التطورات السياسية في البصرة في سنة 1941

   يهدف هذا الى استعراض الاوضاع السياسية في البصرة خلال شهر نيسان 1941 والتي لم تكن بمعزل عن مجمل تطور الاوضاع السياسية في العراق ، ومن ضمنها تأزم الوضع الوزاري في بغداد ولجوء الوصي الى البصرة ثم ما حصل بعد ذلك من انزال بريطاني عسكري في البصرة خلال الفترة الواقعة بين 17 نيسان وحتى 30 نيسان 1941 .

اولاً ـ الازمة الوزارية في بغداد

   لقد كان نوري السعيد على رأس الوزارة العراقية عند نشوب الحرب العالمية الثانية في ايلول 1939 وقد بادرت حكومته الى الاعلان عن تضامنها عم بريطانيا والتزامها بتعهداتها اتجاهها (1) .
   كما قام الوصي على عرش العراق عبد الاله بأرسال برقية الى ملك بريطانيا عبر فيها عن موقف الدعم والتأييد لبريطانيا ، بينما لم يكن القسم الاكبر من الشعب العراقي متفقاً مع الوصي ونوري السعيد في مشاعر الصداقة والود اتجاه بريطانيا ، اذ كان المثفقون السياسيون وقادة الجيش القوميون وغالبية الناس يتمنون الهزيمة لبريطانيا وحليفتها فرنسا لانهما الدولتان اللتان تجاهلتا حقوق

**************************************************************
(1) وقد عبر نوري السعيد عن موقفه بصراحة قبل ان تعلن لندن الحرب ضد برلين بيومين حينما القى خطاباً من دار الاذاعة اكد فيه ان العراق سوف يكون متمسكاً بمضمون معاهدة 1930 التي تنص على تقديم التسهيلات الضرورية للمواصلات البريطانية داخل الاراضي العراقية ، و لكنه اعلن في الوقت نفسه ان العراق غير ملزم بالاشتراك في الحرب وان كان عليه الدفاع عن نفسه في حالة الهجوم عليه ، وبعد ان بدأت الحرب بالفعل حدد نوري المفاهيم نفسها في خطابين القاهما قبل ان ينتهي الشهر الاول من الحرب ، عن موقف نوري السعيد هذا راجع : سعاد رؤوف شير محمد ، نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية 1932 ـ 1945 ، رسالة ماجستير غير منشورة ( جامعة بغداد ، 1985 ) ص 83 ـ 84 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 35 ـ

العرب ومصالحهم ، وهما اللتان تحتلان سوريا وفلسطين وتضطهدان الشعب العربي وتؤيدان الصهيونية ، وقد واجه نوري السعيد موقفاً وزارياً حرجاً اثر ذلك ، اذ ان مجلس الوزراء لم يستجب لطلبه لاعلان الحرب الى جانب الحلفاء وفضلاً عن ذلك جاء مقتل رستم حيدر وزير ماليته ورجله القوى في الوزارة (1) ، في هذه الظروف ليزيد الطين بله ، مما حدا به الى تقديم استقالة وزارته في 18 شباط 1940 وقد كلف رشيد عالي الكيالاني بتشكيل الوزارة في 31 آذار 1940 والتي دخلها نوري السعيد وزيراً للخارجية املاً باقناع مجلس الوزراء بتبني موقفه في دعم الحلفاء ، و لما اعلنت ايطاليا انضمامها الى جانب المانيا ضد الحلفاء طلب السفير البريطاني بازل نيوتن الى الحكومة العراقية قطع علاقاتها مع ايطاليا (2) ، فاجتمع مجلس الوزراء لمناقشة الموضوع وكان نوري السعيد يقر بقطع العلاقة مع ايطاليا ، الا ان المجلس طلب التأني في تحديد موقفه ، واصدر بلاغاً خلاصته تريث الحكومة العراقية في موضوع قطع العلاقات الدبلاماسية مع ايطاليا (3) .
   ان تردد الوزارة الكيلانية بقطع العلاقات مع ايطاليا مسبب استياء لبريطانيا وبدأت العلاقات بين الطرفين تتعقد والخلافات تشتد ، ففي 21 حزيران 1940 ابلغ السفير البريطاني حكومة رشيد عالي رغبة بريطانيا بانزال جنوداً لها في البصرة تمهيداً لارسالهم الى فلسطين ، كما طالب باعطاء القوات البريطانية التسهيلات الكافية للمرور عبر الاراضي العراقية حسب نصوص معاهدة 1930 وفضلاً عما تقدم فقد ابلغ السفير الوصي بضرورة الضغط على الوزارة الكيلانية ليدفعها الى الاستقالة ، وبالفعل فقد استقال بعض الوزراء بناءاً على طلب الوصي الا ان رشيد

**************************************************************
(1) عن تفاصيل مقتل رستم حيدر ، راجع سعاد رؤوف شبر محمد ، المصدر السابق ، ص 92 .
(2) عبد الرزاق الحسيني ، تاريخ الوزارات العراقية ، ج 5 ( بيروت 1974 ) ، ص ص 131 ، 156 .
(3) المركز الوطني للوثائق ، سجلات البلاط الملكي رقم الملف 5 \ 19 ( قرارات مجلس الوزراء المتخذة في جلسته المنعقدة بتاريخ 17 \ 6 \ 1940 ) ص 62 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 36 ـ

عالي الكيلاني لم يقدم استقالته ، مما سبب حدوث ازمة وزارية (1) ، وبدلاً من ذلك حاول رشيد عالي الكيلاني املاء الشواغر الوزارية لكي تبقى الوزارة في الحكم ، الا ان الامور تعقدت اكثر من ذلك بعد ان قدم رشيد عالي طلباً الى الوصي بحل المجلس النيابي ، فقد كان جواب الوصي ان ترك بغداد وذهب الى الديوانية (2) ( القادسية ) .
   لقد وضع تصرف الوصي رشيد عالي ( رئيس الوزراء ) وحكومته في مأزق حرج لانه عرقل اعمال الوزارة وترك توقيع الارادة الملكية بحل المجلس النيابي معلقاً حتى يضع الكيلاني امام الامر الواقع فيضطر الى الاستقالة ، فعقد اجتماع لمجلس الوزراء حضره قادة الجيش وهم صلاح الدين الصباغ ومحمود سلمان وفهمي سعيد الذين غدوا هم اصحاب القوة السياسية في البلاد وجرت استشارتهم في الامر (3) ، وبعد المناقشة تم الاتفاق على ان يقدم الكيلاني استقالة وزارته تحاشياً للمشاكل التي قد يستغلها الانكليز ، ومما ذكره صلاح الدين الصباغ في هذا الصدد " ان استقالة الوزارة الكيلانية كانت اقسى استقالة قدمتها وزارة عراقية " (4) وباستقالة الوزارة كلف طه الهاشمي بتشكيل الوزارة الجديدة ، الا انه قبل ان يبدي موافقته

**************************************************************
(1) للقوف على مزيد من التفاصيل في ما يتعلق بالازمة الوزارية راجع الاستاذ عبد الرزاق الحسني ، الاسرار الخفية في حركة مايس التحررية 1941 ( بيروت 1976 ) ص ص 90 ـ 99 ، كذلك جعفر عباس حميدي ، التطورات السياسية في العراق 1941 ـ 1953 ( بغداد 1976 ) ص 22 .
(2) ابراهيم الراوي ، من الثورة العربية الكبرى الى العراق الحديث ( ذكريات ) ( بيروت 1969 ) ، ص ص 202 ـ 203 .
(3) اما كامل شبيب فقد تخلف عن الاجتماع وان الصباغ قد اشار في مذكراته الى تمارضه لمعرفة موقف قادة الجيش في هذا الاجتماع ، انظر مذكرات صلاح الدين الصباغ " فرسان العروبة في العراق " ، ص ص 199 ـ 200 كذلك الحسني الوزارات ج 5 ص ص 203 ـ 204 .
(4) صلاح الدين الصباغ ، المصدر نفسه ، ص 202 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 37 ـ

استشار قادة الجيش في الامر ، فكان رأيهم ان يقبل التكليف على شرط ان تسير وزارته ضمن حدود المعاهدة العراقية البريطانية ، وان لا يتدخل احد في شؤون الجيش بصورة مخالفة للقانون (1) ، وهكذا تشكلت الوزارة الهاشمية وسط اجواء وشحونة بالحذر والتوتر وسرعان ما ظهر التناقض بينها وبين قادة الجيش حول قطع العلاقات مع ايطاليا ، فقد كان الهاشمي ميالاً لقطع العلاقات مع ايطاليا تنفيذاً لاوامر الوصي والانكليز ، وكان يعتقد بالوقت نفسه بان العقداء الاربعة هم العقبة في طريق تنفيذ هذا الامر ، لذلك اصدر امراً بنقل احدهم وهو كامل شبيب من بغداد الى الديوانية قائداً للفرقة الرابعة بدلاً من ابراهيم الراوي ، فرفض العقداء الاربعة تنفيذ الامر واجبروا الهاشمي هو الآخر على تقديم الاستقالة ، وعندها تعقدت الامور خاصة حين هرب الوصي من بغداد الى البصرة واستلم العقداء الاربعة زمام المسؤولية وقد اخذوا على عاتقهم دعوة رشيد عالي الكيلاني الى تشكيل حكومة جديدة اطلق عليها حكومة الدفاع المدني (2) .

ثانياً ـ لجوء الوصي الى البصرة

   امل الوصي حين هرب من بغداد ان يشكل حكومة فيها بعيدة عن العسكريين (3) ، ولعل الاسباب التي دفعته الى اختيار البصرة كملجأ ومقر له .

1 ـ ان البصرة هي المدينة الثانية في العراق بعد بغداد من حيث الاهمية فأنها فضلاً عن كونها ميناء العراق الذي من خلاله يتصل العراق بالعالم

**************************************************************
(1) صلاح الدين الصباغ ، المصدر السابق ، ص 203 ـ 204 .
(2) ناجي شوكت ، سيرة وذكريات ثمانون عام 1894 ـ 1974 ، ط 3 ( بيروت بدون سنة ) ، ص ص 456 ـ 457 .
(3) كان للمقيم الامريكي في بغداد المستر نابنشو وللمفوضية الامريكية في بغداد دور فعال في تسهيل مهمة هروب الوصي ، انظر د . فاضل البراك ، دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا 1941 ، ( بغداد 1979 ) ، ص 204 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 38 ـ

الخارجي تقع على الخليج العربي الذي هو من ضمن مناطق نفوذ البريطانيين حلفائه .
2 ـ اعتقاد الوصي بان البريطانيين ومعسكراتهم في البصرة في ( المعقل والشعيبة ) ستدعمه للقيام بحركة مضادة لحكومة الدفاع الوطني في بغداد .
3 ـ وجود المطار الدولي في البصرة وهو الوحيد الذي كان في العراق آنذك .
4 ـ وجود صالح جبر متصرفاً وهو من العناصر المشهورة في دعمها للوصي ولسياسته .
5 ـ توقع الوصي ضم عشائر المنطقة الجنوبية اليه ومساعدتها له ضد قادة الجيش .
   وعلى اية حال فبعد مغادرته بغداد اصدر امين زكي رئيس اركان الجيش في 3 نيسان 1941 بياناً الى الشعب العراقي اوضح فيه تطور الاحداث واهداف حكومة الدفاع الوطني واسباب تكوينها ثم اتهم الوصي " باحداث الانقسام في صفوف الشعب وتحطيم الجيش الحارس لكيان الامة والوطن " ، وقد اعقبه رشيد عالي الكيلاني الذي اذاع بياناً على الشعب العراقي اوضح فيه سياسة حكومته التي خلاصها " عدم توريط البلاد باخطار الحرب والقيام باداء رسالتها القومية والمحافظة على تعهداتها الدولية " (1) .
   ووفقاً لذلك فقد اوعزت وزارة الداخلية الى متصرفية لواء البصرة بضرورة نشر البيانين المذكورين في الصحف المحلية ، كما اكدت الوزارة المذكورة على ضرورة نشر البيانين بالطرق المناسبة في المناطق التي لا تصدر فيها صحف مع

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 برقية ، بغداد المرقمة 417 والمؤرخة 4 \ 4 \ 1941 الى متصرفية البصرة ، ولمراجعة نص البيانين انظر عبد الرزاق الحسني الوزارات ج 5 ص ص 238 ـ 240 كذلك انظر مجلة آفاق عربية ، العدد 9 في 1976 مقال " الحرب العراقية البريطانية 1941 " للدكتور فاضل البراك .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 39 ـ

التعليق عليها بالعبارة التالية " بارتياح الشعب العراقي وثقته بمستقبله وبحكومته الوطنية الضامنة لسلامة العرش المفدى والوطن العزيز " (1) .
  اما بصدد وصول الوصي الى البصرة فقد ورد في تقرير لمديرية شرطة لواء البصرة انه وصل في الساعة الثامنة من مساء يوم 3 نيسان قادماً من الحبانية بطائرة بريطانية الى الشعيبة ومنها الى البصرة بصحبة كل من علي جودت الايوبي والرئيس ( النقيب ) عبيد عبد الله المضايفي وحلوا في فندق شط العرب في المعقل ، وطلب الوصي حضور بعض المسؤولين للالتقاء بهم ، وكان صالح جبر متصرف البصرة اول من حضر ، كما زاره كل من قائد قوات شط العرب احمد رشدي وآمر حامية البصرة العقيد رشيد جودت وكذلك زاره الكولونيل وارد مدير الميناء والكابتن ميلنك ضابط الاستخبارات البريطاني ، كما شوهد قائد القوة الجوية والبريطانية في قاعدة الشعيبة في فندق شط العرب ايضاً (2) ، ويذكر العقيد عامر حسك مقدم اللواء السابع يومئذ في كتابه ( احداث البصرة في ثورة 2 مايس 1941 ) بان الوصي طلب من آمر حماية البصرة العقيد رشيد جودت تهيئة اللواء السابع للتقدم نحو بغداد للقضاء على حكومة الدفاع المدني لان " بقية الضباط في بغداد وقطعات الجيش في المناطق الاخرى " حسبما اوضح الوصي " غير راضين على تصرفات اولئك الضباط المتمردين وانهم سوف ينضمون الينا " .
   واضاف عامر حسك ايضاً بان الوصي قد ذكر بان " قوات انكليزية كثيرة ومزودة بالاسلحة الحديثة على وشك الوصول الى البصرة وسوف تنضم الينا عند تقدمنا نحو بغداد " (3) .

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 6421 والمؤرخ في 5 \ 4 \ 1941 الى الصحف المحلية في البصرة .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 926 \ 4 \ 7 خ والمؤرخ 4 \ 4 \ 1941 الى مديرية الشرطة العامة .
(3) عامر حسك ، احدث البصرة في ثورة مايس عام 1941 ( بغداد 1977 ) ص 22 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 40 ـ

   اما آمر حماية البصرة العقيد رشيد جودت فأنه لم يذكر هذا الامر في تقريره الذي رفعه هو الى رئاسة اركان الجيش في 6 نيسان 1941 ، سوى ما ذكره الوصي من شرح للموقف الذي حصل في بغداد وكيفية مجيئه الى البصرة ، الا انه ( اي العقيد رشيد جودت ) ذكر بان صالح جبر اخبره عن خطة الوصي ووعود الانكليز بالمساعدة " فأيقنت ان هذه لعبة انكليزية محظة يتوخى منها تدمير البلاد " (1) .
   ومما يجدر ذكره ان العقيد رشيد جودت بصفته آمر لحماية البصرة قد تسلم برقية من رئاسة اركان الجيش تقضي " بضرورة السيطرة على الموقف في البصرة " ، لذا فقد عقد اجتماعاً عسكرياً حضره قادة البصرة العسكريون آمروا الافواج وهم المقدمون مهدي صالح ويوسف عمر وعزيز حكمت والرئيس ( النقيب ) نوح عبد الله آمر القوة النهرية واخبرهم بمضمون برقية رئاسة اركان الجيش السابق ذكره ، كما اخبرهم بالوقت نفسه بوصول الوصي الى البصرة واوصاهم بضرورة العمل على مقاومة تحركاته ، ومعنى ذلك ان امراء الافواج لم يكن لهم علم بوجود الوصي في البصرة الا ان رشيد جودت اكد صحة وجوده وانه التقى به في فندق شط العرب وشرح لم ما حصل .
   وبعيداً عن كل التفصيلات الاخرى فقد كانت الرؤيا واضحة لدى امراء الافواج فيما يتعلق بتولي رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة زمام المسؤولية وهروب الوصي وعدم المتلاكه اية سلطة تنفيذية خلال وجوده في البصرة ، وان السلطة الشرعية الآن بيد الحكومة الرسمية في بغداد ، وقد توصل هؤلاء الامراء بعد المناقشة الموقف الى قرار مفاده " ان عمل الوصي خلافاً لمصلحة المملكة " كذلك اتفقوا على عدم السماح بتشكيل اية حكومة او ادارة مدنية او عسكرية في البصرة لان هذا سيؤدي حسبما اعتقدوا الى" عدم استتباب الامن باعتباره ضد الحكومة الشرعية في بغداد " (2) ، وقد حاول الوصي

**************************************************************
(1) من مقال لعبد الجبار العمر المعنون ( من وثائق حركة مايس 1941 ) والمنشور في مجلة آفاق عربية ، العدد 30 ، السنة الخامسة 1979 ، ص 12 ـ 13 .
(2) المصدر نفسه .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 41 ـ

بعد ان استدعى هؤلاء الامراء التاثير عليهم وطلب اليهم ان يستمعوا لمنشور قرأه صالح جبر عليهم واخبرهم انه سينشر في جريدة الثغر ( لصاحبها شاكر النعمة ) لاضهار سخط البصريين على حكومة الدفاع الوطني (1) ، ثم اخذ علي جودت الايوبي بالكلام وذكر لهم بان حكومة الدفاع الوطني مخالفة للدستور وان البلاد التي لا يحترم دستورها لا يمكن المعيشة فيها ، وطلب منهم العمل الجاد لدعم الوصي وتأييده .
   الا ان الامراء بدلا من الانصياع للوصي ولمنشور صالح جبر اتخذوا ما يالي من الاجراءات :

1 ـ السيطرة على المطابع وعدم نشر اي شيء يصدر من الوصي او المتصرف صالح جبر .
2 ـ السيطرة اعلى الهواتف والبرق ومراقبة الاتصالات الهاتفية .
3 ـ منع المتصرف وحاشيته من الاتصال مع اية جهة كانت (2) .
   وهذا يعني ان القادة العسكريين في البصرة بالرغم من علمهم بقوة الانكليز ودعمهم للوصي الا ان ايمانهم العميق بوطنيتهم دفعهم لاتخاذ تلك الاجراءات لدعم الحكومة الشرعية في بغداد .
   اما بالنسبة الى الوصي فقد تعقد موقفه بعد قطع الخطوط الهاتفية الخاصة بفندق شط العرب للحيلولة بينه وبين الاتصال باية جهة كانت ، وقد اشر تقرير لمديرة البصرة بان هذا الاجراء مع عملية القاء القبض على المتصرف وسوقه الى بغداد قد اثارت الوصي وسببت استاء له ولمرافقيه وتوقعوا

**************************************************************
(1) وقد ذكر عبد الرزاق الحسني بانه حصل على المنشور من المصادر البريطانية وهو مدون في هامش ص 35 ، من كتابة الوزارات ج 5 ، وجريدة الثغر هي جريدة كانت تصدر في البصرة ويملكها ويديرها شاكر النعمة .
(2) رجاء حسين الخطاب ، تأسيس الجيش العراقي وتطور دوره السياسي من 1926 ـ 1941 ( بغداد 1979 ) ملحق رقم 10 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 42 ـ

ان هنالك اخطار تنتظرهم لذا تركوا فندق شط العرب وتوجهوا بصحبة الكولونيل وارد مدير الميناء الى مقر القوة الجوية البريطانية في الشعيبة ، ثم هناك تم الاتفاق على نقلهم الى احدى البواخر الراسية في شط العرب (1) ، اما اجراءات السلطة الرسمية في بغداد اتجاه ذلك فانها اوفدت بعد يومين من وصول الوصي الى البصرة كلاً من الرئيس ( النقيب ) محمود حسن الدرة والرئيس الاول ( الرائد ) محمد حسن الطريحي الى البصرة ( فوصلاهما يوم 5 نيسان 1941 ) وقد اوضحا ان الغرض من ارسالهما الى البصرة كان لاطلاع مقر حاميتهما على التطورات التي حصلت في بغداد اولاً ، وتنفيذ ما جاء من قرارات مجلس الدفاع الاعلى ( التي سيرد ذكرها ) ثانياً ، ومعرفة موقف حامية البصرة ومدى استعدادها للمحافظة على امن البصرة ومنع الفوضى ثالثاً ، وبعد انتهاء مهمتهما ورجوعهما الى بغداد قدم الطريحي تقريراً الى قائد الفرقة الثالثة في 7 نيسان 1941 اوضح فيه تفاصيل المهمة التي ارسلا من اجلها (2) .
   وفي حديث لي مع محمد حسن الطريحي قال كلفت من قبل قائد الفرقة الثالثة صلاح الدين الصباغ بالذهاب الى البصرة والقاء القبض على الوصي وجلبه الى بغداد لاعتقاله او تسفيره الى الاردن ، وقد ارسلوا معي محمود الدرة ، وقبل سفري اتصلت هاتفاً بعامر حسك لتنفيذ الامر ، ويظهر ان المخابرة سرقت من قبل الاستخبارات البريطانية وهذا الاحتمال هو الارجح ، اذ عندما وصلت الى البصرة مع الدرة علمنا بان الوصي هرب من فندق شط العرب قبل ذهاب عامر حسك اليه ، فأشعرت الصباغ هاتفياً بذلك فأمرنا بالعودة ، وقد

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 929 والمؤرخ 6 \ 4 \ 1941 الى متصرف البصرة .
(2) صلاح الدين الصباغ ، المصدر السابق ، ص 203 ، وللوقوف على هذا التقرير انظر عبد الجبار العمر ، المصدر نفسه ، كذلك رجاء حسين الخطاب ، المصدر نفسه ، ملحق ( 11 ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 43 ـ

تأخر رجوعنا بالطائرة بسبب الظروف الجوية الرديئة في اثناء وجودنا في البصرة أخبرنا طارق الزهير ضابط الاستخبارات العراقي بمشاهدته للوصي على البارجة البريطانية في شط العرب ، وقد اجتمعنا في مقر اللواء بصالح حمام وكيل المتصرف ( الذي كان قائممقام لقضاء ابي الخصيب ) ورشيد جودت ومهدي العاني وعامر حسك ومحمود الدرة وطارق الزهير لنبحث ماذا نعمل وقبل ان نتخذ اي شيء جاءت الاوامر بمنع الوصي من الاتصال بأي شخص في البصرة (1) .
   ويبدو مما تقدم ان هناك تناقضاً واضحاً في ما جاء بالمصادر التاريخية وما ذكره الطريحي في المقابلة .

ثالثاً ـ اعتقال صالح جبر ولجوء الوصي الى المعسكر البريطاني

   لقد كان موقف صالح جبر من البداية مؤازراً للوصي ضد حكومة الدفاع الوطني ، وكانت الاخيرة قد علمت ان صالح جبر بالتنسيق مع جميل المدفعي حاولا اثارة الفتن ودعوة متصرفي الالوية الجنوبة لمناصرة الوصي والتمرد على الحكومة الشرعية في بغداد (2) ، لذلك انعقد مجلس الدفاع الاعلى برئاسة الكيلاني وحضره وكيل رئيس اركان الجيش امين زكي ومدير الحركات نور الدين محمود وقادة الفرق باستثناء قائد الفرقة الثانية قاسم مقصود لبعده عن العاصمة وأتخذ المجلس القرارات التالية :

**************************************************************
(1) مقابلة مع محمد حسن الطريحي ، في 21 \ 3 \ 1987 ، ولمعرفة مهمة عامر حسك عند ذهابه الى فندق شط العرب راجع عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 27 ـ 28 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 بيان مدير الدعاية العام المرقم 6783 والمؤرخ 5 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 44 ـ

1 ـ تقديم مذكرة الى الحكومة البريطانية على الفور بضرورة احترام نصوص المعاهدة وعدم التدخل في شؤون العراق الداخلية واحترام الحقوق الدولية .
2 ـ ايفاد قوة عسكرية اضافية لتعزيز حامية البصرة من اجل قمع اية حركة من حركات العصيان التي يثيرها عملاء بريطانيا هناك .
3 ـ اطلاق الحرية للوصي على ان لا يسمح له بالاتصال مع العشائر(1) .
4 ـ القاء القبض على صالح جبر وارساله مخفوراً الى بغداد لمحاكمته ، وقد نفذ الامر الرئيس الاول ( الرائد ) مهدي العاني (2) .
   كما تم الايعاز الى صالح حمام بتولي منصب متصرفية البصرة وكالة لحين اتخاذ الاجراءات اللازمة بتعيين متصرف جديد (3) .
   اما الوصي قفد بدء من مقره الجديد في احد البوارج الراسية في شط العرب محاولاته اليائسة بأثارة الناس ضد حكومة الدفاع الوطني عبر سلسلة من الحملات الدعائية كان ابرزها انه أذاع في 4 نيسان 1941 بياناً الى الشعب العراقي طلب فيه من الجيش العراقي العمل على اسقاط حكومة رشيد عالي الكيلاني .
   وقد اذاع البيان مرتين كما ان وقت اذاعته انحصرت بين الساعة التاسعة والعاشرة مساءاً (4) .

**************************************************************
(1) صلاح الدين الصباغ ، المصدر السابق ، ص 330 ـ 331 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 492 والمؤرخ 5 \ 4 \ 1941 ويذكر العقيد حسن علي زكي الذي كان ضابطاً برتبة ملازم ثان في الجيش العراقي بأنه هو الذي نفذ امر احضار صالح جبر من بيته الى المعسكر ، ثم ارسل بالقطار مخفوراً الى بغداد ، مقابلة معه في تاريخ 9 \ 7 \ 1986 .
(3) جريدة السجل العدد 78 ـ 228 في 8 \ 4 \ 1941 .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 927 والمؤرخ 5 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة.

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 45 ـ

   وقد اشار في بيانه هذا الى ان استقالة وزارة طه الهاشمي كانت استقالة غير شرعية لانها حصلت بدون موافقته ، ثم هاجم رشيد عالي الكيلاني وصحبه واسند اليهم التهم المختلفة وشكك في اخلاصهم ووطنيتهم ، وأضاف بأنه اضطر لمغادرته بغداد الى البصرة بعد ان احاط اتباع رشيد عالي الكيلاني بقصره وانه اراد ان يخاطب الشعب العراقي قبل الآن الا ان الظروف لم تسمح له ، واختتم بيانه بالطلب من الناس الى ان يدعموه ويسندوه والتمرد على حكومة الدفاع الوطني (1) .
   قد استلم مدير شرطة البصرة امراً من وكيل المتصرف صالح حمام باجراء التحقيق عن الاذاعة التي اذاع الوصي فيها بيانه السابق ، وكانت نتيجة التحقيق هي ان الوصي ما يزال على ظهر البارجة البريطانية ، اما البيان الذي اذاعه فقد كان من محطة لاسلكية عائدة الى مديرية الميناء وقد عمل على تهيئتها مدير الميناء الكولونيل وارد نفسه (2) .
  اضافة الى ما تقدم عثر مدير ناحية الفاو على مظروف ضمن بريد الناحية ولما فتحه وجد فيه نسختين من بيان الوصي ، وقد ارسل نسخة منه الى وكيل متصرف البصرة موضحاً في كتاب الارسال بأن البيان قد طبع في دوائر ميناء البصرة (3) ، وهذا طبيعي جداً لان الكولونيل وارد قد وظف امكانات

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 الحديث الذي اذاعه الوصي في البصرة .
(2) لمعرفة المكان الذي اذاع الوصي منه البيان انظر ( ملحق 1 ) اما عبد الرزاق الحسني فيذكر بان القوات البريطانية هي التي نصبت للوصي محطة الاذاعة اللاسلكية في البارجة البريطانية وان الاذاعة كانت تحت ادارة انور مخلص صهر المحامي سليمان فيضي ، انظر ذلك في الوزارات ج 5 ص 242 .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب مديرية ناحية الفاو المرقم 108 والمؤرخ 13 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 46 ـ

الميناء لخدمة البريطانيين والوصي ، كما ان السفارة البريطانية في بغداد هي الاخرى طبعت مئات النسخ من بيان الوصي ووزعتها في انحاء مختلفة من العراق .
   ومع ذلك فلم يكن للبيان أي تأثير على السكان ولم يتجاوبوا معه كما لم يصدر اي شيء يدل على ان الناس قد استجابوا لنداءات الوصي وهكذا ايقنت بريطانيا والوصي بعدم استطاعتهما كسب التأييد سواء من اهالي البصرة او المناطق الجنوبية الاخرى ، فضلاً عن القطعات العسكرية العراقية المرابطة فيها .
   وعلى اثر ذلك ارسلت متصرفية لواء البصرة تقريراً مفصلاً الى وزارة الداخلية حول الاوضاع في البصرة اوضحت فيه ان الحالة العامة هادئة وان اهالي البصرة يساهمون بكل قواهم لعناصر حكومة الدفاع الوطني ، كما ان الاجراءات الحازمة قد اتخذت من قبل الجيش والشرطة معاً للحيلولة دون اتصال الوصي بالاهالي .
   لقد كانت حكومة الدفاع الوطني قد دعت الى عقد اجتماع لمجلس الامة وقامت وزارة الداخلية بأرسال برقيات بهذا الخصوص الى كافة الالوية ومنها البصرة (1) وحين عرف الوصي بذلك حاول عبثاً بمساعدة الانكليز ، منع عقد الاجتماع ومن ذلك انه ارسل برقية بتوقيعه الى رئيسي مجلس الاعيان محمد الصدر والنواب مولود مخلص يدعوهما الى عدم دعوة المجلس للانظمام ، الا ان البرقية ضبطت في دائرة البريد والبرق بيد حارس القنصلية البريطانية في البصرة (2) ، وهكذا فشلت جهود الوصي وحينما توافد على بغداد اكثرية اعضاء المجلس التئم شمله ، وقد مثل البصرة فيه مندوبيها وهم كل من السادة الشيخ صالح باشا اعيان ومحمود

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية متصرفية لواء البصرة المؤرخة 7 ـ 8 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب ح . ش . ب المرقم 1048 والمؤرخ 10 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 47 ـ

النعمة والسيد حامد النقيب وعبود الملاك ومصطفى الحاج وطه السلمان ، ومحمد سعيد العبد الواحد وقد تقرر بعد بالاجماع تنحية عبد الاله من وصاية العرش وتنصيب الشريف شرف مكانه ، وعلى ضوء هذه التغيرات ابرقت وزارة الداخلية الى متصرفية البصرة امراً بأقامة معالم الزينة في كافة الدوائر الحكومية وفي عموم مدينة البصرة (1) وكانت استجابة اهالي البصرة واضحة في التعبير عن تأييدها لحكومة الدفاع الوطني واجراءاتها بتنحية الوصي .
   وفضلاً عن ذلك فأن الانكليز اثاروا اهالي البصرة ببعض الاعمال التي قصد بها ابتزاز الناس وأثارة مشاعرهم ، فمثلاً استفزت وحداتهم العسكرية قطعات الجيش العراقي المرابط في البصرة عبر عمليات قصد بها التحدي والتهديد ، كذلك لم ترد بوارجهم الحربية في شط العرب على مراسيم التحية لاحدى البواخر العراقية القادمة من الهارثة حسب الاصول المتبعة (2) ، كما ان المصفحات العسكرية البريطانية كانت تمر بين البصرة والعشار باستمرار دون الاهتمام بمشاعر السكان ، كذلك قام الطيران البريطاني بعمليات اسطلاع جوي ليلاً ونهاراً فوق قطعات الجيش العراقي المرتابطة في الزبير وفتح الانوار عليها ، وقد ادت هذه الاعمال حسبما اشار تقرير متصرفية البصرة الى استنكار الاهالي وانهم ينظرون اليها بكل ازدراء (3) ، ويلاحظ هنا ايضاً ان عملاء بريطانيا في البصرة من يهود وايرانيين قد نشطوا في العمل الدعائي العدواني عبر نشر الراجيف والمعلومات المزيفة والاشاعات المختلفة عن العراق وعن حكومته ، كما ان المستر

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 برقية وزارة الداخلية المرقمة 6952 والمؤرخة 10 \ 4 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(2) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 580 والمؤرخ 12 \ 4 \ 1941 الى وزارة الدخلية .
(3) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 544 والمؤرخ 8 \ 4 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 48 ـ

لويد رئيس جمعية التمور في البصرة عندما التقى ببغداد بنواب البصرة وببعض الشخصيات البغدادية قد تعرض بسوء لضباط الجيش العراقي وبكلمات تمس مشاعرهم ، ومارس الاسلوب نفسه مع بعض الشركات التجارية ومع اصحاب الاموال واثار في انفسهم الخشية من التطورات السياسية الخاصة في العراق .
   ويبدو ان متصرفية البصرة كانت تخشى من نشاط المستر لويد هذا لذا طلبت من وزارة الداخلية ابقاءه في بغداد ، وفعلاً بقي في بغداد لفترة قصيرة ، الا انه عندما عاد الى البصرة اعتماداً على تقارير مديرية الشرطة فيها فأنه سرعان ما عاود نشاطه المعادي ضد العراق من خلال اتصاله بالمؤسسات الادارية والدوائر الحكومية والشركات حتى قيام الحرب في 2 مايس 1941 (1) .
   ومما يلاحظ انه بالرغم من سوء نوايا بريطانيا ورجالها في البصرة نجد ان وزارة الداخلية ومتصرفية البصرة لم تقدما على اي عمل حازم وحاسم بأستثناء الالتجاء الى المناورات الرسمية عبر المراسلات والمكاتبات الاصولية ، اما بالنسبة الى عبد الاله فأنه بالرغم من خلعه من الوصاية ، لم يغادر البصرة بل بقي فيها متخذاً من البارجة البريطانية مقراً لاقامته ، وقد زاره في مقره هذا السفير البريطاني الجديد المستر كورنواليس (2) وديكوري المقيم السياسي في الكويت (3) والقنصل البريطاني في البصرة ، كما ان الكولونيل وارد مدير الميناء كان يتردد بصورة مستمرة الى البارجة للغرض نفسه (4) .


**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم ( فوق العادة ) والمؤرخ 5 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم س \ 562 والمؤرخ 10 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) د . فاضل البراك ، دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني ، ص 207 .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم س \ 617 والمؤرخ 14 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 49 ـ

  ويستدل من تقارير مديرية شرطة البصرة ان عبد الاله خلال مدة بقائه في البصرة والتي بلغت ثلاثة عشر يوماً لم يغادر البارجة البريطانية سوى مرة واحدة وكان ذلك يوم 9 نيسان عندما اصيب بمرض نقل على اثره الى مستشفى المعسكر البريطاني في المعقل (1) .
   ويبدو من دراسة بعض وثائق مديرية شرطة البصرة ان عبد الاله كان قد سخر بعض الناس كي ينقلوا له اخبار الوضع في البصرة وأراء الناس في التطورات الراهنة حينذاك ، ولا يستبعد ان اتصل به بعض الشخصيات البصرية التي لم تحدد موقفها بعد من التطورات التي حصلت في بغداد ، وكان الكولونيل وارد واسطة هذا الاتصال ، مع ذلك لم تكن تلك الاخبار التي وصلته مشجعة (2) .
   وهنا لابد من التطرق الى بعض الاحداث التي حصلت خلال وجود عبد الاله في البصرة ومنها مجيء بعض الشخصيات العشائرية الى البصرة كمحمد العريبي وشبيب المزبان وشواي الفهد وكاطع العوادي الذين كانوا نواباً عن العمارة في المجلس النيابي ، وقد اشارت تقارير شرطة البصرة الرسمية بان السيد كاطع العوادي شوهد في دائرة البرق والبريد وهو يحاول الاتصال بالسيد يونس السبعاوي (3) مما يوحي بانه كان موفد من قبل حكومة الدفاع الوطني للوقوف عن قرب على اوضاع البصرة ولذا فقد احيطت جولته بالكتمان الشديد ، علماً بان العوادي كان من المحسوبين على رجال ثورة مايس وانه اعتقل ، فيما بعد ، في معتقل الفاو بتهمة التحريض على اثارة الرأي العام ، ثم نقل الى معتقل

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1038 والمؤرخ 6 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1117 والمؤرخ 13 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ( ملق 2 ) والملف 3 \ 2 م . ل . ب المرقم 2423 والمؤرخ 26 \ 10 \ 1941 الى وزارة الدخلية .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب معاون شعبة التحري والمرقم 558 والمؤرخ في 7 \ 4 \ 1941 الى مديرية شرطة البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 50 ـ

العمارة وقد وافاه الاجل عندما خرج من الاعتقال (1) .
   وفي مقابلة شخصية مع الاستاذ المحامي رجب بركات ذكر فيها ان كاطع العوادي جاء الى البصرة لاستطلاع الموقف فيها موفداً من قبل حكومة الدفاع الوطني ، وقد اتصل ببعض العاملين في الحقل القومي في البصرة آنذاك منهم عبد القادر السياب صاحب جريدة الناس وطه الفياض صاحب جريدة السجل ، كمااجتمع ايضاً مع نخبة من الشباب سواء أكانوا من مجموعات الحزمة القومية او جماعة العروة الوثقى (2) ، وبخاصة أولئك الذين أبعدوا من الكويت امثال محمد البراك وعبد الله الصقر وغيرهم .
   اما الاجتماعات فكانت تعقد في المكتبة الاهلية لصاحبها السيد فيصل حمود واحياناً في بعض البيوت (3) .

**************************************************************
(1) عبد الله حسن ، يوميات مذكرات معتقل ( بغداد 1948 ) ص 33 .
(2) العروة الوثقى : جمعية انضم اليها مجموعة من الاساتذة الذين درسوا في الجامعة الامريكية في بيروت ، والتي كانت تنادي بالمبادئ القومية ، اما الحزمة القومية فهي الاخرى جمعية قومية كان شعارها المثلث وخريطة الوطن العربي يتوسطها جمل وقد انضم اليها مجموعة من الشباب على صعيد الوطن العربي ، المعلومات مستقاة من مقابلة شخصية مع المحامي رجب بركات في 15 \ 4 \ 1987 .
(3) وقد استمرت اجتماعاتهم بعد انتهاء الحرب العراقية البريطانية في دار عبد العزيز بركات في محلة السيف في منطقة البصرة القديمة ، وهذه المجموعة من القوميين شكلوا في ما بعد في البصرة نواة لتأسيس حزب الاستقلال ( فرع حزب الاستقلال ) وهم كل من طه العبيدي من العمارة والمحامي فائق السامرائي وعبد الله عبد المجيد من ( بغداد ) وكذلك المحامون محمد الفارس ومحمد المانع ومحمد السواحا وعبد اللطيف عبد الوهاب والدكتور هاشم بركات وعبد العزيز بركات ، وقد قرروا تأسيس المطبعة العربية لتقوم بطبع ما يمكن طبعه من منشورات وجرائد صادرة ومؤيدة للفكرة القومية ، كما تمخضت اجتماعاتهم عن اتخاذ جريدة آخر ساعة لسان حال لتلك المجموعة لغاية صدور جريدة الناس مرة ثانية ، مقابلة مع المحامي رجب بركات في 15 \ 4 \ 1987 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 51 ـ

اما الآخرون ، فلم توضح الوثائق التي تم مراجعتها سبب وجودهم في البصرة في تلك الاوقات الحرجة ، هل كانوا في البصرة لصالح حكومة الدفاع الوطني ؟ ام للاتصال بعبد الاله ؟ ام لمتابعة بعض مصالحهم التجارية والزراعية في البصرة والاطمئنان على مستقبلها ؟
   وعلى اية حال يبدو مما تقدم ان عبد الاله خلال وجوده في البصرة قد فشل في استمالة قادة العشائر والشخصيات المهمة فضلاً عن القيادات العسكرية ، واشار كورنواليس الى وضع عبد الاله السيء حينما ذكر ان الاحداث قد خيبت آماله في ان ينشيء عبد الاله مركز ولاء قوي له في البصرة يتحدى من خلاله القوى المعارضة له في بغداد (1) .
   وعليه تقرر نقله مع مرافقيه يوم 15 نيسان 1941 الى القدس التي وصلوها يوم 16 نيسان 1941 (2) .
   وهكذا يتضح مما تقدم ان عبد الاله يتحمل المسؤلية الكبرى في تأزم الوضع ، فهو بهروبه من بغداد واعتماده على الانكليز قد عمق التنافر والتباعد بينه وبين قادة الجيش ، كما ان فشله في بذل اي جهد مكثف وجدي لحل المشاكل التي نجمت من اختلاف الآراء بين القوى السياسية وقادة الجيش قد ساعد بريطانيا بالتالي على استغلال ثغرة الخلاف هذه للتدخل المباشر في شؤون العراق .

**************************************************************
(1) from cornwallis to mr . Eden , April 28 , 1941 , E 3286 \ 1 \ 93 \ NO 143 \ Fo . 371 \ 27076 .نقلاً عن عبد الرحيم زويد ذو النون ، المصدر السابق ، ص 104 ـ 105 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 ، م . ش . ب المرقم 1219 والمؤرخ 21 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 52 ـ

رابعاً ـ الانزال البريطاني في البصرة من 17 نيسان ولغاية 30 نيسان 1941
   لقد شعرت بريطانيا بعد التطورات السياسية السرعة التي حصلت في العراق بخطورة تلك الاوضاع على مصالحها ، لذا اقدمت على ارسال قواتها لاحتلال البصرة وجعلها قاعدة تستغلها لضرب التطلعات الوطنية والقومية ، كما زادت من قواتها البحرية في شط العرب فضلاً عن قواتها الجوية في الشعيبة (1) كما ان ما حصل من تطورات سريعة على الساحة الدولية جعل البصرة ، كما مر بنا سابقاً ، تكتسب اهمية خاصة بالنسبة لبريطانيا ، اذ اصبحت خط دفاعها الاخير في الشرق الاوسط (2) ، ولا سيما بعد ان تعقدت اوضاعها العسكرية في شمال افريقيا وسوريا (3) وتأزم وضعها في اليونان ، وقد اكد ونستون تشرشل هذه الحقائق موضحاً انه بعد هروب الوصي عبد الاله من بغداد اصبح لزاماً على بريطانيا ان تضمن سلامة البصرة .
   ولاجل تحقيق هذه السلامة حسبما ورد في اشارة تشرشل هذه اتخذت السلطات البريطانية بعض الاجراءات لتسهيل عملية الانزال البريطاني في البصرة ثم احتلالها ، فقد قامت القوة العسكرية في الشعيبة بالايعاز الى عمالها للمباشرة بتصليح الطريق الممتد بين الشعيبة والمعقل لاتخاذه طريقاً رئيسياً للمواصلات العسكرية بين القوتين البريطانية في الشعيبة والمعقل (4) .

**************************************************************
(1) اضواء على ثورة مايس القومية ، مقال منشور في الثورة العربية العدد الثاني المجلد السادس 1973 .
(2) جريدة الزمان العدد 1116 في 19 \ 5 \ 1941 .
(3) بعد ان سيطرت حكومة فيشي الموالية لالمانيا على فرنسا اصبحت سوريا التي كانت احد مراكز النفوذ الفرنسي خطراً على بريطانيا .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 44 والمؤرخ 12 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 53 ـ

   ان القيادة العسكرية البريطانية قد وزعت كميات من العتاد في معسكري الشعيبة والمعقل ونظمت دوريات مستمرة لحراسة المعسكرات البريطانية فضلاً عن قيامها بالامتاع عن تشغيل العمال العراقيين في معسكر رقم ( 7 ) في المعقل خشية اطلاعهم على اسرار الوضع وافشائه (1) .
   أضافة الى ذلك فقد اتخذت القوة العسكرية في المعقل اجراءات احترازية لتنظيم تفاصيل حراسة البواخر المتوقع وصولها ، فقد امرت بوضع 200 جندي من الهنود مع اسلحة كافية لهم على رصيف الميناء الذي سترسوا عليه البواخر الحربية البريطانية القادمة الى البصرة ، كما هيأت 20 سيارة مسلحة في معسكر رقم ( 7 ) ونصبت عدد من الرشاشات حول المعسكر البريطاني الجديد في المعقل (2) .
   ومن الاحداث التي وقعت حينذاك والتي كانت مديرية الميناء مسؤولة عنها مغادرة جميع موظفيها البريطانيين المستخدمين في مستودع حفر سد الفاو وذهابهم يوم 16 نيسان 1941 الى اماكن تجمع الحفارات التي تقوم بعملها في سد الفاو ومن هناك نقلتهم البواخر وتوجهوا الى ما وراء المياه العراقية الاقليمية (3) ، ان مغادرة البريطانيين لمواقعهم في الفاو بشكل غير اعتيادي وبدون علم السلطات العراقية سبب تقولات كثيرة لدى الاهالي ، فضلاً عن اثارة الشك والريبة لديهم ، وقد كان لمدير ناحية الفاو وادارة الشرطة فيها الاثر الكثير في تهدئة الناس وحث الموظفين والعمال على مباشرة اعمالهم

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1109 والمؤرخ 13 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ( التطورات في الشعيبة ) .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 ، تقرير م . ش . ب المرقم 1411 والمؤرخ 29 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1178 والمؤرخ 17 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 54 ـ

وواجباتهم اضافة الى اتخاذ الترتيبات اللازمة بتشديد الحراسة واخراج الدوريات المستمرة للمحافظة على الامن (1) .
   وعندما استفسرت السلطات الرسمية في الفاو من بعض الموظفين والعمال العراقيين العاملين هناك عن مصير الموظفين البريطانيين الذين تركوا مواقعهم افادوا " بأن هؤلاء البريطانيين قد اخذو معهم حاجياتهم الضرورية وملابسهم وسافروا الى البحر ولا يعلمون عنهم شيئاً " ، وفضلاً عن ذلك فأن شركة نفط البصرة هي الاخرى اوعزت الى موظفيها البريطانيين العاملين في حقول النفط في مناطق بصية والسلمان في البادية بترك اعمالهم والمجيء الى البصرة وفعلاً جاء اولئك الموظفون (2) .
   وازاء التطورات السابقة فأن وكيل المتصرف في توضيحه لما حصل ذكر لوزارة الداخلية " ان التدابير العسكرية التي اخذتها السلطات العراقية اثناء قيام حكومة رشيد عالي الكيلاني والقاضية بعدم افساح المجال لاية قوة اجنبية او اية باخرة ان تدخل المياه العراقية قبل اخذ موافقة السلطات العراقية ، هي التي بعثت في نفوس الانكليز الفزع والخوف من وجود شيء ضدهم وبالتالي نزوحهم مع حاجياتهم الضرورية عن مواقعهم " اما حظور الموظفين في شركة النفط الى البصرة " فناتج عن الاسباب نفسها " واما ما يتعلق بتجمع الادلاء الذين كان معظمهم من الاجانب وارسالهم الى جهة الخليج العربي " فأنهم كما اتضح فيما بعد قد اتخذوا كادلاء الى السفن البريطانية التابعة للقوة العسكرية التي دخلت البصرة " وان ما حصل

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب مدير ناحية الفاو المرقم 116 والمؤرخ 19 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب مأمور مركز الفاو المرقم س \ 94 والمؤرخ 16 \ 4 \ 1941 الى معاون منطقة ابي الخصيب .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 55 ـ

   كان نتيجة مباشرة لارسال برقية لا سلكية من قبل مديرية الميناء الى موظفيها الانكليز " فجميع هذه الاسباب كما يراها وكيل المتصرف هي التي خلقت ذلك الوضع في نفوس الانكليز " (1) .
   وبالرغم مما ذكره وكيل المتصرف ووضعه اللوم على مديرية الميناء يظهر ان الموظفين الانكليز كانت لديهم معلومات مسبقة بالانزال الذي سيحصل لذلك عملوا على الالتحاق بقوافل السفن البريطانية التي كانت تحمل جنوداً بريطانيين ومعدات حربية يتوقع وصولهم الى شط العرب يوم 17 ـ 18 نيسان 1941 .
   كما قام في الوقت نفسه القنصل البريطاني بمقابلت وكيل المتصرف صالح حمام واطلعه على التعليمات التي وصلت اليه بصدد السفن الحربية المقرر وصولها الى البصرة والتمس ان تتخذ متصرفية البصرة الحيطة والحذر في التصدي لاية دعاية قد تثار ضد البريطانيين ، فاكد له الاخير حرص الحكومة على حماية الامن (2) ، الا ان السلطات البريطانية كما يبدو لم تكتفي بهذه التاكيدات ولم تكون مقتنعة بمصداقيتها وكاجراء احترازي اولي عملت السلطات البريطانية على اجرلاء العوائل البريطانية من البصرة ونقلهم الى السفينة البريطانية ( اميرالد ) الراسية في شط العرب امام كمرك العشار ، كما قام احد الضباط البريطانيين المستخدم على ظهر الباخرة العراقية ( فيصل الاول ) بتجريد الجنود ومعهم الضابط العراقي ( كنعان العسكري ) من اسلحتهم وعطل المدفع المنصوب على ظهر السفينة المذكورة للحيلولة دون وقوع

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ل . ب المرقم س \ 748 والمؤرخ 24 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 651 والمؤرخ 17 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 56 ـ

حركة غير اعتيادية يحتمل ان يقوم بها الجنود العراقيون عند وصول القوات البريطانية (1) .
   وقد احتج وكيل المتصرف على عمل الضابط البريطاني هذا واعتبره عملاً استفزازياً ومثيراً للرأي العام (2) ، كما طلبت وزارة المواصلات والاشغال بتوجيه من وزارة الداخلية ايضاحاً من مديرية الميناء العامة في البصرة عن تصرفات الضابط البريطاني هذا وبينت خطورة عمله والاسباب التي اوجبت تصرفه هذا والصلاحيات التي استند اليها ، كما طلبتع معرفة اسمه وبيان الاجراءات المتخذة بحقه (3) .
   الاّ ان اي اجراء لم يتخذ بحق هذا الضابط كما ان تصرفه واسمه قد نسيا في خضم سرعة تلاحق الاحداث ولا سيما بعد ان اخذت القوات البريطانية تصل الى المياه العراقية .
   وعند اعلان نبأ وصول هذه القوات قدمت وزارة الخارجية العراقية يتاريخ 19 نيسان 1941 مذكرة رسمية الى السفارة البريطانية ورد فيها موافقة الحكومة العراقية على انزال القوات البريطانية بهدف المرور وفق ما يلي من الاسس :
1 ـ تسريع نقل هذه القوات من البصرة الى الرطبة .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1212 والمؤرخ 18 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة فقرة (3) و (4) .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 693 والمؤرخ 21 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب وزارة الداخلية المرقم م . خ \ 2427 والمؤرخ 23 \ 4 \ 1941 الى وزارة المواصلات والاشغال كذلك كتاب وزارة المواصلات والاشغال المرقم س \ 290 والمؤرخ 27 \ 4 \ 1941 الى مديرية الميناء والملاحة العامة في البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 57 ـ

2 ـ عند مجيء قوات جديدة للمرور عبر العراق ، يجب اخبار الحكومة العراقية عن ذلك قبل مدة مناسبة .
3 ـ ان لا يزيد مجموع اية قوة في داخل الاراضي العراقية في اي وقت على لواء مختلط واحد .
4 ـ عدم جواز انزال قوة بريطانية اخرى قبل ان تجتاز حدود العراق القوة التي وصلت قبلها (1) .
   الاّ ان الحكومة البريطانية لم ترد بالرفض او الموافقة على هذه المذكرة وقد ارسلت الحكومة العراقية اللواء الركن ابراهيم الراوي قائد الفرقة الرابعة التي مقرها في الديوانية بصحبة الجرنال وترهاوس ( رئيس البعثة العسكرية البريطانية في العراق ) الى البصرة لاستقبال القوات البريطانية تأكيداً على حسن نوايا الحكومة العراقية (2) .
   وهكذا بدأ دخول القافلة الاولى من السفن البريطانية التي وصلت مياه البصرة في الساعة 9.30 من صباح يوم 18 نيسان 1941 ، وقد تبين من تفاصيل وصول الوجبة الاولى من البواخر ان عددها ست بواخر وثلاث مدمرات ، وان عدد الضباط والجنود على متنها كانوا سبعة آلاف جندي يمثلون الجنسيات التالية :
60 % من الهنود الكركة من اهالي نيبال
25 % من السيك
10 % من البريطانيين
5 % من الهنود المسلمين

**************************************************************
(1) نجم الدين السهروردي ، الكتاب الابيض ، ( بغداد 1966 ) ، ص 23 .
(2) ابراهيم الراوي ، المصدر السابق ، ص 228 ، وفي حديصث مع العميد الركن شكري محمود نديم يقول استحدث منصب قائد القيادة الجنوبية وانيط الى ابراهيم الراوي اظافة الى قيادة الفرقة الرابعة ، وكان في البصرة قيادة بأسم قيادة شط العرب مناطة باللواء احمد رشدي في الفترة التي سبقت الاحداث سنة 1941 وعند استحداث القيادة الجنوبية المذكورة اصبحت قيادة شط العرب ملغاة ، مقابلة مع العميد الركن شكري محمود نديم في 25 \ 10 \ 1987 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 58 ـ

   وكانت هذه القوة بقيادة الجنرال فرايزر ، وقد نزلوا صبيحة اليوم المذكور على ارصفة الميناء وعسكروا في الساحة الكائنة على يمين الشارع العام الذي يربط المعقل والعشار في معسكر رقم ( 7 ) في المعقل (1) ، واسس الجنرال فرايزر مقره في احد الابنية هناك .
   وان الحكومة البريطانية لم تلتزم بتعليمات وزارة الخارجية العراقية القاضية بعدم ارسال قطعات جديدة قبل مغادرة القطعات السابقة ، اذ ان القطعات البريطانية استمرت بالتوجه نحو البصرة وبشكل كثيف (2) ، فقد وصلت الى مياه شط العرب في ليلة 18 ـ 19 نيسان 1941 السفينة التجارية ( جلايامونا ) وهي تحمل معدتات حربية وسيارات مدرعة مصفحة وغيرها من اللوازم الحربية ورست امام منطقة السراجي انتظاراً لتفريغ حمولتها في ارصفة الميناء ، كما وصلت في الساعة 7.30 من صباح يوم 19 نيسان السفينة التجارية بهادر ورست في منتصف شط العرب قبالة منطقة الرباط الكبير وكانت هي الاخرى محملة بمعدات حربية وسيارات عسكرية وبدأت بتفريغ شحنتها على عوامات ( دوب ) بمساعدات من مديرية الميناء ، وكذلك وصلت من يوم 19 نيسان بارجة بريطانية اخرى ذات مرفعين ورست على رصيف المعسكر البريطاني للقوة الجوية رقم ( 7 ) في المعقل .

**************************************************************
(1) ان الارصفة التي نزلت عليها القوات البريطانية في رصيف رقم (1) و (2) و (3) و (4) و (6) و (9) وللوقوف على تفاصيل الشحنات والمعدات العسكرية التي نقلتها الى المعسكرات البريطانية انظر س . م .ب رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم س \ 1211 والمؤرخ 18 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ، كذلك تقرير م . ش . ب المرقم 1294 والمؤرخ 22 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) ( حيث ابلغ وزير الخارجية البريطاني سفيرهم في بغداد بتعليمات تشرشل التالية : ( ان القوات التي وصلت العراق ستبقى في البصرة ، وفي النّية وصول قوات اخرى ومن المحتمل ان ترابط بعضها في الحبانية وبعضها يتجه من داخل العراق الى فلسطين او الاردن لكي تبقى قوة ضاربة عند الحاجة ، انظر نجدة فتحي صفوة ، العراق في مذكرات الدبلوماسيين الاجانب ( بغداد 1984 ) ص 169 ـ 170 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 59 ـ

وبتاريخ 20 نيسان وصلت الى ميناء البصرة اربعة سفن بريطانية اخرى مشحونة بمعدات حربية كالمدافع والدبابات والسيارات المصفحة وغيرها (1) وبالاضافة الى القطعات التي وصلت عن طريق البحر فقد وصلت تعزيزات عسكرية اخرى عن طريق الجو حيث وصلت في 22 نيسان 1941 عشرين طائرة الى قاعدة القوة الجوية البريطانية في الشعيبة (2) .
   وعلى اية حال كانت عملية انزال الجنود والمعدات مستمرة ليلاً ونهاراً وكانت الشحنات العسكرية تنقل بواسطة ( اللوريات ) من الارصفة الى المعسكرات البريطانية (3) .
   ان كثافة الانزال وتدفقه جعل الحركة على ارصفة ميناء المعقل والشوارع المحيطة به بحاجة الى تنظيم ، لذا طلبت القنصلية البريطانية في البصرة من المتصرفية ابداء التسهيلات والتأزر مع السلطات العسكرية في اتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل الانزال وتنظيم حركة السير عند تنقلات الجنود (4) .
   لقد انتشرت القوات البريطانية في معسكراتها بسرعة ، ولغرض استيعاب العدد المتزايد من الجنود فأن القيادة البريطانية اوعزت في 25 نيسان 1941 الى بعض ضباطها للتفتيش عن مواقع اخرى تستوعب القطعات البريطانية المتزايدة ، لذا فقد توجهت مجموعة من اولئك الضباط لاستطلاع موقع لمعسكر

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 تقرير مدير شركة السكك الحديد المرقم 135 س \ 1 والمؤرخ 22 \ 4 \ 1941 الى مدير الشرطة العام وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1306 والمؤرخ 22 \ 4 \ 1941 الى متصرف البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم س \ 1254 والؤرخ 20 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(4) Repert by the British Conculate ( Basrah ) to the Acting Mutasarrif ( Basrah ) File 36 \ 5 No 1264 date 19 . 4 . 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 60 ـ

يقع بالقرب من نهر كرمة علي ثم عادوا من جهة الصحراء متوجهين الى محطة قطار الشعيبة حيث دونوا المسافات والمواقع التي مروا بها (1) ، كما كرروا استطلاعهم في يوم 26 نيسان في المنطقة الواقعة بين معسكر البصرة ومعسكر الشعيبة لاختيار معسكر آخر ملائم (2) ، كما دعت القيادة العسكرية البريطانية كافة المناقصين لتقديم عطاءاتهم لتجهيز المواد الانشائية والغذائية الى القوة العسكرية لمدة سنة (3) ، وان لهذا الامر دلالته لكونه يشير الى ان غرض الانزال لم يكن المرور فقط انما البقاء الدائم بالرغم من تعليمات الحكومة العراقية واليانات الصريحة في هذا الصدد .
   وقد اثار هذا الوضع غير الطبيعي اي استمرار تدفق القوات البريطانية احتجاج الحكومة العراقية ، ويفصل الدكتور فاضل البراك هذه الاحتجاجات باعتبارها مناقضة لشروط المعاهدة اولاً ، ولان ارسال القوات في الوقت الذي ترفض فيه بريطانيا الاعتراف رسمياً بحكومة رشيد عالي الكيلاني كان يشكل خطورة حقيقية على استقلال العراق ثانياً ، ومع ذلك لم تستجب الحكومة البريطانية لهذه الاحتجاجات (4) .
   فقد دخلت المياه العراقية يوم 29 نيسان ثلاث سفن كان اثنتان منهما تحملان الجنود والثالثة تحمل معدات عسكرية ، وكانت هناك ثلاث طائرات وثلاث سفن حربية بريطانية لحراسة هذه القافلة التي بلغ عدد جنودها ثلاثة آلاف جندي جميعهم من الهنود ، اما الضباط فكانوا خليطاً من الهنود

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 56 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1352 والمؤرخ 26 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1393 والمؤرخ 28 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب القيادة العسكرية البريطانية في البصرة المرقم اس تي \ 71 \ 3 والمؤرخ في 23 \ 4 \ 1941 الى وادي عبد الرسول .
(4) آفاق عربية ، العدد 9 لسنة 1976 من مقال للدكتور فاضل البراك " صفحات من التاريخ العسكري للجيش العراقي " ، ص 151 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 61 ـ

والبريطانيين (1) .
   في البداية رفضت الحكومة العراقية السماح بأنزال القوة الجديدة بالرغم من ادعاء بريطانيا بأن هذه القوة الاضافية ما هي الا جزء من التشكيلات العسكرية السابقة وانها مكملة لها (2) ، الا ان رفض الحكومة العراقية لم يكن مجدياً حيث ان بريطانيا لم تكن في موقف يسمح لها بالتراجع اذ كانت مصرة على انزال قواتها وأستمرت بذلك ، وقد دفع هذا الموقف الحكومة العراقية الى ان تصدر في 30 نيسان 1941 البيان التالي " سبق للحكومة العراقية ان اظهرت حرصها على تنفيذ احكام المعاهدة العراقية البريطانية لسماحها لبعض القوات البريطانية بالنزول في البصرة لتمر عبر العراق ولكن الاصرار على مخالفة ذلك من الجانب البريطاني حتّم على الحكومة التمسك بحقوق البلاد واتخاذ التدابير اللازمة لصيانتها ، فيرجى من الشعب العراقي الكريم ، التزام جانب الهدوء والسكينة والثقة بعدالة قضيته " (3) .
   ورأى احد المعاصرين وهو علي محمود الشيخ علي ان الحكومة العراقية لم تكن " بلهاء الى درجة انها لم تفطن الى ما يراد بها ، ولم تكن خرقاء الى حد انها لن تدرك المقاصد التي من اجلها هبطت هذه القوات البلاد " (4) .
   ولكن الحيرة والتردد بين القادة والساسة واختلاف وجهات النظر هي التي سببت حراجة الموقف والتعثر في اتخاذ قرار حازم وجدّي اتجاه وجود القوات

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1436 والمؤرخ 29 \ 4 \ 1941 الى متصرف البصرة .
(2) رجاء حسين الخطاب ، المصدر السابق ، ص 260 .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية مدير الدعاية العام المؤرخة في 30 \ 4 \ 1941 والتي تم تعميمها من قبل وكيل المتصرف بكتابه المرقم 820 في 1 \ 5 \ 1941 الى اصحاب الصحف المحلية في البصرة وهي الثغر والناس والسجل والابناء .
(4) علي محمود الشيخ علي ، مذكرات وتعليقات ، ( بغداد 1966 ) ص 60 ـ 61 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 62 ـ

البريطانية في البصرة ، لذا لم يكن امام الحكومة العراقية غير تقديم الاحتجاجات ومراقبة الامور بحذر وفي رأي صلاح الدين الصباغ لم تعد المسألة مسألة احتجاجات اذ اصبح الوضع صريحاً سافراً وكان معناه " ان البصرة ضاعت من ايدينا " (1) .
   هذا مع العلم ان البصرة بسبب اهميتها الاستراتيجية كان بأمكان حكومة رشيد عالي الكيلاني أستخدامها لضرب القواعد البريطانية في الشعيبة والمعقل وبالتالي تهديد قاعدة الحبانية وعرقلة الاسناد المتواصل لها .
   على اية حال ، فبالرغم من هذه الانتقادات من اناس كانوا هم اصحاب القرار في حينه فالثابت ان تحشد البريطانيين في البصرة دون كبير عناء او مقاومة قد ساعدهم في السيطرة على البصرة في المرحلة الاولى ، ومن ثم اسقاط حكومة رشيد عالي الكيلاني في الاشتباك المسلح الذي بدأ في 2 مايس 1941 في المرحلة الثانية .
   اما ذلك الانزال المكثف الذي بدأته بريطانيا فقد ترك آثار سلبية على مدينة البصرة تمثل بما يلي :
1 ـ ارباك الوضع الاقتصادي في المدينة وزيادة اسعار المواد الغذائية وبسبب اعطاء الاسبقية للعمليات العسكرية في الميناء فقد اثر هذا على عملية خزن البضائع التجارية في الميناء مما دفع المديرية المذكورة للايعاز الى التجار بنقل بضائعهم الى مخازن اخرى في البصرة ، وفضلاً عن ذلك فأن استمرار تدفق الانزال البريطاني بعد فشل ثورة مايس ومرور قوات الحلفاء التي اخترقت حياد ايران عبر البصرة لتوصيل الامدادات الحربية الى الاتحاد السوفيتي قد ادى الى اشتغال ما يزيد على 10,000 آلاف عامل في المعسكرات البريطانية ، مما كان له

**************************************************************
(1) صلاح الدين الصباغ ، المصدر السابق ، ص 292 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 63 ـ

اثر كبير على تأخير العمل في مكابس التمور خلال موسم جني الحاصل كذلك عرقل هذا الامر عملية التطوع حيث تخلف الكثير من المشمولين بالخدمة العسكرية عن الالتحاق بخدمة العلم (1) .
2 ـ ان تدفق القوات البريطانية قد ادى الى بث دعايات كثيرة مضادة للحكومة العراقية وانتشار الكثير من الاشاعات التي كان السكان يرددها في البصرة ، اضافة الى ظهور الكثير من المشاكل التي نجمت من الاعتداءات والمشاجرات التي كانت تحصل بين البريطانيين والسكان مما ولد استياءاً وتذمراً بين الاهالي ، وقد فاتحت السلطات المحلية في البصرة والحكومية في بغداد السلطات البريطانية لوضع حد لهذه الاعمال واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع القوات البريطانية من الاتيان بمثل هذه المخالفات .
3 ـ ان الباخرة البريطانية ( اميرالد ) التي كانت طليعة الانزال البريطاني في البصرة اوائل نيسان ، كانت قاعدة بريطانية عائمة في شط العرب ، وقد اصبحت مركزاً لحركات الضباط البريطانيين المريبة من اجل جمع المعلومات عن احوال البصرة في تلك الفترة الحرجة اضافة الى التجاء معظم الاجانب والبريطانيين اليها في اول مايس 1941 .

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 5 \ 17 كتاب مديرية تجنيد منطقة البصرة المرقم 115 والمؤرخ 3 \ 7 \ 1941 الى مديرية التجنيد العام وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .