وافرة جداً ، وصارت تجارته واسعة ، ويعد من أكبر مواطن استهلاك التمور ، وكان خاصاً بللل غير المسلمة .
  وصرفه قليلاً إلا أن المسلمين من اعتادوا شربه ، وشرب سائر المسك ارتمما لم يكن مألوفاً ، بل هو محرم شرعاً .
  وسميت الخمرة (بأم الخبائث) ، والخلاص ربّ يتخذ من التمر .

الجمار والطلع
  وهذا لا يخلو من فائدة غذائية ، بل الجمّار يعدّ قليل الغذاء ، صعب الهضم ، وأما الطلع وهو المعروف بالكفريّ أو الكافور وهو وعاء الكش (المادة الملقحة في النخل) فيؤكل مع الأغذية الدسمة ، ويستخرج ماء الطلع كعطر أيضاً .
  مصنوعات من مادة النخل من الخوص الحصران والزبابيل والعلاقات والحبال ، السفازت والمكانيس والشاليّات وما يوضع عليه التمر في الأطباق ومهفات وأكياس للخصافات ومصاعد لجني التمور .
  ومن الليف : حشو القنبات وحشو الكراسي وحشو لأجلة الدواب .
  ومن الجذوع : سقوف البيوت وعمدها .
  ومن السعف (الجريد) : أسرّة وكراسي وللأكواخ وللأواني لنقل الثمار وما ماثل .
  وتستعمل للمحروقات : الجذوع والكرب والسعف .

تجارة التمور
  كانت حرة وغالباً ما تذهب إلى الهند ، والى إيارن ، والى جزيرة العرب ، يتخذها البدو قوتاً ، وأن تجار العالم كانوا يتزاحمون عليها ، وأن كل مواطن يأخذ حاجته من التمور بواسطة تجارته المعتادة إلا

النخل في تاريخ العراق   ـ 76 ـ
  أن وضع التجارة العالمية تغير وسارت التجارة بنطاق واسع جداً لحد أن الدول اتخذتها وسيلة للسيطرة وللسياسة فصار ذلك ملحوظاً بعين العناية ، فكانت تجارة التمور لا تخرج عن المقاييس المتخذة بين الأمم .
  وهذه داخلتها المضاربات ، وأصابها التحكم المالي في بعض الأحيان مما دعا أن تحتكر هذه التجارة .
  وفي ذلك خطر مشهود دائماً وأن التازحم الاقتصادي أدى إلى ذلك في أكثر الأحيان ، وأن الشعور الخطر أدى إلى نواحٍ عديدة تستدعي الالتفات من تأسيس نقابات ، وجمعيات للتمور ، وما ماثل من تدابير تدعو للالتفات وتتخذ ما من شأنه أن يقوم بالمهمة دفعاً للضرر وجلباً للمنفعة بتقديم نماذج تدعو لتحبيب التجارة وطبع نشرت خصة بذلك .
  ويستفاد كثيراً من إحصاء الصادرات ، ومقادير البيع أو الرسوم المأخوذة في الكمارك مما يثبت الأوضاع ، ويقرر الصواب ... وقد روعي لزوم القضاء على الاحتكار والتحكم الاستعماري في العهد الجمهوري .
  هذا ، وأقدم القائمة التالية من مصلحة التمور العراقية .
  ومنها يظهر الفرق بين العهد الجمهوري والعهد الزائل :
  جدول انتهاج التمور العراقية والكميات المصدرة واقيامها خلال السنوات الموسمية المدرجة أدناه

النخل في تاريخ العراق   ـ 77 ـ

الموسم الكمية المدفوعة عنها رسوم الاستهلاك الكمية المستهلكة وغير المدفوع عنها رسم الاستهلاك مجموع الإنتاج الحقيقي مجموع المصدر
بالطن بالطن بالطن الكمية القيمة
1948 251.257 048.743 200.000 190.468 4.711.118
1949 173.472 046.528 220.000 137.933 3.646.966
1950 438.303 041.697 480.000 341.765 6.527.650
1951 279.151 040.849 320.000 257.727 5.426.450
1952 372.102 037.898 410.000 260.553 5.493.732
1953 363.932 036.068 400.000 245.322 4.991.190
1954 393.886 036.114 430.000 262.833 5.895.462
1955 444.469 035.531 480.000 260.192 5.870.242
1956 230.000 030.000 260.000 245.009 4.857.226
1957 261.249 028.752 290.000 203.369 4.713.871
1958 418.763 031.237 450.000 303.868 7.229.891
1959 240.000 030.000 270.000 229.630 5.811.416
1960 270.000 030.000 300.000 223.128 7.264.294
1961  لغاية 1962-3-31 320.000 182.183 5.810.811
ملاحظات :
  1 ـ يبدأ الموسم في أول أيلول وينتهي بنهاية شهر آب .
  2 ـ زيادة الإنتاج وقلته تخضع إلى تقلبات المناخ والعوارض الطبيعية ودرجة إصابة التمور بالحشرات والاوبئة .
  3 ـ الكميات المصدرة خلال موسم 1960 هي لغاية نهاية شهر كانون الثاني 1961 ويؤمل أن يبلغ مجموع الكميات المصدرة إلى نهاية الموسم أكثر منم ( 200 ) ألف طن ومجموع القيمة أكثر من ستة ملايين دينار .

النخل في تاريخ العراق   ـ 78 ـ
  4 ـ أن أرقام الصاد ا رت أعلاه تتضمن بالإضافة إلى إنتاج تمور ذلك الموسم كميات من التمور المتبقية من مواسم سابقة ةصدرت خلال ذلك الموسم لمقاصد صنايعة وهي كما يلي :

الموسم الكمية
1955 2.145
1956 71.400
1957 7.431
1958 2.109
1959 53.629
1960 7.905

  5 ـ بعد الثورة المباركة أخذت الدول الاشتراكية تستورد التمور العراقية وبلغ مجموع الكميات المصدرة إليها واقيامها كما يلي :

الموسم الكمية بالطن القيمة بالدينار
1958 78.253 1.365.780
1959 55.941 1.263.704
1960 72.169 2.700.000

النخل في تاريخ العراق   ـ 79 ـ
تطور ضرائب النخيل
  إن الضرائب (1) تابعة لوحدة مطردة ، ونهج عام ، كانت تجري على أساس المساحة دون تفريق بين الحبوب والأشجار ، فيؤخذ على الجريب (2) .
  (قفيز ودرهم) ، ثم حدث تحول تبعا لمقتضى العدل ، وأن لا يعامل صاحب الغرس أو الزرع بمعاملة الأعلى ، وأن لا يجحف بحقوق أحد ، أو يهمل حق من له حق ، وان كان قد استفاد آخرون .
  وهذا منتهى التوقي في العدل المطلوب مراعاته ، المأمور به شرعاً ولا يصح الخروج عليه بقدر الإمكان ، حتى لا يقع حيف ، وكان المسلمون في عهد الخلفاء يخشون كثيرا من أن يضروا بأحد ، أو يقروا ضريبة على خلاف المعتاد ، فلا يؤمل أن يقع ظلم ، أو يشتبه به ، كل هذا لم يمنع أن نرى وصايا الخلفاء وتنبيهاتهم وتحذي ا رتهم من الوقوع في التعدي ، فكان لها مكانتها وقيمتها من النفوس .
  وفي كل هذا كانت تراعي المصلحة ، ثم حدثت تبدلات كثيرة في أيام عمر (رض) (فاتح العراق) في أوقات مختلفة لما رأى من الوجوه المتعددة مما تدعو المصلحة إليه وضرورة العدل فيه .
  يدل على ذلك اختلاف الروايات الواردة مما يدل على وجودها بأزمان عديدة .
  وأن ضرائب المزروعات والأشجار متعينة عندنا ، تستهدف الوحدة كما تقدم ، فلم تتنوع ولم تتعدد ، وفيها من التساهل الكبير خشية أن يقع الإجحاف ، أو أن يرهق الأهلون .
  وهذه الضريبة بوجه عام عن الحبوب وثم رات الأشجار بوجه شامل يقال لها (الطسق) .
  وضرائب النخيل قسم منها ، داخل في الخراج والعشر وهذه اللفظة عربية خالصة على خلاف ما جاء في صحاح الجوهري ، والنهاية لابن الأثير ، وبعض كتب اللغة إذ أصل لفظة (طسق) تشترك و

*************************************************
(1) تكلمنا عن الضرائب بأنواعها في كتاب (تاريخ الضرائب العراقية)، المطبوع ببغداد سنة 1959م .
(2) الجريب يساوي ( 3967 ) مترًا مربعاً .


النخل في تاريخ العراق   ـ 80 ـ
  (القسط) الكيل المعروف من الأكيال القديمة لما قبل الإسلام .
  ولاشك في أن الواحدة مقلوبة الأخرى وأصلها أن هذا الكيل تردد فيها فصار يطلق عليها ، وجاء بمعنى الضريبة لأنه ظاهرة من ظواهرها و (طقسا) أو تكسا في اللغة العبرية من هذا اللفظ ، والظاهر أن كلمة (تكس) الفرنسية مأخوذة من هذه بدل لا يشتبه به ، فالأصل واحد ... و (طقس) هو اللفظ العام للضريبة على المزروعات والمغروسات كافة .
  هذه الضرائب تتناول :
  الحبوب وثمار الأشجار والمنتوجات الأخرى من خضر وغيرها ، وتحتاج إلى تفصيل وافٍ .
  وكانت في الأصل الضريبة موحدة فيها إلا أن توالي الأيام كشف نواحي الإبهام ، وقرر العدل ، ولزوم مراعاته ، ويوضح هذا أن نتناول أوجه التطور ، وما لحق من أوضاع وتحولات في مختلف الحبوب والمنتوجات النباتية .
  ففي أول عهد العرب المسلمين في العراق لم تدخل في العموم الأمدة قصيرة ، ثم عرفت ضريبته لوحدها ، وذلك أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أقر أهل السواد في أرضهم ، وضرب على رؤوسهم الجزية ، وعلى أرضهم (الطقس) (1) .
  وكانت الضريبة على المساحة فيؤخذ على الجريب قفيز ودرهم .
  وكان النخل لا يفترق عن ذلك ، فيؤخذ عن الجريب دون تفريق عن سائر المزروعات والمغروسات ، ثم أخذ عن كل جريب من النخل (ثمانية دراهم) في أيام عمر (رضي) وما ذلك إلى لأن أرباب النخل لا توجد عندهم زروع ليؤدوا القفيز .
  وأما في الأ راضي العشرية فما سقت السماء ، أو

*************************************************
(1) فتوح البلدان للبلاذري ، ص 268 .

النخل في تاريخ العراق   ـ 81 ـ
  كان سيحاً العشر ، وما سقي بالدلو نصف العشر .
  وما كان مما عملت أرضه فليس عليه شيء (1) ولكن سواد العراق خارجي .
  ويجري فيه الخراج بالوجه المذكور .
  إن عمر (رضي) بعث عثمان بن حنيف على السواد فمسحه ووضع على كل جريب عامر أو غامر درهماً وقفيزاً ، وألغى الكرم والنخل والرطاب وكل شيء ... وبهذا تكن الضريبة جارية على أمر موحد ، فلا تحتاج إلى معرفة كبيرة ، ولم يفرق بين المزروعات والمغروسات ، وكان لا يؤخذ عما قل عن خمسة أوسق من النتاج شيء (2) .
  فالنصاب لأخذ الضريبة زكاة قد تعيّن بخمسة أوسق كما انه ليس لما دون الجريب شيء وهكذا مما ا زد على الأجربة وهو أقل من جريب وهو الفضل منه .
  ثم كان التفصيل ، فصار يؤخذ عن جريب النخل ثمانية د راهم ، وروعي مؤخراً المغروس حسب الأجربة ، أو ما يجمع منه جريباً فأكثر فيؤخذ عنه ، وبهذا خفف عن أرباب الغرس في تأدية قيمة القفيز والتعويض عن ضريبة الجريب بثمانية دراهم ، وكان ذلك في أيام المغيرة ابن شعبة .
  وفي أيام الإمام علي (رضي) أمر عامله يزيد بن أبي يزيد الأنصاري أن يضع على كل جريب زرع غليظ من البر درهماً ونصفاً وصاعاً من طعام ، وعلى كل جريب وسط درهماً ، وعلى كل جريب من البر رقيق الزرع ثلثي درهم وعلى الشعير نصف ذلك ، وأن يضع على البساتين التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دارهم (3) تقديراً للقفيز والدرهم وقيمتها في ذلك الوقت ، أو قيمة الحاصل الناتج ومقدار ضريبته .
  ونقل أن الحجاج كتب إلى عبد الملك بن مروان يستأذنه في أخذ (الفضل) من أموال السواد فمنعه من ذلك وكتب إليه لا تكن على درهمك المأخوذ أحرص منك على درهمك المتروك وابق لهم

*************************************************
(1) الخراج للإمام أبي يوسف ، ص 43 .
(2) الخراج ليحيى بن آدم ، ص 96 ـ 100 ، والخراج للإمام أبي يوسف ، ص 126 .
(3) فتوح البلدان ، ص 269 .

النخل في تاريخ العراق   ـ 82 ـ
  لحوماً يعقدون بها شحومًا (1) .
  ومعنى هذا أن أجزاء الجريب ، أو الازئد عن الجريب ولا يبلغ جريباً كاملاً لا يؤخذ عنه .
  والنخيل يؤخذ خراجه على مسح الأرض فالسنة الهلالية كانت هي المعتبرة في وقت الجباية كسائر الحبوب ، ثم صارت على (مسح المغروسات) وهو الأولى فكان الخراج معتبراً بالسنة الشمسية وماضيا على هذا الأساس إلى آخر أيام الخليفة المنصور .
  ومن ثم أخذ الخليفة المهدي بالمقاسمة بناء على ما سأل الناس في مقاسمة السواد في آخر خلافة المنصور ، فقوسموا دون عقبة حلوان على النصف بعد المساحة التي كانت تمسح عليهم ... وروعي في هذه الضريبة أن لا يؤخذ إلا عن المغروس ، فكان الأخذ على مساحة المغروسات أكثر عدلا ، وأن التجارب بصرت به .
  وفي أيام الأمويين والعباسيين إلى أيام الخليفة هارون الرشيد جرت تطورات فصارت المغر وسات يجري فيها (التقبّل) (2) كغيرها دفعاً للكلفة ، وللحصول على الضريبة بلا عناء فظهر فيها ما ظهر من الموظفين والمتقبّلين وغيرهم ، والنفوس لا تهدأ من اتخاذ الطرق لاكتساب النفع ، فأوصى الإمام أبو يوسف الخليفة فقال :
  (رأيت أن لا تقبّل شيئاً من السواد ولا غير السواد من البلاد .
  فإن المتقبّل إذا كان في قبالته فضل عن الخراج عسف أهل الخراج وحمل عليهم ما لا يجب عليهم وظلمهم ، وأخذهم بما يجحف بهم ليسلم مما دخل فيه .
  وفي ذلك وأمثاله خراب البلاد ، وهلاك الرعية ، والمتقبّل لا يبالي بهلاكهم بصلاح أمره في قبالته ، ولعله أن يستفضل بعد ما يتقبّل به فضلاً كثيراً ، وليس يمكنه ذلك إلا بشدة منه عن

*************************************************
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ، ص 134 .
(2) التقبّل أصله أن تخمن الحاصلات وتحزر ، فيخير صاحبها بأن يتقبلها بما خمنت أو لا يتقبّلها ، ثم صار يتقبلها أناس آخرون ينتظرون الحاصل ، فيقاسمون أهليه ، ومن ثم صار معروفاً عندنا بـ (الضمان والالتزام) كأنه بقي الخراج على ضمانه وخطره .


النخل في تاريخ العراق   ـ 83 ـ
  الرعية وضرب لهم شديد ، واقامته لهم في الشمس ، وتعليق الحجارة في الأعناق ، وعذاب عظيم ينال أهل الخراج مما ليس يجب عليهم من الفساد الذي نهى الله عنه ، وانما أكره القِبالة لأني لا آمن أن يحمل هذا المتق بل على أهل الخراج ما ليس يجب عليهم فيعاملهم بما وصفت ، فيضربهم ، فيخرجوا ما عمروا ، ويدعوه ، فينكسر الخراج ...) هـ (1) ولم يمنع الإمام أبو يوسف في ما إذا رضي أهل المحل بالتقبّل ، وسماه الولاية ، ثم صارت بمعنى الالتزام وقبلها الإمام أبو يوسف بتحوطات من جراء أنها أوفر لبيت المال ولمصلحة أهل الخراج ، وأوصى الخليفة بما يجب أن يتحلى به العامل من الأوصاف ، ولاشك في أن ذلك كان تحذيراً مما وقع ، أو حدث من ظلم على أهل الخراج وكان بين حكم الخلفاء الارشدين ، وبين الخليفة هارون الرشيد قد مضت مدة من خلالها ما يكفي للتجربة والاستفادة منها ، والتحذير مما وقع ... وكذا يقال في النهي عما يتم من تقدير الولاة ، أو العمال ... وتأصل أصل مهم من ذلك الحين وهو أن يؤخذ من الخراج ما تحتمله الأرض وذلك من جودة يزكو بها الزرع ، أو رداءة يقل بها الريع ، أو بالنظر لاختلاف أنواع الحبوب والثمار ، وقلتها وكثرتها ، وفي زيادة الثمن وقلته ، أو أن تكون عليه المؤونة في سقيه بالنواضح والدوالي ، وما يسقى سيحاً أو مطراً ... وفي قرب الحاصل من البلدان والأسواق ، أو بعده عنها ، أو قلة الكلفة في وسائل نقله ، مما يتطلب العدل بين أهلها من غير زيادة تجحف بأهل الخراج .
 ومن ثم حضّ العلماء على مراعاة العدل في الحالات كلها ، فكانت تابعة لطريقة البساطة ، ثم الافتكار في نواحي الإجحاف ورفعها كأن تؤخذ الضريبة عيناً من حب أو تمر أو زبيب ... أو تؤخذ من القيمة الوسطية حسبما يجب من حالات مشهودة ، وجاءت النصوص الشرعية مهتمة بأمر العدل

*************************************************
(1) كتاب الخراج للإمام أبي يوسف ، ص 126 .


النخل في تاريخ العراق   ـ 84 ـ
  وهو الذي تدعو إليه الحاجة ، وضرورة تنفيذ أحكام الشرع مما يخفف من حرص الموظفين ومن آمال دافعي الضريبة .
  ويستغرب جداً إن لم يذكر الأستاذ أبو حاتم السجستاني طريق جباية ضريبة النخل ، وما ذلك إلا لأنها معروفة شرعا في كتب الفقه ، وكتب الخراج والأحكام السلطانية وفي المؤلفات التاريخية ، فأغفل شأنها في كتابه .
 قال أبو يعلى الفراء :
  (يجوز خرص الثمار (تخمينها) أو حزرها ... وأما ثمار البصرة فحكمها حكم غيرها في خرص النخل والكرم ، ولا يجوز الخرص قبل بدوّ الصلاح ثم يخيّر أربابها بين ما إذا كانوا أمناء وبين ضمانها بمبلغ خرصها ليتصرفوا فيها ، ويضمنوا قدر زكاتها ، وبين أن تكون في أيديهم أمانة يمنعون من التصرف فيها حتى تتناهى ، فتؤخذ زكاتها ما بلغت ... (1).
  ولاشك في أن هذه التجارب جاءت أصلاً في تفهم الضريبة وتطور في تحري العدل والتخفيف عن الناس والوقاية من الإجحاف ، ويطلب دائما بالرجوع إليها ، ولا ت ا زل إلى أمد قريب منا تجري النخيل في البصرة على الجريب ، ولا تزال تقدر مساحة النخل بالجريب إلا أن الألوية العراقية الأخرى كانت تجري على التعداد لأنها لا تجري على مقياس معين أو مساحة محدودة من الجريب ، أو غيره واعتباره أصلاً كما أنها تختلف سيحاً ، أو تسقى بواسطة آلة ، وذلك لأن أرض العراق خارجية .
  وجاءت توزيعات صنوفها في كتاب على عيني مما جرى التعامل عليه منذ القديم .
  ومن ثم ظل التعامل المحلّي باقياً على حاله ولا يؤخذ أكثر من المعتاد .

*************************************************
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ، ص 104 .


النخل في تاريخ العراق   ـ 85 ـ
  ومن أهم ما عثرنا عليه مجموعة قانونية كانت تحتوي على مطالب قبل عهد التنظيمات جاء فيها ما ترجمته :
  أن البساتين والجنان يجري فيها التعامل في الرسوم المقطوعة ، والعشر المطلوب، فإذا كانت من المغروسات الجديدة يؤخذ بالعشر حتى تحرر بالوجه الصحيح، وما اندثر ، أو أشرف على الدمار ولم تكن فيه أثمار فحينئذ يهمل المقطوع ، ويارعي ما صلح له في حاضره ، أما ما كانت مساحته مقررة على الدونم أو (الجريب) وما ماثل فتجري جبايته على ما هو جارٍ عليه من تعامل ، هكذا يجري الحكم في تبدل الحالات بالنظر لما حدث من تحول ، وكذا يلاحظ أخذ المقطوع أو العشر في البساتين التي يبدو نموها وتظهر ثمرتها فتؤخذ ممن وصلت إليه عند تمام الثمرة .
  وهنا جاء في القوانين القديمة أن البساتين يؤخذ منها (العشر) ، و (السالارية) وتعدّ هذه الأخيرة متممة العشر ، وتؤخذ (مقابل التبن) ، أو أنها تعطي للآنموية ولكن لا تؤخذ السالارية عن الحمص والعدس ، والباقلاء والسمسم ، والكندر والكتان ، والذرة ... وقد لوحظ ما يتعلق بالبساتين التي تجري رسومها على المساحة ما في من مواطن غير مغروسة وبهذا تعيّن المساحة بوجه الصحة ، أو الأقرب للواقع (1) ولا تزال آثار الذرعة إلى وقت قريب معروفة في زرع الرز ، ومشهودة إلى أيامنا في رسوم النخل في البصرة ، ويهمنا أن نعين مقدار ما يؤخذ على الجريب ، فقد جاء النصوص في مختلف المواطن أن التثقيلات كثيرة على النخل ، ومن أهم ذلك ما جاء في الفرمان المؤرخ في (20) شعبان سنة (1027) هـ الخاص بآل باش أعيان فيما يختص بأخذ العشر المجرد من قبل صاحب المقاطعة من محصول حاصلات الأملاك الواقعة في مقاطعة حمدان التابعة إلى البصرة والعائدة إلى ساكن البصرة

*************************************************
(1) المجموعة القانونية التركية مخطوطتي .

النخل في تاريخ العراق   ـ 86 ـ
  قدوة المشايخ الشيخ عبد السلام وأخيه الشيخ مصلح فقد تقرر إعفاء الشيخين وأولادهم نسلاً من بعد نسل من السخر (التثقيلات) التي كانت تؤخذ مع ضريبة النخيل وذلك لوجود الفقراء الكثيرين بكل ازوية من الزوايا الثلاث أو الأربع في تكل المقاطع (1).
  ومما جاء من الفارمين ما يتعلق بنخيل السيد عبد الجليل ابن السيد ياسين البصري (المولود في البصرة سنة (1190) هـ ـ (1776) م والمتوفى في الكويت سنة (1270) هـ ـ (1853) م ) فإنه طلب من الحاج محمد المعروف بأسعد النائب (2) أن يتوسط لدى داود باشا 3) والي بغداد بأن يعفيه عما يؤخذ من (زوائد) و (هوائيات) وما ماثل مما هو خارج عن الضريبة .
  وكان محمد أسعد النائب قد سافر إلى البصرة مع الشاعر الشيخ صالح التميمي (4) سنة (1243) هـ (1827) م لمهمة عرضت لوالي بغداد داود باشا فراجعه الأستاذ الشاعر عبد الجليل البصري فقدم بواسطته عريضة إلى الوالي مقرونة بفرمان باسم جده السيد خليل يتضمن رفع جميع المظالم عن أملاكه وأملاك أولاده وأن لا يؤخذ عنه من الخراج إلا بقدر الخراج الشرعي وعلى الأخص الملك الكائن بنهر حمدان المسمى (العثمانية) فطلب إصدار أمر شريف يتضمن منع العمال والضباط عنه عموماً من جميع التكاليف والتعديات وكافة الرمايا والسخر والهوائيات وابقاء ميري واحد على خصوص ملكه المسمى بـ (العثمانية) مقطوع لرسم

*************************************************
(1) الشيخ عبد السلام ابن الشيخ عبد القادر من آل باش أعيان ، توفي سنة 1035 هـ ـ 1625 م وأما أخوه الشيخ مصلح فقد توفي سنة 1031 هـ ـ 1621 م ونص الف رمان وترجمته العربية في كتاب (ذكرى الشيخ صالح باشأعيان العباسي) الذي نشره الأستاذ حسون كاظم البصري وطبع سنة 1949 بدار الكشاف بيروت ص 12 ـ 13 وتحتفظ هذه الأسرة بفرامين وأوامر سامية (بيورلديات) صادرة من ولاية البصرة كما جاء في هامش ص 13 من الكتاب المذكور .
(2) قتل غيلة في ليلة الجمعة في 27 شهر رمضان سنة 1248 هـ - 1833 م بعد صلاة التراويح وكان كتخدا بغداد (تاريخ العراق بين احتلالين ج 7 ص 21 وما بعدها) وفيه تفصيل ، وتاريخ الأدب العربي في العراق ج 2 ، ص 224 .
(3) تاريخ العراق بين احتلالين ج 6 في صفحات عديدة وفيه تفصيل .
(4) توفي في 16 شعبان سنة 1216 هـ 1844 م ، (تاريخ الأدب العربي في العراق ج 2 ص 226 و 227 ).

النخل في تاريخ العراق   ـ 87 ـ
  الخراج واسقاط ما تكرر عليها من مضاعفات الميري فيك ون الساقط عنها ثلثمائة قرش عيناً وذلك غاية ما قصده المخلص فاسصحبه الأستاذ الموما إليه إلى بغداد وعرضه على الوالي .
  فصدر منه الأمر برفع المظلمة فمدحهما بقصيدة طويلة مطلعها :
هاج شوقي إلى الحبيب iiالمفدى      ii
مذ رأيت الركب العراقي يحدى

  وأعقبها بنثر جميل في الشكر والثناء ، ثم مدح الوالي شاكراً حسن صنيعه بقصيدة مطلعها :
بالعوالي طعناً وبالبيض قدا      ii
بالأعادي تنال فخراً iiومجدا
 ولما جاء الوالي علي رضا باشا اللاز إلى البصرة سنة (1253) هـ ـ (1837) م بعد فتح المحمرة (خرمشهر) أمضى له جميع مطالبه من ازلة ما على بعض أملاكه من الخراجات وسائر التعديات .
 وعلى أثر ذلك مدحه بقصيدة مطلعها :
بـشرى بـفتح مـبين نـيّر iiالمدد      ii
به اضاءت نواحي الملك بالرشد (1)
 وفي هذا بيان في معرفة التكاليف الازئدة على الأملاك .
 ولا يصح بوجه أن نعتبر الضرائب بمقياس واحد وأن نتكلم فيها دفعة واحدة .
 وانما توالي الأيام جعل لكل زرع ضريبة ، أو مقطوعاً ، أو وانما توالي الأيام جعل لكل زرع ضريبة ، أو مقطوعاً ، أو خراج موظف ، أو ضريبة مقاسمة ، فليس للزراع قدرة على أداء مبالغ أحياناً ، وانما تجري المقاسمة ، وهكذا ، والموضوع يحتاج إلى تفصيل وتوضيح ، فلا تعامل المنتوجات الزراعية ، أو منتوجات المغروسات بعين المقياس ، فالنخيل مثلاً في البصرة تجري على الجريب ولا يعتبر فيها التعداد ، وفي خارج البصرة من الأنحاء العراقية تابعة لضرائب أخرى

*************************************************
(1) ديوان عبد الجليل البصري 62 و و 70 ـ 79 و 147 وما بعدها من طبعة بومبي سنة 1300 هـ ومن طبعة مصر ص 43 و 44 و 48 ـ 54 و 100 .


النخل في تاريخ العراق   ـ 88 ـ
  ومن جهة ثانية نرى التكاليف كثيرة ، ومتنوعة جداً وهذا عدا المقرر الشرعي أو الموظف وهو بدل الضريبة .

النخل في تاريخ العراق   ـ 89 ـ
  جاء في كتاب النصرة في تاريخ البصرة : (1) .
 1 ـ يؤخذ عن كل جريب من مقاطعة العشّار خمسة قروش ونص القرش عين شامي (2) .
   ويشمل نخيل البصرة وما هو داخل ضمن سورها .
  وغير الموظف يؤخذ عنه العشر الشرعي .
  2 ـ يؤخذ عن كل جريب من مقاطعة السراجي سبعة قروش ونصف القرش عين شامي .
  وغير الموظف يؤخذ عنه العشر الشرعي .
  3 ـ مقاطعة مهيجران يؤدي نخلها كل مائة (ثلاثة وثلاثين) قرشاً عيناً .
  4 ـ مقاطعة حمدان يؤدي جريب نخلها 16 قرشاً عيناً شامياً .
  5 ـ مقاطعة اليهودي (الحمزة) يؤدي جريبها 8.5 قروش عيناً شاميات .
  6 ـ مقاطعة نهر خوز يؤدي جريبها (18) قرشاً عيناً شامياً ، إلى آخر ما هنالك من مقاطعات (3) .
  عهد التنظيمات :
  إن التنظيمات بدأت في إصدار الدولة العثمانية (خط كلخانة) المعروف بفرمان التنظيمات بتاريخ (26) شوال سنة 1255 هـ ـ 1810 م ولكنها لم تعمل به في حينه .

*************************************************
(1) تأليف العلامة الفاضل الشيخ أحمد نور بن محمد شريف الانصاري الشافعي قاضي البصرة أتم تأليفه سنة 1277 هـ وكانت وفاته في 14 جمادى الأولى سنة 1302 هـ 1885 م ، عندي نسخة مخطوطة منه وجاءت ترجمة المؤلف في كتاب ، أعيان البصرة للشيخ عبد الله ضياء الدين آل باش أعيان العباسي طبعة الأستاذ الشيخ جلال الحنفي سنة 1961 .
(2) الشامي نقد من ضرب السلطان عبد الحميد الأول وفي البصرة كان يتعامل به إلى قبيل حرب سنة 1914 ويعتبر سعر الليرة 12 شامياً كما علمت من المرحوم الأستاذ سليمان فيضي ومن غيره والتفصيل في كتابي تاريخ النقود 151 المطبوع ببغداد سنة 1958 العراقية ص 14 .
(3) النصرة في تاريخ البصرة ، مخطوطتي ص 3 و ما بعدها وفيها تفصيل زائد .

النخل في تاريخ العراق   ـ 90 ـ
  أما بعد التنظيمات فذلك أن الدولة العثمانية لم ترفع الرسوم ولم تغيرها ومن ثم وتلافياً لكل ضرر أصاب الأهلين ، أو لحقهم من جراء ذلك راعت الحكومة أيام مدحت باشا وألي بغداد الحالة العادلة وذلك أن متوسط حاصل النخلة لا يأتي بأكثر من عشرين حقة تمراً سنوياً والتمر العادي تساوي الحقة منه بصورة معدلة عشرين بارة فالمحال التي تعطي العشر مثل بغداد وجوارها من الأمكنة تكون رسومها أما حقتين أو أربعين بارة (قرشاً واحداً) .
  وتحصيل البدل أيسر على الحكومة والأهلين .
  ومن ثم ظهرت الرغبة ونالت قبولا .
  وطلب الأهلون أن تكون دائمة غير مقيدة بخمس سنوات لي راعى ما يحصل من تبدّل خلال المدة في السعر قلّة أو كثرة ، أو في المغروسات الجديدة والمندثرة .
  وأهل قضاء الخالص كانوا يؤدون الخمس (1) ، فطلبوا أن يشملهم هذا الأمر ، فيؤدّوا قرشين عن كل نخلة بدل الخمس .
  وكان آنئذٍ يجري (تعداد النخيل) ، وما يترتب عليه من جباية .
  كل هذا على غير ما كان يجري في (لواء البصرة) من جراء أن لواء البصرة كان يجري فيه الخرص ، أي أن الحكومة كانت تجري التخمين على النخيل ، وذلك بواسطة خراصين .
  وهؤلاء يضرون بالأهلين بعضاً وينفعون آخرين .
  وبهذه الطريقة تجري مظالم كثيرة .
  والحكومة لا تستوفي رسومها بوجه الصحة ، ولا تنتفع ، فيكون في ذلك ضرر على الحكومة ، وعلى من أجرى التخمين عليهم بإجحاف ... والخرص قديم إلا أنه غير إجباري ، فلا يقسر الأهلون عليه كما أوضحنا ذلك بنصوصه ،
  وكان بوسعهم أن يؤدوا الرسم عيناً ، ولكن العدول عنه ، والأخذ بوجه القسر وعلى طريقة التخمين الجائر وعدم أخذ العينيّات من المرء إذا رأى هذا الإجحاف غير صحيح .

*************************************************
(1) الظاهر من جهة أن مياههم سيحاً بخلاف بغداد .

النخل في تاريخ العراق   ـ 91 ـ
  إن التنظيمات لم تؤثر في التعامل المحلي ، وبصدور قانون الإعشار صار يلاحظ أمر الالتزام ، وما يتعلق بالملتزمين .
  وأخذ الكفالة منهم إلى ما هنالك من أمور تتعلق بانضباطهم ، ويتناول موضوعهم الأحوال المتعلقة بماليتهم وبأشخاصهم وأن لا يكونوا من أعضاء مجلس الإدارة، أو ممن يدخل عضواً في إدارة الم زايدات .
  وهذا أمر عام في أصول جباية أموال الدولة ، ولا يخص النخيل وحدها ، أو ينفرد بغيرها دونها .
  أما مدحت باشا فإنه ذاكر الأهلين بذلك ، وأبدوا له مطالعاتهم فوافق على الجريب بعد المناقشات ، والمداولات مع أهل الخبرة ، فكانت قد عدت هذه الطريقة أسهل وأسلم من غيرها ، وليس فيها إجحاف بحق أحد .
  ومن ثم كانت تجبى رسومات عن كل دونم (15) قرشاً سنوياً .
  وألغي (الخرص) كما يفهم ذلك من القائمة المقدمة إلى (الباب العالي) .
  فكانت تؤخذ المساحة كاملة ، ولا يترك منها ما هو غير مغروس ، ذلك ما دعا الناس أن يغرسوا الأ راضي الخالية ، وما يتحمله الجريب ، فلم تمض مدة حتى قام الأهلون بمهمة الغرس ، ونشطوا للعمل .
  كانت واردات البصرة سنوياً (48) حملاً من النقود ، ثم بلغت بعد سنتين (70) حملاً ، وتجاوزت ذلك ، فانتفع الميري أكثر مما كان مأمولاً ، وجرى الأمر بانتظام وضبط تأمين .
  أما المواطن البعيدة ، أو المنفصلة عن العمران فقد اعتبر لها طريق آخر في استيفاء الرسوم .
  وذلك أن البصرة لم تكن مغروسة بأجمعها ، وبصورة متصلة ، وبعضها لم تغرس نخيلاً وانما تشاهد فيها أشجار ومحاصيل أخرى .
ومثل هذه يجب أن تنفرد بحكم
، ولكن الوالي مدحت باشا لم يرجع إلى الخرص بوجه ، وانما

النخل في تاريخ العراق   ـ 92 ـ
  رعى طريقة أخرى بان قدر النخلة الواحدة من (40) يارة إلى (3) قروش بصورة متفاوتة وعيّن لها رسماً مقطوعاَ (1) .
  وبذلك انتظم أمر النخل ، وجرت الدولة عليه بصورة دائمة لا تدعو إلى التذمر ، وليس من الصواب أن يقال انقطع التذمر .
  ولا نازل نسمع بين حين وآخر اعتراضات وشكاوى ، ولكن دام الحال إلى وقت قريب منّا .
 ويهمنا أن نعلم ما جرى ، وفي تاريخ الضرائب عبرة ، بها تتعيّن أخلاق الموظفين، وسلوك الدولة .
  وهنا نقول : كان الأمر جارياً في البصرة على هذا المنوال نوعاً حتى حدث الاحتلال ، فأبقى الأمر كما كان ، ومضى في طريقه إلى أن تمّ تنفيذ (قانون الاستهلاك) الصادر في (16) تموز سنة (1933)م ، فكان مسبوقاً ببعض التحولات التي لا أهمية لها ، فكان ولا يزال معمولاً به .
  وبموجب هذا القانون تأخذ الدولة ضريبة على الحاصل الذي يباع في الأسواق ، أو يدخل مخازن البيع ، وهكذا .
 ولمعرفة تاريخ ذلك وتطوره تراجع القوانين العثمانية في الدساتير ، وقانون الأعشار وتعديلاته وقانون الاستهلاك وسائر القوانين في هذا الباب .
  إلا أن الجمهورية العراقية الخالدة قد اتخذت تدابير جديدة بتعديل قانون الاستهلاك .
  أقوال المؤرخين والسياحين
 إن السيّاحين مؤرخون للحالة الحاضرة التي هي وضع مستمر إلى أيامهم ، نراهم يشاهدون ما لم يخطر ببال .
  وما ذلك إلا لمألوفيتنا ، وفقدهم ما عندنا ، فينطقون بالمكانة ، ويقررون قيمة ما يكتبون لما يفاجأون به من أوضاع لم يألفوها ، وحالات لم يدركوها فتأتي الكلمة عفوا .

*************************************************
(1) تبصرهُ عبرت ص 100 ، وجريدة الزوراء عدد 13 الصادر في 1 جمادى الآخرة سنة 1286 هـ .


النخل في تاريخ العراق   ـ 93 ـ
  يهمنا أن نسمع أقوالهم ، لنكون على بينة ونتحقق ما هنالك من حقيقة ، وهؤلاء روّاد أهليهم ، وقد قيل الارئد لا يكذب أهله .
  وجاءت أقوال مؤرخين عديدين في الأبّلة (1) (العشار) ، من أقدمهم البلاذري والسمعاني وياقوت الحموي وعدوها من جنّات الدنيا .
  وكتب جغرافية عديدة .
   ومن أقدم السياحين ناصر خسرو قد بيّن في سياحته عن البصرة بيانات مهمة ، وكذا عن نهر معقل ، وأوضح أن الأبلة فيها أبنية عظمية ، وليس في العالم أكثر منها نضارة ولا بهجة .
  ولما خرج من البصرة في منتصف شوال سنة (443) هـ ـ (1052) م ركب سفينة ومضى في نهر الأبلة لمسافة أربعة فراسخ شاهد خلالها البساتين والحدائق العديدة على ضفتي النهر .
  وبيّن أن في كل جانب نهراً متفرعاً ، فلا تخلو مسافة إلا وفيها فرع من الأبلة .
  وهكذا وصف ابن حوقل نهر الأبلّة موضحاً أن طوله أربعة فراسخ ما بين البصرة وبلدة الأبلة ، وعلى جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد وقد مدت على خيط ... وفي آثار البلاد وأخبار العباد : أن الأبلّة طيبة جداً ، نضرة الأشجار ، متجاوبة الأطيار ، متدفقة الأنهار ، مونقة الرياض والأزهار ، لا تقع الشمس على كثير من أرضيها ولا تتبين القرى من خلال أشجارها .
  وعد جنان الدنيا أربعة فكانت أبلة البصرة أحداها .
    ومن السياحين :
   1 ـ ابن بطوطة (2) قال :

*************************************************
(1) بسطنا القول فيها في جريدة البلاد في الأعداد الصادرة في 6 و 9 و 11 آذار سنة 1938 .
(2) التعريف بالمؤرخين ج 1 ص 201 ـ 205 ، وفية تفصيل ترجمة وكانت قد بدأت رحلت سنة 725 هـ ـ1325م وكان وروده العراق سنه 727 هـ ـ1326 م وورد بغداد في شوال سنة 748هـ ـ 1348 م .

النخل في تاريخ العراق   ـ 94 ـ
  (البصرة إحدى أمهات العراق الشهيرة الذكر في الآفاق ... ذات البساتين الكثيرة ، والفواكه والأثيرة ، توفر قسمها من النضارة والخصب ، لما كانت مجمع البحرين الاجاج والعذب .
  وليس في الدنيا أكثر نخلاً منمها ، فيباع التمر في سوقها بحساب أربعة عشر رطلاً عراقية بدرهم .
  ودرهمهم ثلث النقرة .
  ولقد بعث إلي قاضيها حجة الدين بقوصرة تمر يحملها الرجل على تكلف ... ويصنع بها من التمر عسل يسمى (السيلان) وهو طيب كأنه الجلاب ... ثم ركبت من ساحل البصرة في سنبوق (سنبوك) وهو القارب الصغير إلى الأبلة وبينها وبين البصرة عشرة أميال في بساتين متصلة ، ونخيل مظللة عن اليمين واليسار ... ) 1 هـ (1).
  وفي هذا ما يعيّن كثرة نخل البصرة والأبلّة معاً .
 2 ـ أبو الفداء (2)
  قال في تقويم البلدان ما لا يقل عن هذا .
  وبيّن أن جميعها بساتين ومزدرع .
  3 ـ النخل في رحلة أولياجلبي (3)
  قال (مؤرخو السلف عدّوا الكوفة والمدائن والعراق من الأرض المقدسة والحق أن أرضها صحراء مفرحة ، والأهلين فيها صيفاً وشتاءً في قلوب فرحة ، ووجوه حسنة ، وفي صحاريها القرى والقصبات معمورة خير عمارة بالخلجان والترع والعيون الجارية ، وجميع أنحائها لا تخلو من حدائق غنّاء ، وجنان نخل كأنها روضات الجنّات ، حارسها رضوان ، وبساتينها مشتبكة الأشجار .

*************************************************
(1) رحلة ابن بطوطة ج 1 ص 115 ، 117 طبعة مصر سنة 1938(60) التعريف بالمؤرخين ج 1 ص 168 و 169 .
(2) التعريف بالمؤرخين ج 1 ص 168 و 169 ) .
(3) أصله من استنبول ، ولد سنة 1020 هـ - 1611 م وهو ابن محمد ظلي الدرويش ، وكان والده (مذهبّاً) للسلطان ، يرجع إلى كرميان ومن أجداده أحمد يسوي الشاعر التركي المعروف ، ورحلته معروفة ، وتعد من أجل الرحلات ، وطبعت في عشرة مجلدات باللغة التركية واختصرها فيض الله بلبل مصاحب السلطان في مجلد واحد ، ورد بغداد يوم مولد الرسول (ص) سنة 1066 هـ ـ 1656 م .

النخل في تاريخ العراق   ـ 95 ـ
  وان جنان النخل فيها لا تخلو من فهود ونمور وآساد كثيرة .
  يمتد نخيلها من البصرة إلى الإحساء ، وعمان ، والى الكوفة والنجف تشاهد بارزة للعيان ظاهرة في تلك الفيافي المحيطة بها .
 وأنواع التمور تبلغ في العراق نحو سبعين نوعاً .
  ومن بينها تمور جيدة كأنها العقيق اليماني ، ومنها تشحن مئات السفن إلى الهند وكذا تحمل مئات الألوف من الأبل تمراً ، يذهب العربان إلى ديار همذان ، وبلاد أصفهان للتجارة .
  تتوغل هذه النخيل في الصحاري ، ولا تخلو منها بقاع حتى اليمن ، ومكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، وليس لها صاحب أصلي ، وبينها ما يرتفع في سموه إلى أوج السماء .
  وأن أمين عالي أفندي دفتري بغداد حينما كان فيها وصف النخل بقوله :
خاك بغدادي زين ايدن شجري      ii
نخيل  خرما صانير كورن iiأما
طـوغلر  دركه قالدي iiمنزلده      ii
جـكيلوب كـيتدي لشكر iiخلفا

  ومعنى البيتين أن الأشجار التي زينت تربة بغداد يظنها من يراها أنها النخيل ، ولكنها الطوغات (نوع إعلام) بقيت في الديار حينما رحل عنها جيش الخلفاء .
  والحق أن هذا الشاعر شبّه النخل بالطوغ ، فكان خير تشبيه ، فكل نخلة تضارع المنارة في سموها إلى العيوق ، وهي أشبه بالسرو العالي القد ، فلم أر مثلها في مصر ، ولا في السودان ، ولا في تلمسان في قدّها ا ارفعة رسها .
  وفي شمال المدينة المنورة من الخارج طريق زيارة الحمزة (رض) نخل لا يتجاوز طوله علو القامة ، ولم أشاهد نخلاً بهذا الارتفاع .
  وتأتي بعذق وآخر من التمر في كل سنتين أو ثلاث سنوات ويكون في متناول كل أحد ، فكان ذلك معجزة الرسول (ص) ، وكأنها عنب .

النخل في تاريخ العراق   ـ 96 ـ
  وعمرانها ، وأنهم في سرور دائم ، وخي ا رت وبركات متكاثرة ، بفضل أدعية العلماء الكمل والأنبياء العديدين .
  وفي أرض العراق كنوز عظيمة ، ودفائن جواهر جسمية ، وخبايا كثيرة ومطالب عزيزة تعدّ بالألوف ، وفيها من الطلسمات الغريبة التي نسخ حكمها ما يعد بالمئات ، فيدعو لحيرة المرء .
  وقال اولياجلبي :
  أن جانب الكرخ يحوي نحو ألفي بستان وحديقة من النخيل ، ومعمورة أيضا (1)
  هذا وأن عمر النخيل التي ذكرها لا يتجاوز في البصرة الثمانين سنة في الأغلب في حين أن ثمرتها تتقدم ، وأما في لواءي بغداد وديالي فأنه ربما يبلغ المائة أو المائة والعشرين سنة كما فهمت ذلك من أناس عارفين ، ويتأخر ثمر النخلة في لواءي بغداد وديالي كما يتأخر عمرها .
  ويعين عمرها مقدار كربها في صف أو في صفين اثنين .
  وهذا لا يختلف فيه اثنان وتابع لقواعد ثابتة ، فهو أشبه بمقطع الأشجار الأخرى من ساقها ، فإن ذلك يعين عمرها ...
  4 ـ مشاهدات نيبور قال الأستاذ نيبور في رحلته :
  (في بقاع قليلة من العالم فقط ، يمكن العثور على كل هذه الأصناف العديدة من التمر ، كالأصناف المتوفرة في البصرة ، حتى أن العرب يقسمون هذه الأصناف ، كما هو الحال في أدويتهم ، إلى صنفين :
  بارد وحار يعد أولهما مفيداً والآخر مضرا بالصحة ، إلا أن هذا التصنيف لايبين شيئاً بصورة عامة إلا في الإفادة بأن الصنف الذي يطلق عليه بلغة العامة اسم (البارد) يكون له طعم شهي وسعر غالٍ ، بينما يتوفر الصنف (الحار) بكميات كبيرة ، كما أن سعره رخيص ، ويكون الغذاء .

*************************************************
(1) رحلة أوليا جلبي ج 4 ، ص 432 .

النخل في تاريخ العراق   ـ 97 ـ
  الأساسي لفقراء الأهالي .
  يعتبر النوع المسمى بالتمر الخستاوي ، أفضل الأنواع قاطبة وذلك لأنه لا يثقل على المعدة ، مهما كانت الكمية المتناولة منه بينما يعد النوع المسمى (بالزهدي) أردأ تمر في البصرة لتسبيبه غازات كثيرة .
  وهو يعطي هناك للحيوانات كما يصنع منه الكحول .
  والفقراء فقط ممن لا يستطيعون شراء طعام أفضل يسدون به جوعهم ، يكتفون بتناوله .
  ولا ينظر في بغداد إلى هذا النوع بمثل هذه الاستهانة وربما ينمو هذا النوع من التمر في تلك التربة بشكل أفضل أو لا توجد في بغداد أصناف متعددة من التمر لغرض الانتخاب ، كما هو الحال في البصرة .
  ونورد هنا الأنواع التالية بين أنواع التمر الأخرى التي تنمو في البصرة :
  حلاوي ، استعمران ، شكر ، جوزي ، ديري ، خصاب ، خضراوي ، اسرسي ، بريم ، مكتوم ويوجد هذا النوع بجنسين أحدهما أحمر والآخر اصفر ، قنطار ، لولوي ، تمر بنت السبع ، خنيزي ، أصابع العروس ، ودكل وهذا أحمر وأصفر ، اشكر (جبجاب) ، (خصاوي البغل ) Tschabschab Schiis (حطري) Hottrie ، كسب (جسب) Kissib ، ( لعله بوبكي ) Bumkie مدادي Moddad وابراهيمي (1) .
  وجميع هذه الأصناف من التمر تستخدم لصنع الدبس الذي يتناوله الأعراب مع الخبز ولكن النوع الحلو من هذه التمور والمسمى بالحلاوة وهو أنسبها لصنعه .
  ونواة التمر الصلبة ، هي الأخرى لا ترمي ، بل تحفظ لعلف الحيوانات وأظنني قرأت في أحد كتب الرحلات أن العرب في البصرة إذا شاؤا عرس نخلة جديدة فأنهم يعمدون إلى تكديس كمية كبيرة .

*************************************************
(1) وقد سمعتهم في بغداد يتحدثون عن الأصناف التالية فقط من التمر : خستاوي ، زهدي ، أصابع العروس ، دكل ، إبراهيمي، بيدراية Om Fattel , Kusi قوزي خورماسي ، Barben ( سعادة) ، (بربن ) Saade Owaraie كاوي ، Aescharsi سكّري ، ( اشرسي) Mrassa ، مرصع ، churmasi .

النخل في تاريخ العراق   ـ 98 ـ
  من نوى التمر يضعونها بشكل مجموعة أهرام الواحدة فوق الأخرى على الأرض، أما الآن فأنهم لا يبذلون كل هذا الجهد ، إذا على العكس من ذلك تغرس النخلة من نواة واحدة ، بل أن الحاجة لم تدع حتى إلى زرع النواة لتوفر الفسائل بدرجة كافية .
   والفوائد المتعددة لمختلف أجزاء النخلة معلومة منذ مدة طويلة) (1) .
  5 . النخل في سياحتنامه حدود
  عدّ صاحبها مقاطعات شط العرب في ضفتيه ، وسائر مقاطعات البصرة ، وما كان في جزائر شط العرب .
  وقال : غالب محاصيل هذه المقاطعات التمر .
  وتزرع بعض الحبوبات بقلة إلا أنها لا تكفي أقوات الفلاحين اليومية ، وليس للملاكين حصة منها .
  وهذه المقاطعات متفرعة من شط العرب ،
  ومن كارون ، وبهمشير وما تفرع منها من أنهار وخروق أو سواقٍ ، وبينها ما يعود لإيران .
 وكل مقاطعة تحوي بعض أكواخ الفلاحين وصرافهم وقلعة يقال لها الكوت (2) .
  وأكثر مأكولاتها التمر وأن كانوا لا يخلون من أرز وخبز .
  وقل أن يشاهد الخبز الآخر منهم .
  وذكر من ملابسهم زبون ومشلح وأثواب وكيفية وعقل ...

*************************************************
(1) مشاهدات نيبور في رحلته من البصرة إلى الحلة سنة 1765 ترجمها عن الألمانية الأستاذ سعاد هادي العمري ، طبعت ببغداد بمطبعة دار المعرفة سنة 1955 ص 31 ـ 33 .
(2) الكوت : هو القلعة الحصينة وتصغيره الكويت ، واللفظة هنية قطعاً ولم تكن برتغالية وقد سميت مدن كثيرة بهذا الاسم أو باسم ( قوت ) ومنها ( راجكوت ) التي ينتسب إليها صديقنا الأستاذ الفاضل الشيخ عبد العزيز الميمني الراجكوتي وكذا وردت (قالقوت) أي (قلعة قال) البلدة المعروفة في بلاد الهند ووردت في المؤلفات العربية مما يدل على قدم اللفظة وضبطها الرحالة ابن بطوطة (قالقوط) هي أحدى البنادر العظام ببلاد المليبار (الرحلة ج 1 ص 115 مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1938 ) وتسمى الآن (كاليكوت) وهي التي وصلها ابن ماجد مع (فاسكودي جاما) وفي الجمهورية العراقية (الكوت) قاعدة أحد الألوية وقرى باسم كوت الزين وكوت معمر وكوت جار الله في لواء البصرة وكوت محينة في سوق الشيوخ من لواء الناصرية
=

النخل في تاريخ العراق   ـ 99 ـ
  ثم قال :
  المزارع والبساتين هناك تجري بحساب الدونم .
  أما النخيل وجناتها فإنها تقدر بالجريب ، وذلك أن الذراع هو مسافة ما بين المرفق وطرف الأصبع الوسطى وكل ستة أذرع تعتبر عصا .
  وكل عشرين عصا طولاً ، ومثلها عرضاً من المساحة السطحية المربعة يقال لها (الجريب) وهو (400) عصا مربعة .
  وأن كل جريب يكفي لغرس ثمانين نخلة .
  أما إذا تجاوزت ذلك جرى تضييق على النخيل وقد يبلغ المائة ، وحينئذ يقلّ حاصلة ، وكل جريب من النخيل يأتي من الحاصل خمس كا ا رت صغار .
 وأن كل كارة تأتي بعشرين بطماناً في البصرة من التمر ، وأن كل بطمان بصري يقدر بخمسين (أوقية) استنبول فتكون كل كارة تمر ألف (أوقية) استنبول .
  وأما الكارة الكبيرة فأنها ضعف تلك .
 وقيمة كل كارة من التمر تساوي (30) شامياً إلى (130) شامياً ، وأن معدّل ذلك من القيمة يبلغ 50 شامياً تقريباً .
  تكون قيمة الكارة المعدلة (400) قرش باعتبار أن الشامي (8) قروش .
  وهذا هو السعر العام للتمر ، ويحتمل الزيادة والنقصان .
  وهذه المقاطعات جرى التعامل فيها بين الفلاحين و (التعابة) وأصحاب الأرضين بطريق المقاسمة على نصف الحاصل ، والفلاح يأخذ الربع من الحاصل ويترك لصاحب الأرض الباقي ، وفي

*************************************************
=
، وجاء في (سياحتنامه حدود) ص 12 ما ترجتمته : ( الكوت هو بوزن حوت مأخوذ من اللغة الهندية ويؤدي معنى القلعة في العراق أطلقت على القلاع التي تصنع من طين وجملة من الأماكن تسمى بهذا الاسم) عندي مخطوطتها الخزائنية تأليف خورشيد باشا وهي النسخة المقدمة للسلطان عبد المجيد 1272 هـ ، وكوت الاحساء ما كان مشتملاً على وسط المدينة المحتوي على السور الأول دون غيره وهو محل إمارتها ،أما الكويت فأنها عرفت في مدوناتنا التاريخية من سنة 1203 هـ وما بعدها إلى يومنا هذا كما في تاريخ العراق بين احتلالين من المجلد السادس إلى المجلد الثامن ويرجع تأسيسها على ما يظن إلى بني خالد أو إلى براك بن عريعر من أمرائهم في أواخر القرن الحادي عشر وكذا في (صفحات من تاريخ الكويت) تأليف الأستاذ يوسف بن ، عيسى القناعي : الطبعة الثانية 1374 هـ - 1954 .

النخل في تاريخ العراق   ـ 100 ـ
   بعض المقاطعات الأميرية يجري الأمر على هذا بأن يأخذ الفلاح ربعاً ، ويترك الباقي للحكومة .
  وبعض المقاطعات في تصرف الفلاحين (التعابين) وحسب تحمل تلك الأرضين يقرر عليها بدل مقطوع على كل جريب إما عيناً واما نقداً كما في مقاطعة الدواسر ، وفي نهر جاسم فإنها تقاسم على الربع للفلاح وثلاثة أرباع للملتزمين .
  وأن بعض المقاطعات التي في تصرف الفلاحين فتحصل رسومها على هذا الوجه: مقاطعة السراجي عن كل جريب 8 شاميات، ومقاطعة اليهودي (تسمى الآن الحمزة) فيؤخذ عن الجريب 9 شاميات وربع (1) .
  ومن هذا يفهم تقريباً ما جرى هناك ، ولكنه لم يكن على سبيل الاستقصاء بل أن المؤلف رأى ناحية وقاس عليها الأنحاء الأخرى، أو كان ذكره عاماً ، ومجملاً ، ومن ثم نرى بعد مدة قليلة تحول الرسوم والضرائب ، فلم تجر على هذا المقياس وذلك أيام مدحت باشا مما مر تفصيله .
  وتهمنا الإشارة إلى أن هذه الأمور لا تتغير إلا أن ذكرها أحيانا من سيّاح لا يدل على عدم وجودها قبله ، وانما الحالة مطردة ، وأن بيانات صاحب السياحة كافية وافية بالغرض إجمالاً إلا أنه لم يقدم إحصاء بالتمور ولا بالرسوم المستوفاة ، ولا ببدلات الالتزام لاختلاف الحكم وعدم الاطراد .
  هذا ، ولو رجعنا إلى كل أقوال السيّاحين والمؤرخين لبلغ التكرار محله من السياحات العديدة ، وكفى أن نبين ما بينّا، ويعد أصلا .
  ومن أرتاد الاستقصاء وذكر كل ما قيل فإن الباب مفتوح للمتتبع .

*************************************************
(1) سياحتنامه حدود مخطوطه خزائنية في خزانتي ص 24 ، وصفتها بسعة في المجلد الثاني من عشائر العراق ج 2 ص 8 .