قـالوا  ، قعدت فلم تخرج ، فقلت iiلهم      بعدي  عن الناس في هذا الزمان iiحجا
اذا خـروجك لـم يخرجك عن iiكربٍ      حسدت من كان وسط البيت ما خرجا
   وليس العاقل الا من يعرف رشده ، ويبصر قصده ، ويدافع وقته ، ويصانع بختة ، ويلازم بيته :
لـم  اجد لذة في السلامة iiالا      صرت للبيت والكتاب جليسا
انما  الذل في مخالطة iiالناس      فـدععهم وعش اميراً iiرئيساً
   ومع هذا فلست غافلاً ، ولا بما يصدر بالبلد جاهلاً ، بل كان لي تحت كل شعرة عين ولسان في كل جارحة سيف وسنان :

ولاتـضن انـي غـير iiمنتبه      ولـست اعلم ما ابقى وما iiاذر
ما  في جبن ولا بخل ولا iiحسد      ولا  نـفاق ولا لؤم وولا iiخور
مجدي تليد ونفسي حرة ويدبي      بـسيطة  وخصالي كلها iiغور
( 24 أ )
وما اعتراضي على ربي ليقضي لي      مـا لا يـشأ ولي في العقل iiمزدجر
   وقبيح ان توحشني الوحدة وانيسي ابكار الادب ، وجليسي اخبار العرب ، ونديمي ما لا يلحقه مني ندامة ، ولا تنالي منه سآمة ، ولا يرميني بسهام التهم ، ولا يحسدني على دوام النعم ، على اني امتريت اخلاق الزمان مقيماً وظاعناً ، وارتضعت افاويق الايام ظاهراً وباطناً ، وشهدت صعائب الامور حالاً وراحلاً ، ذلك رقاب الاهوال جاداً وهازلاً .
وجـربت  مـا لـو جرب النمر iiبعضه      لا صبح  (125)  اذكى من اياس وافطنا

 ************************************************
(125) في الاصل : اذكا .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 70 ـ

اذا شئت ان تلقى امرءً بين عينة      عجائب   ما في الارض طراً فها iiانا
   والآن نفضت كيس العمر ، وانقفت نفيس الوفر ، منزوياً في البيت عن معاشرة كل نديم يجاملني مجاملة ناسك بوجه ضاحك ، ثم يعاملني معاملتك فاتك بسيف باتك ، ولكن لما مات عبد الله باشا وترشح هذا الكلب للوزارة ( 24 ب ) خرجت وصرت كبير قومي ورئيسهم :
ومـخرق عـنه القميص iiتخاله      بـين الـبيوت من الحياء iiسقيما
حـتى ان رفـع اللـواء iiرأيته      تحت اللواء على الخميس زعيما
   وقد عاملة سليم افندي (126) معاملة الوزراء ، وكان قد رغب لمساعدته جماعة من وجوه بغداد ، وهم جميع اهل الميدان ، واهل محمد الفضل (127) واهل المهدية (128) والقراغول (129) ، وجذب اليه جميع وجوه عسكر عبد الله

 ************************************************
(126) كذا كتبها المؤلف في الاصل ، ثم حرفها فجعلها ( لئيم افندي ) ثم شطب عليها ولم يبدلها بشيئ .
(127) يريد محلة محمد الفضل ، وهي ومحلة كبيرة من بغداد الشرقية ، قريبة من محلة الميدان من ناحية الشرق ، كانت في العصر العباسي جزء من مقبرة باب ابرز ، ثم نسبت الى قبر من يدعى محمد الفضل في عصور متأخرة ، وشيد على القبر مسجد عرف باسم مسجد الفضل ، وقد عمره والي بغداد سليمان باشا الكبير بعد هذه الاحداث بسنوات قليلة ( سنة 1210 هـ / 1802 م ) .
(128) محلة ببغداد الشرقية ما زالت معروفة ، قريبة من محلة الفضل المتقدمة وهي منسوبة الى عشيرة المهدية التي قامت فيها في العصر العثماني .
قال الحيدري : المهدية وهم القاصبون في بغداد ، وهم من زبيد الحميري ( عنوان المجد في احوال بغداد والبصرة ونجد ص 109 )
(129) من محال بغداد الشرقية ، تصل بين محلة الميدان قرباً ، ومحلة الفضل شرقاً ، ورد اسمها في قائمة محال بغداد لفيلكس جونز ( سنة 1853 ) .
بشكل ( قره اول ) وما زالت تلفظ احياناً على هذا النحو ، والقره غول ( وقد تكتب قرة قول ) فرقة من الحرس الليلي ، كانت ضمن تشكيلات فرق الانكشارية ( الينكجرية ) في المدن ، وكان قائدها يدعى ( باش قره قو للقوجي ) وهو في الوقت نفسه احد ضباط الانكشارية المهمين ، والظاهرة ان هذه الفرقة اتخذت من تلك المحلة مقاماً لهل فنسبت اليها ( دائرة المعارف الاسلامية ) ، مادة انكشارية 5 / 113 )

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 71 ـ
باشا وآغات الينكجرية (130) ، واظهر الجميع رضاهم بأن يكون والياً على بغداد وانهم يعرضون بذلك الى الدولة العلية ، وغشى على عقول الجميع كثرة عطائه ، وهم مع زيادة تملق واظهار محبة ، بحيث قطع من كا هولاء الفجرة ان هذا اذا صار والياً على بغداد يملك بسبه ما اراد .
   واما شرقي الجسر من اهل رأس القرية (131) واهل الشيخ (132) ومحلة الباب (133) والشورجة (134) ( 25 أ ) فأنهم لما رأوا جد هولاء على هذا الامر ،

 ************************************************
(130) آغات : من آغا ، والتاء للنسبة ( عامية عراقية ) واغا كلمة تركية قديمة تراوح معناها بين الاخ الكبير ، والرئيس والسيد ، واغ الينكجرية ( الانكشارية ) هو قائد الفرقة منها ، ويدعى بالتركية ( يكيجري اغا سي ) وهو يتولى فوق عمله العسكري ، امر الشرطة وحفظ النظام ايضا ( انظر دائرة المعارف الاسلامية ، مادة اغا 3 / 554 وانكشارية 5 / 133 ) .
(131) رأس القرية ، من محال بغداد الشرقية ، اكتسبت اسمها من موقعها الذي في راس القرية ( بالتصغير ) الشرقية ، من محال حريم دار الخلافة العباسية المهمة وهو الموقع الذي تشغله الآن محلات المربعة والسبع ابكار والسيد سلطان علي ، ثم تحول اسمها ليطلق ابان العصر الثماني على الارض الممتدة بين باب الاغا شمالاً والسبع ابكار جنوباً ، اي انها زحفت بتجاه الشمال ، وسبب ذلك يرجع الى خراب الحي الذي كان يطلق على اسمها اصلاً وانتقال سكانه الى حيهم الجديد الذي حمل اسم المحلة القديمة كتابنا . . مساجد بغداد ، مخطوط ، 1 / 44 .
(123) يريد اهل الحلة السيخ عبد القادر الكيلاني ، وهي من المحلات المشهورة في عهد المؤلف بمنعتها ومناوءتها للسلطة العثمانية الحاكمة ، وقد اكتسبت اهميتها بسب وجود جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني ورباطه وذريته ومنهم نقباء الاشراف وشيوخ الطريقة القادرية فيها ، وعرفت هذه المحلة في العصر العباسي باسم باب الحلبة ، التي كانت جزء من محلة اكبر تمتد حتى دجلة عرفت بباب الازج .
(133) لا نعرف محلة في بهذا الاسم في بغداد ، وانما توجد محلات تبتديء اسماءها بكلمة باب ، اهمها باب المعظم وباب الاغا وباب الشيخ ، ونحن نستعبد انه اراد بها المحلة الاولى ، لان محلة باب المعظم تقع قرب القلعة بين السور الشمالي ومحلة الميدان وهي بعيدة عما يذكر المؤلف من محلات ، واما باب الاغا ، فأسم متأخر ـ فيما نعلم ـ عن عهد المؤلف ، والذي نرجحه انه اراد محلة الشيخ نفسها ، او ناحية منها تعرف باسم الباب فقط ، يؤيد ذلك ان الكركوكلي ذكر من المحلات التي ساندت اسماعيل اغا محلة ( باب الشيخ ) دون ان يشير المحلة الباب مطلقاً .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 72 ـ
   وهم يعلمون ان هذا الخبيث (135) مراده تسليم بغداد الى العج امتنعوا من موافقتهم ، وطلبوا الوزارة لاسماعيل ، كخية ، واما نحن معاشر اهل الجانب الغربي فنريدها ( لكل خارج عن هذه الدائرة من وزراء الدولة ) (136) فلم نشترك من الفرقتين ، فلم نوافق احداً .
   وثارت المحاربة بين هاتين الفرقتين ، وبنيت المتاريس ، وضربت الاطوال (137) من القلعة على اطراف [ محلة ] (138) سيدنا الشيخ عبد القادر وسفكت من الجانبين الدماء ، فبينا نحن جالسون ذات ليلة اذا جائت من قبيل اسماعيل كخية تذكره باسمي واسم اخي (139) يستصرخوننا ويستغيثون بنا ، فلما اصبحنا جمعت قومي ، وهم وجوه اهل الجانب الغربي ـ حفظه الله تعالى ـ فانهم ما خالفوني في امر قط ووعظتهم وقلت لهم ( 25 ب ) : ورد في الحديث ( ان المسلمين اذا التقيا بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ) (140) .
   وقد ارسل فريق اسماعيل كخية يستمدونا فالشرع والراي انا لا اكون معه احد ، وبغداد لا تاتي الا ( لوزير عظيم ) (141) .

 ************************************************
(134) شورجة : كلمة فارسية تعني البئر المالحة ، وهي محلة وسوق في شرقي بغداد ، ما زالت معروفة ، وكان يطلق عليها في العصر العثماني علي القسم الذي يقع بين سوق العطاطير وسوق البقالخانة ، ثم توسعوا في التسمية حتى شملت جميع هذه الاسواق .
(135) في الاصل المشطوب : عجم محمد .
(136) في الاصل الشطوب ( لجانب مولانا الذي دونت هذه الرسالة لاجله ، وقد كنا جازمين بأن بغداد لا لغيره لامور فهمناها عن الدولة .
(137) الاطواب : جمع طوب ، وهي لفظة تركية بمعنى مدفع ، وبما اريد بها قذيفته كما يستخدمها المؤلف احياناً .
(138) زيادة يقتضيها السياق .
(139) لم يذكر اسمه ، وقد ذكرنا في المقدمة ان للمؤلف اخوين ، اكبرهما محمد سعيد ، واصغرهما احمد .
(140) الحديث المشهو ر هو ( اذا التقى المسلمين بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) انظر فنسنك : مفتاح كنوز السنة ، القاهرة ، ص 392 .
(141) العبارة مابين قوسين اصلح بها المؤلف ما شطبه من الاصل وهو ( للوزير المظفر مولانا حسن باشا لقربه منها ، وكونه في الدولة مرفوع الشأن ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 73 ـ
  فامتثلوا امري وامتنعوا من العبور الا القليل ، فمن كان له مع اسماعيل كخية اتحاد فانه عبر بقصد اطفاء هذه الفتنة ، فبعد يوم او يومين رأيناهم قد وجهوا اطواب القلعة الينا ، ورأينا رجالهم فوق القلعة يريدون مضاربتنا ، فبينا انا ماشٍ في الطريق واذا بقله طوب (142) وقعت على دار يتيم ابن صديق لي فبقرت فيها جدارين وخرجت الى داره جاره ، فأستشطت غضباً حينئذ وقلت فس نفسي ، نحن تركنا قتالهم الله وههم لم يتركونا ، فشعروا يضربون علينا الاطواب ، وقللها صارت كرسل الحِمام صاعدة نازلة فارسلنا اليهم من يستخبرهم عن سبب هذا الضرب ( 26 أ ) ، ورجالنا ـ حفظ الله ـ شاكون ْ ، ليسوا بعزل ، ينتظرون امري ، فقلت لهم : لا تضاربوهم حتى ياتي رسولكم ، فرجع الرسول غضبان آسفاً (143) ، وقال : يقولون انتم مع قبيل اسماعيل كخية ، بدليل ان فلاناً وفلاناً منكم في ذلك الطرف ، وهموا بقتل الرسول (144)
.

 ************************************************
(142) القلة ، تعريب كلة ، بكاف فارسية مضمومة ولا
مشددة : لفظة تركية مأخوذة عن الفارسية كولة ، وكلولة ، وغلولة وهي كرة او شيئ كروي ، وتسمى به اطلاقه المدافع القديمة حيث تكون كرة صماء ( داود الجلبي : كلمات فارسية مستعملة في عامية الموصل ، بغداد 1960 ، ص 175 ) .
(134) في الاصل : اسفى .
(144) اشار الكركوكلي ( دوحة الوزراء 160 ) الى موقف اهل الجانب الغربي بما يؤيد رواية المؤلف ـ الذي كان منهم ـ حيث قال ( اما الجانب الثاني من البلد ( يريد الكرخ ) فان اهليه لم ينحازوا الى حد المتخاصمين في بداية الامر ، ولما علم محمد باشا بأن اسماعيل كهية يراسلهم ويستمليهم الى جانه اعتقد انهم انحازوا اليه فسلط عليهم نيران مدافعه وبعمله هذا حلمهم او دفعهم الى التعاون مع اسماعيل كهية والانضمام الى صفوفه وبذلك اشتد الصدام بين الجهتين ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 74 ـ
فيحنئذ لبست سلاحي ومشيثت خلفي عصابة حسنة من السكمانية (145) ـ حرسهم الله ـ نريد الذهاب الى خضر الياس (146) فلم يمكنونا من المشي على الساحل لكثرة ما يضربوننا به من الطوب والتفك (147) ، فذهبنا من الخارج وجئنا الى خضر الياس ، وهو مكان يشرف على سور القلعة وتوابيها (148) ، فاختفينا خلف الجدران ، وهم لا يشعرون بنا ، وضرنا اول مرة مقدار عشرين

 ************************************************
( 145 ) السكمانية : جمع سكماني : لفظة محرفة عن الفارسية ( سكبان ) المركب من ( سك ) وتعني كلب ، ( وبان ) بعنى حافظ او مراقب ، وكان السكمانية في عهد نشأة الدولة العثمانية هم الذين يحرسون كلاب السلطان ويحملون له البنادق ويساعدونه في الصيد ، ثم شكل منهم بايزيد الثاني ( 792 ـ 805 هـ / 1389 ـ 1402 م ) ثلاثة فصائل منظمة ويبدوا انهم كانوا على مستوى جيد من التدريب والضبط ، فقد ادمج محمد الفاتح ( 855 ـ 866 هـ / 1451 ـ 1481 م ) فصائلهم بجامعات الينكجرية ( الانكشارية ) ، واصبح قائدهم ( سكمن باشي ) اكبر مساعدي اغا الينكجرية واهمهم ، وهر السكمانيون في استخدام السلاح الناري حتى اصبح السكماني هو الهداف الذي يصيب الهدف في الرمي بالبندقية لا يخطئه نتيجة لاحتلال نظام الينكجرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر ( الحادس عشر والثاني عشر للهجرة ) فقد انضوى بعض السكان النمدن في الولايات ممن يجيب استخدام السلاح الناري الى فصائل السكمانية وامسوا نوعاً من الجند المحلي في مدنهم والسكمانية الذين يذكرهم المؤلف هم من النوع المذكور ، انظر :
( 146 ) خضر الياس : اسم لمسجد ومشرعة ومحلة في الجانب الغربي من بغداد ، على شاطئ دجلة ، كانت تعرف في العصر العباسي بمحلة الرملة ، وهي اليوم في الكرخ الحديث ، تعلوها محلة التكارتة شمالاً ومحلة الست نفسية وسوق حمادة غرباً ، وسوق الجديد جنوباً ، وتقابلها من الجهة الشرقية لدجلة منشآات وزارة الدفاع ( القلعة قديماً ) .
( 147 ) التفك : لفضة تركية بمعنى البندقية ، وقد تلفظ بزيادة النون بعد الفاء ، فتكون تفنك ، والواحدة : تفكة وتفنكة .
( 148 ) توابي : جمع : تابية : وطابية لفظة تركية ربما اخذت على العربية : تعبئة ، وتعني التل او البرج المخصص للدفاع .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 75 ـ
تفكا شيشخانة (149) ، فالقينا منهم الطبوجي على طوبة ، وشردناهم من فوق القلعة وابطلنا طوابي من تلك الناحية ، وامرت قومي بالضرب على مزاغل السور اذ لا تخلو من احد خلفها ، واريناه يوماً لم يروه قبل .
   وفي صبيحة ( 26 ب ) اليوم الثاني عبأنا (150) جموعنا وارسلناهم من الجسر ، وركضوا عليهم ، فكسرناهم الى باب القلعة ، واستولينا على الميدان ثم رجعنا وتركناهم ، واراد اصحابنا نصب متاريس في ساحة خضر الياس فقلت لهم : الرأي عندي انا [ أن ] ابني لكم ماتريس شامخة الى الجو من غير حجر ولا مدد ، لان طوبهم يهدد البناء فأتوني غداً ببواري وحلال (151) نصفها ونضع في التراب ، ولا نزال نضع واحدة فوق اخرى حتى نكتفي فنضع طوبنا فوقها ، وسكمانيينا من فوق ايضاً ، ونضع من الحلال ما يمنع عنا بحيث نراهم ولا يروننا ، وليكن العمل ليلاً لانهم لا يمكنونا نهاراً ، والقصد بذلك دفع ضررهم لا غير ، وكان عندنا منافقون يرون رأي اعدائنا (152) ، فلغوهم تلك الليلة ما نريد ان نعمل ، فاصحبت توابي القلعة محدقة بالحلال ، فكأنا علماهم ، وبطل عملنا لانهم تستوا بما اردنا ان تستروا ، هكذا اكثر النفاق عندنا بحيث يصلهم كل ما (153) يصير عندنا ( 27 أ ) ولا يصلنا منهم

 ************************************************
(149) التكفة الشيشخانة ، من الفارسية : شش : ستة ، خان ، خانة : بيت ، وهي بندقية كان في سطح سبطانتها الداخلي ستة خطوط طولاً تساعد في دفع القذيفة في الاتجاه المباشر نحو الهدف : وتتميز عن سواها من البنادق القديمة انها مزودة بالزناد اللازم لالهاب البارود ، والبحربة ( السونكي ) غالباً وتعرف بالفرنسية باسم فوزيل وهي كلمة ايطالية تعني حجر النار مما يدل على ظهور هذا السلاح كان في ايطالياً قبل وصوله الى فرنسا ، واستمر هذا النوع من البنادق مستعملاً حتى سنة 1840 حيث ابتدأ استبدالها ذات الكبسول عبد الرحمن علي ، تذكار الشجعان في اصابة النشان ، القاهرة 1288 هـ ، ص 62 .
(150) في الاصل : عبينا .
(151) حلال : جمع حلة ، وهي هنا : الدلو والقربة والجفنة .
(152) في الاصل : اعدائنا .
(153) في الاصل : كلمنا .


تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 76 ـ
الا القليل ، لان الناس في هذه الفترة ـ الا من عصم الله ـ قد صاروا مدخولين منقوصين ، فقائلهم باغ ، وسماعهم غَيَّاب ، وسائلهم متعنت ، ومجيبهم متكلف ، ومستشيرهم غير موطن نفسه على انفاذ ما اشار به عليه ، ومستشارهم غير مأمون من الغش ، يتقارضون الثناء ويتقربون الدول (145) ، يكاد احزمهم رأيا يلفته على رأيه ادنى الرضى وادنى السخط .
   وكان ( سليم بزعمه انه القائمقام ) (155) وان نظام بغداد مطلوب منه ، ارسل الى الشجاع بلا نزاع ، والبطل المحامي بلا دفاع ، ساق شوكة الروم والعرب ، ومن برأيه وتدبيره تزال الكرب ، الذي امن الله به السبل ، واقام به العوج وأبلج به الحجج وأعلى به الدرج ، وازهق به الباطل ، وأحيا به الحق الذي لا تأخذه في القيام بحق الله والانتصار لدينه والانتصاح للمسلمين والذب عن حوزتهم لومة لائم ، توفيقاً من الله وتسديداً لرحمته وتأييداً لعزمه ( 27 ب ) .

قـــرم  هــمـام كــامـل مــلـك      شــم  جــواد سـيـد خـذل  (156) ii
غيث غياث كنز مفتقر سمح لكل فضيلة اهل
ذو  راحـــة كـالـبحر يــوم iiنــدا      لــكـن  عــلـى اعــدائـه iiثـكـل
ذو هــمـة عـلـيـاً يـــذل لــهـا      صـعـب  الامــور ويـسـهل الـعضل
ويـــذل  عـنـتـرة الـشجاع  لـهـا      ويــنـال  حــاتـم عـنـدها iiبـخـل
ولــدى الـوغـى يـسطوا الـكماة iiبـها      فـيـزيـن مـنـه الـقـصم iiوالـنـصل
ويــجـول فــي الـهـيجا iiفـتـحسبه      اســـداً  دعـــاه لـنـصـر شـبـل
يـــدع  الـكـمـاة رمــاة صـارمـه      وتــفـر مـــن وثـبـاتـه iiالـخـيل
   العالم العلامة ، والحبر الفهامة ، صاحب التحقيقات العديدة ، والتصنيفات المفيدة ، المحروس بحرز الله الرحيم الرحمن ، الاكرم الامجد ،

 ************************************************
(145) الدول : لغة في الدلو ، انقلاب الدهر من حال الى حال .
(155) ما بين القوسين شطب عليه في الاصل ولم يبدل بشيء .
(156) لعلها خدل بالدال المهملة وتعني الممتلئ والضخم .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 77 ـ
الحاج سليمان بيك بن عبد الله بيك (157) ، لما علم من خالص نصيحته وشدة شكيمته ( 28 أ ) وصحة عزيمته وصدق نيته وعمله بمن واقعته الحروب

 ************************************************
(157) هو اكبر انجال عبد الله بك بن نصيف بن شاوي ، الذي ستأتي ترجمته ، امير قبيلة العبيد في القرن الثاني عشر واول الثالث عشر ( 18 و 19 م ) ورأس اسرة آل الشاوي بعد ابيه ، ولد ـ ترجيحاً ـ في العقد الرابع من القرن الثاني عشر ، ونشأ ببغداد ، ودرس على اساتذة كبار ، وبخاصة مؤلف هذا الكتاب الشيخ عبد الررحمن السويدي ، حتى صار يعد من العلماء البارزين ، والشعراء المجودين ، وألف تصانيف ادبية ونحوية مهمة ، منها ( نظم الندى وبل الصدى لابن هشام ) نظمه بناء على اقتراح استاذه السويدي ، و ( سكب الادب على لامية العرب ) بطلب السويدي ايضاً سنة 1178 هـ / 1764 م ، وله اشعار متفرقة لم تجمع في ديوان ، مدح بعض الولاة ، ولكنه لم يكتسب بشعره ، وكانت له علاقات ادبية وثيقة مع مثقفي عصره ، ظهر دوره السياسي بعد ان قتل عمر باشا اباه عبد الله بك غدراً ، اثناء تكليفه بمهة رسمية ، سنة 1183 هـ / 1769 م ، فثار عليه واشترك اخوته معه ، وبيقت نتائج هذه الحادث مجهولة ، والظاهر انه لبث خارجاً على الحكومة حتى مقتل عمر باشا نفسه ، وعد ذلك اخذ باستعاده اهميته في شؤون الحكم ، واستعان به العثمانون لتوطيد النظام والامن ، ويعد دوره في أثناء فتنة من ابراز عجم محمد من ابراز ادوار حياته ، وفي اثنائه استصرخة الاديب البيتوشي ، وكان في البصرة ايام حصار كريم خان لها ، لانقاذها ، فلم يتمكن بسبب حراجه الموقف في بغداد ، ونال سليمان بك الشاوي مكانة كبيرة في عهد ولاية سليمان باشا الكبير ، فلاحظ الاخير خطورته على حكمه ، وكثرت السعايات ضده ، حتى اضطر الى ترك بغداد والاقامة في نواحي الخابور ، وذلك في سنة 1200 هـ / 1785 م ، ثم ان سليمان باشا عاد فأمنة ورد عليه املاكه في بغداد ، وفي سنة 1205 هـ / 1790 م لجأ عجم محمد اليه ، بعد ان ضاقت به الاحوال ، فألجاه ، وامتنع من تسليمه الى سليمان باشا انفقه من ان يقال سلم ضيفه ، فطارد الوالي المذكور بجيش ارسله ، حتى اغتال بعض ابناء عشيرته سنة 1209 هـ / 1794 م وقد مدحة ورثاه كثير من الشعراء ، وجميع تلك في ديوان ، ( افحام المناوي في فضائل آل شاوي ) لاحمد السويدي ، وفي ديوان ملا كاظم الازري ، وديوان حسين العشاري ، واخباره في دوحة الوزراء 142 و 194 و 198 ومختصر مطالع السعود 12 و 31 و 35 و 38 ـ 42 و 44 و 45 و 47 ، 51 ـ 58 ولب الالباب 178 ـ 181 وزبدة الآثار الجلية 175 ومجلة لغة العرب ، بحث عباس العزاوي 9 / 104 و 191 وديوام العشاري ص 310 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 78 ـ
وممارستها ومكابدة الاعداء ومنافستها ، وكان اذ ذاك خاج البلد منحازاً بقومه لمنافرة جرت بينه وبين عبد الله باشا (185) بسبب هذا الفاجر ( عحم محمد ، ولزعم سليم افندي ) (159) انه وكيل السلطان في بغداد ، ارسل خلف هذا الباسل كما قدمنا ، ولهذا الزعم ايضاً فتح خزانة عبد الله باشا ، وتصرف فيها كيف اراد ، وكشف الدفترخانة (160) ، واعطى من الجهات والوظائف لمن

 ************************************************
(185) لم يسبق ان ذكر المؤلف شيئاً عن هذه المنافرة كما لم ينوه بما غيره من المعاصرين ، وينفرد محمد صالح السهروردي بنقله راواية مفادها ان سليمان بك الشاوي كان قد استجاب لاستغاثة بعض البصرين اثناء احتلال الزنديين لها فاقام حلفاً مع الشيخ المنتفق ثويني بن عبد الله بهدف تخليص البصرة من الايرانيين ، ولكن سعي احمد بك المهردار افسد العلاقة بين سليمان الشاوي والوزير ، فأضطر الشاوي الى مغادرة بغداد بعد ان بلغه امر الوزير بالقاء القبض عليه ثم شن الهجمات على بغداد ، ولما لم يفلح ، استولى على البصرة ( لب الالباب 2 / 187 / 1 88 بغداد 1933 ) ربما ان الرواية لاتصرح باسم الوزير الذي كان والياً على بغداد انذاك ، فان لنا ان نعتقد بانه عبد الله باشا غالباً ، لان احتلال البصرة كان على عهده ، ولكن سبب المنافرة بين الرجلين غير مقنع ، لان احد لم يذكر شيئاً عن خطة الشاوي وتحالفه مع المنتفقيين لاسترجاع البصرة ، بل يوجد ما يؤكد عدم استجابته لنداء البصريين اضطراراً منه ( ابن سند مطالع السعود ص 37 مخطوط ، وممختصره ص 14 ) ومن ناحية اخرى فان اقتران المنافرة بسعي احمد بك المهردار يدفع الى الشك في هذه الرواية ، لان دور المهردار لم يبرز في الحياة السياسية الا في عهد سليمان باشا الكبير ، كما ان تحالف الشاوي وثويني فتحهما البصرة كان اثناء الحكم العثماني فيها ، حيث جرت سنة ، 1201 ـ 1202 هـ / 1786 ـ 1787 م ( دوحة الوزراء 188 ومختصر مطالع السعود 41 ) واغلب الظن ان ما نقله السهروردي في خلط بين عدة حوادث .
(159) ما بين قوسين شطب عليه المؤلف في الاصل ، وكتب فوقه الرومي المذكور ، وقد آثرنا الابقاء على اصل العبارة دفعاً للبس .
(160) الدفتر خانة : اصطلاح عثماني ، مأخوذ عن الفارسية ، مركب من دفتر العربية ، وخانة الفارسية ، وتعني بيت ، فيكون معنناها الحرفي بيت الدفاتر او السجلات ، وهي الدائرة الرسمية التي تعنى بشؤون الملكيات الخاصة والتعديلات الحادثة على ملكية الاقطاعات ، وكانت الولايات المهمة في الدولة ، مثل بغداد على دفتر خانة خاصة بها ، وترتبط بالدفتر خانة المركزية في استانبول مباشرة .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 79 ـ
حسن سيرته ومدحه من منافقي اهل بغداد ومتفقهة اطراف الميدان الذين مرقوا من الاسلام مروق السهام ، وارتكبوا لموافقة هذا الرجس الخبيث المناهي العظام ، واباحوا له قتالنا وان ينهب اموالنا ويأسر اولادنا وعيالنا ، ولم يشعروا ـ قاتلهم الله ـ ان دون ذلك حرب البسوس وازهاق النفوس ، وهؤلاء الفسقة الفجرة يعرفون ( 28 ب ) يقيناً كما يعرفون ابناءهم ، انا احق منهم كيف تأملوا وتدبروا ، ولكن حبهم للدنيا الجاهم الى الخروج عن ملة الاسلام ـ عافانا الله عن ذلك ـ حتى ان بعض تزيا بزي العلماء ـ وهو بعيد عنهم بمراحل ـ كان يضرب ايام الفتنة على كتف هذا الخبيث ( 161 ) ، ويقول له : انت نور الله ( وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون) (126) ، والاخر كان يقول : محمد بيك ( 163 ) باشا بنص البخاري ، لان فيه حديثاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ان الباشا اذا مات صار كخية بدلاً عنه ، والاخر كان يطوف على عسكرهم في المتاريس ويقول لهم : اخواني قاتلوا ائمة الكفر فانهم لا ايمان لهم ، والاخر كان يجلس عند سليم (164) ويفتي بكفرنا ، مستدلاً بان هذا الرومي (165) من اولي الامر وقد خالفناه ، وهو عالم بان لو خالفنا السلطان نفسه بقصدنا هذا لم نكن كفاراً ولكنه حملته محبة الدنيا على ان ( 29 أ ) كفرنا وكفر بتفكيرنا فلعنهم الله لعنة تستأصل اصولهم وفروعهم وحواشيهم ، ونكبهم نكبة تذهب اموالهم وذراريهم ومواشيهم ، آمين .

 ************************************************
(161) في الاصل المشطوب : عجم محمد .
(162) التوبة آية 43 ، الصفات آية 9 .
(163) شطب عليه في الاصل ، وكتب في الهامش ( هو ) ، فابقينا اصل العبارة ايضاح للمعنى .
(164) شطب على ( سليم ) في الاصل وكتب في الهامش ( الرومي ) فابقنا الاصل ايضاحاً للمعنى .
(165) في الاصل الذي شطب عليه ( سليم ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 80 ـ
   ثم قدح الحاج سليمان بيك بغداد ، فهدأت الفتة بقدومه وخبت نارها وانقطع شرارها ، وانثال اهل الجانب الغربي الى داره (166) فرحين مستبشرين بقدومه لان منا ورئيسنا وكبيرنا ، ونحن منقادون له كما كنا لابيه (167) ـ رحمه الله ـ قبله ـ فلامنا على صنيعنا اولاً وقال ، الحق انما هو من اهل الميدان واتباعهم لان سليم افندي (168) رجل من رجال الدولة ، ولا اظنه يعرض (169) لهذا العجمي ، مع علمه بأنه من اقبح اهل فارس عشيرة

 ************************************************
(166) كان الدور الشاويين خلف جامع الحنان الحالي ، قرب ساحة الشهداء اليوم .
(167) هو عبد الله بك بن نصيف بن شاوي ، امير قبيلة العبيد في القرن الثاني للهجرة ( الثامن عشر للميلاد ) ورأس اسرة آل الشاوي العربية التي تمت بنسبها الى فخذ آل شاهر من قبيلة العبيد وصفه المؤرخون بانه كان بعيد النظر ذكياً غيوراً عربياً قحاً شجاعاً صنديداً ديناً زاهداً ، وقد منحه الولاة بغداد لقب ( امير ) بصفه رسمية ثم ولاة سليمان باشا ابو ليلة منصب ( باب العرب ) اي انه جعله وسيلة الحكومة الاتصال بالعشائر العربية انذاك ، وذاعت شهرة الشاوي ومدحه الشعراء واستعان به الولاة ، وكان اخر ما استعانوا به عليه ارسال عمر باشا اياه الى البصرة لتسوية المشاكل بين متسلمها والشيخ عبد الله شيخ المنتفق ، والظاهر ان والي بغداد كان يحسد الشاوي على نفوذه ، ويخشى منه وامر بخشيه ، فامر بقتله غيلة ، فقتل في مكان يسمى ( ام الحنطة ) سنة 1183 هـ / 1769 م وقد وصفة الحيدري بقوله : وهو احنف زمانه ، كانت له الرئاسة الكبرى والصولة العظمى وله من الخبرات ما لا تحصيه الاقلام ، ومن آثاره مسجد شيده تجاه داره بالحانب الغربي من بغداد ومسجد آخر شيده في محلة الوردية ـ في الحلة ، دوحة الوزراء ص 141 ـ 142 وتراجم الشاوية ، الورقة 1 ( مخطوط ) وزبدة الآثار الجلية ص 233 ولب الالباب 2 / 177 ـ 178 وعنوان المجد ص 98 والعراق بين احتلالين 6 / 41 والاعلام للزركلي 4 / 225 ومجلة لغة العرب 9 / 93 وللشاعر حسين العشاري معاصره قصائد عديدة في مدحه ووصفه ورثائه ، انظر ديوان العشاري ص 101 ، 102 ، 204 .
(186) شطب عليه وكتب في الهامش ( هذا الرومي ) وقد اثبتنا الاصل ايضاحاً للمعنى .
(169) اي يكتب عريضة يطلب فيها من الدولة العثمانية تعيين مرشحه لمنصب الولاية .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 81 ـ
و واردأهم سريره ، ثم جاء اصحابنا الشرقيون اليه مناقدون ، ولما اشار عليه قابلون ، ثم جاء عليه اوباش اهل الميدان وهو ـ حفظه الله تعالى ـ كان خارجاً البلد يسمع بالمعيدي ولا يدري هذا الخبيث الرومي (170) ما يخفي ويبدي ، فعبر في ثاني يوم الى دار الحكومة ( 19 ب ) واجتمع بالرومي (171) واحدقت به روساء البغي والفساد ، ووجوه الظلم والجور على البلاد والعباد وهم للبيك (172) ـ حفظه الله ـ متسلقون ، يفهمونه انه لما يشير عليهم فاعلون وله منقادون وعلى رأيه وتدبيره معولون ، واليه أمورهم مفوضون ، فرجع ولامنا على صنعينا اكثر .
   وفي الاثناء قدم محمد بيك (173) من عند كريم خان من شيراز وصحبته خان كبير من طرف كريم خان يقال له حيدر خان ، ومعه مكاتيب الى عبد الله باشا ، ويفهم منه ان كريم خان رضي بالصلح ويرفع يده عن البصرة ، لكنه يشترط شروطاً لم تعرف ، (174) ، فبقيت المكاتيب لم تقرأ ، ولم يسأل

 ************************************************
(170) في الاصل : سليماً او لئيماً ، وقد شطب عليها وكتب فوقها ما اثبتناه .
(171) في الاصل المشطوب : بسليم افندي .
(172) يريد سليمان بك الشاوي المذكور .
(173) يذكر الكركوكلي ان هذه الشروط هي نفسها التي كانت قد تقدمت بها ايران على عهد الوالي عبد الله باشا دون ان يشير ماهية تلك الشروط ( دوحة الوزراء 161 ) ويشير الى ابن سند على ان كريم خان كان موافقاً على الانسحاب من البصرة في حالة واحدة ، هي عقد الصلح مع الدولة العثمانية ( اي بشروط هو ) اما فيها يتعلق بسؤال الشاوي فك اسرة المعتقلين من البصريين في شيراز ، فقد ذكر ان كريم خان ( ابدى الاشمئزاز عن فكهم والنفرة قائلاً : ان اطلاق هؤلاء الامجاد دون خرط القتاد ، ولكن لكرامتك لدينا وعزة قدرك علينا نعدك بالاطلاق تحت ايدينا من الاكراد ، ونرجع لأجلك السيوف الى الاغماد ، والبصرة في ملكنا وفريدة من فرائد سلكنا ، فاذا تم الصلح رجعناها الى حيطتكم وقبضتكم وبسطتكم وحوزتكم ) ( مطالع السعود ص 59 مخطوط ) ، واورد أمين الحلواني في اختصاره مطالع السعود بقية من كلام كريم خان فيها ( تبرير ( تسيير العساكر الى بغداد من طرف شيراز بأنه لتأديب بعض القبائل على الحدود ، وليس لهذه الاضافة اصل في مطالع السعود ( انظر مختصر مطالع السعود ص 21 ـ 22 ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 82 ـ

حيدر خان عن شيئ منتظرين والياً يأتي الى بغداد يكون الكلام معه (175) ، ثم ان مادة الفتنة لم تنحسم بعد ، والرومي (176) مشغول بمنافقة البيك رغبة في ان يكون من قبيلة ، والبيك رجل عاقل كامل لم يجعل نفسه مع قبيل ( 30 أ ) ، وكان يقول : انما انا رجل مصلح .
   ولما كان كل قبيل غير آمن من خصمه ، والمنافقون في الطرفين يبثون نفاقهم ، رأى البيك ان يقطع اصل الفتنة بارسال اسماعيل كخية وعجم محمد (177) الى جناب الوزير ( حسن باشا في كركوك ) (178) يبقيان عنده الى ان يفرج الله فرضي الفريقان ، برأيه وجاء اسماعيل كخية بنفسه واتباعه الى دار البيك ، وقال له : انا قد سلمت نفسي بيدك ، فأصنع ما تنجلي به هذه الفتنة ولو بقتلي ، وكان اسماعيل آغا هذا رجلاً عاقلاً ديناً صالحاًُ ، له تهجدات وعبادات وأوراد وأدعية ، وكان محباً للدراويش والصلحاء ، فارسله البيك مع خيل تحفظه

 ************************************************
(175) اشارة المؤلف الى ان شروط كريم خان ( لم تعرف ) و ( لم تقرأ ) تخالف ما ذكره الكركوكلي من انه ( بعد الاطلاع على تلك الشروط رأوا ان المذاكرة حولها يجب ان تكون بمعرفة الوزير المسؤول ، وبما ان الوزير لم يكن موجوداً حينذاك ( يريد اي وزير كان ، لان عبد الله باشا توفي قبل وصوله ) فقد تأجل النظر في امر الصلح وبقيت البصرة بيد الاعجام ) ( دوحة الوزراء ص 161 ) واغفل الكركولي توضيح هوية الذين اطلعوا على الشروط ، وان كان مفهوماً انهم سليم افندي ومشاوره ، فهم الذين كلفوه بمفاوضة كريم خان اصلاً .
(176) في الاصل ( سليم افندي ) ثم حرفها المؤلف الى ( لئيم افندي ) ثم شطب عليها وكتب فوقها ما اثبتناه .
(177) شطب عليه المؤلف في الاصل وكتب فوقها ( هذا الخبيث ) وقد اثبتنا الاصل ايضاحاً للمعنى ودفاعاً للبس بين عجم محمد وسليم افندي .
(178) في الاصل : الوزير المنصور ، ثم شطب على ( المنصور ) وكتب في الهامش العبارة التي حصرناها بين القوسين .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 83 ـ

الى جناب الوزير المنصور ، وكتب له الواقعة ، وطلب منه القدوم بسرعة .
   ثم ان البيك طالب الرومي (179) واهل الميدان بارسال هذا العلج (180) ، فسوفو له الامر ووعدوه بالارسال وعدا كاذباً واعتذروا عن تاخره عذراً باطلاً ، فاحس البيك منهم بالشر ، وقال للرومي (181) : ان كانت نيتك ( 30 ب ) تعرض لهذا بالوزارة فنحن لا نطيعك لانه عجمي ، فصاح رؤساء الميدان عن لسان واحد ، وقالوا : للبيك ، وليكن عجمياً ! فان الروم قد علمت خمس وزراء من العجم وهذا سادس ، فقال البيك هزءاً : بل عملوا سبعة بل وهذا ثامن ، وهم بغال او حمير ، لا يعرفون مغازي الكلام ورموزه ، ومراد البيك التلميحح الى قوله تعالى ( ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم) (182) والاشارة الى ان الروم لو سلم انهم عملوا ما ذكروا من العجم ، فهذا كلب لا يستحق ما استحقه اولئك .
   ولما احس البيك بشرهم وبانت له جنادعهم (183) ولاحت مخادعهم ، وتحقق عنده انهم يريدون الوزارة لهذا الخبيث (148) وصدق مدعاناً (185) ، خاف ان يقبضوا عليه ويحكموا عليه بمهر عرضهم (186) ، ويفعلوا ما يريدون ، فانقطع من العبور ، وقال : لا اعبر حتى ترسلوا هذا (187) الى حسن باشا (188) كما

 ************************************************
(179) في الاصل ( سليم افندي ) ثم جعلها المؤلف ( لئيم افندي ) ثم ابدلها .
(180) في الاصل ( عجم محمد ) ثم شطب عليها وابدلت .
(181) في الاصل ( لسليم ) ثم جعلها المؤلف ( للئيم ) ثم كتب فوقها ما اثبتناه .
(182) سورة الكهف ، 32 .
(183) الجنادع : ما دب من الشر ، والاحناش ، ومن الشر اوائله والبلايا .
(184) في الاصل : لعجم محمد ، ثم شطب عليه وابدل .
(185) في الاصل : تدعانا .
(186) المهر ، بضم اوله وثانية : لفظه فارسية بمعنى خاتم ، اشتقوا منه مهر يمهر اي ختم يختم ، يريد يجبروه على وضع اسمه على عريضتهم .
(187) في الاصل ( عجم محمد ) ثم شطب عليه وابدل .
(188) في الاصل : مولانا الوزير المؤيد ، ثم شطب عليه وكتب في الهامش ما اثبتناه .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 84 ـ
ارسلنا اسماعيل اغا ، فلم يفعلوا صريحاً ، فتيقن البيك اصابتنا ( 31 أ ) وعرف كنه الرومي (189) كما ينبغي ، فبينما نحن قاعدون ذات يوم قبيل العصر ، اذا رأينا على منارة جامع الباشا (190) براطلية (191) ، وكانوا في الفتنة الاولى يضاربوننا من فوقها ، فاتينا الى جناب البيك واخبرناه ، فقال : لا عليكم منهم ، وارسلوا الى قومنا الشرقيين ان لا يحملوا سلاحاً ولا يثيروا فتنة حتى تتححق

 ************************************************
(198) في الاصل كلمة اخرى شطب عليها وكتب ما اثبتناه .
(190) جامع الباشا : من جوامع بغداد القديمة ، ينسب الى الوزير حسن باشا والي بغداد ( 1116 ـ 1136 هـ / 1704 ـ 1722 م ) الذي قام بتجديده وتعميره سنه 1133 هـ / 1722 م ، وعرف ايضاً بجامع ( جديد حسن باشا ) تميزاً عن جامع الوزير الذي دن قد شيدة الوزير حسن باشا في بداية القرن الحادي عشر للهجرة ( السابع عشر للميلاد ) ، وكان هذا الجامع يعرف قبل ذلك باسم جامع السليماني ، نسبة الى السلطان سليمان القانوني الذي عمره عند دخوله الى بغداد فاتحاً سنة 941 هـ / 1534 م ، وليس من المؤكد تاريخه قبل ذلك ، وان كنا نرجح اصله مسجد سوق السلطان الذي شيده الناصر العباسي في آواخر القرن السادس عشر للهجرة ( الثاني عشر للميلاد ) واستمروىا توارد اخباره حتى نهاية القرن السابع عشر ( الثالث عشر للميلاد ) ، وكانت لجامع الباشا هذا اهمية خاصة بين جوامع بغداد ومساجدها ، نظراً للموقعه للسراي ، فهو مصلى كبرائها وامرائها وباشواتها طيلة العصر العثماني ، وقد شهد لذلك ـ تعميرات مختلفة قام بها ولاة عديدون ، منهم ابراهيم باشا سنة 1094 هـ / 1682 م ونامق باشا الصغير سنة 1320 هـ / 1902 م وغيرهم ، ما زال الجامع قائماً ، وقد عمرته وزارة الاوقاف اخيراً سنة 1973 م تعميراً شاملاً ، كتابنا : مساجد بغداد 1 / 230 ـ 270 مخطوط .
( 191 ) البراطيلة ، او البراتلية : نوع من الجند المحلي في الولايات ، يتخذه الولاة غالباً الدولة المركزية ، وهم من المشاة ، وكان منهم في بغداد اوائل القرن الثالث عشر للمهجرة ( التاسع عشر للميلاد ) الف جندي ، ينقسمون الى مائة بريق ( راية ـ علم ) ( رحلة المنشي البغدادي ، ترجمة عباس العزاوي ، بغداد 1984 ، ص 43 ) واسم البراطلي ، منسوب الى البراط ، او البرات او البرطل بضم اوله ، وهي قلنسو كبيرة من جلد الثعلب ( دوزي : المعجم المصل باسماء الملابس ص 95 ) كان يلبسها طائفة من الجند في العصر العثماني ) ( انستاس الكرملي : المساعد ج 2 ص 175 ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 85 ـ

غدرهم فنعاملهم معاملة رد الصائل ، واستشاره بعض الرؤساء منا على حمل السلاح ، فمنعه من ذلك ، فجاءنا خبر من بينهم ان فتنة وقعت من بينهم ، فقال البيك : اذهبوا بسلام وأتركوهم ، فخرجنا من عنده ورأينا رجالنا تركض في الطرف تبتغي السلاح من اماكنها ، فاسرعنا نحو الجسر ـ وكانت دار البيك قريبا منه (192) ـ فرأينا جمعا من البراطلية الى طرفنا بسيوفٍ مشهورة في ايديهم ، فتلقاهم منا رجل واحد ـ والله ـ لم يكن معه غيره فارجعهم منهزمين الى باب الجسر .
   وتداركت بعد ذلك شجعاننا وشجعان ( 31 ب ) رفقائنا (139) الشرقيين وكسروهم شر كسره ، ونصب قومنا المتاريس في باب المولى خانة (194) ، والرومي في هذه المعمعة تحول من داره الى الميدان مع قومه وحزبه ، ونزل في دار عبد الله باشا ، وكان نازلاً في دار عمر باشا التي هي في رأس

 ************************************************
(192) اي قريباً منه من الجانب الغربي .
(193) في الاصل رفقاءنا .
(194) المولى خانة وتكتب ايضاً : الموله خانة ، والمولو يخانة ، هي تكية الدراويش المولوية المنسوبين الى طريقة مولانا جلال الدين الرومي ، انشأها محمد جلبي كاتب الديوان لوالي بغداد محمد بن احمد الطويل ( 1012 ـ 10 17 هـ / 1603 ـ 1608 م ) وقيل انه انشأها سنة 999 هـ / 1590 على ما شهدت به لوحة بخط عبد الباقي الملولي المعروف بقوسي رأيت عل التكية في عهد متأخر ، فأن صح ذلك ، يكون زمن انشاءها مما يرتقي الى عهد والي بغداد الشهير سنان باشا جغاله زاده ، وقد استمرت هذه التكية عامرة بالصوفية حتى حولها والي بغداد داود باشا الى جامع كبير سنة 1243 هـ / 1827 م عرف بجامع الآصفية نسبة الى لقبه ( آصف الزمان ) وما زال قائماً ، وان جرت عليه تغيرات في عمارته انقصت من مساحته الاصلية ، ومن المعتقد بحسب خطط بغداد ، ان تكية الملولية التابعة للمدرسة المستنصرية في القرن السابع للهجرة ( الثالث عشر للميلاد ) ، كتابنا : مساجد بغداد ج 2 ( مخطوط ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 86 ـ
الدنكجية (195) ، وسمعنا بعد ذلك ان نيتهم وتدبيرهم كان الهجوم على دار البيك وقتل وقتل من معه ويخلوا له الجو ويفعلون بعد ذلك ما يريدون ، فجبنوا دون ذلك ، وقد لامنا قومنا ذلك الواحد الذي شردهم ، وقالوا له : لو ركضت قدامهم منهزماً كي يعبروا الجسر لا يرجع منهم احد كان اولى .
   واتخذ الاعداء متاريس وعبوها عسكراً ودخلوا القلعة ، وتركوا العسكر يقاتلنا ، وكان عسكرهم بالبراطيلة والتوفكجية والدلجة (196) واللوند ( 97)

 ************************************************
(195) الدنكجية : عقد في شرقي بغداد ، عرف ايضاً بعقد الصخر ، بسبب تبليطه بقطع من الحجارة ، وموقعه اليوم في مدخل شاع الامين ، وكانت فيه دكاكين وخانات لتجارة التوتون ( التبغ ) وغيرهم ، وبعض المقاهي وسيذكر المؤلف ان دار عمر باشا هذه تقع في محلة خرطوم الفيل ، فالظاهر ان الدنكجية كانت معدودة في ايامه جزءاً من خرطوم الفيل ، انظر تعليقنا فيما سيأتي .
(196) الدلجة : نوع من الجلد المحلي الذين يجندهم الوالي من سكان ولايته ، وهم كغيرهم من البراطيلة والتفكجية واللوند معدودون من عساكر الدرجة الثانية ، وليست لهم صفة رسمية محدودة ، اذا لا علاقة لهم بالسلطة المركزية في القسطنطينية ، وورود اسمهم في بعض المصادر الموصلية بشكل ( دلوجة ) وكان لهم وجود في الموصل بصفتهم من حند الباشا الخاص ابان الثلث الاول من القرن الثالث عشر ( التاسع عشر للميلاد ) انظر كتابنا : الموصل في العهد العثماني ـ فترة الحكم المحلي ( النجف 1975 ) ص 251 .
(197) اللوند ، بفتح اوليه وثانية ، والاصل كسر اوله : ضرب من القوات المسلحة غير الخاضعة لنظام رسمي مركزي ، حرف اسمها من الكلمة الايطالية اللفانتينوا LEVANTINO وتعني المشارقة ، وهي كلمة اطلقها البنادقة على فئات من السكان المحليين في آسيا الصغرى والبلقان كانوا يعلمون على سفننهم التجارية ، وتدريجياً اوضح مصطلح المشارقة LEVANTINES يعني البحارة خاصة ، وعندما انضوت تلك الفئات الى الاسطول العثماني تحرف اسمها الى ( لوند ) ، واتحط شأن اللوند ابان القرن العاشر للهجرة ( السادس عشر للميلاد ) حتى انهم لم يتبرعون الى اللجوء الى اعمال القرصنة ، مما حدا بالدولة الى الحاقهم بجيوشها البرية على شكل اوجاقات ( فرق ) صغيرة ، للغيام باعمال الخدمة ( GIPP AND BOWEN : OP , CIT , L , I , 99 ـ 100 ) ثم شاع انضمام السكان المحليين في الولايات الى فرق اللوند هذه ، وعمد الولاة مثل انشاء مثل هذه الفرق لتعمل الى جانب قوات الانكشارية ( الينكجرية ) الرسمية ، خاصة وانهم كانوا من الخيالة ، بخلاف الانكشارية المشاة ، وفضلاً عن ذالك فان تجهيز ( اللوند ) بالخيل والاسلحة النارية كان يتولاه بنفسه ، الا ان تدريبهم على استخدام السلاح الاخير لم يكن حسناً بسبب تشكيلاتهم غير النظامية ، ويعزي انشاء عسكر اللوند في بغداد الى واليها حسن باشا ( 1116 ـ 1136 هـ / 1704 ـ 1723 م ) وقد رتب لهم الرواتب ونظم شؤونهم وبنى لهم عمارة ضخمة رحيبة اشتملت على مساكن ومرافق عديدة في الارض الفضاء التي كانت تلي جامع الفضل من ناحية الشرق ، عرفت باسم خان لاوند ، وكان في بغداد ما يذكر نيبور سنة 1180 هـ / 1766 م عسكر من اللوند يقدر عددهم بنحو 1500 رجلاً في حين يذكر المنشي البغدادي ان عددهم بلغ في آخر عدد المماليك نحو ألف خيال ( رحلة المنشي البغدادي ترجمة عباس العزاوي ، ص 33 ) وقد انتهى نظام اللاوند تماماً بنهاية حكم المماليك سنة 1247 هـ / 1831 وبقي خان لاوند قائماً حتى تخرب ثم نقض سنة 1305 هـ / 1887 م وأنشأ مكانه سري باشا بستاناً وشاذروانا سرعان ما اهملا ، فاشترى العلامة عبد الوهاب النائب ( ت 1354 هـ / 1926 م ) ارضه واقام به اسواقاً ودوراً ، منها المدرسة التي عرفت بالحميدية ، وهي اليوم مدرسة الفضل الابتدائية .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 87 ـ
ومقدار غرباء من الكركوكلية ، والحاصل كان المقاتلون لنا عسكر عبد الله باشا اجمع وزيادة مقدار نصفه ، واما الرؤساء واهل الميدان ( 32 أ ) ومن والاهم فانهم في القلعة مشتغلون بضرب الاطواب والقنبر (198) و ( التفاك ) (199) ،

 ************************************************
(198) القنبر ، والقمبر بالضم ، من الفارسية خمباره ( هم بمعتى جرة ) ، وهي قذيفة كروية اتخذت اولاً من الحجر ثم استعملت من الحديد ، كانت ترمى بالمدافع القديمة ، ويفهم مما اورد المؤلف بهذا الكتاب انه يريد بها نوع من القذائف اللاهبة ، يستخدم لاشعال الحرائق ، وهي بذلك تختلف عن الاطواب ، ( جمع : طوب ) المستخدمة في دك الحصون وبقر الجدران حسب ، وكانوا قاذفوا هذه القنابر يعرفون ب ( الخمبره جية ) وتشكل اوجاقهم المستقل عن فرقة الطوبجية في عهد السلطان سلسمان القانوني ( القرن العاشر للهجرة / السادس عشر للميلاد ) .
(199) التفاك جمع تفكة وتفنكة ، وتقدم التعريف بها في ص 82 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 88 ـ
ودامت (200) الحرب بيننا وبينهم واشتعلت نيرانه من الطرفين ، وعبر علينا من قومنا الشرقيين ليلاً النقيب (201) ومفتي الشافعية (202) وغيرهما من الرؤساء وتعاهدنا في دار البيك على انا نموت عن آخرنا ولا ندع الخبيث (203) والياً ، ولو جاء منشور السلطان بذلك ابطلناه ، واعتذرنا منه بأمر خلاف ما انهي له .
وجبن النقيب ومفتي الشافعية عن العبور منازلهما ، فجئنا بأهلهما ، وبقيا عندما حتى فتح الله معززيين مكرمين مخدومين ، هذا الطوب والقنبر علينا مثل المطر لا يفترون عن ضربنا ليلاً ولا ونهاراً ، والحمد الله تعالى ما ضر منا احداً ولا احرق قنبرهم داراً ولا هدم طوبهم جداراً ولا اصحاب احدا الا رجل كلب في علاوي الحلة (204) ، وطاب بعد ذلك ، نعم ، خرق طوبهم

 ************************************************
(200) في الاصل : ودام .
(201) وهو يومذاك السيد محمود بن علي بن فرج الله القادري ، من ذرية الشيخ عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وله النقابة سنة 1163 وتوفى سنة 1193 ( 1748 ـ 1779 م ) .
(202) لم نقف على اسم مفتي الشافعية ببغداد آنذاك ، واقرب مفتي شافعي من هذا التاريخ عثرنا عليه هو محمد امين بن محمود ، الوارد اسمه في وقفيه الوزير سليمان باشا الكبير المؤرخة 2 شوال سنة 1206 هـ .
(203) في الاصل ( عجم محمد ) وقد شطب عليه وكتب فوقه ما اثبتناه .
(204) العلاوي جمع علوة ، وهي منائر الحبوب والخضر مما يباع جملة ، نسبت الى باب الحلة من ابواب سور الجانب الغربي من بغداد ، وهو الذي يفضي الى الطريق المودي الى الحلة ، وقيد شيد هذا السور لاول مرة بأمر والي بغداد حسن باشا في اوائل القرن الثاني عشر ( الثامن عشر للميلاد ) ، وكان يحيط به خندق متسع عميق ، استعمل ترابه في بناء السور نفسه ، وفي غهد اوائل القرن الثالث عشر ( التاسع عشر للميلاد ) شيد والي بغداد سليمان باشا الكبير سوراً جديداً للجانب الغربي بالآجر والجص ، وجعل له اربعة ابواب ، احدها هو باب الحلة المذكور ، وكانت ( العلاوي ) عنده ، وعلاوي الحلة اليوم حي وسيع من احياء غربي بغداد واحمد سوسة ومصطفى جواد : دليل خارطة بغداد المفصل ( بغداد 1958 ) ص 214 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 89 ـ
بعض الجدران ، ومن غريب ما اتفق ان زوجت جدارنا خرجت الى السطح ( 23 ب ) تريد حطباً كان فوق سطح الدار ، فوجدت فوق الحطب قنبرة مكسورة اربع قطع ولم تحرق الحطب ولم يدر متى وقعت .
  وارسل الخبيث الرومي (205) الى البيك يطلب منه اطفاء هذه الفتنة ، واخبره بانه هرب الى الميدان من خوفه وهذا شأنه ـ قبحه الله ـ اذا وجد الدبرة على قومه ذل واظهر الخوف وحلف بأنه لا صنع له ، ورسوله عند البيك ، والطوب عامل ، واكثر الاطواب والقنبر كان وجهها الى دار البيك ، ولم يصبه ـ بحفظ الله منها ـ شيئ ولم تهدم له لا دار ولا جدار ، ومن عجيب صنع الله تعالى ان اطوابهم لم تبقر الا حائط كل خائن قلبه مع الاعداء يراسلهم خفية ويود ان تكون النصرة لهم ، هكذا استقرأ البيك ـ حفظه الله ـ فتتبعنا ووجدناه استقراءً تاماً ، وسبب ضربهم الكثير انهم عندهم جبة خانة (206) السلطان معمورة بالبارود الكثير والرصاص وقلقل الاطواب

 ************************************************
(205) في الاصل ( سليم ) ثم حرف الى ( لئيم ) ثم شطب عليه وكتب فوقه ما اثبتناه .
(206) جبة خانة : كلمة فارسية ـ تركية بمعنى مخزن العتاد وهي مركبة من جبة العربية ( بالضم وتشديد الباء ) التي تعني الدرع ، وخانة الفارسية بمعنى ( بيت ) فتكون في الاصل مخزن الدروع ، وربما كان اصل الكلمة جعبة خانة ، والجعبة عربية ايضاً وهي كنانة السهام ، فتكون قد استعيرت لمخزن الاسلحة النارية ( داود الجلبي ، كلمات فارسية في عامية الموصل ص 48 ) .
(207) المن : وزن يختلف ثقله بحسب نوع الموزون ، وهو انواع عديدة ، فالمن المستخدم في وزن الحبوب اثقلها جميعا ، تليت الانواع الاخرى ، منها من النصف الاول من القرن الثالث عشر ( التاسع عشر للميلاد ) منان ، اولهما المن البقالي ويزن 24 لبرة ( اللبرة = 453 ، 593 غراما ) فيكون وزنه 10 و 886 كيلو غراماً ، والمن العطاري ، ويزن 18 لبرة اي 8 و 165 كيلوا غراماً تقريبا .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 90 ـ
والقنبر ، ونحن نشتري البارود والرصاص ( 33 أ ) بدراهمنا ، [ و ] انا كنت اشتري لقومي البارود كل من (207) بسبعة قروش (208) .
  وحضر [ في ] هذا الاثناء عندنا هندي من دراويش الشيخ عبد القادر يجيب ضرب الطوب والقنبر ويعرف الاصابة بها معرفة تامة ، فأخذنا له طوباً كبيراً من توابي الشيخ شهاب الدين (209) ، وكان في قرب مرقد الشيخ مفازة ( 210 ) من زمن الحصار (211) فيها قلل كبار ، فوضعا الطوب على تابية الماء من جهة

 ************************************************
(208) في الاصل : سبع .
(209) هو الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد بن عبد الله البكري السهرودي ، الصوفي الواعظ ، ولد سنة 539 هـ / 1144 م وتوفى سنة 632 هـ / 1234 م ودفن في المقبرة الوردية في تربة عملت له هناك ، عند مسجد جامع كانت تقام به الجمعة قرب باب الظفرية ( محمود شكري الآلوسي : مساجد بغداد وآثارها ، بغداد ص 55 ) ثم عرف هذا المسجد باسم مجاوره ، بعد ان ادمجت التربة به ، وكان حواليه عدد من ( التوابي ) العسكرية ، اهما تابية الفتح ، وتتعرف ايضا بتابية الشيخ عمر ، وهي تبعد عن جامع الشيخ السهروردي بمسافة تسعين متراً ومنها ايضا تابية ، الآغا ، وتابية التراب ، وقد وردت مواقع هذه التوابي في خوارط السياح ابان العهود العثمانية ( انظر اطلس بغداد للدكتور احمد سوسة ، بغداد 1951 ، خوارط نيبور ، وجونس ، ورشيد الخوجه ص 14 ، 15 ، 16 ) .
( 210 ) قال في المصباح المنير ص 62 : المفازة : الموضع المهلك مأخوذ من فوز بالتشديد اذا مات لانها مظنة الموت ، وقيل من فاز اذا نجا وسلم وسميت به تفاؤلاً بالسلامة ، والظاهر ان المؤلف اراد بها احداً البطاريتين المدفعتين اللتين اقامها والي بغداد احمد باشا بن حسن باشا ( حكم من 1136 ، 1147 هـ / 1723 ـ 1747 م ) للدفاع عن بغداد ، وكانت تقع احدهما قرب جامع الشيخ السهروردي والباب الوسطاني ( الظفرية قديماً ) والاخرى الى الاسفل قليلاً من باب الطلسم الزائل الى الجنوب من الموقع الاول وقد رسمهما نيبور في خريطة لبغداد واشار اليهما في رحلته :
(211) يشير الى الحصارات التي ضربها نادر شاه على بغداد سنة 1145 هـ / 1732 و 1146 هـ / 1733 م و 1156 هـ / 1743 م .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 91 ـ
قرة قابي (212) فوزن الهندي المسافة وقدر ، وقال : ادفع القلة بين قبة جامع

 ************************************************
(212) لم نقف على ما يوضع امر هذه ( التابية ) واسمها يدل على قربها من جلة و ، وموقعها القريب من جامع الوزير ، كما يفهم من سياق كلام المؤلف ، انها كانت على مقربة من الجسر ، واغلب الظن انها راكبة على كرسيه ، الى الاسفل قليلاً من جامع الوزير ، والظاهر انها تستخدم في حماية بوابة الجسر المذكور والاشراف عليه ، يؤيد ذلك ما ذكره الرحالة الفرنسي تافرنييه عند قدومه بغداد سنتي 1632 ، 1652 حيث اشار انه كان رأس الجسر باب يسمى ( صوقابي ) اي باب الماء او باب الشط ( العراق في القرن السابع عشر كما راه الرحالة الفرنسي تافرنييه ، ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد بغداد ص 78 ) فتابية الماء اذن كانت قريبة من الماء المذكور .
واشارة المؤلف الى ان التابية ( من جهة قرة قابي ) ( ومعناه : الباب السوداء ) يدل على ان باب الماء هو نفسه باب قرة قابي ، حيث لا باب هناك سواه ، وهذه التسمية ينفرد فيها المؤلف لان من المعروف بخطط بغداد ان الباب السوداء او الباب الاظلم ، هو الباب الشرقي الكائن في اقصى الجنوب من المدينة ( كلواذي القديم ) حيث ان اسمه بالتركية ( قرانلق قابي ) وهي ترجمة حرفية للباب السوداء .
وانظر كليمان هوار : خطط بغداد ترجمة الدكتور ناجي معروف ( مجلة كلية الاداب بغداد 4 ( 1961 ) ص 48 وهو فصل من كتابه : وفي صورة لطراز دجلة الشرقي ، وردت في كتاب السائح ( القرن الثالث عشر للهجرة / التاسع عشر للميلاد ) نشاهد برجاً ذا اضلاع عدة ( لعله على هيئة مسدس ) تعلوة قبة مخروطية مستدقة ، بين جامع الآصفية ( الولى خانة ) والجسر ، ومن المرجح ان يكون نفسه برج الماء المذكور ( نشرت الصورة في كتاب ( بغداد ) الذي اصدرته نقابة المهندسيين العراقيين بغداد ، 1968 ، ص 222 ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 92 ـ
الوزير (213) ومنارته الى القلعة ، والى الميدان ، والى دار الرومي (214) ، وكان ما بين المنارة والقبة عرض قليل لكن وزنه وتقديره اقتضى ذلك ، فكنا نشاهد قلة (215) طوبة تعبر ، ونحن في رأس الجسر ، فتقع حيث اراد ، فو الله ما وقعت عبثاً ولا مرة ، وكان البيك امره لا يضرب مرة حتى يضربوا عشراً ، واخبرنا الجواسيس ان جماعة من كبارهم جالسون في بيت للغداء ولم يشعروا الا بقلة ( 33 ب ) الهندي بقرة السقف ووقعت في الصينية ، وكانو يأكلون بلاواً (216) ، ففروا مذعورين ووقعت مرة وقت المغرب على دار الرومي (217)

 ************************************************
(213) جامع الوزير : من جوامع بغداد المهمة في العصر العثماني ، موقعه في الجهة اليمنى في طريق الذهاب الى الجسر ، يقابله من الجهة اليسرة مبنى الملى خانة ( جامع الآصفية ) المتقدم ، انشأه والي بغداد حسن باشا بن محمد باشا الطويل ( 1006 ـ 1008 هـ / 1596 ـ 1598 م ) سنة 1008 هـ كما تشهد على بذلك كتابة على المرمر في صدر باب مصلاة ، وذكر باب جلبي الذي زار في بغداد في اواسط القرن الحادي عشر للهجرة ( السابع عشر للميلاد ) ان له قبة ومنارتان ، لا واحدة ، وقد اسس فيه المشير احمد توفيق باشا سنة 1277 هـ / 1860 مدرسة وخزانة كتب حافلة بالمخطوطات النفسية ضاعت كلها منذ حين ، وما زال الجامع عامراً الا ان تغيرات شاملة دركته ، فأنقصت مساحته واضيف بعضها الى مدخل الجسر سنة 1939 ، ومن المعتقد بحسب خطط بغداد انه كان في موقعه في العصر العباسي مدرسة للحنيفة تعرف بالمدرسة التتشية بناها الامير خمارتكين بن عبد الله من مماليك السلطان تتش السلجوقي في حدود سنة 500 هـ / 1106 م بمشرعة درب دينار التي هي رأس الجسر اليوم ، كتابنا : مدارس بغداد في العصر العباسي ، بغداد 1966 ، ص 48 ـ 54 وعباس العزاوي : جامع الوزير ( مجلة بغداد 1965 ) عدد 23 ص 20 ـ 22 ) .
(214) في الاصل : سليم افندي ، وقد شطب عليه وابدل .
(215) انظر عن القلة ما تقدم في ص 80 .
(216) البلاو بباء مثلثه ، كلمة فارسية تعني : الرز المطبوخ بالسمن او هو المطبوخ بالسمن واللحم الناعم ( محمد التونجي : المعجم الذهبي ، بيروت .
ص 126 وداود الجلبي : كلمات فارسية ص 33 ) .
(217) في الاصل : سليم افندي ، ثم حرف الاسم الى لئيم افندي ، ثم شطب وابدل .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 93 ـ
وهم محرومون بالصلاة ، وكان المفتي اماماً لهم ، فأبطلوا الصلاة وأنهزموا .
ومرة وقعت على باب القلعة فهدمت الركن ، والاكثر كان وقوعها في مكان اجتماعهم ، فأصاب الهندي بطوبه اناساً كثيرة وضجروا وخافوا .
   وفي احد من الايام امكنت من الفرصة فأغاروا على متاريسهم التي كانت (218) في خرطوم الفيل (219) وملكوا منهم دار عمر باشا التي كان فيها الرومي (220) ، وكانت مضرة لقومنا عظيمة من جهة انها مشرفة عالية حصينة ، فبقر قومنا من خلفها بقراً ، ولم تشعر الاعداء الا بالمسلمين بينهم فأنهزموا .
   وكان في الدار خمسة وثلاثون زنبلكاً ً (221) وسفشكاناً (222) فأخذنا قومنا

 ************************************************
(218) في الاصل : الذي كان .
(219) محلة في الجانب الشرقي من بغداد باد اسمها اليوم ، وذكر الكوماندوز فيلكس جونز الذي مكث في بغداد في منتصف القرن التاسع عشر ان عقدا وقهوة بهذا الاسم الايم كان يعدان ـ على ايامه ـ ضمن محلة الدلال ، ولم يحدد موقعهما باكثر من ذلك ، ولكنه ذكر بأن من عقود محلة الدلال هذه عقداً سماه ( عقد الصخر ) وهو طريق كان يمتد من امام سوق الموله خانة ( جامع الآصفية ) عمودياً وينتهي في سوق باب الآغا ، فتكون ( خرطوم الفيل ) قريبة منه ، وكان المؤلف قد ذكر هذا انه دار عمر باشا واقعة في ( رأس الدنكجية ) والدنكجية اسم آخر لعقد الصخر نفسه ، وهذا المواقع داخلة اليوم في شارع ارض الامين وحواليه .
(220) في الاصل : لئيم افندي ، ثم شطب عليه وكتب فوقه ما اثبتناه .
(221) الزنبلك : تحريف زنبرك ، وزنبورك ، تصغير زنبور ، الحشرة اللاسعة المعروفة اريد به قديماً آلة حرب ترمي جملة من السهام دفعة واحدة ، ثم اطلق في العصر العثماني على مدفع صغير خفيف الوزن يحمل على دابة ، وشاع استعماله في العراق في عهد المماليك ( القرن الثامن عشر ) واستخدم جيوش نادر شاه بكثرة كأحد الاسلحة الرئسية في حروبها ابان الحرب نفسه ، وهو يتألف من اسطوانة دقديقة نسبياً ، تنتهي بوضع انفجار البارود ، وتستند الاسطوانة على حامل مثبت على ظهر الدابة التي تحمله ، وشكل الزنبرك قريب من شكل مدفع الهاون ، الا ان اصغر حجماً واخف حملاً .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 94 ـ
وجاءوا بها دار البيك محشوة (223) بالبارود والرصاص الكبار فبقينا نضربها عليهم من حينئذ ( 34 أ ) ولم يكن عندنا قبل ذلك زنبلك ، وركبنا على الاعداء طوباً صغيراً شاهية من ناحية التكية ( 223 أ ) ، وكنا نعبيء فيه قطع القنبر الذي يضربونا به ، صنعناه عند الحداد كل قطعة بينهما زنجيل فنضربه عليهم ، ومع هذا كنا نحاذر ان نصيب جبة خانة السلطان وشرفات السور ، وهم لا يرحموننا ، واخبرني بعض الجواسيس انهم يعجبون من اصابة طوبنا دون اطوابهم ، فقلت له : قل لهم لا تعجبوا بارودنا بدراهمنا ندافع به عن عرضنا ، واذا وضعنا القلة في الطوب وضعناه مع التهليل والتكبير ، والطوبجي لا يضرب الا وهو على طهارة ، فتحملها الملائكة وتضعها حيث اردنا ، وهم منهمكون في السكر تاركون للصلاة ، فسقة فجرة ، فكيف ينصرون علينا ؟
   ثم انا في الحال نهزمهم ونرجعنا .
   وكان من خباثة الرومي (223) وقومه انهم يرسلون الينا يريدون الصلح ، فترد قومنا الذين هم في المتاريس ، وتأتي منهم جماعة مع الرسل فيجدون فرصة ( 34 ب ) فيغيرون على بعض المتاريس فيأخذونها منّاً ورسلهم عندنا ، ثم انال في الحال نهزمهم ونرجعها .
   حدثني بعض الثقات من اهل الدين والديانة قال : كنت فيهم ولم يعرفوني ، يظنون اني من اهل قصبة الإمام الاعظم ، قال : فجاء البشير الى سليم افندي (225) واخبره بأن قومه اخذوا متاريس المولى خانة ونبهوا الخانات التي هناك ، وانهم شارعون بالغارة على رأس القرية ، فالتمس بعض الحاضرين الذين غلبت عليهم المروءة حينئذ من سليم افندي (225) انه ينبه العسكر ان


 ************************************************
(222) كان في الاصل ، ولعله يريد : شيشخانا ، وهو نوع من البنادق تقدم التعريف به في ص 82 .
(223) في الاصل : محشية .
(223 أ) يريد تكية المولوية ( المولى خانة) وقد تقدم التعريف بها ص 92 .
(224) في الاصل ( لئيم ثم ابدلت ) .
(225) شطب عليها في الاصل ولم يبدل .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 95 ـ
لا يتعرضوا لاعراض فقط ، وان يأخذوا ما ظفروا به من الاموال فأمر الرومي (226) ان يقولوا للمولى باشي (227) ولباس جاوش (228) العسكر على ذلك ، فخرج الرسول الى المولى باشي ـ وكان جالساً على تخت في الميدان ـ فأخبره بما امره سليم ، فقال بلقته التركية : ومن افتاه بهذه الفتوى ! نحن عسكر نأخد الاموال ونفعل كذا وكذا بالنساء ، فقال فشتعل قلبي ناراً ( 53 أ ) فما اتم كلامه حتى ابصر المجاريح من قومه راكضين هاربين ) أخبروه بأن اهل ذلك الجانب حملوا علينا فهربنا منهم من المتاريس فحمدت الله بقلبي ، انتهى .
   وقد ضربوا علينا في ظرف يوم وليلة الفاً وسبعمائة طوب وقنبرة نعدها عداً ، فوا الله تلك الليلة ما بكى لنا ولد ولا ولولت امرأة ، ونسمعهم من فوق القلعة يقول بعضهم لبعض : قد اهلكناهم وابدناهم فهل تسمعون لهم صوتاً ، وكانوا اذا ضربوا طوباً قالوا قبله بالغة التركية : تعالوا الى الاسلام والإيمان ( 35 ب ) .

 ************************************************
(226) في الاصل : سليم او لئيم ، ثم شطب عليه وابدل .
(227) المولى باشي : اسم وظيفة مركب من الكلمة العربية مولى ، ومن معانيها ابن العم والحليف والمعتق ، بيد ان المؤلف قصد بها ( الملا الماخوذة من العربية : ملاء ( اي المملي ) حيث تلفظ بضم اولها ، ويراد بها في العصر العثماني رجل الدين عموماً ، واذا اضيفت الى اسم البلد ، مثل ملا بغداد ( بغداد منلاسي ، بالتركية ، بأضافة نون بعد اولها ) فيراد بها القاضي دون غيره ، وباشي : تعني رأس ، فبكون معناها الحرفي كبير او رأس العلماء ، وقد استخدمت بها المعنى في إيران في الفترة نفسها ، ولكن الملف استخدمها هنا بمعنى المشرف او الرئيس الروحي للعسكر ، او لفرقة الانكشارية ( لاحظ اقتران وظيفة بوظيفة الجاوش باشي ، وقوله ـ الذي سيأتي ـ انه من العسكر ) ومن المعروف ان كان للاوراط الانكشارية قائد بهذه الصفة يقوم بهمام الإمام .
والظاهر اذن انه المولى ( = الملا ) باشي نفسه .
(228) جاوش وتلفظ بالتركية : جاووش ، وتقابلها بالعربية عريف ، وباش جاوش : رأس العرفاء ، وقد يتولى الاخير ، بحسب التنظيمات العثمانية قيادة احدى الاورطات ( الفرق ) الانكشارية .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 96 ـ
والبيك لم تزل رسله متوالية الى الوزير حسن باشا (229) يحثه على القدوم ، ويخبره بجميع ما يقع عندنا ، وحسن باشا (229 أ) اجابة الى سؤاله ، وشرع في تداريك (230) السفر ، لكن شغله عند ذلك معضلة حدثت بين الاكراد في قره جولان (231) فتأخر لدفعها (232) .

 ************************************************
(229) في الاصل المشطوب : جناب الوزير حسن باشا .
(229 أ) في الاصل المشطوب : والوزير المنصور حسن باشا .
(230) يريد الاستعداد للسفر .
(231) قرة جولان : اسم مركب من قرة ، وهي محرفة من القلعة العربية التي يلفظها اكراد تلك النواحي ، قلا . وجولان ، جمع جول ( بجيم فارسية ممثله ) الفارسية ـ التركية تعني برية ، صحراء ، واصلها في العربية جول وتعني الناحية ، والتراب ، وهي مدينة في الجانب الشرقي من تلال ازمر في نواحي شهرزور ، كانت قاعدة الامارة البابنية حتى انتقالها الى السليمانية سنة 1199 هـ / 1784 م ثم تضائل شأنها حتى امست قرية صغيرة وما زالت .
(232) وخلاصة تلك المعضلة ان نزاعاً نشر بين اميرين اخوين من البيت الباباني المالك ، هما احمد باشا ومحمد باشا ، فطلب الاخير من حسن باشا موافقته على ازاحة اخيه احمد باشا ( الذي تولى حكم مقاطعة بابان بتأيد خسرو خان احد قادة الحملات الثلاث التي وجهها كريم خان الى العراق ) فأحجم حسن باشا عن تأيده ، واشتبك محمد باشا وحليفه تيمور باشا امير كويسنجق بقوات احمد باشا في معركة ( طاس ليجة ) ، فقتل تيمور واسر محمد باشا حيث سجن في قلعة ( سروجك ) ، وارسل احمد باشا الى حسن باشا يعلمه بالامر ، وينفي عن نفسه تهمة التعاون مع الاعجام ، فأجابة حسن باشا بان عنيه متصرفاً على بابان وكويسنجق وحرير وخلع عليه ( دوحة الوزراء ص 146 وتاريخ السليمانية ص 86 ) ويحدد ريج تاريخ هذه المعركة سنة 1191 هـ / 1777 م ، وفي قائمة ولاة الاكراد ( مخطوط في مكتبة الاوقاف في بغداد ) انها حدثت في 25 صفر 1193 هـ ، ولسنا نعلم ـ بوجه الدقة ـ مدى العلاقة بين هذا النزاع وتأخر حسن باشا ، لان من الثابت عدم تدخله فيه باي شكل ، خشية من اثاره العداوة من البابانيين ، وكان موقعه سليباً تماماً ، ولا نستعبد ان اسطنع من ذلك النزاع سبباً للبقاء في كركوك منتظراً ما ستؤول اليه الاحداث في بغداد .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 97 ـ
ومن خدع هذا الخبيث والرومي (233) ان التمسا من حيدر خان (234) ايلجي (235) العجم ان يذهب البيك يترجى منه الصلح ، فقبل مجيئه بلحظة عدواً على بعض المتاريس ، فانتدب لقومنا الشرقيين من جانبنا عصابة ، فصادفوا الايلجي على الجسر ، ففسحوا له الطريق وعقله قد طار من كثره ما صادف من الرجال والسلاح ، فجلس مع البيك ، وترجى منه الصلح فقال البيك ما المدعى ؟ هل انا اريد ان اصير باشا كخية ؟ قال الايلجي : لا ، قال : فهل في هولاء القوم ذو منصب يحاذر على منصبه ويخشى العزل اذا لم يحاذر ؟ قال : لا ، قال ( 36 أ ) : فأولئك فيهم القيمقام والكخية بل والباشا على زعمهم وآغات الينكجرية (236) والمفتي والقاضي وعساكر عبد الله باشا اجمع ، ونحن قوم رعاية اذا اصطلحوا هم اصطلحنا ، ولكنهم كاذبون في طلبهم هذا ، فانظر عاقبته ، فلم يتم البيك كلامه حتى ضربوا علينا اطواباً ثلاث ، فقال البيك له : اين الصلح الذين طلبوا منك عقدة معنا ! ؟ فقال الايلجي : لعلهم لم يشعروا بعبوري ، فجاء آخر مع تمام كلامه ، ولا يزالون يضربون حتى قام الايلجي من عنده خجلاً مما صنعوا ، وقد قال للبيك : انا اعجب من السلطان كيف يكون هذا من رجاله ؟ فاستحى من كلامه هذا من كان حاضراً فأجابه منا رجل ، وقال : اراد السلطان قتل هذا وباقي الرجال دفعوه الينا بهذا الغرض الذي جاء به دفعا لقلته ، كما دفعوا ثلاثة آخرين (237) الى ناحية مصر (238) ، والظاهر ان هذا لا يكون له الى الدولة رجوع .

 ************************************************
(233) في الاصل سليم وعجم محمد ، ثم حرف اولهما الى لئيم . ثم شطب عليها وكتب ما اثبتناه .
(234) حيدرخان : هو السفير الموفد من لدن كريم خان ، وقد تقدمت الاشارة اليه في ص 88 ، 89 .
(235) ايلجي : تقدم التعريف بهذه الوظيفة في ص 55 .
(236) تقدم التعريف بهذه الوظائف .
(237) في الاصل : آخر .
(238) لم ندر الى من يشير المؤلف ، وكانت مصر تحكم من قبل علي بك الكبير منذ سنة 1182 هـ / 1768 م .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 98 ـ
ولما رجع الايلجي الى ( 63 ب ) قومه (239) عنفهمم على ما فعلوا وهم يضحكون ، وقالوا : اردنا بهم مكيدة فلم تمكن الفرصة ، فخاف الايلجي حينئذ من الاقامة وندم على دخوله الى بغداد ، ولم ينفعه الندم .
   ومن جملة ما ارادوه من المكر بنا لن ارادوا احراق الجسر (240) ليلاً بأن يوجهما اليه قفافاً (241) خفية فيه رجال منهم ومعهم نار يلقونها في السفن ، فيحترق الجسر وينقطع الطريق وينبطشون بقومنا الشرققين ثم ينقلبون (242) علينا ، فصار عندنا علم من ذلك ، فجعلنا كل ليلية سكمانية (243) من اول الجسر الى آخره تحرس الى الصباح ، ولما عملوا انا قد عملنا بمكيدتهم ، ركبوا علينا

 ************************************************
(239) في الاصل كلمتان طمستا مكانة ( قومه ) .
(240) هو جسر بغداد الوحيد طيلة العصر العثماني ، وكان قبل ذلك في اسفل القلعة تماماً ( عند مبنى المتحف العربي سابقاً ) وآخر اشارة اليه هناك وردت في تاريخ الغياثي ، حوادث سنة 849 هـ / 1445 م ( مخطوط ص 232 ) ثم نقل بعد ذلك الى موضعه الذي يشير اليه المؤلف ( وهو موضع جسر الشهداء الحالي ) بين الملى خانة ( جامع الآصفية ) وجامع الوزير ، واول اشارة اليه هناك وردت في اثناء فتح السطان سليمان القانوني بغداد سنة 941 هـ / 1534 م ( كلشن خلفا ص 199 ) وقد لبث الجسر في موضعه هذا حتى نهاية العصر العثماني ، ووصفه السائح نيبور سنة 1186 هـ / 1766 م بان جسر مثبت على عدد من الزوارق ( يسمها المؤلف سفن ، وتسم ايضاً جساريات ) تبلغ 34 زورقاً ، تربط بعضها بثلاثة سلاسل متينة وكانت العادة ان ينقص عدد الزوارق اثناء انخفاض مستوى النهر الى نحو ثلاثين سفينة ، وتبلغ المسافة بين كل سفينة واخرى نحو خمس خطوات ، وعرض الجسر ست خطوات ( رحلة المنشي البغدادي ، ترجمة عباس العزاوي بغداد 1984 ، ص 24 ) .
(241) القفاف ، جمع قفة ( بضم اولها ) وهي احدى وسائل النقل النهري مما كان شائعاً في العراق قبل سنين ، وفي القاموس المحيط 3 / 181 : بالضم كهيئة القرعة تتخذ من الخوص والقارة .
(242) في الاصل : ينقلبوا .
(243) تقدم شرحها في ص 81 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 99 ـ
طوبين شاهين من سراي الكخية يضربون المارة على الجسر والجسر ايضاً وسكمانية تضرب المارة ، فأنقطع الطريق مقدار ما ما تأمنا في دفع هذا الضرر ، فارسلوا رجلاً بيده شعلة نار فوضعها على البواري التي يستظلون بها ( 73 أ ) فأحترقت واحرقت السفينة واحترق معها اربع سفن ، واحترقر حبال الجسر الكبار حيث كانت في مدينة البواري ، وقد كانوا اخذوا ومن ايدينا متاريس المولى خانة فأستظهروا على حرق الجسر ذالك ـ حرقهم الله بناره المؤصدة التي تطلع على الافئدة ـ فدبت الحمية فينا وعبرنا على بالسفن ، وساعدنا قومنا الشرققيين ، ورفعنا الارجاس عن متاريس المولى خانة ، ولم تمض ساعة على النهار الا والجسر قد نصب ، ووضعنا المكان سفنه الاربع اربع سفن (244) من سفن اهل جانبنا ، وقد كان من لطف الله قرب الجسر سفينة مشحونة قصباً ، فشتغلنا كلنا بالجسر ، ووضعنا القصب مكان التراب ، ومكان الجذوع الاخشاب ، ومشت الناس عليه ، وقامت من مهمات الجسر من حبال كبار وصغار وجذوع مياسيرنا من ذلك اليوم الى يوم دخول والينا حسن باشا (245) ( 37 ب ) وكان مولانا الامجد محمد بيك الرومي (246) كالاسير لانه ـ حفظه الله تعالى ـ ذهب اليه لبعض المقاصد فألزمة البقاء عنده بعذر اني رجل غريب أخاف من قومك اذا كنت عندي لم يبطشوا بي اذا ظفروا ، هكذا كان الخبيث ، يظهر الخوف ويحارب محاربة الاسد .
فحدثنا محمد بيك ـ حفظه الله ـ حين اجتمعنا بعد ذلك ، فقال : لما جاءهم خبر حرق الجسر فرحوا فرحاً عظيماً ، وقالوا : استرحنا من اهل ذلك

 ************************************************
(244) في الاصل : الاربعة اربعة سفن .
(245) في الاصل بعد قوله : والينا ، العبارة الآتية ( المنصور حفظه الله وادام اقباله وخلد اجلاله وقهر به الاعداء الدين ونصر به حزب المسلمين امورهم الى رب العالمين ) ثم شطب عليها وكتب فوقها ( حسن باشا ) .
(246) في الاصل ( لئيم افندي ) ثم شطب عليه وكتب فوقه ما اثبتناه .