وقد عرفت قوله في الفاسق ، واقل درجات
الفريقين أنه لايقبل شهادتهما كما لاتقبل شهادة المتلاعنين فلا يجوز قبـول شـهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل ، وجوز أن يكون عثمان وعلي على الخطأ . هذا قوله وهو رئيس المعتزلة ومبدأ الطريقة في أعلام الصحابة وائمة العترة ، ووافقه عمرو بن عبيد على مذهبه ، وزاد عليه في تفسيق احد الفريقين لا بعينه بأن قال : لو شهد رجلان من أحد الفريقين مثل علي ورجل من عسكره ، او طلحة والزبير لم تقبل شهادتهما ، وفيه تفسيق الفريقين وكونهما من اهل النار . وكان عمرو بن عبيد من رواة الحديث ، معروفا بالزهد، وواصل مشهورا بالفضل والادب عندهم ) (118). يلاحظ على ما مر : 1 ـ الا تتعارض رؤية عمرو هذه مع رؤيته في ان الخليفة يجب ان يكون افضل الامة (119) ، ولذا فهو ينظر لكل واحد من الخلفاء الاربعة على انه افضل اهل عصره ، فلماذا يتوقف عمرو في الامام ويضعه في منزلة المتلاعنين مع اصحاب الجمل مع انه يراه افضل عصره ، اللهم إلا إذا كان لايعترف بخلافة الامام علي (ع) !؟ ان وضع الامام واصحاب الجمل في منزلة المتلاعنين الا يعد رداً على من يرى عدالة الصحابة اجمعين (120) !؟ ************************************************************** (118) الملل والنحل ص 38 . (119) الناشىء الاكبر : مسائل الامامة ص 51ـ 52 . (120) تباينت الاراء في الصحابة فهناك من يحكم بعدالة الصحابة اجمعين ، وهناك من يحدد شروط للحكم على الصحابي بالعدالة ، انظر : الشريف المرتضى : الشافي في الامامة 1 / 233 ـ 261 ، احمد حسين يعقوب : نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الاسلام ( كل الصفحات ) .
الم يطلع عمرو بن عبيد على كثير من الايات القرآنية التي اتفق الخلف والسلف على نزولها في الامام علي ( عليه السلام ) ، كآية التطهير (121) والمباهلة (122) والمودة (123) والنجوى (124) وغيرها (125) ؟
************************************************************** (121) سورة الاحزاب آية 33 ، انظر : الترمذي : سنن 12 / 200 ، النسائي : خصائص ص 49 ، الطبري : جامع البيان 22 / 508 ، البيهقي : المحاسن ص 87 ، الحاكم : المستدرك 3 / 158 ـ 160 ، الواحدي : اسباب النزول ص 239 ـ 240 ، ابن عبدالبر: الاستيعاب 3 / 1100 ، ابن المغازلي : المناقب ص 301 ـ 307 ، الخوارزمي : المناقب ص 23 ، 73 ، الزمخشري : الكشاف 1 / 269 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة ص 17 ، 233 ، الحلي : نهج الحق ص 173 ـ 175 ، ابن تيمية : منهاج السنة 2 / 121 . الزرندي : معارج الوصول ص 33 . (122) سورة آل عمران آية 61 ، انظر: الترمذي : سنن 11 / 126 ، 173 ، الطبري : جامع 4 / 299 ـ 301 ، البيهقي : المحاسن ص 42 ، الحاكم : المستدرك 3 / 163 ، الواحدي : اسباب النزول ص 67 ـ 68 ، ابن المغازلي : المناقب ص 263 ، الزمخشري : الكشاف 1 / 368 ـ 369 ، النووي : تهذيب الاسماء 1 / 1 / 347 ، محب الدين : الرياض 2 / 248 ، الحلي : نهج الحق ص 177 ـ 179 . الزرندي : معارج الوصول ص 33 ، ابن كثير : البداية 7 / 340 ، ابن حجر : الاصابة 2 / 509 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 169 ، الهيتمي : الصواعق ص 113 ، 143 ، 155 . (123) سورة الشورى آية 24 ، انظر : الدولابي : الذرية الطاهرة ص 110 ، الطبراني : المعجم الاوسط 2 / 337 ، المعجم الصغير 1 / 76 ، النحاس : الناسخ والمنسوخ ص 216 ، ابو نعيم : ذكراخبار اصبهان 2 / 165 ، النسفي : تفسير النسفي 4 / 105 ، ابن المطهر الحلي : نهج الحق ص 175 ـ 176 ، المقريزي : فضل آل البيت ص 117 ، ابن الجوزي : زاد المسير 7 / 284 ، الشبراوي : الاتحاف ص 17 ـ 19 ، الصبان : اسعاف الراغبين ص 105 ، القسطلاني : المواهب اللدنية 2 / 121 ـ 122 ، 127 ، القندوزي : ينابيع المودة 1 / 3 ومابعدها ، وانظر السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي : تفسير آية المودة ( كل الصفحات ) ، الفتلاوي : الكشاف المنتقى ص 80 ـ 83 .
1 ـ الم يطلع عمرو بن عبيد على الكثير من الاحاديث النبوية بحق الامام ( عليه السلام ) كحديث المنزلة والغدير ، وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (( علي مع الحق والحق مع علي )) ، وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (( اقضاكم علي )) واقوال الخليفة عمر المشهورة في الامام علي ( عليه السلام )(126) . 2 ـ لم يكن موقف عمرو واضحاً من محمد ذي النفس الزكية احد رجالات آل البيت ( عليهم السلام ) فبعض الروايات تظهره بالموقف السلبي واخرى بالايجابي ، ونجد عددا من اصحابه قد شاركوا في ثورته مع اخيه ابراهيم في البصرة . 3 ـ ان موقف الخليفة العباسي المنصور من عمرو بن عبيد يثير التساؤل ، إذ كان كثيرا ما يمدحه ويثني عليه ، ولم يلاحقه او يصيبه باي اذى !!؟ ************************************************************** (124) سورة المجادلة آية 12 ـ 13 ، انظر : البزاز : مسند البزاز 2 / 358 ، ابي يعلى : مسند ابي يعلى 1 / 322 ، ابن حبان : صحيح ابن حبان 15 / 390 ـ 392 ، الجصاص : احكام القرآن 3 / 248 ، النحاس : اعراب القرآن 3 / 380 ، ابن العربي : احكام القرآن 4 / 1749 ـ 1750 ، النسفي : تفسير النسفي 4 / 235 ، ابن المطهر الحلي : نهج الحق وكشف الصدق ص 182 ـ 183 . الزرندي : معارج الوصول ص 27 ، العصامي : سمط العوالي 2 / 474 ، الفتلاوي : الكشاف المنتقى ص 93 ـ 96 . (125) عن الايات النازلة في حق الامام ( عليه السلام ) ، انظر: الحلي : كتاب الالفين ص 36 ما بعدها ، الحلي : نهج الحق وكشف الصدق ص 172 ـ 211 . الزرندي : معارج الوصول ص 25 ـ 29 . القندوزي : ينابيع المودة 1 / 103 ـ 142 ، الفيروز آبادي : فضائل الخمسة في الصحاح الستة 1 / 265 ـ 348 ، 461 ـ 480 ، القزويني: الامام علي ( عليه السلام ) ص 72 ـ 91 . الفتلاوي : الكشاف المنتقى ص 19 ـ 108 . (126) عن الاحاديث النبوية في حق الامام (ع) انظر: الحلي : نهج الحق وكشف الصدق ص 212 ـ 230 ، الزرندي : معارج الوصول ص 30 ـ 35 ، الفيروز آبادي : فضائل الخمسة في الصحاح الستة 2 / 25 ـ 502 ، 3 / 7 ـ 144 . الفتلاوي : الكشاف المنتقى ص 111 ـ 469 .
ثانياً : النظام (127) ( 160 ـ 231 هـ ) هو أبو إسحاق ابراهيم بن سيار النظام ، من الموالي تلقى الاعتزال عن ابي الهذيل العلاف ، وانكب على دراسة كتب الفلسفة حتى سمي بفيلسوف المعتزلة ، وقد نقض كتاب من كتب أرسطو ، وهذا يتناقض مع وصفه بالامية (128) ، ودرس على يديه بعض من كبار رجالات المعتزلة كالجاحظ وزرقان (129)وغيرهما ، وله عدة مؤلفات في اثبات صحة عقائد المعتزلة والرد على خصوم الاعتزال . يرى النظام ان الامام يجب ان يكون افضل الامة لانه لا تجوز برايه امامة المفضول (130) ، اما موقفه من الامام علي ( عليه السلام ) وخصومه فيرى ان الامام علي ( عليه السلام ) كان مصيباً في حربه لطلحة والزبير وغيرهما ، وان جميع من قاتله وحاربه على خطأ ووجب على الناس محاربتهم مع علي ( عليه السلام ) ، بدليل قوله تعالى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ (131)} ، لذا وجب قتالهم لبغيهم عليه لانهم ادعوا ماليس لهم وما لم يكونوا من اوليائه من الطلب بدم عثمان فبغوا عليه ، ************************************************************** (127) انظر ترجمته : الخياط : الانتصار ص 19 ، 21 ـ 47 ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 70 ـ 71 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 264 - 265 ، ابن النديم : الفهرست ص 2 ( تراجم ملحقة بآخر الكتاب ) ، الشريف المرتضى : الآمالي 1 / 196 ـ 197 . البغدادي : الفرق ص 79 ـ 91 ، الشهرستاني : الملل ص 42 ـ 47 ، ابن نباته : سرح العيون ص 153 ـ 157 ، الجرجاني : التعريفات ص 195 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 49 - 52 ، ابن تغرى : النجوم الزاهرة 2 / 234 ، بدوي: مذاهب الاسلاميين 1 / 198 ـ 279 . القمي : هدية الإح باب ص 341 ـ 342 . (128) القاضي : فضل الاعتزال ص 264 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 50 . (129) هو أبويعلى محمد بن شداد بن عيسى المسمعي صاحب كتاب المقالات وكان يناظر خصوم المعتزلة بين يدي الواثق . انظر ترجمته : القاضي : فضل الاعتزال ص 285 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 78 . (130) الناشىء : مسائل الامامة ص 51 - 52 . (131) سورة الحجرات آية 9 .
واستدل النظام بقول الامام علي ( عليه السلام ) : (( امرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (132) )) ، فقد قاتلهم ووجب قتالهم (133) . وكذلك عد النظام موقف الامام يوم التحكيم (134) هو الاصح اذ لما ابى اصحابه الا التحكيم وامتنعوا عن القتال نظر الامام ( عليه السلام ) للمسلمين ليتآلفهم وامر الحكمين للعمل بكتاب الله لكنهما خالفا اوامره فهما اللذان ارتكبا الخطأ وهو الذي اصاب مستدلا بان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وادع اهل مكة ورد ابا جندل بن سهيل بن عمرو الى المشركين يحجل في قيوده (135) ، وبتحكيمه سعد بن معاذ فيما بينه وبين بني قريضة وبني النظير (136) من اليهود (137) . وأشار الشهرستاني لعدد من ارائه قائلا ( الحادية عشرة : ميله الى الرفض ، ووقيعته في كبار الصحابة ، قال : أولا : لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا ، وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام على علي رضي الله عنه في مواضع وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة ، إلا أن عمر كتم ذلك، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة ، ونسبه الى الشك يوم الحديبية في سؤاله الرسول عليه السلام حين قال : ألسنا على الحق ؟ أليسوا على الباطل ؟ قال : نعم ، قال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : هذا شك وتردد في الدين ، ووجدان حرج في النفس مما قضي وحكم ، وزاد في الفرية فقال : ان عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، ************************************************************** (132) الصدوق : الخصال ص 145 ، علل الشرائع 1 / 222 ، المفيد:الفصول المختارة ص 232 ، الطبري الإمامي : المسترشد في الامامة ص 668 ـ 669 ، ابن شهر آشوب : مناقب ال ابي طالب 3 / 18 ، السيدنعمةالله الجزائري : نورالبراهين 2 / 316 . (133) النوبختي : فرق الشيعة ص 37 ـ 38 . (134) عن التحكيم انظر: الجاحظ : رسالة في الحكمين ( كل الصفحات ) . (135) إبن هشام : السيرة النبوية 3 / 207 . إبن الاثير : أسد الغابة 4 / 404 ـ 405 . (136) إبن هشام : السيرة النبوية 3 / 148 ـ 149 . (137) النوبختي : فرق الشيعة ص 37 ـ 38 .
وكان يصيح : احرقوا الدار (138) بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين وقال : تغريبه نصر بن الحجاج من المدينة الى البصرة . وابداعه صلاة التراويح . ونهيه عن متعة الحج . ومصادرته العمال ، كل ذلك احداث . ( ثم وقع في امير المؤمنين عثمان وذكر احداثه ، من رده الحكم بن امية الى المدينة وهو طريد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ونفيه ابا ذر الى الربذة ، وهو صديق رسول الله ، وتقليده الوليد بن عقبة الكوفة وهو من افسد الناس ، ومعاوية الشام ، وعبدالله بن عامر البصرة وتزويجه مروان بن الحكم ابنته ، وهم افسدوا عليه امره ، وضرب عبدالله بن مسعود على احظار المصحف ، وعلى القول الذي شاقه به ، كل ذلك احداثه ) (139) . ولكن النظام ذهب بعيداً وأسرف في تحليله لكلام الامام ( عليه السلام ) يوم النهروان ، فعندما تكلم النظام في كتابه ـ النكت (140) ـ عن ان الاجماع ليس بحجة اضطر لذكر عيوب الصحابه فقال في حق الامام علي ( عليه السلام ) (( انه لما حارب الخوارج يوم النهروان ، كان يرفع راسه الى السماء تارة ينظر اليها ، ثم يطرق الى الارض فينظـر اليهـا تـارة اخـرى ، يوهـم اصحابـه انـه يوحـى اليـه ، ثم يقول : ما كذبت ولا كذبت ، فلما فرغ من قتالهم واديل عليهم ووضعت الحرب اوزارها ، قال الحسن ابنه : ياامير المؤمنين ، اكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تقدم اليك في امر هؤلاء بشيء ؟ فقال : لا ، ************************************************************** (138) في الاصل : دارها . (139) الملل ص 45 . وانظر دفاع الخياط عن النظام : الانتصار ص 74 ـ 75 . (140) من كتب النظام المفقودة .
ولكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) امرني بكل حق ، ومن الحق ان اقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (141) )) . وعلق النظام قائلاً : قوله ( عليه السلام ) (( ما كذبت ولا كذبت ، ورفعه راسه احيانا الى السماء واطراقه الى الارض ايهام ، اما لنزول الوحي عليه ، او لانه قد اوصي من قبل في شأن الخوارج بامر، ثم هو يقول : ما اوصي فيهم على خصوصيتهم بامر، وانما اوصي بكل الحق ، وقتالهم من الحق (142) )) . وقد رد ابن ابي الحديد على النظام قائلا : (( ان النظام اخطأ عندنا في تعريضه بهذا الرجل خطأ قبيحاً ، وقال قولاً منكراً ، نستغفر الله له من عقابه ، ونسأله عفوه عنه )) ، وليست الرواية التي رواها عن الحسن وسؤاله لابيه وجوابه له بصحيحة ولا معروفة ، والمشهور المعروف المنقول نقلاً يكاد يبلغ درجة المتواتر من الاخبار ، ما روي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في معنى الخوارج باعيانهم وذكرهم بصفاتهم ، وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) : (( انك مقاتلهم وقاتلهم ، وان المخدج ذا الثدية (143) منهم ؛ وانك ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين (144) )) ، فجعلهم اصنافاً ثلاثة حسب ما وقعت الحال عليه ، ************************************************************** (141) بن ابي الحديد شرح 6 / 29 ، وانظر: الطبرسي : أعلام الورى ص 170 . (142) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 129 . (143) هو حرقوص بن زهير المعروف بذي الخويصرة التميمي رأس الخوارج ، كان مرائيا بصلاته حتى خدع عدد من الصحابة وظنوه عابدا لذا رفض ابوبكر وعمر امر النبي اياهم بقتله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للامام علي عليه السلام : لو قتل مااختلف من امتي رجلان . وقال صلى الله عليه وآله وسلم ان هذا واصحابه يقرؤون القرآن لايجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لايعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فأقتلوهم ، هم شر البرية . المبرد : الكامل2 / 602 ـ 603 . ابن الاثير : اسد الغابة 1 / 448 ـ 499 . ابن حجر : الاصابة 2 / 484 ـ 485 . الموسوي : النص والاجتهاد ص 79 ـ 82 . (144) الصدوق : الخصال ص 145 ، علل الشرائع 1 / 222 ، المفيد : الفصول المختارة ص 232 ، الطبري الامامي : المسترشد في الامامة ص 668 ـ 669 ، ابن شهر آشوب : مناقب ال ابي طالب 3 / 18 ، السيد نعمة الله الجزائري : نور البراهين 2 / 316 .
وهذا من معجزات الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، واخباره عن الغيوب المفصلة ، فما اعلم من أي كتاب نقل النظام هذه الرواية ، ولا عن أي محدث رواها ، ولقد كان رحمه الله تعالى بعيداً عن معرفة الاخبار والسير منصباً فكره مجهداً نفسه في الامور النظرية الدقيقة كمسألة الجزء (145) ومداخلة الاجسام وغيرهما، ولم يكن الحديث والسير من فنونه ولا من علومه ، ولا ريب انه سمعها ممن لا يوثق بقوله ، فنقلها كما سمعها (146) . ثم اشار ابن ابي الحديد الى ان نظر الامام تارة الى السماء وتارة الى الارض وقوله ( عليه السلام ) ما كذبت ولا كذبت ، فصحيح وموثوق بنقله لاستقامته وشهرته وكثرة رواته ؛ والوجه في ذلك انه ( عليه السلام ) استبطىء وجود المخدج حيث طلبه في جملة القتلى ، فلما طال الزمان ، واشفق من دخول شبهه على اصحابه لما كان قدمه اليهم من الاخبار قلق واهتم ، وجعل يكرر قوله : (( ما كذبت ولا كذبت (147) )) أي ما كذبت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا كذبني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيما اخبرني به . ************************************************************** (145) هو الجوهر واول من قال به من المعتزلة ابو الهذيل العلاف، انظر: الخوارزمي : مفاتيح العلوم ص 17 ، ابو رشيد : المسائل في الخلاف ص 28 ـ (104) ، ابن متويه : التذكرة ص 47 ـ 145، الجرجاني : التعريفات ص 60 ـ 61 . التهانوي : كشاف اصطلاحات العلوم 1 / 207 ، بينس : مذهب الذرة عندالمسلمين ص 1 ـ 16 . (146) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 130 . (147) زيد بن علي : مسند زيد بن علي ص 409 ، الشيباني : شرح كتاب السير الكبير 1 / 223 ، مالك : المدونة الكبرى 2 / 49 ، الطيالسي : مسند الطيالسي ص 24 ، الصنعاني : المصنف 3 / 358 ، ابن ابي شيبة الكوفي : المصنف 8 / 737 ، ابن حنبل : مسند احمد 1 / 139 ، مسلم : صحيح مسلم 3 / 116 ، النسائي : سنن النسائي 5 / 160 ، الثقفي : الغارات 1 / 116 ، الخصيبي : الهداية الكبرى ص 146 ، الطبراني : المعجم الاوسط 2 / 149 ، الزرندي : نظم درر السمطين ص 116 ، القاضي النعمان : شرح الاخبار 2 / 59 ـ 63 ، الحاكم : المستدرك 2 / 154 ، المفيد الفصول المختارة ص 231 ـ 233 ، الشريف الرضي : خصائص الائمة ص61 ، 107 ، نهج البلاغة ، الحكمة 185، الطوسي : الخلاف 1 / 436 ، البيهقي : السنن 2 / 371 ، 8 / 171 ، ابن شاذان : الايضاح ص 453 ، الواسطي : عيون الحكم والمواعظ ص 480 ، محب الدين الطبري : ذخائر العقبى ص 110 ، ابن حجر : فتح الباري 2 / 264 .
فاما رفعه راسه الى السماء تارة ، واطراقه الى الارض اخرى ، فانه حيث كان يرفع راسه كان يدعو ويتضرع الى الله في تعجيل الظفر بالمخدج ، وحيث يطرق كان يغلبه الهم والفكر فيطرق . ثم حين يقول ( عليه السلام ) (( ما كذبت ولا كذبت )) كيف ينتظر نزول الوحي ، فان من نزل عليه الوحي لا يحتاج ان يسند الخبر الى غيره ، ويقول : ما كذبت فيما اخبرتكم به عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (148) . ومما طعن به النظام على الامام علي ( عليه السلام ) طعن على كلامه ( عليه السلام ) (( اذا حدثتكم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو كما حدثتكم ، فو الله لان اخر من السماء احب الي من ان اكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، واذا سمعتموني احدثكم فيما بيني وبينكم فانما الحرب خدعة (149) )) . عده النظام يجري مجرى التدليس (150) في الحديث ، ولو لم يحدثهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمعاريض ، وعلى طريق الايهام لما اعتذر من ذلك (151) ، ************************************************************** (148) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 130 ـ 131 . (149) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 131 . (150) هو رواية المحدث عمن عاصره ولم يلقه فيوهم انه سمع منه ، أو روايته عمن قد لقيه مالم يسمع منه وهذا هو التدليس في الإسناد . وهناك التدليس في الشيوخ مثاله أن يغير أسم شيخه لعلمه بأن الناس يرغبون عن الرواية عنه أو يكنيه بغير كنيته أو ينسبه الى غير نسبته المعروفة من أمره ، ووصفهم لمن روى عنه أنه صحابي يريدون أنه ممن ثبتت صحبته لرسول الله (ص) . أنظر: الخطيب : الكفاية ص 38 ، الجرجاني : التعريفات ص 44 ، أبوحبيب : القاموس الفقهي ص 132 . (151) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 131 .
فرد ابن ابي الحديـد على النظام قائـلاً : ان النظام قد وهم وانعكس عليه مقصد امير المؤمنين ، وذلك انه ( عليه السلام ) لشدة ورعه اراد ان يفصل للسامعين بين ما يخبر به عن نفسه ، وبين ما يرويه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وذلك لان الضرورة ربما تدعوه الى استعمال المعاريض ، لا سيما في الحرب المبنية على الخديعة والراي ، فقال لهم : كلما اقول لكم قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاعلموا انه سليم من المعاريض ، خال من الرمز والكناية ، لاني لا استجيز ولا استحل ان اعمي او أَلغز في حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما حدثتكم به عن نفسي ، فربما استعمل فيه المعاريض ، لان الحرب خدعة (152) . واضاف ابن ابي الحديد : وهذا كلام رجل قد استعمل التقوى والورع في جميع اموره وبلغ من تعظيم امر الرسول عليه افضل الصلاة والسلام ، واجلال قدره واحترام حديثه الا يرويه الا بالفاظه لا بمعانيه ، ولا بأمر يقتضي فيه الباساً وتعمية ، ولو كان مضطرا الى ذلك ، ترجيحا للجانب الذي على جانب مصلحته في خاص نفسه . فاما اذا هو قال كلاماً يبتدى به من نفسه فانه قد يستعمل فيه المعاريض إذا اقتضت الحكمة والتدبير ذلك، فقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) باتفاق الرواة كافة اذا اراد ان يغزو وجهاً ورى عنه بغيره ، ولما خرج ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من المدينة لفتح مكة ، قال لاصحابه كلاماً يقتضي انه يقصد بني بكر بن عبد مناة من كنانة ، فلم يعلموا حقيقة حاله حتى شارف مكة ، وقال حين هاجر . . . لاعرابي . . . من اين انت ؟ . . . قال له الاعرابي . . . فممن انت ؟ فقال : من ماء ، لم يزده على ذلك ، فجعل الاعرابي يفكر ، ويقول : من أي ماء ؟ من ماء بني فلان ، من ماء بني فلان ؟ فتركه ولم يفسر له ، وانما اراد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انه مخلوق من نطفة . ************************************************************** (152) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 131 ، وانظر ايضا : الشريف المرتضى : تنزيه الانبياء ص 174 .
واما قول النظام (( لو لم يحدث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمعاريض لما اعتذر من ذلك )) ، فليس في كلامه ( عليه السلام ) اعتذار، ولكنه نفى ان يدخل المعاريض في روايته ، واجازها فيما يبتدى به عن نفسه وليس يتضمن هذا اعتذاراً ، وقوله (( لان اخر من السماء )) يدل على انه ما فعل ذلك ولا يفعله (153) . يلاحظ التناقض في رؤية النظام للامام ( عليه السلام ) فهو في الوقت الذي يصحح مواقف الامام في حروبه كافه ويخطىء محاربيه بل يرى وجوب قتال محاربيه لانهم بغاة برأيه ولكنه من جانب اخر يتهم الامام بانه يدلس على اصحابه ويوهمهم بانه يوحى له مع ان ظاهر الروايات لا يفيد ما ذهب اليه النظام والملاحظ ان انهماك النظام بدراسة الفلسفة اليونانية دفعته إلى انتقاد الكل . ثالثا :- الجاحظ ( 150 ـ 255 هـ ) (154) ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ من ابرز رجالات معتزلة البصرة الذين تميزوا بالتنوع في نتاجاتهم الفكرية في الادب والكلام والتاريخ (155) ، ومن خلال تتبع مؤلفاته يصعب على الباحث القطع بموقفه حيال الامام علي ( عليه السلام ) ، ************************************************************** (153) ابن ابي الحديد : شرح 6 / 132 . (154) أنظر ترجمته : الشريف المرتضى : الآمالي 1 / 202 ـ 206 . الشهرستاني : الملل ص 59 ـ 60 ، الجرجاني : التعريفات ص 59 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 67 ـ 70 ، القمي : هدية الإحباب ص 161 . (155) من مؤلفاته البيان والتبين والحيوان وله عشرات الرسائل في الادب والتاريخ والكلام وقد طبع اكثرها .
ففي الوقت الذي نجده يضمن كتاباته الكثير من كلام الامام ( عليه السلام ) وارائه (156) ، والتي بعضاً منها يذكرها دون الاشارة للامام ( عليه السلام ) (157) ، لكننا نجده في كتابه العثمانية (158) يتتبع فضائل الامام علي ( عليه السلام ) واحدة واحدة ينقضها او يقلل من اهميتها ، ولم يتضح هل ان الجاحظ كان في صدد عرض افكار العثمانية ؟ ام انه يتبناها ؟ . وقد انتقد ابن ابي الحديد الجاحظ لما اشار الاخير الى قتلى بني اسد بن عبدالعزى (159) ولم يشر الى كارثة كربلاء فعلق ابن ابي الحديد (( هذا ايضا تحامل من ابي عثمان ، هلا ذكر قتلى الطفوف وهم عشرون سيداً من بيت واحد ، قتلوا في ساعة واحدة ، وهذا ما لم يقع مثله في الدنيا لا في العرب ولا في العجم ، ولما قتل حذيفة بن بدر يوم الهباءة (160) قتل معه ثلاثة او اربعة من اهل بيته ضربت العرب بذلك الامثال واستعظموه ، ************************************************************** (156) انظر البيان والتبين : 1 / 83 ، 202 ، 256 ، 297،2 / 14 ، 20 ـ 22 ، 50 ـ 56 ، 77 ـ 78 ، 88 ، 99 ، 101 ، 106 ، 172 ، 190 ، 197 ، 200 ، 274 ، 279 ، 285 ، 311 ، 316 ، 350 ، 3 / 98 ، 141 ، 148 ، 155 ، 211 ، 260 ، 274 ـ 275 ، 285 ، 301 ، 4 / 8 ، 93 . (157) انظر الحيوان 5 / 542 ـ 573 ، وقارن الشريف الرضي : نهج البلاغة ص 270 ـ 272 . (158) احد كتب الجاحظ المطبوعة والتي اوضح فيها رؤية العثمانية وهم القائلون بامامة ابي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم معاوية وما بعده ، ورد عليه الاسكافي احد معتزلة بغداد بكتاب ( نقض العثمانية ) ، وهما مطبوعان ، ورد عليه أيضا : إبن طاووس أحد رجالات الإمامية بكتاب بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية وهو مطبوع . انظر : رسائل الجاحظ السياسية ص 192 ـ 193 ، بلقاسم الغالي : الجانب الاعتزالي عند الجاحظ ص 328 ـ 331 . (159) ابن ابي الحديد : شرح 15 / 248 ـ 250 . (160) الهباءة ماء باعلى ارض نجد كان فيه يوم الهباءة بين عبس وذبيان قتل فيه حذيفه بن بدر، انظر: ابن حبيب : المحبر ص 349 ، ابن رشيق : العمدة 2 / 202 ـ 203 ، الميداني : مجمع الامثال 1 / 252 ، 2 / 115 ـ 119 ، النويري : نهاية الارب 15 / 360 ـ 362 .
فجاء يوم الطف (( جرى الوادي فطم على (161) القرى (162) )) . وقد فسر ابن ابي الحديد موقف الجاحظ هذا بقوله (( لقد غلبت البصرة وطينتها على اصابة رأيه (163) )) ، ونلمس موقفا خفيا للجاحظ في تفسيره لموافقة الامام علي ( عليه السلام ) على قبول التحكيم اذ يقول : (( من عرفه عرف انه غير ملوم في الانقياد معهم الى التحكيم ، فانه مل من القتل وتجريد السيف ليلا ونهارا ، حتى ملت الدماء من اراقته لها ، وملت الخيل من تقحمه الاهوال بها ، وضجر من دوام تلك الخطوب الجليلة ، والارزاء العظيمة ، واستلاب الانفس ، وتطاير الايدي والارجل بين يديه ، واكلت الحرب اصحابه واعداءه ، وعطلت السواعد ، وخدرت الايدي التي سلمت من وقائع السيوف بها ، ولو ان اهل الشام لم يستعفوا من الحرب ، ويستقيلوا من المقارعة والمصادمة ، لادت الحال الى قعود الفيلقين معا ، ولزومهم الارض والقائهم السلاح ، فان الحال افضت بعظمها وهولها الى ما يعجز اللسان عن وصفه (164) )) . ان رؤية الجاحظ هذه تبدو عليها ميوله الخاصة اذ انه تناسى ان معاوية طلب فرساً لينهزم ، وهذا لم يكن الا بعد ان ادرك حلول الهزيمة ، وتناسى الجاحظ دهاء عمرو بن العاص واستخدامه المصاحف للاغراض الحربية الشخصية بدلا من الاغراض الربانية ، ************************************************************** (161) أي جرى سيل الوادي فدفن القرى وهي مجاري المياه الصغيرة ، ابو هلال العسكري : جمهرة الامثال 1 / 322 ، الميداني : مجمع الامثال 1 / 159 . (162) ابن ابي الحديد : شرح 15 / 251 . (163) ابن ابي الحديد: شرح 15 / 247 . (164) ابن ابي الحديد: شرح 7 / 293 ـ 294 ، وانظر ايضا : الصاحب بن عباد : نصرة مذاهب الزيدية ، ص 71 ـ 83 .
وتناسى ايضا انه بعد ان القيت الشبهة على اهل العراق انسحب اكثرهم ما خلا الاشتر وثلة معه وهو يتقدم شبراً شبراً وفي هذا دلالة على هزيمـة
واضحة لاهل الشام ، فاين يا ترى هذا من قول الجاحظ " انه لو لم يطلب اهل الشام ايقاف الحرب ، للجأ الطرفان للجلوس على الارض والقاء السلاح ، دلالة بزعمه على تساويهما بالقتال ان هذا الرأي من الجاحظ يلقي ظلا على ميوله العثمانية .
ولكن الجاحظ كان ايجابيا في تحليلة لسياسة الامام ومقارنتها بسياسة معاوية اذ قال : (( ربما رايت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز ـ وهو من العامة ويظن انه من الخاصة يزعم ان معاوية كان ابعد غورا ، واصح فكرا ، واجود رؤية ، وابعد غاية ، وادق مسلكا ، وليس الامر كذلك ، وسأرمي اليك بجملة تعرف بها موضع غلطه والمكان الذي دخل عليه الخطأ من قبله )) (165) . ثم ابان الجاحظ الاشكال الذي وقع فيه هؤلاء قائلا :- كان علي ( عليه السلام ) لا يستعمل في حربه الا ماوافق الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة ، كما يستعمل ملك الهند اذا لاقى كسرى (166) ، وخاقان اذا لاقى رتبيل(167) ، وعلي ( عليه السلام ) يقول : (( لا تبدؤوهم بالقتال حتى يبدؤوكم ، ولا تتبعوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تقتحموا بابا مغلقا ، وهذه سيرته في ذي الكلاع ، وفي ابي الاعور السلمي ، وفي عمرو بن العاص ، وحبيب بن مسلمة (168) ، وفي جميع الرؤساء كسيرته في الحاشية والحشو والاتباع والسفلة ، ************************************************************** (165) الجاحظ : رسالة في الحكمين ص 365 ـ 368 . (166) هو لقب من يتولى الحكم في الدولة الساسانية في ايران . (167) خاقان لقب ملوك الترك . اما رتبيل اسم لاحد ملوك الترك ايام الحجاج ، الخوارزمي : مفاتيح العلوم ص 73 ، ابن نباته : سرح العيون ص 11 . (168) كل هؤلاء كانوا مع معاوية وضد الامام علي ( عليه السلام ) .
واصحاب الحروب ان قدروا على البيات (169) بيتوا ، وان قدروا على رضخ الجميع بالجندل (170) وهم نيام فعلوا ، وان امكن ذلك في طرفة عين لم يؤخروه الى ساعة ، وان كان الغرق اعجل من الحرق لم يقتصروا على الغرق ولم يؤخروا الحرق الى وقت الغرق ، وان امكن الهدم لم يتكلفوا الحصار، ولم يدعوا ان ينصبوا المجانيق (171) ، والعرادات (172) ، والنقب والتسريب والدبابات (173) ، والكمين ، ولم يدعوا دس السموم ، ولا التضريب بين الناس بالكذب ، وطرح الكتب في عساكرهم بالسعايات ، وتوهيم الامور، وايحاش بعض من بعض ، وقتلهم بكل آلة او حيلة ، كيف وقع القتل ، وكيف دارت بهم الحال (174) )) . ثم اوضح الجاحظ ان من يقتصر تدبيره على الكتاب والسنة يكون قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير، وما لا يتناهى من المكايد لان (( الكذب ـ حفظك الله اكثر من الصدق ، والحرام اكثر عددا من الحلال ، ولو سمى انسان انسانا باسمه لكان قد صدق ، وليس له اسم غيره ، ولو قال : هو شيطان او كلب او حمار او شاة او بعير او كل ما خطر على البال ، لكان كاذبا في ذلك ، ************************************************************** (169) بيت العدو: اوقع به ليلا، وبيت امرا : دبره ليلا ، انظر ابن فارس : المجمل ص 140 ، الرازي : مختار الصحاح ص 70 . (170) هي الحجارة والمكان الغليظ جمعها جنادل . الفراهيدي : العين 6 / 206 ، الانصاري : كتاب المكاسب 2 / 274 . (171) آلة ترمي الحجارة ، ابن ابي الحديد : الشرح 10 / 228 . (172) من الالات الحربية ، اصغر من المنجنيق تستخدم لرمي الحجارة نحو الاماكن البعيدة ، ابن ابي الحديد : الشرح 10 / 228 . (173) آلة حربية تتخذ للحصار، يدخل فيها الرجال ثم تدفع داخل الحصن، ويعمل الرجال على تنقيبه، ابن ابي الحديد: شرح 10 / 228 . (174) الجاحظ : رسالة في الحكمين ص 360 ـ 366 ، ابن ابي الحديد : الشرح 10 / 228 ـ 229 .
وكذلك الايمان والكفر وكذلك الطاعة والمعصية ، وكذلك الحق والباطل ، وكذلك السقم والصحة ، وكذلك الخطأ والصواب ) (175) .
اذن لما كان الامام ( عليه السلام ) ، ملجما بالورع عن جميع القول الا ما هو رضا الله ، وممنوع اليدين من كل بطش الا ما هو رضا لله ، ولا يرى الرضا الا فيما يرضاه الله ويحبه ، وما دل عليه الكتاب والسنة ، دون ما يعتمده اصحاب الدهاء والنكراء والمكايد ، لذا لما ابصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكايد ، وغرائبه في الخداع ، وما حصل على يده ولم يجدوا ذلك لعلي ( عليه السلام ) (( ظنوا ـ بقصر عقولهم ، وقلة علومهم ـ ان ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي ( عليه السلام ) ، فانظر بعد هذا كله ، هل يعد له من الخداع الا رفع المصاحف ! ثم انظر هل خدع بها الا من عصى راي علي ( عليه السلام ) ، وخالف امره ! )) (176) . ثم اكد الجاحظ ان ما ناله معاوية من اختلاف اصحاب الامام لايعود الى ضعف سياسـة الامـام وانما الى (( غرارة اصحاب علي ( عليه السلام ) وعجلتهـم وتسرعهم وتنازعهم )) (177) . ثم اشار الجاحظ لعذر معاوية : (( اخرجوا الينا قتلة عثمان ، ونحن لكم سلم )) ، فتسائل الجاحظ :- اجهد كل جهدك ، واستعن بمن شايعك الى ان تتخلص الى صواب رأي في ذلك الوقت أضله علي ، حتى تعلم ان معاوية خادع ، ************************************************************** (175) الجاحظ : رسالة في الحكمين ص 366 ، ابن ابي الحديد : الشرح 10 / 229 . (176) الجاحظ : رسالة في الحكمين ص 366 ، ابن ابي الحديد : الشرح 10 / 229 . (177) الجاحظ : رسالة في الحكمين ص 366 ـ 367 ، ابن ابي الحديد : الشرح 10 / 229 .
وان علياً ( عليه السلام ) كان المخدوع ، وأكد الجاحظ ان نجاح معاوية يكمن في ابتلاء الامام علي ( عليه السلام ) باصحابه ودهره (( بما لم يمتحن امام من الاختلاف والمنازعة ، والتشاح من الرياسة والتسرع والعجلة ! وهل اتي علي ( عليه السلام ) الا من هذا المكان )) ، وضرب الجاحظ مثلا بمؤامرة الخوارج على قتل علي ومعاوية وعمرا (( فكان من الاتفاق او من الامتحان ، ان كان علي من بينهم هو المقتول )) (178) . رأي الجاحظ هذا لقي قبولا من ابن ابي الحديد وهو من معتزلة بغداد اذ علق قائلا : ان من تامل كلام الجاحظ بعين الانصاف ، ولم يتبع الهوى علم صحة جميع ما ذكره وان الذي وقع للامام نتيجة اختلاف اصحابه وسوء طاعتهم له ، ولانه لزم سنن الشريعة ، ومنهج العدل، في الوقت الذي خرج معاوية وعمرو بن العاص عن قاعدة الشرع في استمالة الناس اليهم رغبة او رهبة (179) . ولكن من جانب اخر فان المتصفح لكتاب العثمانية للجاحظ يقف متحيراً امام تتبع الجاحظ لفضائل الامام ونقضها فضيلة فضيلة او التقليل من شأنها ، كمبيت الامام ( عليه السلام ) في فراش النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (180) ، وقتله للوليد بن عتبه (181) وعمرو بن عبد ود العامري (182) وغيرها ، ************************************************************** (178) الجاحظ : رسالة في الحكمين ص 367 ، ابن ابي الحديد : الشرح 10 / 230 ـ 231 . (179) ابن ابي الحديد : شرح 10 / 231 . (180) الجاحظ : العثمانية ص 44 ، رسائل الجاحظ السياسية ص 153 ـ 155 ، وانظر رد ابو جعفرالاسكافي : نقض العثمانية ص 321 ـ 326 ، ابن ابي الحديد : شرح 13 / 258 ـ 264 . إبن طاووس : بناء المقالة الفاطمية ص 112 ـ 117 . (181) الجاحظ : العثمانية ص 59 ، وانظر رد ابو جعفرالاسكافي : نقض العثمانية ص 339 ، ابن ابي الحديد: شرح 13 / 292 . إبن طاووس : بناء المقالة الفاطمية ص 152 . (182) الجاحظ : العثمانية ص 59 ، رسائل الجاحظ السياسية ص 160 ـ 164 ، وانظر رد ابو جعفر الاسكافي : نقض العثمانية ص 335 ـ 339 ، ابن ابي الحديد : شرح 13 / 287 ـ 292 . إبن طاووس : بناء المقالة الفاطمية ص 152 ـ 153 .
فهل ان الجاحظ كان مجرد طارحاً لرؤية العثمانية ام انه كان يرى صحة ما يذكره ؟ ان موقف معاصره ابي جعفر الاسكافي (183) ت 240 هـ ورده على كتاب العثمانية بكتاب نقض العثمانية يتضح من خلاله ان الجاحظ كان يرى صحة ما يذكره اذ ان ابا جعفر الاسكافي يرد على الجاحظ شخصيا ويشير لميوله ضد الامام علي ( عليه السلام ) متهماً اياه اما بالجهل او العناد (184) ، اذ يقول : (( ينبغي ان ينظر اهل الانصاف هذا الفصل ، ويقفوا على قول الجاحظ والاصم في نصرة العثمانية واجتهادهما في القصد الى فضائل هذا الرجل[ الإمام علي (ع) ] ، وتهجينها فمرة يبطلان معناها ، ومرة يتوصلان الى حط قدرها ، فلينظر في كل باب اعترضا فيه ، اين بلغت حيلتهما ، وما صنعا في احتيالهما في قصصهما وسجعهما ! اليس اذا تاملتها علمت انها الفاظ ملفقه بلا معنى ، وانها عليها شجىً وبلاء ! والا فما عسى ان تبلغ حيلة الحاسد ويغني كيد الكائد الشانىء لمن قد جل قدره عن النقص ، واضاءت فضائله اضاءة الشمس ! واين قول الجاحظ ، من دلائل السماء ، وبراهين الانبياء )) (185) . وقال ايضا (( لا اشك ان الباطل خان ابا عثمان [ الجاحظ ] ، والخطأ اقعده ، والخذلان اصاره الى الحيرة ، فما علم وعرف حتى قال ما قال )) (186) . وقال فيه تارة اخرى حينما فضل موقف ابي بكر في العريش على موقف الامام علي ( عليه السلام ) في ساحة المعركة يوم بدر (( لقد اعطى ابو عثمان مقولا ، وحرم معقولا ، ان كان يقول هذا على اعتقاد وجد ، ************************************************************** (183) انظر مصادر ترجمته في هـ 66 . (184) ابن ابي الحديد : شرح 13 / 235 . (185) ابن ابي الحديد : شرح 13 / 247 . (186) ابن ابي الحديد : شرح 13 / 256 .
ولم يذهب به مذهب اللعب والهزل ، او على طريق التفاصح والتشادق واظهار القوة ، والسلاطة وذلاقة اللسان وحدة الخاطر والقوة على جدال الخصوم )) (187) . ولما تطرق الجاحظ في تفسيره لشجاعة الامام قال (( ان مشي الشجاع بالسيف الى الاقران ، ليس على ما توهمه من لا يعلم باطن الامر، لان معه في حال مشية الى الاقران بالسيف اموراً اخرى لا يبصرها الناس ، وانما يقضون على ظاهر ما يرون من اقدامه وشجاعته ، فربما كان سبب ذلك الهوج ، وربما كان الغرارة والحداثة ، وربما كان الاحراج والحمية ، وربما كان لمحبة النفخ والاحدوثة ، وربما كان طباعاً كطباع القاسي والرحيم والسخي والبخيل )) (188) . رد الاسكافي قائلا : (( فيقال للجاحظ : فعلى أيها كان مشي علي بن ابي طالب الى الاقران بالسيف ؟ فايما قلت من ذلك بانت عداوتك لله تعالى ولرسوله ، وان كان مشيه ليس على وجه مما ذكرت ، وانما كان على وجه النصرة والقصد الى المسابقة الى ثواب الاخرة ، والجهاد في سبيل الله ، واعزاز الدين ، كنت بجميع ما قلت معانداً ، وعن سبيل الانصاف خارجاً ، وفي امام المسلمين طاعناً )) (189) ، ووصل الامر بالاسكافي ان اتهم الجاحظ بالكذب الصراح والتحريف والادخال في الرواية ماليس منها (190) ، اذاً فميول الجاحظ واضحة جدا في موقفه السلبي من الامام علي ( عليه السلام ) . وأنسحب ذلك على موقفه من انصار اهل البيت إذ ذكر ابو علي الجبائي : أن الجاحظ يعرف بشيئين اولهما ان المعارف ضرورية والثاني الكلام على الرافضة (191) . ************************************************************** (187) ابن ابي الحديد : الشرح 13 / 277 ـ 278 . (188) الجاحظ : العثمانية ص 47 ، ابن ابي الحديد : الشرح 13 / 284 . (189) ابن ابي الحديد : الشرح 13 / 285 . (190) ابن ابي الحديد : الشرح 13 / 263 .
ثالثاً : الفوطي (192) ت 250 هـ هو هشام بن عمرو الفوطي الشيباني من أهل البصرة يعد في الطبقة السادسة من طبقات المعتزلة ، ويقال كان له قدر عند الخاصة والعامة ، ويحضى باحترام المامون . يقدم الفوطي وتلميذه عباد بن سليمان الصيمري (193) تفسيراً غريباً ومتكلفاً لاحداث حرب الجمل اذ يقولا : (( ان عليا وطلحة والزبير وعائشة في جماعة من اتباع الفريقين كانوا على حق وهدى وصواب ، وكان الباقون من اصحابهم على ضلال وبوار، وذلك ان عائشة وطلحة والزبير انما خرجوا الى البصرة لينظروا في دم عثمان ، وياخذوا بثاره من ظالميه وارادوا بذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلبوا به وجه الله تعالى ، وخرج علي بن ابي طالب ليتفق معهم على الرأي والتدبير في مصالح الاسلام واهله ، وكف السعي في الفتنة ، ومنع العامة مما ليس اليهم ، بل هو الى وجوه العلماء ، وليقع التراضي بينهم على انصاف واجتهاد في طلب الحق والاجتماع على الرأي ، فلما تراءى الجمعان تسرع غوغاؤهم الى القتال ، ************************************************************** (191) القاضي : فضل الاعتزال ص 276 . (192) انظر ترجمته : الخياط : الانتصار ص 48 ـ 50 ، 57 ، 92 ، 106 ، 115 ـ 117 ، 120 ـ 122 ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 71 ـ 72 ، القاضي : فضل الإعتزال ص 271 ـ 272 ، الشهرستاني : الملل ص 57 ـ 59 ، الجرجاني : التعريفات ص 200 . ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 61 . (193) صاحب كتاب الابواب الذي نقضه ابو هاشم الجبائي ، وكتاب تفضيل ابو بكر الذي نقضه ابو علي الجبائي ، انظر، الملطي : التنبيه والرد ص 39 ، ابن النديم : الفهرست ص 247 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 77 ، 84 ، 90 ، 101 ، ابن حجر : لسان الميزان 3 / 229 ـ 230 .
فانتشب الحرب بينهم على غير اختيار من القادة والرؤساء وخرج الامر عن ايديهم في تلافي ذلك فكان من الاتباع الفتنة وسفك الدماء ما لم يؤثره علي وطلحة والزبير وعائشة ووجوه اصحابهم من الفضلاء فهلك بذلك الاتباع ونجا الرؤساء )) (194) . وأشار لذلك الشريف المرتضى قائلا : ( وأعتقاده [ الفوطي ] أن حرب الجمل لم يكن عن قصد من امير المؤمنين عليه السلام واصحابه ، ولا عن عائشة وطلحة والزبير واصحابهم ، ولا برضى منهم ، وانما اجتمعوا لتقرير الامور وترتيبها حتى وقع بين نفر من الاعراب من اصحاب الجميع الحرب والكبراء ساخطون لها) (195) . وينقل ابن المرتضى عن البلخي قوله : ( أن الفوطي كان ينكر خروج طلحة والزبير للحرب وانما كان اجتماع طلحة والزبير وعلي في البصرة للتشاور، فهاجت حرب من غير قصد . وكذلك ينكر مقتل عثمان بحضور الصحابة من المهاجرين والانصار، وانما هناك جماعة اجتمعت بالمدينة يشكون الى عثمان عماله فبدر قوم من السفهاء الى قتل عثمان ويرى البلخي ان الذي حمل الفوطي على الذهاب لهكذا تفسيرهو حسن ضنه بالصحابة والطلب لسلامتهم (196) . أما الشهرستاني فقال في صدد عرض آرائه : ( ومن بدعه في الامامة قوله : إنها لاتعقد في أيام الفتنة وأختلاف الناس ، وانما يجوز عقدها في حال الاتفاق والسلامة) (197) . ان كلاما كهذا يثير الاستغراب ! اذ هل يعقل ان الفوطي على مكانته لم يطلع على احداث خلافة عثمان الاخيرة ؟!! ، وماالموقف المتخذ من قبل ام المؤمنين وطلحة والزبير منه ، حتى اذا ما قتل اظهروا الفرح والسرور ؟!! ، ولما لم يكن لقريش بعد ذلك اليد في اختيار الخليفة وانما اصبح الامر لجمهور الامة الذي اختار الامام علي( عليه السلام ) ، ************************************************************** (194) المفيد : الجمل ص 64 ـ 65 . (195) الشافي في الامامة 1 / 92 . (196) باب ذكر المعتزلة ص 72 . (197) الملل والنحل ص 57 .
فكان ذلك محل امتعاض من ام المؤمنين وطلحة والزبير ، فاضطروا لاظهار الندم والمطالبة بدم الخليفة من الامام ( عليه السلام ) لذلك تسللوا الى مكة بدعوى اداء العمرة وهناك تجمع كل من كان ذا موقف سلبي من الامام ( عليه السلام ) مستغلين المكانة الاجتماعية لام المؤمنين والاموال التي نهبها الولاة السابقون الذين تم عزلهم من قبل الامام حيث وظفت هذه الاموال لتجييش جيش ضد الامام ساروا به الى البصرة (198) . والسؤال : ان الخليفة قتل في المدينة والذين تولوا قتله قتلوا في نفس الساعة التي قتل فيها الخليفة (199) ؟ فما دخل البصرة بالموضوع ؟ والمعروف لدى الجميع براءة الامام من دم الخليفة ؟ ثم ألم يبايع طلحة والزبير الامام علي ( عليه السلام ) ؟ فتعين مسؤولية الامام عن تتبع قتلة الخليفة ولا دخل لطلحة والزبير في الامر ؟ اما بالنسبة لام المؤمنين فلا يوجد أي مسوغ شرعي لخروجها بل ان الشرع يامرها بأن تقر في بيتها ؟!! . وبالنسبة الى بيعة طلحة والزبير هل بايعا مكرهين ام راضين ؟ فان كانا مكرهين فمالذي كرهاه من بيعة الامام وهل كان الامام غير مؤهل للخلافة ؟ وان كانا قد بايعا راضين فمالذي دعاهما للخروج ؟ . والسؤال الذي يوجه للفوطي من الذي جمع تلك الجيوش في البصرة ، ولم لا يجتمع اصحاب الجمل مع الامام في المدينة ويتفقون على قتلة الخليفة بعد بيعتهم للامام ( عليه السلام ) في المدينة ، ان رأي الفوطي هذا يدخل في باب المساجلات الكلامية مغالبة وليس احقاقا للحق !! . ************************************************************** (198) انظر تفاصيل ذلك في تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير في احداث سنة 35 هـ . (199) ابن ابي الحديد : الشرح 14 / 37 ـ 38 ، وانظر : الطبري : تاريخ 4 / 348 ، 391 .
القسم الثاني : يرى افضلية ابو بكر ثم عمر ثم الامام علي ( عليه السلام ) ثم عثمان . هذا الرأي نجده لدى زعيم الاعتزال واصل بن عطاء (200) فمن هو ؟ . هو ابو حذيفة واصل بن عطاء الغزال من الموالي ولد سنة 80 هـ وتميز بطول عنقه وكان الثغ بالراء لذا كان لا يستخدمها في كلامه لاقتداره على ايراد المترادفات ، ومن خصائصه طول الصمت حتى كان يظن به الخرس . تشير بعض الروايات ان واصلا بدأ حياته العلمية بالتلمذه على يد محمد بن الحنفية الا ان هذا القول يحمل مغالطات لا تثبت امام النقد التاريخي ، فيما تشير روايات اخر لتلمذته على يد ابي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية (201) ، الا ان الشهرستاني (202) شكك بذلك . اشتهر واصل بتلمذته على يد الحسن البصري الذي تشير روايات خصوم المعتزلة لانشقاقه عن مجلس استاذه اثر اختلافه معه حول الموقف من مرتكب الكبيرة (203) . ثم اصبح واصل صاحب مقالة حيث التف حوله الاتباع والانصار فارسل عدد منهم للامصار لبث ارائه (204) ، ************************************************************** (200) انظر: ابن عطاء : الخطبة الخالية من الراء ( نوادر المخطوطات ) 2 / 118 ـ 136 ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 64 ـ 68 ، ابن النديم : الفهرست ص 10 ( تراجم ملحقة باخر الكتاب ) ، الشريف المرتضى : الامالي 1 / 154 ـ 156 ، 175 ـ 180 ، البغدادي : الفرق ص 70 ـ 72 ، الشهرستاني : الملل ص 36 ـ 38 ، الجرجاني : التعريفات ص 178 ، 202 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 28 ـ 35 ، بدوي : مذاهب الاسلاميين 1 / 73 ـ 96 . (201) انظر تفاصيل اكثر عند النصرالله : واصل بن عطاء الغزال ، وهو قيد النشر. (202 الملل والنحل ص 38 . (203) الشهرستاني : الملل ص 37 ـ 38 . واشار الشريف المرتضى لذلك دون ذكر واصل : الأمالي 1 / 178 . إبن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 3 ـ 4 . (204) ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 32 ـ 33 .
فضلا عن ذلك وضع واصل عددا من الكتب في موضوعات متفرقة (205) ، ونتيجة لكل ذلك تشكلت باسمه فرقة تدعى الواصلية (206) . لقد واجه المجتمع الاسلامي مشكلات فكرية تتطلب الاجابة ، ومن بينها ما حصل من احداث اواخر خلافة عثمان والتي ادت لمقتله ثم مجيء الامام علي ( عليه السلام ) والذي اضطر لخوض معركة الجمل ضد أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير، فيا ترى ما موقف واصل ازاء ذلك ؟ . قال الخياط المعتزلي في معرض رده على ابن الراوندي ( ثم ذكر[ ابن الراوندي ] قول واصل في عثمان وذكر وقوفه فيه وفي خاذليه وقاتليه وتركه البراءة من واحد منهم . وهذه هي سبيل اهل الورع من العلماء ان يقفوا عند الشبهات ، وذلك انه قد صحت عنده لعثمان احداث في الست الاواخر فاشكل عليه امره فارجاه الى عالمه ثم ذكر [ ابن الراوندي ] قوله وقول عمرو [ بن عبيد ] في علي وحربه وطلحة والزبير وعائشة وحربهم ووقوفهما في امرهم ، وهذا كالذي قبله : كان القوم عندهما ابرارا اتقياء مؤمنين قد تقدمت لهم سوابق حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وهجرة وجهاد واعمال جليلة ، ثم وجداهم قد تحاربوا وتجالدوا بالسيوف فقالا : قد علمنا انهم ليسو بمحقين جميعا ، وجائز ان تكون احدى الطائفتين محقة والاخرى مبطلة ولم يتبين لنا من المحق منهم من المبطل فوكلنا امر القوم الى عالمه وتولينا القوم على اصل ماكانوا عليه قبل القتال ، فاذا اجتمعت الطائفتان قلنا ، قد علمنا ان احداكما عاصية لاندري ايكما هي ) (207) . ************************************************************** (205) ابن خلكان : وفيات 6 / 11 ، الحموي : معجم الادباء 19 / 247 ، الذهبي : ميزان الاعتدال 4 / 329 ، ابن حجر: لسان الميزان 6 / 215 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 35 ، المقريزي : الخطط 3 / 395 . (206) السمعاني : الانساب 5 / 468 . الشهرستاني : الملل ص 36 ، الجرجاني : التعريفات ص 202 . (207) الانتصار ص 73 ـ 74 .
أشار الشريف المرتضى في معرض رده على القاضي قائلا (( وكيف ذهب [ القاضي ] عن حكاية الجاحظ عن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ما يطم على كثير مما تقدم ؟ ونحن نحكي لفظه بعينه ، قال ( وكان واصل بن عطاء يجعل علي
وطلحة والزبير بمنزلة المتلاعنين يتولى كل واحد منهم على حاله ، ولا يتولاهما مجتمعين ، وكذلك قوله : في أجازة شهادتهم مجتمعين ومتفرقين ، وكان عمرو بن عبيد
لا يجيز شهادتهما مجتمعين ولا متفرقين ، وكان يفصل بين الولاية والشهادة ، وكان يقول : قد أتولى من لا أقبل شهادته ، وقد وجدت المسلمين يتولون كل مستور من اهل القبلة ، ولو شهد رجل من عرضهم على عثمان وابي بكر او عمر بن الخطاب سأل الحاكم عنه السؤال الشافي فأنا أتهم كل احد منهما بسفك تلك الدماء ، وقد أجمعوا على أن المتهم بالدماء غير جائز الشهادة ) . وأضاف الشريف المرتضى : ( هذه ألفاظه حرفا بحرف في كتابه المعروف بفضائل المعتزلة لا حكاية أصح واولى بالقبول من حكاية الجاحظ عن هذين الرجلين وهما شيخا نحلته ورئيسا مقالته . وقد ذكر ايضا هذه الحكاية البلخي في كتاب المقالات واسندها الى الجاحظ ، وقال عند انتهائها : وبعض أصحابنا يدفع ذلك عن عمرو بن عبيد ، ويقول ان عمرا لم يكن بالذي يخلف واصلا ويرغب عن مقالته ، فكأنه صحح عليها المذهب الاول الذي هو اعتقاد انهما كالمتلاعنين ، وان شهادتهما تقبل اذا كانا متفرقين ، ولا تقبل اذا كانا مجتمعين . ولم يكن عنده في دفع المذهب الثاني اكثر من حكايته عن بعض اصحابه بتنزيه عمرو عن مخالفة واصل ، وهذا انكار ضعيف ، والمنكر له للعلة التي حكاها كالمقر به بل اقبح منه حالا )) (208) ************************************************************** (208) الشريف المرتضى : الشافي في الامامة 1 / 93 ـ 95 .
ويقول النوبختي ( ق 3هـ ) : (( وقال واصل بن عطاء : مثل علي ومن خالفه مثل المتلاعنين لا يدرى من الصادق منهما ومن الكاذب ، واجمعوا [ واصل وعمرو بن عبيد وضرار ] جميعا على ان يتولوا القوم في الجملة ، وان احدى الفرقتين ضالة لاشك من اهل النار، وان عليا وطلحة والزبير ان شهدوا بعد قتالهم على درهم لم
يجيزوا شهادتهم ، وان انفرد علي مع رجل من عرض الناس اجازوا شهادته وكذلك طلحة والزبير، وزعموا انهم يسمونهم باسم الايمان على الامر الاول ما اجتمعوا ، فاذا انفردوا لم يسموا واحدا منهم على الانفراد ومؤمنا ولم يجيزوا شهادته )) (209) . وقد اشرنا سابقا الى ما ذكره المفيد (210) حول رؤية واصل اعلاه بتفصيل اكثر عند ترجمتنا لعمرو بن عبيد . واشار المفيد بان واصل بن عطاء يجعل الامام واصحاب الجمل بمنزلة المتلاعنين حيث قال : (( وزعم واصل الغزال وعمرو بن عبيد بن باب من بين كافة المعتزلة ان طلحة والزبير وعائشة ومن كان في حيزهم ، وعلي بن ابي طالب ( عليه السلام ) والحسن والحسين ( عليهما السلام ) ومن كان في حيزهم كعمار بن ياسر وغيرهم من المهاجرين ووجوه الانصار وبقايا اهل بيعة الرضوان كانوا في اختلافهم كالمتلاعنين ، وان احدى الطائفتين فساق ضلال مستحقون للخلود في النار الا انه لم يقم عليها دليل )) (211) . واشار المفيد بتفصيل اكثر لهذه الرؤية في كتابه الاخر المسمى ـ الجمل ـ قائلاً : واختلف في ذلك المعتزلة . . . فقال اماماهم المقدمان ، وشيخاهم المعظمان اللذان هما اصلان للاعتزال ، وافتتحا لمعتقديه فيه الكلام ، وهما فخر الجماعة منهم وجمالهم ، الذين لا يعدلوا عندهم سواه ؛ واصل بن عطاء الغزال ، ************************************************************** (209) فرق الشيعة ص 33 ـ 34 . (210) أوائل المقالات ص 43 . (211) الجمل ص 24 ـ 27 .
وعمرو بن عبيد بن باب المكاري : ان احد الفريقين ضال في البصرة مضل فاسق خارج من الايمان والاسلام ، ملعون مستحق للخلود في النار، والفريق الاخر هذا مهدي مصيب مستحق للثواب والخلود في الجنان ، غير انهم زعموا ان لا دليل على تعيين الفريق الضال ، ولا برهان على المهدي ولا بينة نتوصل بها الى تمييز احدهما عن الاخر في ذلك
بحال من الاحوال ، وانـه لا يجـوز ان يكون علي بن ابي طالـب ( عليه السلام )
والحسن والحسين ومحمد بن علي وعبدالله وقثم والفضل وعبيدالله بنو العباس وعبدالله بن جعفر الطيار وعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وابو ايوب الانصاري وابو الهيثم بن التيهان وكافة شيعة علي ( عليه السلام ) واتباعه من المهاجرين والانصار واهل بدر وبيعة الرضوان واهل الدين المتحيزين اليه والمحققين بسمة الاسلام هم الفريق الضال ، والفاسق الباغي الخارج عن الايمان والاسلام والعدو لله والبريء من دينه الملعون المستحق للخلود في النار . وتكون عائشة وطلحة والزبير والحكم بن ابي العاص ومروان ابنه وعبدالله بن ابي سرح والوليد بن عقبة وعبدالله بن عامر بن كريز بن عبد شمس ومن كان في حيزهم من اهل البصرة هم الفريق المهدي الموفق الى الله المصيب في حربة المستحق للاعظام والاجلال والخلود في الجنان . قالا جميعاً ، نعم ما ننكر ذلك ولا نؤمن به اذ لا دليل يمنع من الحكم به على ما ذكرناه بحل ، وكما ان قولنا ذلك في علي واصحابه فكذلك هو في الفريق الاخر فانا لسنا ننكر انهم واتباعهم على السواء ، ولسنا ننكر ان يكونوا هم الفريق الضال الملعون العدو لله البريء من دينه ، المستحق للخلود في النار، وان يكون علي ( عليه السلام ) واصحابه هم الفريق الهادي المهتدي الولي لله في سبيله والمستحق بقتاله عائشة وطلحة والزبير وقتل من قتل منهم الجنة وعظيم الثواب .
قالا : ومنزلة الفريقين منزلة المتلاعنين فيهما فاسق لا يعلمه على التمييز له والتعيين الا الله عز وجل ، (( وهذه مقالة مشهورة عن هذين الرجلين قد سطرها الجاحظ عنهما في كتابه الموسوم (( بفضيلة المعتزلة )) ، وحكاها اصحاب المقالات عنهما ، ولم يختلف العلماء في صحتها عن الرجلين المذكورين ، وانهما خرجا من الدنيا على التدين بها والاعتقاد لها بلا ارتياب )) (212) . اما الشهرستاني فعندمت تحدث عن واصل قال ( قوله في الفريقين من اصحاب الجمل واصحاب صفين إن احدهما مخطىء لا بعينه . وكذلك قوله في عثمان وقاتليه وخاذليه ، قال : إن احد الفريقين فاسق لا محاله ، كما ان احد المتلاعنيين فاسق لا محاله ، لكن لا بعينه ، وقد عرفت قوله في الفاسق . واقل درجات الفريقين أنه لايقبل شهادتهما كما لاتقبل شهادة المتلاعنيين فلا يجوز قبول شهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل ، وجوز أن يكون عثمان وعلي على الخطأ . هذا قوله وهو رئيس المعتزلة ومبدأ الطريقة في أعلام الصحابة وائمة العترة . ( ووافقه عمرو بن عبيد على مذهبه ، وزاد عليه في تفسيق احد الفريقين لا بعينه بأن قال : لو شهد رجلان من أحد الفريقين مثل علي ورجل من عسكره ، او طلحة والزبير لم تقبل شهادتهما ، وفيه تفسيق الفريقين وكونهما من اهل النار. وكان عمرو بن عبيد من رواة الحديث ، معروفا بالزهد ، وواصل مشهورا بالفضل والادب عندهم ) (213) . ************************************************************** (212) الجمل ص 24 ـ 27 . (213) الملل والنحل ص 38 .
وقال الذهبي (( وكان [واصل ] يتوقف في عدالة اهل الجمل ، ويقول احدى الطائفتين فسقت لا بعينها ، فلو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم احكم بشهادتهم )) (214) . اما ابن خلدون فذهب الى ان واصلا كان مترددا في اصابة علي في حرب الجمل وصفين (215) . يلاحظ على ما مر : 1 ـ ان رؤية واصل لفريقي الجمل جاءت من خصوم المعتزلة ، اما المعتزلة انفسهم فيرون ان واصلا متوقف في القول بالتفضيل بين ابي بكر وعمر وبين الامام علي ( عليه السلام ) ، وقاطع بافضلية الامام على عثمان وذلك لتوقف واصل في احداث فتنة الخليفة عثمان (216)، فاذا كان واصل يضع الامام ( عليه السلام ) مقابل ابي بكر ويتوقف في ايهما الافضل ؟ فكيف لايعده على الحق في يوم الجمل ويتوقف في امره بل يشك فيه . 2 ـ الم يطلع واصل على كثير من الايات القرانية التي اتفق الخلف والسلف على نزولها في الامام علي ( عليه السلام ) كآية التطهير ، والمباهلة ، والمودة ، والنجوى ، وغيرها (217) . ************************************************************** (214) ميزان الاعتدال 4 / 329 . (215) التاريخ 3 / 172 . (216) القاضي : شرح الاصول الخمسة ص 767 ، المغني 20 / 2 / 114 ، ابن ابي الحديد : الشرح 1 / 8 . (217) عن مصاد هذه الآيات النازلة بحق الامام انظر فيما سبق الهوامش 121 ـ 125 .
3 ـ الم يطلع واصل على الكثير من الاحاديث النبوية بحق الامام علي ( عليه السلام ) كحديث المنزلة (218) ، والغدير (219) ، وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : علي مع الحق والحق مع علي (220) ،
************************************************************** (218) اخرجه : ابن حنبل : المسند 1 / 173 ، 4 / 168 ، الجاحظ : رسائل الجاحظ السياسية ص 220 ، 234 ـ 239 ، البخاري : الصحيح 5 / 90 ، البلاذري : انساب 2 / 96 ، ابن ماجه : سنن 1 / 25 ـ 27 ، الترمذي : سنن 12 / 171 ، 175 ، النسائي : خصائص ص 48 ـ 50 ، البيهقي : المحاسن ص 44 ، ابن عبدربه : العقد الفريد 4 / 311 ، الملطي : التنبيه ص 25 ، الطبراني : المعجم الكبير 12 / 78 ، الحاكم : المستدرك 3 / 117 ، 144 ، ابن حزم : الفصل 4 / 159 ، ابن عبدالبر: الاستيعاب 3 / 1097 ـ 1098 ، ابن المغازلي : مناقب ص 27 ـ 37 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة ص 18 ـ 20 ، 23 ، النووي : تهذيب الاسماء 1 / 1 / 346 ، الخوارزمي : المناقب ص 19 ، 59 ، محب الدين : ذخائر العقبى ص 73 ، الرياض 2 / 214 ـ 216 ، الجويني : فرائد السمطين ص 116 ، 122 ، 126 ، 317 ، 329 ،الزرندي : معارج الوصول ص 33 ، ابن كثير: البداية 7 / 335 ، 339 ـ 342 ، الهيثمي : مجمع الزوائد 9 / 120 ، ابن الجزري : مناقب الأسد الغالب ص 41 ـ 42 ، ابن حجر : الاصابة 2 / 509 ، تهذيب التهذيب 7 / 337 ، لسان الميزان 2 / 2325 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 168 ، الهيتمي : الصواعق ص 118 ـ 119 ، تجدر الاشارة الى ان هناك حديثا مشابها مضمونه (( ابو بكر مني بمنزلة هارون من موسى )) ، ولقد عده الذهبي من الموضوعات ، ميزان الاعتدال 3 / 122 . (219) نسبة الى غدير خم حيث جمع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المسلمين يوم 18 ذي الحجة سنةعشرة للهجرة وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره . . . اخرجه : ابن حنبل : المسند 5 / 347 ـ 366 ، الجاحظ : رسائل الجاحظ السياسية ص 22 ، البلاذري : انساب 2 / 108 ـ 112 ، ابن ماجه : سنن 1 / 26 ، الترمذي : سنن 12 / 165 ، النسائي : خصائص ص 64 ، ابن عبدربه : العقد 4 / 311 ، الملطي : التنبيه ص 25 ، الحاكم : المستدرك 3 / 109 ، 116 ، 118 ـ 119 ، ابن عبدالبر: الاستيعاب 3 / 1099 ، ابن المغازلي : مناقب علي بن ابي طالب ص 16 ـ 27 ، البلوي : الف باء 1 / 223 ، الخوارزمي : المناقب ص 74 ، 79 ، ابن الجوزي : صفة الصفوة 1 / 313 ، النووي : تهذيب الاسماء 1 / 1 / 347 ، محب الدين : الرياض 2 / 222 ـ 225 ، ابن تيمية : منهاج السنة 3 / 13 ، الزرندي : معارج الوصول ص 34 ـ 35 . ابن كثير : البدايةوالنهاية 7 / 335 ، 339 ، 344 ـ 355 ، ابن الجزري : مناقب الأسد الغالب ص 39 ـ 41 ، ابن حجر : الاصابة 2 / 509 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 196 ، وقد استعرض الشيخ عبدالحسين الاميني هذا الحديث ومصادره التاريخية والادبية في كتاب اسماه الغدير في احد عشر جزءاً . (220) اخرجه الترمذي : سنن 12 / 166 ، الحاكم : المستدرك 3 / 119 ، 124 ، 135 ، ابن الطيب : المعتمد 2 / 945 ـ 946 ، الخطيب : تاريخ بغداد 14 / 321 ، الخوارزمي : المناقب ص 56 ـ 57 ، الزمخشري : ربيع الابرار 1 / 828 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 177 ، الهيثمي : مجمع الزوائد 7 / 239 .
وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اقضاكم علي (221) ،
واقوال عمر بن الخطاب (( لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن )) و (( لايفتين احد في المسجد وعلي حاضر )) و (( لولا علي لهلك عمر (222) )) ، وغيرها (223) .
4 ـ ما اشار اليه ابن خلدون راي شاذ حيث اشار الى صفين مضافا للجمل . 5 ـ ان استقراء الاحوال التي ادت لقتل الخليفة عثمان ومجيء الامام علي ( عليه السلام ) الى الخلافة ، لتنبىء عن احقية الامام ( عليه السلام ) وبطلان دعوى اصحاب الجمل ، اذ كان موقف الامام ( عليه السلام ) ايجابيا من الخليفة السابق وذلك بنصحه وارشاده واطلاعه على كثير من الخفايا ولقد اصلح بينه وبين الثائرين مرارا ، في الوقت كانت فيه ام المؤمنين وطلحة والزبير قد اتخذوا موقفا سلبيا واضحا من الخليفة عثمان ، واظهروا الابتهاج بمقتله ، الا ان وصول الخلافة للامام قلب موازين فكرهم فاظهروا الندم واستخدموا دم الخليفة كورقة سياسية (224) !! . ولكن يا ترى من الذي اعطاهم الحق للمطالبة بدم الخليفة ؟ فهم ليسوا من اقاربه ؟ وليسوا من ولاة امر الامة ؟ ثم هل للامام يد في مقتل الخليفة ؟ وهل الذين قتلوه من اصحاب الامام ( عليه السلام ) ؟ ثم ان الذين قتلوه هم اثنان فقط ، وقد قتلوا في نفس ساعة قتل الخليفة (225) ؟ فلماذا كل هذه الحروب والدماء وما تلاها من مآسي على المدى البعيد حيث تفرق المسلمون طرائق قددا حتى انقسموا الى مئات الفرق والتيارات ولا زالوا حتى اليوم (226) !! . ************************************************************** (221) اخرجه : ابن سعد : الطبقات 2 / 338 ـ 339 ، الحاكم : المستدرك 3 / 145 ، ابن عبدالبر: الاستيعاب 3 / 1102 ، الخوارزمي : المناقب ص 39 ـ 41 ، الشهرستاني : الملل والنحل ص 132 ، النووي : تهذيب الاسماء واللغات 1 / 1 / 346 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 166 ، ابن كثير : البداية والنهاية 7 / 360 ، ابن الجزري : مناقب الأسد الغالب ص 57 ، ابن حجر: تهذيب التهذيب 7 / 337 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 170 ، الهيتمي : الصواعق ص 121 . (222) انظر مصادرها في ما سبق هامش 26 . 223) انظرالزرندي : معارج الوصول ص 34 ـ 35 . الفتلاوي : الكشاف المنتقى لفضائل علي المرتضى ص 109 ـ 469 . (224) لمزيد من التفاصيل انظر : الطبري : تاريخ 4 / 444 ـ 546 ، اليعقوبي : تاريخ 2 / 112 ـ 127 ، ابن ابي الحديد : الشرح 1 / 9 ، 201 ، 225 ـ 227 ، 230 ـ 236 ، 243 ، 266 ، 305 ـ 311 ، 2 / 166 ـ 170 ، 187 ـ 188 ، 4 / 6 ـ 11 ، 128 ـ 229 ، 7 / 35 ـ 46 ، 9 / 39 ، 109 ، 115 ، 162 ، 190 ـ 200 ، 293 294 ، 310 ـ 327 ، 10 / 4 ـ 9 ، 247 ـ 248 ، 294 ـ 327 ، 11 / 10 ـ 20 ، 121 ـ 126 ، 14 / 8 ـ 25 ، 17 / 254 ـ 255 . (225) وهما قتيره بن وهب و سودان بن حمران : الطبري : تاريخ 4 / 348 ، 391 ، ابن ابي الحديد : الشرح 14 / 37 ـ 38 . (226) لمزيد من التفاصيل عن إنقسام المسلمين الى فرق ومذاهب انظر كتب الفرق مثل البغدادي : الفرق بين الفرق ، النوبختي : فرق الشيعة ، الشهرستاني : الملل والنحل ، ابن حزم : الفصل في الملل والنحل .
6 ـ كان واصل يرجع في بعض احكامه للامام علي ( عليه السلام ) ، فمثلا لما سئل عن القدر قال : (( ما اعرف فيه الا ما قاله علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) فانه قال : ما تحمد الله عليه فانه هو منه ، وما تستغفر الله منه فهو منك )) (227) . 7 ـ قال في الامام الحسن ( عليه السلام ) : (( كان الحسن بن علي عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك ))(228) . القسم الثالث : يرون افضلية ابو بكر ثم عمر ثم عبد الرحمن بن عوف ثم عثمان ، هذا القسم انفرد به ابو بكر الاصم (229) واتباعه ، والاصم هو عبدالرحمن بن كيسان الاصم احد معتزلة البصرة ، عده القاضي في الطبقة السادسة من المعتزلة ، ويوصف بانه من افصح الناس ، وله كتاب مشهور في التفسير. انفرد الاصم عن سائر المعتزلة بالقول ان الامامة غير واجبة اذا تناصفت الامة ، وهو راي عده متاخرو المعتزلة قول بالوجوب لانه في العادة لا تستقيم امور الناس من دون رئيس يحكم (230) . كان موقف الاصم سلبيا من امير المؤمنين ( عليه السلام ) حيث يرى افضلية ابي بكر ثم عمر ثم عبد الرحمن بن عوف ثم عثمان بن عفان ، فيما لم يثبت أي امامة لامير المؤمنين ( عليه السلام ) حيث يرى ان بيعة الامام علي ( عليه السلام ) (( عن غير شورى، وان اكفاءه ونظراءه في الفضل نازعوه وابو ان يسلموه الامامة فحاربهم ، ************************************************************** (227) الكراكجي : كنز الفوائد 1 / 170 ، ابن طاووس : الطرائف ص 329 . (228) ابن شهر آشوب : معالم العلماء 3 / 176 ، المجلسي : البحار 43 / 338 . (229) انظر ترجمته : الملطي : التنبيه والرد ص 39 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 267 ، الشهرستاني : الملل والنحل ص 57 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 56 ـ 57 ، الداوودي : طبقات المفسرين 1 / 74 . (230) ابن ابي الحديد : الشرح 2 / 308 ، وانظر رأي الاصم : الاشعري : مقالات الاسلامين 2 / 133 .
قال : والامامة لا تعقد بالسيف ، وانما تعقد لمن تمد اليه الاعناق طوعا بعد النظر والتشاور ورضى الامة ، واجتماع الكلمة ، وصوب معاوية في حربه عليا ومنعه من الشام لان عمر ولى معاوية ثم اثبته عثمان ، وهما امامان ، فلما قتل عثمان كان على معاوية الا يسلم الشام الا الى امام مفترض الطاعة ، فاذا اراد ذلك الامام ان ياخذ الشام بالقوة وجب على معاوية محاربته . . . ))(231) . لقد انفرد الاصم بتقديمه عبدالرحمن في الافضلية على عثمان لانه برايه من ازهد الناس فيما الغى خلافة الامام علي ( عليه السلام ) وعد خلافة معاوية اصح من خلافته(232) . اما رأيه في حرب الجمل فيرى (( ان عليا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم ، وان المصيبين هم الذين قعدوا منهم وانهم يتولونهم جميعا ويتبرؤون من حربهم ويردون امرهم الى الله عز وجل )) (233) . وفي معرض استعراضه لاراء المعتزلة في حرب الجمل ذكر المفيد رأي الاصم قائلا (( قال شيخ المعتزلة ايضا ومتكلمها في الفقه واحكام الشريعة على اصولها الاصم المكنى بابي بكر الملقب بخربان (234) : انا اقف في كل فريق من الفريقين فلا احكم له بهدي ولا ضلال ولا اقطع على احدهما بشيء من ذلك في التفصيل ولا الاجمال ولكني اقول : ان كان علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) قصد بحرب عائشة وطلحة والزبير كفِ الفساد ومنع الفتنة في الارض ودفعهم عن التغلب على الامرة والعدوان على العباد فانه مصيب ماجور ، ************************************************************** (231) الناشىء الاكبر : مسائل الامامة ص 59 ـ 60 . (232) الناشىء الاكبر : مسائل الامامة ص 59 . (233) النوبختي : فرق الشيعة ص 37 . (234) لفظه فارسية مكونة من خر وتعنى الحمار ، وخربان المكاري ، الملطي : التنبيه والرد ص 39 .
وان كان اراد بذلك الجبرية والاستبداد بالامر بغير مشورة من العلماء بل ليتأمر على الناس بالقهر على ذلك والاضرار ، فهو ضال مضل من اهل النار ، قال : وانما قلت ذلك لخفاء الامر علي فيه واستتار الثبات في معناه واشتباه اسباب الباطل فيه باستتار الحق عند العقلاء ، قال : وكذلك قولي في الفريق الاخر ، اقول : ان عائشة وطلحة والزبير ان كانوا قصدوا بقتالهم علي بن ابي طالب واصحابه منعهم من الاستبداد بالامر من دون رضا العلماء به ، وارادوا الطلب بدم عثمان والاقتصاص له من ظالميه برد الامر شورى ليختار المسلمون من يرون ، فهم بذلك هداة ابرار مستحقون للثواب ، وان
كانـوا ارادوا بذلك الدنيـا والعصبيـة والافسـاد في الامر وتولي الامر بغير رضا فهم بذلك ضلال مستحقون اللعنة والخلود في النار ، غير انه لا دليل على اغراضهم فيه ، ولا حجة تظهر في معناه من اعمالهم ، فلذلك وقفت فيهم كما وقفت في علي واصحابه ، كما بينت ، وان كان طلحة والزبير احسن حالا من علي فيما اتاه )) (235) . واشار المفيد الى ان الاصم خالف المعتزلة في قولهم باحقية الامام علي ( عليه السلام ) في حربه لمعاوية (( فانه زعم ان معاوية كان اماما محقا لاجماع الامة عليه )) ، وكان الاصم متظاهرا بالشك في امامة امير المؤمنين ( عليه السلام ) (236). اما في التحكيم فيرى الاصم ان خروج الامام الى صفين كان خطأ وتحكيمه خطأ ، وان ابا موسى الاشعري اصاب حين خلعه حتى يجتمع الناس على امام (237). ************************************************************** (235) المفيد : الجمل ص 62 ـ 63 . (236) المفيد : الجمل ص 66 . (237) النوبختي : فرق الشيعة ص 37 .
وقال الشهرستاني ( ومن بدعه . . . كان يقول : الامامة لا تنعقد الا باجماع الامة عن بكرة ابيهم ، وانما اراد بذلك الطعن في امامة علي رضي الله عنه ، إذ كانت البيعة في ايام الفتنة من غير اتفاق من جميع الصحابة ، إذ بقي في كل طرف طائفة على خلافه ) (238) . هذا الموقف من الاصم جعل رجالات المعتزلة انفسهم يردون عليه ، ومن بين هؤلاء بشر بن المعتمر مؤسس معتزلة بغداد والذي كان اول من قال بافضلية الامام علي ( عليه السلام ) من المعتزلة ومنه سرى القول بالتفضيل لسائر معتزلة بغداد وبعضا من معتزلة البصرة المتأخرين (239) . وقد رد بشر على الاصم بكتابين الاول كتاب الرد على ابي بكر الاصم ، والثاني كتاب الرد على الاصم في الامامة (240) . وأشار لذلك القاضي قائلا ( والذي نقم عليه أصحابنا بعد نفي الأعراض ، أزوراره عن علي عليه السلام ، وكان أصحابنا يقولون : بلي بمناظرة هشام بن الحكم ) (241) وقال ابن المرتضى ( كان يخطىء عليا عليه السلام في كثير من افعاله ويصوب معاوية في بعض أفعاله ، قال القاضي : ويجري منه حيف عظيم على أمير المؤمنين ، وكان بعض أصحابه يعتذر له فيقول : بلي بمناظرة هشام بن الحكم) (242) ان هذه الاراء تنبىء عن شذوذ واضح لدى الاصم في فكره ، ************************************************************** (238) الملل ص 57 . (239) لمزيد من التفاصيل انظر النصرالله : شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي رؤية اعتزالية عن الامام علي ( عليه السلام ) ص 38 وما بعدها . (240) الراوي : ثورة العقل ص 105 ـ 106 . (241) فضل الاعتزال ص 267 . (242) طبقات المعتزلة ص 56 ـ 57 .
حيث ينفرد عن سائر المعتزلة بامور ثلاث : الاولى : اثبات افضلية لعبد الرحمن بن عوف باعتباره ازهد الناس ، والظاهر ان الاصم عديم الاطلاع على السير والتراجم فعبدالرحمن ترك ما يكسر بالفؤوس ذهبا ، وهو من اكبر اثرياء الصحابه . الثانية : عدم اعترافه بامامة الامام علي ( عليه السلام ) ، وهذا شيء لم يعتقده حتى خصوم الامام من الخوارج والنابتة (243) . الثالثة : اعترافه بإمامة معاوية ، مع ان معاوية عند اكثرية المعتزلة ممن ارتكب كبيرة وهو مخلد في النار (244) . القسم الرابع : يتوقف في القول بالافضلية بين الامام علي ( عليه السلام ) وبين ابي بكر وعمر . يذهب جماعة من معتزلة البصرة بعدم القطع فيمن هو الافضل هل هو الامام علي ( عليه السلام ) ام ابو بكر ثم عمر لاسباب يتوقفون عندها على الحكم ومن بين هؤلاء : اولاً : واصل بن عطاء ( 80 ـ 131 هـ ) رأينا في القسم الثاني ان بعض المصادر تنسب لواصل اراء غريبة في تفسيره لحرب الجمل بحيث وضع كلا الفريقين الامام واصحاب الجمل بصفة المتلاعنين (245) ، فيما يذكر ابن ابي الحديد المعتزلي ان واصلا كان متوفقا في القول بالافضلية بين الامام علي ( عليه السلام ) وبين ابي بكر وعمر ، ************************************************************** (243) عن النوابت انظر الجاحظ : رسالة في النابتة ( جميع الصفحات ) . (244) عن اعمال معاوية وموقف المعتزلة منه انظر : الجاحظ : رسالة في النابتة ص 241 ـ 242 ، ابن ابي الحديد : الشرح 1 / 9 ، 201 ، 340 ، 5 / 129 ـ 131 ، 2 / 65 ، 10 / 101 ، 15 / 115 ، 170 ـ 171 ، 16 / 160 ـ 162 ، 11 / 39 ـ 42 ، 17 / 226 ، 20 / 35 ، القاضي : المغني 20 / 2 / 93 ـ 94 . (245) النوبختي : فرق الشيعة ص 33 ـ 34 ، المفيد : الجمل ص 60 ـ 62 ، الشريف المرتضى : الشافي في الإمامة 1 / 93 ـ 95 ، الشهرستاني : الملل ص 38 ، الذهبي : ميزان الاعتدال 4 / 329 ، ابن خلدون : التاريخ 3 / 172 .
ولكنه قاطع بافضلية الامام على عثمان لتوقف واصل باحداث فتنة عثمان(246) . ثانياً : ابو الهذيل العلاف(247) ( 135 ـ 235 هـ ) هو ابو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبدالله بن مكحول الملقب بالعلاف لوقوع داره في سوق العلافين ، يعده البعض المؤسس الثاني للاعتزال بعد واصل ، ولد في البصرة وتتلمذ على يد تلاميذ واصل مثل عثمان بن خالد الطويل (248) . تميزت اراء العلاف بالطابع الفلسفي ضمنها مؤلفاته ومناظراته في اثبات الفكر الاعتزالي والرد على خصومه ، وقد تخرج على يديه عدد من كبار رجالات الاعتزال كالنظام والشحام (249) والفوطي وغيرهم . يقف الباحث متسائلا امام تباين في المواقف تعرضه الفرق الكلامية للعلاف تجاه الامام علي ( عليه السلام ) ففي الوقت الذي ينسب له ابن ابي الحديد توقفه في القول بالافضلية بين الامام علي ( عليه السلام ) وبين ابي بكر وعمر، ************************************************************** (246) شرح 1 / 8 . (247) انظر ترجمته : الخياط : الانتصار ص 15 ـ 21 ، 56 ـ 59 ، 80 ـ 83 ، 90 ـ 92 ، 103 ـ 110 ، 115 ـ 117، 120 ـ 122 ، البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 69 ـ 70 ، الملطي : التنبيه والرد ص 38 ـ 39 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 254 ـ 263 ، ابن النديم : الفهرست ص 201 ( تراجم الحقت بآخر الكتاب ) ، الشريف المرتضى : الامالي 1 / 187 ـ 191 ، البغدادي : الفرق ص 73 ـ 79 ، الشهرستاني : الملل ص 38 ـ 42 ، ابن خلكان : وفيات 4 / 265 ـ 267 ، اليافعي : مرآة الجنان 2 / 116، الجرجاني : التعريفات ص 200 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 44 ـ 49 ، ابن حجر: لسان الميزان 5 / 41 ، 414 . القمي : هدية الأحباب ص 59 . (248) هو ابو عمرو عثمان بن ابي عثمان خالد الطويل ، أحد الدعاة الذين أرسلهم واصل بن عطاء وقد وجهه الى ارمينية فاجابه اكثر اهلها ، أنظر ترجمته : البلخي : باب ذكر المعتزلة ص67 ، القاضي : فضل الإعتزال ص 164 ، 166 ، 237 ، 251 ، 345 ، إبن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 4 ، 7 ، 32 ـ 33 ، 42 ، 44 . (249) يوسف بن عبد الله الشحام انتهت اليه رئاسة معتزلة البصرة ت 267 هـ ، انظر ترجمته : البلخي : باب ذكر المعتزلة ص 74 ، الملطي : التنبيه ص 39 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 280 ـ 281 ، البغدادي : الفرق ص 107 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص7 1 ـ 72 .
ولكنه يقطع بافضلية الامام علي ( عليه السلام ) على عثمان (250) . ونجد الشيخ المفيد يشير الى ان موقف العلاف من فريقي الجمل قريب من موقف واصل وعمرو بن عبيد اذ يرى المفيد ان العلاف اتبع اماميه في الاعتزال واصل وعمرو في رأيهما بفريقي الجمل (251) ، حيث يرى العلاف ان احد الفريقين مصيب والاخر مخطىء ، لذا فهو يتولى كل فريق على الانفراد ، ولا يتولاهما على الاجماع والسبب برايه لان كل واحد منهما ثبتت ولايته وعدالته بالاجماع ، فلا تزول عنه العدالة الا بالاجماع (252) . الهذيل العلاف قد يلقي ضوءا على رؤيته في التفضيل اذ ساله سائل : ايما أعظم منزلة عند الله ، علي ام ابو بكر ، فقال العلاف : يا ابن اخي ! والله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق (253) تعدل اعمال المهاجرين والانصار وطاعاتهم كلها وتربي عليها فضلا عن ابي بكر وحده (254) . رؤية العلاف هذه نجدها ماثلة لدى الصحابي حذيفة بن اليمان (255) حينما سأله ربيعة بن مالك السعدي (256) قائلا : يا ابا عبدالله ! ان الناس يتحدثون عن علي بن ابي طالب ومناقبه ، ************************************************************** (250) شرح 1 / 8 ، وانظر ابن حجر : لسان الميزان 5 / 413 ـ 414 . (251) الجمل ص 62 . (252) النوبختي : فرق الشيعة ص 36 ـ 37 . (253) عن معركة يوم الخندق وموقف الامام فيها انظر : إبن هشام : السيرة النبوية 3 / 137 ـ 138 . (254) ابن ابي الحديد : الشرح 19 / 60 . (255) احد رجالات الانصار ويعرف بصاحب سر المنافقين ت 36 هـ ، انظر : الطبري : المنتخب ص 573 ، الكشي : رجال ص 37 ـ 38 . الحاكم : المستدرك 3 / 427 ـ 428 ، ابن عبدالبر : الاستيعاب 1 / 334 ـ 335 . (256) لم تتضح لنا طبيعة هذه الشخصية .
فيقول لهم اهل البصيرة : انكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل ، فهل انت محدثي بحديث عنه اذكره للناس ؟ فقال حذيفه : يا ربيعة ! ومالذي تسألني عن علي ، ومالذي احدثك عنه ؟ والذي نفس حذيفة بيده لو وضع جميع اعمال امة محمد في كفة ميزان منذ بعث الله تعالى محمد الى يوم الناس هذا ، ووضع عمل واحد من اعمال علي في الكفة الاخرى لرجح على اعمالهم كلهم ، فقال ربيعة : هذا المدح الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل ، اني لاظنه اسرافا يا ابا عبدالله ! فقال حذيفة : يالَكَع ، وكيف ولا يحَمل ! واين كان المسلمون يوم الخندق وقد عبر اليهم عمرو واصحابه فملكهم الهلع والجزع ، ودعا الى المبارزة فاحجموا عنه حتى برز اليه علي فقتله ! والذي نفس حذيفة بيده لعملهُ ذلك اليوم اعظم اجرا من اعمال امة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى هذا اليوم والى ان تقوم الساعة (257). فيما ذكر القاضي انه لما مات ابو الهذيل صلى عليه أحمد بن ابي دؤاد فكبر عليه خمسـا ، فلما سئل عن ذلك قال : أن أبا الهذيل كان يتشيع لبني هاشم فصليت عليه صلاتهم (258)، وأوضح إبن المرتضى أن المقصود بالشيعي في ذلك الزمان هو من يفضل عليا على عثمان ، وكان أبو الهذيل يفضل علياً على عثمان (259). يلاحظ على ما مر : 1 ـ تباين الرؤى في موقف العلاف من الامام علي ( عليه السلام ) ففي الوقت الذي يذهب فيه الشيخ المفيد الى ان العلاف يتخذ موقفا سلبياً من الامام علي ( عليه السلام ) ، ************************************************************** (257) ابن ابي الحديد : الشرح 19 / 60 ـ 61 ، وانظر قريب من معناه ، المفيد : الارشاد ص41 ، الطبرسي : اعلام الورى ص 193 ـ 194 ، وقد ورد نفس المعنى على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الحاكم : المستدرك 3 / 34 . (258) فضل الاعتزال ص 263 . (259) طبقات المعتزلة ص 48 .
نجد ابن ابي الحديد يقدم صورة احسن وهي توقف العلاف في القول بالافضلية بين الامام وبين ابي بكر وعمر ، فيما نجد رواية توضح رؤية العلاف لإهم حدث في غزوة الخندق وهو قتل الامام علي ( عليه السلام ) لعمروبن عبيد ، الذي عده ابو الهذيل لوحده يعدل كل اعمال ابي بكر ، بل يعدل كل اعمال المهاجرين والانصار ومعهم ابو بكر ، فاذا كان عملا واحدا لامير المؤمنين ( عليه السلام ) برؤية العلاف يعدل كل اعمال ابو بكر فضلا عن كل اعمال المهاجرين والانصار ، اذا كيف نأخذ بقول من يقول ان العلاف يتوقف في القول بالافضلية ، وكلامه الاخير صريح بتفضيله الامام على غيره !! ؟ . 2 ـ واذا نظرنا لقول ربيعة بن مالك السعدي لحذيفة (( ان الناس يتحدثون عن علي بن ابي طالب ومناقبه ، فيقول لهم اهل البصيرة : انكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل )) . والسؤال المطروح : ان حذيفة توفي مطلع خلافة امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، اذا فالناس تتحدث بمناقب الامام في خلافة عثمان ، وهو امر ممنـوع اذ ان من سياسـة الخلفاء الثلاثة اسدال الستار على فضائل الامام ( عليه السلام ) وذلك بالمنع من تفسير القرآن او رواية اقوال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (260) ، والظاهر ان الخليفة اواخر حياته لم يستطع منع الناس من رواية ذلك ، فاخذ البعض يتحدث عن مناقب الامام علي ( عليه السلام ) فكان ذلك مثار استغراب وتعجب عند البعض ، اذ قال ربيعة لحذيفة (( هذا المدح الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحَمل ، اني لاظنه اسرافا يا ابا عبدالله )) ، ************************************************************** (260) انظر : علي الشهرستاني : منع تدوين الحديث ص 63 ـ 91 .
والملاحظ ان اعداد كبيرة من المسلمين الجدد الذين دخلوا الاسلام في عهد ابي بكر وعمر وعثمان لم يعرفوا شيئا عن الامام ( عليه السلام ) طيلة هذه الفترة لذلك فوجئوا بهذه الفضائل وعدها البعض اسرافا .
ومن جانب اخر اشار ربيعة الى ان اهل البصيرة يقولون لاولئك الذين يروون فضائل الامام ( عليه السلام ) : (( انكم لتفرطون في تقريض هذا الرجل )) ، ولكن من هم اولئك اهل البصيرة الذين عناهم ربيعة ؟ ، لا جرم انهم قادة الفتوحات الذين تولوا القيادة في عهد الخلفاء الثلاثة وعلى ايديهم دخلت تلك الالوف الاسلام اضراب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وابي موسى الاشعري وشرحبيل بن حسنه (261) وغيرهم والذين كانوا بمنزلة حسنة لدى المسلمين الجدد لانهم لا يعلمون شيئا عن ماضيهم ومواقفهم ضد الاسلام وضد الامام علي ( عليه السلام ) ، ولذلك سماهم اهل البصيرة لحسن رأيه فيهم ، وما درى بانهم ذو مواقف سلبية من الامام علي ( عليه السلام ) (262) . ************************************************************** (261) أبو عبدالله شر حبيل بن عبدالله ، وحسنة أمه ، أختلف في نسبه هل الى كنده ام الى تميم ؟ ويقال أنه حليف لبني زهرة ، يقال أنه أسلم قديما وهاجر الى الحبشة ، ولكن لا يعرف متى عاد منها وهل عودته كانت لمكة ام المدينة ؟ شارك بحروب الشام ثم أستقر بها حتى وفاته بطاعون الشام سنة 18 هـ . انظر ترجمته : ابن الاثير : أسد الغابة 2 / 419 ـ 420 . (262) لمزيد من التفاصيل عن مبغضي الامام انظر : ابن ابي الحديد : الشرح 4 / 56 ـ 110 .
ثالثاً : أبو هاشم الجبائي (263) ( 247 ـ 321 هـ )هو ابو هاشم عبدالسلام بن ابي علي الجبائي من كبار رجالات معتزلة البصرة المتاخرين عده القاضي في الطبقة التاسعة وقدمه على من هم اكبر منه سناً وذلك لتقدمه في العلم .
كان يرى في التفضيل بانه لو صح خبر الطائر لوجب القطع بافضلية الامام علي ( عليه السلام ) ولكنه لما لم يصح عنده ، لذا لم يعلم فضل احدهما أي الامام علي ( عليه السلام ) او ابي بكر، لانه برايه (( الاعمال لاتبنىعلى فضل الانسان اذا لم يعلم المغيب من حاله ، فاذا فقدنا الدلالة وجب التوقف )). (264)
ولكن ما هو خبر الطائر وهل فعلاً لم يصح عند المسلمين ؟
لقد اشارت كتب الحديث والسيرة والتاريخ والتراجم والانساب والفضائل الى انه اهدى للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طائراً مشوياً ، فقال : اللهم ائتني باحب الخلق اليك ياكل معي هذا الطائر فجاء علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) (265) . والغريب انه مع تواتر هذا الحديث لم يصح عند ابي هاشم الجبائي ، بل الاغرب ما جاء عند ابن كثير إذ قال في نهاية حديثه عن طرق واسانيد خبر الطائر ، ************************************************************** (263) انظر ترجمته : الملطي : التنبيه ص 40 ، القاضي : فضل الاعتزال ص 304 ـ 308 ، الهمذاني : تكملة تاريخ الطبري ص 278 ـ 279 ، ابن النديم : الفهرست ص 247 ، البغدادي ، الفرق بين الفرق ص 111 ـ 119 ، الشهرستاني : الملل ص 62 ـ 68 ، السمعاني : الانساب 3 / 187 ـ 188 ، ابن الاثير : اللباب 1 / 157 ، ابن المرتضى : طبقات المعتزلة ص 94 ـ 96 ، المقريزي : الخطط 2 / 348 ، ابن حجر : لسان الميزان 4 / 16 ، القمي : هدية الأحباب ص 164 ـ 165 . (264) القاضي : المغني 2 / 2 / 119 ـ 120 ، ابن ابي الحديد : الشرح 1 / 9 . (265) اخرجه : الجاحظ : رسائل الجاحظ السياسية ص 220 ، 231 ـ 232 ، الترمذي : صحيح 12 / 170 ، البلاذري : انساب 2 / 142 ، النسائي : خصائص ص 51 ـ 52 ، ديوان الصاحب بن عباد ص 35 ، 44 ، ابن اخي تبوك : مناقب علي بن ابي طالب ص 435 ، الحاكم : المستدرك 3 / 142 ـ 143 ، الخطيب : تاريخ بغداد 3 / 171 ، ابن المغازلي : المناقب ص 156 ـ 175 ، الخوارزمي : المناقب ص 59 ـ 65 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة ص 38 ـ 39 ، محب الدين : الرياض النظرة 2/211 ـ 212 ، الجويني : فرائد السمطين 1 / 209 ـ 215 ، 322 ، ابن تيمية : منهاج السنة 3 / 13 ، الزرندي : معارج الوصول ص 30 ، ابن كثير : البداية والنهاية 7 / 351 ـ 354 . |