تأليف عبد الرحمن بن عبد الله السويدي البغدادي حققه وقدمه وعلق عليه تمهيد
ما زال تاريخ العراق في القرون الاخيرة في حاجة الى بحوث جديدة الى بحوث ودراسات مختلفة تلقي الضوء على جوانب مهمة منه ، فتبين طبيعة علاقاتة السياسية ، وتركيبه الاجتماعي ، واصوله الاقتصادية ، وتطور ثقافته ، وسماة حياته العقلية ، وتعنى بالكشف عما خلفه من تراث ، وما تركه من آثار مادية وفكرية على حد سواء وتقييمها تقييماً علمياً ، واذا ما كان القول بأن حيوية الامة قد فترت في هذه القرون صحيحاً ، نتيجة للظروف السياسية التي توالت عليها منذ انتهاء العصر العباسي ، فان قابليتها على استعادة تلك الحيوية لم تكن تفنى ، فقد شهد العراق في هذا العصر ، وبخاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، محاولات متفرقة ، وان كانت بطيئة الوقع ، في مختلف المجالات السياسية والحضارية ، تمثلت في نشوء الحكومات المحلية القوية ، وانبعاث فكرة توحيد العراق تحت سيادة بغداد المركزية ، واستعادة المدن ، وبخاصة بغداد ، بسط نفوذها الاداري والحضاري على الريف والبادية ، وتقليل الأعتماد على قوى الدولة العثمانية المركزية والارتباط بها ، عن طريق انشاء قوات عراقية محلية ، وتحسين طرق المواصلات بتاسيس الخانات والمحطات والجسور وحراستها والزيادة السريعة بحجم المصنوعات المحلية لتصديرها ، ونشاط تجارة الترانسيت ، واضطراد اعداد السكان في المدن ، وتقوية تنظيماتهم الاجتماعية ، وبخاصة اصناف الحرفيين والتجار .
ومن ناحية اخرى ، شهدت هذه الفترة ايضاً نشاطاً مماثلاً في مجالات الحياة الادبية ، فانشئت اعداد من المدارس وخزائن الكتب في المدن العراقية الرئيسية ، ونمت ظاهرة المجالس الادبية التي اعتيد عقدها في بيوت المثقفين ، وتعاظم دور العلماء كطبقة فعالة مؤثرة ، على نحو لم تشهده العهود السابقة من قبل ، واضحت المدن العراقية مراكز جذب شديد لفئات عديدة من القرى والارياف المجاورة لم يجد النابهون منها سوى العلم مجالاً للأرتقاء الاجتماعي ، فبرزت اسر مهمة رفدت الحياة الثقافية للمراكز المدنية بحيوية جديدة ، ولعبت ادواراً كبيرة في احياء الثقافة العربية للبلاد وتجديدها ، وحسر الثقفات الداخلية عن مجالاتها ، واغناء التراث العربي بآثارها ، نسخاً وشرحاً وتأليفاً وتعليقًا واضافة ، فألى أسر الآلوسيين والسوديين والحيدريين والبندنجيين والمدلجيين والعامليين والراويين يعزى الفضل في اذكاء الحركة الادبية القومية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، وإلى امثالهم من المدرسين والمؤلفين والمثقفين غير المعروفين لنا الآن ينسب الدور الكبير في الحفاظ على لغة البلاد وادآبها حية طيلة ذلك العصر . ولقد غلبت النزعة الادبية على حركة التأليف في العراق في العصر العثماني الى الحد الذي غدت فيه اهم سماتها ، ورغم ان طائفة من المؤلفين كتبوا في علوم بحتة ، كالطب والحساب والهيئة ، وما اشبهها ، فأن معظمهم كان يولي النواحي الادبية جل ٍ اهتمامه ، من شعر ، ونثر ، ولغة ، وعلومها ، فضلاً عن اهتمام الجميع بدراسة الامور الدينية ، وهذه الامور ، وان لم تخل من نزعات تجديدية واضحة ، او لمحات فكرية ذكية ، الا انها بقيت في اطارها العام ملتزمة بالتقليد اسلوباً ومنهجاً وغاية . وكان لعلم التاريخ من حركة التأليف تلك نصيب متميز بالقياس الى عدد من العلوم الاخرى ، فقد شهد هاذا العلم تطوراً محسوساً في مختلف مجالاته وفروعه على يد كتاب ادباء ، ومؤرخين محترفين ، كتبوا في تواريخ المدن
المهمة ، ودونوا اخبار القبائل ، وبحثو في علاقاتها وانسابها ، وأرخوا للدول والامارات التي حكمت بلادهم ، وتناولوا في بحثهم تواريخ الدول الاسلامية الغابرة ، والدول المعاصرة ، وبخاصة المجاورة لهم ، وقام بعض النابهين منهم بسياحات عديدة الى بلدان نائية ، فزاروا اوربا والعالم الجديد تاركين وراءهم كتباً ورسائل تاريخية تتحدث عما شاهدوه من بلدان وشعوب .
كما اهتم كثيرون بالترجمة لمعاصريهم من الحكام والامراء والادباء والقضاة والعلماء والشعراء والمتصوفة والاولياء والنساء ، وكتب بعضهم رسائل مستقلة في ترجمة ذواتهم او معاصريهم من اساتذتهم او آبائهم او ولاتهم ، وعكف آخرون على دراسة تاريخ الموسسات الدينية المهمة . ومثلما تنوعت مواضيع الكتابة التاريخية ، تنوعت ايضاً اساليبها ، فمال بعض المؤرخين الى الاخذ بطريقة التدوين الحولية ، والتزام آخرون بدراسة الاحداث كوحدات تاريخية موضوعية ، بينما أخذ غيرهم بالجمع بين الطريقتين ، مما طور علم التاريخ في العراق ، واغناه بتجارب مهمة . ومن الملاحظ ان جل ما كتبه العراقيون في التاريخ كان باللغة العربية ، وقليل منهم من كتب باللغات المعاصرة الاخرى ، كالتركية والفارسية والكلدانية والاوربية ، بمعنى ان لغة الكتابة التاريخية كانت عربية طيلة هذه الحقبة الممتدة لاكثر من ثلاثة قرون تقريباً . والكتاب الذي عنوناه ( تاريخ حوادث بغداد والبصرة ) ـ الذي تقوم بنشره الآن ـ هو واحد من المصنفات التاريخية المهمة التي كتبها مؤرخ عراقي محترف ، عاش في القرن الثامن عشر ، هو الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الله السيويدي البغدادي ، وهو ـ في الاصل ـ نموذج واضح لفن كتابه (المذكرات الشخصية ) التي يؤرخ فيها اصحابها لاحداث عصرهم ، من خلال تأريخهم لفترة معينة من فترات حياتهم ، وهو ـ بذلك ـ اقرب الى فن كتابة الرحلات
منه الى كتابة السير الشخصية ، لان السيرة الشخصية تلتزم بذكر المعلومات الاساسية عن حياة صاحبها على نحو متسلسل منذ النشأة الأولى ، والدراسة ، ومشايخه . . الخ ، اما الرحلة او السياحة فهي تهتم بالدرجة الاولى بذكر ما شاهده المؤلف من خلال تنقله بين البلدان المختلفة ، وما عاصره من احداث بارزة اثناءها ، وربما طالت اقامته في بلد معين ، فتغدو ملاحظاته ذات اهتمامات عامة ، وتخرج من طور المذكرات الشخصية القاصرة على وصف ما مر به من احداث ، الى وصف الاحداث ذاتها ، وتمسى لذلك تاريخاً لعهد بأكمله او تسجيلاً لاحداث بذاتها من خلال سيرة المؤلف الشخصية اثناءها .
ويمكننا ان نعتبر عبد الرحمن السويدي رائداً لهذا النوع من الكتابة التاريخية ، فكتابه هذا تأليف بارع ، لم نعلم ان احداً من العراقيين سبقه فيه ، بين اسلوب تدوين الرحلات ، وكتابة المذكرات الشخصية ، وتسجيل الاحداث كوحدات موضوعية ، بحيث يصعب تصنيفه تحت واحد من هذه الاساليب ، وتصبح الحدود الفاصلة بين سيرة المؤلف الذاتية التي قضاها متنقلا بين مدن شتى ، والاحداث العنيفة التي عاصرها وساهم في معظمها ، حدوداً غير واضحة الى حد كبير . فميزة السويدي اذن انه قدم لنا احداثاً ساهم في صنعها بنفسه ، وكان احد زعمائها المؤثرين . وتدلنا سيرته المفعمة باالمواقف العنيفة على قوة شخصيته ، واعتداده بها ، الى الحد الذي ترك آثارها واضحة على اسلوبه ، بحيث امسى ما دونه شبيه ان يكون ضرباً من المذكرات الشخصية ، دون إخلال بوحدة الموضوع الذي تناوله ، او إرتباك في تسلسل احداثه . وصف السويدي في كتابة هذا فترة مهمة من تاريخ العراق الحديث في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد ( الثاني عشر للهجرة ) ، امتدت من سنة 1772 م / 1186 هـ وحتى 1778 م / 1192 هـ ، وهي فترة حفلت ـ رغم قصرها ـ بأحداث سريعة متتالية ، وبتغيرات جسيمة ، كان لها أثرها على الفترات اللاحقة
من تاريخ العراق العثماني ، ففي سنة 1772 م / 1168 هـ وفد الطاعون على بغداد ، فالحلة ، فالبصرة ، ثم الزبير ، وغير ذلك من المدن والقصبات ، مخلفاً وراءه مآسي وآلاماً جمة .
وفي السنة التالية حاصرت جيوش كريم خان البصرة ، فمكثت محاصرة لها اكثر من سنة ، ودخلتها بعد ذلك رغم ما ابدته المدينة من بسالة في الدفاع والمقاومة . وفي هذه الاثناء كانت الاحداث تتوالى بسرعة في بغداد ، فقد طالب عمر باشا الوالي المسلوكي بنجدات عسكرية سريعة لمواجه الموقف ، بينما ارتفعت اصوات اخرى متهمهة اياه بتسببه في ضياع البصرة ، ووجدت الدولة العثمانية فرصتها في ضرب نظام المماليك والتخلص من زعامتهم في البلاد ، فأيدت خصوم عمر باشا في دعواهم ، وان اظهرت تايدها لمطالبه بارسال حملة عسكرية كبيرة ، ولكن هدف هذه الحملة الاول كان القضاء على عمر باشا نفسه ، اذ ما ان استقر قادتها ببغداد حتى اعلنوا عزل عمر باشا ، ثم قتلوه في وسط ظروف مريبه ، ولم يكن الوالي الجديد مصطفى باشا الاسبيناقجي ، وهو احد رجال الحملة ، قادراً على انقاذ الموقف في البصرة ، كما لم يعد قادراً على إرضاء المماليك ، فعين عبدي باشا ، زميله في الحملة ، خلفاً له ، في نفس الوقت الذي كانت فيه المساعي تبذل لدى الباب العالي لاقناعه بضرورة الاعتماد على نظام المماليك من جديد ، وقد نجحت تلك المساعي فعلاً ، فعين عبد الله باشا ، وهو احد مماليك عمر باشا ، والياً على بغداد سنة 1776 م / 1190 هـ ، ولكن ضعف شخصية هذا الوالي ثم مرضه ، حالاً دون اي تحسن في الموقف ، وانتهز احد ذوي النفوذ في السراي ، وهو عجم محمد الفارسي الاصل ، الفرصة ليستحوذ على مقاليد الأمور في الولاية ، وبلغ من نفوذه ودهائه أنه أستطاع أن يجلب إلى صفه سليم أفندي ، وهو المبعوث الرسمي للباب العالي في بغداد ، طامعاً في ان يتولى الحكم هذه المرة ، وشك معظم سكان بغداد بنوايا عجم محمد ، فانقلبوا ضده ، وتزعم مؤرخ هذه الاحداث عبد الرحمن السويدي تجمعهم اول الامر ، ثم تولى زعامتهم أمراء
قبيلة العبيد العربية ، وبخاصة سليمان بك ومحمد بك ابنا عبد الله بك الشاوي ، فلعب هذان دوراً كبيراً في قيادة البغداديين ضد مشاريع عجم محمد .
نشبت الفتنة بين الفريقين اكثر من سنتين استعملت في خلالها انواع الاسلحة الثقيلة ، ولم تتوقف الا بعد تكليف الدولة لاحد قادة المماليك في ماردين ، وهو حسن باشا ، ان يتولى اقرار النظام ببغداد ، وفوجيء البغداديون بضعف واليهم الجديد وتردده بعد ان عقدوا عليه آمالهم ، مما ادى الى فرار عجم محمد الى حليف له من قطاع الطرق في شرق بغداد ، واعلن نفسه والياً ، وشرع بتهديد بغداد ، وتجميعة للقوات هناك ، وفشلت المحاولات المتكررة للقضاء على هذا الخطر الجديد بسب حسن باشا وعجزه عن اتخاذ القرارات المناسبة ، وشعرت القايادات المحلية بمدى خطورة الوضع ، فقامت ، سنة 1780 م / 1194 هـ ، بحركة تمرد ضده ، انتهت بخروجه من بغداد ، وتعين سليمان باشا ، من المماليك السابقين ، والياً على بغداد وتوابعها . وكنا قبل ان نعثر على مؤلف السويدي هذا ، لا نجد بين ايدينا من المصادر التاريخية عن هذه الفترة الحافلة بالحداث سوى بضع فقرات ، كتبها مؤرخان عراقيان متاخران ، اولهما عثمان بن سند البصري الوائلي ( 1834 م / 1250 هـ ) في كتابة عن سيرة داود باشا آخر ولاة المماليك ، المسمى ( مطالع السعود بطيب اخبار الوالي داود ) ، ولم يطبع كتابة هذا ، وإنما طبع مختصر له لا يمثل الاصل تماماً بسب بعض التغيرات والاضافات (1) ، وثانيهما رسول حاوي الكركوكلي ، المؤرخ الرسمي لحكومة المماليك ، في كتابه ( دوحة الوزراء في سيرة بغداد الزوراء ) (2) |
عرج عن الكرخ وانزل في عـهـدي بـه وهو معسور بـسادته وجـه الـصحب كـانو في نواديه عـهدي بـه وهو محفوف يكل هنا والشمل مـجتمع والـسعد تـاويه والـنَّور والـنُور في ارجائه سطعاً والـورد والآس تـاها في نواحيه ولـلصبا ارج تـحيي الـنفوس به ممـا عـلى الارض عطر كامن فيه والطير فوق اصول البان في طربٍ والغصن في بالخود يزري في تثنيه فقالة ذهـبت اصـحابه وعـفت آ ثــاره وخــوت مـنه اعـاليه | معانيه واسأله كـيف خـلت منه غوانيه
لهفي على الجانب الغربي بالله قف بدلي فيه كسارية ولم تزل من صدى التفريق تروية وقف وقوفي به يوم الرحيل ضحى حيث العقيق على الخدين اجرية | اجمعه فجانب الشرق (30) طيباً لا يدانيه
غبد الرحمن في الكرخ باك بـعيون لـها العيون | قوام
الا من يخبر الاعداء (49) عنا بـأنا فـوق جـهل الـجاهلينا وان الله دام لــنـا نـصـيرا وان الله مـولـى الـمـسلمينا وان الـبـغي مـرتـعه وخـيم وان عـدونـا لـم يـبق حـينا |