والثابت أن أبا موسى ولي البصرة سنة 16 هـ / 637 م (1) ، وهذا يقتضي إرسال عتبة بن غزوان قبل ذلك التاريخ ، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار فترة المغيرة بن شعبة الذي خلف عتبة بن غزوان على ولاية البصرة قد إستمرت سنتين قبل مجيء أبو موسى الأشعري (2) .

إختيار موضع البصرة وتخطيطها
   يبدو أن عتبة بن غزوان لم ينزل موضع البصرة أول قدومه الى المنطقة ، حيث وردت عدة روايات تظهر أن عتبة بن غزوان نزل عدة مواضع قبل أن يستقر في الموضع الذي بنيت فيه البصرة فيما بعد .
   وقد كانت الخريبة أول موضع نزل فيه عتبة بن غزوان عند قدومه الى المنطقة ، حيث وردت عدة روايات تؤيد نزول عتبة بن غزوان في الخريبة في باديء الأمر ، فقد روي خليفة بن خياط عن غنم بن قيس أنه قال ( كنا مع عتبة بن غزوان ، ولما إنتهى الى البر وراء منابت القصب قال : ليست هذه منازل العرب ، فنزل الخريبة ) (3) ، كذلك روي البلاذري عن أبي عبيدة قوله ( لما نزل عتبة بن غزوان الخربية كتب الى عمر بن الخطاب يعلمه نزوله إياها . . . ) (4) ، أما الطبري فقد روي عن الشعبي أن عتبة بن غزوان قدم البصرة سنة 14 هـ / 635 م ( فنزل الخربية وليس بها إلا سبع دساكر ) (5) .
   ولكن إستقرار عتبة بن غزوان في الخريبة لم يدم طويلاً حيث تحول منها فيها بعد الى عدة مواقع حتى إنتهى إلى الموضع الذي إستقر فيه نهائياً وبنى البصرة ، فقد ذكر البلاذري ، أن عتبة بعد أن نزل الخربية وفرق أصحابه على الدساكر السبعة ، كتب إلى عمر يعلمه بذلك ، فكتب إليه عمر يأمره بأن ينزل موضعاً قريباً من الماء والمرعى ، فأقبل إلى موضع البصرة (6) ، أما الدينوري فيذكر ( سار عتبة بن غزوان حتى أتى مكان البصرة اليوم، ولم تكن هناك يومئذ إلا الخريبة . . . فنزلها عتبة بن غزوان بأصحابه في الأخبية والقباب ،

**************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 341 .
(2) الطبري : التاريخ 3 / 597 .
(3) خليفة : التاريخ ص 128 .
(4) البلاذري : الفتوح ص 341 .
(5) الطبري : التاريخ 3 / 591 .
(6) البلاذري : الفتوح ص 336
.

جبهة البصرة   ـ 30 ـ

ثم سار حتى نزل البصرة ) (1) ، ويوضح لنا سيف بن عمر مراحل تنقل المقاتلة العرب بعد خروجهم من الخريبة حتى إستقرارهم النهائي في موضع البصرة بقوله ( نزلوا على الشاطيء بحيال جزيرة العرب ، فأقاموا قليلاً ، ثم إرزوا ، ثم شكوا ذلك حتى أمر عمر بأن ينزلوا الحجر بعد ثلاثة أوطان إذا إجتووا الطين ، فنزلوا الرابعة البصرة ) (2) ، ثم يروي ما يوضح مواقع المنازل الثلاثة الأولى فيقول : ( وأما أهل البصرة فكان مقامهم على شاطيء دجلة ، ثم إرزوا مرة حتى إستقروا وبدأوا ، فخنسوا فرسخاً وجروا معهم نهراً ، ثم فرسخاً ثم جروه ، ثم فرسخاً ثم جروه ثم أتوا الحجر ثم جروه ، وأختطت ـ البصرة ـ . . . ) (3) .
   وتوضح هذه الرواية أن المقاتلة العرب نزلوا في باديء الأمر إلى الغرب من نهر دجلة ، لكنهم تضايقوا من طبيعة الأرض ، لرخاوتها ولكثرة ما فيها من الحلفاء والقصب (4) ، فقال لهم عتبة بن غزوان ( إبغوا لنا منزلاً هو أنزه من هذا ) (5) ، فأنتقلوا غرباً ثلاث مرات وكانوا في كل مرة يجرون معهم النهر إلى أن وصلوا موقع البصرة فأستقروا فيه وبنوا البصرة ، وإن تنقل العرب هذا وتأخير إستقرارهم يرجع إلى أن عتبة بن غزوان عندما قدم المنطقة كانت أمامه قوات فارسية خاصة في الابلة ، وكانت الظروف العسكرية تضطره إلى التقدم والتأخير والنزول في عدة أماكن ، كما أن الخليفة عمر ( رض ) لم يأمره بأتخاذ موضع لأستقرار جنده قبل إنتصاره على القوات الفارسية في الابله ، وعلى هذا الأساس يتوقع أن عتبة بن غزوان إختار موقع البصرة بعد فتح الأبلة الرئيسي لتجمع القوات الفارسية في جنوب العراق .
   وبما أن عتبة بن غزوان كان يهدف من وراء إختياره لهذا الموقع أن يقوم بوظيفة المخيم العسكري الذي تنطلق منه الحملات العسكرية العربية ضد الفرس ضمن هذه المنطقة من العراق ، وإن معظم جنده كانوا من الأعراب ، فقد نزل في باديء الأمر في الخيام والفساطيط (6) ، حيث ذكر البلاذري أنه عندما نزل عتبة والمقاتلة البصرة إبتداءاً ( ضربوا الخيام والقباب

 **************************************************************
(1) الدينوري : الأخبار الطوال ص 117 .
(2) الطبري : التاريخ 3 / 592 .
(3) الطبري : التاريخ 3 / 592 ـ 593 .
(4) الطبري : التاريخ 3 / 591 .
(5) الطبري : الباريخ 3 / 592 .
(6) انظر إبن سعد : الطبقات 7 / 6 ، البلاذري : الفتوح ص 336 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 117
.

جبهة البصرة   ـ 31 ـ

والفساطيط ولم يكن لهم بناء ) (1) .
   ولما إستقر العرب المسلمون في البصرة وجدوا أن حياة الخيام والمعسكرات التي يحيونها لا تلائم حياتهم الجديدة ، ففكروا في بناء بيوتهم من القصب كي تكون أكثر ملائمة لحياتهم من الخيام ، خاصة وأن القصب يتوفر في بطائح البصرة (2) ، فأستأذنوا الخليفة عمر ( رض ) بالبناء ، وقد أشار سيف إلى ذلك بقوله ( لما نزل أهل الكوفة ، وأستقر بأهل البصرة الدار ، عرف القوم أنفسهم ، وثاب إليهم ما كانوا فقدوا ، ثم أن أهل الكوفة إستأذنوا في بنيان القصب ، وأستأذن أهل البصرة ) (3) ، فأجابهم الخليفة عمر ( أن العسكر أشد لحربكم وأذكر لكم وما أحب أن أخالفكم ، فأبتنوا بالقصب (4) ) .
   وأن أول ما إختط في البصرة هو المسجد ودار الإمارة في وسط رحبه فسيحة عرفت برحبة بني هاشم ، وكانت تسمى الدهناء ، وبنى الناس منازلهم حولها (5) ، وقد إختلفت الروايات التاريخية في من أول ما أختط خطة في البصرة ، فقد ذكرت إدى الروايات أن عتبة بن غزوان هو أول من إختط المسجد بيده ، في حين تشير رواية أخرى أن محجن بن الأذرع السلمي هو الذي إختط أول خطة في المدينة ، وتوضح رواية أخرى أنه نافع بن الحارث الثقفي بينما تشير رواية رابعة إلى الأسود بن سريع التميمي (6) .
   ومن الملاحظ على تخطيط مدينة البصرة خلال هذه المرحلة عدم ثباته ، كما أن الملامح العمرانية المتعلقة بشوارع المدينة وأسواقها ومحلاتها ومنازلها مقاتليه لم تكتمل بعد (7) وذلك لإن الهدف من إنشاء المدينة كما ذكرنا سابقاً هو هدف عسكري يخدم الإحتياجات العسكرية للمقاتلين العرب ، حيث أشار البلاذري إلى أن المقاتلين العرب كانوا إذا أرادوا التوجه

 **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 336 . (2) انظر إبن رستة : الأعلاق ص 94 ، الطبري : الباريخ 3 / 591 .
(3) الطبري : التاريخ 4 / 43 .
(4) نفس المصدر السابق .
(5) البلاذري : الفتوح ص 341 ـ 342 .
(6) انظر خليفة : التاريخ ص 129 ، البلاذري : الفتوح ص 341 ـ 342 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 117 ، اليعقوبي : التاريخ 2 / 121 .
(7) ناجي : دراسات ص 175
.

جبهة البصرة   ـ 32 ـ

للقتال ( نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو ، فإذا رجعوا أعادوا بناءه ) (1) ، ولعل هذا يبدو واقعياً أمام عدم توزيع القبائل في خطط خاصة بهم أيام عتبة بن غزوان .
   بقيت البصرة على هذا الحال حتى ولى الخليفة عمر ( رض ) أبا موسى الأشعري مدينة البصرة سنة 16 هـ / 637 م ، وفي هذه الفترة شب حريق كبير في البصرة أتى على الكثير من بيوت المدينة بسبب مادة القصب التي إستخدمت في البناء فكان لا بد من إعادة بناء المدينة من جديد ، فبعث أبو موسى الأشعري بكتاب إلى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) يعلمه بخبر الحريق ويستأذنه ببناء المدينة من جديد بمادة اللبن ، فسمح الخليفة بذلك وكتب له قائلاً ( إفعلوا ، ولا يزيدن أحدكم على ثلاث أبيات ، ولا تطاولوا في البنيان ، وألزموا السنة تلزمكم الدولة ) (2) .
   ولعل تفكير العرب المسلمين إتجه نحو البناء بمادة اللبن بعد معركة نهاوند سنة 21 هـ / 641 م ، عندما قضي على الخطر الفارسي على العراق .
   ونتيجةً للتطورات العسكرية التي شهدتها البصرة في فترة أبي موسى الأشعري وفتحه لكثير من المناطق ، ساعد على إجتذاب الكثير من المقاتلين الجدد مما أدى ذلك إلى إزدياد عدد سكان البصرة ، فأمتزجت القبائل بعضها مع البعض الآخر لعدم وجود خطط مستقلة الأمر الذي دفع الخليفة عمر ( رض ) أن ينصح أبا موسى الأشعري ، بأن يجعل لكل قبيلة خطة مستقلة بها وأن تسمى الخطة بأسم القبيلة التي تسكنها (3) ، لذلك قسمت البصرة الى خمس خطط إدارية تدعى الأخماس (4) ، وهي :
(أ) خمس قبيلة بكر بن وائل .
(ب) خمس قبيلة تميم .
(ج) خمس قبيلة أهل العالية .
(د) خمس قبيلة الأزد .
(هـ) خمس قبيلة عبد القيس (5) .

 **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 342 .
(2) الطبري : التاريخ 4 / 44 .
(3) الدينوري : الأخبار الطوال ص 118 .
(4) ماسينون : خطط الكوفة ، ط 1 ، مطبعة العرفان ، صيدا ـ 1936 م ، ص 38 .
(5) ماسينون : خطط الكوفة ص 38 ، العلي : خطط البصرة ، مجلة سومر ، 388 ، خطط البصرة ومنطقتها ص 81 ـ 102 . ناجي : دراسات ص 138 ـ 139 ، العيدان : تخطيط مدينة البصرة ص 101 ، 106
.

جبهة البصرة   ـ 33 ـ

   كذلك أمر الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) أبو موسى الأشعري أن يجعل للمدينة شارعاً كبيراً بعرض ستين ذراعاً ، يكون بمثابة مربد المدينة أو سوقها على أن يكون مشاعاً بين المسلمين وليس ملكاً لأحد ، وأن يجعل لها شوارع فرعية بعرض عشرين ذراعاً ، وشوارع للأزقة بعرض سبعة أذرعة ، كما أوعز له أن يكون في وسط كل خطة رحبة فسيحة لربط خيول ساكنيها ويتخذ من بعضها مقبرة للموتى ، كما أمر الخليفة أن تكون المنازل المشيدة متلاصقة غير مبعثرة ، وان أول شيء يبنى في المدينة مسجدها وأن يوضع في وسطها بحيث تتفرع شوارع المدينة منه (1) وأن يبني إلى جانب المسجد دار الإمارة والسجن والديوان (2) ، فقد ذكر البلاذري ( ثم إن الناس إختطوا وبنوا منازلهم ، وبنى أبو موسى الأشعري المسجد ودار الإمارة بلبن وطين وسقفها بالعشب وزاد في المسجد ) (3) ، ويمكن أن نستدل من ذلك أن أبا موسى لم يغير موقع المسجد بل عمل على توسيعه وبنائه باللبن والطين وتسقيفه بالعشب ، ويذكر البلاذري أيضاً ( وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطاهم إلى القبلة على حاجز ) (4) .
   ومن هنا يتضح إن دار الإمارة لم تكن ملاصقة في بناءها للمسجد كما كان في الكوفه بل كان كل منهما يبعد عن الآخر ، ومن المعالم التي برز دورها في مدينة البصرة بعد بناءها هو سوق المربد الذي إشتهرت به مدينة البصرة (5) .
   وقد تحولت البصرة في منتصف القرن الأول الهجري إلى مدينة واسعة لها مرافقها الخاصة من أسواق وحمامات وجبانات وأزقة وقصور وسكك عرفت بأسماء القبائل أو أحد رجالاتها ، وأخذت تمتد عمرانياً بأتجاه الشرق ويستدل على ذلك من قول أياس بن معاوية قاضي البصرة ( شرق كل بلد أكثر من غربه ) (6) ، حيث بلغت مساحتها فرسخين

 **************************************************************
(1) الاعظمي : علي ظريف ، مختصر تاريخ البصرة ، مطبعة الفرات ، بغداد ـ 1927 م ، ص 11 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 341 ـ 342 .
(3) نفس المصدر السابق .
(4) نفس المصدر السابق .
(5) ياقوت : معجم البلدان 5 / 98 .
(6) البلاذري : أنساب الأشراف ، نشر ماكس شلوزنجر ، القدس ـ 1938 م ، ج 4 ، ق 2 ص 821
.

جبهة البصرة   ـ 35 ـ

في فرسخين أيام خالد بن عبد الله القسري (1) ، بعد أن كانت مساحتها في بداية تأسيسها قد إتخذت شكلاً ( مستطيلاً ) بطول فرسخين وعرض فرسخ (2) .

عوامل إختيار منطقة البصرة
   أما أهم العوامل التي ساعدت على إتخاذ منطقة البصرة قاعدة عسكرية للجيوش العربية التي توجهت لتحرير جنوب العراق هي :
( 1 ) العامل الجغرافي .
( 2 ) العامل البشري (*) .
( 3 ) العامل العسكري .

( 1 ) العامل الجغرافي
   لعب العامل الجغرافي دوراً ( كبيراً ) في إختيار منطقة البصرة ، قاعدة عسكرية للجيوش العربية الأسلامية في جنوب العراق ، وقد راعى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في إختياره لموقع البصرة طبيعة المهمة التي تم من أجلها إختيار هذه المنطقة وهي مهمة عسكرية تفرض عليه أن لا يهمل الجانب العسكري في هذا الإختيار ، فرأى أن المنطق العسكري

 **************************************************************
(1) أبن قتيبة : المعارف ص 564 ، أبن الفقيه : البلدان ص 190 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 34 .
(2) اليعقوبي : البلدان ، مذيل بكتاب الأعلاق النفيسة لإبن رسته ص 323 .
(*) يؤكد بعض الباحثين المحدثين في دراستهم لعوامل تأسيس البصرة على أن العامل الأقتصادي هو أحد العوامل الرئيسة في تأسيس البصرة ، في حين إنني أرى للعامل الأقتصادي دور ثانوي بالقياس إلى العامل البشري الذي كان له الأثر الكبير في إختيار منطقة البصرة كقاعدة عسكرية للجيوش العربية التي توجهت لتحرير الجنوبية من العراق ، لذا تم التركيز على هذا العامل دون الأخذ بالعامل الأقتصادي ، وحول هذا العامل انظر ، ناجي : عبد الجبار دراسات في تاريخ المدن العربية الإسلامية ، مطبعة جامعة البصرة ، 1986 م ، ص 108 ، عباس : عبد الرزاق نشأة مدن العراق وتطورها ، مطبعة الارشاد ، بغداد / 1977 م ، ص 36 ، 38 ، العيدان : تخطيط مدينة البصرة ص 56 / 58
.

جبهة البصرة   ـ 36 ـ

يقتضي أن لا توجد موانع طبيعية بين جيش المسلمين في هذه المنطقة ومركز القيادة العربية في المدينة المنورة ، لكي تضمن بذلك السيطرة على طرق المواصلات التي تصل بينهما .
   ويتضح من النصوص التاريخية التي أوردها كل من البلاذري والطبري وياقوت (1) ، أن الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) إهتم إهتماماً خاصاً بإختيار موقع البصرة ، حيث تغير هذه النصوص إلى أن إختيار هذا الموقع جاء بناءاً على الأمر الذي اصدره الخليفة عمر ( رض ) إلى قائده عتبة بن غزوان يأمره فيه بالتوجه إلى جنوب العراق وأن يختار بقعة أرض تتاخم بلاد فارس على طرف الصحراء (2) ، وإلى ذلك أشار عتبة بن غزوان بقوله حين إتخذ موقع البصرة ( إن أمير المؤمنين أمرني أن أنزل أقصى البر من أرض العرب ، وأدنى أرض الريف من أرض العجم ) (3) .
   وقد إشترط الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في إختيار هذا الموقع أن لا يفصل بينه وبين المدينة المنورة نهراً أو بحراً (4) ، فقد قال لعتبة بن غزوان ( لا حاجة لي في شيء بيني وبينه دجلة تتخذه مصراً ) (5) ، وذلك ليكون مركز القيادة العربية على إتصال دائم به ، مما يسهل وصول الإمدادات والمؤن العسكرية دون أن يعيقها حاجز طبيعي وأن يكون هذا الموقع صالح لإقامة الجند قريب من الماء والمرعى ، ويتضح ذلك من قوله لقائده عتبة بن غزوان ( إجمع أصحابك في موضع واحد وليكن قريباً من الماء والمرعى ) (6) .

ً **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 336 ، 341 ، الطبري 3 / 591 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 432 .
(2) انظر البلاذري : الفتوح ص 341 ، المقدسي : أحسن التقاسيم ص 117 ، إبن الأثير : الكامل : 2 / 486 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 432 ، إبن خلدون : عبد الرحمن بني محمد ، التاريخ ، بيروت ـ 1966 م ، 2 / 942 .
(3) الطبري : التاريخ 3 / 594 ، نعمان بن محمد بن العراق : معدن الجواهر بتاريخ البصرة والجزائر ، تحقيق د . محمد حميد الله ، مجمع البحوث الإسلامية ، إسلام آباد ، باكستان ـ 1973 م ، ص 21 .
(4) انظر إبن سعد : محمد بن منيع البصري : الطبقات الكبرى دار صادر ـ دار بيروت 1957 م ، 7 / 6 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 430 .
(5) ياقوت : معجم البلدان 1 / 431 .
(6) البلاذري : الفتوح ص 341
.

جبهة البصرة   ـ 37 ـ

   ومن الملاحظ على منطقة البصرة أنها تمتاز بموقعها العسكري الطبيعي ، حيث أنها تسيطر على مدخل العراق الجنوبي من الناحية العسكرية ، ويوضح المقدسي ذلك حين يصف موقع البصرة بقوله (مدينة بين فارس وديار العرب وحد العراق على بحر الصين ) (1) ، ولموقع البصرة بالقرب من الخليج العربي وشط العرب وإحاطتها بمنطقة البطائح من الشمال (2) ، جعلها تمتاز بناحية دفاعية وتكون ذات موضع حصين ، إذ بالإمكان صد هجمات العدو المتآتية من الشرقية أو الشمالية .
   كما أن موقعها على طرف الصحراء أضمن للسلامة إن دعت الضرورة إلى الإتصال السريع بداخل الجزيرة العربية لمواجهة أي خطر يداهمها من قبل القوات الفارسية .

( 2 ) العامل البـشـري
لقد راعى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في إختياره لمنطقة البصرة قربها من مواطن إستقرار القبائل العربية ، حيث كان لإنتشار هذه القبائل في بادية البصرة ، وتصديها للوجود الفارسي في هذه المنطقة الأثر الكبير في توجيه أنظار الخلافة إلى أهمية هذه المنطقة ، وهذه القبائل التي غدت فيما بعد تشكل رافداً مهماً وأساسياً للقوات العربية والإسلامية حيث كانت أكثر القوات المشاركة في عمليات التحرير العربي من هذه القبائل .
   لقد كان في بادية البصرة قبيل حركات التحرير العربي لهذه المنطقة مجموعات من القبائل العربية ، والتي كانت من أبرزها قبيلتا تميم وبكر بن وائل وبعض بطونها .
   فأما تميم فهم بطن من مضر من العدنانية (3) ، وهي من القبائل العربية

 **************************************************************
(1) المقدسي : أحسن التقاسيم ص 117 .
(2) انظر إبن رسته : الأعلاق ص 94 ـ 95 ، الأصطخري : مسالك الممالك ص 56 ، 57 ، المقدسي : أحسن التقاسيم ص 117 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 77 .
(3) وهم تميم بن مر بن أد بن طابخة بن ألياس بن مضر .
انظر إبن الكلبي : أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، جمهرة النسب ، تحقيق ناجي حسن ، ط 1 ، مكتبة النهضة العربية ، بيروت ـ 1986 م ، 1 / 189 ـ 191 ، إبن قتيبة : المعارف ص 75 ـ 76 ، إبن حزم : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، جمهرة أنساب العرب ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، دار المعارف ، مصر ـ 1962 م ، ص 228 ، 229 ، البكري : معجم ما إستعجم 1 / 88 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 653 ، القلقشندي : العباس أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، تحقيق علي الخاقاني ، مطبعة الدباغ ، بغداد 1958 م ، ص 188
.

جبهة البصرة   ـ 38 ـ

العظام (1) ، لذلك أطلق عليها عدة ألقاب منها الجفان والجماجم والإرحاء (2) .
   إرتحلت بنو تميم من منازلها في نجد الى البحرين فنزلوا ما بين هجر واليمامة في منازل ومناهل كانت لقبيلة أياد وساروا عنها إلى العراق (3) ، فأنتشروا في بادية البصرة (4) ، على مقربة من ديار بكر بن وائل ، ويذكر الأصطخري ( أن بادية البصرة كانت أكثر بوادي العرب أحياء وقبائل وأكثرهم تميم ) (5) ، ولقد وردت إشارات تبين منازل استقرار قبيلة تميم وبعض بطونها في بادية البصرة والمناطق القريبة منها ومن بين هذه المنازل :
  نـطـاع : هي وادي ونخيل بين البصرة والبحرين ، لبني مالك بن سعد أحد بطون قبيلة تميم (6) .
الدو : بلد لبني تميم ، ما بين البصرة واليمامة (7) .

 **************************************************************
(1) إبن حزم : الجمهرة 1 / 488 .
(2) انظر إبن حزم : الجمهرة 2 / 487 ، الحازمي : أبو بكر محمد بن أبي عثمان الحازمي الهمداني ، عجالة المبتدى وفضالة المنتهى في النسب ، تحقيق عبد الله كنون ، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، القاهرة 1384 هـ ـ 1965 م ، ص 5 .
الجـفـان : قال إبن سيده ، الجف ، الجمع الكثير من الناس ، وفي الحديث الجفاء في هذين الجفين : ربيعة ومضر وهو العدد الكثير والجماعة من الناس ومنه قيل لبكر وتميم الجفاف . انظر إبن منظور : لسان العرب 9 / 29 .
الجـمـاجم : الجمجة رؤساء القوم وجماجم القوم ساداتهم ، وقيل جماجمهم القبائل التي تجمع البطون وينسب إليها دونها . انظر إبن منظور : لسان العرب 12 / 110 .
الإرحاء : لقب يطلق على القبائل المتميزة بقوتها وعددها على سائر قبائل العرب ، وسميت إرحاء لأنها حمت دوراً ومياهاً ومرابع لم يكن للعرب مثلها فدارت في دورها دور الرحى على أقطابها .
انظر الحازمي : عجالة المبتدى ص 5 .
(3) البكري : معجم ما إستعجم 1 / 88 .
(4) أبو عبيدة معمر بن المثنى ، النقائض ، طبعة ليدن ، بريل ـ 1905 م ، 2 / 1030 ، الأصطخري : مسالك الممالك ص 21 ، إبن حوقل : صورة الأرض ص 29 ، القلقشندي : نهاية الإرب ص 188 .
(5) الأصطخري : مسالك الممالك ص 25 .
(6) ياقوت معجم البلدان 5 / 291 .
(7) البكري : معجم ما إستعجم 2 / 566
.

جبهة البصرة   ـ 39 ـ

فلح : وادي بين البصرة وحمى خربه من منازل عدي بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم (1) .
فليح : موضع قريب من الأجفار ، بين البصرة واليمامة ، لبني مازن وهم بطن من بطون قبيلة تميم (2) .
الجرباء : ماء لبني سعد بن زيد بن مناة ، بين البصرة واليمامة (3) .
الإقحوانة : موضع من بلاد بني تميم بين البصرة والنباح (4) .
الشيطان : موضع بين البصرة والكوفة لبني دارم بطن من بطون بني تميم (5) .
الجفار : ماء لبني تميم ، بين الكوفة والبصرة (6) .
العذيب : وادي بين البصرة والكوفه على مقربة من الكوفة ، سكنته بني يربوع بن حنظلة من تميم (7) .
الدهناء : وادي على الطريق من البصرة الى مكة ، سكنته بني تميم (8) .
رامه : منزل في طريق البصرة الى مكة ، وهي آخر بلاد بني تميم ، بينها وبين البصرة إثنا عشرة مرحلة (9) .
   ومن خلال هذا الإنتشار لبني تميم يمكننا أن نستنتج ، إن قبيلة تميم ببطونها قد سكنت منطقة واسعة إمتدت ما بين اليمامة والبصرة حتى وادي العذيب من أرض الكوفة إلا أن التواجد الرئيسي لهذه القبيلة كان في بادية البصرة .

 **************************************************************
(1) ياقوت : معجم البلدان 3 / 272 .
(2) انظر ياقوت : معجم البلدان 3 / 276 ، 4 / 243 .
(3) ياقوت : معجم البلدان 2 / 118 .
(4) ياقوت : المشترك ص 26 .
(5) انظر البكرى : معجم ما إستعجم 4 / 1156 ، ياقوت : معجم البلدان 3 ، 385 .
(6) ياقوت : معجم البلدان 2 / 144 .
(7) إبن دريد : إبو بكر محمد بن الحسن ، الإشتقاق ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، مطبعة السنة المحمدية ـ 1958 م ، ص 224 ، البكرى : معجم ما إستعجم 3 / 927 ، ياقوت : المشترك ص 305 ، معجم البلدان 4 / 92 .
(8) ياقوت : معجم البلدان 2 / 493 .
(9) ياقوت : البلدان 3 / 18
.

جبهة البصرة   ـ 40 ـ

   ومما يدل على كثرة قبيلة تميم وإنتشار بطونها قي بادية البصرة ذلك النشاط الذي إضطلعت به هذه القبيلة في تصديها للفرس في هذه المنطقة قبيل حركات التحرير العربي الإسلامي لها ، حيث ترد الإشارة إلى أن قادة من تميم كانوا يشنون الهجمات على مراكز الوجود الفارسي في جنوب العراق ، كحرملة بن مريطة وسلمى بن القين ، بقوة بلغ عددها أربعة آلاف مقاتل من تميم والرباب (1) ، تلك القوة التي أصبحت تشكل جزءاً اساسياً من قوات خالد بن الوليد بعد إنضمامها إليه أثناء قدومه إلى جنوب العراق سنة 12 هـ / 633 م ، والتي ساهمت معه في أول معركة خاضها ضد الفرس في منطقة كاظمة في معركة ذات السلاسل بعد أن جمعهم خالد بن الوليد تحت إمرة عاصم بن عمرو التميمي (2) .
   وقد إستمرت قبيلة تميم في تصديها للوجود الفارسي في جنوب العراق بعد توجه خالد بن الوليد إلى منطقة الحيرة ، ومما يؤكد ذلك هو أنه بعد إنتصار العرب على الفرس في معركة البويب حاولت قوة من الفرس بقيادة الأنوشجان بن الهربذ خرجت من سواد البصرة ، مهاجمة القوات العربية الإسلامية في منطقة غضى بحيال البصرة ، فتصدت لهذه القوة الفارسية ، قوات من تميم كانت تحت أمرة كل من المستورد وعبد الله بن زيد يسانده ، على الرباب ، وجزء بن معاوية وأبن النابغة يسانده على سعد ، والحصين بن ينار والأعور بن بشامة يسانده على عمرو ، والحصين بن معبد والشبه يسانده على حنظلة ، حيث إستطاعت هذه القوات من قتل الأنوشجان وتشتيت قواته (3) .
   وعندما أرسل الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) عتبة بن غزوان الى منطقة البصرة سنة 14 هـ / 635 م ، إنضم مقاتلوا قبيلة تميم إلى قوات عتبة بن غزوان ، وإلى ذلك أشار البلاذري بقوله ( أتاها عتبة وإنضم إليه سويد بن قطبة ومن معه من بكر بن وائل وبني تميم ) (4) .
   وأزاء الدور الكبير الذي لعبته قبيلة تميم في تصديها للوجود الفارسي في جنوب العراق ، وكثرة أعدادها في منطقة البصرة وباديتها ، قد غدت تشكل الرافد الأساسي في تشكيل جيش جبهة البصرة .

 **************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 3 / 347 ، ياقوت : المشترك 104 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 452 .
(2) الطبري : التاريخ 3 / 348 .
(3) الطبري : التاريخ 3 / 502 ـ 503 .
(4) البلاذري : الفتوح 336
.

جبهة البصرة   ـ 41 ـ

   أما بكر بن وائل فهم بطن من ربيعة من العدنانية (1) ، وهي من القبائل العربية المعروفة بكثرة أعدادها وسعة منازلها لذلك لقبت بعدة ألقاب منها الجفان والإرحاء والجماجم والروقان (2) .
   كانت منازل بكر بن وائل مع سائر قبائل ربيعة في بلاد نجد والحجاز وإطراف تهامة (3) ، وعلى أثر نزاعها مع تغلب إضطرت للنزوح إلى اليمامة والبحرين (4) ، وبعد إستقرار قبيلة بكر بن وائل في البحرين ونتيجة إلى وفود قبيلة عبد القيس من منازلها بتهامة إلى البحرين ومزاحمتها لبكر بن وائل إندفعت قبيلة بكر بن وائل بأتجاه العراق (5) .
   وقد رسم الهمداني عن ذكر منازل بكر بن وائل بقوله ( من تهامه إلى البحرين سيف كاظمة إلى البحر فالأبلة فهيت ) (6) خارطة حدد فيها منازل إستقرار العرب بكر بن وائل منذ إنتقالها من تهامة وحتى إنتشارها في بادية العراق .

 **************************************************************
(1) هم بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة .
انظر إبن الكلبي : جمهرة النسب 3 / 485 ، إبن قتيبة : المعارف ص 96 ـ 97 ، إبن حزم : الجمهرة 2 / 302 ، إبن عبد البر : أبو عمر يوسف ، الأبناة على قبائل الرواة ، مذيل مع كتاب قصد الأمم في التعريف بإصول أنساب العرب والعجم للمؤلف نفسه ، مطبعة السعادة ، القاهرة ـ 1350 هـ ، ص 96 ـ 97 ـ الحازمي : عجالة المبتدى ، القلقشندي : نهاية الإرب ص 178 ، قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، دار الكتب الحديثة ، ط 1 ، 1913 م ، ص 130 .
(2) انظر إبن حزم : الجمهرة 2 / 478 ، الحازمي : عجالة المبتدى ص 5 .
الروتان : تثنية الروق ، وأراد بها هاهنا الحرب الشديدة . انظر إبن منظور : لسان العرب 1 / 131 .
(3) انظر البكرى : معجم ما إستعجم 1 / 67 ، 85 ـ 86 .
(4) انظر البلاذري : الفتوح ص 89 ، الهمداني : الحسن بن أحمد بن يعقوب ، ضفة جزيرة العرب ، تحقيق محمد بن علي الأكوع ، دار اليمامة ، 1974 م ، ص 319 ، البكرى : معجم ما إستعجم 1 / 80 ، 83 ، 85 ـ 86 ، شليفر : دائرة المعارف الإسلامية ، مادة بكر بن وائل ، 4 / 41 ـ 43 .
(5) انظر البلاذري : الفتوح ص 89 ، البكري : معجم ما إستعجم 1 / 80 ـ 86 ، القلقشندي : صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، المطبعة الأميرية ، القاهرة ـ 1913 م ، 1 / 737 .
(6) الهمداني : الصفة ص 319 ، البكرى : معجم ما إستعجم 1 / 86
.

جبهة البصرة   ـ 42 ـ

   ومن هذا التوزيع العام نستطيع أن نحدد إنتشار قبيلة بكر بن وائل في بادية البصرة والمناطق القريبة منها قبل بدء حركات التحرر العربي ، من خلال الإشارات التي تبين إنتشارها في هذه المنطقة ، ومن بين منازلها هي :
  كلاوتان : وهما مائتان لبكر بن وائل في بادية البصرة بأتجاه كاظمة (1) .
  الأغدرة : وهي أغدرة السيدان موضع وراء كاظمة بين البصرة والبحرين قريب من البصرة من منازل بكر بن وائل (2) .
  الفراض : وهو موضع قريب من فليح بين البصرة واليمامة من ديار بكر بن وائل (3) .
   وكانت منازل بنو عجل بن لجيم وهم بطن من بطون بكر بن وائل (4) ، تمتد من اليمامة حتى بادية البصرة (5) ، وكذلك نزل اللهازم وهم بطن آخر من بطون بكر بن وائل (6) ، النباج ( وهو موضع بين البصرة واليمامة ) (7) ، وثيتل ( وهو ماء قرب النباج بينه وبين النباج روضة المقاصد من البصرة ) (8) ، حيث قيل أن النباج والثيتل موضعان متدانيان بينهما دوج ينزلهما اللهازم من بكر (9) .
   وتشير المصادر إلى أن اللهازم كانوا حلفاء لبني عجل (10) ، ويبدو من خلال ذلك أن إستقرارهم كانت على مقربة من منازل إستقرار بنو عجل أو أنهم سكنوا مواضع مشتركة من بني عجل دفعهم إلى التحالف معهم ، إلا أن الإشارات التي وردت لم توضح أسباب هذا التحالف

 **************************************************************
(1) ياقوت : معجم البلدان 4 / 475 .
(2) ياقوت : معجم البلدان 1 / 223 ـ 224 .
(3) ياقوت : معجم البلدان 4 / 243 .
(4) عن أنسابهم انظر قتيبة : المعارف ص 97 ، إبن دريد : الإشتقاق 344 ، 745 ، إبن حزم : الجمهرة ص 309 ، إبن عبد البر : الأنباه ص 97 .
(5) إبن خلدون : التاريخ 2 / 626 ، القلقشندي : قلائد الجمان ص 131 ، نهاية الإرب ، ص 350 ـ 351 .
(6) عن أنسابهم انظر أبو عبيدة : النقائض 2 / 728 ، إبن قتيبة : المعارف ص 98 ، البكرى : معجم ما إستعجم 4 / 1291 ، القلقشندي : نهاية الإرب ص 157 .
(7) ياقوت : معجم البلدان 5 / 255 .
(8) ياقوت : معجم البلدان 2 / 89 .
(9) البكرى : معجم ما إستعجم 4 / 1291 ، الحميري : أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد المنعم ، الروض المعطار في خبر الأقطار ، تحقيق د . إحسان عباس ، مكتبة لبنان ـ بيروت ، ص 572 .
(10) أبو عبيدة : النقائض 2 / 728 ، إبن قتيبة : المعارف ص 98 ، القلقشندي : نهاية الإرب ص 157
.

جبهة البصرة   ـ 43 ـ

كذلك وردت إشارات حول منازل إستقرار بنو شيبان وهم بطن من بطون بكر بن وائل (1) ، في بادية البصرة ومنها :
  كاظمة : هي ماء تقع على ساحل البحر في طريق البحرين من البصرة ، بينها وبين البصرة مرحلتان (2) ، وقد ذكر إبو الفرج الأصفهاني أن كاظمة من منازل بني عجل (3) ، بينما عدها كل من إبن قتيبة والبكري على أنها من مياه بني شيبان (4) ، وما يدلنا على ذلك هو ما ذكره المحدث أبي عمر الشيباني ( ت 206 هـ / 821 م ) ( أذكر أني سمعت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا أرعى إبلاً لإهلي بكاظمة ) (5) ، ولكن هذا لا يلغي وجود بعض البطون الأخرى من بكر في كاظمة مع بني شيبان ، ولكن مياه كانت بحوزة بني شيبان على الأغلب .
   ثيتل : وهي ماء قرب النباج (6) ، وقد عدها الأصمعي من مياه ومنازل بني شيبان (7) ، أما أبو عبيدة فقد ذكر أنها من منازل اللهازم من بني بكر (8) ، ولعلها تعتبر من المياه المشتركة لبطني من بطون بكر بن وائل هما اللهازم وبنو شيبان .
   سفوان : وهو ماء يقع جنوب البصرة على بعد أربعة أميال منها بالقرب من جبل سنام (9) ، ويعتقد أن سفوان من المياه المشتركة بين بني شيبان وبني مازن من تميم (10) .

 **************************************************************
(1) عن أنسابهم انظر : إبن الكلبي : جمهرة النسب 3 / 386 ـ 387 ، إبن قتيبة : المعارف ص 99 ، إبن دريد : الإشتقاق ص 372 ، إبن حزم : الجمهرة ص 321 ، الحازمي : عجالة المبتدى ص 79 ، السمعاني : إبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي ، الأنساب ، تحقيق الشيخ عبد الرحمن بني يحيى ، ط 1 ، حيدر آباد ، الهند ـ 1962 م ، 6 / 343 ، ياقوت : المقتضب من كتاب جمهرة النسب ، تحقيق ، د . ناجي حسن ، ط 1 ـ 1987 م ، 2 / 184 ـ 185 ، إبن الأثير : اللباب في تهذيب الأنساب ، مكتبة القدس القاهرة 1356 هـ ، 2 / 36 ، النويري : شهاب الدين أحمد إبن عبد الوهاب ، نهاية الإرب في فنون الأدب ، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب ـ القاهرة ، 2 / 332 ـ 333 ، إبن خلدون : التاريخ ، 2 / 625 ، القلقشندي : نهاية الإرب ص 286 ، 309 . صبح الأعشى 1 / 338 .
(2) انظر لغده الأصفهاني : بلاد العرب ص 30 ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 431 .
(3) أبو الفرج الأصفهاني : الإنحاني 2 / 125 ـ 127 .
(4) إبن قتيبة : المعارف ص 426 ، البكرى : معجم ما إستعجم 4 / 1110 .
(5) نفس المصادر السابقة .
(6) ياقوت : معجم البلدان 2 / 89 .
(7) البكرى : معجم ما إستعجم 1 / 351 .
(8) نفس المصدر السابق .
(9) انظر البكرى : معجم ما إستعجم 1 / 740 ، 758 ـ 759 ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 225 ـ 226 .
(10) البكرى : معجم ما إستعجم 3 / 470 .

جبهة البصرة   ـ 44 ـ

الخربية : وهي من أماكن إستقرار سدوس وهم بطن من بطون شيبان في منطقة البصرة ، ومما يؤكد ذلك الهجمات التي كان يشنها سويد بن قطبة بن قتادة السدوسي (1) مع أفراد قبيلته على الفرس في هذه المنطقة قبل بدء حركات التحرير العربي الإسلامي لها ، والذي إنظم بقواته إلى خالد بن الوليد عند قدومه إلى منطقة البصرة (2) ، وبعد توجه خالد بن الوليد إلى منطقة الحيرة إستمر سويد بن قطبة مع أفراد قبيلته بالتصدي للوجود الفارسي في هذه المنطقة حتى قدوم عتبة بن غزوان حيث إنظم إليه سويد بن قطبة مع من كان معه من بكر وتميم (3) .
   من خلال ما تقدم نستطيع أن نتبين من إنتصار بكر بن وائل وبطونها في أرض الحجاز ثم البحرين فالعراق إنها كانت على مقربة من منازل إستقرار قبيلة تميم لذا فهي تجاورت وتداخلت معها أحياناً ، على أن هذا التقارب ساعد على إثارة النزاع بين القبيلتين حول الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة (4) ، ولكن الصفة المشتركة لكل من هاتين القبيلتين العربيتين هو تصديهما للوجود الفارسي في العراق قبل بدء حركات التحرير العربي الإسلامي ، حيث أبلت كل منهما بلاءاً حسناً في الوقوف بوجه الفرس في العراق حتى تكلل هذا التصدي بإنتصار العرب على الفرس في موقعة ذي قار (5) ، هذا بالإضافة إلى دورهما البارز أثناء سير حركات التحرير ومشاركتهما مع الجيوش العربية الإسلامية في تحرير العراق ومن ثم فتح بلاد فارس .

 **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 335 ، إبن أعثم : أبو محمد بن أعثم الكوفي ، كتاب الفتوح ، ط 1 ، مطبعة مجلس دائرة المعاف العثمانية ـ حيدر آباد ، الهند ـ 1388 هـ / 1968 م ، 1 / 90 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 430 ـ 431 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 335 .
(3) البلاذري : الفتوح ص 336 .
(4) انظر أبو عبيدة : النقائض 2 / 1030 ، البكرى : معجم ما إستعجم 4 / 1156 .
(5) موقعة ذي فار : هي الموقعة التي حدثت بين عرب يكر بن وائل وبين الفرس في منطقة ذي قار ، وإستطاع العرب في هذه الوقعة أن يهزموا الفرس شر هزيمة ويحرزوا النصر رغم قوتهم القليلة العدد قياساً بعدد القوات الفارسية ، وقد وصلت أصداء هذا الأنتصار إلى كافة أنحاء الجزيرة العربية ، ويتجسد ذلك بقول الرسول ( صلى الله عليه و آله ) عندما وصلت أخبار هذا الإنتصار هذا أول يوم إنتفت فيه العرب على العجم ، وبي نصروا .
أنظر اليعقوبي : التاريخ 2 / 35 ، الطبري : التاريخ 2 / 192 وما بعدها ، المسعودي : مروج الذهب 1 / 227 ـ 228 . العلي : محاضرات في تاريخ العرب ، مطبعة الإرشاد : بغداد ـ 1967 م ، 48 ، ص 70 ـ 71 .

جبهة البصرة   ـ 45 ـ

( 3 ) العامل العسكري
   يعد هذا العامل الباعث الرئيسي في إختيار جبهة البصرة ، الذي تجسد برغبة الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في إيجاد قاعدة عسكرية في جنوب العراق ، تنطلق منها القوات العربية الإسلامية لتحرير جنوب العراق ومن ثم الإنصياع منها إلى المناطق الشرقية حيث تتواجد القوات الفارسية التي بدأ العرب المسلمون في مناهضتها والإصطدام بها ، وقد تميزت منطقة البصرة بمميزات كان من شإنها أن جذبت أنظار الخلافة العربية إلى أهمية هذه المنطقة عسكرياً ، ويمكن إجمال هذه المميزات بما يأتي :

( 1 ) منطقة مواجهة
   تعد منطقة البصرة منطقة مواجهة للعدو الفارسي ، لوجود العديد من المسالح الفارسية فيها كالأبلة والخريبة وكاظمة والمنجشانية (1) ، وتعد مسلحة الابلة أبرز هذه المسالح ، لوجود قوة فارسية قوية فيها ويبدو أن هذه القوة كانت أكبر قوة فارسية في جنوب العراق حيث ذكر سيف بن عمر ( ت 200 هـ / 815 م ) ( وكان فرج الهند ـ الأبلة ـ أعظم فروج فارس شأناً واشدها شوكة . . . ( (2) ، وقد عرف عن قائد هذه القوة الفارسية ( هرمز ) بكراهيته للعرب وبمعاملته السيئة لهم وإلى ذلك أشار سيف بقوله ( . . . وكان صاحبه ـ ثغر الهند ـ يحارب العرب في البر والهند في البحر ) (3) وذكر أيضاً أنه ( كان من أسوء أمراء ذلك الفرج جواراً للعرب ) فكل العرب عليه مغيظ ، وقد كانوا ضربوه مثلاً في الخبث حتى قالوا : ( أخبث من هرمز ، وأكفر من هرمز ) (4) .
   وقد دفعت المعاملة السيئة لإمراء المسالح الفارسية ، القبائل العربية المنتشرة في بادية البصرة إلى شن الهجمات المتكررة على هذه المسالح (5) ، وقد إتخذت هذه الهجمات شكلاً منظماً بعد الإنتصار الكبير الذي حققته قبيلة بكر بن وائل على الفرس في معركة ذي قار ، فبدأت القبائل العربية تشن الهجمات المتتالية على الأطراف الغربية من إمبراطورية الفرس ، هذا ما إضطر الفرس إلى إتباع طريقة

 **************************************************************
(1) أنظر البلاذري : الفتوح ص 336 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 117 ، أبن رسته : الأعلاق ص 107 ـ 108 ، الطبري : التاريخ 2 / 55 ، 3 / 591 ، قدامه : الخراج ص 354 ـ 361 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 77 ، 208 .
(2) الطبري : التاريخ 3 / 348 .
(3) أنظر المصدر السابق .
(4) أنظر المصدر السابق .
(5) شلبي : أحمد ، التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ، القاهرة ـ 1974 م ، 1 / 112 .

جبهة البصرة   ـ 46 ـ

المصانعة والمهادنة في تعاملهم مع كبرى القبائل العربية التي بجوارهم وخاصةً قبيلة بكر بن وائل ، حيث أقطعوا الأبلة والمناطق المحيطة بها إلى رئيس قبيلة بكر بن قيس بن مسعود الشيباني (1) .
   إلا أن هذا الأجراء لم يثني القبائل العربية من مواصلة تصديها للقوات الفارسية حيث ذكرت المصادر إلى أن قادة من قبيلتي بكر بن وائل وتميم كانوا يشنون الهجمات على الفرس في هذه المنطقة كسويد بن قطبة ، وسلمى بن القين ، وحرملة بن مريطة (2) .
   ومن خلال هذه الهجمات إتضحت للخليفة أبو بكر الصديق ( رض ) الأهمية الأستراتيجية العسكرية للبصرة كمنطقة مواجهة للقوات الفارسية ، فيعمل على إرسال خالد بن الوليد (3) لدعم القوات العربية الموجودة في هذه المنطقة لمواصلة مواجهتها وتصديها للقوات الفارسية وليعمل على ضرب المسالح الفارسية الموجودة في منطقة البصرة كالأبلة والخريبة وكاظمة والمنجشانية ، كي لا تشكل خطر يهدد مؤخرة قواته وهي متجهة إلى منطقة الحيرة .

( 2 ) منطقة مشاغلة
   أدرك الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) أن المعركة الفاصلة بين القوات العربية الإسلامية والقوات الفارسية أصبحت وشيكة في منطقة القادسية وأنه من الطبيعي أن الفرس سوف يحشدون كل قواتهم لها ، لذا أراد الخليفة عمر ( رض ) أن يشتت هذه القوات ويمنع الإمدادات التي قد يرسلها الفرس من منطقة البصرة لإسناد قواتهم في معركة القادسية ولما كان الخليفة عمر ( رض ) يدرك أهمية موقع البصرة العسكري في إمداد الجيش الفارسي في منطقة القادسية بالأسلحة والمؤن والمقاتلين ، وذلك لوجود الحاميات الفارسية فيها ، فإنه يعمل على إرسال عتبة بن غزوان (4) ، على رأس قوة صغيرة لمشاغلة القوات الفارسية بتلك المنطقة وحواليها عن طريق تصعيد العمليات العسكرية التي كان يشنها سويد بن قطبة ، فيمنع القوات الفارسية من التحرك شمالاً لنجدة إخوانهم في معركة القادسية ، ويتضح ذلك

 **************************************************************
(1) أبو الفرج الأصفهاني : الإنحاني 20 / 173 .
(2) أنظر البلاذري : الفتوح ص 335 ، الطبري : التاريخ 3 / 247 ، ياقوت : المشترك ص 104 ، معجم البلدان 1 / 430 ـ 431 ، .
(3) أنظر خليفة : التاريخ ص 117 ، البلاذري : الفتوح ص 247 ، إبن الأثير : الكامل 2 / 384 .
(4) خليفة : التاريخ ص 127 ، البلاذري : الفتوح ص 326 ، .

جبهة البصرة   ـ 47 ـ

من قول الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) إلى قائده عتبة بن غزوان عندما وجه الى أرض البصرة موضحاً له البعد العسكري من إتخاذها منطقة مشاغلة ( يا عتبة إن إخوانك من المسلمين قد غلبوا على الحيرة ، وما يليها . . . وقد بعثتك في هذا الجيش ، فإقصد قصد أهل الأحواز ، فأشغل أهل تلك الناحية ، أن يمدوا أصحابهم بناحية السواد على إخوانكم الذين هناك ، وقاتلهم مما يلي الأبلة ) (1) .
   وبتوسع العمليات العسكرية لمنطقة البصرة ووصول قواتها إلى إقليم الأحواز يزداد دور هذه القوات في الضغط على القوات الفارسية ومشاغلتها ، وذلك عندما أسند الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) إلى قوات البصرة مهمة الضغط على القوات الفارسية عن طريق مشاغلتها في هذا الإقليم لمنع أرسال الإمدادات والمؤن من هذه المنطقة والمناطق الجنوبية من بلاد فارس إلى القوات الفارسية التي أخذت تتحشد في نهاوند لملاقاة القوات الكوفية ، حيث وصلت أوامر الخليفة عمر ( رض ) إلى قادة قوات البصرة في إقليم الأحواز وهم سلمى بن القين ، وحرملة بن مريطة ، وزر بن كليب ، والمقترب الأسود بن ربيعة ـ الذين يمثلون الثلث الثالث من جند البصرة الذي تحدث عنه الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) عمر بن الخطاب ( رض ) (2) ـ أن يشغلوا الفرس في هذه المنطقة عن الإشتراك في معركة نهاوند قائلاً ( أن أشغلوا فارس عن إخوانكم وحوطوا بذلك إمّتكم وأرضكم ، وأقيموا على حدود ما بين فارس والأحواز حتى يأتيكم أمري )(3) .

 **************************************************************
(1) الدينوري : الأخبار الطوال ص 116 ، أنظر ايضاً البلاذري : الفتوح ص 336 ، الطبري : التاريخ 3 / 590 ـ 591 .
(2) عندما إجتمع الفرس بنهاوند ووصلت أخبار هذا التحشد إلى الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) قرر الخروج بنفسه لملاقاة الفرس ومعالجة هذا الخطر الداهم ، ولكن أسباب الشورى وعلى رأسهم الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) نصحوه أن يبقى في المدينة ، حيث أشار عليه الخليفة علي بن طالب ( ع ) قائلاً :
أقم وأقرر هؤلاء في أمصارهم ، وأكتب إلى أهل الكوفة فهم اعلام العرب ورؤساؤهم ومن لم يحفل بمن هو أجمع واحد وأجد من هؤلاء ، فليأتهم الثلثان وليقم الثلث ، وأكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فرق ، فلتقم فرقة لهم في حرمهم وذراريهم ، ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينتفضوا عليهم ، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مدداً لهم .
أنظر الطبري : التاريخ 4 / 124 ـ 125 ، إبن أعثم : الفتوح 2 / 39 . إبن الأثير : الكامل 3 / 3 .
(3) الطبري : التاريخ 4 / 127 .

جبهة البصرة   ـ 48 ـ

وبذلك أثبتت جبهة البصرة دورها في مشاغلة القوات الفارسية سواء كان في منطقة البصرة أو خارجها لكي تتيح الفرصة للقوات العربية الموجودة في جبهة الكوفة لمواصلة مهمة تدميرها للقوات الفارسية وتحريرها الاراضي العراقية ومن ثم الإنصياع في بلاد فارس .

( 3 ) قاعدة إمداد
   لقد كان للمستلزمات والمتطلبات العسكرية دور كبير في إختبار منطقة البصرة ، حيث أريد لها أنه تكون قاعدة تموين وعده وإمداد وظهيراً لحملات التحرير العربي الإسلامي لأرض العراق وبلاد فارس خاصة بعد توغل العرب في عملياتهم التحررية إلى مناطق واسعة خارج الجزيرة العربية فأبعدتهم هذه العمليات عن قاعدتهم الأساسية وهي المدينة المنورة ، فكان لابد من المحافظة على خطوط ومواصلات الجيش العربي الإسلامي بعد توغله في أرض العراق وبلاد فارس ، لذا دعت الحاجة إلى وجود مثل هذه القاعدة العسكرية الثابتة لكي تتخذها القيادة العربية الإسلامية كنطقة إرتكاز وقاعدة حربية ، لإقامة المقاتلين ومقراً لراحتهم بعد إنصرافهم من القتال ، ولينطلقوا منها لمواصلة تقدمهم ، ولتكون مركزاً لإمداد هذه الجيوش أثناء القتال ولتموينها بالجند والمؤن (1) ، كما أراد الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) أن تكون داراً لهجرتهم ومستقراً لإقامتهم ومعسكراً لحاميتهم ، يسيطرون منها على العراق وفارس ، ويحرزون ثغورهم ، ويمدون أهل الأمصار (2) .
   ويمكن أن نتبين الدور الذي لعبته البصرة في عملية إمداد الجيوش المتقدمة من خلال مساهمتها الفعالة في المعارك المهمة والحاسمة ، التي خاضتهاهذه الجيوش وفي جبهات متعددة ، والتي كان فيها لقوات البصرة الإثر البارز في إحراز الإنتصارات .
فقد أشارت المصادر التاريخية إلى وصول الإمدادات إلى سعد بن أبي وقاص قبل وقوع معركة القادسية وأثناءها من البصرة ، وقد إختلفت المصادر التاريخية في ذكر حجم القوات الممدة فذكر بإنها تتراوح ما بين أربعمائة مقاتل إلى ألف وخمسمائة مقاتل (3) .
   كذلك تمكن جيش البصرة من إنقاذ جيش العلاء بن الحضرمي والي الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) على البحرين عندما قام العلاء بمهاجمة إقليم فارس من البحرين إلا أن

 **************************************************************
(1) أنظر الزبيدي : محمد حسين ، الحياة الإجتماعية والأقتصادية في الكوفة في القرن الأول الهجري ، المطبعة العالمية ، القاهرة ـ 1970 م ، ص 25 ، الموسوي : مصطفى عباس ، العوامل التاريخية لنشأة وتطور المدن العربية الإسلامية ، دار الرشيد للنشر ـ 1982 م ، ص 86 ـ 87 .
(2) أنظر إبن سعد : الطبقات 6 / 6 ، البلاذري : الفتوح ص 274 ، الطبري : التاريخ 3 / 579 .
(3) أنظر خليفة : التاريخ ص 132 ، البلاذري : الفتوح ص 256 ، الدينوري : الإخبار الطوال ص 120 .

جبهة البصرة   ـ 49 ـ

قواته المهاجمة حوصرت من قبل القوات الفارسية هناك ، عندها كتب الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) إلى قائده عتبة بن غزوان يأمره بنجدة القوات العربية المحاصرة من قبل أن تجتاحها القوات الفارسية ، قائلاً له :
( إن العلاء بن الحضرمي حمل جنداً من المسلمين فأقطعهم أهل فارس وعماني ، وأظنه لم يرد الله بذلك ، فخشيت عليهم أن لا ينصروا وأن يغلبوا وينشبوا ، فأندب إليهم الناس وأضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا ) (1) .
   وبذلك إستطاعت قوات البصرة والتي بلغ عددها إثني عشر ألف مقاتل يقودها أبو صبرة بن أبي رهم من إنقاذ جيش العلاء بن الحضرمي وإلحاق الهزيمة بالفرس في موقعة طاوس (2) .
   ويعكس لنا خروج ابو موسى الأشعري والي الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) على رأس قوات البصرة ، ممداً للنعمان بن مقرن المزني ، الدور المتميز لقوات البصرة في إمداد جيوش الكوفة المتوجهة لملاقاة الفرس في نهاوند ، ومساهمتها في هذه المعركة المهمة في تاريخ العرب والمسلمين ، والتي جاءت وفقاً للتجيهات التي أبداها الخليفة علي بن أبي طالب ( ع ) لعمر بن الخطاب ( رض ) في ضرورة مشاركة قسم من قوات البصرة في هذه المعركة كقوة ممدة لجيوش الكوفة حينما قال له ( وأكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا إلى ثلاث فرق ، فلتقم فرقة لهم في حرمهم وذراريهم ، ولتقم فرقةً في أهل عهدهم ـ بالأحواز ـ لئلا ينتفضوا ولتسر فرقةً إلى إخوانهم بالكوفه مدداً لهم ) (3) .
  وبناءاً على ما تقدم يمكن ملاحظة الأهمية التي أبدتها البصرة كمنطقة إمداد في كثير من معارك الجيوش العربية الإسلامية والتي كان لنتيجتها الأثر الفعال على سير حركات التحرير العربي الإسلامي للعراق وفتح بلاد فارس .

 **************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 4 / 81 .
(2) أنظر الطبري : التاريخ 4 / 127 ، إبن الأثير : الكامل 3 /4 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 974 .
(3) الطبري : التاريخ 4 / 127 .

جبهة البصرة   ـ 50 ـ


جبهة البصرة   ـ 51 ـ



( أ ) تحرير جنوب العراق

   قررت القيادة العربية الإسلامية في زمن الخليفة أبو بكر الصديق ( رض ) ( 11 ـ 13 هـ / 632 ـ 634 م ) إسهام الحكومة المركزية ، في العمليات العسكرية في العراق والبدء في عمليات التحرير العربي الإسلامي له .
   لذا أصدرت الأوامر من الخليفة أبو بكر الصديق ( رض ) لقائده خالد بن الوليد بالتوجه إلى أرض العراق طالباً منه أن يسلك بقواته طريق الأبلة جنوب العراق ثم يتوجه بعد ذلك شمالاً إلى منطقة الحيرة (1) ، بعد ان يعمل على ضرب المسالح الفارسية الموجودة جنوب العراق كي لا تشكل خطراً يهدد مؤخرة قواته وهي متجهة إلى منطقة الحيرة (2) .
   وبوصول خالد بن الوليد إلى منطقة البصرة سنة 12 هـ / 632 م ، حصلت أول مواجهة فعلية في منطقة كاظمة بين القوات العربية الإسلامية والقوات الفارسية في معركة ( ذات السلاسل ) ، والتي تمكنت فيها القوات العربية الإسلامية من إحراز النصر على الفرس وقتل قائدهم هرمز ، وتبرز أهمية هذه المعركة بإنها أول إنتصار يحققه العرب المسلمين على الفرس مما أدى إلى ذلك إلى رفع معنوياتهم القتالية ، وإعطاءهم درساً تعلموا منه طريقة التفكير العسكري الفارسي ، وحركة جيوشهم وتعبئتها ونظام أسلحتهم ، كما إنها مهدت الطريق أمام القوات العريبة الإسلامية للتوغل في جنوب العراق وضرب القوات الفارسية الموجودة في المسالح المنتشرة في المنطقة وخاصةً مسلحة الأبلة ، ثم التوجه بعد ذلك بإتجاه منطقة الحيرة .

 **************************************************************
(1) أنظر خليفة : التاريخ ص 117 ، البلاذري : الفتوح ص 243 ، 335 ، الطبري : التاريخ 3 / 343 ، 347 ، إبن الأثير : الكامل 2 / 384 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 887 . وحول الطريق التي سلكها خالد بن الوليد أثناء توجهه إلى العراق ، أنظر الهاشمي . طه ، خالد بن الوليد في العراق ، جملة المجمع العلمي العراقي ـ 1954 م / مج 3 ، 1 / 64 ـ 73 ، مجلة المجمع العلمي العراقي ـ 1955 م ، مج 3 ، 2 / 242 ـ 247 .
(2) الطبري : التاريخ 3 / 347 . كمال : أحمد عادل ، الطريق إلى المدائن ، ط 3 ، دار النفائس ، بيروت ـ 1977 م ، ص 207 ـ 208 .
(3) الطبري : التاريخ 3 / 348 ـ 349 ، إبن الأثير : الكامل 2 / 385 ـ 386 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 888 ـ 889 .

جبهة البصرة   ـ 52 ـ

   وقد أصبحت العمليات العسكرية التي قام بها خالد بن الوليد في توجيه ضربة قوية إلى القوات الفارسية الموجودة في جنوب العراق ، مما ساعد ذلك في تعزيز النشاط العسكري الذي كانت تقوم به القبائل العربية بقيادة سويد بن قطبة وإستمراره في هذه المنطقة حتى بعد أن توجه خالد بن الوليد إلى منطقة الحيرة (1) .
   لذلك نلاحظ أن الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) كان يدرك أهمية الخطة التي وضعها أبو بكر الصديق ( رض ) لتحرير العراق فيعمل على إستكمال هذه الخطة ، وذلك بتصعيد العمليات العسكرية في منطقة البصرة ، فيقرر إرسال عتبة بن غزوان إلى هذه المنطقة ، ويحدد له هدفين من وراء إرساله إلى تلك الناحية أولهما أن يعمل على مشاغلة القوات الفارسية في هذه المنطقة ليمنعها من إرسال الإمدادات والمؤن الى قواتهم التي تستعد لخوض معركة القادسية ، وثانيهما العمل على تحرير هذه المنطقة إذا تسنى له ذلك (2) ، لإن تحريرها يعني فتح جبهة جديدة بوجه القوات الفارسية فيسبب ذلك تشتيت جهود الفرس ويمنعهم من تحشيد معظم قواتهم على جبهة الكوفه .
   توجه عتبة بن غزوان إلى منطقة البصرة سنة 14 هـ / 635 م ، وبوصوله المنطقة إتخذ من الخريبة (3) ، قاعدة لتتحرك منها قواته لضرب المسالح الفارسية الأخرى في المنطقة ، وخاصةً مسلحة الأبلة التي تعد أكبر المسالح الفارسية في المنطقة وأقواها (4) .
   وقد إختلف المؤرخون حول تحرير عتبة بن غزوان لمنطقة البصرة فبينما يذكر المدائني والشعبي أن عتبة بن غزوان تأخر أشهر في هجومه على القوات الفارسية الموجودة في المنطقة مما دفع الخليفة عمر بن الخطاب ) رض ) إلى إرسال من يحل محله في قيادة القوات العربية الإسلامية (5) ، يذكر الزهري أن عتبة بن غزوان لم يتأخر عن مهاجمة القوات الفارسية الموجودة في المنطقة (6) ، وذلك لإن مهمة عتبة بن غزوان كانت مشاغلة القوات الفارسية في

 **************************************************************
(1) أنظر خليفة : التاريخ 118 ، الطبري : التاريخ 3 / 593 ، إبن الأثير : الكامل 2 / 485 ـ 486 .
(2) أنظر خليفة : التاريخ 127 ، البلاذري : الفتوح ص 336 ، الدينوري : الأخبار الطوال 117 ، الطبري : التاريخ 3 / 590 .
(3) البلاذري : الفتوح 336 ، الدينوري : الأخبار الطوال 117 ، الطبري : التاريخ 3 / 594 .
(4) الطبري : التاريخ 3 / 348 ، إبن الأثير : الكامل 2 / 385 .
(5) خليفة : التاريخ 127 ، الطبري : التاريخ 3 / 591 .
(6) أنظر الطبري : التاريخ 3 / 591 .

جبهة البصرة   ـ 53 ـ

تلك المنطقة عن نجدة إخوانهم في منطقة الحيرة ، لذا فأنه يتعين عليه الظهور لا التخفي لذلك نستبعد أن يكون عتبة بن غزوان أقام شهوراً لا يهاجم فيها القوات الفارسية ولكنه إنشغل قي باديء الأمر بالأشتراك في معارك صغيرة مع القوات التي أرسلت إلى إعتراض طريقه من قبل الفرس لعرقلة مسيرته نحو مركز تجمع الفرس الرئيسي ألا وهو الأبلة .
   وكان عتبة بن غزوان يتحين الفرص للهجوم على مدينة الأبلة ، وقد سنحت له الفرصة عندما وصلت إليه الأخبار عن خروج الحامية الفارسية والتي يقدر عددها بأربعة آلاف مقاتل من مدينة الأبلة إليه (1) ، فأعد عتبة بن غزوان خطة للهجوم على هذه القوات ومباغتتها قبل أن تبدأ هي بالهجوم ، وفعلاً تمت مهاجمة هذه القوات والإنتصار عليها ، مما أدى ذلك إلى هروب القوات الفارسية وإنسحابها من مدينة الأبلة شمالاً بإتجاه الفرات فعبرته دون قتال تاركةً الأبلة للقوات العربية (2) ، وبذلك إستسلمت الأبلة للجيش المحرر وعد تحريرها نصراً كبيراً للقوات العربية الإسلامية رغم قلتها حيث تراوح عددها ما بين ثلاثمائة إلى ثمنمائة مقاتل (3) ، وبعد أن تم للعرب المسلمين تحرير مدينة الأبلة إتخذوها قاعدةً للإنطلاق نحو المناطق المجاورة .
   بعد ذلك بدأ عتبة بن غزوان بالتقدم نحو الحاميات الفارسية الموجودة في المنطقة الواقعة على إمتداد نهر دجلة ، إلا أن الروايات التاريخية إختلفت في تحديد القائد العربي الذي قام بتحريرها ، فبينما يذكر البلاذري عن وهب بن جرير أن عتبة بن غزوان هو الذي حرر الأبلة والفرات وأبرقباذ (4) ودستميسان (5) ، ويفصل في

 **************************************************************
(1) الطبري : التاريخ 3 / 591 ، ابن الاثير : الكامل 2 / 487 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 942 .
(2) أنظر خليفة : التاريخ ص 128 ، البلاذري : الفتوح ص 337 ، الطبري : التاريخ 3 / 495 . (3) أنظر البلاذري : الفتوح ص 345 ، الطبري : التاريخ 3 / 591 ، إبن الفقيه : البلدان ص 188 ، نعمان بن محمد : معدن الجواهر ص 21 ، 75 .
(4) أبرقباذ : هذا الموضع يجيء ذكره مع المذار ، فكإنه يجاور ميسان ودستميسان ، وقيل هو ، من طساسيج المذار ، بين البصرة وواسط . ياقوت : معجم البلدان 1 / 73 .
(5) البلاذري : الفتوح ص 339 . إنظر أيضاً اليعقوبي : التاريخ 2 / 121 .
ودستميسان : كورة جليلة بين واسط والبصرة والأحواز ، وهي إلى الأحواز أقرب ، وقيل هو من دستميسان كورة قصبتها الأبلة فتكون البصرة من هذه الكورة .
أنظر ياقوت : معجم البلدان 2 / 455 .

جبهة البصرة   ـ 54 ـ

رواية أخرى تحريره لهذه المناطق نقلاً عن محمد بن إسحق فيقول أن عتبة بن غزوان ( أتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بن مسعود السلمي ففتحه عنوة ، وأتى المذار فخرج إليها مرزبانها فقاتله فهزمه الله ، وسار عتبة إلى دستميسان وقتل دهاقينهم وإنصرف عتبة من فوره إلى أبرقباذ ففتحها الله عليه ) (1) ، ويتفق معه في ذلك خليفة بن خياط حينما يذكر أن عتبة ( إفتتح الأبلة والفرات وأبرقباذ وسبى من ميسان سبياً منهم يسار أبو الحسن البصري ) (2) .
   نرى البلاذري يذكر روايات أخرى تخالف الروايات السابقة حينما يروي عن محمد بن إسحق ( غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتال شديد وغلب على أرضها ، ثم إن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة ) (3) ، ويروي عن وهب بن جرير ( فتح المغير ميسان وغدر أهل أبرقباذ فتحها المغيرة ) (4) ، كذلك يذكر خليفة الذي ( إفتتح ميسان ودستميسان وأبرقباذ وشطي دجلة المغيرة بن شعبة بولاية عتبة بن غزوان ) (5) .
   يبدو من خلال ما تقدم أن عتبة بن غزوان هو الذي قام بتحرير الأبلة والفرات ودستميسان وثبت الحكم العربي الإسلامي فيها وهاجم بعد ذلك أبرقباذ وميسان ، اما المغيرة بن شعبة فقد ثبت الحكم العربي في أبرقباذ وميسان .
   ومن خلال العمليات العسكرية السابقة إستطاعت جبهة البصرة أن تثبت جدارتها في تصديها للفرس وإيقاع أفدح الخسائر بهم رغم قلة القوات الإسلامية الموجودة فيها ، عندئذ يبدأ التركيز الفعلي على قاعدة البصرة من قبل القيادة العربية الإسلامية المتمثلة بالخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) بإتخاذها جبهة ثانية تسير جنباً إلى جنب مع جبهة الكوفة في تصديها للقوات الفارسية ، حيث أصبح هناك تناسق بين العمليات العسكرية

 **************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح ص 337 ـ 338 ، أنظر أيضاً الدينوري : الأخبار الطوال ص 117 ـ 118 .
(2) خليفة : التاريخ ص 127 .
(3) البلاذري : الفتوح ص 339 ، أنظر أيضاً الدينوري : الأخبار الطوال ص 118 .
(5) نفس المصادر السابقة .
(6) خليفة : التاريخ ص 127 .

جبهة البصرة   ـ 55 ـ

التي كان يقوم بها عتبة بن غزوان في جبهة البصرة والعمليات التي يقوم بها سعد بن أبي وقاص في جبهة الكوفة ، فبينما كانت قوات سعد تعمل على تحرير أراضي العراق من شماله حتى وسطه كانت قوات عتبة تعمل على تحرير الاجزاء الجنوبية منه حتى وسطه ، وبذلك إستطاعت جبهة البصرة أن تلعب دوراً مهماً في تحرير الأجزاء الجنوبية من العراق ، وتقلل الضغط العسكري الفارسي على القوات العربية التي كانت تعمل على مطاردة الفرس في جبهة الكوفة .

تحـرير إقليـم الأحـواز (1)
   إن الإجراء الذي إتخذه الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) بإرسال عتبة بن غزوان إلى منطقة البصرة وفتح جبهة جديدة بوجه الفرس في هذه المنطقة وما حققته الجبهة من إنتصارات على القوات الفارسية في جنوب العراق ، زاد من مخاوف الفرس وإضطرهم إلى إتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون تقدم القوات العربية الإسلامية في هذه الجبهة بإتجاه إقليم الأحواز ، لذا أوكلوا مهمة الإشراف على شؤون الإقليم وحمايته إلى أحد رؤساء السلالات السبعة التي كانت تحكم إيران ألا وهو الهرمزان (2) ، الذي إنسحب بقولته نحو الأحواز بعد هزيمة الفرس في معركة القادسية (3) .

 **************************************************************
(1) إقليم الأحواز : هو إقليم عربي ، عرف عند الفرس بإقليم خوزستان ، وهو عبارة عن سبع كور تمتد بين البصرة وفارس ، وهذه الكور هي سوق الأحواز ، رامهرمز ، تستر ، السوس ، جند يسابور ، مناذر ، وقد ذكر بعضهم أيدج وعسكر مكرم وسرق ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى .
والأحواز عبارة عن أرض سهلة خصبة مياهها جارية وأكبر أنهارها نهر تستر وليس في الأحواز جبال ولا رمال إلا شيء يسير يتاخم نواحي تستر وجند يسابور وناحية إيدج وأصبهان أما باقي أراضي الأحواز فإنها أرض سهلة خصبة كأنها أرض العراق ، ومصادر البلدانيين غنية بذكر التفاصيل عن المسافات التي بين مدن إقليم الأحواز وبينها ما جاور من الأقاليم . أنظر إبن خرداذبة : المسالك والممالك 42 ، 57 ، 197 ، قدامة الخراج 89 ـ 92 ، 170 ـ 171 ، الأصطخري : مسالك الممالك 62 ـ 66 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 284 ـ 286 .
(2) أنظر الطبري : التاريخ 4 / 72 ، إبن الأثير : الكامل 2 / 542 ، إبن خلدون : التاريخ 2 / 963 ، كريستنسن : آرثر ، إيران في عهد الساسانيين ، ترجمة يحيى الخشاب ـ مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة 1957 م ، ص 486 .
(3) كريسنسن : إيران في عهد الساسانيين 486 ـ 487 .