ما تجدد ، فذهب وقال : نصبوا الجسر ورجالهم تركض فوقه فقال لي كيف تقول لم ينصب الا بعد شهرين او ثلاث ؟ فقلت : هو ما قتله ، ولكن الظاهر ان مع قومي اجِنة واوهم اجنّة فظهر الخوف في وجه ، وقال :
ارسلوا للعسكر يحكمون المتاريس ، ويحذرون غاية الحذر ليلاً خشية ان يدهمونا .
وحدثنا غير البيك ـ حفظه الله ـ ان الخبيث (253) قال للرومي (254) : سبحان الله ! هذه القضية بعينها اخبرني بها منجم وذكر لي ان اعدائنا بعد سبعة ايام يبدوا نقصهم وتظهر ذلتهم وستظهرون ( 38 ب ) عليهم وتملوكهم ، فالله الله في بناء الله ، واعفوا عن دمائهم (255) شكراً لله ، وذكر لي اشياء ليس هذا محل ذكرها ، اذكرها لك بعد هذا ، وكان هذا الكلب (256) يعتقد بالمنجمين ويوقرنهم ويحترمهم كما قدمنا (257) مع انه لم نرى الآم منجماً حاذقاً في عمله ، والا فكل منجم كاذب لانهم يعتقدون ان الكواكب تفغل في الارض عليها افعالاً يسندوها الى طباعيها ، ومع ان الواقع ان لا فاعل الا الله ، اتفق المتكلمون على ان الكوكب لا يجوز ان تكون فينا فاعلة ، اذ الفاعل لا بد ان يكون حياً قادراً والكواكب ليست بهذه الصفة فكيف تعمل ؟ وقد سطر المتكلمون طرقاً كثيرة لانها بحية ولا قادرة ، بل الفلك وما فيه من شمس وقمر مسخر بتسخير الله تعالى ، وهذا معلوم من دين رسول الله ـ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) - بالضرورة على انه لا بد وصلة بين الفاعل والمنفعل ، والكواكب غير مماسة لنا ولا وصل بيننا وبينها فكيف تكون ( 39 أ ) فاعله فينا ؟ فأذا

 ************************************************
الحكحومة البريطانية من هذا الفرنسي عقب انتهاء الحرب العالمية الاولى سنة 1918 وحولته الى دار للمندوب السامي البريطاني فسفارة بريطانية ، وما زال كذلك ( يعقوب سركيس : مباحث عراقية 2 / 389 ) .
(253) في الاصل : عجم محمد ثم شطب عليه وابدل .
(254) في الاصل : لئيم افندي ، يريد سليمان ثم شطب عليه وابدل .
(255) في الاصل : دمائهم .
(256) في الاصل : عجم محمد ثم شطب عليه وابدل .
(257) ذكر ذلك في الورقة 17 ب .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 101 ـ

ادى احد منهم ان الوصلة بيننا الهواء ، قلنا الهواء لا يجوز ان يكون آلة في الحركات الشديدة وحمل الاثقال ، ولو سلم ان يكون آلة تحركنا بها الكواكب لوجب ان نحس ذلك ، ونعلم ان الهواء (258) يحركننا ويصرفنا كما نعلم في غيرها من الاجسام على ان الحوادث الحادثة فيها ما لا يجوز ان يفعل بآلة ولا يتولد عن سبب كالارادات والاعتقادات واشياء كثيرة ، ومما ينبه على ان الكواكب غير فاعلة فيها وغير مدبرة لنا انها لو كانت فاعلة ومؤثرة لسقط الامر والنهي والمدح والذم عنا ونكون معذورين في كل اسماءة تقع منا ونجنينها بأيدينا ولم نكن مشكورين على شيء من الاحسان والافضال الى آخر ما يرد على الجبرية ، فأن مفسد مذهبهم لهذا ، ومن المنجمين من اوهم بعض الحمقاء بأن ما هم عليه حق ولا يقولون بالتأثير بل يقولون ان الله تعالى اجرى العادة بأن يفعل افعالاً مخصوصة عند طلوع كوكب او عند غروبه او مفارقته الى آخر من قال ، وهذا ايضاً باطل ( 39 ب ) لانه ليس مذهب المنجمين الا كونها فاعلة مؤثرة لا غير ، على انه وان جاز ان يجري الله تعالى في العادة بأن ذلك لكن لا طريقة الى العلم بأن ذلك قد وقع وثبت ، ومن اين لنا بأن الله تعالى اجرى العادة بأن يكون زحل والمريخ اذا كانا في درجة الطالع كان نحساً ، وان المشتري ان كان كذلك كان سعداً ؟ ، واي سمع به مقطوع جاء بذلك ؟ واي نبي اخبر به واستفيد من جهته ؟ فان عولوا في ذلك علر التجربة وقالوا : جربنا ذلك فوجدناه على هذه الصفة ، قلنا : ومن سلم صحة هذه التجربة وانتضامها واطرادها ، وقد رأينا خطأكم فيها اكثر من صوابكم ، وصدقكم اقل من كذبكم ، على ان نعدل عن هذا كله ونقول : ها هنا شيء قريب لا يخفى على احد ، فمن علت طبقته في الفهم او انخفضت وهو ان لو فرضنا حاد مسلوكه وطريقاً يمشي فيه الناس ليلاً ونهاراً وفي محجته ايام متقاربة وبين بعضها وبعض طريق يحتاج سالكه الى تأمل وتوقف ( 40 أ ) حتى يتخلص من السقوط في بعض تلك الآبار ، هل يجوز سلامة لمن يمشي في هذا

 ************************************************
(258) في الاصل : الهوى .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 102 ـ

الطريق من العميان كسلامة من يمشي فيه في من البصراء ، وقد فرضنا انه لا يخلوا طرفه عين من المشاة فيه بصراء وعمياناً ، وهل يجوز ان يكون عطب البصراء يقارب عطب العميان او سلامة العميان مقاربة لسلامة البصراء ؟ فلا بد ان سلامة البصراء اكثر من سلامة العميان وخلافه باطل ، فتقول : فنقول قد ارتكبتهم في شبيه هذا خلافه ، لا مثال البصراء هم الذين يعرفون احكام النجوم ويميزون سعدها من نحسها ويتوقون بهذه المعرفة مضار الزمان ويخطون ويعتمدون منافعة ويقصدونها ، ومثال العميان كل ما لا يحسن تعلم النجوم ولا يلتفت اليه من الفقهاء وهل الدينات والعبادات ثم سائر العوام والاعراب والاكراد وهم اضعاف اضعاف من يراعي علم النجوم ، ومثال الطريق الذي فيه الآبار الزمان الذي تمضي عليه الخلق ، ومثال آباره مصائبة ونوائبه ومحنه وقد كان ( 40 ب ) يجب لو صح العلم بالنجوم واحكامها ان تكون سلامة المنجميين اكثر ومصائبهم اقل لانهم يتوقعون المحن لعلمهم بل قبل كونها ، وتكون محن كل ما ذكرناه من الطبقات الكثيرة اوفر واظهر حتى تكون السلامة لهم هي الطريقة الغربية ، وقد عملنا خلاف ذلك وان السلامة والمحن في الجميع متقاربة غي متفاوتة ، فتبين لك ايها الناظر ان علم النجوم علم باطل وان معتقده كافر اذ لا مؤثر وفاعل الا الله تعالى ، وقد اطنبنا الكلام في غير محله لما جرى من حديث هذا الخبيث (259) عن منجمة الكذاب ومقومه الرتاب .
   ثم ان هؤلاء الفجرة ارسلوا الى احمد آغا بن محمد خليل (260) وقد كان

 ************************************************
(259) في الاصل : عجم محمد ، وقد شطب عليه وابدل .
(260) في مطالع السعود ص 65 ( مخطوط ) اسمه : احمد بن محمد بن خليل ، وفي مختصره الحلواني ( 24 سماة : احمد بن احمد خليل ، وذكره ياسين العمري في تأليفه في الاسم الذي اورده مؤلف ( غاية المرام ص 188 وزبدة الآثار ص 146 ) ومثله صاحب دوحة الوزراء ص 162 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 103 ـ

باشا آغا على لوند عبد الله باشا (261) ، وكان في ناحية بعقوبة ان يجيء هو او يرسل من بقي عنده من اللوند ، واحمد آغا هذا وان كان موصوفاً بالشجاعة الا ان من جنس ذلك الفسقة ، مدمن خمر (262) ( 41 أ ) وأرسلوا الى اسمعيل آغا الفيلي ( 263 ) وولده محمد خان ان يأتيا اليهم بمن معهما من فوارس العجم ، وارسلوا الى خان كرمان شاه (264) ان تعال بمن معك من عساكر العجم نسلمك بغداد ونكون من اتباعك .
  ولما سمع البيك ذلك ، وقد علموا انهم لو أرادوا تسليم بغداد الى العجم قدروا على ذلك لان القلعة بيدهم وباب المعظم (265) ومن جهتهم وكذلك الباب

 ************************************************
(261) انظر عن اللوند تعليقنا رقم 197 ، وباش آغا ( ويعني حرفياً : الاخ الكبير ) اصطلاح اطلق في هذا العصر على قادة الفرق العسكرية المحلية غير النظامية ، وسماه ياسين العمري ( غاية المرام ص 188 ) باسم مقدم عساكر بغداد ، مما يدل على اهمية هذا المنصب ، وتعاظم دور اللوند في عهده ، وفي روضة الاخبار ( الورقة 169 ) سماه امير اللاوند ، وفي مختصر مطالع السعود للحلواني ص 24 اسمه ( شيخ قبيلة اللاوند ) وعلق محقق الكتاب على ذلك بقوله ( قبيلة كردية في جنوب الموصل ) مع ان ذكر ( قبيلة ) هي من اضافات المختصر الحلواني وليس ثمة قبيلة بهذا الاسم اصلاً ، ولكن قد ترد كلمة ( لوند ) في بعض المظان على شكل لاوند بقلب الفتحة على اوله الفاً ممدودة .
(262) اورد المؤلف هنا وصفاً لاحمد آغا فيه بذاءة ، لم نرى فائدة من ذكره .
(236) الفيلية : هم احدى فرق اللور ( او اللر في المراجع العربية ) ويذكر المؤرخ الكردي محمد امين زكي ( خلاصة تاريخ الكرد وكردستان ، القاهرة 1916 ، ص 433 ) انهم من الاكراد اصلاً ، وان اللور ينقسمون الى عدة اقسام وفروع ، معظمها لم تكن لورية الاصل ، وان كانت تتكلم اللورية ، والفريق اللوري الاصل هو المسمى الفيلية ، وينقسم الى قسمين كبيرين : بشتكوه وبيشكوه ، ومواطنه في لورستان في ايران ، وتنزل بعض فروع البشتكوه في منطقة بدرة وجصان في العراق .
(264) وتكتب اليوم ، كرمنشاه ، وقديماً : كرمان شاهان ، وعربها البلدانيون العرب الى ( قرميسين ) ، انظر معجم البلدان 4 / 330 .
(265) باب المعظم : هو الباب الشمالي لبغداد القديمة ، كان احد ابواب السور الذي بدأ بأنشائه الخليفة العباسي المستظهر سنة 488 هـ / 1095 م واتمه سنة 517 هـ / 1123 م وجدده الناصر سنة 618 هـ / 1221 م وسمي بباب السلطان نسبة الى السلاطين السلجوقية ، الذين اقاموا دار سلطنتهم في شماله ، ثم سمي في العصور التالية باسم باب المعظم وباب الإمام الاعظم لانه يفضي الى الشارع الذي يؤدي الى مشهد الإمام ابي حنيفة ، واشار اليه بالاسم الاخير منذ القرن السابع عشر ، سياح عديدون ، امثال تافرنييه سنة 1632 وسنة 1652 م ( رحلته المتقدم ذكرها ص 79 ) ونيبور سنة 1766 وكان يقع بين قاعة الشعب وجامع الازبك على يمين الداخل الى بغداد ، وبين بناية مصلحة نقل الركاب على يسار الداخل من جهة اخرى ، وقد ازيل سنة 1923 لتوسيع مدخل بغداد .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 104 ـ

الوسطي (266) ، قال ، الظاهر ان الرومي (267) عالم بأنه لا رجوع الى الدولة ،

 ************************************************
(266) الباب الوسطي : هو الباب الذي يلي باب المعظم من جهة الشرق والمرتقي الى نفس عهد انشائه ايضاً ، وكان يسمى في العصر العباسي باسم باب الظفرية ، نسبة الى محلة الظفرية التي تقابله ، والتي سميت بهذا الاسم نسبة الى احد مماليك الخلفاء المسى ظفر ، وكان يعرف احياناً باسم باب خرسان لانه يفضي الى الطريق التاريخي القديم المؤدي الى ذلك الاقليم ، ثم عرف هذا الباب في عصر هذه تغلب الدول التركمانية باسم ( آغجه ، او آقجة قابوا ) او الباب المبيض او الابيض بالتركية ( عبد الله الغياث : التاريخ الغياثي ، الفصل الخامس ، تحقيق طارق الحمداني ، بغداد 1957 ، ص 248 و 258 و 286 ) وعرف ايضاً باسم ( باب سفيد ) وهي كلمة تركية فارسية تعني الابيض ايضاً ( عبد الحميد عبادة في مجلة لغة العرب 7 / 126 ) واشتهر الباب منذ العصر العثماني بأسم باب الوسطي او الوسطاني ، وكان مفتوحاً طيلة هذا العصر الا احياناً حيث كان يغلق ( رحلة تافرنييه ص 79 ) وهذا الباب الوحيد الذي بقي من ابواب مدينة بغداد ، حيث حولته مديرية الآثار العامة الى متحف للاسلحة القديمة ، ولبث كذلك من قبل سنين ، وما زال الباب قائماً حتى اليوم ، وهو عبارة عن برج عظيم بطابقين يمتد منه جناحان لكل منهما باب يحيط به الخندق وعليهما جسران يتصلان بالداخل والخارج ، وكانت تعلو جبهة البرج الداخلية صورة اسدين وبعض الزخارف النباتية البديعة البارزة ، بالاضافة الى زخارف اخرى وكتابات لم يبقى منها سوى ما يأتي ( . . . ولا زالت دعوته الهادية للدين قواماً وللاسلام نظاماً ودولته القاهرة سكينة وللامة عصاماً ومنزلته للاسلام باشراق انوار . . ) ومن المرجح انها ترتقي الى عهد الناصر العباسي .
( 267 ) في الاصل : سليمان ، ثم شطب عليه وابدل .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 105 ـ

وان الدولة تقتله ولابد ، فأراد خلاص نفسه ولابتسليم بغداد الى العجم وانحيازه معهم كما فعل ذلك بكر باشا الذي اعطى في الزمان السابق بغداد الى العجم (268) ، او ان الخبيث (269 ) حسن له هذا الرأي ، ولكن سبحان الله آغات الينكجرية واهل الميدان واكثر اهل المهدية ومحمد الفضل وجميع القراغول سنةُ بلا شبه فكيف يرضون بذلك ؟ فلعل تعصبهم وكثرة بغضهم لنا اداهم الخروج عن الاسلام ، لكنهم ـ ان شاء الله ـ لا يقدرون على ذلك ( 41 ب ) بل دون بغداد ضرب يزيل الهمام عن مقيلة ، ويشغل الخليل عن خليله ، فأرسل الى العبيد (270) وبعض العشائر الذين لهم حلفاء له فأتونا .

 ************************************************
(268) يشير الى حادثت استلاء بكر صوباشي ، آغا الينكرجية على مقاليد الحكم ببغداد 1023 هـ / 1622 م واتفاقه مع الشاه عباس الصفوي على تسليمها له اذا ما جعله والياً منة قبله ، ثم نكوصه عن ذلك الاتفاق ، وما ادى اليه من حصار الشاه بغداد في ذلك العام ، ثم تسليم ابن بكر صوباشي المدينة بخيانة منه الى الشاه ، ودخول بغداد في حكم الصفويين حتى اخراج السلطان مراد الرابع اياهم سنة 1048 هـ / 1638 م .
(269) في الاصل : عجم محمد ، ثم شطب عليه وابدل .
(270) قبيلة قحطانية قديمة تنتسب الى عبيد بن عدي بن رخياب بن قضاعة من حمير ( عنوان المجد ص 105 ) كانت تقيم اولاً في نجد ، ثم زاحمتها قبيلة شمر الكبيرة في مراعيها ، حتى اضطرتها ، في اوائل القرن الثاني عشر للهجرة ( الثامن عشر للميلاد ) الى الهجرة الى الجزيرة الفراتية ( عبد الجبار الراوي : البادية ، بغداد 1947 ، ص 244 ) ويذكر القلقشندي ( نهاية الارب ، بغداد 1958 ، ص 64 ) وكان ملك يتوارثونه بالحصين في برية سنجار من الجزيرة الفراتية ، وانه بقي بأيديهم الى عهد سابور ذي الجنود ، وهذا يعني ان وجود العبيد ( او بعض وصولهم ) في الجزيرة كان في زمن متقدم على ما تذكره الراوية المحلية المذكورة ، وقد ادت هجرة العبيد وتوطنهم في انحاء الجزيرة الى منافستهم قبيلة الموالي القوية في السكن والمرعى ، فصعدت الاخيرة الى اعالي الجزيرة ، بينما تقاسمت العبيد والجبور حوض الفرات الاعلى وانحاء الجزيرة حتى الخابور ، وفي القرن الثاني عشر ( الثامن عشر للميلاد ) شكل العبيد اتحاداً قبلياً قوياً ، ضم اليه الجبور والدليم والعزة وغيرهم ، ولعب امراؤهم من آل الشاوي ( من فخذ آل شاهر الحميري ) دوراً بارزاً في رسم سياسة ولاة بغداد القبلية في القرن المذكور ، وتولى بعضهم منصب ( باب العرب ) في ديوان ولاية بغداد ، وهو منصب يتولى صاحبه الاشراف على القبائل والاتصال بهم ، كتابنا : الحياة الاجتماعية في العراق في عهد المماليك ص 201 ـ 204 ، ( مطبوع على الاستنسل ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 106 ـ

وسمعنا ان خان كرمان شاه اعتذر ، والفيلي قال : انا وان كنت عجمياً الا اني في مملكة عثمان آل عثمان من زمان سليمان باشا الى هذا اليوم ، والعجم لا تريد طرفي ، فكيف احارب الدولة ؟ فأن كنتم خائفين فتعالوا الي ادبر لكم امراً فيه خلاصكم ، وان ابن محمد خليل ارسل اليهم جميع من عنده ، ودخلو بغداد وصاروا منا بمرأى ومسمع ، وتولوا بعض المتاريس ، وثقل العيار علينا واستعنا بالله ، وقل الرصاص عندنا فكانت الاولاد تلقط رصاصهم من الشاطئ وتعبيه علينا نضرب به ، واما هم في دولة السلطان ، في بارود كثير ورصاص كثير ، وحدثت الروات الثقات : ان الكلب الرومي (271) قال لقومه : افنوا اعدائكم بالطوب والقنبر وانا اوسع لكم ( 42 أ ) العذر عند السلطان ، ان قوله له [ أن ] اكثر اهل بغداد راسلوا العجم وأرادوا تسليم بغداد لهم ، فسمعت ووافقني اهل الميدان واسرعنا الى القلعة وحرسناها ، وضربنا عليهم جميع ما في القلعة من طوب وقنبر حتى اهلكناهم وخربنا بيوتهم وهرب من سلم منهم ، هكذا كان ان يريد ان يصفنا بوصفه ويتصف بوصفا ! هذا هو الغصب المذوم شرعاً وعرفاً لا غصب اهل الجدل .
   ثم انهم قطعوا علينا بعض الشرايع ، فقطعنا عليهم جميع مشارعهم بحيث بيعت قربة الماء عندهم بأضعاف ثمنها ، فوا الله كنت اشفق عليهم وامنع قومي من مضاربتهم في الليل من طرف شريعتنا ، فيردون الماء الى الصباح ، وهم يضربون على شريعتنا الى الصباح بحيث لا يستطيع احد دخول جامع القمرية (272) من كثرة مروق الرصاص فيه ، وقد عطلوا جوامعهم فلا صلاة ولا اذان ، وشربوا الخمور على ظهورها ، واستباحوا كل حرام ، واما قومنا

 ************************************************
(217) في الاصل : سليماً ، وحرفها المؤلف الى لئيماً ، ثم شطب عليها وابدلها .
(272) انظر تعليقنا رقم 21 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 107 ـ

الشرقيون واهل ( 24 ب ) جانبنا فلم يتعطل ولا مسجد الا جامع القمرية ، فأنهم قد عطلوه لا نحن ، ومن لطف الله وكرمه انا قوم كثيرون وفيها الطائع والعاصي ، وفي جميع هذه الفترة ما رأينا من هو سكران من قومنا او تارك صلاة ، بل دأبهم العبادة والسؤال من اهل العلم كيف يرد الصائل وبماذا يرد ؟ واما هم فمن رؤساءهم (273) الى سفلتهم كلهم فجرة يشربون الخمر اكثر من الماء حدثني من دخل على الرومي (274) من رسلنا ـ ومجسله غاص بالناس ـ انه قال : شممت رائحة الخمر من الطريق قبل دخولي ، فلما دخلت عليه كدت اسقط من رائحة الخمر !
   هذا واسل البيك ـ حفظه الله ـ الى الوزير حسن باشا (275) متوايه تحثه على المجيء قبل ان تأخذ العجم بغداد ، او يحدث فيها ما يلائم الوزير عليه من جهة الدولة ، ومولانا الوزير المنصور (276) يحث البيك عللى الثبات وبعده بالقدوم عليه من قريب وفي هذا الاثناء قطع ابن محمد خليل علينا الطريق من الجانب ( 43 أ ) الشرفي ، وصار القادم علينا من الدولة او ديار بكر او الموصل او كركوك يعبر من الدور او تكريت او سامراء او بلد ويأتينا .
  وبينما نحن جلوس ذات يوم ندبر بعض الامور اذا صائح الحرب ، وصرخ المستصرخون بالناس ان الاعداء قد بقروا من بيت الدفتردار (277) الى جامع

 ************************************************
(273) في الاصل : رؤساءهم .
(274) في الاصل المشطوب كلمة لعلها سليم او لئيم .
(275) في الاصل ( الى مولانا الوزير المنصور ) ثم شطب عليه ، وكتب فوقه ما اثبتناه .
(276) لم يشطب عليه في الاصل .
(277) يظهر من هذا ان ( بيت الدفتردار ) كان ملاصقاً لجامع الوزير من اعلاه ، في آخر مباني سراي الحكومة ، وهو ، نظراً لموقعه هذا ، الدار الرسمية ( لدفتر خانة ) بغداد ( انظر عن الدفترخانة ما تقدم على الص 85 ) لا داراً شخصية لدفتر دار بعينه ، وموقعها اليوم في ارض المحاكم التابعة لوزارة

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 108 ـ

الوزير (278) وتوصلوا منه الى المولى خانة ، فلم يشعر الذين في المتاريس الا بالاعداء بينهم وفيهم كثرة ، وقومنا الذين هناك كانوا قليليين فهربوا ولما ارادوا المجيء الى الجسر رأوهم قد بقروا من المولى خانة من الزاوية التي تربط عندها دوابهم ، وخرجوا يضربون على الجسر (279) ، ولا يقدر احد منا ان يمشي عليه لذلك ، ونهبوا خانات البقاقيل (280) ، ولم يرجعوا منها شيئاً الى اليوم ،

 ************************************************
(278) جامع كبير ما زال قائماً ، وقد تعرف التعريف به .
(279) كانت مشرعة الجسر المؤدية اليه ، تقابل المولى خانة ( جامع الآصفية اليوم ) تماماً ، فتعترض هذه العمارة طريق القادم من المشرعة المذكورة ، وتضطره الى سلوك احد طريقين ، الاول ينحرف حول الزاواية الشمالية للمولى خانة ، ثم يمضي شرقاً في طريق تكون الاخيرة على يمينه وجامع الوزير على شماله ، والآخر ينحرف حول الزاوية الجنوبية للمولى خانة ، ليتصل هناك بالزقاق الواقع بينهما وبين الكتف الاعلى للمدرسة المستنصرية ، والنافذ الى منطقة الاسواق والخانات التجارية ، وبحسب النص الذي ساقه المؤلف يكون المهاجمون الذين نفذوا الى جامع الوزير من فتحة سور السراي ، قج احتلوا المتاريس الموضوعة بين الجامع المذكور والمولى خانة ، ومن هناك دخلوا الاخيرة ونقبوا منها زاويتها المطلة على الجسر ، الذي نراه انهم انما نقبوا الزاوية الجنوبية منها اي التي تقرب من المستنصرية ، وذلك لانها هي التي تنفذ الى منطقة الاسواق والخانات ، ويؤيد ذلك ان مشرعة السقاقي هذه قد ظهرت في صورة لطراز دجلة الشرقي رسمها السائح ج ، اي ، هيوبارد وعليها السقاءون يستقون الماء على دوابهم ، ومنها يظهر انها كانت في اسفل الجسر بين المولى خانة والمستنصرية ، على ما حددناه ( نشرة هذه الصورة في كتاب بغداد الذي نشرته نقابة الهندسين العراقية سنة 1968 ، ص 222 ) .
(280) البقاقيل : جمع عامي لبقال ، وهو بياع الماكولات ، وفي القاموس المحيط 3/ 323 ان اصل الكلمة بدال بدال مهملة ، فجعلتها العامة بالقاف .
(281) لعله يريد ، التي في سوق دقاقين القهوة .
(282) بقيت الخانات التي تحفظ بها المواد قائمة حتى آواخر العصر العثماني ، محتفظة بمهمتها نفسها ، فقد ذكر فيلكس جونز في منتصف القرن الثالث عشر للهجرة ( التاسع عشر للميلاد ) عدداً كبيراً من الخانات التي كانت تقع هناك ، منها خان التوتن ( التتن = التبغ ) وخان العفص ( النبات المعروف المستعمل بالدباغة ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 109 ـ

وفتحوا الدكاكين التي هناك ، واخذ جميع ما فيها ايضاً ، ثم جاءنا اناس من قومنا الشرقيين قد عبروا دجلة عوماً من ناحية الزركشي (283) ( 43 ب ) وهم يصيحون ويستغيثون ويقولون : يا قوم ! احفظوا لنا اعراضنا [ فأن ] هذه اللوند بخيلها ورجالها وجاءتنا من جهة بن الشيخ شهاب الدين وكسروا ودفعونا من المتاريس ، والآن حافظون رؤوس الطرق ، فأنجدونا قبل الليل بمدد والا اسروا عيالنا واطفالنا ونهبوا اموالنا وقتلنا عن آخرنا ، فلم اتم هولاء كلام حتى شاهدنا اكثر نساء الشرقيين على الشط ينادون ويريدون العبور الينا ، فصار علينا اصعب يوم وايسنا من ارواحنا ، واخذنا في البكاء على اعراض الشرقيين ، وشرعت احد قومي على الهجوم على الجسر ، وتصايحت شجعاننا ، وحرض بعضهم بعضاً ، وبكوا حرصا على اعراضهم قومهم ، ونساء الشرقين على الشط تارة يندبن وتارة يهنهن (284) فتزاحمت الناس وصاحوا صيحة ارتج لها الجانب الشرقي ودبت فيهم حمية الاسلام ، وركضت البيك ـ حفظه الله ـ حتى عبر ( 44 ب ) وبيده محجنه (285) حتى وقف على رأس المسناة (286) ، وركض الناس ، وركضت انا مهم ووقفت مع البيك والطوب يضرب على قومنا والرصاص يغني حول آذاننا ونحن ولا نحس ولا يخطر ببال احد منا انه قاتل بل صار عندنا صوته كطنين الذباب ، وهرب اكثر اعدائنا (287) الى خاج البلد واغلق باب القلعة من كان فيها .
   وسمعت من بعض قومنا انه قال : وصلت الى دار الرومي (288) ـ وهي مغلغة ـ وهو يصرخ بأتباعة ويقول : ادمروا الباب بالتراب .

 ************************************************
(283) انظر عنها ما تقدم تعليقنا رقم ( 252 ) .
(284) من هن بمعنى بكى وحن ، القاموس المحيط .
(285) المحجن وزان مقود : خشبة في طرفها اعوجاج مثل الصولجان ( المصباح المنير ) .
(286) يريد مسناة الجسر .
(287) في الاصل : اعدائنا .
(288) في الاصل : ( لئيم ) يريد سليماً ، ثم شطب عليه وابدل .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 110 ـ

وأمر البيك ونحن واقفون معه على المسناة ان تعبر فوارسنا ، فعبرت منها جماعة ، ووجهها مع مقدار من الرجالة الى ناحية الشيخ (289) فغنموا من خيل اللوند خمسة عشر حصاناً ، وحال بينهم الليل ، وذل اعدائنا (290) وصاربوا كلاباً وخمد طوبهم فلم يسمع له صوت الى اليوم .
  ولما رأى البيك ـ حفظه الله ـ ان اوباش قومنا شرعوا بنهب البيوت ، رجع ورجعت الناس معه ، فرجع الاعداء ( 44 ب ) الى امكانهم ، وارسلوا يلتمسون الصلح ، فجاءت النجادة (291) ـ وهم من جانبنا الا انهم لم يختلطوا بنا في هذه الفتنة ـ وقالوا للبيك : نرجو منك ان تقبل خدماتنا وتجعلنا في موضع متاريس القوم وتتولى الحراسة الى ان يأتي الى هذا البلد والٍ ، فأستشار البيك اصحابه برأي هؤلاء ، فرضوا بذلك ، فذهب من النجادة اناس الى الاعداء وقالو : قد طلبتم الصلح ؟ قالو : نعم ، فقالو لهم : الصلح هو ام نقيم نحن في متاريسكم حتى يأتي الوالي ، وممن يكون التعدي صرنا مع القبيل الآخر عليه ، فرضوا وهم ممنون ، فأخذ النجادة اهبتهم وسلاحهم ، وكانو زهاء سبعة مائة رجل ، وجلسوا فيما ذكروا ، وكان مصرفهم منا لانا رأينا مشاركة الاعداء في مصرف هؤلاء او انفرادهم بالمصرف عار علينا ، فرتبنا لهم المشاعل والقهوة والتوتون كل ليلة ، وجعلنا طعامهم صباحاً ومساءً على جانبنا ( 45 أ ) اربعة ايام ، وعلى قومنا الشرقيين اربعة ايام ،

 ************************************************
(298) يريد محلة الشيخ عبد القادر الكيلاني في شرقي بغداد .
(290) في الاصل اعدائنا .
(291) اي اهل نجد ، وهم عشائر كانت قد نزحت من نجد واقامت في اطراف بغداد من جانبها الغربي ، واضاف امين الحلواني في مختصره للمطالع قوله : العبر عنها بعقيل ( ص 34 ) ولم يبين مصدر اضافته هذه ، وعقيل قبيلة نجدية كانت تقيم في الجانب الغربي من بغداد ، عرف بأسمها ذلك الجانب في آواخر القرن التاسع عشر ، فقيل له : صوب عكيل ( عقيل ) ولا ندري ما اذا كانت هذه القبيلة هي التي ارادها المؤلف ، لا صاحب مطالع السعود الذي اختصر الحلواني منه كتابة ( ص 61 مخطوط ) لم يذكر ومنهم سوى انهم من عرب نجد .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 111 ـ

كل يوم خمس عشرة (292) صينية بلاو ظهراً ، وخمس عشرة صينية بلاو مساءً ، وكان معنا غرباء من شجعان المواصلة انزالهم في خان المدرسة (293) وفي خان جغان (294) ورتبنا لهم ما يكفيهم ، هذا والذي صرفه البيك ـ حفضه الله ـ

 ************************************************
(292) في الاصل : خمسة عشر .
(293) يريد الخان الذي لا يشغل معظم المدرسة المستنصرية على شاطئ دجلة الشرقي ، وكان نيبور الذي زار هذه المدرسة سنة 1776 م / 1180 هـ قد رأى ان مطبخها قد تحول الى دار للمكس ( الكمرك ) في حين صار معظم المبنى خاناً للقوافل يعرف بأسم آت ميداني وورد اسم خان المدرسة في وقيفة سليمان باشا الكبير المؤرخة سنة 1206 هـ / 1791 م على نحو يوحي ان كان يطلق على خانة خانين اثنين ، الاول هو الخان الذي اشار اليه نيبور ، والآخر متصل به يدعى خان التوتون جاء في الوقفيه ( وايضاً خان المدرسة المعروف بهذا الاسم وهو الخان الواقعان ببغداد في رأس الجسر المحدودان بسوق الخياطين والخردة فروشية وبالكمرك وبدجلة العظمى وبسوق التحميس ، وايضاً خان التوتون الذي بأتصاله مع مخزنه الذي اتخذ قيصرية وبقرب من باب الكمرك . . ) ويؤيد ذلك ما ذهب اليه المرحوم ابراهيم الدروبي في تعلقه على خان التوتون منة انه هو المدرسة المستنصرية ( اخبار قضاة بغداد ص 292 مخطوط ) فالذي يظهر مما تقدم من المدرسة المذكورة تحولت في عهد المؤلف لتصبح ما عرف باسم خان آت ميداني وخان التوتون وكلاهما كان قسما مما عرف باسم خان المدرسة ، اما الكمرك الذي اشار به نيبور فهو الخان الذي كان قائماً في اسفل المستنصرية على دجلة ، وكان في القرن السابع عشر للهجرة ( الثالث عشر للميلاد ) داراً لامير سنقرجا زعيم خوزستان ( كتاب الحوادث المنسوب لابن الفوطي ، بغداد 1351 ص 222 ) ثم قهوة خانة ( مقهى ) شيدها جغاله زاده والي بغداد في نهاية القرن العاشر للهجرة وقد ضن نيبور اصله مطبخاً للمدرسة على ما تقدم ، وعد جونس الكمرك وخانه جزءاً من محلة المصبغة ، بينما عد خان التوتون جزءاً من منطقة الاسواق والخانات ، وعرف الخان الاخير في القرن الماضي باسم ( خان المواصلة ) نظراً لسكنى الموصليين القادميين الى بغداد فيه ، ثم ضمت جميع مبانيه ومرافقه الى الكمرك وبقيت كذلك كما اضطلعت مديرية الآثار العامة بمهمة ترميمه واحياء المدرسة المستنصرية لتكون متحفاً اثرياً .
(294) هو الخان الكبير الذي شيده سنان باشا جغاله والي بغداد من 995 الى 998 هـ ( 1586 ـ 1587 ) ومن 999 الى 1001 هـ ( 1590 ـ 1593 م )

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 112 ـ

في هذه الايام اكثر بكثير من المصرف لان خيول العرب ورجالها مصرفهم من عنده اكلاً وشرباً وعليقًا وعطاء ، ومصرف الجسر غالبهم من عنده ، فجزاه الله عنا خير الجزاء بمنه وكرمه .
  وبعد ان مضى من جلوس النجادة شهر او اكثر جاءت بشارة بغداد من الدولة الى الوزير المنصور ، ثم بعد ايام جاءت كتب السلطان ـ دام اجلاله ـ الى الوزير المنصور بتوليه بغداد ، وأمره بالذهاب اليها بسرعة من غير تأنٍ خشية ان يكون للعجم طمع فيها ، ففرحنا فرحاً عظيماً وحمدنا الله تعالى ،

 ************************************************
وذلك في مفتتح ولايته الثانية سنة 999 هـ ، وقد عرف هذا الخان باسم خان جعال ، على ما يسميه المؤلف وخان جغان بتحريف طفيف ( وقفيه سليمان باشا الكبير ، تاريخها 1206 هـ / 1792 م ) وما زال الاسم الاخير يطلق حتى اليوم على اية بناية كبيرة ، دلالة على سمعتها ورحابة ساحتها ، وعرف ايضاً باسم خان الصاغة بسبب اشغال هذه المهنة معظم دكاكينه ، وكانوا قد انتقلوا اليه بعد زاحمهم الخفافون ( صناع الخفاف وهي ضرب من الاحذية ) في سوقهم الاول المجاور لجامع الصياغ ( جامع الخفافين فيما بعد ) ، امتلك هذا الخان مناحيهم دانيال وشركاوه فنقضوه سنة 1348 هـ / 1929 م وشيدوا مكانه سوقين جديدن تطل نوافذهما من جهة على سوق الهرج القديم ( او العبايجية ) ومن جهة ثانية على سوق الجبن ، ومن جهة اخرى على سوق الجوخه جيه ، وجعلوا لها اربعة ابواب متناظرة ، بعد ان كان للخان القديم بابان فقط .
  وقد شغل البزازون واضرابهم هذا الخان ، في حين انتقل الصياغ الى سوق السراجين الذي يقع في سوق السراي ولم يبق من آثار خان جغالة المذكور سوى لوح من القاشاني الازرق الفاخر كتب عليهم بخط الخطاط البغدادي عبد الباقي الملولي المعروف بقوسي تاريخ عمارته ونصها ( عمر هذا الخانمان وما فيه من البنيان في ايام دولة السلطان بن السلطان مراد خان خلد الله ملكه وسلطانه وأفاض على كافة العاملين عدلة واحسانه 999 ) وكان مثبتاً على بابه ، ثم نقل بعد نقضه الى المتحف العراقي ، حيث ما زال معروضاً في قاعته الاسلامية ، وكانة بعض المؤرخين والسياح قد لاحظ وجود كتابات على الخان بالتركية ( مرتضى نظمي زاده : كلشن خلفا ص 201 الا ان هذه الكتابات زالت وفقدت ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 113 ـ

وحييت آمالنا في النجاة بعدما ثوت ولم يرج نشورها ، وخفيت فلم يبد نورها ، فالحمد الله الذي ( 45 ب ) اكمد اعدائنا الذين اضمروا لنا مضرة ، وتركهم في حسرة غب حسرة ، يعضون بأنيابهم كل غائط ، ويضربون رؤسهم بكل حائط ، قد سلب الله نعمتهم حيث لم يكونوا اهل للنعم ، وفرق كلمتهم وتركهم هدفاً لسهام النقم ، فتباً لنعمتهم التي كانوا يفتخرون بها فما هي الا استدراج ، والمغتر بها مجنون معتوه يحتاج الى علاج ، وما بالك بنعمة ما اشتهرت في الآفاق حتى شرعت بالانطلاق ، وما سلمت حتى ودعت ، ولا طلتعت حتى رجعت ، ولا اتصلت حتى انفصلت ، ولا حلت حتى انحلت ، ولا عرضت حتى أعرضت ، ولا انقضت حتى انقضت ، ولا اقامت حتى هامت ، ولا وفقت حتى انصرفت ، ولا خلصت حتى نقصت ، ولاطابت حتى ذابت ، ولا نارت حتى طارت .
   وذل الرومي (295) بعد شماسة (296) ، وضرب الهم الخبيث (297) على رأسه ، وارسل الجسور المنصور (298) البيك ـ حفظه الله ـ الى الرومي (299) وأهل ( 46 أ ) الميدان يطلب منه الخبيث خشية ان يهرب وعليه حساب من جهة الدولة ، فتكلفه اهل الميدان ، واعطوا بذلك عهداً الى دخول الوزير بغداد ووضعوه في القلعة (300) ، وخرج اكثر اللوند الى ابن محمد خليل ، ثم خرج

 ************************************************
(295) في الاصل : سليم اللئيم ، ثم شطب عليه وأبدل .
(296) شمس الفرس شماساً استعصى على راكبه ، ومنه قيل للرجل الصعب الخلق شموس ايضاً وشماساً ( المصباح المنير ) .
(297) في الاصل : عجم محمد ثم شطب عليه وابدل .
(298) يريد الوزير حسن باشا والي بغداد .
(299) في الاصل : سليم ثم شطب عليه وابدل .
(300) في مطالع السعود ( ص 64 مخطوط ) ان محمد بن عبد الشاوي وحرض اهل الميدان ( على حراسة عجم محمد وحذر ، واهل الميدام مضمرون للغدر مصرون على دفع ذلك الوزير عن الصدر ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 114 ـ

الباقون بعد ذلك (301) ، وهرب آغات الينكجرية والمطارجي (302) وبعض رؤساءهم (303) ، وبقي الخبيث في القلعة كل ليلة يريد الهرب وتأتي خياله من ابن محمد خليل تنتظره خاج البلد الى الصباح كي ينزل بحبل من السور ، فلم يجد فرصة ، فتذهب الخيالة فتكمن في بعض المزارع الى الليل ثم ترجع ليلاً ، ولم يقدر على النزول لحراسة احبابة وأصحابه ، وكانت حراستهم له حراسة اكرام واحترام لم يذكروا له : انا نحرسك من الهزيمة ، بل يقولون له : نحن عندك ليلاً ونهارا نخشى عليك من غدر البيك ، ومع هذا يدبرون ويتأملون بالحيلة التي تدفع الوزير المنصور عن دخول بغداد ، وقد لبسوا للتجلد جلود النمور ، وهم باطنًا يحسدون اهل القبور فيلعبون ( 46 ب ) كل ليلة في القلعة ، وتدق طبولهم الى الصباح ، ونحن نعرف مغازيهم ، ونفهم مساويهم ومخازيهم .
  وقد صادف ورود بغداد انفصال غوغاء الاكراد ، فتم السرور والهنا ، وزال الحزن والعنا ، وسافر الوزير المنصور من كركوك وضربت طبوله ولعبت عجباً وتهياً ، وسار في الجيش عرمرم وسيل مفعم ، برجال قد تعدوا نهب الارواح بالمهندة الصفاح ، وجعلوا مهاد الملاح طعن السمهرية الرماح ، مستظلين بظلال الوية خافقة بالنصر والاظهار ، ورايات ناطقة غالبة بالغلبة والاقتدار ، وسار والنصر خادمه ، والاقبال ينادمه :

 ************************************************
(301) يفهم من هذا ان الباقين من الذين خرجوا كانوا من اللوند ايضاً وفي مطالع السعود ( ص 64 ) ان خروج اللوند كان ( دفعة [ واحدة ] الى ابن محمد بن خليل وقفاهم اناس خافوا من عقاب الوزير لما جاروا وحافوا ) .
(302) المطارجي : اسم وظيفة من مطرة ( محركة ) العربية وتعني القربة ، وجي اداة تركية تدل على الحرفة ، فهوا حامل قربه الماء ، ويبدوا انه يريد : المطارجي باشي ، وهو ضابط انكشاري كبير ، كان رئيساً لحملة قرب الماء الازمة للجيش .
(303) في الاصل : رؤساءهم .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 115 ـ
وسار    وريات   القبول   iiتؤمة      لديها من الاملاك قد صنف عسكر
بجيش    قبول    النصر   ii صار مهللاً      لديه   وارواح   السرور   iiتكبير
  وقد ارسل الى البيك بريداً يخبره بمسيره ، وقد صح عندنا ان ابن محمد خليل ( 47 أ ) قد صرح بالخروج ، واغتر بمن مدح من العلوج ، ووعد الخبيث (304) بالوعود التي لا يقدر على انجازهاً عنتر عبس ، وامله بالاماني التي تقتل دونها مائة الف نفس ، وزعم ان يسلك على الوزير المنصور الطريق ، ويمزق من عسكره كل فريق ، والوزير المنصور لم يشعر بهذا ، فأرسل البيك اليه فرسان العبيد الذين تنتعش نفوسهم بمصادمة الحروب كما ينتعش بالفرج المهموم المكروب ، وتنشرح بصدورهم بملاقاة الفرسان كما ينشرح للأكل صدر المرمل الغرثان (305) ، ويطربهم صليل السيوف في الهام ، كما يطرب العاشق صدح العندليب وهدير الحمام .
لـديهم  صـليل الـسيف نـغمة iiشـادن      وحـمر  دمـا الاعدء في الحروب iiمسكر
لذاك تراهم يطربون لدى الوغى  (306)       فـكـل  يــرى فـي رحـبها iiيـتبخر
ويحمي  من السرحان  (307)  iiشلوقتيلهم      نـصـال  صـحـيح مـارق iiومـكسر
   ( 47 ب ) اعانة لعسكره ومدداً ، وأرسل من رجال النجادة زهاء اربعة مائة سكماني ، وأرسل زنبلكات وجبه خانه .
   وخرجت عقلاء الرؤساء من عساكر عبد باشا من طريق جانبنا لان طريق الجانب الشرقي ـ كما قدمنا ـ (308) غير سالك (309) ، وكان ابن محمد خليل

 ************************************************
(304) في الاصل : عجم محمد ، وقد شطب عليه وأبدل .
(305) المرمل : الذي نفذة زاده ، الغرثان الجائع .
(306) في الاصل : الوغا .
(307) السرحان : الذئب او الاسد .
(308) انظر الورقة 43 أ ص 115 .
(309) في مطالع السعود ( ص 65 مخطوط ) ابن محمد خليل ( شن على النواحي خيل غارتة فقطع بذلك السبل على القوافل والرسل وأشعل نار الفتن وأساء كل مستوطن وطن من جانب بغداد الشرقي بغوغاء لا تذر شيئاً من الفساد ولا تبقي ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 116 ـ

في الحانب الشرقي من ذيالة (310) فأراد العبور الى الجانب الغربي منها لمقاومة الوزير المنصور ، فلما سمع بمن معه ثبت مكانه ولم يعبر ، ولما قرب الوزير منه ولم ينهما حاجزاً الا ذيالة ، عمل لعسكره خندقاً وأجرى الماء فيه ، فأرسل الوزير المنصور الى البيك يريد منه جسراً وقنبراً ، فأرسل اليه قنبراً وسفناً والآت الجسر ، وأكد على الوزير المنصور بالمكاتيب وطلب منه ان يعبر ولا يغتر بتملق المنافقين ويفرق جمع هؤلاء الزعانف والاوباش ، فلما احسن ابن محمد خليل بالجسر قد نصب ، أرسل وجوه عسركه الى الوزير المنصور ( 48 أ ) فجاءوا اليه وقبلوا تراب الحضرة ، وأعتذروا وقالو : انا لم اخالف السلطان ، فأن رضيت خدمتنا كنا لك من جملة الخدم والاعوان كما كنا لمن قبلك ، والرومي (311) هو الذي أرسل الينا دعائنا الى الوقوف بخدمته وتعهد لنا بالمرسوم ( 312 ) الذي هو لنا ، وقال : انا وكيل السلطان فكونوا لي اعواناً ، وعبدك احمد آغا بن محمد خليل يود التشريف بلثم بساط الحضرة الا انه يعلم أن المنافقين قد زوروا عليه ما اوغر (313) عليه صدر الوزير فيخشى من قدومه ، واذا سمع مولانا ان ذهبنا الى بغداد اعواناً ومدداً لاهل الفساد فسبب ذهابنا ان الرومي (314) ارسل الينا ان تعالوا خذوا موضعكم ، فقلنا ارسله فقال : لا بد وأن اراكم لانه نقل لي انكم تفرقتم ، فابقينا عند عبدكم منا القليل وقدمنا على بغداد فصادفنا ما صادفنا .
  وقد كان مع مولانا الوزير ومن جملة عسكره من قلبه يخالف لسانه ،

 ************************************************
(310) كذا رسمه المؤلف بذال معجمة ، والمشهور : ديالى ، بدال مهملة ، على ما كتبه ياقوت ( معجم البلدان 2 / 495 ) وهو النهر المعروف في شرقي دجلة ، ومصبه في جنوب بغداد ، وفي دوحة الوزراء ( ص 162 ) ان معسكر ابن محمد خليل كان في بعقوبة .
(311) في الاصل : ثم شطب عليه وابدل .
(312) المرسوم هنا الراتب المقرر ، والكلمة مولدة .
(313) في الاصل : وعز .
(314) في الاصل كلمة مشطوبة ، ربما كانت ( سليماً ) او ( لئيماً ) فابدلت .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 117 ـ

ويود خروج ابن محمد خليل ( 48 ب ) وعصيانه ، ويتمنى ان يعلي الله للخبيث شانة ، ويرفع على الاقران مكانه فالتمس ممن هو من خاصة الوزير وصاحب سره ان يعفوا عنهم لأنهم عسكر يرفعون مولانا الوزير ، وبغداد محتاجة الى عساكر كثيرة ، وابن محمد خليل شجاع مناع وبطل دفاع ، ومولانا الوزير كثير الصفح من طبعة العفوا ومن خلقه الحلم فظن مولانا الوزير المنصور ان المشير من الناصحين ولاخلاء المخلصين فعفا عنهم وألبسهم خلعاً ، وارسل فروة سمورية (315) الى ابن محمد خليل وابقاه باشا آغا كما كان (316) ، وسار عنهم وتركهم .
   فلما سمع البيك ـ حفظه الله ـ علم انها مكيدة ، وندم ولم ينفع الندم ، وانا لم يخرج لاستقبال الوزير خوفاً على بغداد ان تملكها اهل الفساد لان شوكتهم في بغداد قوية (317) لاسيما ومن اعلى مدبرهم يكن آغا كان في الميدان مع اهل العصيان ولكنه كان يظهر الطاعة مكراً وخديعة .

 ************************************************
(315) نوع من الملابس الثمنية يشبه الفرجية ( انظر تعليقنا رقم 34 ) كان يتخذ من فراء حيوان السمور الثمين ، وهو حيوان بري يشبه ابن عرس ، لونه احمر مائل الى السوداء ، ويعد خلع السلطان هذا الرداء على كبار موظفيه وولاته تشريفاً كبيراً ومن مراسيم تجديد بقائهم في مناصبهم ( انظر دوزي : المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب ، ترجمة د ، اكرم فاضل ، ص 209 ) .
(316) يلاحظ ان الكركوكلي ذكر ان محمد خليل كان مقيماً مع حسن باشا والي كركوك ( ص 162 ) مما يدل على ان صلته بالوالي المذكور كانت سابقة على هذه الاحداث .
( 317 ) يذكر الكركولي ( دوحة الوزراء ص 164 ) ان كلاً من الحاج سليمان بك الشاوي ( يريد محمد بك الشاوي على ما سبق ان بيناه ) وابن محمد خليل قام بتقديم اعتذاره الى حسن باشا في بغداد ، وطلبا العفو عما بدر منهما ، فشملهما بعفوه وصفح عنهما ( وكانة مع اتباعهما في ركابة عند دخوله بغداد ) ولا نرى وجه لهذه الرواية ، لان الشاوي هو الذي طلب من حسن باشا القدوم الى بغداد غير مرة ، وكانت علاقته به حسنة حتى ان الكركولي نفسه ذكر في موضع آخر من كتابه ( ص 181 ) انه كان موضع تقدير ورعاية من الوزير لما يبيده من مساعد حميده لتهدئة الاحوال ، وهو لم يغادر بغداد اصلاً كي يدخلها في ركابة ، ونص المؤلف صريح في انه لم يخرج حتى لاستقباله ، والذي نراه انه صحت رواية اعتذاره ، فأن ذلك كان بسب عدم خروجه في الاستقبال ، لا بسبب ما بدر منه اثناء الفتنة في بغداد ، اما ابن محمد خليل فسياق الاحداث لا يدل على انه دخل بغداد ، بعد ان المؤلف ذكر لقاءه بالوزير كان في نواحي ديالى وقد بقية معسكرا هناك منتظراً انضمام عجم محمد اليه ( مطالع السعود 65 ) والظاهر ان راوية الكركوكلي ( وهو مؤرخ المماليك الرسمي ) اريد بها تقليل الدور الذي لعبه الشاوي واهل بغداد من اتباعه ومؤيديه ، وتبرير عدم مد حسن باشا الملوكي يد المساعدة لهم اثناء الحوادث المذكورة .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 118 ـ

ولم يزل المنافقون الذين ( 49 أ ) كانو مع الوزير يفترون همته ويعطفونه (318) على اهل الميدان قائلين له : ان الله قد ولاك بغداد ولم تكن من احدى الفرقتين ، وقد سمعت ان كل تود هلاك الاخرى ، فلا يصغي مولانا الوزير الى كلام من الفرقتين ، فدخل ذلك في ذهنه ، وأرسل دخول بغداد الى يكن آغا فرمان (319) عفو ، وخرج يكن آغا اليه ، وارسل معه فرماناً يتضمن العفو على اهل الميدان ، لكنه يفهم من حالة انه متردد ، تارة يأخذ بكلامنا ويستعمل الاحتياط ، وتارة يقضي عنه ، فكنا نظن انه يتغافل لغرض من الاغراض .
  ولما وصل الى قصبة الإمام الاعظم ، وأراد ان يدخل بغداد (320) ، سمعنا ان اهل الميدان يريدون الغدر به اذا دخل بأن يضربه برصاصة ، اما في

 ************************************************
(318) اي يستدرون عطفه .
(319) الفرمان هو ما يصدر عن السلطان لا الوالي ، وقد تكرر استعمال المؤلف على هذا النحو ، انظر ما سبق .
(320) كانت المراسيم المتبعة منذ ايام والي بغداد حسن باشا في بداية القرن الثاني عشر للهجرة ( الثامن عشر للميلاد ) تقضي بأن يلبث الموظف من قبل الدولة ، سواء كان كبيراً ام صغيراً ليلة في الاعظمية ، وفي اليوم التالي يدخل البلدة بموكب فخم ( سليمان فائق : تاريخ المماليك الكولة منذ في بغداد ، تعريب محمد نجيب ارمنازي ، بغداد 1961 ، ص 54 ) .
(312) الشانشينات : جمع عربي للكلمة الفارسية : شاهنشين ، المركبة من شاه وتعني ملك ، ونشين اسم مصدر من نشيدين اي الجلوس ، فيكون معنا مجلس ملكي ، ويقصد بها ببغداد قسم من ِ عِلية بارز الى الطريق يشرف الجالس فيه على الطريق ، وهي تقابل بالعربية : منظرة ، وبالفرنسية بلكون وتعد مع ضروب البناء التقليدية في بغداد ، ومن طرزها الشائعة وتحرف اسمها اليوم شناشيل ، انظر داود الجلبي : كلمات فارسية ص 125 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 119 ـ

الشانشينات (321) التي هناك ، واما من مزاغل القلعة ، فأخبرنا البيك ، فأرسل اليه وحذره ، فلما قرب من البلد ارسل النجادة وحفظت المزاغل والشانشينات والسطوح ودخل بسلام (322) ( 49 ب ) ، واهل الميدان على ضلالهم ، وابن محمد خليل على عصيانه ، والخبيث (323) في القلعة يدبر خلاصه نفسه ، وقد اقضى الوزير عنه لما نقل له سابقاً ، وانقضى عهد اهل الميدان بحفظه لان الوزير دخل بغداد ، فثالت يوم دخول الوزير (324) اصبح عجم ومحمد من القلعة منهزماً ، وذهب الى ابن محمد خليل وجدد العهد معه (325) وجاهروا بالمخالفة واكدوا ما بينهم بالمحالفة ، وسمى الكلب نفسه باشا (326) ، وجعل له ما للوزراء : كخية وخزنداراً (327) ومصِرفاً (328) ووكيل خرج (392) وما اشبه ذلك ، وكان قد اخرج ماله وثقله من بغداد خفية قبل قدوم الوزير فأكرم على عسكره وأدهشهم

 ************************************************
(322) الثلاثاء 7 ربيع الآخر سنة 1190 هـ ( دوحة الوزراء ص 164 ) .
(323) في الاصل : عجم محمد ، ثم شطب عليه وابدل .
(324) تركيب عامي ، يريد : ففي اليوم الثلث من دخول الوزير .
(325) في دوحة الوزاء 164 عجم محمد ( ويسميه : محمد بيك ) بقي سجيناً في القرلعة مدة خمسة ايام بعد دخول حسن باشا بغداد ، وان الاخير لم يعره اي اهتمام وتركه مهملاً في القلعة المذكورة ، ولم يلتحق عجم محمد بابن محمد خليل الا في اليلة السادسة .
(326) في الاصل : ( محمد باشا ) ثم شطب على ( محمد ) .
(327) تقدم التعريف بهما .
(328) المصرف هو الموظف المختص بالنظر في النفقات والايرادات ، فهو بمنزله مدير الحسابات ، واسم الوظيفة : المصرفية ، والمصرفخانة : دار المصرف ، عبد القادر الشهرباني : تذكر الشعراء صفحة 98 ( ملحق لمحقق الكتاب انستاس الكرملي ) .
(329) وكيل خرج : ضابط انكشاري ( ينكجري ) يختص وتعني كلمة ( خرج ) بالتركية المنصرف من المال .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 120 ـ

بكثرة العطاء ، وأمر اتباعه ـ اولياء الشيطان واشياعه ، ابناء الرعيان ـ بشن الغارات في السبل على السوابل ، وقطع الطريق على الرسل والقوافل ، واضرام نيران الفتن واشعالها ، وارسال طلاب الاحن على ارسلها .
   فأنطلقت أيديهم ( 50 أ ) بتخريب قرى0 الجانب الشرقي شرقها وغربها ، وقطع المسالك على السالكين بعدها وقربها ، حتى اجلوا الناس بمغارهم على مقارهم ، وأبعدوهم بعدوانهم وطغيانهم عن أوطانهم ، وأمنوا مكر الله ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون (330) ، ومع هذا فالمنافقون الذين هم معنا يراسلونهم خفية واخبروهم بجميع ما يتجدد عندنا ، ونحن نادمون على اهمال هذا الزنيم ، متعجبون من مسارعة هذا الوزير المظفر الى معاملة من جنى عليه بالاجلال والتكريم ـ لكنه حفظ الله تعالى ـ تيقين الآن انا مصيبون ، وعرفنا انا قوم مخلصون ، لا نروم بصنعنا هذا الا تمهيد البلاد واراحة العباد من اهل البغي والفساد ، وانا مخلصون له المودة ، ولا سيما رئيسنا وكبيرنا البيك ـ حفظه الله ـ وشرع في اطاعتنا من حينئذ حيث رأى شرعهم يتزايد ـ رحمه الله - (331) لم يؤاخذ المنافقين الذين معنا مع ظهور نفاقهم ، وبيان عداوتهم وشقاقهم ، ولم يتعرض ( 5 0 ب ) لبيوت أولئك الفجرة ولا لأموالهم ونسائهم (332) واطفالهم بل كانوا ما كانوا .
   واراد الرومي العبور الى جانبنا بعد دخول الوزير الى بغداد ليذهب بلدة اسلامبول من طريق جانبنا ، ولم يعاتبه المظفر (333) على ما فعل كما لم يعاتب غيره ، والتمس من البيك ان ينزله في منزل عندنا فأنزله في محلتنا وأوى وشرع يتملق ويذم اهل الميدان ويشكو منهم ، ونحن نعرف انه كاذب ، وكان

 ************************************************
(330) اشارة الى قوله تعالى « أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ » ( الاعراف آية 98 ) .
(331) في الاصل : حفظه الله ، ثم شطب عليه وابدل .
(332) في الاصل : نساءهم .
(333) يريد الوزير حسن باشا .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 121 ـ

البيك وضع من تلك الاطواب التي رمونا بها مما وقع في داره في رواشن ايوانه ليراها القاصدون من الاطراف ، فترجى (334) من البيك رفعها فرفعها وأرجعها الى القلعة في مكانها ، وارتحل الرومي (335) والفريقان يدعوان عليه (336) ، فأرسل الى ابن محمد خليل من ماردين كتاباً يقول له فيه والله ما رأيت مؤمناً غيرك ، فأذا وصلت تسمع وتنظر ما افعل بخصوصكم ، فلما وصل الى ديار بكر وقد سمع السلطان خلد الله سلطته ما بجميع ما فعل فينا ، أرسل اليه من أخذ جميع ما عنده وحبسه في قلعة هناك ( 51 أ ) ، واخذ داره وما فيها واعطاه لشيخ الاسلام ، قالوا : هي دار لا عيب فيها [ و ] لم يبن في اسلامبول مثلها ، وارسل هو الى الوزير المنصور والى البيك كتبا يلتمس الشفاعة له عنده السلطان بالمراسلة ، فالحمد لله على استجابة الدعاء (337) .
   ثم بعد ذلك جاء الى الرسول من الدولة ومعه ططري (338) مقيد ومعه مكاتيب فيها ان هذا الططري جاء يعرض من الخببيث (339) يريد بغداد آدمي (340) من اتباع الرومي (341) فقلنا آدمي الرومي وهذا يزعم ان ططرك فاصنع ما شئت .

 ************************************************
(334) في الاصل : فترجا .
(335) في الاصل : سليم وقد شطبت عليه وابدلت بما اثبتناه .
(336) انظر عزي : مرأى التواريخ حوادث سنة 1191 بالتركية ( مخطوط ) .
(337) في مطالع السعود ( ص 47 مخطوط ) انه بعد ايام من وصوله كتبة الى بغداد ، ملتمساً الشفاعة ، جاء الخبر بقتله .
(338) ططري : تفخيم : تتري ، تاتاري ، وهو موصل البريد على ظهور الدواب بسرعة من بلد الى آ خر ، سمي كذلك لان القائمين بهذه الخدمة كانوا قديما من التتر ، داود الجلبي : كلمات عامية ص 138 .
(339) في الاصل : عجم محمد ثم شطب عليه وابدل .
(340) آدمي : هو الانسان ابن آدم ( عليه السلام ) ، وهو بمعنى هنا خادم او تابع ، وما زالت هذه الكلمة مستعملة في عامية الموصل بالمعنى المذكور نفسه حتى الآن ( د . حازم البكري : دراسات في الالفاظ العامية الموصلية ، بغداد 1972 ، ص 34 ) .
(341) في الاصل : سليم وشطب عليه وابدل .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 122 ـ

  ولما رآى الوزير المنصور ان إنظار الخبيث (342) وحزبه واهمالهم يزيدهم طغياناً ، أرسل محمد بيك بن عبد الله بيك المنوه بذكره سابقاً الى احمد باشا الكردي (343) يأمر بالمجئ بعسكره من قرى جولان (344) ليكون ومن العساكر المنصورة على هؤلاء الفجرة ، وقد قدم منهم الينا نادماً وعلى توبته عازماً نحو

 ************************************************
(342) في الاصل : عجم محمد ، وقد شطب عليه وابدل .
(343) هو احمد باشا بن سليمان باشا بن خالد باشا الباباني ، احد ابرز امراء الاسرة البابانية الحاكمة في شهرزور من الزاب الاصغر الى شروان ( ديالى ) فضلاً عن كويسنجق وخانقين ومساحات من غربي ايران اضيفت اليها في بعض عهودها ، تولى حكم امارته بتفويض من والي بغداد سنة 1176 هـ / 1762 م فبقي فيها نحو سنة واحدة ، عزل على أثرها ، ليتولاها بعده امراء بابانيون آخرون ، ثم اعيد الى منصه سنة 1186 هـ / 1772 م نفسها ، فلم يبق فيه الا القليل ، حيث عزلة عمر باشا والي بغداد وعين مكانه اخاه محمد باشا ، ثم تمكن احمد باشا من تولي مقاليد الحكم في كوينسجق وحرير ، من انحاء الامارة البابانية وتعاون ، او تهادن ، مع كريم خان الزندي عندما بلغه ان حسن باشا والي كركوك ، الجديد ( وهو والي بغداد فيما بعد ) قد فوضة منطقة حكمنه الى غريمة تيمورباشا الصرواني ، وتمكن بواسطة قوات الزنديين من تولي قلاجولان ( قره جولان ) مركز امارته سنة 1192 هـ / 1778 م ( انظر تعليقنا على هامش ص 103 ) وحاول اضفاء الشرعية على حكمه بالحصول ، على تأيد حسن باشا ، وطلب منه موافقته على حرب اخيه محمد باشا ، فلم يفز بالموافقة ، ولكنه حارب اخاه وانتصر عليه وأسره في السنة نفسها ، فأضطر حسن باشا الى الاعتراف بحكمه ، وحاول الاستفادة من قواه العسكرية في القضاء على فتنة عجم محمد وابن محمد خليل ـ كما يذكر المؤلف ـ ولكن وفاته المفاجئة حالت دون تقديم المساعدة المذكورة على ما سيأتي في هذا الكتاب ( دوحة الوزراء ص 164 وتاريخ السليمانية ص 86 وفي قائمة ولاة الاكراد ( مخطوطة ) انه توفي في 27 ذي الحجة سنة 1193 هـ .
(344) كذا كتبها المؤلف والمشهور قره جولان ، انظر تعليقنا رقم 231 .


تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 123 ـ

من سبعين بيرقاً (345) من اللوند يقدمهم خال آغا فجعله الوزير باش آغا (346) وأكرمه وألبسة وألبس معه ( 51 ب ) الخلع الفاخرة ، وأجرى عليهم مرسومهم وارسل منهم خمسين بيرقاً الى الحلة ، وأبقى الباقين في بغداد مع رئيسهم خالد آغا ، لكنه ـ حفظه الله تعالى ـ لا يأمنهم ولا يكلفهم قتالاً لا لقرمهم ولا لغيرهم بل اباغهم هكذا ناظراً ما يؤول امرهم اليه .
  ولما زادت نيران الفجرة ضراماً اتفق رأي اهل الرأي منا على ما يرسل البيك ـ حفظه الله تعالى ـ الى عشيرة العبيد يأتون جميعهم ويخرج الكخية عصمان أغا (347) ومع جانب ومن عسكر الوزير المنصور ، وهم الدلجه (348) ، ويقاتلون هؤلاء الاوباش ، حيث حققنا ان جمعهم إنفل ، وعزمهم انحل ، وبدأ فيهم الجوع ، ومنعهم من الهجود (349) والهجوع ، فأرسل البيك (350) الى العبيد ، وما ادراك ما العبيد ! هم من خالص العرب ، وذوي الفخر العالي في النسب ، من اكرم العرب اصولاً وأوفرهم عقولاً وأكبرهم نفوساً ونفاسة ، وأجلهم أقداراً ورياسة ، وأوسعهم جفاناً ، وأرفعهم نيراناً ، وأشدهم ضراباً وطعاناً ، وأشدهم صولة ، وأكثرهم دولة ، وآمنهم سريرة ، وأحسنهم سيرة ، وأربطهم جأشاً ، وأرغدهم معاشاً ، وأملأهم لعيون الاقران ، وأرعاهم لوثائق الإيمان :

 ************************************************
(345) البيرق : كلمة تركية بمعنى اللواء والراية ، وتعني اصطلاحاً جماعة من عسكر اللوند تراوح عددهم بين 25 رجلاً وتاريخ المماليك الكوله مند ص 82 ) و 100 ( رحلة المنشي البغدادي ص 33 ) .
(346) في مطالع السعود ( 65 مخطوط ) انه جعله باشا ، والصواب ما ذكره المؤلف .
(347) في مطالع السعود ص 67 ومختصره 24 : الامير عثمان بك كتخدا بغداد .
(348) تقدم التعريف بهذا الضرب من العسكر في ص 93 .
(349) الهجود : النوم .
(350) ليس في مطالع السعود ( ص 67 مخطوط ) اشارة الى دور الشاوي هذا ، وانما يذكر ان الوزير حسن باشا اخرج كتخداه عثمان المذكور ( ليتفق مع آل عبيد على مقاتلة البقاة ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 124 ـ

اسـد الـثرى  عـن الـجلاد لهم      فـتـك  يـشيب لـهوله  iiالـطفل
فلكم لهم من طعنه  (351)  نجلت      فـيها  يـغيب الـزيت والفتل iiلا
لـم  ي رهبوا الاعداء ان iiكثروا      فـلـكم تـساوى الـكثر iiوالـقل
   لم يزالوا ينصرون دولة الاسلام غير متعرضين لجزاء ، ولا مترقبين لحمد وثناء ، فلذلك كان باقياً على كرور الايام ذكر مناقبهم ، وكانت بادية للعيون حميدة أفعالهم وصحة مذاهبهم ، لا يحبهم الا من سلم من نفاق دينه ، وانطوى على حب الاسلام وناصريه يقينه ، فما انزه شمائلهم عن ان تكون لها قيمة ( 52 أ ) ، وما أحقها بان تجعل في قلادة الزمان درة يتيمه ، وكيف وقد ايدوا الدين بعدها بنيانه بأن يتزعزع ، وعمدوه بعد ان ارادت أركانه ان تتضعضع ، وشدوا قوة الوزارة بحبل من الله وثيق ، وأحكموا بنائها بعدما كانت تزيغ قلوب فريق ، فجزاهم الله عن الاسلام واهله خير ما جوزي محسن على جميل فعله بمثله !
   ثم صار الرأي ان تعبر عشيرة العبيد من ناحية الدجيل ، ويخرج الكخية عصمان أغا ومن معه من البلد على الطريق والرصد ، فوصل الامر الى العبيد ، فعبروا ، ولما جاءنا خبر عبوروهم خرج الكخية من بغداد وقت المغرب وسار بمن معه تلك الليلة ، وقد قدمنا ان عندنا منافقين يخبرون الاعداء بجميع ما يسير عندنا ، فذهب نذيرهم الى الفئة الباغية وأخرهم بأن الكخية بشرذمة قليلة خارج من بغداد قاصد للعبيد ليكون معهم عليكم وجهاً (352) ( 52 ب ) واحداً ، فركب ابن ومحمد خليل بمن معه وعبر ذياله ، وصار بين العبيد وبين الكخية ، والعبيد لا شعور لها بخروج الكخية ، والعبيد لا شعور لها بخروج الكخية ولا بعبور ابن محمد خليل ، فألتقى الكخية ومن معه من ضحى ، فقبل النزال والقتال خانت الدلجة وركضت نحو ابن محمد خليل فقيل ان الخبيث (353) رشا الدلجة قبل خروجه رشوة

 ************************************************
(351) في الاصل : طعنات .
(352) في الاصل : عجم محمد ، وقد ابدل .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 125 ـ

عظيمة وتعهدوا له انهم حضروا القتال صاروا من قبيلة وخانوا (353) .
  ولم يبق من الكخية الا مقدار عشرة فرسان (354) ، فلله دره من بطل قاتل قتال خالد بن الوليد لجمع هرقل حين كان في ثلاثمائة من الصحابة وكانت عساكر هرقل مائة الف ، فلم ينهزم منهم بل قاتل وانفصل بصمت وتركوه وتركهم وكذلك الكخية المذكور (355) ، كان مسحر حرب لا ناصر له ، فهجم على الاعداء هجوم الاسد القضبان وفرق جوعهم بالسيف والسنان ، ولاقى (356) ابن محمد خليل فضربه واخطأه وهرب من بين يديه منحازاً ، ورجع ( 53 أ ) الكخية وهم اليه ينظرون على طلبه لا يقدرون ، والحمد لله على سلامته فلو ـ والعياذ بالله ـ نفذت سهام القدر وخلا منه مقر عزه وشرفه ، ونامت عين الدهر عن رعاية حماه وكنفه لانحنت الاضالع على لوعة لاتبرد أبداً احشاؤها ، ولجرت المدامع بدماء لا تجف ، فالحمد لله رب العالمين .
  ودخل الكخية بغداد عصراً وارتجت بغداد لذلك ، وتعجبنا من خيانة الدلجة ، وتباشرت المنافقون بذلك وفرحوا ، ولاح ذلك على صفحات وجوهم ثم [ ان ] الخبيث عجم محمد (357) انه لا يحاربهم بهد ذلك بعسكر روم ، فأرسل بريداً يستعجل أحمد باشا الكرد فورد وأخبر انه بعد ما خيم

 ************************************************
(353) في مطالع السعود ( ص 67 مخطوط ) انه ( مذ التقى الجمعان خان علي الكتخدا ممن معه كثيرون وما بقي معه الا عشرة فرسان ) وذكر الحلواني في مختصره ( ص 25 ) ان الكتخدا انهزم ( ومن معه ودخلوا الى بغداد منهزمون وقيل ان عسكر الكتخدا خانوه ومالوا مع عجم محمد والكل جائز ) .
(354) في دوحة الوزراء ( ص 165 ) انه لم يبق معه غير خمسة عشر نفراً .
(355) في الاصل ( حفظه الله ونصره ) ثم شطب عليه .
(356) في الاصل : لاقا .
(357) في الاصل شطب على ( عجم محمد ) ولم يبدل .
(358) في الاصل : صادق .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 126 ـ

عسكره مات (359) ، فأرسل الوزير سريعاً عهداً الى اخيه محمود باشا (360) واستحثه على المجيء .
  وفي هذه (361) الاثناء سمع ( 53 ب ) البيك عن بعض المنافقين ما يجب الاحتراز منهم ، والوزير مغضٍ (362) عن الانتقام منهم ، فانقطع عن العبور الى دار الحكم ، وكانت القلعة قبل هذا بيد اهل الميدان فأخرجوا منها ووضعوا بدلهم اللوند يحفظونها ، ففي بعض الليالي رأى حارس من حراس الاسواق بعض السوقة جاءوا ليلاً ، واخرجوا مالهم من دكاكينهم ، فأسلهم عن السبب ،

 ************************************************
(359) في مطالع السعود ( ص 67 مخطوط ) ان احمد باشا ( لما وصلت اليه رسائله ورسله امتثل وجعل لها ما لا تكاد تسع تلك الارض له خياماً ، ومذ ازمع الانفصال عن البلد ( وكان مقر حكمه كويسنجق ) اتاه ما لم يفلت منه احد ) وتصرف الحلواني في اختصاره لمطالع السعود لهذه العبارة وذكر ان احمد باشا ( تباطأ عنه ) ( ص 25 ) وهو تصرف غريب ، ويتفق ما ذكر الكركوكلي ( دوحة الوزراء ص 166 ) مع رواية المؤلف وصاحب المطالع ، ويزيد عليه ان احمد باشا اضطر الى التأخر بضعة ايام قبل وفاته ، بسبب تردده بشأن اخيه الذي اعتقلة في قلعة سروجك .
(360) هو محمد باشا بن سليمان باشا الباباني ، تولى الحكم في امارة سنة 1193 هـ / 1779 م بعد موت اخيه ، كما يذر المؤلف وساهم بقواته في مطاردة عجم محمد وابن محمد خليل تلبية لطلب حسن باشا ، ونتيجة لفشل الاخير في القضاء على هذين المتمردين ، وتولى سليمان باشا الكبير الحكم بعده ليحقق ما قد فشل فيته سلفه ، فقد طلب سليمان باشا من محمود باشا الباباني مساعدته العسكرية ، الا ان الاخير اكتفى بأرسال ابنه محمد بك على رأس حملة ، ورغم ان هذه الحملة لعبت دوراً حسناً في مطاردة المتمردين والقضاء عليهم ، الا ان عدم حضور محمود باشا اثار سخك والي بغداد ، فعزله سنة 1197 هـ / 1782 م ، وعندما لجأ محمود باشا الى علي مراد خان حاكم ايران الزندي ، منحه هذا حكم بعض المقاطعات على الحدود ، فأثار ذلك حفيظة امراء تلك النواحي ، ونشبت معركة بين الطرفين وانتهت بمصرع محمود باشا سنة 1198 هـ / 1783 م وتاريخ السيمانية ص 89 .
(361) في الاصل : هذا .
(362) في الاصل : مفضي .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 127 ـ

فقالوا :غداً وقت الضحى تعرفه ، فذهب الى رئيس الحرس فأخبره ، فذهب الرئيس الى آغات الينكجرية فأخبره ، فذهب آغات الينكجرية فأخبر الوزير ، فأرسل رجلين ثقتين من خدامة بهيئة غير هيئتهم ، فجاءا الى الميدان فابصر القهوة خانة (363) التي عند باب القلعة غاصة بالرجال والسلاح ، ثم ابصر عند باب الإمام الاعظم مثل ذلك ، وذهبا الى ناحية محمد الفضل فوجدا ثمة مثل ذلك ، فرجعا واخبرا الوزير بمثل ما رأيا ، فأرسل احدهما بزورق الى البيك يخبره بذلك ( 54 أ ) ويسأله (364) هل عنده علم منه بذلك ، وأوصاه ان يبدأ بحائط القلعة الذي على الشط ويحذر اللوند عن الغفلة ، فجاء الرسول الى البيك ، فقال البيك : ما عندي خبر ، والامر سهل ، الصراي محفوظ والقلعة محفوظة ، واذا اصبحنا يتبين الامر فأرسل البيك على بعض رجالنا وأمرهم ان يذهبوا في تلك الساعة الى خان جغال ، وخان المدرسة (365) ، ويحرسوهما الى الصباح .
  فقد اصبح الصباح صار الميدان كالعادة ، كل ذي حرفة مشغول بحرفته وكأنهم لم يشعروا بما وقع ليلاً ، ومشت السكمانية الى الميدان ، وغص الصراي بالرجال والسلاح ، والوزير ينظر فسألوا (366) لوند (367) القلعة ، فقالوا : دقوا الباب علينا اول مرة ، وقالو : نحن رجلان قد اتهمنا الوزير بما يقتضي مؤاخذتنا فجئناكم داخلين عليكم ، فأفتحوا لنا الباب ، قال اللوند : فقلنا :

 ************************************************
(363) هي المقهى التي كانت باتصال باب القلعة القديمة ، مقابل مدخل سوق الهرج تقريباً ، وقد عرفت منذ آواخر القرن الثالث عشر للهجرة ( التاسع عشر للميلاد ) باسم ( قهوة السيد بكر ) ثم هدمت سنة 1954 م / 1374 هـ وشيدت في موضعها عمارة حديثة شغلها مديرية اسالة الماء حيناً من الدهر ، ثم اختلفها بعض الدوائر التابعة للوزارة الدفاع .
(364) في الاصل : يسئله .
(365) تقدم التعريف بهذين الموضعين في ص 119 .
(366) في الاصل : فسئلوا .
(367) في الاصل : الوند .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 128 ـ

تعالوا صباحاً ، ثم دفت الباب مرة ثانية فاذا بجمع بكثير من الينكجرية قالوأ : الوزارة جاءت ( 54 ب ) لمحمد باشا يعنون بذلك الخبيث (368) وجاءنا الخبر الآن ، وارتجت البلد ، وحسن باشا بتداريك العبور الى ذلك الجانب ، فافتحوا الباب فقد بطل الجرح ! قالوا : فلم نصدقهم ، فدقت الباب مرة ثالثة فقالوا : عندنا ثلاثة الآف ذهب ، افتحوا الباب او انزلوا منكم من يستلمها على شرط ان ندخل القلعة معكم ونكون كرجل واحد ونضارب الباشا ونخرجه قالوا : فطردناهم ، فأمر الوزير بنفي سبعة من اهل الميدان الى معسكر الخبيث (369) ونفي يكن آغا الى كركوك ، فحدثنا بعد ذلك الثقات الذين كانوا هناك ثم جاءوا الينا تائبين قالوا : جاء الى الخبيث وابن محمد خليل عرض من قومهم الذين في بغداد ممهوراً بمهارته (370) كثيرون يطلبون ان يرسلوا من عسكرهم مقدار ألفين الى بغداد ويكون مجيئهم ليلاً فيفتحون باب البلد لهم ويدخلونهم ويضبطون القلعة ويحاربون الوزير حتى يخرجوه .
   فلما هم الخبيث عجم محمد بأرسال الفرسان المطلوبين رأى المنفيين قد قدموا عليه حفاة غرلاً ، أو كالغرل في الفعل ، فأخبره ان المكيدة التي ( 55 أ ) ارادوها بطلت ، فلا فائدة في الارسال .
  وفي هذه (371) الاثناء جاء كتاب من الاكرم محمد بيك (372) يخبر فيه ان محمود باشا (273) توجه بعساكر كثيرة ، فخرج البيك المنصور (374) بمن معه ، وخرج الكخية ومن معه ، وخرج معهم النجادة جمع كثير ، وجروا معهم اطواباً وقنبراً ، وجاء الى الدجيل وجمع معه جميع العبيد وحلفاءهم (375) ومن

 ************************************************
(368) في الاصل : عجم محمد ، وقد شطب عليه وابدل .
(369) في الاصل : عجم محمد ، وقد شطب عليه وابدل .
(370) جمع عامي لمهر ، وهو بالضم بمعنى الخاتم .
(371) في الاصل : هذا .
(372) هو محمد بك الشاوي المتقدم الذكر .
(373) هو محمد باشا الباباني .
(374) يريد الحاج سليمان بك الشاوي .
(375) في الاصل حلفاءهم .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 129 ـ

والاهم ومشى بالجميع وعبر دجلة فالتقى بعسكر محمود في ام تل .
فصارت جهة الجميع واحدة ، وسار البيك بجميع العسكر فلاقى (376) طليعة عسكر الارجاس مقدار الف فارس من خالص كماتهم وشجعانهم ، ففي اقل من لحظة صاروا طعمة للسيوف وهدفنا للحتوف ، وجاء السالمون منهم وأخبروا عجم محمد بما شاهدوه ، فانتقل نحو المندليج (377) ونزل في عسكره مكان يقال لم ( يدي دكرمان ) (378) ، فجاء عسكرنا جميعه الى المندليج ، وثاني يوم ثار نحو المفسدين بجأش رابط وعقل ضابط ( 55 ب ) ونفوس بجميع صنع الله واثقة ، فلما لاحت جموع المفسدين ، وبانت كتائب المنافقين ، تبادرت جنود الله الغالبون الى اغتناصهم ، ومن يرسي الجبال اذا تزعزعت أركانها (379) ومناكبها ، ويمسك السماء اذا تهاوت نجومها وكواكبها ، ويرد عواصف الرياح اذا استقر سلطانها ، ويتعرض لصدور الرماح اذا استمر مرانها .
  ولما رأى المداثير (380) رجال الدولة مستظلين بظلال الالوية الخانقة بالنصر والاطهار ، الرايات الناطقة بالغلبة والاقتدار ، وشاهدوا فرسان العرب وشجعانها الذين اعربوا عن صفاء عقائدهم في الولاء بما صدقوا من البلاء ، وحازوا محاسن الاختصاص والاصطفاء بما اظهروه من الاخلاص والوفاء ، وابصروا معهم في بقعة واحدة كل سام من بني حام ، حماة الدين والذائدين

 ************************************************
س (276) في الاصل : فلاقاً .
(277) المندليج ، هي البندنجين قديماً ، تحرف اسمها الى المندليجين ثم الى المندليج ، و تعرف اليوم باسم ( مندلي ) ، وهي بلدة قديمة تبعد عن بعقوبة بنحو 39 كيلو متر شرقاً ، وتعد اليوم مركز قضاء باسمها في محافظة ديالة ، انظر ياقوت ، معجم البلدان 1 / 499 وليسترنج : بلدان الخلافة الشرقية ص 88 ومجلة سومر 8 ( 1952 ) ص 277 ـ 278 .
(278) ناحية بالقرب ومن مندلي ، ويعني اسمها بالعربية : الارحاء السبعة .
(379) في الاصل : رعانها .
(380) المداثير : الهالكون .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 130 ـ

عن حزبه وانصار الحق المجردين لتشيده وتعظيمه ، تحققوا أن ( 56 أ ) النافثين في عقدهم والمستكثرين بقليل عددهم خدوعهم بالمحال ، وأوردوهم مشارع الوبال والنكال ، فلم يك الا بما مقدار ما ارفعت اسنة الرماح من احشائهم (381) ، واختضبت ظباء الصفاح بدمائهم (382) ، حتى تزلزلت اقدامهم وتنكست اعلامهم ، وانزجت كماة العرب في نحورهم فاختلطت قنابلها وقبائلها ، وتحصدت الرماح وكلت حواملها ، وتقطعت السيوف فتبددت حمائلها ، واظلم النهار ، وزاغت الابصار ، وعز الثبات ، وخشعت الاصوات ، وطارت العقول ، وحاروت الخيول ، وضاق الخناق ، ومالت الاعناق ، وسالت الاحداق من المحاجر ، وبلغت القلوب لدى الحناجر ، واكتست السماء من القتام ملابس سواد ، وثبت انصار الدين واشياع الحق ثبات اطواد ، وصمت الاسماع من صليل المناصل ، وذبلت النفوس من السمر الذوابل ، وولى الارجاس على اذانهم ، ( 56 ب ) لا يأويهم بلد (383) ، ولا يجريهم من الله احد ، وذا اراد الله بقوم سوءً فلا مرد له ولا لهم من دونه من وال ، فالحمد لله الذي عمر للإيمان رباعه ، واحسن عن الملك دفاعه ، وانتقم ممن عاصاه بمن اطاعه ، وصار جميع معسركهم وخيولهم غنيمة ولم يفلت منهم احد الا ابن محمد خليل والخبيث (384) اذا هربنا قبل اختلاط الفرسان ومشاهدة الشجعان .
   وارسل البيك ممن سلم من المفسدين الى بغداد نحو مائتي اسير ، فامر الوزير المنصور بقتل سبعة كانوا من عتاة المسلمين ومن على الباقين بالاطلاق ، ولما دخلوا بغداد كان الموت اولى لهم ، عراة حفاة بين صفح وضرب ونخس ، وللاولاد خلفهم صياح ، وهو يركضون كطير ذي جناح ، فالحمد لله الذي اعز الدين ، وأضل المفسدين ، والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 ************************************************
(381) في الاصل : أحشاءهم .
(382) في الاصل : دماءهم .
(383) في الاصل لا: يؤويهم .
(384) في الاصل عجم محمد ثم اشطب عليه وابدل .