نهراً عذب

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 30 ـ

به مشربهم وجادت عليه أموالهم فلم أر لهم على ذلك شكراً فإن أذنت لي قسمت عليهم ما أنفقته عليه فكتب إليه عمر إني لا أحسب أهل البصرة عند حفرك هذا النهر خلواً من رجل يشرب منه ويقول الحمد لله وإن الله عز وجل قد رضي بنا شكراً فإرض بنا شكراً حفرك نهرك ) .
  ويقرب نهر عدي كما بينا نهر إبن عمر فيقول ياقوت في معجم البلدان عنه ) :

نهر إبن عمر
   ( نهر بالبصرة منسوب إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وهو أول من إحتفره وذلك أنه لما قدم البصرة عاملاً على العراق من قبل يزيد بن الوليد بن عبد الملك شكي إليه أهل البصرة ملوحة ماءهم فكتب بذلك إلى يزيد بن الوليد فكتب إليه أن بلغت النفقة على هذا النهر خراج العراق ما كان في أيدينا فأنفقه عليه فحفر النهر المعروف بإبن عمر ) .
   وتسمى منطقة نهر إبن عمر حالياً بإسم ( نهران عمر ) وأعتقد أن تسمية نهران عمر هو تحريف لكلمة نهر إبن عمر إذ إختلطت كلمة ( إبن ) بعد تحويرها إلى ( أن ) مع ( نهر ) فأصبحت ( نهران ) .
   ونستمر بما قاله ياقوت الحموي عن أنهر البصرة الفيحاء (1) في معجم البلدان :

نهر المعقل
   منسوب إلى معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر بن حراق بن لاي بن كعب إبن عبد بن ثور بن هذمه بن لاطم بن عثمان بن عمر بن إد المزني ومزينة أم عثمان وأوس إبني عمرو بن أد محب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو نهر معروف بالبصرة

 ************************************************
(1) البصرة الفيحاء : يقال باللغة الأفيح ومؤنثها فيحاء وجمعها فيح ( بكسر الفاء وسكون الياء ) أي الواسع والفيحاء الواسعة من الدور وقد لقيت البصرة ودمشق وطرابلس وحلب بهذه الصفة .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 31 ـ

فمه عند نهر الأجانة المقدم ذكره ، ذكره الواقدي أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يحفر نهراً بالبصرة وأن يجريه على يد معقل بن يسار المزني فنسب إليه وتوفي معقل بالبصرة في ولاية عبيد الله بن زياد البصرة لمعاوية ، وقال المدايني والقحذمي كلم المنذر بن الجارود العبدي معاوية بن ابي سفيان في حفر نهر ثاني لنهر الأبلة فكتب إلى زياد فحفر نهر معقل فقال قوم أجرى فمه على يد معقل فنسب إليه وقال قوم بل أجراه زياد على يد عبد الرحمن بن أبي بكره أو غيره فلما فرغ منه وأراد فتحه بعث زياد معقل بن يسار ليحضر فتحه تبركاً به لإنه رجل من الصحابة فقال الناس نهر معقل فذكر الفحذمي أن زياداً أعطى رجلاً ألف درهم وقال أبلغ دجلة وسل عن صاحب هذا النهر هذا منه فإن قال رجل إنه نهر زياد فأعطه الالف فبلغ الرجل دجلة ثم رجع فقال ما لقيت أحداً يقول الا نهر معقل فقال زياد وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .
   ان منطقة المعقل الحالية (1) قد نسبت لنهر معقل الذي أشرنا إليه في مقالنا وبقيت معرفة بهذا الإسم إلا لمدة قصيرة خلال القرن التاسع عشر فكانت تعرف فيه بإسم كوت الإفرنكي أما التحريف الذي نسمعه حيث تسمى المعقل ماركيل أو ماركين فهذا محدث بعد الحرب العالمية الأولى في البصرة وأشير بهذا الصدد إلى ما أورده المرحوم الشيخ عبد القادر باش أعيان العباسي في كتابه ( البصرة في

 ************************************************
(1) لمنطقة المعقل الحالية عدداً من الضواحي نشأت مؤخراً تبدلت أسماؤها عدد من المرات أوردها فيما يلي :
1 ـ محلة (5) ميل ( الهادي ) :
لقد عرفت هذه المحلة ب ( 5 ) ميل في المعقل نظراً لوقوعها على بعد خمسة أميال من محطة قطار البصرة القديم وقد نشأت هذه المحلة خلال الخمسينات أثر التوسع الصناعي الذي رافق التطور في محافظة البصرة وقد سميت بمحلة الهادي بعد ضمها بلدية البصرة في نهاية الخمسينات .
2 ـ الكزيزة :
تقع هذه المحلة غرب محلة الهادي المعقل وقد نمت وتطورت خلال الستينات والإسم هو تصغير ( كزاز ) أي ( الزجاجة المكسورة ) باللهجة الدارجة وقد سماها أهلها بذلك نظراً لأن المنطقة كانت تستعمل لرمي الأزبال وكان يغطي المنطقة كمية لا بأس بها من الزجاج المكسور فسميت الكزيزة .
ويفصل هذه المنطقة عن محلة الهادي شارع بغداد ـ بصرة الدولي ـ وهي من المناطق التي تحتاج إلى عناية كثيرة . »»» يتبع

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 32 ـ

( أدوارهم التاريخية ) الصفحة ( 92 ) إذ يقول ( إن من عادة الغربيين لفظ حرف العين ـ همزة ويحرف القاف ـ كافاً ـ فهم يقولون ( ماكل ) بدل معقل ويظن بعض العوام في بلدنا أن هذه الكلمة أعجمية ولم يقفوا عند هذا الحد من تحريف معقل بـ ( ماكل ) بل لأن العوام حرفوه تحريفاً آخر سموه ( ماركيل ) بجيم مصرية وقد شاع هذا التحريف الأخير المخجل وذاع حتى على ألسنة الأدباء وخطته أقلام الكتب كما إستعملت دائرة الميناء عندما كانت الإدارة بيد السلطات البريطانية في مكاتباتها الرسمية ولكن بعد نشر المغفور له العم الشيخ محمد أمين عالي باشا أعيان بحثاً نشرته مجلة النشيء الجديد البصرية عن تسمية النهر المذكور تم تصحيح أغلب القيود والسجلات والمخابرات الرسمية وغيرها وشاع لفظ إسمه الصحيح ( معقل ) إلا أنه وبالأسف لا زال بعضهم يسمونه ( ماركين ) بدل ( ماركيل ) .
   وتتمة لما ورد عن نهر معقل جاء أيضاً في كتاب ( البصرة في أدوارها التاريخية ) للمرحوم الشيخ عبد القادر باش أعيان العباسي ( صفحة 90 ) :
 ************************************************
( تتمة )
(3) شط الترك :
سميت هذه القناة التي مدخلها عند مدخل نهر كرمة علي قرب نهاية مدرج مطار البصرة في المعقل بإسم شط الترك نظراً لقيام أسرى الجيش العثماني ( التركي ) بحفرها حوالي عام 1915 وذلك لغرضين رئيسين كان أولهما الحصول على التراب اللأزم لإنشاء سدة ترابية يمد عليها خط لسكة الحديد لربط منطقة الشعيبة بالبصرة والغرض الثاني كان تشغيل الأسرى في عمل يدوي لقضاء الوقت بعمل مفيد وقد بقي إسم هذه القناة شط الترك حتى عام 1960 عندما إبدل إسمها وسميت قناة ( الثورة ) وهي اليوم تفصل قرية الأبلة الجديدة ( سميت المنطقة الغربية لأراضي مصلحة الموانيء العراقية في المعقل بإسم الأبلة عام 1956 حينما قامت المصلحة المذكورة بإنشاء أول مائة وعشرين داراً للعمال في المنطقة وكان ذلك لأحياء إسم مدينة الأبلة القديمة التي كانت واقعة على دجلة العوراء ) حي الشهداء ( المسمى سابقاً بالحي المركزي ) وعلى ضفتي القناة الحدائق الغناء .
4 ـ أم الصبور :
قيل لي إن هذا المحل سمي أم الصبور لوجود من يقوم ببيع سمك الصبور . . ( الأصح هو السبور ) وقد سميت المنطقة بعد ذلك بالحي المركزي في أواخر الخمسينات نظراً لوقوعها في مركز مدينة المعقل التابعة لمصلحة الموانيء العراقية ثم سمت بحي الشهداء في آواخر عام 1968 .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 33 ـ

( وقال فتح الله بن علوان الكعبي ( من رجال القرن الحادي عشر الهجري ) في كتابه ( زاد المسافر ) في ذكر حوادث البصرة سنة 1078 هـ ما ملخصه :
أصحاب الناحية الشمالية والمراد بهم مايلي :
   البصرة من الجهة الشمالية ويحدها شمالاً القرية المعروفة بالشرش وتشمل على قرى كثيرة منها الرباط ومعقل والهارثة والدير ونهر الشرش ثم قال نهر معقل أحد أنهار البصرة ينسب إلى معقل بن يسار عبد الله المازني سكن البصرة وأبتنى به داراً وأختط هذا النهر تنسب اليه توفي في البصرة بعد خلافة معاوية وقيل أنه توفي في ايام يزيد بن معاوية ويروي عنه عمر داود بن ابي القاسم التنوخي في مدح معقل أبيات الشعر هذه :
أحـبب  إلـي نهر معقل iiالذي      فـيه لـقلبي من همومي iiمعقل
عـذب إذا مـا عب فيه iiناهل      فـكأنه فـي روض حب منهل
مـسـتلسل  فـكأنه iiلـصفائه      دمـع  بـخدى كاعب iiيتسلسل
وإذا الرياح جسرين فوق متونه      فـكـأنه درع جـلاه iiصـيقل
وكـأن  دجلة إذ تغطط iiموجها      مـلك يعـظم ضـيفه iiويبجل
وكـأنـه  يـاقوته أو iiأعـين      زرق يلام بها الحبيب iiويوصل
عـذبت  فما تدري أماء iiماءها      عـند  المذاقة أم رحيق iiسلسل
ولـها بمد  بعد جزر iiذاهب      جـيشان  يـدبر ذا وهذا iiيقبل
وإذا  نـظرت إلى الأبلة iiخلتها      مـن جنة الفردوس حين iiيخيل

  إنتهى ما قاله الكعبي وقد جعل موقع نهر المعقل بين الرباط والهارثة وهو الموقع الموجود به النهر المذكور إلى يومنا هذا وبما أن الكعبي من أبناء هذا البلد فنحن نقول على قوله أكثر من غيره ) .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 34 ـ

   كذلك يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان مايلي :

صيمرة
   بالفتح ثم السكون وفتح الميم ثم راء كلمة عجمية وهي في موضعين أحدهما بالبصرة على فم نهر المعقل وفيها عدة قرى تسمى بهذ الإسم جاءهم في حدود سنة 450 رجل يقال له أبن الشباس فإدعى عندهم إنه أله فإستخف عقولهم بترهات فإنقادوا له عبدوه وقد ذكرت من خبره جملة في كتاب المبدأ والمال عند ذكر فرق الإسلام وقد نسب إلى هذا الموضع قوم من أهل الفضل والدين والعلم والصلاح منهم أبو عبد الله الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري أحد الفقهاء المذكورين من أصحاب أبي حنيفة حدث عن أبي بكر المفيد وغيره روي عنه أبو بكر علي بن احمد بن ثابت الخطيب وقال كان صدوقاً وافر العقل جميل المعاشرة عارفاً بحقوق أهل العلم توفي في شوال سنة 463 ببغداد وأبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري الفقيه الشافعي سكن البصرة وحضر مجلس القاضي أبي حامد المروزي وتفقه على صاحبه أبي الفياض وإرتحل الناس إليه من البلاد وكان حافظاً لمذهب الشافعي حسن التصنيف فيه ومنها أيضاً أبو العنبس الصيمري وإسمه محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن ابي العنبس المغيرة بن ماهان وكان شاعراً أدبياً مطبوعاً ذا ترهات وله تصانيف هزلية نحو الثلاثين منا تأخير المعرفة وغير ذلك من شعره :
كم مريض قد عاش من بعد يأس      بـعد  مـوت الـطبيب iiوالعواد
قـد يـصاد الـقطا فينجو iiسليماً      ويـحـل الـقـضاء iiبـالصياد

   ومات سنة ( 275 ) وكان نادم المتوكل وحظي عنده . . )
   ويظهر من ذلك أن إسم منطقة المعقل الحالية كان ( الصيمرة ) خلال القرنين الأول والثاني .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 35 ـ

   ويستمر ياقوت الحموي في معجم البلدان فيقول :

نهر دبيس
   وهو بالبصرة ودبيس مولى لزياد بن ابيه قال القحذمي كان زياداً لما بلغ بنهر معقل قبته التي كان يعرض فيها الجندرده إلى مستقبل الجنوب حتى إخرجه إلى أصحاب الصدقة بالحبل فسمي ذلك العطف نهر دبيس برجل قصار كان يقصر عليه الثياب ) .

نهر بلال
  بالبصرة منسوب إلى بلال بن أبي بردة بن ابي موسى الأشعري قاضي البصرة وهو يتخرق المدينة قال البلاذري قال القحذمي كان بلال بن أبي بردة فتق نهر معقل في فيض البصرة وكان قبل ذلك مكسوراً يفيض إلى القبة التي كان زيادة يعرض فيها الجند وإحتفر بلال وجعل على جنبيه حوانيت ونقل إليها السوق وجعل ذلك ليزيد بن خالد بن عبد الله القسري ) .
  ولإتمام الفائدة أورد ماقاله الدكتور صالح العلي في مقاله خطط البصرة ( الذي أشرنا إليه سابقاً ) صفحة 79 حول نهر معقل :
   ( ولما كان هذا النهر طريق المواصلات الرئيسي فقد أنشأ عليه جباة العشور مقرهم ومدوا عليه السلسلة لكي يمكن حصر السفن المارة إلى البصرة وتفتيشها وتعشيرها كما أنه فيما يظهر يمتد عليه الكلاء وهو الرصيف الذي كانت ترسو عليه السفن وشيدت عليه مخازن الحبوب وبقربه قام دار الزبير الذي يبدو من وصفه أنه كان عمارة واسعة أو ( خان ) إذ كانت قيمته في زمن معاوية مائة ألف درهم وظل عامراً حتى القرن الرابع الهجري حيث كان ينزله التجار البحريون ، وقد إستخدم نهر معقل للأرواء أيضاً وتفرعت منه عدة قنوات لسقي الأرض الزراعية حوله منها مغيرتان والمرغاب الذي سمي بإسم مرغاب خراسان وقد حفره بشير بن عبد الله بن أبي بكرة وكانت عند مقاطعة المرغاب الواسعة التي

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 36 ـ

تبلغ ثمانية آلاف جريب وقد أقطعها يزيد الثاني ( 101 ـ 105 ) لهلال بن أحوز التميمي ولا نعلم تفاصيل عن تاريخ تطور ملكيتها سوى إنها بيعت زمن الرشيد بعشرين مليون درهم فما يقال وكان نهر الغوثي متصلاً بالمرغاب يمده بالماء ومنه إشتق إسم الغوثي كما كان بقربه نهر أبي سبرة وبقربه قطيعة لصعصعة بن معاوية عم الأحنف بن قيس رئيس بني تميم في أوائل العصر الأموي وفي شماله خراباذ وهي قطيعة تبلغ ( 500 ) جريب تقع بينه وبين مسناة مصعب كما أنه عليه قطيعة ذات الحفافين ، وربما كانت قطيعة معقلان تقع عليه أيضاً وما بين الحبل ونهر مرة كانت للثوري قطيعة تبلغ ( 500 ) جريب ، أما المنطقة الجنوبية فكانت أرضاً خصبة تدعى الجزيرة لأن الترع كانت تحيطها من كافة الأطراف فدجلة العوراء من الشرق والابلة من الجنوب ونهر دبيس من الغرب ونهر معقل من الشمال ، وكان على نهر معقل يقع أحد جسري البصرة الذي يدعى الجسر الأصغر وكان يقع على طرف الكلاء الشرقي ، اما الجسر الثاني فهو الجسر الاكبر وكان ممتداً على دجلة وقد إتخذ عنده المهلب ومصعب بن الزبير معسكرات لهم في بعض المناسبات كما أقام عنده أبو جعفر وهو بلا ريب في شرقي الجسر الاصغر ) .
  ونستمر بما قاله ياقوت الحموي في معجم البلدان عن البصرة وما جاورها وأنهرها فيقول :

الأبلة (1)
   بضم أوله وثانيه وتشديد اللام وفتحها قال أبو علي الأبلة إسم البلد الهمزة فيه فاء وفعله قد جاء إسماً وصفه نحو حضمه وغلبه قالوا قمد فلو قال قايل أنه أفعله والهمزة فيه زائدة مثل ابلمة وأسلمه لكان قولاً وذهب أبو بكر في ذلك إلى الوجه الأول كأنه لما رأى فعله أكثر من أفعله كان عنده أولى من الحكم بزيادة الهمزة لقلة أفعله ولمن ذهب إلى الوجه الآخر أن يحتج بكثرة زيادة الهمزة أولاً

 ************************************************
(1) الأبلة كما بينا سابقاً من زمن الأكديين .

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 37 ـ

وقالوا للفدرة من التمر الأبلة قال الشاعر وهو أبو المثلم الهذلي :
فيأكل  مارض من iiزادنا      ويأبى الأبلة لم ترضض

   فهذا فعله من قولهم طير أبابيل فسره أبو عبيدة جماعات في تفرقة فكما أن أبابيل فعاعيل وليس بأفاعيل كذلك الأبلة فعله وليست بإفعله وحكي عن الأصمعي في قولهم الابلة التي يراد بها إسم البلد كانت به إمرأة خمارة تعرف بهوب في زمن النبط فطلبها قوم من النبط فقيل لهم هوب لاكا بتشديد اللام أي ليست هوب ها هنا فجاءت الفرس فغلظت فقالت هوبلت فعربتها العرب فقالت الأبلة وقال ابو القاسم الزجاجي الابلة الفدرة من التمر وليست الجملة كما قال أبو بكر الانباري أن الأبلة عندهم الجلة من التمر وأنشد إبن الأنباري ( ويأبى الأبلة لم ترضض ) وقريء بخط بديع الزمان بن عبد الله الأديب الهمذاني في كتاب قرأه علي إبن الحسين أحمد بن فارس اللغوي وخطه له عليه سمعت محمد بن الحسين بن العميد يقول سمعت محمد بن مضا يقول سمعت الحسن بن علي أبن قتيبة الرازي سمعت ابا بكر القاريء يقول الابلة بفتح اوله وثانيه والأبلة بضم أوله وهو المجيع وأنشد البيت المذكور قبل والمجيع التمر بالبن والأبلة بلدة على شاطيء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب وكانت الابلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقايد وقد ذكرنا فتحها في سبذان ( يقول ياقوت في معجم البلدان عن سبذان ـ قال حمزة بن الحسن وعلى أربعة فراسخ من البصرة مدينة الأبلة على عبر دجلة العوراء وكان سكانها قوم من الفرس يعملون في البحر فلما قرب منهم العرب نقلوا ما خف من متاعهم مع عيالاتهم على أرعمائة سفينة وأطلقوها فلما بلغت خور مدينة سبذان مالت بهم الريح على البحر إلى نحو الخور فنزلوا سبذان وبنوا فيها بيوت النيران وأعقابهم بها بعد قلت ولا ادري أين موضع سبذان هذه وأنا أبحث عن هذه إن شاء الله تعالى ) وكان خالد بن صفوان يقول ما رأيت أرضاً مثل الابلة مسافة ولا أغذي نطفة ولا أوطأ مطية ولا أربح لتاجر ولا أحفى لعابد وقال الأصمعي جنان الدنيا

شط العرب وشط البصرة والتاريخ   ـ 38 ـ

ثلاث غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلة وحشوش الدنيا خمسة الأبلة وسيراف وعمان وأردبيل وهيت وأما نهر الأبلة الضارب إلى البصرة فحفره زياد وحكي أن بكر بن النطاح الحنفي مدح أبا دلف العجلي بقصيدة فأثابه عليها عشرة ألاف درهم فإشترى بها ضيعة بالأبلة ثم جاء بعد مديدة وأنشده أبيات :
بك إبتعت في نهر الأبلة ضيعة      عـليها  قـصير بالرخام مشيد
إلى جنبها أخت لها iiيعرضونها      وعـندك مـال لـلهبات iiعتيد

   فقال أبو دلف وكم ثمن هذه الضيعة الاخرى فقال عشرة آلاف درهم فأمر أن يدفع ذلك إليه فلما قبضها قال إسمع مني يا بكر إن إلى جنب كل ضيعة ضيعة أخرى إلى الصين وإلى مالا نهاية فإياك أن تجيئني غداً وتقول إلى جنب هذا شيء لا ينقضي ) .

نهر الأجانة
   يلفظ الاجانة التي تغسل بها الثياب بكسر الهمزة وتشديد الجيم وبعد الألف نون ـ قال عوانه قدم الأحنف بن قيس على عمر بن الخطاب في اهل البصرة فجعل يسألهم رجلاً رجلاً والأحنف لا يتكلم فقال له عمر ألك حاجة فقال بلى يا أمير المؤمنين إن مفاتيح الخير بيد الله وإن إخواننا من اهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية من المياه العذبة والجنان الملتفة وإنا نزلنا ارضاً ًنشاشه لايجف مرعاها ناحيتها من قبل المشرق البحر الأجاج ومن جهة الغرب الفلاة والعجاج فليس لنا زرع ولا ضرب تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مرى النعامة يخرج الرجل الضعيف منا فيستعذب الماء من فرسخين والمرأة كذلك فتربق ولدها تربق العنز تخاف بادرة العدو وأكل السبع فألا ترفع خسيستنا وتجبر فاقتنا تكن كقوم هلكوا فالحق عمر ذراري أهل البصرة في العطاء وكتب إلى ابي موسى يأمره أن يحفر لهم نهراً فذكر جماعة من أهل العلم أن دجلة العوراء وهي دجلة البصرة كانت خوراً والخور طريق الماء لم يحفره أحد تجري أليه الامطار ويتراجع ماءها فيه عند المد ويصب في الجزر وكان يحده ممايلي البصرة خور واسع