تاريخ
حوادث بغداد والبصرة
من 1186 الى 1192 هـ / 1772 - 1778 م
النص ـ التحقيق


تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 34 ـ
بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله الناصر لدينه واوليائه ، المعز للحق واهله ، المذل لاغوائه ، الذي جعل النصرة والعاقبة لاهل حقه وطاعته ، وجعل الخزي والذل على اهل الباطل وشيعته ، لم ندرك خيراً الا برحمته ، ولا ندفع شراً الا بنعمته ، وهو ولي التسديد للحسنات والعصمة من السيئات ، قد بحثة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه و آله وسلم ـ واجتباه من افضل عشائر العرب واشرفها منصباً واعرقها كرماً نسباً وأوراها زناداً وارفعها عماداً ، بعث بالنور ساطعاً ، والبحق صاعداً وبالهدى آمراً وعن الكفر زاجراً ، فحج (*) به المنكر وتألف المدبر ، وبلغ عن الله الرسالة ، وهدى من الضلالة ، وانهج معالم الدين ( 1ب ) وادى فرائضه ، وبين شرائعه ، واوضح سننه ، ونصح لامته ، وجتهد في سبيل ربه حق جهاده حتى أتاه اليقين فورثة في ذلك اصحابه الذين هم كالنجوم في الاهتداء بهديهم ، وسفن النجاة لمن سعى كسعيهم ، فلم بهم شعت الدين ، وشيد بهم ركنة المتبن ، فأزداد بهم الاسلام نفراً ، واكتسبت بهم اعداء الدين ذلاً وقهراً ، فلم يلحد في الاسلام ملحد ، ولم يسع في تشتيت الكلمة ساع متمردد ، الا اذله الله واكسبة وباله ، وعجل بواره واستئصاله ، اللهم فصل عليه وعليهم صلاة متدفقة حياضها متأنقة رياضها ، وسلم تسليماً كثيراً ، اما بعد ، فيقول العبد الفقير الى ربه الكريم المنان ، الملتجيئ الى ألطافه الخفية والاحسان ، هذه نبذة ( 2 أ ) من جملة ما ابتلانا الله تعالى به

 ************************************************
(*) لعه يريد : فحاج : اي غلبه في الحجة .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 35 ـ
معاشر اهل بغداد ، وما دفع الله تعالى عنا بمنه وكرمه من السنة السادسة والثمانين [ ومائة الف ] (1) الى السنة الثانية والتسعين (2) ، مما لم يقع في العراق مثلها ، ولم يسمع في الآفاق ما شابه شكله شكلها ، كما (3) ستقع على كنه الخبر ، وليس العيان كالاثر (4) .
ليعم الناظر في هذه
 ************************************************
(1) زيادة يقتضيها السياق ، ويوافق اولها 4 نيسان سنة 1772 م .
(2) الموافق اولها 30 كانون الثاني سنة 1778 م .
(3) لعلها : مما .
(4) كتب المؤلف بعد هذه العبارة ، اهداء مطولاً اهدى فيه كتابه الى والي بغداد الوزير حسن باشا ، ثم شطب عليه ، وحذفه ، وهذا نصه ( خدمت بها من انقشعت بوجود والياً علينا سحابتها المدلهمة ، واندفعت في حكومته فينا كتائبها المدافعة المنضمة ، وبرد بعدله فينا اوارها ، وخدمت بحسن تدبيره الحسن نارها . للوزير الكبير والعلم الشهير الذي ان عدت الوزراء فاز بالقدح المعلى ، وان ذكرت الكرماء فله من بينهم الحظ الاوفى ، الوزير المفخم ، والدستور المكرم ، ساق شوكة بن عثمان ، انسان عين هذا الزمان ، صاحب الخصال الذي يزهو فيها القريض والكمال ، الذي دفع ( 2 ب ) من كامل عليه التقريض ، النجم الذي تعرفه حامل العوالي ، انه القطب والفلك الذي دائرات الليالي لا تدور نحوه من من قرب ، الكريم الذي في كل انملة منه بحر يصب ، والشجاع الذي بكل جارحة منه فيلق لجب :

هو الكريم الذي نيطت تمائمه        على  حلم ابن سرين ( كذا ii)
وفاه على القذا غض المجد طرفه فيه ابصر ، ودفع عن باب العلا بمنحفة فدخله ولا فخر :
من آل عثمان اضحى ساق شوكتها      لـولاه مـا فضلها العالي iiبمشتهر

لـه الـوزارة  اذ قـد جـاءها iiقدر      كـما  اتـى ربه موسى على iiقدر

شـهم يـعز شـجاع بـاسل iiملك      فـي  جـحفل حين تلقاه وفي iiنفر

مـحـافظ  دار الـحفاظ iiعـلى      سـد  الثقور غدا مستوجب iiالشفر
( 3 أ ) قد اينع الندا به غب ذبوله ، وبزغ بدر العطاء بعد افوله ، وأورق شجر الاكارم فغرد طير الشكر على افنانه ، وازهر اصل المفاخم فصدح عندليب الفخر على اغصانه ، قد وافى دار السلام بغداد بعد طول تأود فأقام ما فيها من التأويد ، وتعطلت قبله بئر النوال فأسقى العفاة ( العفات ) من عذبها المورود ، مهد الارجاء ووطدها ، وهدم مباني ذوي الفحشاء وبددها ، الوزير حسن باشا اطال الله بقاءه وعلى امر تقاه ، وأدام ايامه في عز يدوم جماله ، وجلال يتججدد اقباله ، وسعادة ودولة يدوم انتظامها واتساقها بتزايد اشراقها ، آمين ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 36 ـ
الرسالة ان الحق احق ما يتبع الانسان طريقته ، والصدق اصدق ما يشيد به المرء مروءته ، فما خسرت صفقة محق وان اكسد له سوقاً ، ولا ربحت تجارة مبطلٍ لان الباطل كان زهوقا ( 3 ب ) ، والبعد ما زال بعين الله ملحوظاً ومن نقمه محفوظاً ما جعل الحق إمامه والصدق أمامه ، ومن عند الله نسأل توفيقاً ينقذنا من الجهالة ويهدينا عن الضلالة ، ويعنينا على طاعته التي من تحقق فيها اخلاصه ، تعجل من العمة خلاصة ، ومن صح فيها يقينه سلم من الشبهه دينه ان خير موفق ومعين .
اعلم ـ اي اخي ـ ان الدنيا دار نكد (5) ، لم يسلم من مصابها احد ، فبغداد والبصرة وما والاهما كان اهلها بالنسبة الى غيرهما قبل حلول الطاعون فيهما في ارغد عيش واهناه ، واعدل وقت واعلاه ، يد النفاق منهم قاصرة ، وصفقة الشقاق لديهم خاسرة .
سـقى الله ايـاماً حـساناً iiكـأنها      بسرعة ما مرت وميض من البرق
  ولما حل في هذه البقاع الطاعون (6) وانقرض الرجال الصالحون ،

 ************************************************
( 5 ) في الاصل : وان كانت دار نكد . . ، ثم شطب عليها .
( 6 ) وفد الطاعون من استانبول على مدن العراق سنة 1186 هـ / 1772 م ففتك بألها فتكاً ذريعاً ، وقل ان نجت مدينة او قرية من آثاره ، وتدل التقديرات المحلية المرتفعة لعدد الموتى في الموصل وحدها بنحو بألف انسان كل يوم ( ياسين العمري : منيه الادباء ، تحقيق سعيد الديوه جي ، الموصل 1955 ص 188 ومذكرات دومنيكو لانزا ، ترجمة روفائيل بيداويد ، الموصل 1953 ص 13 ) وثل ذلك في كركوك ، وفنى اكثر اهل اربيل ، وامتدت الى تكريت وعانة والحديثة وغيرها ، وكان هوله في بغداد عظيماً ، حين قدر عدد الموتى في اليوم الواحد في اكثر من الف نسمة ( ياسين العمري : زبدة الآثار الجلية ، بتحقيقنا ، النجف 1974 ، من 135 وغاية المرام ، بغداد 1968 ص 321 ، وعباس العزاوي : العراق بين احتلالين ج 6 بغداد 1954 ، ص 43 ) وذكر الكركوكلي ان الطاعون داهم بغداد في اوائل السنة دوحة الوزراء ، ترجمة موسى كاظم نورس ، بيروت د . ت ، ص 143 ) وفي العراق بين احتلالين 6 / 43 ) نقلاً عن معاصرين انه ابتدأ في اوائل شعبان ودام حتى اواخر المحرم سنة 1187 هـ .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 37 ـ
( 40 أ ) ووسد الامر الى غير اهله ، ووضع كل شيئ في غير محله ، زالت تلك المحاسن ، وشربنا بعض الصفاء من الاكادر الماء الآسن ، فكأن تلك الايام كانت سحاباً ثم انقشع ، وكأن تلك الليالي كانت احلاماً ، وتلك المحاسن كانت مناماً ، او كأنها ظل امتد ثم ارتد ، او خيال طرق ثم انطلق ، او نبات نجم ثم انصرم، فتأملت هذه الدنيا في ائتلافها واختلافها ، ومواتها وانحرافها ، ورأيت المغتر بها على شرف غرر (7) ، والعجب بنعيمها على شفا خطر ، والمتعلق بحبالها كالمتعلق بنسيج العناكب بل بأوهن منه واوهى ، والساكن الى قبابها كمعانق الاسد بل اجن واجنى ، ووجدت وصالها فراقاً ، ونفاقها نفاقاً ، وماءها زعاقاً ، (8) وأملاكها طلاقاً .
  ولما عم الطاعون في بغداد كل نادي ، وملأت اعوانه الصحاري والبوادي ، خرجنا معاشر ( 4 ب ) آل السويدي من بغداد ، وخرج معنا وبعدنا من الناس كثيرون ، وخرج ايضاً بعدنا العلامة الشيخ صبغة الله الكردي (9) ـ رحمه الله ـ

 ************************************************
(7) الغرر ، بفتح اوله وثانية : الخطر .
(8) الزعاق الماء المر الغليظ .
(9) هو الشيخ صبغة الله بن ابراهيم بن حيدر بن احمد الحيدري الحسيني ، ولد في ماوران ( من اعمال اربيل ) سنة 1107 هـ / 1695 م وقدم الى بغداد في ايام الوزير احمد باشا بن حسن باشا وهو اول من وردها من بيت الحدرية الشهير بالعراق ، وتقلب منصب الافتاء ، وتخرج عليه علماء كثيرون ، حتى قيل انه( اخذ عنه جميع من عاصره من علماء العراق فلا تجد اجازة علمية عراقية الا تتصل به وتنتهي الى آبائه ) وكان متقناً لعلوم متنوعة ، كالعربية والتفسير والمنطق والحكمة والهيئة وغيرها ، وله تآليف مهمة في معظمها منها حاشية على تفسير البيضاوي ، وحاشية على حاشية عصام الدين على شرح الجامي للكافية ، وحاشية على حاشية جده احمد بن حيدر المسماة بالمحاكمات وكانت وفاته بالطاعون سنة 1187 / 1773 م ( عصام الدين عثمان العمري : الروض النضر ، تحقيق سليم النعيمي بغداد 1975 / ص 3 / 21 ومحمد الغلامي : شمامة العنبر ( مخطوط ) وابراهيم فصيح الحيدري ، عنوان المجد بغداد د . ت ص 123 وعباس العزاوي : تاريخ الادب العربي في العراق ، بغداد 1962 ص2 / 129 ،

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 38 ـ
بعياله واتباعه ، وكان والي بغداد يومئذ عمر باشا ( 10 ) يغضب على من يريد الخروج من بغداد ، وكانت الناس لا تطيعه في ذلك ، وكانو يهربون من الوحشة التي وقعت في البلد مع علمهم بأن الاجل بيد الله ، والخروج لا يدفع ما قدره الله .    وكان خروجي اولاً الى قصبة سيدنا الحسين ( 11 ) بعيالي جميعهم ، س ولما وقع فيها الطاعون انتقلت الى الحلة ، ولما وقع فيها الطاعون وضعت عيالي في سفينة وانحدرت الى البصرة ، وقد كنت قبل هذا اتمنى رؤية البصرة لعلمي انها كانت دار حديث ، وقصداً للتبرك بمواضع اقدام اولئك الاجلاء

 ************************************************
وتاريخ علم الفلك ، بغداد 1985 ص 262 وديوان العشاري ، بتحقيقنا بالمشاركة ، بغداد 1677 ص 87 )وينفرد عثمان بن سند بأنه توفي سنة ( 1190 هـ / 1776 م ) ، انظر مطالع السعود ص 72 ( مخطوط ) ومختصره لامين الحلواني ، القاهرة 1371 ص 27 .
( 10 ) من ولاة المماليك في بغداد ، ترقى في المناصب حتى صار ( كتخدا ) لسليمان باشا ابن ليلة اول ولاة المماليك ، عرف ببطشه ودهائه وطموحه ، فعندما عين زميله علي باشا الكتخدا والياً على بغداد سنة 1176 هـ / 1762 م قاد هو حركة شغب انتهت بمقتل علي باشا وتوليه الحكم مكانه سنة 1177 هـ / 1763 م ، ثم قام بحملات عسكرية لضرب القبائل العربية القوية ، فنكل بالخزاعل سنة 1181 هـ / 1767 م وبطش بالقبائل المنتفق سنة 1182 هـ / 1768 م ، ومارس ضغطاً سياسياً على الجليلين ولاة الموصل ، الا ان حدوث الطاعون الهائل سنة 1186 هـ / 1772 م وغزو الايراني للبصرة سنة 1189 هـ / 1775 م اضعفا من سلطته ، وفسح المجال لمناوئيه للعمل ضدة ، وسيذكر المؤلف فيما يأتي اخبار هذا الوالي حتى مصرعه سنة 1190 هـ / 1776 م وهو زوج عائشة خانم بنت احمد باشا والي بغداد الاسبق ، انظر رحلة نيبور الى بغداد ، ترجمة مصطفى جواد ، مجلة سومر 20 ( 1964 ) ص 65 ودوحة الوزراء 137 ـ 153 ، وزبدة الآثار الجلية 120 ومطالع السعود 31 ( مخطوط ) ومختصره للحلواني 9 ـ 10 ومحمد ثريا : سجل عثماني ، استانبول ، 1308 ـ 1311 هـ في 3 / 593 وسليمان فائق : تاريخ المماليك الكوله مند في بغداد ، ترجمة محمد نجيب الارمنازي ، بغداد 1961 ص 26 ـ 27 .
( 11 ) يريد مدينة كربلاء .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 39 ـ
( 5 أ ) فدخلتها واستقبلني من اهلها العلماء العاملون ، والرؤساء الفاضلون ، وانزلوني في المنزل الرحب ، وشرعوا في اكرامي ، وقد كنت افلس من ابن يوم ، ومن حجام سباط ( 12 ) بين القوم ، فلم يمض لي فيها نحو ستة ايام حتى صرت في حال اهل الرفاهية في مأكول طيب ، وشروب طيب ، وملبوس فاخر ، ومركوب زاهي زاهر ، وكيس ملآن ، وجوار وغلمان ، ورأيت فيها الدين ظاهراً والاسلام باهراً ، ورايت من العلماء جماً غفيراً ، ومن الصلحاء جمعاً كثيراً ، ورأيت علمائها جل اشتغالهم في النقول ، من نحو وصرف وبيان وفقه وحديث وأصول ، ورأيت فيها من حفظ الكنز (13 ) والهاملية ( 14 ) وسائر المنظومات الشرعية ، فأعجبني اشتغالهم وتأنست بهم وتأنسوا بي ، وسألني طلبتهنم الدرس ، فعقدت له درساً صباحاً في سائر الفنون وشرعت في قراءة حديث البخاري في مسجد القبلة عصراً وكان المستمعون ( 5 ب ) للحديث الفاً او يزيدون ، وبقيت مشتغلاً فيها من اهل العلم مدة ، ووقع الطاعون ( 15 ) ، فخرجت بعيالي الى قصبة سيدنا الزبير ( 16 )

 ************************************************
(12) من الامثال السائرة ، وسابط كسرى موضع كان بالمدائن ، قيل ان حجاماً فيه كان يحجم الناس بنسيئه ، فأن لم يجئه احد حجم امه حتى قتلها ( ياقوت الحموي : معجم البلدان ، بيروت 1957 ، 3 / 166 ) .
(13) كنز الداقائق للشيخ ابي البركات عبد الله بن احمد المعروف بحافظ الدين النسفي المتوفي سنة 710 هـ / 1310 م وهو من المتون المشهورة في فروع فقه الحنفية ، كشف الضنون استانبول ص 1515 .
(14) المنظوعة الهاملية في فروع فقه الحنفية لابي بكر بن بن علي بن موسى الهاملي الحنفي اليمني المتوفى سنة 769 هـ / 1368 كشف الضنون 163 ، 1868 .
(15) تبالغ الروايات المحلية في تقدير عدد الموتى بسبب الطاعون ، حيث تذكر انه احصي من مات فيها فبلغوا ثلاثمائة وخمسين الفاً ) وانه لم يبق نها الا القليل ( عثمان ابن بشر الحنبلي : عنوان المجد في تاريخ نجد ، بغداد 1328 ، ص 41 وابراهيم بن صالح بن عيسى ، تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ، الرياض 1966 ، ص 115 ) .
(16) الزبير : بلدة تبعد عن البصرة بنحو 17 كيلو متر تقريباً غرباً ، ابتدأ تكونها

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 40 ـ
فأنكب علي اهلها ، واستروا بقدومي عليهم واكرموني بما قدروا عليه ، وسألوني ان اقرأ الحديث ، فقرأنا البخاري كل عصر في جامع سيدنا الزبير حتى وقع الطاعون في القصبة ( 17 ) ، فخرجت الى الكويت وخرج معي جماعة .
والكويت ( 18 ) بلدة عن ساحل البحر ، وكانت المسافة ستة ايام براً ، فدخلتها واكرمني اهلها [ اكراماً ] عظيماً ، وهم اهل صلاح وعفة وديانة وفيها اربعة عشر جامعناً وفيها مسجدان ، والكل في اوقات الصلوات الخمس تملأ من المصلين ، اقمت فيها شهراً لم اسئل فيها عن بيع او شراء ونحوهما ، بل اسئل عن صيام وصلاة وصدقة ،وكذلك نساؤها ذوات ديانة في الغاية ، وقرات فيها الحديث في ستة جوامع ، نقرأ في الجامع يومين ( 6 أ ) او ثلاثة ( 19 ) فضيق من كثرة المستمعين ، فليتمسون مني الانتقال الى اكبر منه ، وهكذا حتى استقر الدرس في جامع ابن بحر ، وهو جامع كبير على البحر ( 20 ) ،

 ************************************************
سنة 979 هـ / 1571 عندما انشأت السلطة العثمانية مسجداً على ضريح للصاحبي الزبير بن العوام كان هناك ، ثم اخذ الناس يقصدون ذلك المسجد ويسكنون بجواره ، وسميت البلدة بأسمه : الزبير ، وفي عام 1211 هـ 1797 م امر والي بغداد سليمان باشا الكبير بأنشاء سور للبلدة حماية لها من الغزوات الوهابية انذاك ، كما سكنتها في الفترة نفسها اسر نجدية عديدة مما انمى البلدة ووسعها ، دوحة الوزاء 218 وحسين خلف الشيخ خزعل : تاريخ الكويتي السياسي 1 / 93 .
(17) قدر عدد من مات من اهل الزبير بسبب الطاعون نحو ستة الالف نسمة ، ابراهيم بن صالح ، المصدر السابق ، ص 115 .
(18) تأسست مدينة الكويت ، على ارجح الروايات ، في الربع الاول من القرن الثاني عشر للهجرة ( الثامن عشر للميلاد ) ، وكان نيبور الذي زار الكويت بعد المؤلف بثلاثة اعوام قد اشار اليها بأنها مدينة تجارية عامرة ، انظر عبد العزيز الرشيد : تاريخ الكويت ، بيروت 1971 ص 31 .
(19) في الاصل : ثلاثاً .
(20) من اقدم مساجد الكويت ، او اقدمها جميعاً ، وهو ما زال عامراً حتى اليوم ، ويقع على سيف البحر .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 41 ـ
كجامع القمرية في بغداد ( 21 ) ، وجاء الطاعون اليها لكنه لم يكبر ولم تطل ايامه .
  ولما توارت الاخبار بأنقطاع الطاعون عن البصرة ، اردت الرجوع اليها فقدموا لي سفينة كبيرة وأنزلوني انا وعيالي ، لم ينقص الطاعون ببركة حديث المصطفى منا احد ، ونزل في المركب معي من اكابر الكويت اناس بقصد التبرك بخدمتي ورفقتي ، ونزل معي جميع ما كان في الكويت من اهل البصرة بلا نولٍ ( 22 ) وصاحب المركبة يخدمنا بنفسه .
   وجرينا ببركة الله تعالى ونحن في احسن عبادة مشغولون نهارنا بمذاكرة العلم وتعليم البحرية الذين معنا امور دينهم ، ولم يتفق لنا يوم نكرهه ، ولم يتفق انا صلينا احدى [ الصلوات ] ( 23 ) الخمس فرادى من حيث نزلنا في المركب الى حيث خرجنا ، وكانت نيتي ان لا اقيم ( 6 ب ) في البصرة الا قدر انتظار الرفيق لقطعنا بأن الطاعون ارتفع من بغداد .

 ************************************************
(21) رجامع القمرية ، ضبطه المؤلف بفتح اوله ، والمشهور بضمه وسكون الميم وكلا الضبطين صحيح لانهما يرتقيان الى ما قبل تأسيس الجامع نفسه ( انظر علي البنداري : دولة آل سلجوق للعماد الاصبهاني ، ليدن ، ص 249 وتاج العروس ، مادة قمر ) وهو ثاني اقدم جامعين باقيين ببغداد ، اذ شرع الخليفة الناصر لدين الله ( 575 ـ 622 هـ / 1180 - 1225 م ) واتمه المستنصر بالله سنة 626 هـ / 1228 ، وألحقت به دار للقرآن واخرى للحديث ، ثم جرت عليه ـ بعد ذلك تعميرات عدة منها سنة 667 هـ / 1228 ، والحقت به دار للقرآن واخرى للحديث ، ثم جرت عليه ـ بعد ذلك ـ تعميرات عدة ، منها سنة 667 / 1268 على يد علاء الدين الجويني صاحب ديوان العراق ، وسنة 1054 / 1644 م على يد والي بغداد دلي حسين باشا ، سنة 1179 هـ 1765 بامر عائشة خانم زوجة عمر باشا والي بغداد سنة 1030 هـ / 1815 م على يد الوالي سعيد باشا ، وما زال هذا الجامع قائماً عامراً ، وموقعه على شاطئ دجلة الغربي ، قرب ثانوية الكرخ للبنين مقابلاً لمنشآت السراي على الجهة الاخرى من النهر ، محمود شكري الآلوسي : مساجد بغداد وآثارها ، بتهذيب محمد بهجة الاثري ، بغداد 1925 ، ص 114 وكتابنا : مساجد بغداد ، ج2 ( مخطوط ) .
(22) النول : العطاء .
(23) زيادة يقتضيها السياق .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 42 ـ
فلما قطعنا البحر نزلنا ليلة وصولنا البصرة في السراجي (24) وألزمني أهلي بأن اتركهم في السراج واذهب بنفسي صباحاً ارتاد لهم منزلاً لان منزلنا السابق كان في [ محلة ] (25) القبلة ، واهلها واكثرهم ابادهم الطاعون ، فخافو ان تصيبهم عين ، فسرت صباحاً انا وخادم لي ووصلنا الى سوق قهوة التجار فلم نرا احداً ، فجلست في السوق انتظر من يمر علي لاسأله عن منزل مناسب فأذا برجلٍ من اخص احبائي واشفقهم علي واكثرهم صلة يقال له الحاج بكر بن الملا ، ففرح بسلامتي وانا بسلامته افرح منه ، وذهب بي الى منزله واعطاني دار بقرب داره ، بما فيها من اثاث وغيره كان لبعض من ورثتهم ، ورغم غلمائه بكنسها وتنضيفها ، فأرسلت على اهلي من جاء بهم ، والتزم ـ حفظه الله ـ بطعامي ظهراً ومغرباً ( 7 أ ) ينقل الي من بيته ما يكفي لاهلي وخدامي وخطاري (26) الطعام الفاخر الهنيئ .
   ولما اردنا الرفيق الى بغداد ، اخبرنا اهل البصرة ان الطريق مخوف في الغاية ، وان قلعة القرنة (27) خراب ، احرقت بيوتها العرب ، واكثر اهلها

 ************************************************
(24) السراجي : قرية عامرة تبعد عن البصرة بنحو ميلين ، كانت تتخذ مرفاً لرسول السفن الكبيرة ، ومنها كانت تنقل البضائع ، والركاب احياناً ، بزوارق اصفر عن طريق نهر متفرع من شط العرب يسمى السراجي ايضاً ، وهو الذي سلك المؤلف ، وكان في المرفى حصن كبير لحمايته .
(25) زيادة يقتضيها السياق .
(26) خطاري : ضيوفي .
(27) القرنة : بلدة تقع في شمال البصرة ، عند ملتقى دجلة الفرات تقريباً ، لم يذكرها احد من البلدانين العرب ، وورد اسمها في رحلة البرتغالي مجهول سنة 1555 ثم توالت اشارات السياح اليها بعد ذلك ، وخلاصة ما ذكروه انها ( قلعة ) عند ملتقى دجلة والفرات ، وردد بعضهم اسطورة تفيد بأن في موقعها كانت جنة عدن ( ليسترنج : بلدان الخلافة الشرقية ، وترجمة بشير فرينسيس وكوركيس عواد ، بغداد 1954 ، ص 46 ـ 47 ) وشيد علي باشا آل افرسياب حاكم البصرة المستقل في القرنة قلعة ، في اوائل القرن السابع عشر ، سميت بالعلية نسبة اليه ، ثم زاد ابنه حسين باشا ( 1057 ـ 1066 هـ / 1647 - 1655 م ) عمرانها ، فجعلها ثلاث قلاع ( كل واحدو منها محيطة بالاخرى وبينهما فرجة صالحة للمقاتلة ويحيط بثلاث جوانبها الشط والجانب الاخر خندق عظيم ، واسوارها من الطين والتراب . .) فتح الله الكعبي : زاد المسافر ولهفة المقيم والحاضر ، بغداد 1958 ، ص 39 ، ويبدو ان القرنة تدهورت في الفترة التي مرة بها المؤلف ، حيث وصفت بأنها قرية صغيرة رثة ، لها من جهة البر سور مضاعف مشيد بالآجر النيئ ، وانها قليلة السكان ، وتتخذها قوات من الانكشارية ( قدرهم نيبور بخمس اورطات اي فرق ، وهو رقم كبير ، يحصلون للحكومة على الرسوم الكمركية المفروضة على السفن ( مشاهدات نيبور في رحلته من البصرة الى الحلة ، ترجمة سعاد العمري ، بغداد 1955 ، ص 66 وجاكسون : مشاهدات بريطاني ، ترجمة سليم طه التكريتي ، بغداد د ، ت ، ص 40 ،

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 43 ـ
بالطاعون ، فبقينا ننتظر الفرج ، وأيت اخواني الذين تركتهم في البصرة قد افانهم الطاعون خصوصاً اهل [ محلة ] القبلة ، واخبرني الحاج بكر ان جميع من كان يحضر درسي في مسجدها مات ، فعاهدت ربي اني لا ادخل محلة القبلة لتكدري برؤية آثار تلكم الاجلة ، ورغبني الحاج بكر في المقام في البصرة ، وذلك رغبني الشيخ درويش آل عبد السلام (28) رئيس الكواوزة (29) لعدم من عنده اوفى فقهاً في البصرة ، وانا استوفي لهما الامر وقصدي بغداد .

 ************************************************
(28) هو الشيخ درويش باش اعيان البصرة ، المتوفي سنة 1195 هـ / 1780 م ، ابن الشيخ انس ابن الشيخ درويش ابن الشيخ احمد ابن الشيخ عبد السلام الثاني من اسرة باش اعيان العباسية للبصرة ، عرفه بموقفه النبيل ومساعدته لمتسلم البصرة سليمان اغا ( سليمان باشا الكبير فيما بعد ) وفي الدفاع عن البصرة عنى حصار الزنديين لها سنة 1188 هـ / 1774 م .
وقد اشاد نيبور بمساعدته تلك وبتعاونه مع سليمان بك الشاوي امير قبيلة العبيد في ذلك الظرف ، انظر : لمحة عن تاريخ آل باش اعيان في البصرة ( مخطوط في مكتبة عباس العزاوي ) ص 15 ـ 16 وعبد القادر باشا اعيان : موسوعة تاريخ البصرة الكبير ج 42 و 25 ق 1 و 3 ( وهو مخطوط في المكتبة العباسية بالبصرة ) وديوان العشاري ص 246 ـ 265 .
(29) الكواوزة : هم آل باش اعيان في البصرة ، والكواز لقب المشيخ محمد امين ابن حسن بن محمد الشافعي الشاذلي مؤسس الطريقة الكوازية .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 44 ـ
منصب القضاء وتولية المدرسة الخليلية ، وكذلك المتسلم رغبني في قضاء البصرة فأمتنعت ، ولم يزل الشيخ درويش يرغبني في التدريس ويذكر جهات المدرسة حتى رغبت ، وألبسني المتسلم خلعت التدريس فرجية خضراء .
   ودرست في الخليلية سبعة ايام ثم ذكرت بغداد ، فأمتنعت وسكت الشيخ درويش عني وانا فرح بسكوته ، فأذا قد عرض مع المستلم الى عمر باشا يطلبان منه امري بالقضاء والتدريس وانا لم اشعر ، فبعد ايام جاء فرمان (32) عمر باشا يأمرني بقبول ذلك ، فأردت من جهة القضاء ان اهرب الى الكويت لاكن تذكرت ان عمر باشا رجل ظالم غشوم اخشى ان يبطش بعشيرتي في بغداد انتقاماً مني (33) فأمتثلت الامر ( 8 أ ) وألبست خلعة القضاء فروة قاقومية (34) ، وبكى حينئذ جميع عيالي كراهة للمقام في البصرة ، لا سيما وهي كانت مموحة (35) ، فقلت لهم لا تبكوا انا ارسلكم الى بغداد وابقى وحدي فلعلكم

 ************************************************
(32) الفرمان ، فارسية ، وتعني امر الملك والعهد ، وتطلق على الاوامر والكتب الصادرة عن السلطان وحده ، فأطلاقها على عمر باشا غير دقيق ، والصواب ان يسمى ( بيور اولدي ) وهي كلمة تركية معناه ( امر بـ ) بصيغة المجهول وتطلق على الاوامر المكتوبة التي كان يصدرها الصدر الاعظم والوزراء والولاة وامثالهم تميزاً لها عن اوامر السلطان المسماة ( فرمانات ) ( وفرامين ) .
(33) في الاصل : انتقاماً لي .
(34) الفروة : الرداء المتخذ من الفراء او المبطن به ، ولعله يشير الى الكرك ، وهو نوع من الالبسة الثمينة يشبه الفرجية ، مبطن بفراء بعض الحيوانات النادرة ، والقاقوم ، او القاقم : حيوان ببلاد الترك على شكل الفارة الا انه اطول ( المصباح المنير ) .
(35) مموحة : اي ان فيها الموح ، وهو الفيضان ، وتكون ماء الموه من مياه الاهوار الواقعة في غرب البصرة ، ويتراوح عمقه بين خمسة سنتمترات الى المتر الواحد ، وعندما يجف اكثره يعتدل جو البصرة ، وقد احتمى اهل البصرة منه بسداد ، واستفادوا منه بزراعة النخيل ، وانظر : احمد نور الانصاري : النصرة في اخبار البصرة ، تحقيق يوسف عز الدين ، بغداد 1969 ، ص 30 و 37 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 45 ـ
هناك تصنعون لي فرجاً (36) .
وبعد ايام قليلة انفتح طريق بغداد من ناحية الحلة ، فأرسلت الجميع في سفينة ، وبقية وحدي ، وليس في البصرة من طلبة العلم باقياً (37) من حرب الطاعون سوى السيد ياسين مفتي الشافعية في البصرة (38) ، فلذلك كنت اشتاق الى بغداد ، وكان يخطر في البال ان حال بغداد بعد الطاعون كحال البصرة ، وحب الوطن يدفع هذا الخاطر ، وقد انشأت اشتياقاً الى بغداد لنفسي :
الــى  بـغداد اشـتاق iiاشـتياقاً      فـقـدم لـي ابـا فـرج iiالـنياقاً
وسر بي    فـي ظـلام الليل iiعسفاً      ولاتنظر   ( 39 )  لمسراك iiالرفاقا
فـمـثلي غـير مـنتظر iiرفـيقاً      اذا  مـا الامـر كـان علي iiضاقا
( 8 ب )

وسـر بي يا ابا فـرج iiزميلاً      وان تـسرع فـقد نـلت iiالـعتاقا
ذكـرت  أحبتي  فأزداد  iiشوقي      وقد بلغت من المقبة الفواقا  (40)
ذكـرت  الـخلد والارواح iiتجري      بــه والـمـاء يـندفق iiانـدفاقا
فـهل مـن شـربه اطفي iiغرامي      بـها  مـن مـاء دجلة حيث iiراقا

 ************************************************
(36) اشار الى هذه المحادثة في مجموعة منشآته ( مخطوط )
(37) في الاصل : باق .
(38) يذكر ميبور ان سليمان باشا اول ولاة المماليك حصر منصب افتاء الشافعية بأحدى الاسر المتحدرة من آل الرسول ( ص ) .
(39) في الاصل : تنتظر .
(40) امتق في الضرع شربه كله ، والفواق : ما يأخذ المتحضر عند النزع .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 46 ـ
اليه حالي ، واني في هذا البلد غريب فريد لا زوجة لي ولا جارية ، وجميع من تركني ، فقطع أملي : وقال ان الوزير ان عمر باشا ( 9 أ ) قد جعلك بصرياً ، وبغداد ليست ( 44 ) كما تعهد قبل الطاعون ، تبدلت رجالها ، فتغيرت احوالها ، فتزوج هنا ونحن معاً متأنسون ، فتزوجت امراة دينة عفيفة من ذوات الخدور ـ رحمها الله تعالى ـ وبقيت مقدار سنتين ، وسليمان اغا يبالغ في اكرامي واحترامي ، حتى انه كان ( 45 ) يأتيني للمعايدة ايام العيد بيوم مستقل ، ويأتي جميع الاعيان في يوم اخر ، ويقول لي : هذا لاكرامك : والا فالطريقة هنا انه مع الاعيان في يوم واحد .
   ثم اني بعد زواجي رضيت بالمقام في البصرة ، فبينما انا جالس ذات يوم اذ دخل علي اعجمني من اهل شيراز يطلب ميراث اخيه وقد مات ايام الطاعون في البصرة ، وماله محفوظ عند وكيل بيت المال ، فأخذت بيده وساعدته وسلمته مال اخيه ، وصارت لي معه صداقة كلية ، فلما ذهب الى شيراز أرسل الي مكتوباً يخبرني ان كريم خان يريد ان يرسل عسكراً لتخسير البصرة ، فخذ حذرك ودبر امرك ( 46 ) ، فقلت في نفسي ( 9 ب ) : ان ظهرت هذا الكلام ربما يكون كذباً او وهما من عند صاحبي وأفشل ، ولم آمن حينئذ من مؤاخذة الوزير فكمته ، ولكني راسلت اهلي الذين هم في بغداد ليأخذوا حذرهم اذا ربما يكون سفر العجم الى بغداد لا الى البصرة ، وأمرتهم بالكتمان ،

 ************************************************
(44) في الاصل : ليس .
(45) جاء في الاصل بعد قوله حتى انه ( حفظه الله تعالى ) ثم شطب عليها وكتب فوقها ( كان ) .
(46) كانت الشائعات عن عزم الفرس غزو البصرة تتردد بأستمرار منذ كانون الثاني عام 1774 م (اواخر 1187 هـ ) مما دفع بوكلاء شركة الهند الشرقية البرطانية الى حث شركتهم مراراً ، من ذلك التاريخ ، لاتخاذ موقف محدد عند وقوع ذلك ( انظر ، عبد الامين محمد امين : المصالح البرطانية في الخليج العربي 1747 ـ 1778 ، ترجمة هاشم كاطع لازم ، بغداد 1977 ، ص 183 ـ 184 ) ويبدوا ان هذه الانباء بقيت بعيدة عن اذهان رجال الحكومة ببغداد ، حتى وقوع الحصار نفسه .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 47 ـ
وباشرت من حينئذ اسباب الخلاص من القضاء في البصرة حتى [ اذا ] (47) مضى نحو سبعة اشهر جاء المبشر بخلاصي ، وان الوزير خيرني به المقام هناك والقدوم الى بغداد ، فأخترت بغداد ، فمنعني المتسلم المذكور (48) وغالب اعيان البصرة من الخروج من محبتهم لي وعدم مودتهم بعدي ، وقالوا : نخشى ان لا ترجع ! فأبقيت فيهم اهلي واثاثي فطمأنو بذلك ، واخبرت زوجتي اني هارب من العجم ، فأذا جاءوه فحالك حال نساء الاعيان .
   فخرجت من البصرة ، فلما وصلنا الى السماوة (49) لحقنا الخبر ان خبر العجم شاع في البصرة ، وهم في تداريك الحصار ، فلما دخلت الحلة شاع عند الناس ( 10 أ ) ان البصرة حوصرت وانقطع الطريق .
   ومن اقوى الاسباب لاخذ العجم البصرة ، ان عمر باشا لم يصدقه

 ************************************************
(47) زيادة يقتضيها السياق .
(48) ورد في الاصل بعد كلمة المتسلم قوله ( حفظه الله) ثم شطب وكتب في الهامش ما أثبتناه .
(49) السماوة : مدينة تقع على عمود الفرات بين الديوانية والبصرة ، في أرض عرفت بهذا الاسم منذ ما قبل الاسلام ( ياقوت : معجم البلدان 3 / 245 ) ومن المرجع انها تأسست في حدود 900 هـ / 1494 ولم تكن عند تأسيسها غير قلعة أو قرية بسيطة تقع على الجهة اليمنى من فرات الرماحية ( شط العطشان ) ، ثم دب فيها العمران بعد سنة 1112 هـ / 1700 بسبب تحول نهر الفرات اليها ، واصبحت قاعدة لقبيلة الخزاعل ومراكزاً لجبايتهم ، وكان ايفز الذي مر بالبلدة سنة 1785 م / 1172 ، اي قبل مرور المؤلف بها نحو 17 عاماً ، وقد وصفها بأنها بلدة مسورة بالطين ولا يختلف هذه الوصف عما ذكره نيبور الذي مر بها سنة 1179 هـ / 1765 ، ولكنه اشار الى ان طاعوناً اباد جميع سكان القرية تقريباً قبل عدة سنوات من زيارته لها هو طاعون آخر غير الذي وصف المؤلف ، وانظر حمودي الساعدي : مدينة السماوة ( مجلة البلاغ البغدادية 5 ( 3 ، 1975 )ص 75 ـ 68 ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 48 ـ
السلطان (50) بخبر العجم ولا بحاصرهم البصرة ، وصدق بعض اضداده من الوزراء حيث أخبروا بأن العجم مفتتنون مع الأكرد ، وان عمر باشا من طعمه جعل نفسه في هذه الفتنة ، ولا قصد بالعجم معنا ، بل انما عركتهم ( 51 ) مع الكرد من جهة بعض المراعي (52) ، وصحح هذا الخبر عند السلطان ان كريم خان ، وهو محاصر البصرة ، أرسل أليلجيا (53) الى السلطان يشكو منن عمر باشا يتذلل وخضوع ، وانه كان يريد غزوا بلاد النعمان من طرف البصرة فمنعه باشا من ذلك .
   وان عسكر كريم خان الى الآن (54) هم نازلون قبال البصرة على شط

 ************************************************
(50) عبد الحميد الاول بن احمد ( من 8 شوال 1187 الى 11 رجب 1203 هـ / 1773 ـ 1778 م ) .
(51) تعبير عامي يريد عراكهم .
(52) كانت الدولة العثمانية قد بعثت ( وهبي افندي سنبل زادة ) سفيراً لها الى ايران لاستجلاء حقيقة الامر ، وانهاء الازمة ، وقد قدم السفير تقريره الذي وضعه بالتعاون مع والي بغداد وفيه تأيد لوجه النظر الاخير في ضرورة اعلان الحرب ، ونضراً لان الدولة قد فقدت ثقتها بنظام المماليك في بغداد فأنها لم تكتفي لما جاء في ذلك التقرير ، بل طلبت تقارير من محافظ مدينة قارص الوزير احمد عزت باشا ووالي شهرزور سليمان باشا الجليجي عن موضوع نفسه ، وقد رفع الاخير تقريراً مطولاً اعد بالتعاون مع والده امين باشا في الموصل ، وضع فيه المسؤلية على عاتق عمر باشا وحده ( انظر خلاصة التقرير في تاريخ جودت )2 / 43 ـ 44 ) ويبدوا ان هذا التقرير لم يكن سوى الحجة الرسمية التي اتخذها الدولة مبرراً للعمل ضد عمر باشا والقضاء على نظام المماليك برمته ، التفاصيل في كتابنا : الموصل في العهد العثماني ، فترة الحكم المحلي ، النجف 1975 ، 130 ـ 134 .
(53) ايلجي ، والاصح ، آلجي : كلمة تركية من مقطعين ، آل وتعني السلم او التحالف ، وجي ، اداة تركية تدل على الحرفة ، وهي تعني رسول الكلام اوسفير او وزير مفوض .
(54) حاصرت جيوش كريم خان البصرة في 7 نيسان 1775 م 4 صفر 1189 هـ ) لوريمر : دليل الخليج القسم التاريخي ) ا / 236 .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 49 ـ
العرب ، فكان لذلك كلما يرسل عمر باشا يستمدهم بعساكر يرسلونه له : لا تفتح باب العجم واسلك بالتي وهي احسن ، والناس لا خبرة لهم بما بين عمر باشا وبين الدولة ، وينسبون عمر باشا الى العجز تارة والى الخيانة تارة ، واهل البصرة يستغثيون ولا يغاثون ( 10 ب ) ويستنصرون ولا ينصرون ، وهم كل يوم بل كل ساعة في جهاد مع عدوهم وقتال ، وبقوا محاصرين اربعة عشر شهراً ، ونالوا من الجوع ما لم ينله احد ، واكلوا من الاضطرار جميع ما يقيت ، من حيوان وغيره مباح اكله او منهى عنه ، وعمر باشا لم يزل يكاتبهم ويعدهم الفرج ، حتى جاءته اخبار من الدولة تتضمن تصديقهم اياه بخبر العجم ، وانهم مرسلون اليه ببشوات وعسكر .
   فبعد ايام جاء من الروم (55) الى بغداد عبد الله باشا (56) وعبدي باشا (57) ومصطفى باشا (58) ، وطابت بقدومهم نفوس اهل بغداد ، وقالو :

 ************************************************
(55) الروم اصطلاح عثماني اريد به الترك ، وبلاد الروم من آسيا الصغرى او الاناضول .
(56) هو الوزير عبد الله باشا الملقب بـ ( اوزون ) اي الطويل ، وكان والياً على ديار بكر ، ويذكر الكركوكلي انه قدم على رأس ثلاثة آلاف جندي ( دوحة الوزراء 152 ) .
(57) هو عبدي باشا بن سرخوش علي باشا ، كما سماه ياسين العمري في غاية المرام 187 والدر المكنون ( مخطوط ) وزبدة الآثار الجلية 240 ، وفي سجل عثماني لمحمد ثريا اسمه : عبدي باشا قوجه ( 3 / 411 ) وستأتي ترجمته عند ورود خبر توليه بغداد .
(58) هو مصطفى باشا الاسبيناقجي او الاسبيناخجي ( اي بائع السبانخ ) وفي سجل عثمان ( 4 / 477 ) اسمه : مصطفى باشا حافظ اسبيناقجي زاده ، بدأ حياته قبوجياً ( رسولاً سلطانياً ) ثم نال رتبة مير ميران ، وفي 1183 هـ / 1769 م صار والياً على ارضوم ومخافظاً لجلدر ، وتولى دمشق سنة 1186 هـ / 1772 م ، ثم نقل الى قونيه سنة 1187 هـ / 1773 م وعزل سنة 1188 هـ / 1774 م وتولى بغداد ـ كما سيأتي ـ سنة 1190 هـ / 1776 م ، وذكره رسلان بن يحيى القاري في كتابه ( الوزراء الذين حكموا دمشق ) بقوله : كان حاكماً عادلاً ذا مال ، وحجج الحاج من ماله وما ظلم أحداً ، ولكن اسمه تصحف فيه الى السبايكجي ، وصوابه : السبانكجي ، المحرفة من السبانخجي ( ولاة دمشق في العهد العثماني ، جمع وتحقيق صلاح الدين المنجد ، دمشق 1949 ، ص 84 ) وفي قائمة ولاه بغداد ( مخطوطة في مكتبة الاوقات ببغداد ) انه تولى بغداد سنة 1188 هـ ، وهو خطأ .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 50 ـ
خلصت البصرة من ايدي العجم ، فبعدوا أيام أظهروا عزل عمر باشا واشاعوا ان قد صار الصلح من العجم من طرف الدولة ، وانهم سيقومون عن البصرة .
   وخرج عمر باشا وبنى (59) ،خيامه عندنا (60) في الجانب الغربي ، وولى السلطان على بغداد مصطفى باشا (61) ، فبعد ايام خرجت عساكر البشوات الى معسكر عمر باشا ليلاً وأحاطوا به ، ولما اصبحوا ( 11 أ ) بيَّنوا فرماناً برأسه ، فقتلوه (62) ، ولم يقرب مصطفى باشا من اتباع عسر باشا أحداً ، وأجلى
 ************************************************
(59) في الاصل : بنا .
(60) سيذكر المؤلف في مواضع متفرقة من كتابه انه من سكنة الجانب الغربي ، وكانت دور السويديين تقع في محلة خضر الياس من ذلك الجانب ، وقد حدد صاحب دوحة الوزراء ( ص 153 ) موضع خيام عمر باشا بأنها ( المنطقة ) من غربي بغداد ، وكانت ولاة بغداد يضربون خايمهم فيها للنزهة او للصيد او عند شعورهم بالخطر على انفسهم ، كما يحدث على الاوبئة والثورات ، او لاستعداد لطريق عن عزلهم عنها .
(61) في سجل عثماني 4 / 447 ان مصطفى باشا تولى بغداد في رمضان سنة 1190 هـ / ( 1776 م ) بينما يذكر الكركوكلي انه تولاها منذ بداية السنة المذكورة ( دوحة الوزراء ص 156 ) .
(62) يتفق ياسين العمري ( زبدة الآثار الجلية 141 وغاية المرام 186 ) وابن سند البصري ( مطالع السعود 33 مخطوط ومختصره للحلواني 10 )على ان قتل عمر باشا كان من فعل بغض عساكر مصطفى باشا ، فأنه ضربه بالسيف وقطع رأسه وحمله الى عند الوزراء ، فأرسلوه الى الدولة .
ولكن العمري يصرح بأن قتله كان بعد ان اخرجو فرماناً بذلك واظهروه للناس ، بينما يرى ابن سند ان هذا الفرمان كان كاذباً مزوراً ، وينفرد الكركوكلي بأن عمر باشا احس بالنية المبيتة لقتله ، فحاول الهرب الى الكاظمية ، وفي اثناء محاولته سقط من فرسه والتوت رقبته ، فتمكن بعضهم من القبض عليه وقتله وقطع رأسه وجئ به الى مصطفى باشا ، ولا يشير بشيئ الى وجود فرمان بذلك ( دوحة الوزراء 153 ) ويذكر عزي ان عمر باشا عزل بسبب اهماله محاربة العجم ، ولكنه لا يوضح تفصيلات ذلك ( مرأى التاريخ ، حوادث 1189 مخطوط ، بالتركية ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 51 ـ
   كخيته (63) عبد الله كخية (64) الى خارج البلد ، فتبعه جميع عساكر عمر باشا ، وتحيزوا واظهروا الخروج والعصيان ، وانهم يريدون بغداد والوزارة لعبد الله كخيه .
   ثم ان مصطفى باشا كان يوالي العجم ويصادقهم خفية ، وكان يظهر الصلاح والتقوى وهو بخلاف ذلك ، فأرسل الى سليمان اغا قايمقام (65) البصرة بأن المدد عليكم بعيد ، فأما ان تصطلحوا مع العجم على شيئ ، او

 ************************************************
(63) الكخيه ، والكاخيا ( وتكتب احياناً كهية وكاهية بقلب الخاء هاء بحسب اللفظ التركي ) تحريف لكلمة كتخدا التركية المحرفة عن الفارسية كدخدا ، وتعني صاحب البيت ( كد : بيت ، خدا : صاحب ) ـ وتطلق بوجه عام ـ على من بيده تصريف الامور ، كالمختار ، والعمدة ، والحاكم ، والزوج ( المعجم الذهبي فارس عربي ، بيروت 1969 ص 460 ) وفي النظم العثمانية كان الكتخدا هو احد روساء الصنف من الحرفيين ، وحلقة الاتصال بالحكومة بالصنف ، والمكلف بتزويد الصنف بحاجياته ، وتطلق السجلات العثمانية الموضوعة في القرن العاشر للهجرة ( 16 م ) هذا الاسم على رئيس العشيرة ، ورئيس المحلة ايضاً في المدينة ، ثم صار اسم وظيفة لمساعد الوالي ومعاونه ومدير مكتبه الخاص لمختلف الشؤون الادارية والعسكرية والمالية فهو اذن بمثابة الوزير للوالي والمرشح للتولي الحكم بعده .
(64) هو عبد آغا ، كتخدا ( كخية ) الوزير عمر باشا ، وسيأتي في هذا الكتاب خبر توليته ولاية بغداد والبصرة ( الورقة 14 ب ) .
(65) القائمقام : اسم وظيفة لمن يقوم بمقام الوالي عند عند عزله عن ولايته فهو يتسلم مهام ادارة الولاية عند مغادرة واليها لأي سبب ، وتعيينه بهذا المنصب يأتي من الوالي نفسه ، دون الرجوع الى السلطة اعلى ، فأذا ما توفى الوالي دون ان يستلم الولاية منه احد ولم تكلف الدولة المركزية احد بشغل هذا المنصب ، كان لوجود المدينة واعيانها الحق في ترشيح احد الشخصيات البارزة من رجال المدينة القائمقام عليهم ، ويدعى القائمقام في الولايات العربية الاخرى مثل الموصل ، باسم ( متسلم ) لكنه في بغداد لا يعرف عادة الا باسمه الاول ، وسبب ذلك يعزى ان اطلاق الاسم الاخير كان قاصراً ـ في الغالب ـ على حكام المدن الرئيسية في الولاية ، التي تتبع سلطة بغداد المركزية مباشرة وبخاصة البصرة ، وذلك باعتبارهم نواباً او وكلاء لوالي بغداد نفسه في حكمها ، وتأكيداً على تسلمهم الحكم منه شخصياً .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 52 ـ
تستلموا لهم البلد (66) ، وارسل الى الدولة بانها قد اصطلحنا مع العجم ، وافهمهم من لحن خطابه بانه العجم قد ارتفعت عن البصرة ، فلما وصل كتاب الخبيث الى البصرة انقطعت ظهورهم ، وخرج جماعة مع اعيانهم جماعة الى صادق خان (67) وكان رئيس العساكر وهو اخو كريم خان ،فأخذوا منه الامان لانفسهم واعراضهم ، واباحوا له ما سوى ذلك ، فرضي ، ودخل البصرة بمن معه من العجم (68) ، وقبض على سليمان آغا والدفتردار (69)

 ************************************************
(66) في دوحة الوزراء ( ص 115 ) ان اهل البصرة استغاثوا بالوالي الاسبيناخجي ، فكتب اليهم ( يعلمهم بأنه في حال لا يستطيع معها اغاثتهم وخبر لهم ان ينقذوا نفوسهم وبلدتهم بمعالجة الوضع من قبلهم ، وان يدفعوا للاعجام ما يملكون من الاموال للتأمين على حياتهم وتسليم البلدة اليهم ) ، واورد العمري ( زبدة الآثار الجلية 238 ) رواية اخرى ، مفادها ان مصطفى باشا ارسل الى اهل البصرة يأمرهم بفتح ابواب البلد ، حتى يتمكن قائد الجيش الايراني صادق خان ) من دخولها وحده ، والخروج منها لساعته براً بقسم كان قد قطعه لنفسه ، كشرط لرحيله عن البصرة ، وهي مكيدة منه ، وآثار الوضع بادية على هذه الرواية .
(67) صادق خان الزندي ، أخو كريم خان ، ولي حكومة شيراز سنة 1193 هـ / 1779 م بعد ان وليها قبله أبو الفتح ومحمد علي بالمشاركة ( وهما ابنا كريم خان ) ومحمد على منفرداً ، ودام حكم صادق خان من 9 شعبان 1163 هـ حتى اغتياله في 18 ربيع الاول سنة 1195 هـ / 1781 ، فخلفه ابن اخته علي مراد ( حكم الى 1199 هـ / 1784 م ) فجعفر اغتيل سنة 1203 هـ / 1788 م ) ثم لطف علي ( قتل سنة ( 1211 هـ / 1796 م ) ثم انتقل الحكم الى القاجاريين ( ستانلي نيل بول : طبقات سلاطين الاسلام ، ترجمة عن الفارسية مكي الكعبي ،( بغداد ، 1968 ، ص 242 وزامباور : معجم الانساب والاسرات الحاكمة ، ترجمة زكي محمد حسن وحسن احمد محمود ، القاهرة 1951 ، ص 389 ، 394 ) .
(68) في 15 نيسان 1776 .
(69) ينفرد المؤلف بالاشارة الى القبض على الدفتردار ، ولم يكن في البصرة انذاك ، من الوجه الرسمية ، ـ مثل هذه الوظيفة ، ولكن كان هناك دفتردار يتبع ولاية بغداد ، وهو بمثابة الوكيل لدفتردارها ، والمفروض في النظم المالية العثمانية ان يتبع الدفتردار في الولايات الرئئسية السلطان مباشرة .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 53 ـ
والكمركجي (70) ( 11 ب ) ووجوه اعيان البصرة ، وارسلهم اسارى الى شيراز ، ولم يبقى من انواع الظلم والعذاب نوع الا عمله مع اهل البصرة حتى تركهم لحماً على وضم (71) ، ونهب داري واسكنها بعض خاناته وهربت زوجتي مختفية خشية ان يظفروا بها ويعذبوها كما عذبوا غيرها وانا في بغداد ، وكنت حائراً في امري ، مفكر في الطريق الذي اخلص به هذه المسكينة ، وقد قلت متلهفاً عليها وكان اسمها زينب ، زينب ، شعراً :
يا   ليالي   الهنا  ووقت  iiالسعود      وزمان   به   قد  اخضر  iiعودي
ياليالي   بجانب  السيف  iiصارت      ماضيات   بحق   زينب   عودي
وانشري لي ذكر الرباب فمن طي      اد  كاري  الرباب  طال iiهجودي
حدثيني  عن  اختها  كيف  iiباتت      بسنا    السيف    بيتة    iiالقصيد
لبوة   غاب   ليثها   عن  iiشراها      فتناءت     عنه    بغياب    بعيد
( 12 ب )


واختفت    بين   النسوة   iiكالسعالي      وهي     الآن    بعد    في    تهديد
لم   تزل   تطلب   الخلاص  iiواني      هي خشف  (72)  قدة احدقت بقرود
لست   عن   نصرها   تختلف  لكن      انا   وحدي   وخصمها   في   iiعديد
  ولم اول لها متذكراً وعليها خائفاً ، وفي امرها متفكراً ، حتى ورد علي البشير فبشرني بموتها ، وانها قد انخلع قناع قلبها خوفاً ، وكانت خوافة

 ************************************************
(70) هو مستوفي المكس على البضائع التجارية ، مركب من كمرك ، وهي كلمة تركية محرفة عن الايطالية وتعني التجارة وورود استمعالها في المحررات الرسمية العثمانية منذ النصف الثاني من القرن العاشر للهجرة ( السادس عشر للميلاد ) ( يعقوب سركيس : مباحث عراقية 2 / 231 ـ 232 ) وجي اداة تركية تدل على الحرفة .
(71) دوحة الوزراء 155 ومطالع السعود 33 ومختصره 11 .
(72) الخشف : بكسر اوله وسكون ثانيه : ولد الغزال .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 54 ـ
ـ رحمها الله تعالى ـ فحمدت الله تعالى على سلامة عرضي ورجوت منه ان يجمعني واياه في الجنة ، انه لا يخيب من رجاه .
   وقد ندم اهل البصرة على ما صنعوا بأنفسهم ، وقد قلت في حالهم وما جرى لهم شعرا :
يا  سميري قم بالعشيرة ناد  (73)       معلناً   بالمصاب   في   كل  نادي
وامض نحو العراق وانشد وحرض      بالقوافي    من   كان   في   iiبغداد
اوضح  الحال   منشداً   عن ii لساني      غير          خشية         iiالانكاد
( 12 ب )
مـن  لـهم مـجمع فـي iiالـفؤاد      لــي منه مفرق الف وادي (74)ii
فـجأتنا كـتائب الـفرس ًصـبحا      وأتـتـنا بـيـن عـاو iiوعـادي
قصدتنا من السويب (75) ًعبورا      فـملا  سـيلها بـطون iiالـبوادي
قـصدوا الـبصرة التي عصم iiالله      حـماها مـن عـهد هـود و iiعاد
فـاحـاطوا  بـها وقـد iiمـنعتهم      دونـها  عـصبة الـهدى iiوالرشاد
عـصبة  اخلصوا الضمائر في الله      فـقـاموا بـنـصره فـي iiجـهاد
غـير مـا انـهم كـأصحاب iiبدرٍ      ًعــددا  والـعدو مـثل iiالـجراد
فـلذا  حوصروا (76) ولم تمكن      الـفرصة ان يـلتقوهم فـي طراد
ثـبتوا  فـي الحصار حولاً iiكميلاً      يـتـرجـون بـعـثة iiالامــداد

 ************************************************
(73) في الاصل : نادي .
(74) الصدر معلول الوزن .
(75) السويب موضع في شمال البصرة ، على الضفة الشرقية من شط العرب ، يبعد عن القرنة 7 كيلو مترات ، وبقربه نهر السيب ، وهور السيب ايضاً ، وكان نيبور قد اشار الى هذا الموضع في كتاب الرحلة ، وذكر ان بجواره خرائب كبيرة تدل على وجود مدينة هناك في عهد قديم .
(76) في الاصل : حاصروا .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 55 ـ
وهــم  كــل ســاعـة iiقـتال      مع اعــداء دينـهم iiوجلاد
فبدا  الجوع وهز قد صـار iiفـيـهم      خير  عـون لما بدا iiلاعادي
فغدوا  منه مخـبتين  ( 77 )  iiخيارى      كالسكارى في الحال بل كلجماد
فـأستشروا مجربي الــحرب iiمنهم      فأشـــاروا بطاعـة iiوانقياد
لرئيس العداء ان عف عن اعدائهم د ون دون طارف وتلاد
ليــتني كـنت فيهم كان iiعندي      غـير ذي الرأي رأى اهل iiالسـداد
قـبل ان تهــدم الجماعة حزما      شــاده  العزم محكما iiبــشـيـاد
وكثـيـر الـعــداء مثل iiقليل      انمـا الـنصر في حراب الـصـعاد
انـما النصر في شبا المشرفيات ورزق منت النصال iiحداد
ورجال  تلقاهم لجة الهيجاء فوق القسور  (78)  iiكأالاطواد
لكن  الله حيــث قـدر iiامســوا      لـم  يكن غير ما قضـى iiبـمـراد
( 14 أ )
   ولما متنت شوكة عبد الله كخية ، وكثرة انصاره واعوانه ، وساعده على يرومه زمانة ، واستولى على جميع قرة الجامع الشرقي ومزارعه ، عرض مصطفى باشا الى الدولة العلية يشكوه ، وذكر في حقه ما ذكر ، فأتفق ان صادف عرضه هذا غضبهم عليهم من جهة ما رأوا فيه من البرودة المنافية لمنصب الوزارة ، فعزلوه (79) وولو عبدي باشا (80) مكانه ، وبقية عبدالله كخية

 ************************************************
(77) مخبتون : اي خائفون يدعون الله .
(78) كذا .
(79) دمت ولايته على بغداد ثمانية اشهر ، او تسعة اشهر على ما يذكر الكركوكلي ( دوحة الوزاء 165 ) بينما يذكر ابن سند انه حكم ستة اشهر ( مطالع السعود 71 مخطوطة ) ويشير الكركوكلي الى انه قتل عند وصله ديار بكر بأمر من السلطان بسبب التقارير المرفوعة ضده ، في تسببه في ضياع البصرة ، بينما يذكر محمد ثريا ( سجل لاعثماني 4 / 447 ) انه اقام بعد عزله في ديار بكر ، ثم توفى سنة 1192 هـ / 1778 م ودفن في استانبول .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 56 ـ
   متمادياً على الخروج حتى سمع السلطان ـ ادام الله اجلالة ـ بأخذ العجم للبصرة بأخبار النصارى الباليوزية (81) فغضب [ غضباً ] (82) عظيماً ، وأمر بقتل مصطفى باشا فقتل ، وندم على عمر باشا وعلم حينئذ عروضه كانت صحيحة ولا البشوات الذين كانوا في بغداد حيث لم يخبروه بصحة اخبار العجم قبل قتل عمر باشا ، فأخبر السلطان حينئذ ان عبد الله كخية عمر باشا عرض يريد بغداد وعنده عساكر فلعل البصرة تفتح على يده ، فعزل عبدي

 ************************************************
(80) تقدمت الاشارة الى اسمه ولقبه ، وكان قد ترقى في المناصب حتى نال رتبة ( مير ميران ) وأرسل لمهمة للصلاح النظام في بلغراد سنة 1175 هـ / 1761 م ونال رتبة الوزارة ، وفي 1177 هـ / 1762 م ، اصبح والياً على قونية ، فمتصرفاً لكلس سنة 1178 هـ / 1763 / م ووالياً على طرابزون وقونيه سنة 1181 هـ / 1766 م فسيواس ، فقارص سنة 1182 هـ / 1767 م ، فمحافظاً لماجين سنة 1184 هـ / 1769 م فمحافظاً لبازارجق سنة 1186 هـ / 1771 م ثم سر عسكراً ( قائداً عاماً للجيش ) وفي سنة 1190 هـ / 1775 م اصبح والياً على ديار بكر وبغداد ثم تولى بعد عزله مرعش سنة 1191 هـ / 1776 م وايج ايل 1994 هـ / 1781 م وديار بكر فحلب سنة 1195 هـ / 1783 م ثم شغل مناصب عسكرية مختلفة في الروميلي ( البلقان ) حتى وفاته سنة 1216 هـ / 1801 م ( سجل عثماني 3 / 411 ) وينفرد العمري ( غاية المرام 187 ) بالقول بأن عبدي باشا ورد بغداد محافظاً ( وهو منصب عسكري لا اداري ) فلما وصلها اتاه المنشور بولايتها ) ، ويظهر ان في طباعه قسوة وحده بالغة ( زبدة الآثار الجلية 241 وراغب الطباخ : اعلام النبلاء ) وفي قائمة اسماء ولاة بغداد ( مخطوطة في مكتبة الاوقاف ببغداد ) لقبه : الغازي ، ولم نقف في المصادر الاخرى على ما يشير الى اكتسابه هذا اللقب الرفيع ، الذي يناله عادة ـ من يشارك في الحروب الخارجية في اوربا ، وانظر عزي : مرأى التواريخ ، حوادث سنة 1189 ( مخطوط بالتركية ) .
(81) الباليوزية ، جمع باليوز : اسمه اطلقه العراقيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على القنصل الانكليزي في مدنهم ، والكلمة مأخوذة من الايطالية وهو لقب اهمل ، كان يلقب به الموظفون السياسيون البندقيون والفرنسيون ، ولا سما القناصل العامون في البلاد العثمانية ( انستاس ماري الكرملي : المساعد ، بغداد 1975 ، 2 / 132 ) .
(83) زيادة يقتضيها السياق .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 57 ـ
باشا (83) وولى (84) عبد الله كخية ( 14 ب ) بغداد وجعله وزيراً ، وطلب منه ان يتحرك على البصرة وهو يمده بالمال والرجال .
   وعبد الله باشا هذا رجلً ابله ، ليس عنده في المعرفة والتدبير ما يستحق فيه الوزارة وينال به الامارة ، كما هو معلوم الثبوت عند جميع اهل بغداد (85) ، ولكنه لما اجتمع عساكر عمر باشا كان من جملتهم عجم محمد (86) وهو رجل من العجم والان له اخوان عند كريم خان ، وجاء الى بغداد ، وكان معه والدته واختاه ، وهن رقاصات يرقصن عند نساء الاكابر ، وهو صغير لا نبات بعارضيه ، قيل انه كان يكتسب بالمؤآجرة ، يؤآجر نفسه لمن اراد ، وكان اذ ذاك امرد جميلاً ، وكان مجيؤه الى بغداد في ايام المرحوم سليمان باشا (87) فأقتدر من التمويه على عقد لو اجتمعت السحرة لاعيتهم الحيلة ، ولو حشر المردة على فلها لاعمتهم مكايده العريضة الطويلة ، قد ارتكب من الشر ما لا يتحلى بمثله من له من الحياء في وجه نضارة ، ومن النفاق ما لا يرضى

 ************************************************
(83) ومده حكمه 17 يوماً على ما ذكر الكركوكلي ( دوحة الوزراء 157 ) نقلاً عن السجلات المختصة ، بينما يشير ابن سند ( مطالع السعود 71 مخطوط ) الى انه عزل بعد 40 ليلة من حكمه .
(84) في الاصل : وولا .
(85) في روضة الاخبار ( مخطوط الورقة 169 ) ( قيل [ انه ] كان مغفلاً ) وروي خبراً يدل على تغفيله الشديدة ، وفي دوحة الوزراء ( ص 159 ) انه ( مع كونه قديراً ولائقاً للحكم ، الا انه غير محيط بدقائق الامور ، وليس على شيئ من العلم فيما يتعلق بالقضايا العسكرية ) ، وكانت مدة حكمه سنتين لم يقم خلاها بأي عمل يذكر ) ومع ذلك فقد نجحت حملة عسكرية ارسلها في طرد الايرانيين من حصار وبدره ومندلي ، انظر غاية المرام ص 187 روضة الاخبار ورقة 169 وزبدة الآثار الجلية ص 239 .
(86) شطب على اسمه في الاصل ولم يغير .
(87) يريد سليمان باشا ابا ليلة اول ولاة المماليك في العراق ، تولى حكم البصرة سنة 1136 هـ / 1722 م ثم صار والياً على بغداد والبصرة سنة 1162 هـ / 1748 م واستمر حكمه ، الذي اتسم بالقوة والنزاهة ، حتى وفاته سنة 1175 هـ / 1761 م وخلفه كتخداه علي باشا .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 58 ـ

( 15 أ ) باستعماله من في مولده طهارة ، ومن التملق ما جاوز الحد وتعدى من التودد الى السخرية ، ومن التصوف بالباطل م لا يعتقده الا الانفس الخسيسة الغبية ، مع طبع رديء يزداد على مدى الايام كدورة ، وخلق دني لو بث جزء منه على الارض لملأها وعورة ، فلو غاص الشر الى بطن السمك لا شتشهل خلقه مغاصاً ، ولو ارتقى الى الفلك لما وجد عنه خلاصاً ، فليت شعري بأي شيئ اغتر وحاول الوزارة ، وعلى اي كمال اتكل وطلب لنفسه الصدارة ؟ ابالنسب ؟ فوا الله ما ضرب فيهم كريم قط عرقاً ، ام بالادب ؟ فوا الله مل يفرق بين سليم وسقيم فرقاً ، ام بالصيانة ؟ فوا الله لو قطع اربا لما وجد في باطنه غير الحريف والتزوير ، ام بالديانة ؟ فوا الله لو نتف سباله طاقة لما شم منه غير رائحة الخمر والخنزير .
كـالـثور الا iiانـه      في الوحه منه الذئب
اكـذب مـن iiفاختة      تـقول حان iiالطرب
( 15 ب ) يجب ان يبذل عرضه دون النوال ، فلذلك ينهر قاصدة قبل السؤال ، فالاماني عنده عاطلة ، والآمال لديه ناحلة ، لم يزل مستنداً الى المطل والعلل ، معتمداً على القول دون العمل ، مع ان من طلب الوزارة الاعباء الثقيلة ، ومن ارادة الامارة لم يشتهر بمكر وحيلة ، ومن طمع بالاسباب العظيمة طالب نفسه بأستعمال الاخلاق الكريمة ، ودون المكارم مكاره ، لا يلقاه الا العود البازل وقبل المعالي عوال لا يغشاها الا البطل الباسل ، ومع المغانم مغارم لا يحتملها الا الاكارم ، وأمام العز الشامخ مذاهب لا تسلك الا على جسر من التعب ممدود ، وقدام الشرف الباذخ مراتب لا تنال الا بمشاورة اساود واسود .
   فكيف هذا الكلب ينال هذه الرياسة وهو غير عارف بمنافعها ومضارها ويريد الوزارة وهو غير صابر على حر نارها ؟ وبعيد على مثل هذا الخبيث طريق مرامها ومنالها ( 16 ب ) وصعب على هذا العلج الارتقاء في ذرى جبالها ؟ ! نعم قد يغلط الفلك بالندرة مرة فيجور في دورانه ، ويميل الى مثل هذا

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 59 ـ
الرجس كياد لاهل زمانة ، وانما له الغلط ونحن معه وعليه البا (88) ، ومع الاقدار التي تسلب منه ما اعارته سلباً ، وقد اطنبت في مساوي هذا الزنيم في غير محل الاطناب ، لما طفح على قلبي عند ذكره ما لا يدخل في حساب .
   واتصل هذا الخبيث بخدمة الحكام ، ولم تزل تنتقل به الاحوال ، حتى جاء الطاعون وفلت الرجال ، فأتصل بعمر باشا ودله (89) على مظالم لا يهتدي ابليس الى مثلها ، وجرأة على اخذ اموال الناس حتى هربت من جوره اكثر التجار في الامطار الشاسعة والاقطار الواسعة ، وبقي يزداد شراً ويعدم خيراً ويكبر وزراً ، فهو كالاصل من بنات الافاعي كلما طال عمره زاد شره ، ( 16 ب ) وابتدع بدعاً كثيرا ، واخترع مظالم غزيرة ، واتخذ جواسيس يخبرونه عن اهل الدراهم فيحتال الى لاخذ ما عندهم بكل حيلة ، ويرتكب لتحصيل ما في ايديهم لكل فعلة قبيحة رذيلة ، حتى مات عمر باشا وفرح الناس بخلاصهم من هذا الفاجر الماكر والظالم والغادر .
   ولما اتصل بعبد الله باشا ( وصار عنده خزندارا ) (90) هرب جميع تجار بغداد بعيالهم واموالهم ، وامتنعت تجار الاطراف من الدخول الى بغداد ، وقد كان عبد الله باشا فوض اليه جميع اموره ، فما شاه هذا الفاجر كان ، ولم يشاه ولم يكن ، فزاد طغيانه ، وانطلق بثلب الاشراف لسانه ، وصارت

 ************************************************
(88) الب الرجل القوم الباً من باب ضرب جمعهم ، وألبهم طردهم ، وهم إلب واحد اي جمع واحد ( المصباح المنير ) .
(89) في الاصل ( فصار عند عمر باشا دويدار ، فدله . . ) وقد شطب عليها وكتب في الهامش ما اثبتناه .
(90) ما بين قوسين شطب عليه في الاصل ولا يبدل ، وفي دوحة الوزراء ( 159 ) : معتمد الولاية الخزينة دار محمد بك ، ومطالع السعود ( ص 49 ) مخطوط ، ومختصره ص 18 والخزندار اسم وظيفة مركب من خزنه ، خزينة ، ودار الفارسية وتعني ناظر ، محافظ ، فيكون معناها ناظر خزينة الولاية .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 60 ـ

تحمل امامة غاشية ، وتمشي خلفه حاشية ، واكرم ما يدله على المظالم وقربه ، وابعد ما يعظه وينهاه وجعله ذات متربة .
   وأرسل السلطان دام ضله الى عبد الله باشا خزائن عامرة ليستعين بها على فتح البصرة فأكلها ( 17 ب ) هذا الفاجر ، ولم يعوض فيها الباشا الا القليل ، وافهم الباشا ان صرفه في لوازمه وكتابه (91) ، وقد قدمنا ان عبد اللة باشا هذا كان مسكيناً قليل لاالفهم عديم الحيلة ، ينطلي عليه ادنى مكر ، وليس له رأي ولا تدبير ، اذ الوالي اذا كان ذا رأي وروية واهتمام وعناية واختيار ، باشر امور عمله بنفسه ، وتولى النظر فيه والانقاذ لما يبتغني نفاذه ، ولم يكل ذلك الى غيره وبسند الى سواه ، وان يستعمل العدل على الرعية والانصاف للمسلمين وهل الذمة ، فمن كان منهم اخذاً برأيه ومنتهياً الى امره ومقتصراً على عهده ، احسن اليه ووسع عليه وزاد في عمله ورفعه الى ما هو اسنى (92) من منزلته ، ومن كان مقصراً فيما يلزمه ، تاركاً لما امر به ، عزل واستبدل به .
   وكان هذا الماكر الخبيث معتقداً بالنجوم ، يكرم المنجمين ويخدم المقومين (93) ، وهم يعدونه بالمواعيد الكاذبة ( 17 ب ) وهو يصدقهم في كل ما وعدوه به ، فبناء على زعمه الباطل كان شؤم هذا الكلب علينا كان من جهة ان مولده كان بطالع الاسد والقمر كان في المحاق والمريخ كان راجعاً بعد الاحتراق وعطارد كان هابطاً والمشتري كان من نفس الطالع كان ساقطاً والشمس سائرة الى تربيع زحل والزهرة ساقطة عن الوتد ، قبحه الله ما هذه الا خرافات كاذبة واحاديث واهية معتقدها كافر بالله العظيم .
   وفي هذا الاثناء ارسل السلطان ـ ادام الله اجلالة ـ عساكر كثيرة

 ************************************************
(91) انظر عن هذه الحادثة : مطالع السعود ص 47 مخطوط .
(92) في الاصل : اسنا .
(93) يريد صانعي التقاويم .


تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 61 ـ
ففرقها هذا الفاجر بمكره ودهائه (94) ، وارجعها خائبة (95) ، ووالى العجم وحالفهم خفية واظهر انه يريد الصلح مع العجم ، وقال لباشته : ان عسكرنا هذا يكفينا ، فرضي ، ونحن معاشر اهل بغداد نعلم خداعه ، ونخاف من شق العصا بين الجماعة .
   وكان الوزير (96) حسن باشا (97) والياً في كركوك ، وكان مأموراً بقتال

 ************************************************
(94) في الاصل : ودهاه .
(95) ذلك سنة 1191 هـ / 1777 م قال في روضة الاخبار ( وفي سنة احدى وتسعين كان في بغداد عساكر من الروم والزعماء فأمرهم ( الضمير لعبد الله باشا ) بالعود الى بلادهم ) ( الورقة 196 ) .
(96) في الاصل ( وكان الوزير المظفر والباسل الغضنفر ، اجل الوزراء واعظم الامراء ( 18 ب ) صاحب الشجاعة التي يجبن دونها عنتر ، والسماحة التي يبخل لديها حاتم ويحقر ، والحلم الذي لم يوجد مثله عند احنف ولا عند كثير من الناس ، والذكاء المتوقد الذي لم ينل بعضه اياس ، الاجل الاكرم الذي دونت هذه الرساله بأسمه ولاجله مولانا ) وقد شطب المؤلف على هذه العبارة .
(97) من المماليك ، كرجي ( جيورجي ) الاصل ، كان مملوكاً للوزير احمد باشا بن احمد باشا والي بغداد ( ياسين العمري : قرة العينين في تراجم الحسن والحسين ، مخطوط ص 16 ) وقيل كان من المماليك الوزير سليمان باشا ابن ليلة ( روضة الاخبار ، مخطوط ، ورقة 169 ) ولي ماردين ( من مضافات بغداد ) مرات عدة ، سنة 1177 هـ/ 1763 م وسنة 1184 هـ / 1770 م ودام حكم فيها سنة واحدة ثم حكمها سنة 1189 هـ / 1775 م مدة اربعة شهور ( عبد السلام المارديني ، تاريخ ماردين مخطوط ، الورقة 142 ) نقل بعدها الى ولاية شهرزور حيث اضيفت اليه ولاية الموصل ايضاً ، وعين في الفترة الاخيرة متسلمين نيابة عنه ودام حكمها فيها سنة واحدة ، ثم تولد ولاية بغداد في محرم سنة ، 1190 هـ / 21 شباط 1776 وستأتي اخباره فيها بتفصيل هذا الكتاب ، وفي سنة 1193 هـ / 1779 م ثار الاهالي ، وقيل فرق الانكشارية ( دوحة الوزراء 170 وغاية المرام 188 وزبدة الآثار الجلية 145 وقرة العينين ، مخطوط ، ص 16 ) ضده بسب ضعفه غي معالجة فتنة عجم محمد الذي نقل عصيانه الى منطقة منجلي والخالص ، فهرب الى الموصل حيث نزل بضيافة واليها سليمان باشا الجليلي ، وعرض الامر على الدولة ، فعزلته عن بغداد وعينته والياً على ديار بكر ، فأستمر فيها حتى وفاته سنة 1194 هـ /1780 ودفن فيها ، قال ياسين العمري ( كان حليماً عفيفاً عارفاً بلعب الشطرنج خبيراً بالامور حسن السياسية ) ( قرة العينين ص 16 ) وكانت مدة حكمه في بغداد سبعة اشهر وثماتية عشرين يوماً ( دوحة الوزراء 170 ، انظر تاريخ جودت 2 / 54 ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 62 ـ
العجم وكان عنده مع عسكره مقدار من عساكر الدولة ، وقد ارسل السلطان ـ عظم الله شأنه - له بعض الخزائن ، وكان مأموراً بأن يكون معيناً ومدداً لعبد الله باشا ، فضجر من انتظار سير عبد الله باشا ، ظاناً منه المسير الى قتال العجم ، فأرسل حسن باشا (98) سرية الى ناحية العجم (99) ، وفتح الله عليها فأنتصرت ، ثم بعد ذلك تجمعت عليها عجم كثيرون ، فأمد سريته بجميع من عنده ، وارسل الى عبد الله باشا يستمده ويطلب منه ان يأمر كخيته بالمسير الى طرف هذه السرية ، وقد سمع كخيته (100) كان ( 19 أ ) خارج البلد يرسم المحافظة فلم يفعل عبد الله باشا لتدبير هذا الخبيث ، وقد القى من حينئذ العداوة

 ************************************************
(98) في الاصل : فأرسل مولانا ، ثم شطب على ( مولانا ) واضيف في الهامش ما اثبتناه .
(99) كان كريم خان الزندي قد وجه ثلاث حملات عسكرية الى العراق ، نجحت واحدة منها في حصار البصرة ثم فتحها ، على ما وصف ذلك المؤلف ، وتوجهت الثانية على طريق كرمشناه ـ درنه ـ باجلان ، واقتربت من كركوك ودمرت ضواحيها وانسحبت ، وتوجهت الثلاثة الى كركوك ايضاً ولكن على طريق سنة ، والحملة الاخيرة هي التي وجه اليها حسن باشا السرية الى يشير اليها المؤلف ، ويقدر الكركوكلي ( دوحة الوزراء 158 ) عدد افراد الحملة المذكورة ب 12 , 000 جندي يقودهم خسروا خان ، وليست ثمت تفاصيل عن السرية التي ارسلها حسن باشا ، وخاصة فيما يتعلق بعدد افرادها ، ويفهم من الكركولي انها لم تكن من جيش حسن باشا نفسه ، وانما هي قسم من الجيش الامارة البابانية في قلاجولان ، قاده محمد باشا الباباني تنفيذاً لامر حسن باشا .
(100) هو اسماعيل اغا الكتخدا ، وله اخبار ستأتي من هذا الكتاب ، وكان عبد الله باشا قد ارسله على رأس حملة عسكرية سيرها على طريق شخرود ومندليج ( مندلي ) ( دوحة الوزراء 158 ) ونجحت الحملة في ارسترجاع جصان وبدره ايضاً ( غاية المرام 187 ) وروضة الاخبار ، ورقة 169 وزبدة الآثار الجلية 239 )

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 63 ـ
والبغضاء بين الوزيرين ، وكان حسن باشا (101) لكثرة عقله ووفور كماله ، يغضي عن عوراتهم ولا يكاشفهم ولا يكترث بهم ، بل كان معهم على سيرة واحدة ، ولما رى ميل عبد الله باشا الى عدم المحاربة انكف هو عنها لكونه ممداً ومعيناً له .
   وفي هذه الاثناء لما ابطأ خبر البصرة على السلطان ـ ادام الله رأفته وقوة شوكته ـ وظن بعبد الله باشا الظنون ، اراد معاقبة من مدح له عبد الله باشا حتى ولاه الوزارة وعقد له لواء بغداد والبصرة ، وهو رجل من رجال الدولة يقال له سليم افندي (102) فتخلص من اليم عتابه وشرد من شديد عذابه وتنصل واعتذر ، وقال : ارسلني الى بغداد آتك بمفاتيح البصرة ، فتسامعت الناس بمجيئه ، وفرحوا به وشرعوا الخبيث المذكور (103) في تدبير المكر والحيل وابطال ما ياتي به هذا القادم ( 19 ب ) بأي عله من العلل ، ونفض كناه مكره ، وأفرغ امامه حقيبة عذره .
   ولما دخل هذا الرجل الى بغداد ، فرح الناس بقدومه ، وقالو : لعل الله يفتح البصرة بسبه ، لمل شاع عندهم ان هذا مقرب في الدولة ، مسموع الكلمة ،قالوا اذا احتجنا الى عساكر وذخائر عرض لنا بها ، وامنا من تكذيب المنافقين ، لان هذا الرجل معنا شاهد ، وسيطلع على كنه القضية ، فلم يشعر ثالث يوم دخوله الا بالرقاقيص (104) في منزله من العشاء الى الصباح واذا بانواع الخمور تدار في مجلسه بالاقداح (105) ، فأذا هو الرجل ضعيف دينه ،

 ************************************************
(101) في الاصل : ومولانا حفظه الله ، ثم شطب عليها وكتب في الهامش ما اثبتناه .
(102) في تاريخ جودت 2 / 55 اسمه ( سليم سري افندي ) .
(103) في الاصل : الخبيث عجم محمد ، ثم شطب على الاسم ، وكتب فوقه ( المذكور ) .
(104) يريد الراقصات .
(105) انظر مطالع السعود ص 53 ـ 54 ( مخطوط ) ومختصره صفحة 20 وفي دوحة الوزراء ص 159 انه ( انغمس فور وصوله في الملذات لتشجيع من معتمد الولاية الخزينة دار محمد بك العجمي الاصل ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 64 ـ
سخيف يقينه ، لا ثقة له بقضاء الله وقدره ، وقد طبع الله على سمعه وبصره ، متعلق بحبال الغزور بكلتا يديه ، متعشق من محال الامور ما ثقلت وطأته عليه ، متبع هواه ، موسع في الخطايا خطاه ، بائع آخرته بدنياه ، واصل ( 20 أ ) ليلة بنهاره فيما يثلم دينه ، ويسمى بالعصيان جبينه ، جار في ميدان الهوى طلق ، الجموح ، لاه بالنصيح ساه عن التوبة النصوح ، منفق عمره على ما تقرع عليه سن نادم ، وترغم لاجله انف راغم ، ضال عن منهج الحق وطرقه ، داخل في ورطة الباطل وضيقه ، مغتر باليوم الحاضر ، غير معتبر بأمس الدابر :
فأن  كان من iiالناس      فما فوق الثرى كلب
تلوح عليه مقدمه الجنون والوساوس ، ويفهم من حاله دماغه اليابس ، سبحان الله عجباً من غلط الدهر او سرفه ، كيف يبلغ مثل هذا هواه ، وتملكه مناه ، واظن من شؤم الزمان ان نقله من حضرة القذارة الى رأس المنارة ، فلما اجتمع بالخبيث المذكور ( 106 ) وافق شن طبقه ، وقد امتطى هذا الخبيث (107) من الوقاحة ذراها ، وجمعها على صفوف اختلافها وملكها بأجناسها وأوصافها فأنساه من جاء به ، وشغله عما كان قدومه بسبه ، ودهشة ( 20 ب ) بالعطاء الذي تعجز السلاطين عن اقله ، واعطاه من الجواهر وسائر التحف ما لا يستقل العودة البازل بحمله (108) .
   ولما عزل عمر باشا باع تجملاته (109) في مدة اقامته مصارف لعسكره ، وكان هذا العلج بيده بيعها ، فسرق من الجواهر الثمينة كيسين ، كل كيس منها في طول شبر وفي غلظ خيارة وسلطاً ، فأعطاهما لهذا الفاجر اللئيم ، وكان معه عصابة من الانذال ـ عصب الله رؤسهم بالخلان ـ وطائفة من السفلة ـ طافت عليهم كؤوس الحرمان ـ قد اشتهر في البلد نفاقهم ، وطال في سوق


 ************************************************
(106) في الاصل : بعجم محمد ، ثم شطب عليه واكتب في الهامش ما اثبتناه .
(107) في الاصل : عجم محمد ، ثم شطب وابدل في الهامش .
(108) العود البازل : الجمل المسن ( تاح العروس ) .
(109) يريد ما تجمل به من متاع واثاث .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 65 ـ
الباطل نفاقهم ، فجزاهم الله عنا تصحيف الجزاء ، وجزعهم مقلوب الرخاء ، وعوضنا عنهم اخوان الصفاء ، المتمسكين بعرى الوفاء بمنه وفضله ، وبقوا عاكفين معه على اكواب وصحاف ، لاهين بين سوالف وسلاف ، مضاجعين لريحان وراح ، مصروعين بين احداق واقداح ، مارحين كالمهر اذا اطلق عنانه ( 21 أ ) فرحين كالحر اذا ساعده زمانه ، قد نزعو قميص السكينة والوقار ، وباعوا في البطالة والضلالة كل عقار ، فكم لهم من غمرة في حياض والصبابة والصبا ، وكم لهم من عمرة الى رياض راضتها انفاس الصبا ، وكم لهم من مغدي ورواح بين اوتار فصاح ، ومن مصبح وممسي مع صباح في صباح ، ومن مربع ومصيف بين هزل ومزاح ، ومن شتاء وخريف في اغتباق واصطباح ، وكم لهم من نقلة من مجلس الى مجلس ، وسعي بين منشور ونرجس ، وكم امتطوا صهوا حصانة وحصان ، وافترعوا اخباب ودنان ، وكم خلعوا العذار بين باطية وقحف ، وهتكوا الاستار في سفاهة وسخف ، وكم استنطقوا الزاهر واللاهي ، وكم ارتكبو المزاجر المناهي ، وكم كثروا عن اصحاب الاوتار عشقاً لها وحباً ، وسبحوا عند معاقرة العقار تعجبنا منها وعجباً .
   وداموا على هذه الملاهي عاكفين ، وفي البصرة في ايدي العجم قد اسروا ( 22 ب ) رجالها ونهبوا اموالها واستباحوا نساءها وتملكوا جواريها وأماءها ، وبغداد ترجف خوفاً من غدر الكريم خان ، خالية عن الشجعان ، اصحاب السيبف والسان ، وعبد الله باشا لم يدر هذا الرجل بما جاء ، وما مراده ؟ وبأي شيئ تنقضي اوقاته ؟ وهل يرجع الى الدولة عن قرب ام لا ؟ فبعد برهة من الزمان تذكر هذا الماكر اللئيم ما جاء به وما عذره عند الدولة هذه المدة المديدة (110) ،

 ************************************************
(110) يذكر أمين الحلواني في اختصاره لكتاب مطالع السعود ( ص 21 ) سليماً ( علم طوية عجم محمد ، وان هذه الفتن والمفاسد جميعها منه ) عندما علم بطمع كريم خان في الاستيلاء على بغداد كما استولى على البصرة وانه جهز جيش لفتح بغداد ، وليس في الاصل الكتاب المذكور ( انظر مطالع السعود ، مخطوط ، ص 57 ) ما يفهم منه هذا المعنى ، وليس في المصادر الاخرى ما يشير الى تيسير كريم خان جيشاً لفتح بغداد .


تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 66 ـ
فكأنه كان نائماً فأفاق من رقدته ، او سكران فحصاً من سكرته ، وكان كخية عبد الله باشا اسماعيل اغا رجلاً عاقلاً ، وكان مع بعض العساكر في ثغر العجم خشية هجوم بعض جيوشهم الى ارضنا (111) ، مع انا ببركة وجود هذا العلج (112) اخوة مع العجم ، ولكن كان ارسال هذا الخبيث (113) للكخية تمويهاً على الناس ، (114) ، فاتفق رأي اهل العقل من اهل العقد والحل مع هذا العلج (115) ان يرسل الى كريم خان يطلب الصلح ( 22 أ ) ، [ و ] قالوا : هذا الارسال يتقن فؤاد ، منها : الاطلاع على كريم خان ونيته ، ومنها ان الوقت وقت سفر العجم فأذا لقي هذا الرسول عسكرهم في الطريق ثبطهم الى مجيء الخبر من كريم خان ، ويدس الينا ما يخبرنا ، ومنها ان يعلم كريم خان انا لسلنا مهملين امره ، وانمنا صنعنا هذا من باب الدفع اولاً بالاسهل ، ومنها اذا رضي كريم خان بالصلح انحقنت الدماء من الطرفين ، فأختاروا لارسال الاكرم الامجد الذي طابت على الغيب والشهادة آثاره والسيل الذي سالت باللجين والعسجد انهاره ، والبحر الذي زخر وطما تياره ، والبدر الذي ظهر وسنت انواره ، والربيع الذي فاح للمتربع نشره ورياه ، واذن للمنتجع بالثراء ثراه ، فكفه جود (116) اذ لم تجد الانواء ، ومستقاه قريب اذا طال في غيره الرشاء ، العاقل الذي يستنار بمشكاة عقله في حنادس الاخطار ، واللبيب الذي ظهر كماله وادبه ظهور الشمس ( 22 ب ) في الرابعة

 ************************************************
(111) تقدمت الاشارة الى اعمال اسماعيل اغا في طريق شخرود ومندلي .
(112) في الاصل الذي شطبه المؤلف ( عجم محمد ) .
(113) في الاصل المشطوب ( عجم محمد ) .
(114) ذكر الكركوكلي ان تعيين عبد الله باشا كتخدا اسماعيل قائداً للحملة العسكرية المذكورة كان ( بكل فتور واهمال ) وانه قام بذلك ( من باب ذر الرماد ، ولدفع اللوم والانتقاد ) ( دوحة الوزراء ص 158 ) .
(115) في الاصل ( سليم وعجم محمد ) ثم شطب عليه ، وكتب فوقه ( هذا العلج ) .
( 116 ) في الاصل : جوداً
.

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 67 ـ
النهار ، مولانا محمد بيك (117) بن المرحوم عبد الله بيك آل الشاوي لازال الزمان طائعاً لامره ونهية ، تابعاً لتدبيره ورأيه ، متمثلاً لرسمه ، جارياً على حكمه ، آمين .
   فتوجه محمد بيك الى بلاد العجم ، وبقي الخبيثان على ضلالهما القديم ، فتمرض عبد الله باشا وصارت معه علة الاستسقاء (118) ، فدبر الرومي المذكور تدبيراً ، وقال له : ان الباشا هالك في مرضه هذا ولا بد ، فأريد ان اترجى منه

 ************************************************
(117) من امراء قبيلة العبيد في آواخر القرن الثاتي عشر واوائل الثالث عشر ( 18 ، 19 ) كان داهياً عاقلًا فصيحاً ، وادى خدمات عامة للحكومة المماليك في العراق ، منها دوره في مفاوضة كريم خان الزندي بشأن فك الحصار عن البصرة ، ما اشار اليه المؤلف ، ثم اضطر سنة 1200 هـ / 1785 الى مغادرة بغداد والتحاق بخيه الاكبر سليمان بك الشاوي ( وستأي ترجمته ) في نواحي الخابور حيث مكث هناك الى سنة 1203 هـ / 1788 م عادة بعده الى بغداد ، وحاول سليمان باشا الكبير التخلص منه ، فأرسله في العام نفسه للقضاء على فتنة حدثت في البصرة ، وهو يقصد ان يلقي مصرعه هناك ، الا ان مقصده لم يتحقق ، ثم ما لبث ان ارسله في سفارة الى الدرعية ( مقر آل سعود ) بنجد للتفاوض مع الوهابين وبعد عودته اتهمة منافسوه بالميل الى جانب الوهابيين حتى ان تولى علي باشا الحكم سنة 1217 هـ / 1802 م بعد وفاة سليمان باشا ، امر بخنق محمد بك الشاوي مع اخيه عبد العزيز بك ، فخنقها ودفنا في محرم سنة 1218 هـ / 1803 م في منطقة قريبة من الموصل ، وقد اثنى عليه مؤرخوا عصره فقال ابن سند ( هو من ملوك العرب واهل النجابة والبراعة منهم والادب ، ومن الدهاء واصاب الرأي في المكان الذي لا يجهل ، ومن الحلم والرزانة بحيث لا يسئل . . ورث الرئاسة عن ابيه وجدة ، ومن اجل لما فيه جلساءه العلماء وندماءه الاكابر والعظماء ، وانه كثير الصدقات خصوصاً لمن تعلق بالاسباب العلمية ، مختصر مطالع السعود 21 ـ 26 ، 40 ، 44 ، 64 ، 72 ودوحة الوزراء 164 و 165 و 207 و 213 و 224 وابن سند : سبائك العسجد ص 82 وتاريخ العراق بين احتلالين 6 / 71 و 72 وديوان العشاري 152 ـ 153 ومجهول : تراجم الشاوية ورقة 2 ـ 3 ( مخطوط ) والزركلي : الاعلام 7 / 120 .
(118) وفي بعض المصادر : انه كان مصاباً بالسل ( تاريخ العراق بين احتالين 6 / 68 ) .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة    ـ 68 ـ
ان يجعلك كخية لانه قد عهد في الدولة العلية ان الكخية يصير باشا بعد باشته ، ولم يعهد ان الخزندار يصير كذلك ، بل المعهود ان الخزندار عليه حساب وعقاب ، وانت تروم الوزارة وانا اريدها لك ، فاعرض الى الدولة العلية بذلك ، فدخل سليم (119) على عبد الله باشا يعود ، فقال ان امر دولتك قد اختل ، ونظامها قد انحل ، وعندي من الرأي الصائب ان تجعل خزدارك كخية لانه اعرف بطرق التدبير من اسماعيل اغا ، فأمر بعزله وصار الخبيث (120) كخية (121) ، واهل المعرفة عرفوا هذا الغرض ، وانا كنت ملازماً بيتي واسمع هذه الامور من افواه الثقات الذين يترددون الي ، لاني لما جئت من البصرة الى بغداد من العجم هارباً ، والى رؤية اصحابي واحبابي راغباً ، رأيت احبابي قد ابادهم الطاعون واباد معهم سائر اهل الفضل ، فلم ارى (122) فيها الا كل تيس ارقط اشمط ، وكل ذئب امعط امرط (123) وتنين حشوة لؤم وشؤم ، وثور ينطح بخرطوم ، وطويل اضعف من ثمامة (124) ، وطبعه اشرد من نعامة ، فلم ادرى اهم ذئاب زانتها اسلاب ؟ ام كلاب عليها ثياب ؟ ام طلول خاوية ؟ ام طبول خالية ؟ لانهم اخف من الهواء ان وزنوا عقلاً ، وارسى من الجبال ان امتنحوا ثقلاً ، فآثرت مذهب العزلة والانفراد ، واخترت طريقة النأي والبعاد ، وعقدت في البيت وحدي ، واشتغلت بالكتب التي عندي ( 23 ب )

 ************************************************
(119) شطب عليها في الاصل ، ولم تبدل .
(120) في الاصل المشطوب ( عجم محمد ) .
(121) انظر دوحة الوزراء ص 160 وتاريخ جودت 2 / 88 .
(122) في الاصل : ارى .
(123) امعط : من لا شعر على جسده ، وامرط : الخفيف شعر الجسد والحاجب والعين ( القاموس المحيط ) .
(124) الثمامة ، وجمعها ثمام ، وزان غراب ، نبت يسد به خصاص البيوت ( الصباح المنير )