قضائها
(1) .
ولما شكى أهل البصرة ضعف أبو مريم الحنفي إلى الخليفة عمر بن الخطاب عزله عن منصبه وأمر أبو موسى الأشعري أن يتولى مهمة القضاء بالإضافة إلى عمله كوالي البصرة
(2) ، وبناءاً على السياسة التي إنتهجها الخليفة عمر بفصل القضاء عن الولاية لم يستمر أبو موسى في توليه منصب القضاء في البصرة ، حيث أرسل الخليفة عمر كعب بن سوار الأزدي قاضياً عليها وذلك سنة 18 هـ / 639 م ، الذي بقي في منصبه هذا حتى قتل الخليفة عمر سنة 23 هـ / 643 م
(3) .
أما في زمن خلافة عثمان بن عفان فقد أمر أبا موسى الأشعري أن يقضي بين الناس بعد أن عزل كعب بن سوار عن قضاء البصرة
(4) ، ولكن عبد الله بن عامر الذي ولي البصرة سنة 29 هـ / 649 م ، في زمن الخليفة عثمان بن عفان ، بعد أن عزل أبا موسى الأشعري عنها
(5) ، أعاد كعب بن سوار على قضاء البصرة ، الذي إستمر في منصبه حتى قتل أيام معركة الجمل
(6) .
أما في زمن خلافة الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) فقد إختلفت الروايات التاريخية في من تولى قضاء البصرة فبينما تذكر إحدى الروايات أن أبا الأسود الدؤلي تولى قضاء البصرة من قبل عبد الله بن عباس والي الخليفة علي ( ع ) على البصرة
(7) ، تشير رواية أخرى أنه الضحاك بن عبد الله الهلالي
(8) ، بينما تذكر رواية ثالثة أنه عبد الله بن فضاله الليثي
(9) ، وتشير رواية رابعة إلى أنه عبد الرحمن بن يزيد
(10) .
**************************************************************
(1) وكيع : أخبار القضاة ص 270 .
(2) وكيع : أخبار القضاة ص 283 .
(3) إبن سعد : الطبقات 7 / 92 ، خليفة : التاريخ ص 154 ، وكيع : أخبار القضاة ص 274 ، الطبري : التاريخ 4 / 101 ، 241 .
(4) خليفة : التاريخ ص 179 ، وكيع أخبار القضاة ص 283 .
(5) خليفة : التاريخ ص 161 .
(6) خليفة : التاريخ ص 179 ، وكيع : أخبار القضاة ص 281 .
(7) خليفة : التاريخ ص 200 ، وكيع : أخبار القضاة ص 288 ، الطبري : التاريخ 5 / 93 ، 155 .
(8) نفس المصادر السابقة .
(9) خليفة : التاريخ ص 200 .
(10) وكيع أخبار القضاة ص 288 .
جبهة البصرة ـ 108 ـ
والأرحج ان أبا الأسود الدؤلي هو الذي تولى منصب قضاء البصرة زمن الخليفة علي ( ع ) وقد إستمر في عمله حتى وفاة الخليفة علي بن أبي طالب ( ع )
(1) .
( و ) الدواوين
ومن التنظيمات الإدارية التي أوجدت في الأمصار زمن الخليفة عمر بن الخطاب هي الدواوين
(2) والديوان : يعني السجل الذي يحفظ فيه اسماء المقاتلين وعيالاتهم ومقدار أعطياتهم ثم صار يعني المكان الذي يحفظ فيه السجل ، فقد ذكر الماوردي أنه : ( مضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأمول ومن يقوم بها من الجيش والشرطة )
(3) .
وكان من الأسباب التي دعت الخليفة عمر بن الخطاب إلى تدوين الدواوين هو التوسع الكبير في العمليات العسكرية التي أدت إلى دخول الكثير من القبائل العربية في جيش المسلمين وإستقرارهم في الامصار كما ادت الى تزايد الموارد المالية على الأمصار ، فكان لابد من إيجاد نظام إداري ومالي وعسكري يتولى مهمة تنظيم الاعداد الكبيرة من المقاتلة وتنظيم الأمور المالية لهم في هذه الأمصار .
ولعل من جملة الأسباب الأخرى التي دعت إلى تدوين الدواوين هو رغبة الخليفة عمر في أن يجعل من العرب أمة عسكرية يوجهها للجهاد في سبيل سيادة الإسلام ، فأراد أن يخصص للمقاتلة رواتب وأعطيات من بيت المال ليكفيهم مؤنة العمل ، واراد أن يحفظ سجلاً بإسماء هؤلاء المقاتلين ورواتبهم وقبائلهم وأهلهم
(4) ، لذلك أوجد في الأمصار ومنها البصرة ديوانان إحداهما بالعربية لإحصاء الجند وعيالاتهم ومقدار أعطياتهم وقد عرف هذا الديوان بديوان الجند والآخر للأمور المالية وحساباتها بالفارسية ويسمى ديوان الخراج
(5) .
**************************************************************
(1) خليفة : التاريخ ص 200 ، وكيع : أخبار القضاة ص 288 ، الطبري : التاريخ 5 / 93 ، 155 .
(2) أبو يوسف : يعقوب بن إبراهيم ، الخراج ، ط 3 ـ 1382 هـ ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، ص 45 . أبو عبيدة : الأموال ص 319 ، البلاذري : الفتوح ص 436 ، اليعقوبي : التاريخ 2 / 130 ، الطبري : التاريخ 2 / 209 .
(3) الماوردي : الأحكام السلطانية ص 199 .
(4) الدوري : عبد العزيز ، النظم الإسلامية ط 1 ، مطبعة نجيب ، بغداد ـ 1950 م ، 1 / 187 .
(5) أنظر الجهشياري : أبو عبد الله محمد بن عبدوس ، الوزراء والكتاب ، تحقيق مصطفى السقا ، ط 1 ، القاهرة ، ـ 1938 م ، ص 38 ، الصولي ، أبو بكر بن يحيى ، أدب الكتاب ، بإعتناء محمد بهجه الأثري ، المطبعة السلفية ـ القاهرة ـ 1341 هـ ، ص 192 .
جبهة البصرة ـ 109 ـ
وقد تولى كتابة ديوان جند البصرة في زمن كل من الخليفة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان عبد الله بن خلف الخزاعي أبو طلحة الطلحات وقد إستمر في عمله إلى أن قتل يوم معركة الجمل
(1) ، أما ديوان الخراج في البصرة فكان عليه ومنذ ولاية المغيرة بن شعبة ، زياد بن أبيه الذي إستمر في عمله إلى زمن عبد الله بن عباس والي الخليفة علي ( ع ) على البصرة
(2) .
إدارة المناطق المحررة والمفتوحة
كانت السياسة التي إتبعتها الحكومة المركزية في المدينة والمتمثلة بالخليفة عمر بن الخطاب في إدارة المناطق المحررة جزءاً لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة العربية الإسلامية ، ففي الوقت الذي وضعت فيه أسس السياسة العامة للدولة ، أدخلت في حساباتها إدارة المناطق المحررة خاصة وأن الجيوش العربية الإسلامية كانت تخوض عمليات التحرير منذ عهد الخليفة أبي بكر الصديق .
حيث أشارت المصادر إلى ذكر عدد من العمال تولوا إدارة عدد من المناطق المحررة قبل أن تجمع هذه المناطق وتصبح تابعة مباشرة في إدارتها إلى والي البصرة ، الذي أصبح مسؤولاً عن إدارة وولاية مدن ومراكز مختلفة كالأبلة وميسان والأحواز وغيرها من المناطق الأخرى .
فبالنسبة إلى الأبلة التي تعد أول منطقة قام بتحريرها جند البصرة فالمصادر تذكر عدد من العمال تولوا إدارتها خلال خلافة عمر بن الخطاب منهم خبيئة بن كناز القيس ، الذي شهد تحرير الأبلة سنة 14 هـ / 635 م ، حيث تم تعيينه من قبل الخليفة عمر عاملاً عليها ، إلا أن الخليفة عمر سرعان ما عزله عن عمله هذا لسبب لا يثق بصحته يتعلق بإسمه ، إذ تذكر المصادر أن الخليفة عمر قال إنه ( يخبأ ويكنز أبوه
**************************************************************
(1) إبن حبيب : أبو جعفر بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي ، المحبر ، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ، ص 337 ، الثعالبي : أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل ، لطائف المعارف ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، حسن كامل الصيرفي ، مطبعة دار إحياء الكتب العربية ـ 1960 م ، ص 59 .
(2) إبن حبيب : المحبر ص 378 ، الثعالبي : لطائف المعارف ص 60 .
جبهة البصرة ـ 110 ـ
أعزلوه )
(1) ، وإستعمل الخليفة عمر أيضاً كلاب بن أمية على الأبلة لفترة قصيرة ثم أعفاه بعد ذلك من إدارتها
(2) .
أما فرات البصرة فقد كان عليها زمن الخليفة عمر الحجاج بن عتيك الثقفي
(3) ، بينما تولى إدارة ميسان زمن الخليفة عمر النعمان بن عدي بن نضله بن عبد العزى بن حرثان أحد بني عدي بن كعب بن لؤي وهو الذي يقول :
مـن مبلغ الحسناء أن iiخليلها بميسان يسقي في ظجاج ومنتم أذا شئت غنتني دهاقين iiقرية وصناجة تحدر على كل iiمنسم لـعل أمـير المؤمنين iiسيؤوه تـنادمنا بـالجوسق iiالـمتهدم |
فلما بلغ شعره هذا الخليفة عمر بن الخطاب قال : أي والله ليسوؤني ذلك فعزله من عمله
(4) ، وقد تولى إدارة دستميسان زمن الخليفة عمر بن الخطاب بجاله بن عبدة العنبري
(5) .
أما قليم الأحواز فعندما تم تحريره من قبل العرب المسلمين لم يسندوا إدارته إلى شخص واحد وإنما عينوا عاملاً على كل كورة من كوره ، فكان عاصم بن قيس السلمي على مناذر ، وجزء بن معاوية على سرق ، وسمر بن جندب على سوق الاحواز وإبن محرش أبو مريم الحنفي على رامهرمز ، وبشر بن المحتفز على جند يسابور ، وكان هؤلاء العمال قد أصابوا من وراء إستعمالهم على هذه الكور أموالاً كثيرة فرفع بهم أبو المختار بن الصعق قصيدته المشهورة والتي على أثرها شاطر الخليفة عمر أموالهم
(6) .
**************************************************************
(1) إبن دريد : الإشتقاق ص 355 ، الذهبي : أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ، المشتبه من الرجال أسمائهم وأنسابهم ، تحقيق علي محمد البجاوي ، ط 1 ـ 1964 م ، دار إحياء الكتاب العربي ، ص 214 .
(2) البخاري : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي ، التاريخ الكبير ، مطبعة حيدر آباد ، 1360 ـ 1361 هـ ، ح 1 ق 1 ص 277 .
(3) البلاذر : الفتوح ص 377 .
(4) إبن الكلبي : جمهرة النسب ص 107 ـ 108 ، أما البلاذري فيذكر أن النعمان بن عدي كان على كور دجلة ، ولكن رواية إبن الكلبي أقرب إلى الصحة بدليل القصيدة التي قالها والتي جاء فيها ذكر ميسان ، أنظر البلاذري : الفتوح ص 378 .
(5) أبو يوسف : الخراج ص 129 .
(6) البلاذري : الفتوح ص 377 ـ 378 .
جبهة البصرة ـ 111 ـ
ومن الملاحظ على تعيين العمال على هذه المناطق المحررة وعزلهم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب كان يتم من قبل الخليفة نفسه ، أما في الفترة اللأحقة لعهده ، والتي تولى فيها الخلافة كل من عثمان بن عفان والخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) فإن المصادر التاريخية لا تشير إلى أن هناك عمالاً كانوا على هذه المناطق لإنها أصبحت تابعة في إدارتها لوالي البصرة مباشرةً .
أما الأقاليم المفتوحة كإقليم فارس وكرمان وسجستان وخراسان فقد فتحت عنوه على يد العرب المسلمين وأصبح لهم الحق أن يفرضوا على هذه الأقاليم ما يرتأونه من نظم إدارية ، حيث أصبح العرب المسلمين بعد فتحهم لهذه الاقاليم مسؤولين عن الإدارة العليا وعن حفظ الأمن والأشراف على جباية الخراج فيها ، بعد ان قاموا بتجريد الحكام المحليين من كافة صلاحياتهم الإدارية والعسكرية التي كانوا يقومون بها لخدمة النظام الساساني ، ولم يبقوا
إلا على الوظائف المتعلقة بالإدارة المدنية كالقضاء بين الأهالي وجباية الأموال ، مما يؤمن للقوات العربية الإسلامية قيامها بواجباتها العسكرية دون الإنشغال بهذه الأعمال التي تتطلب خبرات خاصة وأعداد كبيرة من الرجال الإداريين
(1) ، وذلك لإن الظروف والأحوال السائدة في أوائل عهود الدولة الإسلامية قضت عليهم الإهتمام بالدرجة الاولى بأمر توسيع رقعة الدولة الإسلامية وحماية حدودها وضبط الأمن وإقرار السلام في أرجاءها
(2) .
وقد إقتضت الظروف في باديء الأمر أن يتولى مهمة
إدارة الأقاليم القواد العرب الذين كانوا يقودون الجيوش العربية الإسلامية ، أي أن القائد العسكري مسؤول في الوقت ذاته من إدارة المنطقة التي يقوم بفتحها وتثيبت الحكم العربي فيها ، والقضاء على الحركات المناوئه لهذا الحكم ، غير أنه بعد أن أستكملت العمليات العسكرية لفتح أقاليم بلاد فارس وإستتب الإمن وأستقر الحكم العربي فيها ، أصبح الخلفاء يعنون بإختيار الولاة لهذه الأقاليم ، وقد
**************************************************************
(1) مصلح : فائق نجم ، إقليم فارس منذ الفتج العربي الإسلامي حتى 128 هـ / 833 م ، دراسة في أحواله الجغرافية والإقتصادية والإدارية ، رسالة الدكتوراه غير منشورة ، جامعة بغداد ـ 1984 م ، ص 250 ـ 251 .
(2) العلي : إدارة خراسان في العهود الإسلامية الأولى ، مجلة كلية الآداب ، جامعة بغداد ع 15 لسنة 1972 م / مطبعة المعارف ـ بغداد ص 313 .
جبهة البصرة ـ 112 ـ
أختير بعض الولاة بناءاً على ما قاموا به من إنجازات عسكرية أو إدارية كشفت عن مواهبهم في الإدارة ، مثل الربيع بن زياد الحارثي الذي أظهر كفاءة في قتاله للفرس وفتحه لإقليم سجستان فكان ذلك من عوامل إختياره لولاية سجستان
(1) ، كما إختير زياد بن أبيه لولاية إقليم فارس بعد أن تولى مناصب إدارية في البصرة ، أثبت خلالها كفاءة رشحته لتولي إدارة إقليم فارس
(2) .
ومن الملاحظ على إدارة هذه الأقاليم في السنوات الأولى من فتحها أن المصادر لم تشر إلى وجود موظفين إداريين عرب إلى جانب الولاة يتولون تصريف الوظائف الإدارية الأخرى كالقضاء والشرطة وجباية الأموال في هذه الأقاليم ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم تبلور هذه الوظائف الإدارية في الأقاليم المفتوحة خلال السنوات الأولى من عملية فتها لذلك إكتفت المصادر بذلك الولاة فقط .
فبالنسبة إلى إقليم فارس فإن المصادر التاريخية تشير إلى ان أول من تولى إدارته في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وأوئل خلافة عثمان بن عفان هو عثمان بن أبي العاص ، الذي إستمرت ولايته على إقليم فارس حتى سنة 29 هـ / 649 م ،
(3) حيث أصبح أقليم فارس تابعاً في إدارته إلى والي البصرة عبد الله بن عامر ، الذي إستعمل عليه عبيد الله بن معمر سنة 29 هـ / 649 م ، إلا أنه إستشهد في نفس العام الذي تولى فيه ولاية إقليم فارس على أثر تمرد قام به اهل فارس في مدينة أصطخر
(4) ، ولكن بعد أن تمكن إبن عامر من إتمام فتح إقليم فارس والقضاء على التمردات التي حدثت في بعض مدنه ضد الحكم العربي إسند أدارة كوره إلى مجموعة من القادة العرب بأمر من الخليفة عثمان بن عفان وهم هرم بن حسان اليشكري من بكر بن وائل ، وهرم بن حيان العبدي من عبد القيس ، والخريت بن راشد من بني سامه ، والمنجاب بن راشد ، والترجمان الهجيمي
(5) ، ولم تشر المصادر إلى أسماء الكور التي عين عليها كل من هؤلاء القادة العرب .
**************************************************************
(1) خليفة : التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح ص 386 ، اليعقوبي : البلدان ص 134.
(2) أنظر خليفة : التاريخ ص 192 ، إبن حبيب : المحبر ص 378 ، الطبري : التاريخ 4 / 543 ، 5 / 110 ، 122 ، الثعاليب : لطائف المعارف ص 60 .
(3) خليفة : التاريخ ص 161 ، البلاذري : الفتوح ص 279 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 133 .
(4) أنظر خليفة : التاريخ ص 162 ، البلاذري : الفتوح ص 381 . الطبري : التاريخ 4 / 265 .
(5) الطبري : التاريخ 4 / 266 .
جبهة البصرة ـ 113 ـ
ومن الولاة الذين إستعملهم أبن عامر على إصطخر سنة 30 هـ / 650 م ، هو شريك بن الأعور الحارثي ، الذي بنى مسجد إصطخر
(1) كذلك أبقى إبن عامر ، عمير بن عثمان بن سعد الذي كان نائباً لعبيد الله بن معمر على فارس ، حيث إستمر في عمله هذا إلى أن توفي عثمان بن عفان سنة 35 هـ / 655 م
(2) .
ولما ولي الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) الخلافة بعد عثمان بن عفان وجعل مقاومه في الكوفة ، أخذ يباشر الأمور الإدارية للدولة الإسلامية من هناك ، ولأهمية اقليم فارس وسعته فقد اهتم الخليفة علي ( ع ) في اختيار الولاة له ، وبذلك خفت سلطة والي البصرة في تعيين الولاة على إقليم فارس ، ومن الولاة الذين إستعملهم الخليفة علي ( ع ) على إقليم فارس المنذر بن الجارود الذي إتخذ من مدينة إصطخر مقراً له
(3) ، غير أنه لم يظهر كفاءة في إدارته لإقليم فارس مما ادى ذلك إلى عزله من قبل الإمام علي ( ع ) ، وإستعمال سهل بن حنيف أبو ثابت الأنصاري في بعده وذلك سنة 37 هـ / 657 م ، الذي طمع في ولايته أهل فارس في كسر الخراج وإمتنعوا عن دفعه وأخرجوه من البلاد ، فولى الخليفة علي ( ع ) إقليم فارس زياد بن ابيه سنة 38 هـ / 658 م ، الذي أظهر كفاءة عالية وخبره واسعة في إدارة إقليم فارس والسيطرة على أموره ، وقد إستمر زباد في غدارته لإقليم فارس حتى وفاة الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) ومبايعة معاوية بن أبي سفيان
(4) .
ومن ولاه كور إقليم فارس في زمن الخليفة علي ( ع ) مصقلة بن هبيرة الشبياني ، فقد ولاه الإمام علي ( ع ) كوره أردشيرخره ، الذي لم يتمكن من تسديد أموال إستوجب عليه دفعها إلى بيت المال مما إضطر الخليفة علي ( ع ) إلى إستدعائه فخاف وهرب إلى معاوية في الشام
(5) .
**************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 4 / 301 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 1011 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 266 ، إبن الأثير : الكامل 3 / 102 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 1011 .
(3) البلاذري : أنساب الأشراف ، تحقيق محمد باقر المحمودي ، طبعة مؤسسة الأعلمي ، 2 / 163 . اليعقوبي : التاريخ 2 / 179 ، الذهبي : شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ، تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والإعلام ، مكتبة القدس ، 1367 هـ ، 2 / 211 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 623 .
(4) أنظر خليفة : التاريخ ص 192 ، اليعقوبي : التاريخ 2 / 180 ، الطبري : التاريخ 5 / 122 .
(5) اليعقوبي : التاريخ 2 / 177 ، الطبري : التاريخ 5 / 128 ـ 129 .
جبهة البصرة ـ 114 ـ
أما بالنسبة إلى إقليم كرمان فإن أول والي إستعمل من قبل الخليفة عثمان بن عفان لإدارته هو مجاشع بن مسعود السلمي ، الذي كان لسياسته الحازمة في ضبط أمور الإقليم أثراً كبيراً في إستقرار بعض العرب في كرمان
(1) ، وقد خلف مجاشع بن مسعود على ولاية إقليم كرمان عاصم بن عمرو الذي توفي فيه
(2) ، فإستعمل الخليفة عثمان عمران بن الفضيل البرجمي الذي إستمر في عمله حتى وفاة الخليفة عثمان بن عفان
(3) وعندما ولي الخلافة الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) عزل عمران بن الفضيل عن ولاية "إقليم كرمان وإستعمل عبيد الله بن
الأهثم في إدارة الإقليم ، وما زال عبيد الله بن الأهثم والياً على كرمان حتى توفي علي بن أبي طالب ( ع )
(4) .
أما إدارة اقليم سجستان فقد أسندها الخليفة عثمان بن عفان إلى الربيع بن زياد نظراً لما أبداه هذا القائد العربي من شجاعة وبطولة في فتح مدن هذا الإقليم ، وقد إستمرت ولاية الربيع بن زياد على سجستان سنتين ونصف السنة إستكمل خلالها فتح أراضي هذا الإقليم
(5) ، وبعد الربيع بن زياد تولى إدارة إقليم سجستان عبد الرحمن بن سمره بن حبيب بن عبد شمس
(6) ، الذي بقي في منصبه حتى إضطرب أمر الخليفة عثمان بن عفان فخلف على عمله أمير بن أحمر اليشكري وإنصرف من سجستان ، وقد إستمر أمير بن أحمر اليشكري في إدارة الإقليم حتى مقتل الخليفة عثمان بن عفان حيث إستغل أهل زرنج مقتل الخليفة عثمان فأعلنوا تمردهم عليه وأخرجوه من البلاد
(7) .
**************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 383 ـ 384 ، الطبري : التاريخ 4 / 301 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 265 .
(3) الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(4) البلاذري : أنساب الأشراف 2 / 452 .
(5) خليفة : التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح 386 ، اليعقوبي : البلدان ص 134 .
(6) إبن الكلبي : جمهرة النسب ص 55 ، خليفة التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح ص 386 ، اليعقوبي : البلدان ص 134 ، ياقوت : المقتضب 1 / 35 .
(7) خليفة : التاريخ ص 180 ، البلاذري : الفتوح ص 386 .
جبهة البصرة ـ 115 ـ
ولما تولى الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان ، خرج حسكه بن عثمان الحبطي وعمران بن الفضيل البرجمي في مجموعة من الخارجين على بيعة الخلافة إلى الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) بعد إنتهاء معركة الجمل ، فأتوا مدينة زالق إحدى مدن سجستان فأصابوا فيها النساء والغنائم ثم توجهوا إلى مدينة زرنج مركز إقليم سجستان ، فدخلوا المدينة بعد أن صالحهم عليها مرزبانها
(1) .
هذا الأمر دفع بالخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) إلى تولية عبد الرحمن بن جزء الطائي إقليم سجستان ليعيد سيطرة الخلافة على هذا الإقليم ، وبوصول عبد الرحمن بن جزء إلى إقليم سجستان تصدى له حسكه فقتله ، وعندما وصلت أخبار مقتله إلى الخليفة علي ( ع ) طلب من واليه على البصرة عبد الله بن عباس أن يوجه رجلاً إلى سجستان في أربعة ألآف مقاتل فوجه ربعي بن كأس العنبري ، الذي تمكن من القضاء على مقاومة حسكه وقتله ، فأقام الربعي بن كأس العنبري على ولاية اقليم سجستان حتى قتل الخليفة علي ( ع ) وبويع معاوية
(2) .
أما إقليم خراسان فقد أجمعت المصادر التاريخية على أن إدارته في عهد الخليفة عثمان بن عفان قد جمعت إلى قيس بن الهيثم السلمي الذي إستمر عمله على خراسان حتى مقتل الخليفة عثمان بن عفان
(3) .
لكن المصادر إختلفت حول التقسيمات الإدارية التي أوجدها عبد الله بن عامر في إقليم خراسان بعد أن تم عملية فتحه وقبل أن تجمع إدارته إلى قيس بن الهيثم ، فبينما يذكر البلاذري أن عبد الله بن عامر قبل خروجه من خراسان وتوجهه إلى الخليفة عثمان بن عفان جعل إدارة خراسان بين ثلاثة هم الأحنف بن قيس وحاتم بن النعمان وقيس بن الهيثم
(4) .
**************************************************************
(1) خليفة : التاريخ ص 199 ، البلاذري : الفتوح ص 387 .
(2) نفس المصادر السابقة .
(3) إبن الكلبي : جمهرة النسب ص 401 ، خليفة : التاريخ ص 179 ، البلاذري : الفتوح ص 399 ، اليعقوبي : البلدان ص 296 ـ الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(4) اليعقوبي : التاريخ 2 / 144 .
جبهة البصرة ـ 116 ـ
يشير اليعقوبي إلى أن عبد الله بن عامر قسم إقليم خراسان إلى أربعة إرباع ، حيث وضع قيس بن الهيثم على ربع وراشد بن عمرو الجديدي على ربع وعمران بن الفضيل على ربع وعمران بن مالك على ربع
(1) .
أما الطبري فقد فيذكر ان عبد الله بن عامر قصسم إدارة خراسان بين ستة أشخاص وهم الأحنف بن قيس على المروين وحبيب بن قره اليربوعي على بلخ وخالد بن عبد الله بن زهير على هراة ، وأمير بن أحمر اليشكري على طوس وقيس بن الهيثم السلمي على نيسابور ، وعبد الله بن حازم
(2) .
إلا إنه لا يمكن الإعتماد على رواية الطبري هذه وذلك لإن الطبري قد وضع هذه الأحداث في السنة الثالثة من خلافة عثمان بن عفان في حين أن إقليم خراسان قد تم فتحه بعد أكثر من ست سنوات من خلافته ، كما أن الطبري لم يذكر المنطقة التي كلف عبد الله بن حازم بإدارتها ، الذي تذكر روايات أخرى أنه تولى إدارة إقلين خراسان بعد خرج منها قيس بن الهيثم بسبب الإضطرابات التي حدثت في خراسان عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان بعد إن إفتعل عبد الله بن حازم عهداً بتوليته خراسان على لسان عبد الله بن عامر
(3) ، فتولى إدارتها وإستمر فيها إلى أن عزله الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) .
ويبدو أن رواية اليعقوبي أقرب الواقع من رواية البلاذري ، إذا ما علمنا أن إقليم خراسان كان منقسماً وحب النظام الإداري الساساني إلى أربع مناطق إدارية كبرى قبل الفتح العربي الإسلامي له
(4) .
ولعل هذا ما دفع عبد الله بن عامر أن يجعل على كل ربع من هذه الأرباع الإدارية شخصاً يتولى إدارته .
**************************************************************
(1) اليعقوبي : التاريخ 2 / 144 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(3) البلاذري : الفتوح ص 399 ، الطبري : التاريخ 4 / 266 .
(4) أنظر لسترنج : بلدان الخلافة الشرقية ص 424 ، العلي إستيطان العرب في خراسان ، مجلة كلية الآداب والعلوم ، ع 3 لسنة 1959 م ـ ص 37 ، ناجي حسن : القبائل العربية في المشرق خلال العصر الأموي ، منشورات إتحاد المؤرخين العرب ، ط 1 ، 1980 م ، ص 176 .