الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة
الدكتور جواد كاظم النصرالله

مقدمة عامة
تعد تربية الإمام علي عليه السلام في بيت الرسالة(1) البداية لتفتح ذهنيتــه وقدرتها على استيعاب حقائق الكون وأسراره ، وكان عليه السلام مخصوصا بخلوات يخلو بها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

**************************************************************
(1) يصف الامام عليه السلام تربيته عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلا :(( وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة ، والمنزله الخصيصة ، وضعني في حجره وانا وليد يضمني الى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ولا غلطة في فعل )) ، الشريف الرضي : نهج البلاغة ، ص 300 ، الا ان هذه الفضلية حاول البعض التقليل من اهميتها وانها ترجع لاسباب المجاعة التي حلت بقريش ، حيث روى كل من البلاذري وأبي الفرج أن قريشاً أصابتها أزمة ، فدعا النبي صلى الله عليه آله سلم عمه العباس وحمزه للتخفيف عن أبي طالب لأنه كثير العيال قليل المال، فقال لهم أبو طالب : ( أذاً تركتم لي عقيلاً فأفعلوا ما شئتم ) ، فأخذ العباس طالباً وأخذ الحمزه جعفراً ، بينما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً ، انساب الاشراف 2 / 6 . مقاتل الطالبيين ص 41 .
   أن الذي يلاحظ على هذه الروايه : ـ
1 ـ تشير رواية ابوالفرج الى أن طالباً هو أكبر أولاد ابي طالب فهو أكبر من عقيل بعشر سنوات ، وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنوات ، وجعفر أكبر من علي بعشر سنوات ، ( ابوالفرج : مقاتل الطالبيين ص 26 ) فأذا كان علي ابن ست سنوات ( ابن ابي الحديد : شرح 1 / 15 ) ، فلا مانع من أخذه من قبل النبي (ص) وتربيته ، ولكن هذا لايصح بالنسبه لجعفر وهو أبن ست عشره سنة ، ولا بالنسبه لعقيل الذي له من العمر ست وعشرين سنه ، والأمر يبدو مستحيلا بالنسبه لطالب الذي له من العمر ست وثلاثون سنة . مع أن عمر النبي (ص) والحمزة وقتذاك ست وثلاثون سنة ايضاً ؟ ! !
2 ـ أن السبب لدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عميه هو الازمة الأقتصادية التي حلت بقريش ، ولكن ما بال هذه الازمه شدت رحالها صوب بيت أبي طالب ، إذ لم نسمع بأثر هذه الازمة على باقي البيوت القرشية ؟!!
3 ـ ماالسبب في أيثار أبي طالب لولده الأوسط عقيل ؟ !! وكان الأجدر أيثار ولده علي كونه الأصغر وبحاجة لرعاية والديه !! فهل يريد الرواة الربط ما بين المعتقد المستقبلي لأولاد أبي طالب ومعتقد من رباهم ؟!! فعقيل بقي مشركاً لأن أباه كان مشركاً !! أما طالب فسلك مسلك مربيه العباس فلم يؤمن ثم خرج في بدر لمحاربة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما فعل العباس!! في حين أعتنق جعفر الأسلام لأن الحمزة قد أسلم ، وكذا الحال بالنسبه لعلي (ع) فلم يعبد الاصنام لتربيته في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!!
4 ـ يلاحظ على شخصية طالب أنه شخصيه لا أساس لها من الصحة، إذ إن كتب التاريخ لم تقدم لنا أية معلومات عن شخصية طالب هذا الا في هذه الرواية، والاشارة لخروجه في بدر مشركاً فهل القول بوجود شخصية طالب لمقاصد ما ؟! أم ان البعض تصور أن لأبي طالب ولداً اسمه طالب من خلال اسمه أبي طالب ، إذ إن أبا طالب هو اسماً وليس كنية ، كما في أسم أبي لهب وأبي جهل . والظاهر أن ابا طالب عرف بذلك لكثرة أستجابته للمطالب .
5 ـ تقول الرواية أن أبا طالب كان كثير العيال قليل المال، والحال غير ذلك ، فليس له من الأولاد إلا ثلاثة وبنت واحدة هي أم هانىء ، أذ لاحظنا أن شخصية طالب لم تقو الأدلة على أثباتها ، وإذا استثنينا جعفراً وعقيلاً لأنهما كبيران وقت الأزمة ، فلا يبقى الا علي وأم هانىء .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 2 ـ

   فلا يطلع على ما يدور بينهما احد(2)، فيسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن معاني القران وكلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإذا لم يسأل فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبتدره بالتعليم (3)، إذ قال ( عليه السلام ) : (( كنت إذا سألت رسول الله أعطاني ، وإذا سكت ابتدأني ))(4) .
واضيف لاختصاصه ( عليه السلام ) بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (( ذكاؤه وفطنته ، وطهارة طينته ، واشراق نفسه ، وضوئها ، وإذا كان المحل قابلا متهيئاً ، كان الفاعل المؤثر موجوداً ، والموانع مرتفعة ، حصل الاثر على اتم ما يكون فلذلك كان عليه السلام كما قال الحسن البصري(5): رباني هذه الامة ، وذا فضلها ، ولذا تسمية الفلاسفة(6) (( امام الائمة وحكيم العرب ))(7) .

**************************************************************
(6) لم يبق إلا القول أن الرواية وضعت للطعن في تربيةالإمام لدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بالقول أنها جاءت لأسباب مادية .
(2) الترمذي : صحيح سنن الترمذي 12 / 173 ، ابن تيمية : منهاج السنة 3 / 13 ، ابن كثير : البداية والنهاية 7 / 357 .
(3) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 11 / 48 .
(4) الترمذي : صحيح 12/170 ، 175 ، الحاكم : المستدرك 3 / 135 ، ابن طلحة : مطالب السؤول ص 49 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 170 .
(5) هو ابو سعد الحسن بن ابي الحسن البصري، ولد في المدينة سنة 21 هـ وكانت امه مولاة لأم سلمه وتفقه في الدين حتى اصبح من كبار فقهاء ومحدثي تابعي البصرة وله رساله الى عبد الملك حول القدر، وكان له حلقه في مسجد البصرة حتى تخرج على يديه عدد من المشاهير كواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهم توفي في سنة 110 هـ ، : انظر ترجمته : ـ البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 86 ـ 87 . القاضي : فضل الإعتزال ص 215 ـ 225 . إبن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 18 ـ 24 .
(6) من بين اولئك الفلاسفة ابن سينا ، انظر كتابه : الاشارات 4 / 828 ، ابن ابي الحديد : شرح 11 / 137 ـ 138 .
(7) ابن ابي الحديد : شرح 11 / 48 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 3 ـ

  فكان ( عليه السلام ) سيد اهل النظر كافة وإمامهم إذ لم يكن ( عليه السلام ) مقتصرا على اوائل الادلة في تكليفه بالعقليات(8)وقد اشاد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمكانته العلمية اذ قال : (( انا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن اراد المدينة فلياتها من بابها ))(9).
  ولذا كان ( عليه السلام ) يؤكد على ضرورة اخذ العلم من مصدره وهـو نفسـه الشـريفة ، إذ يقـول : (( فالتمسوا ذلك من عند اهله فانهم عيش العلم وموت الجهل ، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه فهو بينهم شاهد صادق ، وصامت ناطق ))(10).
  هذا القول كناية عن نفسه الشريفة إذ كان ( عليه السلام ) كثر ما يسلك هذا المسلك ويعرض هذا التعريض وهو الصادق الامين العارف بالاسرار الالهية(11) .
  لذا فالامام ( عليه السلام ) الوحيد الذي قال بثقة : (( سلوني قبل ان تفقدوني ، فأنا بطرق السماء اعلم منها بطرق الارض ))(12).

**************************************************************
(8) ابن ابي الحديد : شرح 16 / 71 .
(9) الترمذي : صحيح 12 / 171 ، الملطي : التنبيه والرد ص 25 ، الطبراني : المعجم الكبير 11 / 55 ، ابن اخي تبوك : مناقب علي بن ابي طالب ص 427 ، الحاكم : المستدرك 3 / 137 ـ 138 ، الخطيب : تاريخ بغداد 2 / 377 ، 4 / 348 ، 7 / 173 ، 11 / 49 ، 204 ، ابن عبدالبر : الاستيعاب 3 / 1102 ، ابن الاثير : اسد الغابة 3 / 228 ، البلوي : الف باء 1 / 222 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة ص 47 ـ 48 ، النووي : تهذيب الاسماء 1 / 1 / 348 ، الكنجي : كفاية الطالب ص 220 ـ 223 ، ابن طلحة : مطالب السؤول ص 35 ، محب الدين : ذخائر العقبى ص 87 ، الرياض النظرة 2 / 155 ، الجويني : فرائد السمطين ص 98 ـ 100 ، الذهبي : تذكرة الحفاظ 4 / 1231 ، الزرندي : معارج الوصول ص 39 ، ابن كثير : البداية والنهاية 7 / 359 ، الهيثمي : مجمع الزوائد 9 / 114 ، الدميري : حياة الحيوان 1 / 55 ، ابن الجزري : مناقب الأسد الغالب ص 55 ـ 56 ، ابن حجر : تهذيب التهذيب 7 / 337 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 170 ، الجامع الصغير 3 / 46 ، المتقي الهندي : كنز العمال 12 / 201 ـ 212 ، الهيثمي : الصواعق المحرقة ص 120 .
(10) الشريف الرضي : نهج البلاغة ص 206 .
(11) ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 9 / 106 ـ 107 .
(12) ابو نعيم : حلية الاولياء 1 / 67 ـ 68 ، ابن عبرالبر : جامع بيان العلم 1 / 114 ، الخوارزمي : المناقب ص 46 ـ 47 ، ابن الاثير : اسد الغابة 3 / 288 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة ص 27 ، شرح ابن ابي الحديد : 13/101 ، 106 ، محب الدين : ذخائر العقبى ص 93 ، ابن تيمية : منهاج السنة 4 / 149 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 341 ، ابن حجر : الاصابة 2 / 509 ، تهذيب التهذيب 7 / 338 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 171 ، 185 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 4 ـ

ولقد اشارت عدة من الايات القرآنية لهذه المكانة كقوله تعالى { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }(13) اذ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (( سئلت الله ان يجعلها اذنك ففعل ))(14) وقوله تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ }(15) روي انها نزلت في الامام (عليه السلام) لما خص به من العلم(16) وقوله تعالى { أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ }(17) ان الشاهد هو الامام علي ( عليه السلام ) (18)
ولقد اكد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذا المعنى بعدد من الاحاديث كقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفاطمة ( عليها السلام ) : (( زوجتك اقدمهم سلماً ، واعظمهم حلماً ، واعلمهم علماً ))(19)

**************************************************************
(13) سورة الحاقة آية 12 .
(14) البلاذري : انساب الآشراف 2 / 121 ، الطبري : جامع البيان 29 / 55 ، الواحدي : اسباب النزول ص 294 ، الطوسي : التبيان 10 / 98 ، الحسكاني : شواهد التنزيل 2 / 271 ـ 284 . الزمخشري : الكشاف 4 / 600 ، القرطبي : الجامع 18 / 264 ، الخوارزمي : المناقب ص 199 ، الكنجي : كفاية الطالب ص 108 ـ 109 ، الحلي : نهج الحق ص 183 ، ابن تيمية : منهاج السنة 4 / 46 ، 140 ، السيوطي : الدر المنثور 6 / 260 . الفتلاوي : الكشاف المنتقى ص 97 ـ 99 .
(15) سورة النساء آية 54 .
(16 الحسكاني : شواهد التنزيل 1 / 143 ـ 145 ، الطوسي : التبيان 3 / 227 ـ 228 ، الحلي : نهج الحق ص 207 . محمد الصبان : اسعاف الراغبين ص 109 . الفتلاوي : الكشاف المنتقى ص 33 .
(17) سورة هود آية 17 .
(18 الطبري : جامع البيان 12 / 15 ، الطوسي : التبيان 5 / 461 . الحسكاني : شواهد التنزيل 1 / 282 ، إبن الجوزي : زاد المسير 4 / 88 ، الموصلي : النعيم المقيم ص 480 ، السيوطي : الإتقان 2 / 151 ، الآلوسي : روح المعاني 12 / 25 ، الفتلاوي : الكشاف المنتقى ص 47 ـ 48 .
(19) الاسكافي : نقض العثمانية ص 289 ـ 290 ، محب الدين : ذخائر العقبى ص 88 ، الرياض النظرة 2 / 240 ، 255 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 92 ، الهيثمي : مجمع الزوائد 9 / 101 ، 114 ، المتقي الهندي : كنز العمال 12 / 205 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 5 ـ

وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (( من أراد ان ينظر الى نوح في عزمه ، وموسى في علمه ، وعيسى في ورعه ، فلينظر الى علي بن ابي طالب ))(20) وهذا الحديث يعرف بحديث الاشباه(21).
  كان ( عليه السلام ) على درجة عالية من اليقين اذ يقول : (( ما شككت في الحق مذ أريته ))(22) وقوله : (( لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً ))(23) وقد انكر الامام ( عليه السلام ) على البعض ادعائهم العلم دونه اذ قال : (( أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا ، ان رفعنا الله ووضعهم ، واعطانا وحرمهم ، وادخلنا واخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى ))(24) وهــذا الكلام كنايـة واشارة لمن ينازعه الفضل ، فهناك من يقال عنه بانه أفرض الناس أو أقرأ أو أعرف بالحلال والحرام ، مع تسليم الكل له ( عليه السلام ) ولكنه لم يرضَ بذلك وعد ذلك حسداً له(25) .
  لقد كان للامام ( عليه السلام ) نعمة على الصحابة وهي نعمة علومه ( عليه السلام ) التي لولاها حكم بغير الصواب في كثير من الاحكام وقد اعترف له عمر بذلك قائلاً : لولا علي لهلك عمر(26) .

**************************************************************
(20) الخوارزمي : المناقب ص 40 ـ 41 ، 220 ، الحسكاني : شواهد التنزيل 1 / 79 ، ابن المغازلي : مناقب ص 212 ، الخوارزمي : مقتل الحسين ص 1 / 44 ، ابن ابي الحديد : شرح 7 / 220 ، 9 / 168 ، الكنجي : كفاية الطالب ص 122 ، محب الدين : الرياض 2 / 290 ، الموصلي : النعيم المقيم ص 518 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 172 ـ 173 ، ابن كثير : البداية والنهاية 7 / 357 ، الصفوري : نزهة المجالس 2 / 240 ، العصامي : سمط النجوم 2 / 498 .
(21) نظم ـ المُفجَع البصري ـ احد شعراء آل البيت البصريين قصيدة سميت بقصيدة الاشباه ، للتفاصيل : انظر النصرالله : المفجع البصري . . . دراسة في سيرته .
(22) الشريف الرضي : نهج البلاغة ص 51 .
(23) ابن شهر آشوب : مناقب آل ابي طالب 1 / 317 . الحلي : منتهى المطلب 3 / 44 ، ابن الدمشقي : جواهر المطالب 2 / 50 .
(24) الشريف الرضي : نهج البلاغة ص 201 .
(25) ابن ابي الحديد : شرح 9 / 84 ، 86 .
(26) القاضي : المغني 20 / 2 / 13 ، ابن عبد البر : الاستيعاب 3 / 1103 ، الخوارزمي : المناقب ص 39 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة ص 147 ، ابن ابي الحديد : شرح 1 / 141 ، ابن تيمية : منهاج السنة 4 / 160 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 337 ـ 351 ، ابن الصباغ : الفصول المهمة ص 17 ، المناوي : فيض القدير 4 / 357 ، وتارة قوله : بقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن ، انظر : ـ ابن سعد : الطبقات 2 / 339 ، ابن عبد البر : الاستيعاب 3 / 1103 ، البلوي : الف باء 1 / 222 ، ابن الجوزي : صفة الصفوة 1 / 314 ، ابن الاثير : اسد الغابة 3 / 288 ، الاربلي : كشف الغمة 1 / 116 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 344 ـ 345 ، ابن كثير : البداية 7 / 359 ـ 360 ، ابن حجر : الاصابة 2 / 509 ، تهذيب التهذيب 7 / 337 ، ابن الصباغ : الفصول المهمة ص 17 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 171 ، الهيثمي : الصواعق ص 125 ، القسطلاني : ارشاد الساري 3 / 195 ، قال ابن المسيب : ولهذا القول سبب وهوان ملك الروم كتب الى عمر يسأله عن مسائل فلم يجد جواباً الا عند علي ( عليه السلام ) ، انظر نص المسائل عند : سبط ابن الجوزي : تذكرة ص 133 ـ 147 ، وتارة يقول عمر : لا يفتين احد في المسجد وعلي حاضر . ابن ابي الحديد : شرح 15 / 247 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 6 ـ

  واجمالاً فحاله ( عليه السلام ) حال رفيعه لم يلحقه احد ولا قاربه ، لذا حق له ( عليه السلام ) ان يصف نفسه بانه معادن العلم وينابيع الحكم ، فلا احد احق بها منه بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )(27) لذا اخذت كل فرقة تنتسب اليه وتتجاذبه كل طائفة لانه رئيس الفضائل وينبوعها وابو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجل حليتها ، كل من بزغ فيها بعده فمنه اخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى(28). وفي مقدمة العلوم التي بان فيها الامام ( عليه السلام ) هو العلم الالهي ( علم الكلام )(29) وهـو العلم الذي يختص بدراسة الذات الالهية وصفاتها ، لذا يعد اشرف العلوم لان شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه اشرف الموجودات ، فكان هو اشرف العلوم(30) .
   يعد الامام(عليه السلام) إمام المتكلمين اذ لم يعرف علم الكلام ممن سبقه من العرب ، ولا نقل في ما جاء عن الاكابر والاصاغر منه شيء ، وهو فن انفرد به اولاً اليونان ، اما من العرب فاول من خاض به هو الامام علي( عليه السلام ) ،

**************************************************************
(27) ابن ابي الحديد : شرح 7 / 220 .
(28) ابن ابي الحديد : شرح 1 / 17 .
(29) عنه انظر : الجاحظ : رسالة صناعة الكلام ص 49 ـ 58 ، الجرجاني : التعريفات ص 127 ، 151 ، صبحي : في علم الكلام 1 / 1 ـ 101 ، بدوي : مذاهب الاسلاميين 1 / 7 ـ 32 . الفضلي : خلاصة علم الكلام ص 9 ـ 327 .
(30) ابن ابي الحديد : شرح 1 / 17 ، 9 / 257 ، ابن خلدون : المقدمة ص 826 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 7 ـ

  ولهذا نجد المباحث الدقيقة في التوحيد والعدل مبثوثة عنه في فرش كلامه وخطبه ، ولا نجد في كلام احد من الصحابة والتابعين كلمة واحدة من ذلك ، ولا يتصورونه ، بل حتى لو فهموه لم يفهموه(31) .
  هذا السبق يعد عند بعض المعتزلة من الاسس التي يعتمدوها في بيان افضلية الامام ( عليه السلام ) على سائر الامة بعد النبي( صلى الله عليه وآله وسلم )(32).
   ولما شرح ابن ابي الحديد الخطبة رقم ( 90 ) من نهج البلاغة(33) قائلاً : لو عقب سمع النظر بن كنانة(34) هذا الكلام لقال لقائله ما قاله علي بن العباس بن جريج (35) لاسماعيل بن بلبل(36):
قالوا ابو الصـقر من شيبان قلت لهم      كـلا  ،  ولـكن لعمري منه iiشيبان
وكـم  اب قد علا بابـن ذرا iiشرف      كـمـا عـلا برسول الله عدنان (37)
  إذ كان يفخر به على عدنان وقحطان بل كان يقر به عين ابيه ابراهيم خليل الرحمن ، ويقول له : انه لم يعفُ ما شيدت من معالم التوحيد ، بل أخرج الله لك من ظهري ولداً ابتدع من علوم التوحيد في جاهلية العرب مالم تبتدعه انت في جاهلية النبط .

**************************************************************
(31) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 370 ـ 371 ، 10 / 6 .
(32) ابن ابي الحديد : شرح 9 / 256 ـ 257 .
(33) انظرها في نهج البلاغة ص 124 ـ 136 .
(34) هو النظر بن كنانة بن خزيمة احد اجداد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسمي النظر لجماله ، ابن حبيب : المحبر ص 50 ، الطبري : تاريخ 2 / 264 ـ 265 ، النويري : نهاية الارب 16 / 13 ـ 15 .
(35) هو الشاعر ابن الرومي ( 221 ـ 283 هـ ) ، انظر ترجمته : المرزباني : معجم الشعراء ص 289 ، الخطيب : تاريخ بغداد 12 / 23 ـ 26 ، ابن خلكان : وفيات الاعيان 3 / 358 ـ 362 .
(36) هو كاتب الموفق العباسي سنة 272 هـ ، الطبري : تاريخ 10 / 10 ، الهمذاني : تكملة تاريخ الطبري ص 231 . الشريف المرتضى : الآمالي 1 / 300 ـ 302 .
(37) ابن ابي الحديد : شرح 7 / 23 ، وانظر ديوان إبن الرومي 3 / 373 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 8 ـ

   بل لو سمع هذا الكلام ارسطو طاليس(38) القائل بانه تعالى لا يعلم الجزئيات ، لخشع قلبه ووقف شعره واضطرب فكره ، ألا ترى ما عليه من الرواء والمهابة والعظمة والفخامة والمتانة والجزالة ! مع ما قد اشرب من الحلاوة والطلاوة واللطف والسلاسة ، لا ارى كلاماً يشبه هذا إلا ان يكون كلام الخالق سبحانه ، فان هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة وجدول من ذلك البحر ، وجذوة من تلك النار وكإنه شرح قوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(39)}(40).
   وفي الحقيقة ان التوحيد والعدل والمباحث الالهية الشريفة ما عرفت الا من كلامه ( عليه السلام ) ، اما باقي الصحابة فلم يتضمن من كلامهم شيء من ذلك ، وهذا ما عده ابن ابي الحديد من اعظم فضائل الامام علي ( عليه السلام )(41)، بل كان مثار استغرابه إذ قال :(( فسبحان من منح هذا الرجل هذه المزايـا النفيسـة والخصائص الشريفة ! ان يكون غلام من ابناء عرب مكة ، ينشأ بين اهله ، لم يخالط الحكماء وخرج اعرف بالحكمة ودقائق العلوم الالهية من افلاطون(42) وارسطو ، ولم يباشر ارباب الحكم الخلقية والاداب النفسانية ،

**************************************************************
(38) احد فلاسفة اليونان ، انظر ترجمته : ابن النديم : الفهرست ص 345 ـ 352 ، الشهرستاني: الملل ص 300 ـ 313 ، القفطي : تاريخ الحكماء ص 27 ـ 53 ، ابن ابي اصيبعة : عيون الانباء ص 86 ـ 105 ، ابن نباته : سرح العيون ص 141 ـ 144 . عبو : اليونان والرومان ص 214 ـ 217 .
(39) سورة الانعام آية 59 .
(40) ابن ابي الحديد : شرح 7 / 23 ـ 24 .
(41) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 346 العيون ص 140 ـ 141 ، ابن منقذ : لباب الاداب ص 447 ـ 467 . عبو : اليونان والرومان ص 212 ـ 214 .
(42) هو افلاطون بن ارسطن من فلاسفة اليونان ، درس على يد سقراط وفيثاغورس وتتلمذ ارسطو طاليس على يديه ، انظر : ابن النديم : الفهرست 343 ـ 344 ، الشهرستاني : الملل ص 274 ـ 279 . القفطي : تاريخ الحكماء ص 17 ـ 27 ، ابن ابي اصيبعة : عيون الانباء ص 79 ـ 86 ، ابن نباته : سرح

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 9 ـ

لان قريشاً لم يكن احد منهم مشهوراً بمثل ذلك ، وخرج اعرف بهذا من سقراط(43) ))(44).
  وقال الشريف المرتضى : ( أعلم إن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وخطبه ، فأنها تتضمن من ذلك مالا زيادة عل به ، ولا غاية وراءه ، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه علم أن جميع ماأسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه ، أنما هو تفصيل لتلك الجمل ، وشرح لتلك الاصول ، وروي عن الائمة من ابنائهم عليهم السلام ، من ذلك ما يكاد لايحاط به كثرة ، ومن أحب الوقوف عليه ، وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير ، الذي في بعضه شفاء للصدورالسقيمة ، ونتاج للعقول العقيمة )(45).
  ولهذا انتسب اليه المتكلمون الذين لججوا في بحار المعقولات دون غيره واسموه استاذهم ورئيسهم ، واجتذبته كل فرقة الى نفسها كالامامية (46) والزيديـة (47)

**************************************************************
(43) من اهالي اثينا ومن اوائل من تكلم بالفلسفة وقتله اليونانيون بسبب اراءه ، انظر : ابن النديم : الفهرست ص 343 ، الشهرستاني : الملل ص 270 ـ 274 ، القفطي : تاريخ الحكماء ص 197 ـ 206 ، ابن ابي اصيبعه : عيون الانباء ص 70 ـ 79 . عبو : اليونان والرومان ص 210 ـ 212 .
(44) ابن ابي الحديد : شرح 16 / 146 .
(45) الامالي 1 / 162 ـ 163 .
(46) ان كل الفرق الاسلامية قالت بالامامة وان اختلفت بوجوبها او عدمه ، لكن هذه اللفظة اصبحت اسماً لتلك الفرقة التي حددت ائمتها بالاسم والعدد وهم اثناعشر إماماًَ يبدؤون بالامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) وينتهون بالامام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي (عج) ، لمزيد من التفاصيل انظر : الاشعري : مقالات الاسلاميين 1 / 87 ـ 88 ، المفيد : الارشاد ( كل الصفحات ) ، الشريف المرتضى : الشافي في الامامة 1/35 ومابعدها في اجزاء اربعة ، الشهرستاني : الملل ص 131 ـ 139 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص ( كل الصفحات ) ، ابن طلحة : مطالب السؤول ( كل الصفحات ) ، الجرجاني : التعريفات ص 28 . ابن الصباغ : الفصول المهمة في جزءين ، القندوزي : ينابيع المودة 1/3 ومابعده .
(47) هي الفرقة القائلة بان الامامة انتقلت من زين العابدين ( عليه السلام ) الى ابنه زيد بن علي ، تم في كل من حمل السلاح من ولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، انظر : الملطي : التنبية والرد ص 33 ، البغدادي : الفرق ص 26 ـ 34 ، الشهرستاني : الملل ص 124 ـ 130 ، وانظر تفاصيل اكثر : الصاحب بن عباد : نصرة مذاهب الزيدية ( كل الصفحات ) ، الغريري : الزيدية ص 141 ومابعدها .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 10 ـ

والكيسانية(48) والخوارج(49) والكرامية(50) والاشاعرة(51) والمتصوفة(52) والمعتزلة(53) .
  ومن بين الفرق الاسلامية التي اكدت على اتصالها الفكري بالامام علي ( عليه السلام ) هي فرقة المعتزلة ، فمن هم المعتزلة ؟ وما طبيعة رؤيتهم للامام علي ( عليه السلام ) ؟ .
  لقـد جاء الدين الاسـلامي عمـلاً وعقيدة ، فالعمل هو ما يقوم به الفرد في اوقات محددة كالصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج وغيرها ، وهي ما اطلق عليها اسم فروع الدين ، وقد اختص علم الفقه بدراستها .

**************************************************************
(48) تنسب لكيسان مولى الامام علي (ع) او هو تلميذ محمد بن الحنفية وهي الفرقة التي تعتقد بانتقال الامامة من الامام الحسين ( عليه السلام ) لاخيه محمد بن الحنفية وقد نسب اصحاب كتب الفرق افكارا لهذه الفرقة لايعرف مدى صحتها ، انظر : الشهرستاني : الملل ص 118 ـ 124 .
(49) هم الذين خرجوا على الامام علي ( عليه السلام ) اثر التحكيم في صفين ، وقد انشقوا فيما بعد الى فرق عدة ، انظر : الشهرستاني : الملل ص 92 ـ 111 .
(50) وهي احدى فرق الغلاة تنسب الى ابي عبدالله محمد بن كرام من سجستان الذي خرج الى نيسابور ايام محمد بن طاهر بن عبدالله احد امراء الاسرة الطاهرية ، انظر : الاشعري : مقالات الاسلاميين 1 / 205 ـ 215 ، البغدادي : الفرق ص 130 ـ 137 ، ابن حزم : الفصل 2 / 5 ، 111 ، 3 / 233 ، 260 ، 288 ، الشهرستاني : الملل ص 87 ـ 91 ، ابن ابي الحديد : شرح 6 / 371 ـ 372 .
(51) نسبة لابي الحسن الاشعري كان معتزلياً ثم ترك الاعتزال مؤسساً مذهباً توفيقياً إذ اخذ افكار التيار السلفي واثبتها بادلة التيار العقلي ، انظر : الشهرستاني : الملل ص 75 ـ 83 . السمعاني : الانساب 1 / 266 ـ 267 ، القمي : هدية الإحباب ص 20 ـ 21 حمودي غرابة : ابو الحسن الاشعري ص 2 وما بعدها ، الحفني : موسوعة الفرق ص 66 ـ 68 .
(52) صرح كبار رجالات التصوف بان مصدر اعتقاداتهم هو الامام علي ( عليه السلام ) ، انظر : ابن ابي الحديد : شرح 1 / 19 ، 6 / 365 ـ 371 ، 11 / 72 ـ 75 ، 127 ـ 141 ، 180 ، 18 / 142 ـ 143 .
(53) ابن ابي الحديد : شرح 1/17 ، 6 / 371 ـ 372 ، 10 / 60 ، 13 / 47 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 11 ـ

  اما العقيدة فهو ما عقد في القلب دون القيام بعمل كالاعتقاد بان الله واحد ، وان بعث الانبياء واجب من باب اللطف الالهي(54) ، وان سيرة الانبياء تكتمل بالاوصياء وان الله يبعث من في القبور ، وغيرها من المسائل التي تسمى اصول الدين ، والعلم الذي يهتم بها هو علم الكلام الذي اهتمت به فرق كالامامية والخوارج والاشاعرة والمعتزلة .
  لقد واجهت المجتمع الاسلامي مشكلات فكرية منذ اواخر القرن الاول الهجري فطرحت اجابات لبعضها ، فأزاء مسالة هل الانسان حر في افعاله ام مقيد ؟ طرح غيلان الدمشقي(55) فكرة حرية الارادة، وازاء كنه الله سبحانه وتعالى طرح الجعد بن درهم(56) مسألة نفي الصفات ، وكانت مسألة مرتكب الكبيرة تشغل بال الكثيرين فطرح واصل بن عطاء مسألة المنزلة بين المنزلتين .
  هـذه الاراء التي كان التوصل اليها عقـلاً اخذ يعتنقها فيما بعد تيار عرف بالاعتزال(57) والذي تميز بميزات ثلاث :

**************************************************************
(54) هو كل ما يوصل الانسان الى الطاعة ويبعده عن المعصية ، انظر : القاضي : شرح الاصول الخمسة ص 518 ـ 525 ، الباقلاني : التمهيد 1 / 338 ـ 340 ، الشهرستاني : الملل ص 35 ، 51 ، 65 ـ 67 . بدوي : مذاهب الاسلاميين 1 / 293 ـ 297 .
(55) هوغيلان بن مسلم الدمشقي مولى الخليفة عثمان تتلمذ على يد الحسن بن محمد بن الحنفية ظهر ايام عمر بن عبدالعزيز حيث ولاه الخزائن ، وكان واحد دهره في العلم والزهد والدعاء الى الله وتوحيده ، ولما تولى هشام بن عبدالملك الخلافة صلبه ، ابن قتيبة : المعارف ص 484 ، القاضي : فرق وطبقات المعتزلة ص 38 ـ 41 ، فضل الإعتزال ص 162 ، 229 ـ 233 ، ابن نباته : سرح العيون ص 201 ـ 203 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 25 ـ 27 .
(56) هو مؤدب مروان بن محمد اخر الخلفاء الامويين ، قتله خالد القسري لقوله بنفي الصفات ، انظر : ابن الاثير : اللباب 1 / 230 ، ابن نباته : سرح العيون ص 203 ، ابن تغرى : النجوم الزاهرة1 / 322 .
(57) عن عقائد المعتزلة انظر : الناشىء الاكبر : مسائل الامامة ، الخياط : الانتصار ، وانظر موسوعة القاضي : المغني في التوحيد والعدل في عشرين جزءاً ، وكتابه الاخر : شرح الاصول الخمسة ، وانظر كتاب التذكرة لابن متويه ، وكتاب المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين لابي رشيد النيسابوري ، والملل للشهرستاني ص 34 ـ 68 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 12 ـ

الأولى : المصدر المعرفي
  عدَّ المعتزلة ـ العقل ـ المصدر المعرفي الوحيد ، إذ انه برايهم سابق للشرائع ، لان الشرائع جاءت لاناس عقلاء ، اذ ان الشريعة لا تأتِ للصبي ولا المجنون لانهما بلا عقل ، بل حتى السكران والنائم يرتفع عنهما تكليف الشريعة ما داما فاقدي العقل .

الثانية : التأويل
  ان فهم الشريعة يكون بالعقل لذا يجب ان تكون الشريعة مطابقة له ، الا انه احيانا نجد ظاهر الشريعة يخالف العقل ، هنا اضطر المعتزلة لصرف ظاهر النص الشرعي الى معنى مجازي أي القول بالتأويل معتمدين على قوله تعالى {{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }}(58) ، ولذا قالوا : (( اذا تعارض ظاهر النص مع العقل فان العقل هو المرجح ))(59).

الثالثة : حرية الارادة
  ان الله سبحانه وتعالى اعطى الانسان العقل وهو امتياز عن باقي المخلوقات مقابل تكليفه ، اذاً فالانسان مسؤول عن عمله ، وهذه المسؤولية تقتضي ان يكون حراً في ارادته(60) .
  ان التطور التاريخي للاعتزال يشير لوجود مدرستين له : الاولى مدرسة البصرة حيث نشأت في البصرة وتشير الروايات الى ان اول من قال بالاعتزال هو واصل بن عطاء وزميله عمرو بن عبيد ، وقد وضع رجالاتها القواعد والاصول الاساسـية للاعتزال ، وبرز منها كبار رجالات المعتزلة كابي الهذيل العلاف ، وابراهيم بن سيار النظام ، والجاحظ ، والجبائيين ، والقاضي عبدالجبار ، وابن متوية وغيرهم ،

**************************************************************
(58) سورة آل عمران آية 7 . (59) صبحي : في علم الكلام 1 / 389 . (60) محمد جواد الموسوي : محاضرات القيت على طلبة الدكتوراه سنة 1999 ـ 2000 م .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 13 ـ

واصبح كل من يحمل آراء هذه المدرسة يعد بصرياً بغض النظر عن بلدته(61).
  اماالثانية نشأت في بغداد لذا سميت مدرسة بغداد(62) ، وينسب تاسيسها لبشر بن المعتمر(63) الذي تتلمذ على يد معتزلة البصرة ثم قدم بغداد مؤسساً لهذه المدرسة ، فاصبح كل من ياخذ باراء هذه المدرسـة يعد بغدادياً بغض النظر عن بلدتـه ، ومن اهـم رجالات هذه المدرسـة جعفر بن حرب(64) وجعفر بن مبشر(65) وابـي جعفر الاسكافي(66)واحمد بن ابي دؤاد(67) والخياط(68) والكعبي(69) وابن ابي الحديد(70) .

**************************************************************
(61) عن مدرسة البصرة انظر:صبحي : في علم الكلام 1 / 105 ـ 393 ، الراوي : ثورة العقل ص 23 ـ 77 ، النعيمي : مدرسة البصرة الاعتزالية ص 7 ومابعدها .
(62) عن مدرسة بغداد انظر : صبحي : في علم الكلام 1 / 283 ـ 317 ، الراوي : ثورة العقل ص 81 ـ 299 .
(63) انظر ترجمته : البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 72 ـ 73 ، الملطي : التنبيه والرد ص 38 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 265 ـ 266 ، البغدادي : الفرق ص 94 ـ 96 ، الشريف المرتضى : الأمالي 1 / 194 ـ 195 ، الشهرستاني : الملل ص 50 ـ 51 . ابن ابي الحديد : شرح 3 / 388 ـ 389 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 52 ـ 54 ، الجرجاني : التعريفات ص37 ، المقريزي : الخطط 2 / 346 ، ابن حجر : لسان الميزان 2 / 33 ، الداوودي : طبقات المفسرين 1 / 117 .
(64) انظر ترجمته : ـ الخياط : الانتصار ص 15 ، 57 ، 74 ، 82 ، 91 ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 74 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 255 ، 278 ، 281 ـ 283 ، الشريف المرتضى : الآمالي 2 / 211 ، إبن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 73 ـ 76 . الراوي : ثورة العقل ص 145 ـ 154 .
(65) انظر ترجمته : ـ الخياط : الانتصار ص 63 ـ 64 ، 67 ـ 68 ، 73 ـ 74 ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 74 . القاضي : فضل الاعتزال ص 283 ، البغدادي : الفرق ص 101 ـ 102 ، الخطيب : تاريخ بغداد 7 / 162 ، الملطي : التنبيه والرد ص 34 ، ابن ابي الحديد : شرح 1 / 7 ، الجرجاني : التعريفات ص 61 . ابن حجر : لسان الميزان 2 / 121 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 76 ـ 77 .
(66) انظر ترجمته : الخياط : الانتصار ص 19 ، 68 ـ 69 ، 74 ، 76 ، 103 ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 74 ، الملطي : التنبيه والرد ص 342 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 285 ، البغدادي : الفرق ص 102 ـ 103 ، السمعاني : الانساب 1 / 234 ـ 235 ، ابن الاثير : اللباب 1 / 45 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 78 ، المقريزي : الخطط 2 / 346 ، الجرجاني : التعريفات ص 19 ، إبن حجر : لسان الميزان 5 / 221 ، القمي : هدية الأحباب ص 136 ، الراوي : ثورة العقل ص 155 ـ 167 . محمد السيد : ابو جعفر الاسكافي ص 7 وما بعدها .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 14 ـ

   ان للمعتزلة اصولا خمسة فلا يعد معتزلياً الا من يؤمن بها كلها(71) وهي التوحيد ؛ والعدل ؛ والوعد والوعيد ؛ والمنزلة بين المنزلتين ؛ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر(72) .
  ويعد الاصل الاخير ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الاصل العملي الوحيد وهو واجب عند المعتزلة وجوباً عقلياً وشرعياً(73) ، فهو يجب الى درجة استخدام القوة ، ومن هنا اجاز المعتزلة الخروج على الامام الجائر،

**************************************************************
(67) انظر ترجمته : الملطي : التنبيه والرد ص 39 ، ابن النديم : الفهرست ص 3 ـ 4 ( تراجم ملحقه باخر الكتاب ) ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 105 ، ابن الاثير : اللباب 1 / 427 ، الصفدي : الوافي بالوفيات 2 / 33 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 123 ـ 126 .
(68) انظر ترجمته : البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 74 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 296 ـ 297 ، البغدادي : الفرق ص 107 ـ 108 ، الشهرستاني : الملل ص 60 ـ 62 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 85 ـ 88 ، ابن حجر: لسان الميزان 4 / 8 ـ 9 .
(69) انظر ترجمته : الهمذاني : تكملة تاريخ الطبري ص 271 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 297 ، البغدادي : الفرق ص 108 ـ 110 ، الخطيب : تاريخ بغداد 9 / 384 ، الشهرستاني : الملل ص 60 ـ 62 ، ابن الجوزي : المنتظم 6 / 238 ، ابن خلكان : وفيات3 / 45 ، الذهبي : العبر 2 / 4 ، ابن كثير : البداية 11 / 164 ، الجرجاني : التعريفات ص 151 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 88 ـ 89 ، المقريزي : الخطط 2 / 348 ، ابن قطلوبغا : تاج التراجم ص 31 ، ابن حجر: لسان الميزان 3 / 255 ـ 256 ، القرشي : الجواهر المضية 1 / 271 ، القمي : هدية الأحباب ص 306 ، المشهداني : فلسفة ابوالقاسم الكعبي ، رسالة دكتوراه غير منشورة .
(70) انظر ترجمته : الحوادث الجامعة لمؤلف مجهول ص 366 ، الكتبي : فوات الوفيات 2 / 259 ـ 262 ، ابن كثير : البداية والنهاية 13 / 199 ـ 200 ، القمي : هدية الأحباب ص 65 ، ولمزيد من التفاصيل انظر رسالة الماجستير الموسومة (( ابن ابي الحديد سيرته وآثاره الادبية والنقدية )) ، لعلي جواد محي الدين .
(71) الخياط : الانتصار ص 93 .
(72) وقد شرحها القاضي في كتابيه (( المغني في التوحيد والعدل )) في عشرين جزءاً ، و (( شرح الاصول الخمسة )) .
(73) القاضي : شرح الاصول الخمسة ص 142 ، 741 ـ 746 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 15 ـ

وبهذا فهم يماثلون الخوارج(74) ، لكنهم اكتفوا بالقول دون الفعل لذا سموا مخانيث الخوارج(75) .
  ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عند المعتزلة على كل مكلف وفق شروط(76) ، وهو فرض كفاية عند المعتزلة اذا قام من به الكفاية به سقط عن الاخرين(77) ، وفي مقدمة من يجب عليه القيام بهذا الاصل هو الامام ، لذا اصبح موضوع الامامة من موضوعات اصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقول القاضي (( ووجه اتصاله بهذا الباب ان اكثر ما يدخل في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقوم به الا الائمة ))(78) .
ذكر الناشىء الاكبر ـ احد رجالات المعتزلة ـ ان المعتزلة انقسموا الى صنفين في رؤيتهم للامامة ، قسم اوجبوها ، وقسم آخر يرى ان للمسلمين الحق في اقامة امام او لا(79) ؟ فيما اشار ابن ابي الحديد المعتزلي الى ان المعتزلة جميعهم قالوا بوجوب الإمامة ما عدا ابا بكر الاصم الذي يرى (( انها غير واجبة اذا تناصفت الامة ولم تتظالم )) ، وهذا الرأي عده متاخرو المعتزلة قولا بالوجوب لانه في العادة لا تستقيم امور الناس من دون رئيس يحكم(80) .
  وقد تباينت وجهة نظر المعتزلة حول طريق وجوب الامامة أشرعي هو ام عقلي ؟ فالبعض من معتزلة البصرة يرى ان طريق وجوبها الشرع ،

**************************************************************
(74) ابن ابي الحديد : شرح 5 / 78 .
(75) البغدادي : الفرق ص 71 .
(76) القاضي : شرح الاصول الخمسة ص 142 ـ 144 .
(77) القاضي : شرح الاصول الخمسة ص 148 .
(78) القاضي : شرح الاصول الخمسة ص 749 .
(79) مسائل الامامة ص 49 .
(80) شرح نهج البلاغة 2 / 308 ، وانظر : الاشعري : مقالات الاسلاميين 2 / 133 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 16 ـ

اما معتزلة بغداد وبعض من معتزلة البصرة كالجاحظ وابوالحسين البصري فيرون ان طريق وجوبها العقل(81) ، وترى المعتزلة ان الهدف من وجوب الامامة هو أن فيها مصالح دنيوية ودفع مضار دنيوية(82) ، ولقد ناقش المتكلمون : هل يجب ان يكون الامـام افضل الامة ؟ وهل تجوز امامة المفضول ؟   بالنسبة للمعتزلة انقسموا لقسمين ، الاول يرى عدم جواز عقد الامامة الا للافضل ، لانهم يرون انه ليس بعد النبوة منزلة افضل من الامامة ، فكما كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) افضل الناس فكذلك الامام ، لان الامام هو الذي يؤدب الامة ويعرفها معالم دينها ، فلا يجوز ان يكون المؤدّب افضل من المؤدب ، والى هذا المذهب يذهب عمرو بن عبيد وابراهيم النظام .
  اما القسم الثاني فيرى جواز امامة المفضول مع وجود الافضل حيث يرون ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولى المفضول على الافضل كما في تولية عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل على جيش فيه ابو بكر وعمر(83) وتولية اسامة بن زيد على جيش فيه ابو بكر وعمر ايضا(84) ، ويرى هؤلاء انهم اذا رأوا رجلاً اجتمعت عليه الكلمة ولم يكن ساقط العدالة وله علم بالكتاب والسنة ،

**************************************************************
(81) ابن ابي الحديد : شرح 2 / 308 .
(82) ابن ابي الحديد : شرح 2 / 308 ، اما الامامية فيوجبونها على الله لان فيها لطف وابعاد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية ، انظر : الشريف المرتضى : الشافي في الامامة 1 / 47 ومابعدها .
(83) انظرتفاصيلها : ابن سعد : الطبقات 2 / 131 ، البخاري : الصحيح 5 / 68 ، الطبري : تاريخ 3 / 32 ، الحاكم : المستدرك 3 / 45 ، الشريف المرتضى : الشافي في الامامة 2 / 52 ـ 53 ، الشهرستاني : الملل ص 131 ، ابن ابي الحديد:شرح 6 / 319 ـ 320 .
(84) كان ذلك في مرض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الاخير ، انظر : ابن سعد : الطبقات 2 / 249 ، اليعقوبي : التاريخ 2 / 103 ، ابوهلال العسكري : الاوائل ص 137 ، الشهرستاني : الملل ص 131 ، ابن ابي الحديد : شرح 1 / 159 ، 6 / 52 ، 7 / 183 . النصرالله : مرويات الجوهري ، ص 1 ـ 3 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 17 ـ

يولوه أمر الامة وان كان فيها من هو افضل واوسع علماً ، وهذا هو راي واصل بن عطاء ومعتزلة بغداد كافة(85) .
  واختلف المتكلمون(86) في من هو الافضل بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فبالنسبة الى المعتزلة ذهب معتزلة بغداد بالاجماع للقول بافضلية الامـام علي ( عليه السلام ) على سائر الامة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )(87) ، بينما تعددت وجهة نظر معتزلة البصرة لخمسة اقسام : ـ
القسم الاول : ـ يرى افضلية الخلفاء الاربعة حسب تسلسلهم بالخلافة .
القسم الثاني : ـ يرى افضلية ابوبكر ثم عمر ثم علي ثم عثمان .
القسم الثالث : ـ يرى افضلية ابوبكر ثم عمر ثم عبدالرحمن بن عوف ثم عثمان .
القسم الرابع : ـ يتوقفون في القول بالافضلية بين الامام علي( عليه السلام ) وابي بكر .
القسم الخامس: ـ يرى افضلية الامام علي ( عليه السلام ) ثم ابي بكر ثم عمر ثم عثمان .
ولنقف الآن عند كل قسم لنرى رؤيته للأمام علي ( عليه السلام ) تفصيلا :

القسم الاول :
  يذهب البعض من معتزلة البصرة الى ترتيب الخلفاء الاربعة في الفضل حسب ترتيبهم بالخلافة كعمرو بن عبيد والنظام والجاحظ وثمامة بن الاشرس(88) والفوطي والشحام .

**************************************************************
(85) الناشىء الاكبر : مسائل الامامة ص 51 ـ 52 ، وانظر : الاشعري : مقالات الاسلاميين 2 / 134 ، ويوافقهم الزيدية ، انظر : الشهرستاني : الملل ص 125 .
(86) انظر : الناشىء الاكبر : مسائل الامامة ص 49 وما بعدها ، وخصص القاضي الجزء العشرين من كتابه المغني للامامة ، وانظر : الشريف المرتضى : الشافي في الامامة راجع الاجزاء الاربعة كلها،ابن حزم : الفصل 4 / 149 وما بعدها .
(87) ابن ابي الحديد : شرح 1 / 7 ـ 8 . النصرالله : شرح نهج البلاغة ص 38 ـ 48 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 18 ـ

  ودليلهم (( ان اصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قدموه [ ابو بكر ] في الامامة على سائر الناس ، قالـوا وجدنا المفضول لا يتولى على الفاضل الا باحـدى خصلتين : اما بان يغلب المفضول الامة على امرها ، ويتولى على الفاضل ، والناس لذلك كارهون ، واما بان يكون الذين يتولون اختيار الامام غير مناصحين للامة ولا ناظرين ولا محتاطين في حسن الاختيار لامام يرعاها فينحرفون عن الفاضل البارع الى المفضول الناقص ، وقالوا : كما وجدنا امامة ابي بكر قد زال عنها هذان الامران وذلك انه لم يستكره الامة ، ولم يغلبها على الامامة ولو كان ذلك لجاءت الاخبار به ، وكان الذين عقدوا امامته خيار الخلق والحجة ، وهم الذين الرسول لادابه [ كذا ] وباجتماع منهم عليه ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ولم تكن امتي لتجتمع على ضلالة(89) ، علماً ان ابا بكر انما عقد المسلمون الامامة له لانه افضلهم عندهم وقالوا مثل ذلك في عمر انه افضل الناس بعد بيعة ابي بكر ، وان عثمان افضل الناس بعد عمر في الوقت الذي ولي الى سنة ست من خلافته . . . واثبتوا امامة علي فقالوا : كان افضل الناس في الوقت الذي عقد له الخلافة . . .(90) )) .
  ونستعرض الان بعضاًمن اراءمعتزلة البصرة في الامام علي ( عليه السلام ) من اصحاب هذا الراي .

**************************************************************
(88) هو ثمامة بن الاشرس النميري مولى بني نمير من كبار رجال الاعتزال البصري ايام المامون والمعتصم والواثق توفي سنة 213 هـ . انظر ترجمته : ، المسعودي : مروج الذهب 4 / 10 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 272 ـ 275 ، الشريف المرتضى : الامالي 1 / 195 . الشافي في الامامة 1 / 92 ـ 93 ، ابن حجر : لسان الميزان 2 / 83 .
(89) اخرجه : ابو داود : السنن 4 / 98 ، ابن الطيب : المعتمد 2 / 471 ، الشهرستاني : الملل ص 160 .
(90) الناشىء الاكبر : مسائل الامامة ص 52 ـ 53 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 19 ـ

أولاً : عمرو بن عبيد ( 80 ـ 144 هـ ) (91)
  هو ابو عثمان عمرو بن عبيد بن كيسان بن باب البصري ، فارسي الاصل ، مولى لبني تميم ، كان ذا صلة وثيقة بواصل بن عطاء الا انه اختلف في هذه الصلة ، هل هي زمالة ام تلمذه ؟ اذ اقترن اسمهما معاً بنشوء الاعتزال(92) ، مع ان هناك روايات تشـير الى ان الاعتزال اطلـق عليه وعلى اصحابـه دون واصل من قبل الحسن البصري(93) او قتادة(94) السدوسي(95) ، وكان لعمرو اراءاً خاصة به اعتنقها عدد من اصحابه الذين سموا بالعمروية(96) .
  تباينت الروايات في مواقفه السياسية تجاه الدولة العباسية حيث كان الخليفة المنصور يثني عليه ويمدحه(97) ، وكذلك تباينت مواقفه من معارضي الخلافة العباسية كمحمد ذي النفس الزكية(98) سلباً وايجاباً(99) .

**************************************************************
(91) انظر ترجمته : البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 90 ـ 91 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 242 ـ 250 ، الشريف المرتضى : الامالي 1 / 84 ، 180 ـ 187 ، الشهرستاني : الملل ص 38 ، ابن خلكان : وفيات / 460 ـ 462 ، الجرجاني : التعريفات ص 129 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 35 ـ 41 ، المقريزي : الخطط 2 / 346 ، عمر فروخ : تاريخ الفكر العربي ص 224 ـ 225 .
(92) المفيد : الجمل ص 24 . الشهرستاني : الملل ص 38 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 4 ـ 5 .
(93) الشهرستاني : الملل 1 / 48 .
(94) ابن قتيبة : المعارف ص 482 ، الشريف المرتضى : الامالي 1 / 178 ، ابن خلكان : وفيات 4 / 85 . ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 4 .
(95) هوأبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي من اوائل مفسري تابعي البصرة توفي سنة 117 هـ ، انظر ترجمته : البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 88 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 341 ، الذهبي : سير اعلام النبلاء 5 / 270 ـ 283 .
(96) البغدادي : الفرق 1/100-102. الجرجاني : التعريفات ص 129 .
(97) ابو الفرج : مقاتل ص187. الشريف المرتضى : الامالي 1 / 181 ، 183 ـ 187 . ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 40 .
(98) من كبار رجالات آل البيت فضلاً وعلماً ، انظر : المسعودي : مروج الذهب 2 / 307 ـ 310 ، ابو الفرج : مقاتل الطالبين ص 206 ـ 262 .
(99) ابو الفرج : مقاتل ص 187 ، 218 ، 257 ـ 258 ، البلاذري : انساب الاشراف 3 / 92 . القاضي : فضل الاعتزال ص 246 ـ 249 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 20 ـ

  اما موقفه من الامام علي ( عليه السلام ) فهو يرى افضلية ابي بكر على الامام ( عليه السلام )(100) ، وفي نظرته لاحداث الجمل أشار الشريف المرتضى في معرض رده على القاضي عبدالجبار المعتزلي قائلا (( وكيف ذهب [ القاضي ] عن حكاية الجاحظ عن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ما يطم على كثير مما تقدم ؟ ونحن نحكي لفظه بعينه ، قال ( وكان واصل بن عطاء يجعل علي وطلحة والزبير بمنزلة المتلاعنين يتولى كل واحد منهم على حاله ، ولا يتولاهما مجتمعين ، وكذلك قوله : في أجازة شهادتهم مجتمعين ومتفرقين ، وكان عمرو بن عبيد لا يجيز شهادتهما مجتمعين ولا متفرقين ، وكان يفصل بين الولاية والشهادة ، وكان يقول : قد أتولى من لا أقبل شهادته ، وقد وجدت المسلمين يتولون كل مستور من اهل القبلة ، ولو شهد رجل من عرضهم على عثمان وابي بكر او عمر بن الخطاب سأل الحاكم عنه السؤال الشافي فأنا أتهم كل احد منهما بسفك تلك الدماء ، وقد أجمعوا على أن المتهم بالدماء غير جائز الشهادة ) . وأضاف الشريف المرتضى : ( هذه ألفاظه حرفا بحرف في كتابه المعروف بفضائل المعتزلة لا حكاية أصح واولى بالقبول من حكاية الجاحظ عن هذين الرجلين وهما شيخا نحلته ورئيسا مقالته . وقد ذكر ايضا هذه الحكاية البلخي في كتاب المقالات واسندها الى الجاحظ ، وقال عند انتهائها : وبعض أصحابنا يدفع ذلك عن عمرو بن عبيد ، ويقول ان عمرا لم يكن بالذي يخلف واصلا ويرغب عن مقالته . فكأنه صحح عليها المذهب الاول الذي هو اعتقاد انهما كالمتلاعنين ، وان شهادتهما تقبل اذا كانا متفرقين ، ولا تقبل اذا كانا مجتمعين .

**************************************************************
(100) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 1 / 7 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 21 ـ

  ولم يكن عنده في دفع المذهب الثاني اكثر من حكايته عن بعض اصحابه بتنزيه عمرو عن مخالفة واصل ، وهذا انكار ضعيف ، والمنكر له للعلة التي حكاها كالمقر به بل اقبح منه حالا ))(101) .
  وقال الخياط المعتزلي في معرض رده على ابن الراوندي(102) ( ثم ذكر [ ابن الراوندي ] قول واصل في عثمان وذكر وقوفه فيه وفي خاذليه وقاتليه وتركه البراءة من واحد منهم . وهذه هي سبيل اهل الورع من العلماء ان يقفوا عند الشبهات ، وذاك انه قد صحت عنده لعثمان احداث في الست الاواخر فاشكل عليه امره فارجاه الى عالمه ثم ذكر [ ابن الراوندي ] قوله وقول عمرو [ بن عبيد ] في علي وحربه وطلحة والزبير وعائشة وحربهم ووقوفهما في امرهم . وهذا كالذي قبله : كان القوم عندهما ابرارا اتقياء مؤمنين قد تقدمت لهم سوابق حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وهجرة وجهاد واعمال جليلة ، ثم وجداهم قد تحاربوا وتجالدوا بالسيوف فقالا : قد علمنا انهم ليسو بمحقين جميعا ، وجائز ان تكون احدى الطائفتين محقة والاخرى مبطلة ولم يتبين لنا من المحق منهم من المبطل فوكلنا امر القوم الى عالمه وتولينا القوم على اصل ماكانوا عليه قبل القتال ، فاذا اجتمعت الطائفتان قلنا ، قد علمنا ان احداكما عاصية لاندري ايكما هي )(103) .

**************************************************************
(101) الشريف المرتضى : الشافي في الإمامة 1 / 93 ـ 95 .
(102) هواحمد بن يحيى بن الحسين الراوندي نسبةالى راوند قرية تابعة لاصبهان ، متكلم مشهورله ( 114 ) كتابا من بينها كتاب فضيحة المعتزلة الذي ناقض به كتاب فضيلة المعتزلة للجاحظ ، كان من المعتزلة ثم طردته المعتزلة فاصبح من اشد خصومها ، وقد رد عليه الخياط المعتزلي البغدادي بكتاب الانتصار ، وكان الخياط قد اتهم بالزندقة وربما لتحامله على المعتزلة ت 245 هـ او 250 هـ . انظر ترجمته : القاضي : فضل الاعتزال ص 194 ، 267 ، 296 ـ 299 ، 320 . الشريف المرتضى : الشافي 1 / 82 ـ 83 ، 87 ـ 88 .
(103) الانتصار ص 73 ـ 74 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 22 ـ

  فيما يذكر النوبختي(104) ان عمرو بن عبيد يرى ان الامام علي ( عليه السلام ) كان اولى بالحق من غيره .
  بينما اشار المفيد بان راي عمرو في فريقي الجمل هو راي واصل بن عطاء حيث يجعل الامام واصحاب الجمل بمنزلة المتلاعنيين حيث قال : (( وزعم واصل الغزال وعمرو بن عبيد بن باب من بين كافة المعتزلة ان طلحة والزبير وعائشة ومن كان في حيزهم ، وعلي بن ابي طالب ( عليه السلام ) والحسن والحسين ( عليهما السلام ) ومن كان في حيزهم كعمار بن ياسر وغيرهم من المهاجرين ووجوه الانصار وبقايا اهل بيعة الرضوان(105) كانوا في اختلافهم كالمتلاعنيين ، وان احدى الطائفتين فساق ضلال مستحقون للخلود في النار الا انه لم يقم عليها دليل ))(106) .
  واشار المفيد بتفصيل اكثر لهذه الرؤية في كتابه الاخر المسمى ـ الجمل قائلاً : واختلف في ذلك المعتزلة . . . فقال اماماهم المقدمان ، وشيخاهم المعظمان اللذان هما اصلان للاعتزال ، وافتتحا لمعتقديه فيه الكلام ، وهما فخر الجماعة منهم وجمالهم ، الذين لا يعدلوا عندهم سواه ؛ واصل بن عطاء الغزال ، وعمرو بن عبيد بن باب المكاري : ان احد الفريقين ضال في البصرة مضل فاسق خارج من الايمان والاسلام ، ملعون مستحق للخلود في النار، والفريق الاخر هذا مهدي مصيب مستحق للثواب والخلود في الجنان ، غير انهم زعموا ان لا دليل على تعيين الفريق الضال ، ولا برهان على المهدي ولا بينه نتوصل بها الى تمييز احدهما عن الاخر في ذلك بحال من الاحوال .

**************************************************************
(104) فرق الشيعة ص 33 .
(105) هي بيعة المسلمين للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في السنة السادسة للهجرة لما رفضت قريش دخول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة لاداء العمره مما ادى لعقد صلح الحديبية، سورة الفتح آيه 10، انظر: ابن هشام : السيرة النبوية 3 / 205 ، اليعقوبي : التاريخ 2 / 35 ـ 36 .
(106) اوائل المقالات ص 43 .



الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 23 ـ

  وانه لا يجوز ان يكون علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) والحسن والحسين ومحمد بن علي وعبدالله وقثم والفضل وعبيدالله بنو العباس وعبدالله بن جعفر الطيار وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين(107) وابو ايوب الانصاري(108) وابو الهيثم بن التيهان(109) وكافة شيعة علي ( عليه السلام ) واتباعه من المهاجرين والانصار واهل بدر وبيعة الرضوان واهل الدين المتحيزين اليه والمحققين بسمة الاسلام هم الفريق الضال ، والفاسق الباغي الخارج عن الايمان والاسلام والعدو لله والبريء من دينه الملعون المستحق للخلود في النار.
  وتكون عائشة وطلحة والزبير والحكم بن ابي العاص(110) ومروان (111) ابنه وعبدالله بن ابي سرح(112)والوليد بن عقبة(113) وعبدالله بن عامر بن كريز بن عبد شمس(114) ومن كان في حيزهم من اهل البصرة هم الفريق المهدي الموفق الى الله المصيب في حربة المستحق للاعظام والاجلال والخلود في الجنان .

**************************************************************
(107) صحابي استشهد مع الامام بصفين ، انظر : الطبري : المنتخب ص 511 ، 572 ، ابن عبدالبر : الاستيعاب 2 / 448 ، ابن الجوزي : صفة الصفوة 1 / 702 ، ابن ابي الحديد : شرح 10 / 108 ـ 109 . القمي : هدية الإحباب ص 192 .
(108) صحابي مشهور شهد صفين والنهروان مع الامام ( عليه السلام ) ومات على حدود بيزنطة ايام معاوية ، انظر : الطبري : المنتخب ص 515 ، البيهقي : المحاسن ص 136 ـ 137 ، الحاكم : المستدرك 3 / 518 ـ 523 ، ابن عبدالبر : الاستيعاب 4 / 166 ـ 167 .
(109) احد نقباء الانصار وشهد صفين مع الامام وقتل فيها ، انظر : الحاكم : المستدرك 3 / 323 ـ 324 ، ابن عبدالبر : الاستيعاب 4 / 1773 ، ابن الجوزي : صفة الصفوة 1 / 462 ـ 463 .
(110) انظر ترجمته : ابن الاثير : اسد الغابة 2 / 37 ـ 38 .
(111) انظر ترجمته : ابن الاثير : اسد الغابة 4 / 107 ـ 109 .
(112) انظر ترجمته : ابن حجر : الاصابة 2 / 316 ـ 318 .
(113) انظر ترجمته : ابوالفرج : الاغاني 5 / 112 ـ 119 ، ابن الاثير : اسد الغابة 4 / 315 ـ 317 .
(114) انظر ترجمته : ابن الاثير : اسد الغابة 3 / 6 ـ 7 .

الإمام علي ( عليه السلام ) في فكر معتزلة البصرة   ـ 24 ـ

  قالا جميعاً ، نعم ما ننكر ذلك ولا نؤمن به اذ لا دليل يمنع من الحكم به على ما ذكرناه بحل ، وكما ان قولنا ذلك في علي واصحابه فكذلك هو في الفريق الاخر فانا لسنا ننكر انهم واتباعهم على السواء ، ولسنا ننكر ان يكونوا هم الفريق الضال الملعون العدو لله البريء من دينه ، المستحق للخلود في النار، وان يكون علي ( عليه السلام ) واصحابه هم الفريق الهادي المهتدي الولي لله في سبيله والمستحق بقتاله عائشة وطلحة والزبير وقتل من قتل منهم الجنة وعظيم الثواب .
  قالا : ومنزلة الفريقين منزلة المتلاعنين فيهما فاسق لا يعلمه على التمييز له والتعيين الا الله عز وجل ، (( وهذه مقالة مشهورة عن هذين الرجلين قد سطرها الجاحظ عنهما في كتابه الموسوم (( بفضيلة المعتزلة(115) )) ، وحكاها اصحاب المقالات عنهما ، ولم يختلف العلماء في صحتها عن الرجلين المذكورين ، وانهما خرجا من الدنيا على التدين بها والاعتقاد لها بلا ارتياب )) (116) .
  فيما ذكر الشريف المرتضى ان اباعبيدة روى : دخل عمرو بن عبيد على سليمان بن علي بن عبدالله بن العباس بالبصرة ، فقال له سليمان : اخبرني عن صاحبك ـ يعني الحسن البصري ـ حين يزعم ان علياً عليه السلام قال : إني وددت أني كنت آكل الحشف بالمدينة ولم أشهد مشهدي هذا ـ يعني يوم صفين ـ فقال له عمرو بن عبيد : لم يقل هذا ! لانه ظن أن امير المؤمنين عليه السلام شك ، ولكنه يقول : ودَ انه كان يأكل الحشف بالمدينة ، ولم تكن هذه الفتنة(117) .
  اما الشهرستاني فعندما تحدث عن واصل قال ( قوله في الفريقين من اصحاب الجمل واصحاب صفين إن احدهما مخطىء لا بعينه ، وكذلك قوله في عثمان وقاتليه وخاذليه ، قال : إن احد الفريقين فاسق لا محاله ، كما ان احد المتلاعنيين فاسق لا محاله ، لكن لا بعينه ،

**************************************************************
(115) ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 68 ، وهومن كتب الجاحظ المفقودة .
(116) الجمل ص 24 ـ 27 .
(117) امالي المرتضى 1 / 186 .