بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الناصر لدينه واوليائه ، المعز للحق واهله ، المذل لاغوائه ، الذي جعل النصرة والعاقبة لاهل حقه وطاعته ، وجعل الخزي والذل على اهل الباطل وشيعته ، لم ندرك خيراً الا برحمته ، ولا ندفع شراً الا بنعمته ، وهو ولي التسديد للحسنات والعصمة من السيئات ، قد بحثة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه و آله وسلم ـ واجتباه من افضل عشائر العرب واشرفها منصباً واعرقها كرماً نسباً وأوراها زناداً وارفعها عماداً ،
بعث بالنور ساطعاً ، والبحق صاعداً وبالهدى آمراً وعن الكفر زاجراً ، فحج (*) به المنكر وتألف المدبر ، وبلغ عن الله الرسالة ، وهدى من الضلالة ، وانهج معالم الدين ( 1ب ) وادى فرائضه ، وبين شرائعه ، واوضح سننه ، ونصح لامته ، وجتهد في سبيل ربه حق جهاده حتى أتاه اليقين فورثة في ذلك اصحابه الذين هم كالنجوم في الاهتداء بهديهم ، وسفن النجاة لمن سعى كسعيهم ، فلم بهم شعت الدين ، وشيد بهم ركنة المتبن ، فأزداد بهم الاسلام نفراً ، واكتسبت بهم اعداء الدين ذلاً وقهراً ، فلم يلحد في الاسلام ملحد ، ولم يسع في تشتيت الكلمة ساع متمردد ، الا اذله الله واكسبة وباله ، وعجل بواره واستئصاله ، اللهم فصل عليه وعليهم صلاة متدفقة حياضها متأنقة رياضها ، وسلم تسليماً كثيراً ، اما بعد ، فيقول العبد الفقير الى ربه الكريم المنان ، الملتجيئ الى ألطافه الخفية والاحسان ، هذه نبذة ( 2 أ ) من جملة ما ابتلانا الله تعالى به
************************************************ (*) لعه يريد : فحاج : اي غلبه في الحجة .
معاشر اهل بغداد ، وما دفع الله تعالى عنا بمنه وكرمه من السنة السادسة والثمانين [ ومائة الف ] (1) الى السنة الثانية والتسعين (2) ، مما لم يقع في العراق مثلها ، ولم يسمع في الآفاق ما شابه شكله شكلها ، كما (3) ستقع على كنه الخبر ، وليس العيان كالاثر (4) . ليعم الناظر في هذه ************************************************ (1) زيادة يقتضيها السياق ، ويوافق اولها 4 نيسان سنة 1772 م . (2) الموافق اولها 30 كانون الثاني سنة 1778 م . (3) لعلها : مما . (4) كتب المؤلف بعد هذه العبارة ، اهداء مطولاً اهدى فيه كتابه الى والي بغداد الوزير حسن باشا ، ثم شطب عليه ، وحذفه ، وهذا نصه ( خدمت بها من انقشعت بوجود والياً علينا سحابتها المدلهمة ، واندفعت في حكومته فينا كتائبها المدافعة المنضمة ، وبرد بعدله فينا اوارها ، وخدمت بحسن تدبيره الحسن نارها . للوزير الكبير والعلم الشهير الذي ان عدت الوزراء فاز بالقدح المعلى ، وان ذكرت الكرماء فله من بينهم الحظ الاوفى ، الوزير المفخم ، والدستور المكرم ، ساق شوكة بن عثمان ، انسان عين هذا الزمان ، صاحب الخصال الذي يزهو فيها القريض والكمال ، الذي دفع ( 2 ب ) من كامل عليه التقريض ، النجم الذي تعرفه حامل العوالي ، انه القطب والفلك الذي دائرات الليالي لا تدور نحوه من من قرب ، الكريم الذي في كل انملة منه بحر يصب ، والشجاع الذي بكل جارحة منه فيلق لجب :
الرسالة ان الحق احق ما يتبع الانسان طريقته ، والصدق اصدق ما يشيد به المرء مروءته ، فما خسرت صفقة محق وان اكسد له سوقاً ، ولا ربحت تجارة مبطلٍ لان الباطل كان زهوقا ( 3 ب ) ، والبعد ما زال بعين الله ملحوظاً ومن نقمه محفوظاً ما جعل الحق إمامه والصدق أمامه ، ومن عند الله نسأل توفيقاً ينقذنا من الجهالة ويهدينا عن الضلالة ، ويعنينا على طاعته التي من تحقق فيها اخلاصه ، تعجل من العمة خلاصة ، ومن صح فيها يقينه سلم من الشبهه دينه ان خير موفق ومعين . اعلم ـ اي اخي ـ ان الدنيا دار نكد (5) ، لم يسلم من مصابها احد ، فبغداد والبصرة وما والاهما كان اهلها بالنسبة الى غيرهما قبل حلول الطاعون فيهما في ارغد عيش واهناه ، واعدل وقت واعلاه ، يد النفاق منهم قاصرة ، وصفقة الشقاق لديهم خاسرة .
************************************************
( 5 ) في الاصل : وان كانت دار نكد . . ، ثم شطب عليها .
( 6 ) وفد الطاعون من استانبول على مدن العراق سنة 1186 هـ / 1772 م ففتك بألها فتكاً ذريعاً ، وقل ان نجت مدينة او قرية من آثاره ، وتدل التقديرات المحلية المرتفعة لعدد الموتى في الموصل وحدها بنحو بألف انسان كل يوم ( ياسين العمري : منيه الادباء ، تحقيق سعيد الديوه جي ، الموصل 1955 ص 188 ومذكرات دومنيكو لانزا ، ترجمة روفائيل بيداويد ، الموصل 1953 ص 13 ) وثل ذلك في كركوك ، وفنى اكثر اهل اربيل ، وامتدت الى تكريت وعانة والحديثة وغيرها ، وكان هوله في بغداد عظيماً ، حين قدر عدد الموتى في اليوم الواحد في اكثر من الف نسمة ( ياسين العمري : زبدة الآثار الجلية ، بتحقيقنا ، النجف 1974 ، من 135 وغاية المرام ، بغداد 1968 ص 321 ، وعباس العزاوي : العراق بين احتلالين ج 6 بغداد 1954 ، ص 43 ) وذكر الكركوكلي ان الطاعون داهم بغداد في اوائل السنة دوحة الوزراء ، ترجمة موسى كاظم نورس ، بيروت د . ت ، ص 143 ) وفي العراق بين احتلالين 6 / 43 ) نقلاً عن معاصرين انه ابتدأ في اوائل شعبان ودام حتى اواخر المحرم سنة 1187 هـ .
( 40 أ ) ووسد الامر الى غير اهله ، ووضع كل شيئ في غير محله ، زالت تلك المحاسن ، وشربنا بعض الصفاء من الاكادر الماء الآسن ، فكأن تلك الايام كانت سحاباً ثم انقشع ، وكأن تلك الليالي كانت احلاماً ، وتلك المحاسن كانت مناماً ، او كأنها ظل امتد ثم ارتد ، او خيال طرق ثم انطلق ، او نبات نجم ثم انصرم، فتأملت هذه الدنيا في ائتلافها واختلافها ، ومواتها وانحرافها ، ورأيت المغتر بها على شرف غرر (7) ، والعجب بنعيمها على شفا خطر ، والمتعلق بحبالها كالمتعلق بنسيج العناكب بل بأوهن منه واوهى ، والساكن الى قبابها كمعانق الاسد بل اجن واجنى ، ووجدت وصالها فراقاً ، ونفاقها نفاقاً ، وماءها زعاقاً ، (8) وأملاكها طلاقاً . ولما عم الطاعون في بغداد كل نادي ، وملأت اعوانه الصحاري والبوادي ، خرجنا معاشر ( 4 ب ) آل السويدي من بغداد ، وخرج معنا وبعدنا من الناس كثيرون ، وخرج ايضاً بعدنا العلامة الشيخ صبغة الله الكردي (9) ـ رحمه الله ـ ************************************************
(7) الغرر ، بفتح اوله وثانية : الخطر .
(8) الزعاق الماء المر الغليظ . (9) هو الشيخ صبغة الله بن ابراهيم بن حيدر بن احمد الحيدري الحسيني ، ولد في ماوران ( من اعمال اربيل ) سنة 1107 هـ / 1695 م وقدم الى بغداد في ايام الوزير احمد باشا بن حسن باشا وهو اول من وردها من بيت الحدرية الشهير بالعراق ، وتقلب منصب الافتاء ، وتخرج عليه علماء كثيرون ، حتى قيل انه( اخذ عنه جميع من عاصره من علماء العراق فلا تجد اجازة علمية عراقية الا تتصل به وتنتهي الى آبائه ) وكان متقناً لعلوم متنوعة ، كالعربية والتفسير والمنطق والحكمة والهيئة وغيرها ، وله تآليف مهمة في معظمها منها حاشية على تفسير البيضاوي ، وحاشية على حاشية عصام الدين على شرح الجامي للكافية ، وحاشية على حاشية جده احمد بن حيدر المسماة بالمحاكمات وكانت وفاته بالطاعون سنة 1187 / 1773 م ( عصام الدين عثمان العمري : الروض النضر ، تحقيق سليم النعيمي بغداد 1975 / ص 3 / 21 ومحمد الغلامي : شمامة العنبر ( مخطوط ) وابراهيم فصيح الحيدري ، عنوان المجد بغداد د . ت ص 123 وعباس العزاوي : تاريخ الادب العربي في العراق ، بغداد 1962 ص2 / 129 ،
بعياله واتباعه ، وكان والي بغداد يومئذ عمر باشا ( 10 ) يغضب على من يريد الخروج من بغداد ، وكانت الناس لا تطيعه في ذلك ، وكانو يهربون من الوحشة التي وقعت في البلد مع علمهم بأن الاجل بيد الله ، والخروج لا يدفع ما قدره الله .
وكان خروجي اولاً الى قصبة سيدنا الحسين ( 11 ) بعيالي جميعهم ، س
ولما وقع فيها الطاعون انتقلت الى الحلة ، ولما وقع فيها الطاعون وضعت عيالي في سفينة وانحدرت الى البصرة ، وقد كنت قبل هذا اتمنى رؤية البصرة لعلمي انها كانت دار حديث ، وقصداً للتبرك بمواضع اقدام اولئك الاجلاء
************************************************
وتاريخ علم الفلك ، بغداد 1985 ص 262 وديوان العشاري ، بتحقيقنا بالمشاركة ، بغداد 1677 ص 87 )وينفرد عثمان بن سند بأنه توفي سنة ( 1190 هـ / 1776 م ) ، انظر مطالع السعود ص 72 ( مخطوط ) ومختصره لامين الحلواني ، القاهرة 1371 ص 27 .
( 10 ) من ولاة المماليك في بغداد ، ترقى في المناصب حتى صار ( كتخدا ) لسليمان باشا ابن ليلة اول ولاة المماليك ، عرف ببطشه ودهائه وطموحه ، فعندما عين زميله علي باشا الكتخدا والياً على بغداد سنة 1176 هـ / 1762 م قاد هو حركة شغب انتهت بمقتل علي باشا وتوليه الحكم مكانه سنة 1177 هـ / 1763 م ، ثم قام بحملات عسكرية لضرب القبائل العربية القوية ، فنكل بالخزاعل سنة 1181 هـ / 1767 م وبطش بالقبائل المنتفق سنة 1182 هـ / 1768 م ، ومارس ضغطاً سياسياً على الجليلين ولاة الموصل ، الا ان حدوث الطاعون الهائل سنة 1186 هـ / 1772 م وغزو الايراني للبصرة سنة 1189 هـ / 1775 م اضعفا من سلطته ، وفسح المجال لمناوئيه للعمل ضدة ، وسيذكر المؤلف فيما يأتي اخبار هذا الوالي حتى مصرعه سنة 1190 هـ / 1776 م وهو زوج عائشة خانم بنت احمد باشا والي بغداد الاسبق ، انظر رحلة نيبور الى بغداد ، ترجمة مصطفى جواد ، مجلة سومر 20 ( 1964 ) ص 65 ودوحة الوزراء 137 ـ 153 ، وزبدة الآثار الجلية 120 ومطالع السعود 31 ( مخطوط ) ومختصره للحلواني 9 ـ 10 ومحمد ثريا : سجل عثماني ، استانبول ، 1308 ـ 1311 هـ في 3 / 593 وسليمان فائق : تاريخ المماليك الكوله مند في بغداد ، ترجمة محمد نجيب الارمنازي ، بغداد 1961 ص 26 ـ 27 . ( 11 ) يريد مدينة كربلاء .
( 5 أ ) فدخلتها واستقبلني من اهلها العلماء العاملون ، والرؤساء الفاضلون ، وانزلوني في المنزل الرحب ، وشرعوا في اكرامي ، وقد كنت افلس من ابن يوم ، ومن حجام سباط ( 12 ) بين القوم ، فلم يمض لي فيها نحو ستة ايام حتى صرت في حال اهل الرفاهية في مأكول طيب ، وشروب طيب ، وملبوس فاخر ، ومركوب زاهي زاهر ، وكيس ملآن ، وجوار وغلمان ، ورأيت فيها الدين ظاهراً والاسلام باهراً ، ورايت من العلماء جماً غفيراً ، ومن الصلحاء جمعاً كثيراً ، ورأيت علمائها جل اشتغالهم في النقول ، من نحو وصرف وبيان وفقه وحديث وأصول ، ورأيت فيها من حفظ الكنز (13 ) والهاملية ( 14 ) وسائر المنظومات الشرعية ، فأعجبني اشتغالهم وتأنست بهم وتأنسوا بي ، وسألني طلبتهنم الدرس ، فعقدت له درساً صباحاً في سائر الفنون وشرعت في قراءة حديث البخاري في مسجد القبلة عصراً وكان المستمعون ( 5 ب ) للحديث الفاً او يزيدون ، وبقيت مشتغلاً فيها من اهل العلم مدة ، ووقع الطاعون ( 15 ) ، فخرجت بعيالي الى قصبة سيدنا الزبير ( 16 ) ************************************************
(12) من الامثال السائرة ، وسابط كسرى موضع كان بالمدائن ، قيل ان حجاماً فيه كان يحجم الناس بنسيئه ، فأن لم يجئه احد حجم امه حتى قتلها ( ياقوت الحموي : معجم البلدان ، بيروت 1957 ، 3 / 166 ) .
(13) كنز الداقائق للشيخ ابي البركات عبد الله بن احمد المعروف بحافظ الدين النسفي المتوفي سنة 710 هـ / 1310 م وهو من المتون المشهورة في فروع فقه الحنفية ، كشف الضنون استانبول ص 1515 . (14) المنظوعة الهاملية في فروع فقه الحنفية لابي بكر بن بن علي بن موسى الهاملي الحنفي اليمني المتوفى سنة 769 هـ / 1368 كشف الضنون 163 ، 1868 . (15) تبالغ الروايات المحلية في تقدير عدد الموتى بسبب الطاعون ، حيث تذكر انه احصي من مات فيها فبلغوا ثلاثمائة وخمسين الفاً ) وانه لم يبق نها الا القليل ( عثمان ابن بشر الحنبلي : عنوان المجد في تاريخ نجد ، بغداد 1328 ، ص 41 وابراهيم بن صالح بن عيسى ، تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ، الرياض 1966 ، ص 115 ) . (16) الزبير : بلدة تبعد عن البصرة بنحو 17 كيلو متر تقريباً غرباً ، ابتدأ تكونها
فأنكب علي اهلها ، واستروا بقدومي عليهم واكرموني بما قدروا عليه ، وسألوني ان اقرأ الحديث ، فقرأنا البخاري كل عصر في جامع سيدنا الزبير حتى وقع الطاعون في القصبة ( 17 ) ، فخرجت الى الكويت وخرج معي جماعة .
والكويت ( 18 ) بلدة عن ساحل البحر ، وكانت المسافة ستة ايام براً ، فدخلتها واكرمني اهلها [ اكراماً ] عظيماً ، وهم اهل صلاح وعفة وديانة وفيها اربعة عشر جامعناً وفيها مسجدان ، والكل في اوقات الصلوات الخمس تملأ من المصلين ، اقمت فيها شهراً لم اسئل فيها عن بيع او شراء ونحوهما ، بل اسئل عن صيام وصلاة وصدقة ،وكذلك نساؤها ذوات ديانة في الغاية ، وقرات فيها الحديث في ستة جوامع ، نقرأ في الجامع يومين ( 6 أ ) او ثلاثة ( 19 ) فضيق من كثرة المستمعين ، فليتمسون مني الانتقال الى اكبر منه ، وهكذا حتى استقر الدرس في جامع ابن بحر ، وهو جامع كبير على البحر ( 20 ) ، ************************************************
سنة 979 هـ / 1571 عندما انشأت السلطة العثمانية مسجداً على ضريح للصاحبي الزبير بن العوام كان هناك ، ثم اخذ الناس يقصدون ذلك المسجد ويسكنون بجواره ، وسميت البلدة بأسمه : الزبير ، وفي عام 1211 هـ 1797 م امر والي بغداد سليمان باشا الكبير بأنشاء سور للبلدة حماية لها من الغزوات الوهابية انذاك ، كما سكنتها في الفترة نفسها اسر نجدية عديدة مما انمى البلدة ووسعها ، دوحة الوزاء 218 وحسين خلف الشيخ خزعل : تاريخ الكويتي السياسي 1 / 93 .
(17) قدر عدد من مات من اهل الزبير بسبب الطاعون نحو ستة الالف نسمة ، ابراهيم بن صالح ، المصدر السابق ، ص 115 . (18) تأسست مدينة الكويت ، على ارجح الروايات ، في الربع الاول من القرن الثاني عشر للهجرة ( الثامن عشر للميلاد ) ، وكان نيبور الذي زار الكويت بعد المؤلف بثلاثة اعوام قد اشار اليها بأنها مدينة تجارية عامرة ، انظر عبد العزيز الرشيد : تاريخ الكويت ، بيروت 1971 ص 31 . (19) في الاصل : ثلاثاً . (20) من اقدم مساجد الكويت ، او اقدمها جميعاً ، وهو ما زال عامراً حتى اليوم ، ويقع على سيف البحر .
كجامع القمرية في بغداد ( 21 ) ، وجاء الطاعون اليها لكنه لم يكبر ولم تطل ايامه . ولما توارت الاخبار بأنقطاع الطاعون عن البصرة ، اردت الرجوع اليها فقدموا لي سفينة كبيرة وأنزلوني انا وعيالي ، لم ينقص الطاعون ببركة حديث المصطفى منا احد ، ونزل في المركب معي من اكابر الكويت اناس بقصد التبرك بخدمتي ورفقتي ، ونزل معي جميع ما كان في الكويت من اهل البصرة بلا نولٍ ( 22 ) وصاحب المركبة يخدمنا بنفسه . وجرينا ببركة الله تعالى ونحن في احسن عبادة مشغولون نهارنا بمذاكرة العلم وتعليم البحرية الذين معنا امور دينهم ، ولم يتفق لنا يوم نكرهه ، ولم يتفق انا صلينا احدى [ الصلوات ] ( 23 ) الخمس فرادى من حيث نزلنا في المركب الى حيث خرجنا ، وكانت نيتي ان لا اقيم ( 6 ب ) في البصرة الا قدر انتظار الرفيق لقطعنا بأن الطاعون ارتفع من بغداد . ************************************************
(21) رجامع القمرية ، ضبطه المؤلف بفتح اوله ، والمشهور بضمه وسكون الميم وكلا الضبطين صحيح لانهما يرتقيان الى ما قبل تأسيس الجامع نفسه ( انظر علي البنداري : دولة آل سلجوق للعماد الاصبهاني ، ليدن ، ص 249 وتاج العروس ، مادة قمر ) وهو ثاني اقدم جامعين باقيين ببغداد ، اذ شرع الخليفة الناصر لدين الله ( 575 ـ 622 هـ / 1180 - 1225 م ) واتمه المستنصر بالله سنة 626 هـ / 1228 ، وألحقت به دار للقرآن واخرى للحديث ، ثم جرت عليه ـ بعد ذلك تعميرات عدة منها سنة 667 هـ / 1228 ، والحقت به دار للقرآن واخرى للحديث ، ثم جرت عليه ـ بعد ذلك ـ تعميرات عدة ، منها سنة 667 / 1268 على يد علاء الدين الجويني صاحب ديوان العراق ، وسنة 1054 / 1644 م على يد والي بغداد دلي حسين باشا ، سنة 1179 هـ 1765 بامر عائشة خانم زوجة عمر باشا والي بغداد سنة 1030 هـ / 1815 م على يد الوالي سعيد باشا ، وما زال هذا الجامع قائماً عامراً ، وموقعه على شاطئ دجلة الغربي ، قرب ثانوية الكرخ للبنين مقابلاً لمنشآت السراي على الجهة الاخرى من النهر ، محمود شكري الآلوسي : مساجد بغداد وآثارها ، بتهذيب محمد بهجة الاثري ، بغداد 1925 ، ص 114 وكتابنا : مساجد بغداد ، ج2 ( مخطوط ) .
(22) النول : العطاء . (23) زيادة يقتضيها السياق .
فلما قطعنا البحر نزلنا ليلة وصولنا البصرة في السراجي (24) وألزمني أهلي بأن اتركهم في السراج واذهب بنفسي صباحاً ارتاد لهم منزلاً لان منزلنا السابق كان في [ محلة ] (25) القبلة ، واهلها واكثرهم ابادهم الطاعون ، فخافو ان تصيبهم عين ، فسرت صباحاً انا وخادم لي ووصلنا الى سوق قهوة التجار فلم نرا احداً ، فجلست في السوق انتظر من يمر علي لاسأله عن منزل مناسب فأذا برجلٍ من اخص احبائي واشفقهم علي واكثرهم صلة يقال له الحاج بكر بن الملا ، ففرح بسلامتي وانا بسلامته افرح منه ، وذهب بي الى منزله واعطاني دار بقرب داره ، بما فيها من اثاث وغيره كان لبعض من ورثتهم ، ورغم غلمائه بكنسها وتنضيفها ، فأرسلت على اهلي من جاء بهم ، والتزم ـ حفظه الله ـ بطعامي ظهراً ومغرباً ( 7 أ ) ينقل الي من بيته ما يكفي لاهلي وخدامي وخطاري (26) الطعام الفاخر الهنيئ . ولما اردنا الرفيق الى بغداد ، اخبرنا اهل البصرة ان الطريق مخوف في الغاية ، وان قلعة القرنة (27) خراب ، احرقت بيوتها العرب ، واكثر اهلها ************************************************
(24) السراجي : قرية عامرة تبعد عن البصرة بنحو ميلين ، كانت تتخذ مرفاً لرسول السفن الكبيرة ، ومنها كانت تنقل البضائع ، والركاب احياناً ، بزوارق اصفر عن طريق نهر متفرع من شط العرب يسمى السراجي ايضاً ، وهو الذي سلك المؤلف ، وكان في المرفى حصن كبير لحمايته . (25) زيادة يقتضيها السياق . (26) خطاري : ضيوفي . (27) القرنة : بلدة تقع في شمال البصرة ، عند ملتقى دجلة الفرات تقريباً ، لم يذكرها احد من البلدانين العرب ، وورد اسمها في رحلة البرتغالي مجهول سنة 1555 ثم توالت اشارات السياح اليها بعد ذلك ، وخلاصة ما ذكروه انها ( قلعة ) عند ملتقى دجلة والفرات ، وردد بعضهم اسطورة تفيد بأن في موقعها كانت جنة عدن ( ليسترنج : بلدان الخلافة الشرقية ، وترجمة بشير فرينسيس وكوركيس عواد ، بغداد 1954 ، ص 46 ـ 47 ) وشيد علي باشا آل افرسياب حاكم البصرة المستقل في القرنة قلعة ، في اوائل القرن السابع عشر ، سميت بالعلية نسبة اليه ، ثم زاد ابنه حسين باشا ( 1057 ـ 1066 هـ / 1647 - 1655 م ) عمرانها ، فجعلها ثلاث قلاع ( كل واحدو منها محيطة بالاخرى وبينهما فرجة صالحة للمقاتلة ويحيط بثلاث جوانبها الشط والجانب الاخر خندق عظيم ، واسوارها من الطين والتراب . .) فتح الله الكعبي : زاد المسافر ولهفة المقيم والحاضر ، بغداد 1958 ، ص 39 ، ويبدو ان القرنة تدهورت في الفترة التي مرة بها المؤلف ، حيث وصفت بأنها قرية صغيرة رثة ، لها من جهة البر سور مضاعف مشيد بالآجر النيئ ، وانها قليلة السكان ، وتتخذها قوات من الانكشارية ( قدرهم نيبور بخمس اورطات اي فرق ، وهو رقم كبير ، يحصلون للحكومة على الرسوم الكمركية المفروضة على السفن ( مشاهدات نيبور في رحلته من البصرة الى الحلة ، ترجمة سعاد العمري ، بغداد 1955 ، ص 66 وجاكسون : مشاهدات بريطاني ، ترجمة سليم طه التكريتي ، بغداد د ، ت ، ص 40 ،
بالطاعون ، فبقينا ننتظر الفرج ، وأيت اخواني الذين تركتهم في البصرة قد افانهم الطاعون خصوصاً اهل [ محلة ] القبلة ، واخبرني الحاج بكر ان جميع من كان يحضر درسي في مسجدها مات ، فعاهدت ربي اني لا ادخل محلة القبلة لتكدري برؤية آثار تلكم الاجلة ، ورغبني الحاج بكر في المقام في البصرة ، وذلك رغبني الشيخ درويش آل عبد السلام (28) رئيس الكواوزة (29) لعدم من عنده اوفى فقهاً في البصرة ، وانا استوفي لهما الامر وقصدي بغداد . ************************************************
(28) هو الشيخ درويش باش اعيان البصرة ، المتوفي سنة 1195 هـ / 1780 م ، ابن الشيخ انس ابن الشيخ درويش ابن الشيخ احمد ابن الشيخ عبد السلام الثاني من اسرة باش اعيان العباسية للبصرة ، عرفه بموقفه النبيل ومساعدته لمتسلم البصرة سليمان اغا ( سليمان باشا الكبير فيما بعد ) وفي الدفاع عن البصرة عنى حصار الزنديين لها سنة 1188 هـ / 1774 م .
وقد اشاد نيبور بمساعدته تلك وبتعاونه مع سليمان بك الشاوي امير قبيلة العبيد في ذلك الظرف ، انظر : لمحة عن تاريخ آل باش اعيان في البصرة ( مخطوط في مكتبة عباس العزاوي ) ص 15 ـ 16 وعبد القادر باشا اعيان : موسوعة تاريخ البصرة الكبير ج 42 و 25 ق 1 و 3 ( وهو مخطوط في المكتبة العباسية بالبصرة ) وديوان العشاري ص 246 ـ 265 . (29) الكواوزة : هم آل باش اعيان في البصرة ، والكواز لقب المشيخ محمد امين ابن حسن بن محمد الشافعي الشاذلي مؤسس الطريقة الكوازية .
منصب القضاء وتولية المدرسة الخليلية ، وكذلك المتسلم رغبني في قضاء البصرة فأمتنعت ، ولم يزل الشيخ درويش يرغبني في التدريس ويذكر جهات المدرسة حتى رغبت ، وألبسني المتسلم خلعت التدريس فرجية خضراء . ودرست في الخليلية سبعة ايام ثم ذكرت بغداد ، فأمتنعت وسكت الشيخ درويش عني وانا فرح بسكوته ، فأذا قد عرض مع المستلم الى عمر باشا يطلبان منه امري بالقضاء والتدريس وانا لم اشعر ، فبعد ايام جاء فرمان (32) عمر باشا يأمرني بقبول ذلك ، فأردت من جهة القضاء ان اهرب الى الكويت لاكن تذكرت ان عمر باشا رجل ظالم غشوم اخشى ان يبطش بعشيرتي في بغداد انتقاماً مني (33) فأمتثلت الامر ( 8 أ ) وألبست خلعة القضاء فروة قاقومية (34) ، وبكى حينئذ جميع عيالي كراهة للمقام في البصرة ، لا سيما وهي كانت مموحة (35) ، فقلت لهم لا تبكوا انا ارسلكم الى بغداد وابقى وحدي فلعلكم ************************************************
(32) الفرمان ، فارسية ، وتعني امر الملك والعهد ، وتطلق على الاوامر والكتب الصادرة عن السلطان وحده ، فأطلاقها على عمر باشا غير دقيق ، والصواب ان يسمى ( بيور اولدي ) وهي كلمة تركية معناه ( امر بـ ) بصيغة المجهول وتطلق على الاوامر المكتوبة التي كان يصدرها الصدر الاعظم والوزراء والولاة وامثالهم تميزاً لها عن اوامر السلطان المسماة ( فرمانات ) ( وفرامين ) .
(33) في الاصل : انتقاماً لي . (34) الفروة : الرداء المتخذ من الفراء او المبطن به ، ولعله يشير الى الكرك ، وهو نوع من الالبسة الثمينة يشبه الفرجية ، مبطن بفراء بعض الحيوانات النادرة ، والقاقوم ، او القاقم : حيوان ببلاد الترك على شكل الفارة الا انه اطول ( المصباح المنير ) . (35) مموحة : اي ان فيها الموح ، وهو الفيضان ، وتكون ماء الموه من مياه الاهوار الواقعة في غرب البصرة ، ويتراوح عمقه بين خمسة سنتمترات الى المتر الواحد ، وعندما يجف اكثره يعتدل جو البصرة ، وقد احتمى اهل البصرة منه بسداد ، واستفادوا منه بزراعة النخيل ، وانظر : احمد نور الانصاري : النصرة في اخبار البصرة ، تحقيق يوسف عز الدين ، بغداد 1969 ، ص 30 و 37 .
هناك تصنعون لي فرجاً (36) . وبعد ايام قليلة انفتح طريق بغداد من ناحية الحلة ، فأرسلت الجميع في سفينة ، وبقية وحدي ، وليس في البصرة من طلبة العلم باقياً (37) من حرب الطاعون سوى السيد ياسين مفتي الشافعية في البصرة (38) ، فلذلك كنت اشتاق الى بغداد ، وكان يخطر في البال ان حال بغداد بعد الطاعون كحال البصرة ، وحب الوطن يدفع هذا الخاطر ، وقد انشأت اشتياقاً الى بغداد لنفسي :
************************************************
(36) اشار الى هذه المحادثة في مجموعة منشآته ( مخطوط ) (37) في الاصل : باق . (38) يذكر ميبور ان سليمان باشا اول ولاة المماليك حصر منصب افتاء الشافعية بأحدى الاسر المتحدرة من آل الرسول ( ص ) . (39) في الاصل : تنتظر . (40) امتق في الضرع شربه كله ، والفواق : ما يأخذ المتحضر عند النزع .
اليه حالي ، واني في هذا البلد غريب فريد لا زوجة لي ولا جارية ، وجميع من تركني ، فقطع أملي : وقال ان الوزير ان عمر باشا ( 9 أ ) قد جعلك بصرياً ، وبغداد ليست ( 44 ) كما تعهد قبل الطاعون ، تبدلت رجالها ، فتغيرت احوالها ، فتزوج هنا ونحن معاً متأنسون ، فتزوجت امراة دينة عفيفة من ذوات الخدور ـ رحمها الله تعالى ـ وبقيت مقدار سنتين ، وسليمان اغا يبالغ في اكرامي واحترامي ، حتى انه كان ( 45 ) يأتيني للمعايدة ايام العيد بيوم مستقل ، ويأتي جميع الاعيان في يوم اخر ، ويقول لي : هذا لاكرامك : والا فالطريقة هنا انه مع الاعيان في يوم واحد .
ثم اني بعد زواجي رضيت بالمقام في البصرة ، فبينما انا جالس ذات يوم اذ دخل علي اعجمني من اهل شيراز يطلب ميراث اخيه وقد مات ايام الطاعون في البصرة ، وماله محفوظ عند وكيل بيت المال ، فأخذت بيده وساعدته وسلمته مال اخيه ، وصارت لي معه صداقة كلية ، فلما ذهب الى شيراز أرسل الي مكتوباً يخبرني ان كريم خان يريد ان يرسل عسكراً لتخسير البصرة ، فخذ حذرك ودبر امرك ( 46 ) ، فقلت في نفسي ( 9 ب ) : ان ظهرت هذا الكلام ربما يكون كذباً او وهما من عند صاحبي وأفشل ، ولم آمن حينئذ من مؤاخذة الوزير فكمته ، ولكني راسلت اهلي الذين هم في بغداد ليأخذوا حذرهم اذا ربما يكون سفر العجم الى بغداد لا الى البصرة ، وأمرتهم بالكتمان ، ************************************************
(44) في الاصل : ليس .
(45) جاء في الاصل بعد قوله حتى انه ( حفظه الله تعالى ) ثم شطب عليها وكتب فوقها ( كان ) . (46) كانت الشائعات عن عزم الفرس غزو البصرة تتردد بأستمرار منذ كانون الثاني عام 1774 م (اواخر 1187 هـ ) مما دفع بوكلاء شركة الهند الشرقية البرطانية الى حث شركتهم مراراً ، من ذلك التاريخ ، لاتخاذ موقف محدد عند وقوع ذلك ( انظر ، عبد الامين محمد امين : المصالح البرطانية في الخليج العربي 1747 ـ 1778 ، ترجمة هاشم كاطع لازم ، بغداد 1977 ، ص 183 ـ 184 ) ويبدوا ان هذه الانباء بقيت بعيدة عن اذهان رجال الحكومة ببغداد ، حتى وقوع الحصار نفسه .
وباشرت من حينئذ اسباب الخلاص من القضاء في البصرة حتى [ اذا ] (47) مضى نحو سبعة اشهر جاء المبشر بخلاصي ، وان الوزير خيرني به المقام هناك والقدوم الى بغداد ، فأخترت بغداد ، فمنعني المتسلم المذكور (48) وغالب اعيان البصرة من الخروج من محبتهم لي وعدم مودتهم بعدي ، وقالوا : نخشى ان لا ترجع ! فأبقيت فيهم اهلي واثاثي فطمأنو بذلك ، واخبرت زوجتي اني هارب من العجم ، فأذا جاءوه فحالك حال نساء الاعيان .
فخرجت من البصرة ، فلما وصلنا الى السماوة (49) لحقنا الخبر ان خبر العجم شاع في البصرة ، وهم في تداريك الحصار ، فلما دخلت الحلة شاع عند الناس ( 10 أ ) ان البصرة حوصرت وانقطع الطريق . ومن اقوى الاسباب لاخذ العجم البصرة ، ان عمر باشا لم يصدقه ************************************************
(47) زيادة يقتضيها السياق . (48) ورد في الاصل بعد كلمة المتسلم قوله ( حفظه الله) ثم شطب وكتب في الهامش ما أثبتناه . (49) السماوة : مدينة تقع على عمود الفرات بين الديوانية والبصرة ، في أرض عرفت بهذا الاسم منذ ما قبل الاسلام ( ياقوت : معجم البلدان 3 / 245 ) ومن المرجع انها تأسست في حدود 900 هـ / 1494 ولم تكن عند تأسيسها غير قلعة أو قرية بسيطة تقع على الجهة اليمنى من فرات الرماحية ( شط العطشان ) ، ثم دب فيها العمران بعد سنة 1112 هـ / 1700 بسبب تحول نهر الفرات اليها ، واصبحت قاعدة لقبيلة الخزاعل ومراكزاً لجبايتهم ، وكان ايفز الذي مر بالبلدة سنة 1785 م / 1172 ، اي قبل مرور المؤلف بها نحو 17 عاماً ، وقد وصفها بأنها بلدة مسورة بالطين ولا يختلف هذه الوصف عما ذكره نيبور الذي مر بها سنة 1179 هـ / 1765 ، ولكنه اشار الى ان طاعوناً اباد جميع سكان القرية تقريباً قبل عدة سنوات من زيارته لها هو طاعون آخر غير الذي وصف المؤلف ، وانظر حمودي الساعدي : مدينة السماوة ( مجلة البلاغ البغدادية 5 ( 3 ، 1975 )ص 75 ـ 68 ) .
السلطان (50) بخبر العجم ولا بحاصرهم البصرة ، وصدق بعض اضداده من الوزراء حيث أخبروا بأن العجم مفتتنون مع الأكرد ، وان عمر باشا من طعمه جعل نفسه في هذه الفتنة ، ولا قصد بالعجم معنا ، بل انما عركتهم ( 51 ) مع الكرد من جهة بعض المراعي (52) ، وصحح هذا الخبر عند السلطان ان كريم خان ، وهو محاصر البصرة ، أرسل أليلجيا (53) الى السلطان يشكو منن عمر باشا يتذلل وخضوع ، وانه كان يريد غزوا بلاد النعمان من طرف البصرة فمنعه باشا من ذلك . وان عسكر كريم خان الى الآن (54) هم نازلون قبال البصرة على شط ************************************************
(50) عبد الحميد الاول بن احمد ( من 8 شوال 1187 الى 11 رجب 1203 هـ / 1773 ـ 1778 م ) .
(51) تعبير عامي يريد عراكهم . (52) كانت الدولة العثمانية قد بعثت ( وهبي افندي سنبل زادة ) سفيراً لها الى ايران لاستجلاء حقيقة الامر ، وانهاء الازمة ، وقد قدم السفير تقريره الذي وضعه بالتعاون مع والي بغداد وفيه تأيد لوجه النظر الاخير في ضرورة اعلان الحرب ، ونضراً لان الدولة قد فقدت ثقتها بنظام المماليك في بغداد فأنها لم تكتفي لما جاء في ذلك التقرير ، بل طلبت تقارير من محافظ مدينة قارص الوزير احمد عزت باشا ووالي شهرزور سليمان باشا الجليجي عن موضوع نفسه ، وقد رفع الاخير تقريراً مطولاً اعد بالتعاون مع والده امين باشا في الموصل ، وضع فيه المسؤلية على عاتق عمر باشا وحده ( انظر خلاصة التقرير في تاريخ جودت )2 / 43 ـ 44 ) ويبدوا ان هذا التقرير لم يكن سوى الحجة الرسمية التي اتخذها الدولة مبرراً للعمل ضد عمر باشا والقضاء على نظام المماليك برمته ، التفاصيل في كتابنا : الموصل في العهد العثماني ، فترة الحكم المحلي ، النجف 1975 ، 130 ـ 134 . (53) ايلجي ، والاصح ، آلجي : كلمة تركية من مقطعين ، آل وتعني السلم او التحالف ، وجي ، اداة تركية تدل على الحرفة ، وهي تعني رسول الكلام اوسفير او وزير مفوض . (54) حاصرت جيوش كريم خان البصرة في 7 نيسان 1775 م 4 صفر 1189 هـ ) لوريمر : دليل الخليج القسم التاريخي ) ا / 236 .
العرب ، فكان لذلك كلما يرسل عمر باشا يستمدهم بعساكر يرسلونه له : لا تفتح باب العجم واسلك بالتي وهي احسن ، والناس لا خبرة لهم بما بين عمر باشا وبين الدولة ، وينسبون عمر باشا الى العجز تارة والى الخيانة تارة ، واهل البصرة يستغثيون ولا يغاثون ( 10 ب ) ويستنصرون ولا ينصرون ، وهم كل يوم بل كل ساعة في جهاد مع عدوهم وقتال ، وبقوا محاصرين اربعة عشر شهراً ، ونالوا من الجوع ما لم ينله احد ، واكلوا من الاضطرار جميع ما يقيت ، من حيوان وغيره مباح اكله او منهى عنه ، وعمر باشا لم يزل يكاتبهم ويعدهم الفرج ، حتى جاءته اخبار من الدولة تتضمن تصديقهم اياه بخبر العجم ، وانهم مرسلون اليه ببشوات وعسكر . فبعد ايام جاء من الروم (55) الى بغداد عبد الله باشا (56) وعبدي باشا (57) ومصطفى باشا (58) ، وطابت بقدومهم نفوس اهل بغداد ، وقالو : ************************************************
(55) الروم اصطلاح عثماني اريد به الترك ، وبلاد الروم من آسيا الصغرى او الاناضول . (56) هو الوزير عبد الله باشا الملقب بـ ( اوزون ) اي الطويل ، وكان والياً على ديار بكر ، ويذكر الكركوكلي انه قدم على رأس ثلاثة آلاف جندي ( دوحة الوزراء 152 ) . (57) هو عبدي باشا بن سرخوش علي باشا ، كما سماه ياسين العمري في غاية المرام 187 والدر المكنون ( مخطوط ) وزبدة الآثار الجلية 240 ، وفي سجل عثماني لمحمد ثريا اسمه : عبدي باشا قوجه ( 3 / 411 ) وستأتي ترجمته عند ورود خبر توليه بغداد . (58) هو مصطفى باشا الاسبيناقجي او الاسبيناخجي ( اي بائع السبانخ ) وفي سجل عثمان ( 4 / 477 ) اسمه : مصطفى باشا حافظ اسبيناقجي زاده ، بدأ حياته قبوجياً ( رسولاً سلطانياً ) ثم نال رتبة مير ميران ، وفي 1183 هـ / 1769 م صار والياً على ارضوم ومخافظاً لجلدر ، وتولى دمشق سنة 1186 هـ / 1772 م ، ثم نقل الى قونيه سنة 1187 هـ / 1773 م وعزل سنة 1188 هـ / 1774 م وتولى بغداد ـ كما سيأتي ـ سنة 1190 هـ / 1776 م ، وذكره رسلان بن يحيى القاري في كتابه ( الوزراء الذين حكموا دمشق ) بقوله : كان حاكماً عادلاً ذا مال ، وحجج الحاج من ماله وما ظلم أحداً ، ولكن اسمه تصحف فيه الى السبايكجي ، وصوابه : السبانكجي ، المحرفة من السبانخجي ( ولاة دمشق في العهد العثماني ، جمع وتحقيق صلاح الدين المنجد ، دمشق 1949 ، ص 84 ) وفي قائمة ولاه بغداد ( مخطوطة في مكتبة الاوقات ببغداد ) انه تولى بغداد سنة 1188 هـ ، وهو خطأ .
خلصت البصرة من ايدي العجم ، فبعدوا أيام أظهروا عزل عمر باشا واشاعوا ان قد صار الصلح من العجم من طرف الدولة ، وانهم سيقومون عن البصرة . وخرج عمر باشا وبنى (59) ،خيامه عندنا (60) في الجانب الغربي ، وولى السلطان على بغداد مصطفى باشا (61) ، فبعد ايام خرجت عساكر البشوات الى معسكر عمر باشا ليلاً وأحاطوا به ، ولما اصبحوا ( 11 أ ) بيَّنوا فرماناً برأسه ، فقتلوه (62) ، ولم يقرب مصطفى باشا من اتباع عسر باشا أحداً ، وأجلى ************************************************ (59) في الاصل : بنا . (60) سيذكر المؤلف في مواضع متفرقة من كتابه انه من سكنة الجانب الغربي ، وكانت دور السويديين تقع في محلة خضر الياس من ذلك الجانب ، وقد حدد صاحب دوحة الوزراء ( ص 153 ) موضع خيام عمر باشا بأنها ( المنطقة ) من غربي بغداد ، وكانت ولاة بغداد يضربون خايمهم فيها للنزهة او للصيد او عند شعورهم بالخطر على انفسهم ، كما يحدث على الاوبئة والثورات ، او لاستعداد لطريق عن عزلهم عنها . (61) في سجل عثماني 4 / 447 ان مصطفى باشا تولى بغداد في رمضان سنة 1190 هـ / ( 1776 م ) بينما يذكر الكركوكلي انه تولاها منذ بداية السنة المذكورة ( دوحة الوزراء ص 156 ) . (62) يتفق ياسين العمري ( زبدة الآثار الجلية 141 وغاية المرام 186 ) وابن سند البصري ( مطالع السعود 33 مخطوط ومختصره للحلواني 10 )على ان قتل عمر باشا كان من فعل بغض عساكر مصطفى باشا ، فأنه ضربه بالسيف وقطع رأسه وحمله الى عند الوزراء ، فأرسلوه الى الدولة . ولكن العمري يصرح بأن قتله كان بعد ان اخرجو فرماناً بذلك واظهروه للناس ، بينما يرى ابن سند ان هذا الفرمان كان كاذباً مزوراً ، وينفرد الكركوكلي بأن عمر باشا احس بالنية المبيتة لقتله ، فحاول الهرب الى الكاظمية ، وفي اثناء محاولته سقط من فرسه والتوت رقبته ، فتمكن بعضهم من القبض عليه وقتله وقطع رأسه وجئ به الى مصطفى باشا ، ولا يشير بشيئ الى وجود فرمان بذلك ( دوحة الوزراء 153 ) ويذكر عزي ان عمر باشا عزل بسبب اهماله محاربة العجم ، ولكنه لا يوضح تفصيلات ذلك ( مرأى التاريخ ، حوادث 1189 مخطوط ، بالتركية ) . |
يا ليالي الهنا ووقت ياليالي بجانب السيف صارت ماضيات بحق زينب عودي وانشري لي ذكر الرباب فمن طي اد كاري الرباب طال هجودي حدثيني عن اختها كيف باتت بسنا السيف بيتة القصيد لبوة غاب ليثها عن شراها فتناءت عنه بغياب بعيد | السعود وزمان به قد اخضر عودي
واختفت بين النسوة كالسعالي وهي الآن بعد في تهديد لم تزل تطلب الخلاص واني هي خشف (72) قدة احدقت بقرود لست عن نصرها تختلف لكن انا وحدي وخصمها في عديد |
يا سميري قم بالعشيرة ناد (73) معلناً بالمصاب في كل نادي وامض نحو العراق وانشد وحرض بالقوافي من كان في بغداد اوضح الحال منشداً عن لساني غير خشية الانكاد |
مـن لـهم مـجمع فـي فـجأتنا كـتائب الـفرس ًصـبحا وأتـتـنا بـيـن عـاو وعـادي قصدتنا من السويب (75) ًعبورا فـملا سـيلها بـطون الـبوادي قـصدوا الـبصرة التي عصم الله حـماها مـن عـهد هـود و عاد فـاحـاطوا بـها وقـد مـنعتهم دونـها عـصبة الـهدى والرشاد عـصبة اخلصوا الضمائر في الله فـقـاموا بـنـصره فـي جـهاد غـير مـا انـهم كـأصحاب بدرٍ ًعــددا والـعدو مـثل الـجراد فـلذا حوصروا (76) ولم تمكن الـفرصة ان يـلتقوهم فـي طراد ثـبتوا فـي الحصار حولاً كميلاً يـتـرجـون بـعـثة الامــداد | الـفؤاد لــي منه مفرق الف وادي (74)
وهــم كــل ســاعـة فبدا الجوع وهز قد صـار فـيـهم خير عـون لما بدا لاعادي فغدوا منه مخـبتين ( 77 ) خيارى كالسكارى في الحال بل كلجماد فـأستشروا مجربي الــحرب منهم فأشـــاروا بطاعـة وانقياد لرئيس العداء ان عف عن اعدائهم د ون دون طارف وتلاد ليــتني كـنت فيهم كان عندي غـير ذي الرأي رأى اهل السـدادقـبل ان تهــدم الجماعة حزما شــاده العزم محكما بــشـيـاد وكثـيـر الـعــداء مثل قليل انمـا الـنصر في حراب الـصـعاد انـما النصر في شبا المشرفيات ورزق منت النصال حدادورجال تلقاهم لجة الهيجاء فوق القسور (78) لكن الله حيــث قـدر كأالاطواد امســوا لـم يكن غير ما قضـى بـمـراد | قـتال مع اعــداء دينـهم وجلاد
كـالـثور الا اكـذب مـن فاختة تـقول حان الطرب | انـه في الوحه منه الذئب
فأن كان من | الناس فما فوق الثرى كلب