البصرة خلال ثورة مايس 1941
الاستاذة زينب كاظم احمد العلي
المقدمة
   تؤلف ثورة مايس 1941 علامة مضيئة في تاريخ العراق المعاصر من خلال ما قدّمته من صفحات خالدة عن النضال الوطني والقومي التقدمي للشعب العراقي في مواجهته للقوى الاستعمارية البريطانية وحلفائها في المنطقة .
   وقد اسهمت البصرة خلال تلك الثورة بدور فعال تجسد خلاله تضحية سكانها وصمودهم في سبيل الوطن وعزته على الرغم مما اصابهم من ضيم وتعسف جراء معاملت القوات البراطانية المحتلة المؤلفة من هنود وعناصر اجنبية أخرى .
   لقد كتب الكثير عن ثورة مايس وآثارها الوطنية والقومية وكان البعض منها منصفاً والآخر لم يعطها تلك الاهمية وقلل من تأثيراتها ، إلا أن تلك الكتابات بالرغم من كثرتها لم تتطرق إلى دور مواطني البصرة ولم تعطها كمدينة حقها في البحث والتفصيل ، علماً بإنها بعد أن كانت مركزاً للقواعد البريطانية في المعقل والشعيبة أصبحت بعد فشل الثورة مركزاً مهماً وممراً حيوياً لتلبية الاحتياجات العسكرية البريطانية طوال فترة الحرب العالمية الثانية ، ولهذا فأن هدف البحث دراسة دور البصرة وتاريخ الاحداث فيها خلال ثورة مايس وما قدمته من جهد وطني ضمن إطار النضال الوطني للشعب العراقي وتحديه للقوى الاجنبية الاستعمارية ومواجته الدائبة للغزاة الطامعين سواء في الماضي أو في الحاضر .
   ولعل هذا التواصل النضالي لهذه المدينة الصامدة كان السبب المباشر لاختياري كهذا الموضوع وأنا فخور

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 2 ـ

بعطائها وبصمود أبنائها وهم يدافعون بكل شجاعة عن الارض والكرامة والعزة .
   ولعل من أهم الصعوبات التي واجهتني هي العمل المضني الذي بذلته في إستقراء الوثائق التي تؤلف المادة الاساسية التي أستقي منها البحث وتحتل الصدارة فيه .
   إضافة الى ذلك فإن موقع حفظ هذه الوثائق هو في منطقة العشار ، وإضافة الى ذلك فإن تنوع المصادر وتوزعها في أماكن متباعدة جعل من الصعب الأحاطة بكل ما كتب عن البصرة خلال هذه الفترة ، لذا لجأت في بعض الاحيان الى إجراء المقابلات الشخصية مع أناس عاصروا تلك الأحداث فأفادوني بما لديهم من آراء ، وقد تجنب البعض منهم الادلاء بما لديه لسبب أو لآخر ، علماً بأني أخذت الكثير مما قيل لي حول الأمر بحذر ، إن للمذكرات دائماً جوانبها التي يجب إحتسابها ودراستها ومقابلتها مع بعضها بغية الوصول إلى الحقيقة .
  ويمكن إجمال المصادر التي تمت مراجعتها والأعتماد عليها في هذا البحث بما يلي:

1 ـ الوثائق الرسمية .
2 ـ الجرائد والمجلات .
3 ـ الكتب المطبوعة باللغة العربية .
4 ـ المصادر المطبوعة باللغة الإنكليزية .
5 ـ المقابلات الشخصية .
أولا : الوثائق
   وهي عبارة من سجلات تضم تقارير وكتباً رسمية وغير رسمية تشمل مراسلات متصرفية لواء البصرة وتقاريرها مع وزارة الداخلية ومديرية الشرطة العامة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 3 ـ

  وقد أفدت بشكل خاص من تقارير مديرية الشرطة والتحقيقات الجنائية والمراسلات الرسمية مع المؤوسسات الأخرى كالميناء والقنصلية البريطانية في البصرة .
   وكانت مراسلات متصرفية لواء البصرة وبرقياتها مع وزارة الداخلية قد دعمت البحث بشكل خاص في موضوع الأزمة الوزارية وفي موضوع الإنزال والإحتلال البريطاني ، ومن السجلات المهمة الأخرى التي أغنت البحث في موضوع الأقليات اليهودية والايرانية سجلات حركات الاجانب وما تكشفه تلك السجلات من تحركات مريبة لهذه الاقليات لصالح الحكومة البريطانية ، كما تمت الاستفادة من سجلات أخرى تضم تقارير إسبوعية لمديرية الشرطة عن الوضع العام في البصرة .
   ومما يجدر ذكره أيضاً أن هناك سجلات خاصة تم الإطلاع عليها وكشفها لأول مرة وهي تضم بعض التفاصيل عن الجمعيات السرية في البصرة فضلاً عن سجلات أخرى تتعلق بالمعتقلين منهم عنوانها ( المعتقلون في الفاو ) و ( خلاصة بريد المعتقلين ) أفادت البحث كثيراً ، كذلك أستفدت بعض الشيء من السجلات المحفوظة في المركز الوطني للوثائق في بغداد وسجلات مديرية التطوير القتالي ( شعبة التاريخ العسكري ) بما حوته من معلومات وتقارير تخص التاريخ العسكري .

ثانياً : الجرائد والمجلات
   وكانت أبرز الصحف التي تمت الإستفادة منها هي الصحف البصرية الصادرة في تلك الفترة لمتابعتها الأخبار والاحداث الداخلية والخارجية ونشرها ما يصدر من قوانين وأجراءات من قبل السلطات سواء في البصرة أو في بغداد .
   وقد تميزت صحيفتا الناس والسجل بإنتقادهما لبعض الإجراءات الحكومية في البصرة ، أما الصحف البصرية الأخرى كالثغر والأنباء فكانتا تتناولان الأحداث بالتحليل والتعليق ، وقد تعرضت الصحف البصرية شأنها شأن غيرها من الصحف التي كانت تصدر في العاصمة إلى التعطيل من وقت لآخر .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 4 ـ

   أما المجلات فكانت اهمها آفاق عربية لما أحتوته من بحوث ومقالات وندوات شتى عن ثورة مايس وانعكاساتها وأهم الأحداث التي رافقتها وقد أستفدت منها في توسيع نطاق معرفتي بالثورة وبتفاصيلها وأهم الآثار التي تركتها .

ثالثاً : الكتب المطبوعة باللغة العربية
   وأبرزها كتاب تاريخ الوزارات العراقية لا سيما في الجزء الخامس والسادس منه وكتاب الأسرار الخفية لثورة مايس التحررية 1941 وهما للسيد عبد الرزاق الحسني (1).
   ومن الكتب الأخرى التي أستفدت منها مذكرات العقيد صلاح الدين الصباغ المعنونة ( فرسان العروبة في العراق ) ولما كان صلاح الدين الصباغ من أبرز القادة العسكريين الذين كان لهم دور قيادي في حكومة الدفاع الوطني وفي ثورة مايس فإن كتابه يعد من المصادر المهمة رغم ما يطغي عليه من الحماسة وشدة العاطفة في بعض مناقشاته .
   أما المصادر الخاصة بتاريخ البصرة والتي تم مراجعتها والأستفادة منها فيأتي في مقدمتها كتاب عامر حسك ( احداث البصرة في ثورة 2 مايس 1941 ) علماً بان المؤلف يشغل منصب مقدم لواء المشات السابع الذي يؤلف حامية البصرة ، وقد استفدت من الكتاب في متابعة موضوع انسحاب الجيش العراقي الى القرنة وفي التعرف على اسماء بعض الضباط والمهمات المنوطة بهم وعلى الرغم من ان المؤلف قد عاصر الاحداث فهناك بعض الثغرات في كتابه ، كما استفدت من كتابي الاستاذ المحامي رجب بركات واولهما كتاب بلدية البصرة للفترة ( 1981 ـ 1869 ) وثانيهما كتابه من صحافة الخليج العربي ، الصحافة البصرية

**************************************************************
(1) ان عبد الرزاق الحسني كان من ضمن الذين اعتقلوا في معتقل الفاو لاتهامه بتاييد ثورة مايس .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 5 ـ

1973 ـ 1889 واللذان نشرهما مركز دراسات الخليج العربي في جامعة البصرة .

رابعاً : المصادر الطبوعة باللغة الانكليزية
   ومن اهم الكتب الجنبية التي راجعتها كتاب ونستون تشرشل عن الحرب العالمية الثانية ولا سيما الجزء الثالث Churchill , the war vol .3 ويعد هذا المصدر من الكتب المهمة لمؤلفها ونستون تشرشل كان رئيساً للوزراء البريطانية حينذاك ، وهو يطرح بالطبيعة الحال ما يخدم اهداف دولته الاستعمارية ، فقد تعرض هذا الكتاب وبايجاز قيام حكومة الدفاع الوطني وموقف بريطانية منها ، ومن ثم تازم العلاقات بين الدولتين التي انتهت بقيام الحرب العراقية البريطانية ، وقد حمّل المؤلف القادة العسكريين العراقيين الذين اطلق عليهم ( المربع الذهبي ) مسؤولية هذه الحرب ، كما اتهم تشرشل الوزارة الكيلانية بموالات المانيا وهذا ما جعل بريطانية تعتقد بان الحكومة الكيلانية ستضع العراق في خدمة الاهداف الالمانية العسكرية ، وطبيعي ان هذا غير صحيح لان ما اورده تشرشل انما كان يعبر عن وجهة النظر البريطانية المعادية للعراق ولتطلعات العراقيين الوطنية والقومية .

خامساً : المقابلات الشخصية
  لقد قابلت خلال مراحل اعداد هذا البحث بعض الرجال الذين عاشوا الاحداث وعاصروها وكان بعضهم يمارس المسؤولية في تلك الفترة ، ومن بين هؤلاء العسكريون الذين تمت مقابلتهم ، العقيد حسن علي زكي والعميد الركن المتقاعد شكري محمود نديم والرائد الركن محمد الطريجي ، اما المدنيون فمنهم الاستاذ المحامي رجب بركات والاستاذ محمد بهجت الاثري ، وقد افادت هذه المقابلات في سد بعض الثغرات التي كانت موجودة في البحث ولو انها تعبر عن وجهة نظر شخصية

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 6 ـ

   تناول هذا البحث دراسة جوانب متعددة ومهمة عن تاريخ البصرة عام 1941 توزعت على خمسة فصول مع مقدمة وخاتمة و بعض الملاحق .
   تناول الفصل الاول النشاط البريطاني في البصرة من عام 1939 لغاية عام 1941 ، حيث كرس الكلام في البداية حول اهميةالبصرة في خطط الاستراتيجية البريطانية واسباب اهتمام بريطانية عام 1941 نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية ولا سيما بعد ان احاطت بريطانية ظروف حرجة ادركت من خلالها ضرورة احتلالها للبصرة من اجل تأمين مصالحها الاستراتيجية في الشرق الاوسط ، كذلك وضحت الاجراءات التي اخذتها الحكومة البريطانية لجعل البصرة قاعدة لها في تنفيذ مخططاتها السياسية والاستفادة من استراتيجيتها في المنطقة ، والتهيؤ لاتخاذ البصرة مركزاً لنشاطها العسكري والاستخباري و فسح المجال لدور المؤوسسات البريطانية الفعالة للحصول على موطئ قدم للاحتلال البريطاني .
   في الفصل الثاني تطرقت الى تفاقم الازمة الوزارية في بغداد وتولي رشيد عالي لمسؤولية الحكم وتشكيل حكومة الدفاع الوطني ، ولجوء الوصي الى البصرة ثم لجوءه الى المعسكر البريطاني ، وبعد ذلك تناولت الانزال البريطاني في البصرة الذي تمثل بذلك الوجود المكثف للقوات البريطانية التي عسكرت في البصرة في 17 نيسان 1941 بعد الموافقة على مرورها في الاراضي العراقية في طريفها الى فلسطين ، وما صاحب ذلك من وضع معقد الزم العراق حسبما رات بريطانية بتنفيذه لبنود معاهدة 1930 لأنها رأت ( اي بريطانية ) ان الاخلال بتنفيذ بنودها معناه قطع خط الامدادات لقواتها في الشمال الافريقي والى فلسطين مع تهديد الطريق الموصل الى الهند ، لذا رفضت بريطانية كل قيد على نشاطها العسكري الذي تمليه تلك المعاهدة ،كذلك ناقشت في هذا الفصل ما قامت به القوات البريطانية من استفزازات اثارت فيها حفيظة الحكومةالعراقية ومتصرفية البصرة وسكان المدينة واحتجاجاتهم التي ضربتها بريطانية عرض الحائط .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 7 ـ


   واما الفصل الثالث فقد اشتمل على تفاصيل تناولت الاحتلال البريطاني الغعلي والمباشر لمدينة البصرة بعد ان سيطرة القوات البريطانية على اهم المواقع والمنافذ الرئسية للمدينة وانسحاب القوات العراقية من البصرة بعد ان انتفت الحاجة منها بسبب الهيمنة البريطانية ، وقد عرضت فيه ايضاً احتلال منطقة العشار والتصادم المسلح الذي وقع بين الشرطة العراقية والجنود البريطانيين وانسحاب الشرطة والتحاقها بالقوات العراقية في القرنة وما حدث بعدها من نهب وسلب بتشجيع من القوات البريطانية ، ثم الجهود التي قام بها وجهاء البصرة للمحافظة على الامن والاستقرار فيها بتأليفهم لجنة اطلق عليها ( لجنة الامن ) .
   وقد تضمن الفصل الرابع دراسة الموقف الشعبي في البصرة ، ودور الجمعيات السرية ونشاطها في بث الافكار الوطنية والقومية .
   اما الفصل الخامس فقد خصص لدراسة اجراءات الحكومة العراقية بعد فشل الثورة ضد مؤيدي حكومة الدفاع الوطني ومناصريها ، ولما تعرض له العراقيون من عسكريين ومدنيين من اتهام ومطاردة وتحقيق من اجل الصاق التهم جزافا لادانتهم ، ولقد تم تسليط الضوء على حركة الاعتقالات وانشاء المعتقلات وبالاخص معتقل الفاو تلك البقعة التي اختيرت اساساً للتنكيل بالمعتقلين السياسيين فاشرت الى معانات المعتقلين وما لحق بهم من حيف وظلم لا سيما ان معظم النصوص التي تتناول هذه الناحية ولم تعطها حقها في البحث .
   وفي الختام لا بد من تقديم تقديري الخاص الى الاستاذ المشرف الدكتور سامي عبد الحافظ القيسي لمتابعته فصول الرسالة و ارشاداته الدقيقة و ملاحظاته لاخراج هذا البحث على هذا النحو.

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 8 ـ

  كما يسعدني ان اقدم شكري الى محافظ البصرة والمسؤوليين فيها الذين اتاحوا لي فرصة الاطلاع على سجلات المحافظة التي تخص فترة البحث .
   واقدم شكري ايضاً الى موظفات مكتبة دراسات الخليج العربي وموظفات مكتبة كلية الآداب والمكتبة المركزية في جامعة البصرة كذلك موظفي المركز الوطني للوثائق و (شعبة التاريخ العسكري ) التابعة لمديرية التطوير القتالي والمسؤولين فيها في بغداد .
   وبعد كل هذا اضع هذا الجهد المتواضع بين يدي اعضاء لجنة المناقشة المحترمين مع تقديري وامتناني لهم . . . و الله و لي التوفيق .

المختصرات
س . م . ب سجلات محافظة البصرة
م . ل . ب متصرفية لواء البصرة
م . ش . ب مديرة شرطة البصرة

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 9 ـ


اولاً : اهمية البصرة في الخطط الاستراتيجية البريطانية
1 ـ الزيارات المتعددة للقطع البحرية البريطانية للمياه العراقية .
2 ـ حركة القطاعات البريطانية ونشاطها في المعسكرات في البصرة .
3 ـ الاستطلاع الجوي المستمر .
4 ـ ميناء البصرة .

ثانياً : نشاط المؤوسسات البريطانية في البصرة
1 ـ الجيش الليفي .
2 ـ دور الاستخبارات البريطانية في البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 10 ـ



   يهدف هذا الفصل الى توضيح الجوانب المختلفة المتعلقة بنشاط القوات البريطانية في البصرة ومدى تاثير رد الفعل الرسمية للحد من ذلك النشاط ضمن المواضع التالية

اولاً : اهمية البصرة في المخطط الاستراتيجية البريطانية
   بحكم موقع البصرة الجغرافي فقد تعاظمت مكانتها التجارية والاستراتيجية وقد اكتسبت اهمية ومكانة خاصة منذ ان حررها العرب المسلمون الاوائل من سيطرة الفرس السسانيين ، واستمرت تتمتع بهذه الاهمية خلال المراحل التاريخية المختلفة حتى ظهور الدول الاوربية الحديثة وتعاظم التنافس التجاري بينها في منطقة الخليج العربي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر (1) .
   وفي بداية القرن العشرين وبشكل خاص في اعقاب الحرب العالمية الاولى غدت البصرة مركزاً مهماً من مراكز النفوذ البريطاني ولا سيما بعد تصاعد وتائر استخراج النفط والرغبة في استثمار الاموال البريطانية ، وكذلك للاعتقاد الذي ساد حينذاك بأن في البصرة مجالاً حيوياً لاستيطان الفائض من سكان المستعمرات البريطانية (2)

**************************************************************
(1) عن البصرة وتعاظم اهميتها خلال الفترات التاريخية ، انظر :
أ ـ د. حسين القهواتي ، دور البصرة التجاري في الخليج العربي 1914 ـ 1869 ( بغداد ، 1980 ) .
ب ـ الاستاذ عبد الامير محمد امين ، القوى البحرية في الخليج العربي ( بغداد ، 1966 ) .
ج ـ الاستاذ زكي صالح ، وادي الرافدين 1914 ـ 1900 ( بغداد ، 1957 ) .
(2) عن تصاعد اهمية البصرة خلال الحرب العالمية الاولى ، انظر الاستاذ حميد احمد حمدان التميمي ، البصرة في عهد الاحتلال البريطاني 1921 ـ 1914 ( بغداد ، 1979 ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 11 ـ

   وخلال الثلاثينات من هذا القرن امنت بريطانيا على مصالحها في العراق بموجب صيغة تقاعدية عرفت بمعاهدة 1930 ، وكان من بنودها احتفاظ بريطانية بقاعدتيين عسكريتين احداهما في الشعيبة في غرب البصرة والاخرى في الحبانية ، وقد اصبحت هاتان القاعدتان مركزين لتجمع افراد القوات البريطانية ومجاميع من القوى الهندية وافواج الليفي المجند ، وقد كان في البصرة قاعدتان جويتان تابعتان للقاعدة العسكرية البريطانية المشار اليها اولاهما قاعدة القوة الجوية الملكية ومقرها البصرة والثانية قاعدة القوة الجوية الملكية ومقرها الشعيبة .
   وفي اثناء الحرب العالمية الثانية اكتسبت البصرة موقعاً استراتيجياً مميزاً كمل كان لقاعدة الشعيبة العسكرية والقاعدة الجوية الملحقة بها اهمية خاصة في الاسناد والتعزيز للعمليات الحربية التي كانت تدور بين بريطانية والمانيا سواء في جزيرة كريت او الشمال الافريقي .
   وفضلاً عن ذلك اصبحت البصرة نقطة اتصال حيوي في سلسلة خطوط المواصلات الامبراطورية براً وبحراً وجواً (1) ، وعليه فقد اصدرت الحكومتان والبريطانية والعراقية بياناً اكدتا فيه على اهمية شط العرب نظراً لمرور معظم البترول المستخرج من حقول آبار شركة النفط الانكليزية عبره وتصديره الى الخارج ، وكذلك اكد البيان اهمية البصرة باعتبارها الميناء الوحيد الذي يمكن استخدامه لانزال الامدادات العسكرية البريطانية سواء للدفاع عن العراق او ارسالها عبر العراق الى فلسطين ومصر(2) .

**************************************************************
(1) الاستاذ عبد الرحيم زويد ذو النون ، العراق في الحرب العالمية الثانية ، رسالة ماجستير غير منشورة ( القاهرة ، 1979 ) ص 211 .
(2) انظر نص الوثيقة البريطانية المؤرخة في ايلول 1939 والمرسلة من السفارة البريطانية في بغداد الى وزارة الخارجية في لندن في : مصطفى عبد القادر النجار ، تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر ( البصرة ، 1984 ) ص ص 321 ـ 320 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 12 ـ

  ان انشغال بريطانيا عسكرياً في الجبهة الاوربية وحاجتها لتأمين مرور قواتها عبر العراق وتأمين المواد النفطية جعلها تخشى على تلك المنشآت النفطية من اعمال التخريب والقلاقل ، لذا اصدرت مديرية الشرطة العامة في بغداد امراً يوم 25 آب 1939 بزيادة افراد قوة الشرطة من اجل المحافظة على مؤسسات شركات النفط في البصرة وخانقين وكركوك و تشديد المراقبة على خط سكة حديد بصرة ـ بغداد (1) .
   ان هذه الاهمية المتعاظمة للبصرة تعززت بشكل اكبر في خطط الاستراتيجية البريطانية بعد دخول ايطالية في الحرب في حزيران 1940 الى جانب المانيا وبعد فقدان جزيرة كريت (2) ، والسبب في ذلك من وجهة نظر اصحاب القرار السياسي في الحكومة البريطانية هو اعتبارهم البصرة تعويضاً عن هذه الجزيرة وبالتالي لابد من السيطرة عسكرياً عليها وتبريراتهم في ذلك ما يلي :
   اتخاذها قعدة لحماية المصلح البريطانية في الشرق الاوسط اولاً ، واستخداها مركز للنفوذ البرطاني في حالة فقدان القاهرة ثانياً واعتبارها محطة استراتيجية لتمركز القوات العسكرية والامدادات والتعزيزات ثالثاً ، والى هذه الحقائق جميعاً اشار تشرشل رئيس الوزارة البريطانية حينذاك بقوله " لا مناص من التدخل في العراق وان علينا ان نؤسس قاعدة في البصرة وان نراقب الميناء للمحافظة على بترول ايران " (3) .

**************************************************************
(1) المركز الوطني للوثائق ، سجلات البلاط الملكي ، الملف المرقم د \ ة كتاب مديرية الشرطة العامة المرقم 2851 في 25 \ 8 \ 1939 .
(2) جريدة الاهرام ، العدد 20377 ، 1 \ 6 \ 1941 نقلاً عن الاستاذ عبد الرحيم زويد ذو النون ، المصدر نفسه ، ص 171 .
(3) w . cburchill the second world war , vol 3 ( london , 1950 ) p . 227 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 13 ـ

  
وقد ترجمت الحكومة البريطانية تلك الاهداف عملياً حينما طلبت من اصحاب البواخر بعد توقف العمل في آبار النفط في جاوة وبورينو بالتوجه نحو البصرة للتزود بالنفط في مصافي عبادان (1) ، وكذلك الحال عندما تعرض طريق مومارنسك وطريق فلاديفستك الى اخطار الهجمات الالمانية واليابانية مما عرقل وصول الامدادات الى الاتحاد السوفيتي فضلاً عن اغلاق تركيا لمضايقها في وجه الاطراف المتحاربة لذا اصبحت ايران الطريق الوحيد لنقل الامدادات الى الاتحاد السوفيتي عبر البصرة (2) .
   وهكذا صارت البصرة موقعاً عسكرياً واستراتيجياً تعول عليه دفاعات بريطانيا في الشرق الاوسط لا سيما بعد فقدان الكثير من موقعها في شمال افرقيقيا اثر الهجمات الالمانية والايطالية وتوالي انتصاراتهما .
   وما هو جدير بالذكر انه خلال التفاصيل الخاصة بالاهمية العسكرية والاستراتيجية المتعلقة بمدينة البصرة لم تغفل بريطانيا نشاطات دوائر التجسس الالمانية التي كانت تهدف الى معرفة مدى فعالية القواعد البريطانية في العراق ، وكانت بعض التقارير البريطانية قد اشارت الى امتلاك المانيا لمعلومات عن القوات البريطانية في العراق كما كانت هناك توقعات لهجوم عسكري تشنه المانيا على العراق ، لذا وضعت بريطانيا خطة دفاع ضد اي هجوم يشن من قبل المانيا ، وكانت تتوقع ان يتزامن هذا الهجوم الالماني على العراق مع هجوم على سوريا وفلسطين (3) .

**************************************************************
(1) المركز الوطني للوثائق ، سجلات البلاط الملكي ، رقم الملف ص \ 8 ( التقرير الاداري عن ميناء البصرة لسنة 1942 ـ 1941 ) ص 3 .
(2) جورج لنشوفسكي ، الشرق الاوسط في الشؤون الدولية العالمية ، ج 1 ، ترجمة الاستاذ جعفر خياط ، ( بغداد ، 1964 ) ص 239 .
(3) التقرير البريطاني للدفاع عن البصرة ، المحفوظ لدى شعبة التاريخ العسكري ، دائرة التطوير القتالي ، بغداد .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 14 ـ

   وعليه فقد وضعت بريطانيا في حساباتها التوقعات التالية :
1 ـ احتمال قيام المانيا بشن هجومها على الاتحاد السوفيتي عبر ايران وبالتالي يتعرض موقع البصرة وشط العرب وميناء المعقل ومعسكر الشعيبة الى التحكم والنفوذ الالماني .
2 ـ احتمال هجوم الالماني على القسم الجنوبي من العراق لذا يجب تحصين ميناء البصرة والمعسكرات من جهة الشرق وكذلك الكويت حتى يكون ميناء البصرة في مأمن من الهجمات المباغتة .
   والخلاصة ان بريطانيا كانت تعتقد بان لدى المانيا خطة عسكرية لاحتلال البصرة بوصفها موقعاً استراتيجياً مهماً تضرب من خلاله المصالح البريطانية لذا وجهت وزارة الدفاع البريطانية الى رجالها عامة المسؤولين عن حماية المصالح البريطانية في الشرق الاوسط وفي البصرة خاصة لوضع خطة للدفاع عنها وعن المناطق العسكرية الاخرى كمنطقة الشعيبة والمعقل وشط العرب والفاو ومنطقةالتنومة وجميع الثغرات المحتمل استغلالها في الهجوم على البصرة ، وبموجب الخطة التي وضعها ارثر سمث رئيس الاركان العامة في القاهرة كان ابرز النقاط الحيوية التي تتطلب الحماية حسبما وردت في توصياته ما يلي :
1 ـ احواض السفن بضمنها منشآت الميناء ومستودعات النفط في البصرة .
2 ـ منطقة الشعيبة بضمنها :
   آ ـ منشآت القوة الجوية البريطانية الملكية .
   ب ـ منشآت الجيش وموستودعات الاسلحة .
   ج ـ مناطق المقرات والمعسكرات الواقعة بالقرب من الزبير وام قصر (1) .

**************************************************************
(1) توصيات الفريق ارثر سميث نقلاً عن تقرير خطة الدفاع عن البصرة ، المحفوظ لدى شعبة التاريخ العسكري ، دائرة التطوير القتالي ، بغداد .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 15 ـ

   ولاجل تنفيذ تلك المهمات سعت بريطانيا الى تكييف نشاطها العسكري في البصرة خلال 1941 ـ 1939 في المجالات التالية :

1 ـ الزيارات المتعددة للقطع البريطانية للمياه العراقية
   تكاثرت خلال هذه الفترة الزيارات الرسمية المعلنة وغير المعلنة من قبل البواخر الحربية البريطانية للمياه العراقية (1) ، وكان ابرز من وصل الى المياه العراقية من السفن الحربية بشكل غير رسمي وبدون علم السلطات العراقية باخرتان حمولة كل منهما 625 طناً ، وكان متصرف لواء البصرة قد استفسر من القنصل البريطاني حينذاك عن هذه السفن ودوافع وجودها في المياه العراقية دون علم السلطات الحكومية ، فاجابه النقصل معتذراً بان لا علم له ولكنه عند اتصاله بمقر السفارة البريطانية في بغداد اجابته الاخيرة بانها " اعطت المعلومات اللازمة عن وصول هذه البوارج البحرية الى السلطات العراقية المختصة في بغداد في حينها ، وهي آسفة في الوقت نفسه لعدم اخبار قنصلها في البصرة " (2) .
   ولقد كان متصرف لواء البصرة قلقاً لتوقعه حصول ردود فعل شعبية في حالة تكرار وصول سفن حربية اخرى الى مياه البصرة دون استلامه معلومات عن ذلك بشكل مبكر ، لذا كتب الى وزارة الداخلية مستوضحاً ومعبراً عن قلقه في الوقت نفسه قائلاً " يخال لنا ان وزارتكم الجلية تشاركنا الرأي بان اعلام المتصرفية في مثل هذه الامور الهامة امر ضروري بالنظر الى الوضع الدولي الراهن والذي نعتقد انكم تقدرونه اكثر منا ، وعليه يجب ان يكون لنا علم بما هو

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 كتاب وزارة الخارجية رقم ع \ 2160 \2160 والمؤرخ في 14 \ 5 \ 1940 الى وزارة الدفاع والداخلية .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 تقرير متصرفية لواء البصرة م .ل . ب المرقم س \ 652 والمؤرخ في 21 \ 5 \ 1940 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 16 ـ

جار والتدابير الواجب اتخاذها عند المداولة مع القنصل البريطاني او غيره من الرجال المسؤولين بمثل هذه الشؤون يرجى التكرم بأعارة هذه القضية ما تستحقه من اهتمام واعلامنا النتيجة " (1) .
   وعندما طلبت وزارة الداخلية ايضاحاً لذلك من وزارة الخارجية اخفقت الاخيرة في الاجابة بشكل سريع لتعقد الموقف في بغداد وتأزم الوضع الوزاري حينذاك (2) .
   وعلى اية حال كان وصول هذه السفن الى البصرة سبباً في سريان الاشاعات فيها والتي مفادها ان الحكومة البريطانية سترسل ( 12 ) بارجة اخرى لوضعها في الخليج العربي وشط العرب ، وقد كانت هذه الاشاعات مثار اهتمام القنصل الايراني في البصرة الذي قام بزيارة المتصرف واستوضح منه عن صحة هذه الاشاعات معززاً كلامه بوجود سفينتين راسيتين في مياه شط العرب ، كما استفسر في الوقت نفسه عن مدة بقائها فاجابه المتصرف بان مدة بقائها ستكون غير طويلة (3) .
   ولم يكن واضحاً في ما اذا كانت زيارة القنصل الايراني هذه قد حصلت بدوافع شخصية منه ام بتوجيه من حكومته ، الا ان الواضح فيها انه كان يتوجس الريبة والخوف من مجيء هذه السفن خوفاً من اختراق بريطانيا لحياد ايران حينذاك في اي لحظة .
   وبالرغم من تطمينات المتصرف هذه فقد وصلت الى البصرة سفينة حربية ثالثة دخلت ميناء الفاو في نيسان 1941 ، وقد اوعزت مديرية الميناء التي

**************************************************************
(1) تقرير متصرفية لواء البصرة السابق .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 كتاب وزارة الداخلية المرقم م . خ \ 2540 والمؤرخ 5 ـ 11 \ 6 \ 1940 الى وزارة الخارجية .
(3) عند مقابلة القنصل الايراني لمتصرف لواء البصرة انظر س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 م . ل . ب المرقم س \ 681 والمؤرخ في 27 \ 5 \ 1940 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 17 ـ

كانت تحت ادارة الموظفين البريطانيين لاحدى سفنها لاسقبال السفينة المذكورة وتامين وصولها الى مرساها في شط العرب (1) .
   وبهذا تجمع في مياه شط العرب كما افادت التقارير في حينها ثلاث سفن حربية (2) ، وقد اصبح وجودها سبباً لقلق متصرفية لواء البصرة حيث كتب وكيلها الى وزارة الداخلية موضحاً عدم وجود اي حاجة لتجمع هذه البواخر في المياه العراقية ، كما رجا الوزارة : " مفاتحة الجهات المسؤولة على تقليل هذا العدد دون الزيادة فيه " (3) هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد نقلت المتصرفية الى القنصلية البريطانية المخاوف التي ساورت الاهالي من جراء وجود هذه السفن (4) ، فاعتذرت القنصلية على لسان وكيلها الذي زار ديوان المتصرفية في 10 نيسلن 1941 واشار في تبريراته الى خلل حصل في الاتصالات التلفونية بين الشعيبة والبصرة مما تعذر معه استلام المعلومات بشكل مبكر عن السفينة الاخيرة وبالتالي اشعار السلطات الحكومية في البصرة عنها ، الا ن وكيل المتصرف لم يقتنع بتلك التبريرات واكد ضرورة اخبار الحكومة العراقية بالطرق الدبلوماسية المألوفة عن رغبة الحكومة البريطانية بادخال بعض سفنها الى المياه العراقية مسبقاً بغية اجتناب ما يؤدي الى

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 490 والمؤرخ في 5 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 977 \ 4 \ 7 \ خ والمؤرخ في 13 \ 4 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 601 والمؤرخ في 13 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(4) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 519 والمؤرخ في 7 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 18 ـ

التوتر في حسن العلاقات (1) .
   وهكذا نجد وكيل القنصل يقدم في مناسبة اخرى كتاباً الى متصرف لواء البصرة اخبره فيه عن مجيء سفينة اخرى تدعى ( اميرالد ) ولم يعط اي تفاصيل حولها الا انه اشار في كتابه الى السلطات المختصة في بغداد على علم بمجيئها (2) ، وهكذا وصلت في 13 نيسان 1941 السفينة البريطانية المذكورة ورست في شط العرب امام دارة الكمارك بالعشار ، وهي من سفن القيادة ويقودها الادميرال كورمرام كراهام اميرال الاسطول البريطاني في الخليج العربي والذي كان مقر قيادته في البحرين .
   ولقد كانت العادة الجارية ان يكون قادة السفن الحربية عند وصولهم ميناء البصرة بزيارة لديوان المتصرفية بصحبة القنصل البريطاني وهكذا اقام الادميرال كورمرام هو والاخر بزيارة لديوان المتصرفية ، وخلال احاديثه مع المتصرف اوضح السبب لمجيء هذه السفينة من اجل تمتع ظباطها بالراحة والاستجمام بمناسبة عيد الفصح وقضاء عدة ايام في البصرة (3) . وقد ذكر وكيل المتصرف انه هو الاخر قد رد الزيارة وشاهد عند صعوده اليها القائد مع ربانها واربعة ضباط بحريين والقنصل البريطاني وحرس الشرف البالغ عددهم ( 26 ) جندياً بحرياً يتقدمهم العريف البوقي وعندما اصبح على ظهرها حياه الحرس والضباط وفق المراسيم المألوفة (4) .

**************************************************************
(1) عند رد وكيل المتصرف ، انظر تقرير م . ل . ب المرقم س \ 750 والمؤرخ في 11 \ 4 \ 1941 والمرسل نسخة منه الى وزارة الدخلية .
(2) report by the british consulate ( basrah ) to mutasrrafiyeh basra liwa ( basrah ) no / 1223 / 5 / 7 115 , deted 11 . 4 . 1941 .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 613 والمؤرخ في 14 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(4) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 628 والمؤرخ في 14 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 19 ـ

   ومما تجدر ملاحظته عند وجود هذه البواخر تصاعد نشاط افرادها وتحركات ضباطها واتصالهم المستمر بالنقصلية البريطانية وبضباط الاستخبارات فيها اضافة الى ترددهم على الشركات الاجنبية والمحلات التجارية المختلفة (1) .
   ونظراً لتجمع هذا العدد من السفن البريطانية في مياه شط العرب ووضع المعسكرات البريطانية في الانذار وتكثيف الحراسة والانتباه حولها ، فضلاً عن التكتم الذي استعملته القوات البريطانية في تنقلاتها وحركة زوارقها سرت الاشاعات في البصرة والتي مفادها ان هذا الوجود العسكري البريطاني ما هو الا تمهيد للسيطرة عليها ، والتحكم فيها كقاعدة لهم .
   ومما عزز من قوة هذه الاشاعات تسخير مستلزمات ميناء البصرة كالادلاء والزوارق وهيئة الموظفين لخدمة حركة هذه السفن (2) ، وكذلك هيأت شركة لينج وبيت الوكيل بعض الخدمات لهذه السفن ، كما ان شركة نفط البصرة هي الاخرى زودت تلك السفن بما تحتاجه من وقود (3) .
   ومما لا شك فيه ان وصول هذه السفن الحربية وغيرها من السفن الى ميناء البصرة من وقت لآخر سواء بعلم السلطات العراقية او بدون علمها انما يدل على تخوف بريطانيا من احتمالات الاخطار الالمانية ويدل كذلك على خططها المسبقة وبما تبيته للعراق من تامين لطرق المواصلات والعمل بحرية لنقل الجنود والمعدات تمهيداً لاحتلال البصرة ، كما ان تلك السفن ستكون كما سيتبين فيما بعد مركزاً لتجمع البريطانيين الذين سيتم اجلاؤهم عن البصرة ومقر لأيواء الوصي عبد الاله بعد هروبه اليها ، علماً بأن ردود
**************************************************************
(1) من تقارير مديرية شرطة البصرة \ رقم الملف 5 \ 36 حول ( حركات الاجانب في البصرة ) .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1018 والمؤرخ في 8 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1111 والمؤرخ في 13 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 20 ـ
فعل الحكومة العراقية بشكل عام والمتصرفية بشكل خاص لم تتعد الاحتجاجات الرسمية التي لم يكن لها من تأثير في الحد من تلك النشاطات ، اما وجهة نظر الاهالي ازاء وجود هذه البواخر فقد كان سلبياً وكانوا متيقنين ان بقائها لا يحمد عقباه وان اخطارها ستظهر ان عاجلاً أو آجلاً .

2 ـ حركة القطعات البريطانية ونشاطها في المعسكرات في البصرة

   لقد شهدت هذه الفترة تحركات ونشاطات عسكرية بريطانية في معسكري الشعيبة والمعقل ، اذ كانت الشعيبة مقراً للقاعدة الجوية ، اما المعقل فكانت مقراً لمعسكر رقم ( 7 ) ومعسكر رقم ( 8 ) حيث كان المعسكر الاول مقراً للقيادة البحرية اما المعسكر الثاني فقد تمركزت فيه افواج قوات الليفي والشبانه ( المتطوعين المحليين ) (1) .
   وكانت بريطانيا قد وضعت خلال التأزم الذي حصل في الوضع الدولي هذه القواعد ومعسكراتها الملحقة بها تحت الانذار ، كما تم اغلاق الطرق الفرعية المؤدية الى مداخل المواقع العسكرية ومنعت الدخول اليها من لغير افراد القوات البريطانية (2) ، وفضلاً عن ذلك فقد قام القائد العام للقوات البريطانية في العراق بتفقد منطقة الميناء ومناطق شط العرب بصحبة الكولونيل ( جي سي وارد ) مدير الميناء ووصولاً في تجوالهما الى الفاو ، وكان الغرض

**************************************************************
(1) عن جنود الليفي والشبانة ودورهم في خدمة اغراض المصالح البريطانية انظر :
henry foster . the making of modern iraq ( london 1936 ) p . p . 280 _ 217 .
عبد الرزاق الحسيني ، تاريخ الوزارات العراقية ج 2 ( بيروت 1974 ) ص ص 185 ـ 223 .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 9 \ 10 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 839 والمؤرخ في 26 \ 8 \ 1939 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 21 ـ

من تلك الجولة التفقدية معرفة مدى صلاحية الممر المائي تمهيداً لما يتقرر عند وصول القوات البريطانية الى منطقة البصرة (1) .
   كذلك عززت السلطات البريطانية في البصرة الحراسة حول المنشآت العسكرية التابعة للقوة الجوية في الشعيبة بوضع المدافع الرشاشة في نقاط الحراسة المختلفة ، كما كثفت حركة سيارات الجيش المصفحة حول المعسكرات ، وتم ايضاً تطبيق التعزيزات نفسها على منطقة المعقل بتشكيل الربايا من قوات الجيش الليفي وتوزيعها حيث اتخذ البعض منهم اماكنه في الشارع العام الذي يمر فيه قطار الحمل والاخرى اتخذت اماكنها في الطريق العام المؤدي الى المعقل (2) .
   وقد كانت مدينة البصرة هي الاخرى مسرحاً لتجول الدوريات العسكرية البريطانية بدون انقطاع عبر منطقة تمتد بين الزبير والشعيبة الى مدينة البصرة والعشار (3) .
   ولم يكن ذلك النشاط العسكري الا تعبيراً عن تهديد واضح للحكومة العراقية وكذلك تكثيفاً لمراقبة العناصر المناوئة وتأكيداً لحماية المصالح البريطانية والمؤوسسات والشركات التي كانت قواعد دعم للوجود البريطاني في العراق ، اما رد الفعل الحكومي في بغداد فقد بقي غير فعال ولم يتعد الاحتجاجات الرسمية .

3 ـ الاستطلاع الجوي المستمر

   لقد اخذت القوات الجوية البريطانية التابعة لقاعدة الشعيبة وكذلك القوات الجوية في المعقل تقوم بعمليات استطلاعية من وقت لآخر يساعدها في

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 9 \ 10 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 1880 والمؤرخ في 7 \ 11 \ 1940 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 511 والمؤرخ في 6 \ 4 \ 1940 الى وزارة الداخلية .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1019 والمؤرخ في 8 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 22 ـ

ذلك ما كانت تقوم به الطائرات التابعة لشركات النفط الاحتكارية هذا فضلاً عن اختراق مستمر للمجال الجوي العراقي من قبل طائرات بريطانية قادمة من جهات مجهولة ، لعلها من قواعد يمكن ان تكون في البحرين او في الهند ، وكان مسرح الاستطلاعات الجوية هذه يغطي المنطقة الواقعة بين قاعدة الحبانية وقاعدة الشعيبة وكثيراً ما كان يجري ليلاً او خلال ساعات النهار (1) .
   وكان الغرض من هذه تغطية الاراضي العراقية وتزويد اصحاب القرار من العسكريين البريطانيين بما يستجد من احداث او طوارئ لاتخاذ الاجراءات الضرورية .
   وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام هي ان القيادة البريطانية في قاعدة الشعيبة منحت تسهيلات مهمة لحليفتها ( فرنسا ) فقد اوعزت مثلاً الى رجالها بتسهيل مهمة هبوط احدى الطائرات الفرنسية في مطار البصرة وكان على ظهرها مجموعة من العسكريين الفرنسيين الذين سرعان ما دخلوا في مباحثات مع الكولونيل وارد مدير الميناء ، وكان الغرض من تلك المباحثات اجراء الترتيبات اللازمة لمرور العتاد الحربي والتجهيزات التي سترد الى الحكومة الفرنسية من مستعمراتها في الهند الصينية بطريق البحر الى ميناء البصرة ومن هناك ترسل براً الى بيروت ومن الاخيرة الى فرنسا بالنظر لخطورة ارسالها بالطرق البحرية الاخرى (2) ، وعلى الرغم من تدخل الحكومة العراقية لمنع اية نشاطات من هذا النوع الا ان تدخلها لم يكن بالمستوى المطلوب

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 9 \ 10 كتاب وزارة الداخلية المرقم م . خ \ 3680 والمؤرخ في 28 \ 7 \ 1940 الى متصرفية لواء البصرة .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 كتاب دائرة السفر والاقامة في البصرة المرقم 590 والمؤرخ 5 \ 9 \ 1939 الى مديرية ادرة السفر والاقامة والجنسية وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 23 ـ

وقد اخفقت في منع تكرار مثل هذه الممارسات المخالفة لقواعد العلاقات الدولية .

4 ـ ميناء البصرة

   لقد تعاظمت اهمية ميناء البصرة نتيجة قيام الحرب العالمية الثانية والمتوقع اتجاهها نحو الشرق ، وعلى الرغم ان المنطقة ليست منطقة قتال الا انها اخذت تشعر بآثار ذلك نظراً لقربها النسبي لمنطقة القتال في الاتحاد السوفيتي والوطن العربي خاصة بعد هجوم اليابان على ميناء اللؤلؤ وسقوط هونكوك والملايو وجزر الهند الشرقية والهولندية وبورما مما كان له اكبر الاثر في زيادة اضطراب بريطانيا واهتمامها بميناء البصرة 1941 (1) ، وعلى الرغم ان عدد البواخر القادمة الى الميناء قد انخفضت في البدية الا ان غلق منابع النفط في جاو وبورينو سبب فيما بعد ذلك زيادة في وصول البواخر القادمة الى ميناء البصرة (2) .
   وهنا برزت مشكلة تطوير الميناء وادخال التحسينات الكثيرة (3) ولم يكن الهدف من هذه التطورات والتحسينات بطبيعة الحال تسهيل مهمة

**************************************************************
(1) التقرير الاداري لميناء البصرة 1941 ـ 1942 ، المصدر السابق ، ص 2 .
اما ميناء اللؤلؤ فهو ميناء برل هارير الشهير في جزر هاواي والذي كان قاعدة للاسطول الامريكي ، في المحيط الهادي .
(2) التقرير الاداري ، المصدر نفسه ص 3 .
(3) التقرير الاداري ، المصدر نفسه ص ( 14 ، 15 ، 21 ، 22 ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 24 ـ

اصحاب المصالح من التجار المحليين بل لخدمة مصلح بريطانيا واهدافها ، كما طلبت ادارة الميناء من السلطات الحكومية في البصرة تطبيق بعض الاجراءات الاحترازية حفاظاً على مؤسسات الميناء ضد نشاط دول المحور والتجسس المعادي ، لذا كان التفتيش يجري على البواخر عند دخولها شط العرب وخروجها منه ، كما نفذت الحكومة العراقية طلباً بريطانياً آخر بالايعاز الى دوائر الاقامة والسفر في البصرة باشراك بعض الموظفين البريطانيين لاجراء التحقيقات اللازمة عن هوية الاشخاص الموجودين على ظهر البواخر الاجنبية عند دخولها المياه العراقية والخروج منها ، كذلك اوعزت مديرية الشرطة العامة في بغداد الى دوائرها في البصرة بتقديم المساعدات اللازمة لتسهيل تفتيش البواخر (1) ، كما اصبحت منطقة المعقل والفاو منطقتين خاظعتين لخدمة القوات البريطانية ، ووضعت ادارة الميناء في شخص مديرها المستر وارد جميع التسهيلات لمصلحة البريطانيين ، وقد تجسد هذا الموقف بشكل خاص عندما تألفت حكومة الدفاع الوطني في بغداد حين وقف المستر وارد موقفاً سلبياً منها وهذا امر طبيعي بحكم الهيمنة البريطانية على الميناء .

ثانياً : نشاطات المؤسسات البريطانية في البصرة

1 ـ الجيش الليفي

   لقد الزمت المادة الرابعة من معاهدة 1930 الحكومة العراقية بتقديم حرس خاص لحماية القواعد الجوية عرفت بأسم قوات الليفي ، ولاجل زيادة عدد هذه القوات فقد عمدت بريطانيا الى منح الاغراءات المالية

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 كتاب مديرية الشرطة العامة ( بغداد ) المرقم 2709 والمؤرخ في 8 \ 6 \ 1940 الى مديرية شرطة الكمارك والمكوس ومديرية ادارة السفر .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 25 ـ

لتجنيد اكبر عدد ممكن من الافراد وسيما من الاقليات للانخراط في هذه القوات على ان يكونوا غير خاضعين لخدمة العلم في الجيش العراقي (1) .
   وقد اصبحت المعسكرات البريطانية في البصرة مركزاً من مراكز تجنيد اللفي الى درجة ان السلطات البريطانية اجازت قبول المجندين ممن تجاوزت اعمارهم ال 20 سنة (2) .
   ويرجع السبب في ذلك الى التصعيد في العمليات الحربية عام 1941 حيث تجاوزت حركة التجنيد القدر المسموح به لغرض نقل قسم من المجندين الى الحبانية وابقاء القسم الآخر في معسكرات البصرة لاشتداد الحاجة الى خدماتهم .
   لقد استغلت بريطانيا جميع الطاقات المادية والبشرية لخدمة اغراضها الاستعمارية وتحقيق مطامعها مستفيدة بذلك من الضروف الاقتصادية والمعيشية لمجموعة من الناس الذين اخفقوا في ادراك الغاية التي كان الاستعمار ينفذها في العراق من اشاعة الفرقة بين ابنائه لقد درّب الاستعمار هؤلاء الليفي وعزز في نفوسهم روح التعصب والاستعلاء والحسد وبالتالي عبروا عن سلوكهم هذا بالتعرض الى العراقيين وبالاخص اعتداءاتهم على الشرطة في ميناء البصرة والمناطق المجاورة (3) ، وكذلك الامر في مساندتهم لقوات الاحتلال البريطاني خلال ثورة مايس ، وبالرغم من الخدمات التي قدمتها قوات الليفي في معسكرات الشعيبة والمعقل من مساعدة القوات البريطانية

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 9 \ 10 كتاب وزارة الخارجية المرقم في 570 \ 570 \ 5 \ 1471 والمؤرخ في 22 \ 7 \ 1940 الى السفارة البريطانية ـ بغداد .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 1 كتاب م . ش . ب والمرقم 153 والمؤرخ في 14 \ 1 \ 1937 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب رقم الملف 9 \ 4 كتاب م . ش . ب المرقم 1825 \ 6 \ 4 المؤرخ في 2 \ 6 \ 1939 والمرسل الى مديرية الشرطة العامة في بغداد .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 26 ـ

سواء خلال مراحل الانزال المختلفة او عند نقل بعض المعدات الحربية او عند الاستعداد لمواجهة اية مقاومة متوقعة فان بعض التقارير كانت قد اشارت الى حجزهم داخل المعسكرات للقيام ببعض الاعمال الادارية والخدمات كما وضعت مع كل واحد منهم جندياً بريطانياً او هندياً لمراقبتهم (1) ، والسبب في ذلك كما يظهر اما خوف السلطات البريطانية من تعاطف قوات الليفي مع ابناء جلدتهم من جهة ، او خشيتها من تسرب المعلومات عند خروجهم من المعسكرات من جهة اخرى .

2 ـ دور الاستخبارات البريطانية في البصرة

   لقد اصبحت القواعد البريطانية في العراق مع الشركات والمؤسسات التجارية والثقافية التي ارتبطت ببريطانيا بشكل او بآخر مواقع للعاملين في الاستخبارات البريطانية .
   ولقد كانت انشط مركز التجسس تلك التي تجمعت ونشطت في البصرة ، والسبب في ذلك موقع البصرة ووجود قاعدة نشطة للطيران فضلاً عن كونها ميناء يتجمع فيه عدد كبير من الاجانب وتصل اليه السفن الملاحية من مختلف جهات العالم ، وكانت دائرة الاستخبارات البريطانية الملحقة بالقنصلية البريطانية في البصرة ورئيسها الميجر ميلنك يتدخل تدخلاً سافراً في شؤون متصرفية البصرة عبر اتصاله المباشر بالاشخاص المسؤولين رسمياً عن ادارة اعمال المتصرفية او مديرية الشرطة ، أو باتصالاته غير المباشرة مع اشخاص من غير رعايا دولته للحصول على ما يبتغيه (2) .

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1053 والمؤرخ في 10 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) هناك امثلة كثيرة على تدخلاته انظر تفاصيلها في س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ش . ب المرقم 1339 والمؤرخ في 26 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ، كذلك كتاب م . ل . ب المرقم س \ 761 والمؤرخ في 27 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 27 ـ

   كان المستر ميلنك على اتصال دائم بمقر القوة الجوية في الشعيبة والقوة الجوية في المعقل وبدائرة مدير شركة الطيران والقنصل الامريكي في البصرة وبدائرة الميناء (1) ، فضلاً عن اتصالاته بشركة النفط ، وقد كانت الاخيرة هي الاخرى مركزاً من مراكز التجسس والاستخبارات لخدمة اهداف المصالح البريطانية وقد نصبت لهذا الغرض محطة لاسلكية واخذت تتعاون مع المحطات اللاسلكية البريطانية الاخرى بالتقاط الاخبار وايصال المعلومات المهمة الى السلطات (2) ، كذلك كانت مراقبة السفن الحربية العراقية وتتبع حركاتها سواء في شط العرب او التي تمر على رصيف مقر القوة الجوية البريطانية رقم ( 7 ) في المعقل او مداخل الخليج العربي يدخل ضمن نشاط دائرة الاسخبارات البريطانية في البصرة (3) .
   وفضلاً عما تقدم فقد كان المستر ميلنك هذا على صلة ببعض الشخصيات التي سكنت البصرة كشفيق عدس التاجر اليهودي المشهور الذي حوكم فيما بعد ( عام 1949 ) واعدم لثبوت تآمره ضد مصلحة البلاد وضلوعه في الانشطة التجسسية ، كذلك كان ميلنك على علاقة وثيقة باصحاب المحلات الكبيرة والشركات كمحل حسو اخوان وشركة هلس وشركة بيت الوكيل وشركة بيت لاوي وشركة اند روير وشركة كرى مكنزي ، اذ كانت جميع هذه الشركات

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ش . ب المرقم 1007 والمؤرخ 8 \ 4 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1039 والمؤرخ في 9 \ 4 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم 540 والمؤرخ في 8 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 28 ـ

تعمل لصالح الاستخبارات البريطانية في العراق(1) .
   اما الشخص الآخر الذي كان له نشاط مميز في مجال الاستخبارات البريطانية فهو المستر وارد المدير العام لدائرة الميناء من خلال اتصاله المستمر بظابط الاستخبارات البريطاني والقنصل البريطاني في البصرة ، كذلك في تقديمه جميع التسهيلات للوافدين من الاجانب لدخول الفاو مع السماح لهم بالتقاط الصور للمواقع التي لها اهميتها في الفاو دون علم الشرطة العراقية في الميناء او شرطة الجوازات في الفاو .
   ومن الامثلة الاخرى لما كانت تقوم به دائرة الميناء من تسهيلات للنشاط الاستخباري سماحها لزوارق شركة النفط الانكليزية بالنزول في المياه العراقية لسحب البواخر الكبيرة من مدخل الفاو ، ما ساعد على فسح المجال امام الاجانب بالنزول الى الاراضي العراقية والسفر والتجول والتقاط الصور لمواقع شتى في الفاو بدون علم شرطة الميناء او دائرة الجوازات وبالتالي لم تعرف جنسية اي واحد من هؤلاء الاجانب ، وكانت متصرفية لواء البصرة قد احتجت على تصرف مديرية الميناء ولفتت نظر شرطة الميناء ودائرة الجوازات والسفر وشرطة الفاو بضرورة منع الاجانب من الدخول الى منطقة الفاو باعتبارها منطقة محرمة على الاجانب (2) ، فضلاً عما تقدم ، كانت ادارة الميناء تتستر على بعض الوافدين من الاجانب والذين كانوا ينزلون في فندق شط العرب باعتباره من المرافق التابعة لادارة الميناء بدون تدوين اسمائهم في السجلات

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1055 والمؤرخ في 10 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ، اما عن هذه الشركات وانشطتها وفروعها وتاريخ تاسيسها فانظر عبد المجيد حسن الغزالي ، البصرة ، ( بغداد ، 1941 ) .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 3 \ 18 \ 843 والمؤرخ 31 \ 7 \ 1939 الى مديرية الميناء والملاحة العامة صورة الى وزارة الداخلية ، وزارة المالية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 29 ـ

الخاصة بالفندق (1) .
   بالاضافة لما تقدم كان هناك نشاط استخباري خطير للمستر لويد المدير العام لجمعية التمور في البصرة عبر علاقاته الوثيقة بالمؤوسسات الادارية والاقتصادية والسياسية ، وكذلك خلال ارتباطاته التجارية او عن طريق الزيارات التي كان يقوم بها لبعض شخصيات البصرة وكسب الصداقات مع اعيانها .
   وكانت مديرية الشرطة في البصرة قد وضعته تحت المراقبة (2) ، الا ان تلك المراقبة لم تحد من نشاطه بسبب النفوذ الواسع الذي تمتع به بين اوساط المؤوسسات الادارية والقضائية ، وقد كشف عن حقيقته خلال الاحتلال البريطاني لمدينة البصرة حيث ظهر بملابسه العسكرية وجلس في ديوان المتصرفية كحاكم عسكري لمدينة العشار .
   ومما يجدر بالذكر ايضاً ان المقيم البريطاني في الكويت الكابتن ديكوري قد بذل هو الآخر جهداً في هذا المضمار عبر خرقه لقوانين البلاد والتدخل في شؤون الحكومة العراقية الداخلية ودخوله البلاد ومغادرته دون علم السلطات العراقية ودون مراعات لاحكام قوانين الاقامة والتعليمات الصادرة بذلك .
   ومثال على تجاوزاته دخول الى العراق وسفره الى بغداد بطريقة غير قانونية اي دون ان يكون جواز سفره مؤشراً بالدخول كما هو مطلوب حسب احكام الاقامة ، وعند رجوعه من بغداد نزل في الشعيبة واجتمع بضباط الاستخبارات

**************************************************************
(1) لقد ورد في تقرير معاون الشعبة الخاصة المرقم 1191 والمؤرخ في 24 \ 7 \ 1939 والموجودة في س . م . ب \ رقم الملف 12 \ 12 انه لم يجد في سجل الفندق سوى تدوين اسماء شخصين من الاجانب الذين حلوا في الفندق بينما كان عدد الذين حلوا فيه ( 39 ) مسافراً جاءوا من الهند جواً .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 18 كتاب م . ش . ب المرقم 1249 والمؤرخ في 12 \ 7 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة كذلك م . ل . ب المرقم س \ 771 والمؤرخ في 28 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 30 ـ

والقنصل البريطاني ومفتش الجيش العراقي ( بريطاني الجنسية ) ولم تعرف الغاية من هذا الاجتماع ، وعند مروره الى الكويت لم يخبر السلطات الادارية بعزمه على المرور ، ولم يقف تصرفه عند هذا الحد بل تجاوزه بوقوفه في مخفر سفوان مستوظحاً من ضباط المخفر عن بعض المعلومات التي تتعلق بالسلطات العراقية ، واحتجاجاً على هذه المخالفات الصريحة من قبل ديكوري وجهت وزارة الخارجية عدة كتب الى السفارة البريطانية لاتخاذ الاجراءات المقتضية بعدم تكرار ذلك لما ينتج عنها من المحاذير (1) .
   اما آخر المؤسسات الاستخبارية في البصرة فقد كانت المدرسة التبشيرية الامريكية ( مدرسة الرجاء العالي ) ومديرها المستر فانيس بما كانت تقوم به من نشر للتعليم والافكار والمبادئ التي تخدم الاهداف الاستعمارية (2) ، وعلى رأي الدكتور الاستاذ الياس فرج ان الهدف من هذه المؤسسات الثقافية الاجنبية كان : " لتكوين جيل مؤمن بالثقافة الاستعمارية ومعجب بكل ما هو اجنبي ومتطلع الى خدمة النظام الاستعماري بكل تفاني واخلاص مبتور الصلة بماضيه القومي وبتطلعات شعبه " (3) .
   وكانت السلطات المحلية في البصرة قد حاولت في اوقات مختلفة ان تحد من نشاط دائرة الاستخبارات البريطانية في البصرة والمؤسسات الاخرى المرتبطة ببريطانيا وفق الضوابط التالية :
1 ـ ان تحصي شرطة البصرة عدد اسماء الاشخاص الذين يتصلون بمكتب الاستخبارات البريطانية ، وان تنظم على هؤلاء مراقبة سرية دقيقة

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 3 \ 15 كتاب وزارة الداخلية المرقم م . ج \ 1085 في 27 \ 3 \ 1939 الى وزارة الخارجية وكذلك كتاب م . ل . ب المرقم س \ م \ 15 \ 256 والمؤرخ في 23 \ 3 \ 1939 الى وزارة الداخلية .
(2) معن شناع العجلي ، في البصرة ( البصرة 1947 ) ص 17 ، كذلك عبد المجيد حسن الغزالي ، المصدر السابق ، ص 110 .
(3) الياس فرح ، الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية ( بيروت 1971 ) ص 3 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 31 ـ

للقوف على حركاتهم حتى اذا تجمعت الدلائل ضدهم تطبق بحقهم الاجراءات القانونية .
2 ـ اما الاجانب المتصلون في المكتب المذكور فتوضع العراقيل في سبيل عدم تمديد اقامتهم تمهيداً لتسفيرهم خارج العراق (1) .
3 ـ وضع وكلاء لمراقبة الاستخبارات البريطانية وبقية القنصليات والشركات التي تشتبه فيها ، وكذلك مراقبة بعض المستخدمين في الميناء والمشتبه بهم من العراقيين والاجانب ومراقبة المطار المدني .
4 ـ تعيين وكلاء لمراقبة المعسكرات البريطانية في المعقل والشعيبة ومراقبة حركة البواخر البحرية والاخبار عن كل الحركات العسكرية .
5 ـ وضع وكلاء لاجهزة الامن في البصرة والعشار وابي الخصيب والفاو والقرنة وشط العرب والزبير وتكون مهمتهم استقصاء اثر الدعايات وجمع اخبار عن الحدود والابلاغ عنها لتكون الحكومة على بينة من الامر .
6 ـ تعيين وكلاء لمراقبة المطابع والصحافة في البصرة فضلاً عن تنظيم الدعاية في المحلات العامة والنوادي باسم الحكومة العراقية من قبل اناس يعتمد على قابليتهم وعلى اخلاصهم (2) .
   وعلى الرغم من كل الاجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية في هذا الصدد الا انها لم تكن اجراءات فعالة للحد من ذلك النشاط الاستخباري

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 9 \ 10 تقرير م . ش . ب المرقم 99 \ 9 \ 10 في 11 \ 1 \ 1938 الى مفوضية الشعبة الخاصة وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1053 والمؤرخ 10 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة وصورة منه الى مديرية الشرطة العامة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 32 ـ

وهكذا كان لتلك المؤسسات والشركات الاقتصادية في البصرة بالاضافة الى الدوائر الرسمية التي رأسها بعض الموظفين البريطانيين بموجب المعاهدة المعقودة بين العراق وبريطانيادور واضح في خدمة بريطانيا وتقديم العون لقواتها عند احتلالها البصرة .


البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 33 ـ

الفصل الثاني
التطورات السياسية في البصرة
في نيسان
1941

اولاً : الازمة الوزارية في بغداد .
ثانياً : لجوء الوصي الى البصرة .
ثالثاً : اعتقال صالح جبر ولجوء الوصي الى المعسكر البريطاني .
رابعاً : الانزال البريطاني في البصرة من 17 نيسان ولغاية 30 نيسان 1941 .