الفصل الرابع
التنضيمات الادارية لجبهة البصرة
التنظيمات الإدارية لجبهة البصرة

  إقتضت الحاجة بعد إستقرار العرب قي الأمصار وإتساع عملياتهم العسكرية إلى إيجاد مجموعة من الوظائف الإدارية والقضائية والمالية لتسيير إمور هذه الأمصار ولتنظيم أمور المناطق المحررة والمفتوحة وأهم هذه الوظائف هي :

( أ ) الولاه ( العمال )
   أولى الخليفة عمر بن الخطاب ، عناية فائقة بالأمصار وتنظيماتها الأدارية والمالية والإجتماعية والعسكرية ، فمنذ أن تم توجيه القوات العربية الإسلامية لتحرير العراق وعين إمراء لهذه القوات ، أناط بهم مهمة إدارة المناطق التي يعملون بها على تحريرها ، وبذلك إسند الخليفة عمر إلى هؤلاء الأمراء سلطات إدارية بالإضافة إلى سلطاتهم العسكرية (1) .
   وبعد تمصير الأمصار أصبح لكل أمير يشرف على إدارته ، وكان أمراء الأمصار يسمون كذلك عمالاً ثم تطورت سلطاتهم بتوسع العمليات العسكرية وسعة الرقعة الجغرافية التي أصبحت تابعة لإدارتهم فأصبحوا يسمون ولاه وهذا يشعرهم بسعة نفوذهم وسلطتهم ، حيث كان الوالي مسؤولاً عن إمامة الناس في الصلاة وحل النزاع بين المسلمين وقيادة الجند والإشراف على جباية الأموال ، وكان هؤلاء الولاه يستمدون سلطتهم من سلطة الخليفة ، لذا فهو مسؤول مسؤولية مباشرة أمام الخليفة الذي يجمع بيده السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية (2) .
   وقد حدد الخليفة عمر بن الخطاب علاقة الحكومة المركزية بولاة الأمصار فوالي كل مصر مسؤل مباشرةً أمام الخليفة ، فهو ولي أمر المسلمين في مصره ، ونائب الخليفة ، لذا فهو مسؤول عن الإدارة العامة للمصر وما يرتبط به من أقاليم مفتوحة (3) .

 **************************************************************
(1) اليوزبكي : توفيق سلطان ، دراسات في النظم العربية والإسلامية ، مطبعة جامعة الموصل 1977 م ، ص 103 ، البراقي : حسين أحمد ، الكوفة / ط 3 ، المطبعة الحيدرية ، النجف 1968 م ، ص 220 .
(2) حسن : حسن إبراهيم ، النظم الإسلامية ط 3 ، مطبعة السنة المحمدية ، القاهرة 1962 ، ص 154 ، حسيني : مولوي س . أ . ق . الإدارة العربية ، ترجمة إبراهيم أحمد العدوي ، القاهرة 1958 ص 205 .
(3) العلي : التنظيمات الإجتماعية والإقتصادية في البصرة ، مطبعة المعارف ، بغداد 1953 ، ص 53 / 95 .

جبهة البصرة   ـ 98 ـ

   ونظراً للدور الكبير الملقى على عاتق الولاة فقد إهتم الخليفة عمر في إختيار الولاه والبحث عن ذوي الكفاءات والقدرات لإشراكهم معه في تحمل المسؤولية ، ولإجل ذلك أراد الخليفة عمر أن يتمتع ولاته بصفات ومؤهلات في مقدمتها الأمانة والشجاعة والقدرة على تنفيذ الأعمال وإتخاذ القرارات (1) .
   ولضمان أداء الوالي الواجب المناط به على أتم وجه دون الإنشغال بمصالحه الخاصة فقد كان الخليفة عمر بن الخطاب يعمل على تدوين جميع ممتلكات الولاه قبل تعيينهم ، حتى إذا ما أثرى الوالي سهل معرفة حقيقة ثرائه ، فيلزمه الخليفة عمر أن يرد إلى بيت مال المسلمين نصف ما يحمله من الأموال التي حصل عليها خلال مدة عمله ، وكثير ما كان الخليفة عمر يعمد إلى مشاطرة عماله على الأقاليم ومقاسمتهم إذا ما بلغه خبر عن سعة ثرائهم على حساب الوظيفة التي يؤدونها ، ويروي البلاذري قصيدة رفعها أبو المختار بن الصعق إلى الخليفة عمر بن الخطاب يبين فيها سعة ثراء بعض ولاة كور اقليم الأحواز والتي على أثرها شاطرهم الخليفة عمر أموالهم (2) .
   وقد أوصى الخليفة عمر الرعية بتقديم الشكاوي ضد الولاة والعمال الذين يسيئون التصرف ويهينون الرعية إذ قال في خطبةٍ له ( ياأيها الناس ، إني والله ما أرسل إليكم عمالاً ليضربوا أبشاركم ، ولا ليأخذوا أموالكم ، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم ، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي ، فوالذي نفسي بيده لأقصنه منه ) (3) .
   وقد سار الخليفة عثمان بن عفان على نفس المنهج الذي سار عليه الخليفة عمر بن الخطاب في محاسبته للولاه ، فكان أول كتاب كتبه إلى ولاة الأمصار ، جاء فيه ( أما بعد ، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم ، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا ، بل كان عن ملأ منا ، ولا يبلغني عن أحد منكم تغيير أو تبديل فيغير الله ما بكم ويستبدل بكم غيركم . . . ) (4) .

 **************************************************************
(1) عن صفات ولاة الخليفة عمر انظر خريسات : محمد عبد القادر ، عمر بن الخطاب والولاة ، مجلة المؤرخ العربي ، ع 25 لسنة 1984 م ، ص 153 ـ 171 ، علي : محمد كرد الادارة الاسلامية في عز العرب ، مطبعة مصر ، القاهرة ـ 1934 م ، ص 27 ـ 43 ، الشبلي : نعمان حكومة عمر ، ترجمة طه الهاشمي ، مطبعة المعارف ـ بغداد ـ 1966 م ، ص 110 ـ 120 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 337 . وأنظر ، حسيني : الإدارة العربية ص 84 .
(3) الطبري : التاريخ 4 / 245 .
(4) الطبري : التاريخ 4 / 245 .

جبهة البصرة   ـ 99 ـ

   وقد إتبع الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) طريقة من سبقوه من الخلفاء في محاسبته ولاته وعماله ، حيث كان يولي العمال ، ويدعوهم إلى الترفق بالرعية ويوضح لهم النهج الذي يسيرون عليه في معاملة الرعية ، فقد أوصى عماله بأهل عملهم قائلاً :
( لا تضربن رجلاً سوطاً في جباية درهم ، ولا تبيعن لهم رزقاً ، ولا كسوة شتاءً ولا صيف ، ولا دابةً يعتملون عليها ، ولا تقيمن رجلاً قائماً في طلب درهم ) (1) .
   وكانت مسؤولية ولاة البصرة في السنوات الأولى إعداد الحملات العسكرية وقيادة الجيوش العربية والقيام بالعمليات العسكرية بإنفسهم ، يساعدهم قي ذلك عدد من القادة العرب ورؤساء العشائر ، الذين كانوا يتولون قيادة الحملات الفرعية أو قيادة الحاميات .
   وقد إستمر الأمر على هذا الحال حتى زمن عبد الله بن العباس والي البصرة زمن الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) حيث إضطرت الظروف الولاة إلى إختيار القادة الأكفاء لقيادة العمليات العسكرية ، وبالإضافة إلى مهام الوالي العسكرية فإنه كان يقوم بتصريف جميع الشؤون الإدارية والدينية والقضائية والمالية ، لذا فإن عملية حفظ الأمن والنظام وتطبيق القوانين كانت واجباً شاقاً عليه خلال هذه الفترة ، وذلك لإن معظم سكان البصرة كانوا من الأعراب الذين كانت متأصلة بهم روح البداوة ومتمسكين بالحياة القبلية فلم يإلفوا الخضوع لسلطة أخرى غير سلطة شيوخهم ،الا انه بعد الاستقرار في الامصار ، وإندماج القبائل بعضهم بالبعض الآخر ، وكذلك احتكاكهم بالشعوب الأخرى قد خفت من حدة هذا التعصب (2) .
كما أن الخلافة عمدت على إيجاد وظائف إدارية وقضائية ومالية كان من شأنها تخفيف عبء الأدارة عن الوالي ، كان يديرها أشخاص متخصصون يأخذون رواتبهم من الدولة وينفذون أوامر الوالي ، وقد إزداد هؤلاء الموظفين مع توسع الشؤون الإدارية وتعقد الأعمال الحكومية وأهم هؤلاء الموظفين هم :

( ب ) رؤوس الأخماس
   وهم رؤوساء الأقسام الخمسة التي قسمت بموجبها قبائل البصرة عند تخطيطها (3) ، وكان هؤلاء الرؤوساء يتم إختيارهم من ذوي المكانة الكبيرة عند القبائل ، والذين

 **************************************************************
(1) يحيى بن آدم القرشي : الخراج ، ط 2 ، المطبعة السلفية ـ 1348 هـ ، ص 71 .
(2) العلي : التنظيمات س 93 ـ 94 .
(3) ماسينون : خطط الكوفة ص 38 .

جبهة البصرة    ـ 100 ـ

عرفوا بالبأس والنجدة والتجربة في الحرب وأن يكونوا من فرسان الناس ووجوهم وأولي الفضل منهم (1) .
   وكان لهؤلاء الرؤساء سلطة عسكرية وإدارية ومالية كبيرة مستمدة من مراكزهم وصفاتهم الشخصية والإجتماعية ومن الواجبات الملقاة على عاتقهم ، فكانوا في أوقات السلم ينظرون في شؤون قبيلتهم ، ويحكمون في الخلافات التي تحدث بين أفراد القبيلة ، كما إنهم يوزعون العطاء عليهم بعد أخذه من الدولة ، وهم المسؤلون عن تصرفات قبائلهم مسؤلية مباشرة إتجاه الوالي ، وكان هؤلاء الرؤساء التابعين للوالي وخاضعين له بإعتباره ممثل الخليفة (2) .
   وكان هؤلاء الرؤساء كثيراً ما يشاركون في الوفادات التي يرسل إلى الخليفة ، وخير مثال على ذلك الأحنف بن قيس رئيس قبيلة تميم ، الذي كان كثيراً ما يشارك في الوفود المرسلة إلى مركز الخلافة سواء في الفترة الراشدية أو الأموية ، فقد وفد على كل من الخليفة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ووفد كذلك على معاوية بن أبي سفيان (3) .
   كما أن رؤساء القبائل كانوا يقودون الحملات العسكرية الكبيرة والمنظمة وكانوا خلالها يتمتعون بسلطات إدارية وعسكرية واسعة ، فقد شارك الأحنف بن قيس في قيادة الحملات الموجهة لفتح خراسان وغيرها من الأقاليم الفارسية (4) ، كما إن هؤلاء الرؤساء كانوا يقودون بعض العمليات العسرية الصغيرة من تلقاء أنفسهم ، كما حدث قي ايام معركة الجمل عندما إنقسم رؤساء قبائل البصرة بين الخليفة علي ( ع ) وعائشة وطلحة والزبير ، حيث إنظم رؤساء قبائل الأزد وضبه إلى جانب عائشة وطلحة والزبير بينما إلتزم رؤساء قبيلتي بكر بن وائل وعبد القيس إلى جانب الخليفة علي ( ع ) (5) .

 **************************************************************
(1) الزبيدي : الحياة الإجتماعية ص 48 .
(2) العلي : التنظيمات ص 102 ـ 103 .
(3) أنظر قتيبة : المعارف ص 423 ، البلاذري : الفتوح ص 350 ، الطبري : التاريخ 4 / 287 ، 5 / 242 ، 316 .
(4) أنظر خليفة : التاريخ ص 164 ، البلاذري : الفتوح ص 394 ، الطبري : التاريخ 4 / 301 .
(5) أنظر خليفة : التاريخ ص 183 ، الطبري : التاريخ 4 / 501 ، 503 ، 505 .

جبهة البصرة    ـ 101 ـ

   هذا وكان لرؤساء الأخماس في البصرة دور كبير في أوقات الازمات السياسية ، فقد خرج رؤساء الأخماس من البصرة إلى الكوفة وعسكروا في مكان يدعى النخيلة (1) مع عبد الله بن عباس والي البصرة ، حيث كان خالد بن المعمر السدوسي على قبيلة بكر بن وائل ، والأحنف بن قيس على تميم وضبه والرباب ، وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس ، وصبره بن شيمان الأزدي على الأزد ، وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية ، مؤيدين ومعلنين ولاء أهل البصرة للخليفة علي بن طالب ( ع ) في حربه ضد معاوية بن أبي سفيان قبل بدء معركة صفين (2) ، وقد أخذت سلطة هؤلاء الرؤساء بالتضاؤل على أثر ضعف الروح القبلية ونمو الحياة المدنية في المصر (3) .

( ج ) العرفاء
   وهم الموظفون الذين إعتمد عليهم الوالي بعد رؤساء الأخماس في تثبيت سلطاته وفي إدارة المصر وتوزيع العطاء والسيطرة على الناس (4) ، ولما كان السكان في البصرة عرباً معظمهم من الجزيرة العربية فقد إحتفظوا بتجمعاتهم القبلية ، وقد رعت الدولة هذه التجمعات ولكنها نظمت القبائل فعينت لكل قبيلة عريفاً بالإضافة إلى رئيسها .
   وإن وظيفة العريف هذه لم تكن مستحدثة فقد كان النظام موجوداً منذ العصر الجاهلي ، ووجد أيضاً في زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ويمكن أن نستدل على ذلك من قول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ( أفلحت يا قديم إن لم تكن أميراً أو جابياً ولا عريفاً ) (5) .
   وقد إستخدم هذا النظام زمن الخلفاء الراشدين فقد أشار الطبري إلى أسعد بن أبي قاص قبيل معركة القادسية وفي منطقة شراف ( قدر الناس وعباهم بشراف وأمر أمراء الأجناد

 **************************************************************
(1) النخيلة : موضع قرب الكوفة على طريق الشام . ياقوت : معجم البلدان 5 / 278 .
(2) نصر بن فراحم : موقعة صفين ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، ط 2 ـ 1382 هـ ، المؤسسة العربية الحديثة للطبع ، ص 117 .
(3) العلي : التنظيمات ص 103 .
(4) العلي : التنظيمات ص 97 ، الزبيدي : الحياة الإجتماعية ص 50 .
(5) أبو داود : سليمان السنن ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، القاهرة ـ 1935 م ، 3 / 131 ، إبن حنبل : أحمد بن أحمد ، المسند ، القاهرة ـ 1313 هـ 4 / 133 .

جبهة البصرة    ـ 102 ـ

وعرف العرفاء ، فعرف على كل عشرة رجلاً كانت العرفات في أزمان النبي وكذلك كانت إلى أن عرفوا أن فرض العطاء وعشر الناس وأمر على الأعشار رجالاً من الناس لهم وسائل في الإسلام )(1) .
   وعندما وزع الخليفة عمر بن الخطاب العطاء في الأمصار ، وزعه على وحدات قسمها على أسس لا علاقة لها بالنسب ، بل فرض لكل عرافة مبلغ من المال يوزع على أفرادها ، وإلى ذلك اشار الطبري بقوله ( وعرفوهم على مائة ألف درهم ـ فكانت عرافة من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين رجلاً وثلاثة وأربعين إمرأة وخمسين من العيال ، لهم مائة ألف درهم ، وكل عرافة من أهل الأيام عشرين رجلاً على ثلاثة ألآف وعشرين إمرأة ، وكل عيل على مائة ، على مائة ألف درهم ، وكل عرافة من الرادفه الأولى ستين رجلاً وستين إمرأة وأربعين من العيال ممن كان رجالهم ألحقوا على ألف وخمسمائة على مائة ألف درهم ، ثم على هذا الحساب . . . وعلى مثل ذلك كان أهل البصرة ، كان العطاء يدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات ، والرايات على ايادي العرب ، فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء ، فيدفعونه إلى أهله في دورهم ) (2) .
   وقد إستمر العطاء يدفع على ايدي العرفاء حتى زمن الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) ، فقد ذكر أبو عبيدة إن الإمام علي كان ( يدعوا العرفاء ، فيعطيهم الذهب والفضة فيقتسموه ) (3) .
   وقد روي عن الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) ذمه لوظيفة العريف عندما قال ( إنها ساعة لا يدعوا عبداً إلا إستجيب له فيها إلا أمن يكون عريفاً أو شرطياً أو جابياً أو عشاراً ) (4) .
   ولما كان العريف مسؤولاً عن توزيع العطاء على أفراد عرافته ، فقد كان عليه تنفيذ الأوامر في زيادة العطاء أو إنقاصه لكل فرد تبعاً للقواعد المقررة ، كما أنه كان مسؤولاً عن تبليغ الديوان عمن يموت فيحذف عطائه ، وعمن يولد فيضاف عطائه ، وكثيراً ما كان هؤلاء العرفاء

 **************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 3 / 488 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 49 . (3) أبو عبيد ، القاسم بن سلام ، الأموال ، تحقيق خليل محمد هراس ، ط 1 ، دار الشرق للطباعة ـ 1968 م . ص 62 .
(4) الأصفهاني : أبي نعيم أحمد بن عبد الله ، حلية الأولين وطبقات الأصفياء ، ط 2 ـ 1967 م ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1 / 79 .

جبهة البصرة    ـ 103 ـ

لا يبلغون الديوان بالوفيات ، أو الغيابات ويأخذون عطائهم ويقسمونه بالإتفاق بين أهل المتوفي أو الغائب وبينهم (1) وكان عملهم بتوزيع العطاء يتطلب منهم حفظ سجلات يدونون فيها أسماء المقاتلة وعدد عيالاتهم ومواليهم ، ومقدار عطاء كل منهم (2) .
  أما أوقات الحرب فإن العرفاء كانوا يندبون الناس للقتال ويحثونهم على الحرب ، ويخبرون الوالي عن الأشخاص الذين يتخلفون عن القتال أو يتمردون عليه ، ويساعدون الوالي على إعداد الجيش وتعبئته وتوجيه الوجه المطلوبه ، وإيصال أوامر الوالي إلى المقاتلين (3) ، ويبدو أن العرفاء كانوا لا يشاركون في الحملات العسكرية في أكثر الأحيان لإنهم خلفاء المقاتلين في عيالاتهم (4) ، إلا أن هذا لا يمنع من مشاركتهم في الحملات العسكرية إذا مادعت الحاجة إلى ذلك (5) ، ونظراً لسعة الواجبات المناطة بالعرفاء فقد إزدادت أهميتهم فقد أصبحت لهم مكانة تفوق مكانة رؤساء القبائل ، لذلك كان لابد ممن يقوم بهذه الواجبات العديدة ، أن يكون ذا شخصية قوية وأن يتصف بالدهاء والحلم وأن يتمتع بسلطة تمكنه من تنفيذ الواجبات والاعمال المطلوبة منه (6) .
   وكان العريف يختار من أفراد القبيلة بموافقة رجالاتها ، فيذكر سفيان الثوري ، جاء أبو الأسود الدؤلي إلى قومه وقد مات عريفهم ، وأجمع رأيهم أن يعرفوا رجلاً ، فقال : لا تعرفوا فلاناً فإنه أهوج أحمق يأكل طعامكم ، ويتثاقل عن حاجاتكم (7) .

 **************************************************************
(1) الزبيري : مصعب بن عبد الله ، نسب قريش ، تحقيق أ . ليفي بروفنسال ، دار المعارف ، القاهرة ـ 1951 م . ص 154 ـ 155 .
(2) العلي : التنظيمات ص 98 .
(3) الزبيدي : الحياة الإجتماعية ص 52 .
(4) إبن عساكر : علي بن الحسن بن هبة الله ، تهذيب تاريخ إبن عساكر ، المكتبة العربية ، دمشق ـ 1351 هـ ، 7 / 149 . (5) الطبري : التاريخ 6 / 254 ـ 255 .
(6) العلي : التنظيمات ص 99 .
(7) أبو هلال العسكري : الحسن بن عبد الله ، الأوائل ، تحقيق محمد السيد الوكيل ، نشر أسعد طرابزوني ، المدينة المنورة ـ 1966 م . ص 297 .

جبهة البصرة    ـ 104 ـ

( د ) الشرطة
   ومن الموظفين الذين إعتمد عليهم الوالي في تثبيت سلطته وحفظ النظام وإستتباب الأمن والقبض على الجناة والمفسدين هم ( الشرطة ) (1) ، ويبدو أن نواة هذه الوظيفة في البصرة كانت في السيابجه (2) الذين أوكل إلى أربعمائة منهم حراسة بيت المال والسجن منذ زمن ابو موسى الأشعري (3) ، وقد نمت هذه الوظيفة وتطورت خلال خلافة علي بن أبي طالب ( ع ) وأصبح لها مسؤولاً يعرف بصاحب الشرطة (4) ، وكان صاحب شرطته في البصرة حكيم بن جبلة العبدي (5) ، الذي كانت معظم قواته من السيابجه ، وقد ابدى هؤلاء مقاومة عنيفة لطلحة والزبير عندما قدموا مع عائشة إلى البصرة ولم يسلموا لهم بيت المال الذي إوكلوا بحراسته إلا بعد قدوم الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) إلى البصرة ، وقد قتل أثناء المقاومة حكيم بن جبلة العبدي مع سبعين من أفراد عائلته (6) ، وبذلك أبدى هؤلاء إلتزاماً كبيراً في أداء الواجب المناط بهم .
   وبسبب إزدياد عدد سكان البصرة خلال الفترة الأموية وذلك لهجرة إخلاط الناس من عرب ومن غير عرب وتعقد المجتمع وزيادة مشاكل الناس ، دعت الحاجة إلى إزدياد عدد قوات شرطة البصرة ، فيذكر الطبري ، أن عدد قوات الشرطة أيام ولاية زياد بن أبيه بلغ أربعة ألآف شرطي عليهم عبد الله بن حصن الذي إستمر في عمله إلى أن توفي زياد بن أبيه (7) .

 **************************************************************
(1) حسن إبراهيم : النظم الإسلامية ص 217 .
(2) السيابجه : قيل أن أصلهم من الهند ، وكانوا جنود في الجيش الفارسي ثم إستسلموا للعرب ودخلوا الدين الإسلامي ، فأسكنوهم البصرة .
البلاذري : الفتوح ص 367 ، الطبري : التاريخ 3 / 304 .
(3) العلي : التنظيمات ص 95 .
(4) حسيني : الإدارة العربية ص 104 .
(5) أبن فلكان : أبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، تحقيق أحسان عباس ، دار الثقافة ، بيروت ـ 1971 م ، 7 / 60 .
(6) أنظر خليفة : التاريخ ص 181 ، البلاذري : الفتوح ص 396 ، الطبري : التاريخ 4 / 470 ، الشابشتي : أبي الحسن علي بن محمد ، الديارات ، تحقيق كوركيس عواد ، ط 2 ، مطبعة المعارف ، بغداد ـ 1966 م ، ص 211 ، إبن فلكان : وفيات الأعيان 7 / 60 .
(7) الطبري : التاريخ 5 / 222 .

جبهة البصرة    ـ 105 ـ

( هـ ) القضاء
   لقد أولى الخليفة عمر بن الخطاب القضاء في الأمصار عناية فائقة فهو أول من إستقضى القضاة في الأمصار ، وجعل عملهم مستقلاً عن عمل الوالي (1) ، وإعتب القضاء من أهم الوظائف الإدارية في الأمصار وذلك لإن صاحبه يتولى إقامة العدل بين الناس ورفع المظالم عنهم وفض الخصومات وإقامة حدود الله معتمداً أولاً وأخيراً على كتاب الله وعلى خشيته (2) .
   وقد أجملت رسالة الخليفة عمر بن الخطاب في القضاء والتي وجهها إلى واليه وقاضيه على البصرة أبو موسى الأشعري الأحكام القضائية في ذلك العصر ، حيث جاء فيها :
( بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس (3) ، سلام عليك ، أما بعد : فإن القضاء فريضة محكمه ، وسنه متبعة ، فإفهم إذا أدلي إليك ، فإنه لاينفع تكلم بحق لانفاذ له ، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولاييأس ضعيف من عدلك ، البينة على من إدعى واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ، ولا يمنعك قضاء قضيته بالمس فراجعت اليوم فيه عقلك ، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق ، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهم الفهم ، فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنه ، ثم إعرف الأمثال والأشباه وقس الامور بنظائرها ، وإجعل للمدعي حقاً غائباً أو بينه أمداً ينتهي إليه ، فإن أحضر بينه أخذ بحقه ، وإلا وجهت القضاء عليه ، فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ للعذر ، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حداً أو مجرباً في شهادة زور ظنيناً ( متهماً ) في ولاء أو قرابة ، فأن الله سبحانه تولى منكم السرائر ودرأ عنكم البينات ، وإياك والقلق والضجر والتأذي للناس ،والتنكر للخصوم من مواطن الحق التي يوجب الحق الله بها الأجر ويحسن بها الذخر ، فإنه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزين بما يعلم الله

 **************************************************************
(1) إبن خلدون : المقدمة ، ط 1 ، دار القلم ، بيروت ـ 1978 م ، ص 220 .
(2) إبن خلدون : المقدمة ص 221 .
(3) عبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري .

جبهة البصرة    ـ 106 ـ

منه غير ذلك شانه الله ) (1) ، وبهذا الكتاب سن الخليفة عمر لإبي موسى الأشعري والقضاة الآخرين دستوراً يسيرون عليه في تطبيق الأحكام القضائية ، وعلى هذا الأساس فإن القاضي يحكم فيما يعرض له بموجب احكام القرآن وما أثر على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فإذا عرضت عليه قضايا لم يرد فيها نص قرآني أو خبر عن الرسول ( صى الله عليه وآله ) فإنه يحكم طبقاً لما يهديه عقله من إجتهاد يراعي فيه العدالة التي تنسجم مع المصلحة العامة وروح العدالة (2) ، لذا فقد روعي في إختيار القضاة غزارة العلم والفطنة والذكاء والورع والإستقامة والعدل (3) ، وكان القاضي في السنوات الأولى يمارس عمله في داره ، ثم أخذ يعقد جلساته في المسجد (4) ولم يكن له في باديء الأمر كاتب أو سجل تدون فيه الأحكام التي تصدر عنه لإنها كانت تنفذ فوراً على أثر صدورها ، وكان القاضي يقوم بتنفيذها بنفسه ، ولكن بمرور الوقت أصبح له اعوان يساعدونه في عمله وكتاب خاصون وسجلات يحفظ فيها تفاصيل القضايا (5) .
   ويبدو ان وظيفة القضاة في السنوات الأولى لم تتبلور بالشكل الذي أصبحت عليه فيما بعد ، حيث كانت الكثير من القضايا يشارك في وضع الحلول القضائية لها ولاة الأمصار ورؤساء القبائل ممن عرفوا بالإستقامة والعدل والحكمة فينظرون فيها ويبدون رأيهم حولها .
   وتشير المصادر التاريخية إلى أن إياس بن صبيح أبا مريم الخنفي ، أول من تولى وظيفة القضاء في البصرة (6) ، في ولاية عتبة بن غزوان في سنة 14 هـ / 635 م ، الذي إستمر في عمله حتى وفاة عتبة بن غزوان ، ولما ولي المغيرة بن شعبة البصرة أقر بها أبا مريم على

 **************************************************************
(1) أنظر قتيبة : عيون الأخبار 1 / 66 ، الجاحظ ، أبي عثمان عمرو بن بحر ، البيان والتبيين ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، ط 3 ، ـ 1968 م ، 2 / 46 ، الماوردي : أبي الحسن على بن محمد بن حبيب ، الأحكام السلطانية والولايات الدينية ، ط 2 ، ـ 1966 م ، مطبعة مصطفى البابي ـ مصر ، ص 71 ـ 72 ، إبن خلدون : المقدمة ص 221 ، إبن عبد ربه : ابي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ، العقد الفريد ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ـ 1967 م ، 1 / 86 ـ 88 .
(2) وكيع : محمد بن خلف بن حيان ، أخبار القضاة ، صححه وعلق عليه عبد العزيز مصطفى المراعي ، ط 1 ، مطبعة الإستقامة ، القاهرة ـ 1947 م ، 1 / 76 .
(3) أنظر وكيع : أخبار القضاة 2 / 78 ـ 79 ، إبن عرنوس : مجمود بن محمد ، تاريخ القضاء في الإسلام . المطبعة المصريةالأهلية الحديثة ـ القاهرة ـ ص 125 . حسيني : الإدارة ص 102 .
(4) أنظر وكيع : أخبار القضاة 2 / 22 ، 412 ، إبن عرنوس : تاريخ القضاء في الإسلام ص 125 . حسيني : الإدارة ص 103 .
(5) أنظر إبن عرنوس : تاريخ القضاء ص 27 ـ 28 ، 130 .
(6) خليفة : التاريخ ص 154 ، وكيع : أخبار القضاة ص 269 ، الطبري : التاريخ 4 / 95 .

جبهة البصرة    ـ 107 ـ

قضائها(1) .
   ولما شكى أهل البصرة ضعف أبو مريم الحنفي إلى الخليفة عمر بن الخطاب عزله عن منصبه وأمر أبو موسى الأشعري أن يتولى مهمة القضاء بالإضافة إلى عمله كوالي البصرة (2) ، وبناءاً على السياسة التي إنتهجها الخليفة عمر بفصل القضاء عن الولاية لم يستمر أبو موسى في توليه منصب القضاء في البصرة ، حيث أرسل الخليفة عمر كعب بن سوار الأزدي قاضياً عليها وذلك سنة 18 هـ / 639 م ، الذي بقي في منصبه هذا حتى قتل الخليفة عمر سنة 23 هـ / 643 م (3) .
  أما في زمن خلافة عثمان بن عفان فقد أمر أبا موسى الأشعري أن يقضي بين الناس بعد أن عزل كعب بن سوار عن قضاء البصرة (4) ، ولكن عبد الله بن عامر الذي ولي البصرة سنة 29 هـ / 649 م ، في زمن الخليفة عثمان بن عفان ، بعد أن عزل أبا موسى الأشعري عنها (5) ، أعاد كعب بن سوار على قضاء البصرة ، الذي إستمر في منصبه حتى قتل أيام معركة الجمل (6) .
  أما في زمن خلافة الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) فقد إختلفت الروايات التاريخية في من تولى قضاء البصرة فبينما تذكر إحدى الروايات أن أبا الأسود الدؤلي تولى قضاء البصرة من قبل عبد الله بن عباس والي الخليفة علي ( ع ) على البصرة (7) ، تشير رواية أخرى أنه الضحاك بن عبد الله الهلالي (8) ، بينما تذكر رواية ثالثة أنه عبد الله بن فضاله الليثي (9) ، وتشير رواية رابعة إلى أنه عبد الرحمن بن يزيد (10) .

 **************************************************************
(1) وكيع : أخبار القضاة ص 270 .
(2) وكيع : أخبار القضاة ص 283 .
(3) إبن سعد : الطبقات 7 / 92 ، خليفة : التاريخ ص 154 ، وكيع : أخبار القضاة ص 274 ، الطبري : التاريخ 4 / 101 ، 241 .
(4) خليفة : التاريخ ص 179 ، وكيع أخبار القضاة ص 283 .
(5) خليفة : التاريخ ص 161 .
(6) خليفة : التاريخ ص 179 ، وكيع : أخبار القضاة ص 281 .
(7) خليفة : التاريخ ص 200 ، وكيع : أخبار القضاة ص 288 ، الطبري : التاريخ 5 / 93 ، 155 .
(8) نفس المصادر السابقة .
(9) خليفة : التاريخ ص 200 .
(10) وكيع أخبار القضاة ص 288 .

جبهة البصرة    ـ 108 ـ

   والأرحج ان أبا الأسود الدؤلي هو الذي تولى منصب قضاء البصرة زمن الخليفة علي ( ع ) وقد إستمر في عمله حتى وفاة الخليفة علي بن أبي طالب ( ع )(1) .

( و ) الدواوين
   ومن التنظيمات الإدارية التي أوجدت في الأمصار زمن الخليفة عمر بن الخطاب هي الدواوين (2) والديوان : يعني السجل الذي يحفظ فيه اسماء المقاتلين وعيالاتهم ومقدار أعطياتهم ثم صار يعني المكان الذي يحفظ فيه السجل ، فقد ذكر الماوردي أنه : ( مضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأمول ومن يقوم بها من الجيش والشرطة ) (3) .
   وكان من الأسباب التي دعت الخليفة عمر بن الخطاب إلى تدوين الدواوين هو التوسع الكبير في العمليات العسكرية التي أدت إلى دخول الكثير من القبائل العربية في جيش المسلمين وإستقرارهم في الامصار كما ادت الى تزايد الموارد المالية على الأمصار ، فكان لابد من إيجاد نظام إداري ومالي وعسكري يتولى مهمة تنظيم الاعداد الكبيرة من المقاتلة وتنظيم الأمور المالية لهم في هذه الأمصار .
   ولعل من جملة الأسباب الأخرى التي دعت إلى تدوين الدواوين هو رغبة الخليفة عمر في أن يجعل من العرب أمة عسكرية يوجهها للجهاد في سبيل سيادة الإسلام ، فأراد أن يخصص للمقاتلة رواتب وأعطيات من بيت المال ليكفيهم مؤنة العمل ، واراد أن يحفظ سجلاً بإسماء هؤلاء المقاتلين ورواتبهم وقبائلهم وأهلهم (4) ، لذلك أوجد في الأمصار ومنها البصرة ديوانان إحداهما بالعربية لإحصاء الجند وعيالاتهم ومقدار أعطياتهم وقد عرف هذا الديوان بديوان الجند والآخر للأمور المالية وحساباتها بالفارسية ويسمى ديوان الخراج (5) .

 **************************************************************
(1) خليفة : التاريخ ص 200 ، وكيع : أخبار القضاة ص 288 ، الطبري : التاريخ 5 / 93 ، 155 .
(2) أبو يوسف : يعقوب بن إبراهيم ، الخراج ، ط 3 ـ 1382 هـ ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، ص 45 . أبو عبيدة : الأموال ص 319 ، البلاذري : الفتوح ص 436 ، اليعقوبي : التاريخ 2 / 130 ، الطبري : التاريخ 2 / 209 . (3) الماوردي : الأحكام السلطانية ص 199 .
(4) الدوري : عبد العزيز ، النظم الإسلامية ط 1 ، مطبعة نجيب ، بغداد ـ 1950 م ، 1 / 187 .
(5) أنظر الجهشياري : أبو عبد الله محمد بن عبدوس ، الوزراء والكتاب ، تحقيق مصطفى السقا ، ط 1 ، القاهرة ، ـ 1938 م ، ص 38 ، الصولي ، أبو بكر بن يحيى ، أدب الكتاب ، بإعتناء محمد بهجه الأثري ، المطبعة السلفية ـ القاهرة ـ 1341 هـ ، ص 192 .

جبهة البصرة    ـ 109 ـ

   وقد تولى كتابة ديوان جند البصرة في زمن كل من الخليفة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان عبد الله بن خلف الخزاعي أبو طلحة الطلحات وقد إستمر في عمله إلى أن قتل يوم معركة الجمل (1) ، أما ديوان الخراج في البصرة فكان عليه ومنذ ولاية المغيرة بن شعبة ، زياد بن أبيه الذي إستمر في عمله إلى زمن عبد الله بن عباس والي الخليفة علي ( ع ) على البصرة (2) .

إدارة المناطق المحررة والمفتوحة
   كانت السياسة التي إتبعتها الحكومة المركزية في المدينة والمتمثلة بالخليفة عمر بن الخطاب في إدارة المناطق المحررة جزءاً لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة العربية الإسلامية ، ففي الوقت الذي وضعت فيه أسس السياسة العامة للدولة ، أدخلت في حساباتها إدارة المناطق المحررة خاصة وأن الجيوش العربية الإسلامية كانت تخوض عمليات التحرير منذ عهد الخليفة أبي بكر الصديق .
   حيث أشارت المصادر إلى ذكر عدد من العمال تولوا إدارة عدد من المناطق المحررة قبل أن تجمع هذه المناطق وتصبح تابعة مباشرة في إدارتها إلى والي البصرة ، الذي أصبح مسؤولاً عن إدارة وولاية مدن ومراكز مختلفة كالأبلة وميسان والأحواز وغيرها من المناطق الأخرى .
   فبالنسبة إلى الأبلة التي تعد أول منطقة قام بتحريرها جند البصرة فالمصادر تذكر عدد من العمال تولوا إدارتها خلال خلافة عمر بن الخطاب منهم خبيئة بن كناز القيس ، الذي شهد تحرير الأبلة سنة 14 هـ / 635 م ، حيث تم تعيينه من قبل الخليفة عمر عاملاً عليها ، إلا أن الخليفة عمر سرعان ما عزله عن عمله هذا لسبب لا يثق بصحته يتعلق بإسمه ، إذ تذكر المصادر أن الخليفة عمر قال إنه ( يخبأ ويكنز أبوه

 **************************************************************
(1) إبن حبيب : أبو جعفر بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي ، المحبر ، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ، ص 337 ، الثعالبي : أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل ، لطائف المعارف ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، حسن كامل الصيرفي ، مطبعة دار إحياء الكتب العربية ـ 1960 م ، ص 59 .
(2) إبن حبيب : المحبر ص 378 ، الثعالبي : لطائف المعارف ص 60 .

جبهة البصرة    ـ 110 ـ

أعزلوه ) (1) ، وإستعمل الخليفة عمر أيضاً كلاب بن أمية على الأبلة لفترة قصيرة ثم أعفاه بعد ذلك من إدارتها (2) .
   أما فرات البصرة فقد كان عليها زمن الخليفة عمر الحجاج بن عتيك الثقفي (3) ، بينما تولى إدارة ميسان زمن الخليفة عمر النعمان بن عدي بن نضله بن عبد العزى بن حرثان أحد بني عدي بن كعب بن لؤي وهو الذي يقول :
مـن  مبلغ الحسناء أن iiخليلها      بميسان يسقي في ظجاج ومنتم
أذا  شئت غنتني دهاقين iiقرية      وصناجة تحدر على كل iiمنسم
لـعل أمـير المؤمنين iiسيؤوه      تـنادمنا بـالجوسق iiالـمتهدم

فلما بلغ شعره هذا الخليفة عمر بن الخطاب قال : أي والله ليسوؤني ذلك فعزله من عمله (4) ، وقد تولى إدارة دستميسان زمن الخليفة عمر بن الخطاب بجاله بن عبدة العنبري (5) .
  أما قليم الأحواز فعندما تم تحريره من قبل العرب المسلمين لم يسندوا إدارته إلى شخص واحد وإنما عينوا عاملاً على كل كورة من كوره ، فكان عاصم بن قيس السلمي على مناذر ، وجزء بن معاوية على سرق ، وسمر بن جندب على سوق الاحواز وإبن محرش أبو مريم الحنفي على رامهرمز ، وبشر بن المحتفز على جند يسابور ، وكان هؤلاء العمال قد أصابوا من وراء إستعمالهم على هذه الكور أموالاً كثيرة فرفع بهم أبو المختار بن الصعق قصيدته المشهورة والتي على أثرها شاطر الخليفة عمر أموالهم (6) .

 **************************************************************
(1) إبن دريد : الإشتقاق ص 355 ، الذهبي : أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ، المشتبه من الرجال أسمائهم وأنسابهم ، تحقيق علي محمد البجاوي ، ط 1 ـ 1964 م ، دار إحياء الكتاب العربي ، ص 214 .
(2) البخاري : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي ، التاريخ الكبير ، مطبعة حيدر آباد ، 1360 ـ 1361 هـ ، ح 1 ق 1 ص 277 .
(3) البلاذر : الفتوح ص 377 .
(4) إبن الكلبي : جمهرة النسب ص 107 ـ 108 ، أما البلاذري فيذكر أن النعمان بن عدي كان على كور دجلة ، ولكن رواية إبن الكلبي أقرب إلى الصحة بدليل القصيدة التي قالها والتي جاء فيها ذكر ميسان ، أنظر البلاذري : الفتوح ص 378 .
(5) أبو يوسف : الخراج ص 129 .
(6) البلاذري : الفتوح ص 377 ـ 378 .

جبهة البصرة    ـ 111 ـ

   ومن الملاحظ على تعيين العمال على هذه المناطق المحررة وعزلهم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب كان يتم من قبل الخليفة نفسه ، أما في الفترة اللأحقة لعهده ، والتي تولى فيها الخلافة كل من عثمان بن عفان والخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) فإن المصادر التاريخية لا تشير إلى أن هناك عمالاً كانوا على هذه المناطق لإنها أصبحت تابعة في إدارتها لوالي البصرة مباشرةً .
   أما الأقاليم المفتوحة كإقليم فارس وكرمان وسجستان وخراسان فقد فتحت عنوه على يد العرب المسلمين وأصبح لهم الحق أن يفرضوا على هذه الأقاليم ما يرتأونه من نظم إدارية ، حيث أصبح العرب المسلمين بعد فتحهم لهذه الاقاليم مسؤولين عن الإدارة العليا وعن حفظ الأمن والأشراف على جباية الخراج فيها ، بعد ان قاموا بتجريد الحكام المحليين من كافة صلاحياتهم الإدارية والعسكرية التي كانوا يقومون بها لخدمة النظام الساساني ، ولم يبقوا إلا على الوظائف المتعلقة بالإدارة المدنية كالقضاء بين الأهالي وجباية الأموال ، مما يؤمن للقوات العربية الإسلامية قيامها بواجباتها العسكرية دون الإنشغال بهذه الأعمال التي تتطلب خبرات خاصة وأعداد كبيرة من الرجال الإداريين (1) ، وذلك لإن الظروف والأحوال السائدة في أوائل عهود الدولة الإسلامية قضت عليهم الإهتمام بالدرجة الاولى بأمر توسيع رقعة الدولة الإسلامية وحماية حدودها وضبط الأمن وإقرار السلام في أرجاءها (2) .
   وقد إقتضت الظروف في باديء الأمر أن يتولى مهمة إدارة الأقاليم القواد العرب الذين كانوا يقودون الجيوش العربية الإسلامية ، أي أن القائد العسكري مسؤول في الوقت ذاته من إدارة المنطقة التي يقوم بفتحها وتثيبت الحكم العربي فيها ، والقضاء على الحركات المناوئه لهذا الحكم ، غير أنه بعد أن أستكملت العمليات العسكرية لفتح أقاليم بلاد فارس وإستتب الإمن وأستقر الحكم العربي فيها ، أصبح الخلفاء يعنون بإختيار الولاة لهذه الأقاليم ، وقد

 **************************************************************
(1) مصلح : فائق نجم ، إقليم فارس منذ الفتج العربي الإسلامي حتى 128 هـ / 833 م ، دراسة في أحواله الجغرافية والإقتصادية والإدارية ، رسالة الدكتوراه غير منشورة ، جامعة بغداد ـ 1984 م ، ص 250 ـ 251 .
(2) العلي : إدارة خراسان في العهود الإسلامية الأولى ، مجلة كلية الآداب ، جامعة بغداد ع 15 لسنة 1972 م / مطبعة المعارف ـ بغداد ص 313 .

جبهة البصرة    ـ 112 ـ

أختير بعض الولاة بناءاً على ما قاموا به من إنجازات عسكرية أو إدارية كشفت عن مواهبهم في الإدارة ، مثل الربيع بن زياد الحارثي الذي أظهر كفاءة في قتاله للفرس وفتحه لإقليم سجستان فكان ذلك من عوامل إختياره لولاية سجستان (1) ، كما إختير زياد بن أبيه لولاية إقليم فارس بعد أن تولى مناصب إدارية في البصرة ، أثبت خلالها كفاءة رشحته لتولي إدارة إقليم فارس (2) .
   ومن الملاحظ على إدارة هذه الأقاليم في السنوات الأولى من فتحها أن المصادر لم تشر إلى وجود موظفين إداريين عرب إلى جانب الولاة يتولون تصريف الوظائف الإدارية الأخرى كالقضاء والشرطة وجباية الأموال في هذه الأقاليم ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم تبلور هذه الوظائف الإدارية في الأقاليم المفتوحة خلال السنوات الأولى من عملية فتها لذلك إكتفت المصادر بذلك الولاة فقط .
   فبالنسبة إلى إقليم فارس فإن المصادر التاريخية تشير إلى ان أول من تولى إدارته في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وأوئل خلافة عثمان بن عفان هو عثمان بن أبي العاص ، الذي إستمرت ولايته على إقليم فارس حتى سنة 29 هـ / 649 م ، (3) حيث أصبح أقليم فارس تابعاً في إدارته إلى والي البصرة عبد الله بن عامر ، الذي إستعمل عليه عبيد الله بن معمر سنة 29 هـ / 649 م ، إلا أنه إستشهد في نفس العام الذي تولى فيه ولاية إقليم فارس على أثر تمرد قام به اهل فارس في مدينة أصطخر (4) ، ولكن بعد أن تمكن إبن عامر من إتمام فتح إقليم فارس والقضاء على التمردات التي حدثت في بعض مدنه ضد الحكم العربي إسند أدارة كوره إلى مجموعة من القادة العرب بأمر من الخليفة عثمان بن عفان وهم هرم بن حسان اليشكري من بكر بن وائل ، وهرم بن حيان العبدي من عبد القيس ، والخريت بن راشد من بني سامه ، والمنجاب بن راشد ، والترجمان الهجيمي (5) ، ولم تشر المصادر إلى أسماء الكور التي عين عليها كل من هؤلاء القادة العرب .

 **************************************************************
(1) خليفة : التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح ص 386 ، اليعقوبي : البلدان ص 134.
(2) أنظر خليفة : التاريخ ص 192 ، إبن حبيب : المحبر ص 378 ، الطبري : التاريخ 4 / 543 ، 5 / 110 ، 122 ، الثعاليب : لطائف المعارف ص 60 . (3) خليفة : التاريخ ص 161 ، البلاذري : الفتوح ص 279 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 133 . (4) أنظر خليفة : التاريخ ص 162 ، البلاذري : الفتوح ص 381 . الطبري : التاريخ 4 / 265 .
(5) الطبري : التاريخ 4 / 266 .

جبهة البصرة    ـ 113 ـ

   ومن الولاة الذين إستعملهم أبن عامر على إصطخر سنة 30 هـ / 650 م ، هو شريك بن الأعور الحارثي ، الذي بنى مسجد إصطخر (1) كذلك أبقى إبن عامر ، عمير بن عثمان بن سعد الذي كان نائباً لعبيد الله بن معمر على فارس ، حيث إستمر في عمله هذا إلى أن توفي عثمان بن عفان سنة 35 هـ / 655 م (2) .
   ولما ولي الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) الخلافة بعد عثمان بن عفان وجعل مقاومه في الكوفة ، أخذ يباشر الأمور الإدارية للدولة الإسلامية من هناك ، ولأهمية اقليم فارس وسعته فقد اهتم الخليفة علي ( ع ) في اختيار الولاة له ، وبذلك خفت سلطة والي البصرة في تعيين الولاة على إقليم فارس ، ومن الولاة الذين إستعملهم الخليفة علي ( ع ) على إقليم فارس المنذر بن الجارود الذي إتخذ من مدينة إصطخر مقراً له (3) ، غير أنه لم يظهر كفاءة في إدارته لإقليم فارس مما ادى ذلك إلى عزله من قبل الإمام علي ( ع ) ، وإستعمال سهل بن حنيف أبو ثابت الأنصاري في بعده وذلك سنة 37 هـ / 657 م ، الذي طمع في ولايته أهل فارس في كسر الخراج وإمتنعوا عن دفعه وأخرجوه من البلاد ، فولى الخليفة علي ( ع ) إقليم فارس زياد بن ابيه سنة 38 هـ / 658 م ، الذي أظهر كفاءة عالية وخبره واسعة في إدارة إقليم فارس والسيطرة على أموره ، وقد إستمر زباد في غدارته لإقليم فارس حتى وفاة الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) ومبايعة معاوية بن أبي سفيان (4) .
   ومن ولاه كور إقليم فارس في زمن الخليفة علي ( ع ) مصقلة بن هبيرة الشبياني ، فقد ولاه الإمام علي ( ع ) كوره أردشيرخره ، الذي لم يتمكن من تسديد أموال إستوجب عليه دفعها إلى بيت المال مما إضطر الخليفة علي ( ع ) إلى إستدعائه فخاف وهرب إلى معاوية في الشام (5) .

 **************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 4 / 301 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 1011 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 266 ، إبن الأثير : الكامل 3 / 102 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 1011 .
(3) البلاذري : أنساب الأشراف ، تحقيق محمد باقر المحمودي ، طبعة مؤسسة الأعلمي ، 2 / 163 . اليعقوبي : التاريخ 2 / 179 ، الذهبي : شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ، تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والإعلام ، مكتبة القدس ، 1367 هـ ، 2 / 211 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 623 .
(4) أنظر خليفة : التاريخ ص 192 ، اليعقوبي : التاريخ 2 / 180 ، الطبري : التاريخ 5 / 122 .
(5) اليعقوبي : التاريخ 2 / 177 ، الطبري : التاريخ 5 / 128 ـ 129 .

جبهة البصرة    ـ 114 ـ

   أما بالنسبة إلى إقليم كرمان فإن أول والي إستعمل من قبل الخليفة عثمان بن عفان لإدارته هو مجاشع بن مسعود السلمي ، الذي كان لسياسته الحازمة في ضبط أمور الإقليم أثراً كبيراً في إستقرار بعض العرب في كرمان (1) ، وقد خلف مجاشع بن مسعود على ولاية إقليم كرمان عاصم بن عمرو الذي توفي فيه (2) ، فإستعمل الخليفة عثمان عمران بن الفضيل البرجمي الذي إستمر في عمله حتى وفاة الخليفة عثمان بن عفان (3) وعندما ولي الخلافة الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) عزل عمران بن الفضيل عن ولاية "إقليم كرمان وإستعمل عبيد الله بن الأهثم في إدارة الإقليم ، وما زال عبيد الله بن الأهثم والياً على كرمان حتى توفي علي بن أبي طالب ( ع ) (4) .
   أما إدارة اقليم سجستان فقد أسندها الخليفة عثمان بن عفان إلى الربيع بن زياد نظراً لما أبداه هذا القائد العربي من شجاعة وبطولة في فتح مدن هذا الإقليم ، وقد إستمرت ولاية الربيع بن زياد على سجستان سنتين ونصف السنة إستكمل خلالها فتح أراضي هذا الإقليم (5) ، وبعد الربيع بن زياد تولى إدارة إقليم سجستان عبد الرحمن بن سمره بن حبيب بن عبد شمس (6) ، الذي بقي في منصبه حتى إضطرب أمر الخليفة عثمان بن عفان فخلف على عمله أمير بن أحمر اليشكري وإنصرف من سجستان ، وقد إستمر أمير بن أحمر اليشكري في إدارة الإقليم حتى مقتل الخليفة عثمان بن عفان حيث إستغل أهل زرنج مقتل الخليفة عثمان فأعلنوا تمردهم عليه وأخرجوه من البلاد (7) .

 **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 383 ـ 384 ، الطبري : التاريخ 4 / 301 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 265 .
(3) الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(4) البلاذري : أنساب الأشراف 2 / 452 .
(5) خليفة : التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح 386 ، اليعقوبي : البلدان ص 134 .
(6) إبن الكلبي : جمهرة النسب ص 55 ، خليفة التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح ص 386 ، اليعقوبي : البلدان ص 134 ، ياقوت : المقتضب 1 / 35 .
(7) خليفة : التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح ص 386 .

جبهة البصرة    ـ 115 ـ

ولما تولى الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان ، خرج حسكه بن عثمان الحبطي وعمران بن الفضيل البرجمي في مجموعة من الخارجين على بيعة الخلافة إلى الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) بعد إنتهاء معركة الجمل ، فأتوا مدينة زالق إحدى مدن سجستان فأصابوا فيها النساء والغنائم ثم توجهوا إلى مدينة زرنج مركز إقليم سجستان ، فدخلوا المدينة بعد أن صالحهم عليها مرزبانها (1) .
هذا الأمر دفع بالخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) إلى تولية عبد الرحمن بن جزء الطائي إقليم سجستان ليعيد سيطرة الخلافة على هذا الإقليم ، وبوصول عبد الرحمن بن جزء إلى إقليم سجستان تصدى له حسكه فقتله ، وعندما وصلت أخبار مقتله إلى الخليفة علي ( ع ) طلب من واليه على البصرة عبد الله بن عباس أن يوجه رجلاً إلى سجستان في أربعة ألآف مقاتل فوجه ربعي بن كأس العنبري ، الذي تمكن من القضاء على مقاومة حسكه وقتله ، فأقام الربعي بن كأس العنبري على ولاية اقليم سجستان حتى قتل الخليفة علي ( ع ) وبويع معاوية (2) .
  أما إقليم خراسان فقد أجمعت المصادر التاريخية على أن إدارته في عهد الخليفة عثمان بن عفان قد جمعت إلى قيس بن الهيثم السلمي الذي إستمر عمله على خراسان حتى مقتل الخليفة عثمان بن عفان (3) .
  لكن المصادر إختلفت حول التقسيمات الإدارية التي أوجدها عبد الله بن عامر في إقليم خراسان بعد أن تم عملية فتحه وقبل أن تجمع إدارته إلى قيس بن الهيثم ، فبينما يذكر البلاذري أن عبد الله بن عامر قبل خروجه من خراسان وتوجهه إلى الخليفة عثمان بن عفان جعل إدارة خراسان بين ثلاثة هم الأحنف بن قيس وحاتم بن النعمان وقيس بن الهيثم (4) .

 **************************************************************
(1) خليفة : التاريخ ص 199 ، البلاذري : الفتوح ص 387 .
(2) نفس المصادر السابقة .
(3) إبن الكلبي : جمهرة النسب ص 401 ، خليفة : التاريخ ص 179 ، البلاذري : الفتوح ص 399 ، اليعقوبي : البلدان ص 296 ـ الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(4) اليعقوبي : التاريخ 2 / 144 .

جبهة البصرة    ـ 116 ـ

   يشير اليعقوبي إلى أن عبد الله بن عامر قسم إقليم خراسان إلى أربعة إرباع ، حيث وضع قيس بن الهيثم على ربع وراشد بن عمرو الجديدي على ربع وعمران بن الفضيل على ربع وعمران بن مالك على ربع (1) .
   أما الطبري فقد فيذكر ان عبد الله بن عامر قصسم إدارة خراسان بين ستة أشخاص وهم الأحنف بن قيس على المروين وحبيب بن قره اليربوعي على بلخ وخالد بن عبد الله بن زهير على هراة ، وأمير بن أحمر اليشكري على طوس وقيس بن الهيثم السلمي على نيسابور ، وعبد الله بن حازم (2) .
   إلا إنه لا يمكن الإعتماد على رواية الطبري هذه وذلك لإن الطبري قد وضع هذه الأحداث في السنة الثالثة من خلافة عثمان بن عفان في حين أن إقليم خراسان قد تم فتحه بعد أكثر من ست سنوات من خلافته ، كما أن الطبري لم يذكر المنطقة التي كلف عبد الله بن حازم بإدارتها ، الذي تذكر روايات أخرى أنه تولى إدارة إقلين خراسان بعد خرج منها قيس بن الهيثم بسبب الإضطرابات التي حدثت في خراسان عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان بعد إن إفتعل عبد الله بن حازم عهداً بتوليته خراسان على لسان عبد الله بن عامر (3) ، فتولى إدارتها وإستمر فيها إلى أن عزله الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) .
   ويبدو أن رواية اليعقوبي أقرب الواقع من رواية البلاذري ، إذا ما علمنا أن إقليم خراسان كان منقسماً وحب النظام الإداري الساساني إلى أربع مناطق إدارية كبرى قبل الفتح العربي الإسلامي له (4) .
ولعل هذا ما دفع عبد الله بن عامر أن يجعل على كل ربع من هذه الأرباع الإدارية شخصاً يتولى إدارته .

 **************************************************************
(1) اليعقوبي : التاريخ 2 / 144 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(3) البلاذري : الفتوح ص 399 ، الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(4) أنظر لسترنج : بلدان الخلافة الشرقية ص 424 ، العلي إستيطان العرب في خراسان ، مجلة كلية الآداب والعلوم ، ع 3 لسنة 1959 م ـ ص 37 ، ناجي حسن : القبائل العربية في المشرق خلال العصر الأموي ، منشورات إتحاد المؤرخين العرب ، ط 1 ، 1980 م ، ص 176 .