البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 131 ـ

الــبريـــد(*)

   ظهر هذا الديوان في العصر الاموي في خلافة معاوية بن ابي سفيان الذي اهتم بإنشاء البريد لسعة الدولة الاموية(1) ، واحتياج الخليفة الى معرفة شؤون ولايته ، ونقل اخبار ولاته اليه ورسائله اليهم ، ورسائله اليهم ، ورصد التحركات الخارجية المعادية للخلافة وأخبار السلطة بذلك للتهيؤ والاستعداد لملاقاتهم(2) .
   استمر العمل بهذا الديوان بعد مجيء العباسيين الذين اظهروا اهتماماً واسعاً به لأهميته في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة ، ولعل ما يذكره الطبري عن المنصور من مقولة تظهر بحق اهتمام هذه الدولة الكبير بهذا الديوان اذ روي عن المنصور قوله ( ما كان احوجني الى ان يكون على

**************************************************************
(*) اختلف الفقهاء في اصل كلمة بريد فقيل ان اصله عربي مشتق من برد اي ابرد بمعنى ارسل ، القلقشندي ، صبح الاعشى ، مطبعة الاميرية ، دار الكتب الخديوي ، القاهرة ، 1913 ، ج 14 ص 366 ـ 367 ، وذهب آخرون ان اصله فارسي بمعنى ( بريد دم ) ومعناه مقصوص الذنب لأستخدام الخيل المقصوصة الذنب في البريد كعلامة لها ، انظر : سعداوي ، نظير حسان ، نظام البريد في الدولة الاسلامية ، مصر ، 1953 ، ص 20 .
(1) ابن الطقطقي ، محمد بن علي بن طباطبا ، الفخري في الاداب السلطانية ، مطبعة محمد علي ، القاهرة ، 1962 ، ص 88 . القلقشندي ، صبح الاعشى ، ج 14 ص 368 . الدوري ، النظم الاسلامية ، ط 1 بغداد ، 1950 ، ج 1 ص 196 . ماجد عبد المنعم ، تاريخ الحضارة الاسلامية في العصور الوسطى ، مطبعة سجل العرب ، ط 3 ص القاهرة ، 1973 ، ص 37 .
(2) متز ، آدم ، الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ، ترجمة محمد عبد الهادي ابو رويدة ، ط 4 ، بيروت ، 1967 ، ص 150 ـ 151 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 132 ـ

بابي اربعة نفر لا يكون على بابي اعف منهم ، قيل له يا امير المؤمنين من هم ؟ قال هم اركان الملك ولا يصلح الا بهم ، كما ان السرير لا يصلح الا بأربعة قوائم : اما احدهم فقاضي لا تأخذه في الله لومة لائم ، و الآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي ، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية فأتى عن ظلمها عفى والرابع ثم عض على اصبعه السبابة ثلاث مرات يقول في كل مرة آه ، آه قيل له وهو ياأمير المؤمنين ؟ قال صاحب بريد يكتب بغير هؤلاء على الصحة ) (1) .
   استخدم العباسيون البريد لمراقبة اعمال ولاتهم في الاقاليم (2) ، حتى قيل ان المهدي كان نفسه مراقباً من موظفي البريد ، وكانت اخباره تصل الى المنصور وذلك في مدة تعيين المهدي والياً على غربي (3) ايران ، واصبح البريد من الدقة في هذه الحقبة بحيث كان ينقل للخليفة المنصور سعر كل مأكول وبكل ما يقضي القاضي في نواحيهم (4) .
   وفي البصرة وخلال مدة البحث استخدم اللبريد بشكل مكثف من الخلفاء لإضطراب الاوضاع السياسية وظهور الحركات المعارضة فيها ، فقد ذكر البلاذري (5) ان المنصور عندما اراد اخراج عمه عبد الله بن علي من البصرة ، كان اول عمل اتخذه هو تعيين سليمان بن مجالد على بريدها ، واخبرها قبل ارسال القوات

**************************************************************
(1) الطبري ، تاريخ ، ج 8 ص 67 . علي ، محمد كرد ، الادارة الاسلامية في عز العرب ، ص 25 .
(2) القرغولي ، المرجع السابق ، 97 .
(3) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 15 ـ 17 . الدوري ، العصر العباسي الاول ، ص 101 .
(4) المصدر نفسه ، ج 8 ص 96 .
(5) انساب الاشراف ، ج 3 ص 111 .


البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 133 ـ

العسكرية اليها ، وبذلك أمن المنصور سلامة قواته قبل التحرك ، واصبح ايضاً على مقربة من الاحداث ليساعده ذلك في التهيؤ وارسال الامدادات او التحرك وفق الموقف المطلوب .
   كما اوشك المنصور على القبض على محمد ( ذو النفس الزكية ) واخيه ابراهيم بن عبد الله اثناء تواجدهما في البصرة عام ( 142 هـ / 759 م ) اي قبل قيام حركتهما بثلاث سنوات ، بعد ان نقل بريده في البصرة خبر وجودهما اليه ، لو لا مغادرتهما البصرة قبل حضوره اليها (1) .
   وعندما تعرضت البصرة لخطر الزط الذين ( . . . عاثوا في طريق البصرة ، فقطعوا فيه الطريق ، فاحتملوا الغلات من البيادر الى كسكر وما يليها من البصرة ) (2) حاولت الخلافة التصدي اليهم والقضاء عليهم الا ان محاولات السلطة باءت بالفشل في عهد المأمون ، لكن في عهد الخليفة المعتصم تمكنت الخلافة من القضاء على الزط بعد ان رتب المعتصم البريد بينه وبين قائده عجيف بن عنبسة وانشاء سكك للبريد كانت تستخدمه خيول البريد لنقل الاخبار من عجيف للخليفة ، بحيث كان الخليفة على مقربة من الاحداث مما ساعده على تمويل قائده بالتجهيزات ، والامدادات العسكرية التي ساعدت السلطة في القضاء على الزط(3) .
   وكما ان البريد قد اتخذ من قبل السلطة المركزية كوسيلة لحفظ النظام ، والقضاء على الحركات المعارضة ، فأنه كذلك استخدم لمصلحة المتمردين على الخلافة من مكان الى آخر او الخروج على طاعة الحكام ، ففي رواية لليعقوبي ان ابراهيم بن عبد الله الثائر العلوي على المنصور عندما قصد الكوفة ،

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 221 ـ 222 .
(2) البلاذري ، فتوح ، ج 2 ص 462 .
(3) المسعودي ، التنبيه والاشراف ، ص 208 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 134 ـ

وصلت انباء قدومه للخليفة عن طريق عيونه وبريده ، فأرسل ابراهيم رجلاً من اشياعه يسمى سفيان بن يزيد الى المنصور فقال له : ( يا امير المؤمنين اتؤمنني وأدلك على أبراهيم بعد ان ادفعه اليك ؟ فقال انت آمن واين هو ؟ قال بالبصرة ، فوجه معي برجل تثق به واحملني على دواب البريد حتى ادلك عليه ، فيقبض عليه ، فوجه معه ابا سويد ، وخرج سفيان بن يزيد ومعه غلام عليه جبة من الصوف وعلى عنقه سفرة فيها طعام ، وركب معه على خيل البريد ابو سويد وذلك الغلام ، فلما وصل البريد الى البصرة قال سفيان لأبي سويد : اتنظرني حتى اعرف خبر الرجل ، ومضى ولم يعد ، وكان الغلام الذي عليه الجبة الصوف هو ابراهيم بن عبد الله بن حسن ) ومن ذلك اليوم اخذ ابراهيم ببث الدعوة لأخيه محمد ) (1) .
   هذا فضلاً عن انشاء البريد بين ابراهيم في البصرة وبين اخيه محمد في المدينة فكانت تصل اليهما الاخبار عن طريقه ، فعرف كل منهما عن بدء قيام تحركات الاَخر(2) .
   كما استخدم بعض عمال البريد نفوذهم لصالح الحركات والفتن فصاحب بريد البصرة حسان مولى محمد بن سليمان زور كتاباً ، للأمان بأسم الخليفة المنصور للمغيرة بن فزع عامل ابراهيم بن عبد الله على الاحواز الذي فر الى البصرة بعد ان كان ملاحقاً من قبل السلطة العباسية بقيادة خازم بن خزيمة(3) .
   ويلاحظ ان البريد لم يستخدم فقط لأعمال الدولة ومخابراتها التي تخص حفظ النظام الترصد للحركات المعادية ، بل كان

**************************************************************
(1) اليعقوبي ، تاريخ ، ج 3 ص 116 .
(2) ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج 10 ص 87 .
(3) المسعودي ، مروج الذهب ، ج 4 ص 78 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 135 ـ

استخدامه في شتى الامور التي تتطلب السرعة في ايصال الخبر ، وفي رواية المسعودي ( بلغ المتوكل يوماً ان رجلاً من أهل البصرة وقع عنده سيف من الهند ليس له نظير فتاقت نفسه الى شراء هذا السيف ، فاحظر ميمون بن ابراهيم صاحب ديوان البريد ، وامره بأنفاذ كتب البريد الى عامل البصرة يكلفه بشراء السيف مهما كان ثمنه ، وورد جواب عامل البصرة بأن السيف اشتراه رجل من اهل اليمن . . . ) (1) ، وهذا يظهر مدى قوة البريد في تتبع الاخبار والكشف عن القضايا مهما كان حجمها .
   وأخيراً لا بد ان نذكر انه اثناء مدة البحث يلاحظ ازدياد الاعتماد على الخيول والدواب في نقل البريد بين البصرة وبغداد ، ولم تذكر المصادر استخدام الحمام الزاجل في بريد البصرة ، على الرغم من ان الخليفة المهدي كان اول من نظم الحمام الزاجل لأستخدامه في البريد ، والخليفة المعتصم استخدم الحمام في نقل بريده اثناء تواجده في عاصمته سامراء (2) .

**************************************************************
(1) مروج الذهب ، ج 4 ص 78 .
(2) سعداوي ، البريد ، ص 137 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 136 ـ

الحـــاجــب

   وهو احد موظفي الخلافة ، مهمته حجب الناس من الخليفة حتى يأذن لهم(1) ، ولم يكن للخليفة في العصر الراشدي حجاب بل كان يلتقي مع الناس مباشرة ، وبدون عوائق لكن بعد ان تعرضت حياة الخلفاء والولاة للخطر على ايدي الخوارج ، فكر الامويون بتعيين حاجب ليقابل الناس ، ويمنع ازدحامهم على باب الخليفة ، وينظم دخولهم عليه(2) .
   وازدادت اهمية هذه الوظيفة في العصر العباسي ، حتى اصبح بعض الحجاب بمنصب المستشار للخليفة ، وعلت منزلته على منزلة الوزراء واصبحت الوظائف الاخرى ملزمة بالرجوع اليه واخذ قراراته(3) .
   واهم الشروط التي يجب توافرها في الحاجب هي ، العدالة ، والعفة ، والامانة(4) ، ولأهمية هذه الوظيفة فقد كان لولاة البصرة حجاب على بابهم ، مهمتهم مقابلة الناس قبل دخولهم عليه ، فقد ذكر ان لوالي البصرة محمد بن سليمان حاجب جاء اليه الشاعر بشار بن برد وطلب منه الدخول على الوالي ، لكن الحاجب امره بالتريث قليلاً ثم سمح له بعد ذلك بمقابلة الوالي(5) .

**************************************************************
(1) السمناني ، المصدر السابق ، ج 1 ص 119 ـ 120 .
(2) حسن ، المرجع السابق ، ج 2 ص 202 .
(3) متز ، المرجع السابق ، ص 15 .
(4) الماوردي ، ادب القاضي ، ج 1 ص 76 .
(5) ابو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ص 161 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 137 ـ

   كما ذكر ابن الجوري(1) ان سوار بن عبد الله عندما عين قاضياً على البصرة ، كان على بابه حاجب من الناس من دخولهم عليه ليلاً لئلا يقلقون راحته فانصرف عنه الناس ، وايضاً القاضي عبيد الله بن الحسن(2) ، والقاضي خالد بن طليق(3) ، كان لهما حجاب يأذنون للناس بالدخول بعد ان بفرغ القاضي لهم .
   فحاجب القاضي كانت مهمته ترتيب الخصوم ، وادخالهم على القاضي ، ومنع الضوضاء وارتفاع الضجيج في المجلس(4) .
   ويظهر مما سبق ان هناك بعض الاختلافات في مهمة حاجب الوالي لكون الاخير لا يحق له النظر في شكاوى الناس ، وصرف بعضهم من ذوي المشاكل غير المهمة ، بل تقع مهمته في ادخالهم على القاضي ، وحسب ترتيبهم واهميتهم ، ولا يحق له التدخل في امور القاضي ، فضلاً عن ان سبب تشدد حاجب الوالي في مقابلة الناس حفاظاً على سلامة الوالي بوصفه ممثل الخليفة على المدينة ، بعكس القاضي الذي لا يمثل هدفاً للحركات بوصفه احد العامة الذي يحكم بين الناس وان اغلب الوافدين الى مجلس القضاء هم الذين يستدعيهم القاضي بسبب خصومة وجهت اليهم .

**************************************************************
(1) اخبار الحمقى والمغفلين ، ( تح علي الخاقاني ، مطبعة البصري ط 2 ، البصرة ، 1966 ) ، ص 141 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 81 .
(3) المصدر نفسه ، ج 2 ص 126 .
(4) السمناني ، المصدر السابق ، ج 1 ص 119 ـ 120 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 138 ـ

ثامناً : النظر في المظالم(*)

   وهي من الوظائف المهمة التي يستوجب على الخليفة مباشرتها بنفسه ، او يستنيب من يقوم مقامه(1) ، وهي من توابع القضاء ، ( وكان صاحب المظالم ينظر في كل حكم يعجز عنه القاضي فينظر فيه من هو اقوى يداً )(2) ، فكان على من يتولى هذا المنصب ان يكون من ( ذو الاقدار الجليلة والاخطار الحفيلة )(3) وقد وصف المؤرخون هذه الوظيفة ( بأنها قوة المتظالمين الى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة )(4) وكان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اول من باشر بالنظر للمظالم بنفسه(5) ، ثم حذا حذوه الخلفاء ، وفي العصر الاموي تطورت هذه المؤسسة فقد كان الخليفة عبد الملك بن مروان اول من افرد لها يوماً(6) . واستمر الخلفاء بالنظر في المظالم بأنفسهم

**************************************************************
(*) المظالم لغة : المظلمة بكسر اللام: ما تظلمه الرجل ،واراد ظلامة ومظالمته ، انظر الفيروز ابادي ، محمد بن يعقوب ، القامرس المحيط ( دار الفكر ، بيروت ، 1983 ) ، ج 4 ص 145 ، ويقال اخذها منه ظلامة وتظالم القوم ، ظلم بعظهم بعظاً ، ابن منظور ، المصدر السابق ، ج 3 ص 346 ـ 347 .
وفي تعريف الفقهاء التصرف في ملك الغير ومجاورة الجسد ، انظر ، عليان ، شوكت ، قضاء المظالم في الاسلام ، مطبعة الجامعة ، ط 1 ، بغداد 1977 ، ص 49 .
(1) عبد المنعم ، حمدي ، ديوان المظالم نشأته وتطوره واختصاصه ، مقارناً بالنظم القضائية الحديثة ( دار الجبل ، بيروت ، ط 2 1988 ) ص 34 .
(2) حسن ، تاريخ الاسلام السياسي ، ج 2 ص 223 .
(3) القلقشندي، صبح الاعشى ، ج 3 ص 273 .
(4) الماوردي ، الاحكام السلطانية ، ص 97 .
(5) المصدر نفسه ، والصفحة .
(6) المصدر نفسه . 98 .


البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 139 ـ

الى زمن الخليفة المهدي من بني العباس الذي يعد آخر خليفة جلس للمظالم بعد ان عادت الاملاك الى مستحقيها(1) .
   وفي العصر العباسي اعد المؤرخون الخليفة المهدي اول من جلس للمظالم(2) ، على الرغم من ورود انباء تفيد بأن هناك مظلمة قد رفعت للخليفة المنصور(3) ، الا ان اجراءات الخليفة المهدي المهمة في خدمة هذه المؤسسة كانت كفيلة بوصفه المؤسس الفعلي لها في العصر العباسي فقد كان ( يجلس في كل وقت لرد المضالم )(4) ، واذا جلس للمظالم يقول ( ادخلوا على القضاة فلو لم يكن ردي للمظالم الاللحياء منهم لكفى )(5) ، كما اعاد ايضاً اتخاذ بيت القصص الذي استحدثه امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( ع )(6) ، فقد ابدا الخليفة المهدي اهتمامه البالغ بالنظر للمظالم لأنصاف العامة الذين تعرضوا لجور الولاة ، وموظفي الدولة (7) .
   وفي البصرة شأنها شأن بقية الولايات التابعة للخلافة العباسية كان هناك فيها العديد من المظالم التي رفعت

**************************************************************
(1) القلقشندي، صبح الاعشى ، ج 1 ص 414 . الماوردي ، الاحكام السلطانية ، ص 98 .
(2) الماوردي ، الاحكام السلطانية ، ص 98 .
(3) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 97 .
(4) ابن طباطبا ، المصدر السابق ، ص 143 . رفاعي ، المصدر السابق ، ج 1 ص 101 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 172 . الازدي ، المصدر السابق ، ص 255 . ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 72 .
(6) القلقشندي، صبح الاعشى ، ج 1 ص 414 .
(7) الصالح ، صبحي ، النظم الاسلامية ، دار العلم للملايين ، ط 4 ، بيروت ، 1978 ، 327 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 140 ـ

للخلفاء في حالة عدم قيام مسؤوليهم بأنصاف المظلومين منهم ، ففي سنة ( 159 هـ / 757 م ) رفع اهالي البصرة مظالمهم ، للخليفة المهدي على سعيد بن دعلج صاحب الاحداث ، فعزله الخليفه وولى على البصرة عبد الملك بن ايوب شيبان النميري ، وامره بأنصاف من تظلم من اهل البصرة من سعيد بن دعلج(1) .
   كما رفعت ايضاً مظلمة عبد المجيد القشيري من البصرة الى الخليفة المهدي على الحكم الذي اصدره قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن العنبري بحقه ، فقام الخليفة بجمع الفقهاء للنظر في امر قرار القاضي ، فوجد الفقهاء ان حكم القاضي كان في محله ، فصادق الخليفة على حكم عبيد الله بن الحسن العنبري(2) .
   كما نظر الخليفة المهدي على المظلمة التي رفعت على عمارة بن حمزة(*) صاحب خراج البصرة الذي ( كرهه اهل البصرة لتيهه وكبره ، فرفعوا الى المهدي انه اختان مالاً كثيراً فسأله المهدي عن ذلك ، فقال يا امير المؤمنين ان لو كانت هذه الاموال التي يذكرونها او بجوار بيتي ما نظرت اليها فقال اشهد انك لصادق ولم يراجعه فيها )(3) .

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 120 ـ 121 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 96 .
(*) هو عمارة بن حمزة بن ميمون ، من ولد عكرمة مولى عبيد الله بن العباس احد الكتاب البلغاء ، وصف بالكرم والسخاء ، قلده الخليفة ابو العباس ضياع آل مروان ، ثم قلد ديوان خراج البصرة من قبل الخليفة ابو جعفر المنصور ، انظر : الخطيب البغدادي ، المصدر السابق ، ج 12 ص 280 ـ 281 .
(3) الجهشياري ، المصدر السابق ، ص 108 ـ 109 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 141 ـ

   ويبدو انه في بعض الاحيان ، ولأنشغال الخليفة في امور الدولة ولسعة الدولة التي يحكمها وترامي اطرافها فقد يستنيب عنه من يقوم مقامه في توليته المظالم ، ومن ذلك انه كان بالبصرة صاحب مظالم يدعى فزارة قال فيه الشاعر :
ومن المظالم ان تكون      على المظالم يا iiفزارة(1)

كما ذكر وكيع(2) ان القاضي احمد بن رباح عندما تولى قضاء البصرة لسنة ( 223 هـ / 837 م ) ، ضمت اليه بعد مدة مظالم البصرة وذلك في عهد الخليفة المعتصم .
   يتضح مما سبق ان وظيفة النظر في المظالم هي من اختصاص الخليفة ، في النظر في شؤون الرعية ، واخذ الحقوق للضعيف من القوي في حالة عدم استطاعت الولاة ، والقضاة في استرجاع حقه او ربما تكون المؤسسة الادارية هي نفسها على خلاف معه لذا يلتجأ الشخص الى الخليفة ، والمهم في هذا الفصل ان هناك في البصرة من يتولون هذا المنصب في حالة انشغال الخليفة عن توليه .

**************************************************************
(1) ابن الجوزي ، اخبار الحمقى والمغفلين ، ص 129 .
(2) المصدر السابق ، ج 2 ص 175 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 142 ـ

تاسعاً : دور السك في البصرة

   في العصر العباسي ضرب اول دينار في للخلافة في سنة ( 132 هـ / 749 م ) ، وكان يماثل الدينار الاموي(*) من حيث الحجم والقطر والوزن(1) ، لكنه ميز عن الدينار الاموي بحذف سورة الاخلاص من وجه(**) الدينار واستبدل بنقش ( محمد رسول الله ) على نقش الوجه(2) .
   اما بالنسبة للدراهم(***) فقد صنعت من الفضة(3) ، وكتب عليها على غرار ما نقش على الدنانير من نقوش(4) ، بالاضافة الى الدراهم فقد ضرب العباسيون فئة نقدية صغيرة هي الفلس(****) .

**************************************************************
(*) لمزيد من الاطلاع حول تطور النقود العربية خلال الحقبة ، ينظر الحسيني ، محمد باقر ، تطور النقود العربية ، مطبعة دار الجاحظ ، ط1 ، بغداد ، 1969 .
(1) المقريزي ، النقود الاسلامية ، ( تح السيد محمد بحر العلوم ، مطبعة النجف ، ط5 ، بغداد 1967 ) ، ص 250 .
(**) الوجه : هي الجهة التي ينقش عليها البسملة وتاريخ الضرب ، انظر ، النقشبندي ، ناصر محمود : البكري ، مهاب درويش ، الدرهم الاموي المعرب ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1974 ، ص 7 .
(2) في فصل التعليقات والملاحظات ، للسيد محمد بحر العلوم ، الملحق بكتاب النقود الاسلامية ، للمقريزي ، ص 251 .
(***) الدرهم : عملة نقدية جاء اسمها من اللفظة اليونانية ( دراخما ) وفي الفارسية ( درم ) ، انتقلت الى العرب بفضل المعاملات التجارية مع الاقاليم الشرقية ، انظر : محمد ، عبد الرحمن فهمي ، ضنج السكة في فجر الاسلام ، مطبعة دار الكتب المصرية ، د . ت ، القاهرة ، 1957 ، ص 31 . النقشبندي ، الدرهم الاموي المعرب ، ص 9 .
(3) الكرملي ، الاب انسناس ، ماري البغدادي ، النقود العربية وعلم النميات، القاهرة ، 1939 ، ص 123 .
(4) المقريزي ، المصدر السابق ، ص 17 . المناوي ، محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي ، النقود والمكاييل والاوزان ، ( تح د . رجاء محمود السامرائي ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1981 ) ، ص 83 .
(****) هي العملة النحاسية بوجه خاص ، محمد ، عبد الرحمن فهمي ، المرجع السابق ، ص 40 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 143 ـ

   اما مدينة البصرة فقد ضربت الدراهم فيها في زمن الخليفة ابي العباس ، ولم تضرب الدنانير فيها مثلما في بعض الامصار فقد استمر الدينار يضرب دون ذكر مكان سكه حتى سنة ( 198 هـ / 813 م ) ، في زمن الخليفة المأمون(1) .
   وهذا الدرهم ضرب في البصرة سنة ( 133 هـ / 749 م )(2) .
وهو على الشكل التالي :
                  لا اله الا
مركز الوجه :     الله وحده
                  لاشريك له
الطوق : بسم الله ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة ثلاثة وثلاثين ومئة .
                     محمد
مركز الظهر :      رسول
                     الله
الطوق(*) : محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

**************************************************************
(1) النقشبندي، الدينار الاسلامي في المتحف العراقي ، مطبعة الرابطة ، بغداد ، 1953 ، ج 1 ، ص 36 .
(2) دفتر مسكوكات ، ناهض عبد الرزاق ، مسكوكات البصرة ، بحث مقدم الى ندوة ( دور البصرة في التراث العلمي العربي ) ، 1989 ، ص 2 .
(*) الطوق : هي الكتابة التي تحيط بما كتب على المركز ، انظر : النقشبندي ، الدرهم الاموي المعرب ، ص 7 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 144 ـ

   وفي عهد الخليفة ابو جعفر المنصور استمر ضرب النقود على شاكلتها في عهد ابي العباس ، وبعد انتقاله الى بغداد نقل دور الضرب اليها ، واضاف الى النقش اسم مدينة المدورة ( مدينة السلام ) دون ذكر اسمه(1) .
   وبعد مدة من الزمن اضاف الى النقوش : الموجودة على العملة اسم ابنه محمد المهدي واسماء عماله على الامصار(2) .
   ويبدوا ان المنصور دون اسم ابنه على العملة بعد التخلص من ولي عهده عيسى بن موسى ، واعلان ولده ولياً للعهد من بعده وذلك لأضفاء الشرعية لولاية ابنه على الخلافة .
   وفي عهد المنصور ضرب في البصرة درهم سنة ( 140 هـ / 757 م ) الا ان الغريب في هذا الدرهم كونه يحمل في اسفل نصوص الضهر اسم ( عبد ) ولا يعرف مصدر هذا الاسم ، ان كان يحمل اسم عبد الله بن علي وقد اختفت بقايا الاسم من الدرهم لقدمه ، وظل اسمه الاول فقط ، ام ان اسم ( عبد ) هو اسم المشرف على دار السكك في البصرة(3) .
   ومن الاجدر ان يكون اسم ( عبد ) هو مختصر لعبد الله بن محمد بن علي وهو اسم الخليفة ابو جعفر المنصور (4) .

**************************************************************
(1) المقريزي ، المصدر السابق ، ص 251 .
(2) الكرملي ، المرجع السابق ، ص 123 .
(3) دفتر مسكوكات البصرة ، ص 3 .
(4) انظر : الفصل الثاني ( الحركات ) .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 145 ـ

   وظهرت ايضاً في البصرة سنة ( 144 هـ / 761 م ) ، دراهم كانت تحمل في اسفل نصوص الظهر حرف ( السين ) (1) ، ويبدو ان هذا الحرف هو مختصر لأسم والي البصرة في هذه الحقبة وهو سفيان بن معاوية ( 139 ـ 145 هـ / 756 ـ 762 م ) .


   كما يوجد درهم نادر للبصرة في المكتبة الوطنية بباريس ، ضرب في سنة ( 145 هـ / 762 م ) ، وهو درهم مختلف من حيث النقوش التي عليه عما سبقه من الدراهم العباسية فقد نقش عليه (2) .
                     لااله الا
مركز الوجه :       الله وحده
                    لاشريك له
الطوق : بسم الله ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة خمسة واربعين ومئة .
                 الله
مركز الظهر      احد
                 احد
الطوق : جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً (3) .

**************************************************************
(1) دفتر : مسكوكات البصرة ، ص 3 .
(*) MIGHINER.M' THE WORLD OF ISLAM . LONDON . ( 1977 ) . P 70 .
(2) دفتر مسكوكات البصرة ، ص 3 .
(3) سورة الاسراء ، الآية 81 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 146 ـ

وقد اوضحنا فيما سبق قيام حركة ابراهيم بالبصرة سنة ( 145 هـ / 755 م ) (1) ، وبما ان هذا الدرهم حمل نصوص مغايرة عما سبق ، والتي تؤخذ وحدانية الله بدلاً من العبارة التي وضعها العباسيون وهي ( محمد رسول الله ) ، فضلاً عن عبارة الطوق التي حملت الآية الكريمة ( جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ) (2) هي بمثابة تنديد بحكم العباسيين ، واضفاء الشرعية لحكم ابراهيم بن عبد الله في اثناء قيام حركته فيها (3) .
   وفي سنة ( 145 هـ / 762 م ) ، ايضاً ضرب درهم في البصرة ، يحمل اسم ( سلم ) وهو اسم والي البصرة سلم بن قتيبة الباهلي ( 145 ـ 146 هـ / 762 ـ 767 م ) (4) .
   وفي عهد الخليفة المهدي ( 158 ـ 169 هـ / 775 ـ 785 م ) ، ضربت نقود كانت تحمل اسمه(5) واسماء أبناءه موسى وهارون وبعض عماله (6) .
   وقد وصلت ألينا العديد من النقود التي ضربت في البصرة في عهده ، منها ما ضرب في سنة ( 160 هـ / 776 م ) ، وهي كما يلي (7) :
                    لا اله الا
مركز الوجه :     الله وحده
                    لا شريك له
الطوق : بسم الله ضرب هذا الدرهم بالبصرة ستة سنين ومئة .
                     محمد رسول الله
مركز الظهر :     صلى الله عليه وسلم
                      الخليفة المهدي
                            محمد
الطوق : محمد رسول الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

**************************************************************
(1) انظر الفصل الثاني ( الحركات ) .
(2) سورة الاسراء آية 81 .
(3) دفتر ، مسكوكات البصرة ، ص 3 .
(4) المصدر نفسه ، ص 4 .
(5) القريزي ، المصدر السابق ، ص 123 .
(6) الكرملي ، المرجع السابق ، ص 123 .
(7) دفتر ، مسكوكات البصرة ، ص 4 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 147 ـ

   ويظهر اسم ( محمد ) في اسفل نصوص مركز الظهر وهو على الارجح اسم والي البصرة محمد بن سليمان في ولايته الثانية للبصرة ( 160 ـ 164 هـ / 776 ـ 780 م ) (1) .

وسكة الدراهم في البصرة في سنة ( 161 هـ / 777 م ) (2)

وكذلك في سنة ( 162 هـ / 778 م ) (3)

**************************************************************
(1) دفتر ، مسكوكات البصرة ، ص 5 .
(2) MITCHINER 'OP . CIT . P 171 .
(3) IBID .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 148 ـ

   ومن النقود التي ضربت في البصرة في عهد الخليفة المهدي وكانت تحمل اسم والي عهده موسى الهادي هو ما ضرب فيها سنة ( 167 هـ 783 م ) والذي حمل في نصوص مركز الظهر (1) .
    الخليفـة المهدي
     مما أمــر بـه
    موسـى ولنبي
    عهد المسلمين
     نصـــــر

   ويظهر ان اسم ( نصر ) اسفل مركز الظهر وهو على ما يبدو اسم المشرف على دار الضرب في البصرة .
   وفي عهد الخليفة هارون الرشيد ( 170 ـ 193 هـ / 786 ـ 808 م ) ، ضرب درهم في البصرة عام ( 181 هـ / 797 م ) ، يحمل اسم ولي عهده محمد الامين والذي كتب عليه (2) .
                     محمد رسول اللــــه
مركز الظهر :     مما امر به الامير الامين
                     محمد بن امير المؤمنين

**************************************************************
(1) دفتر ، المسكوكات وكتابة التاريخ ، دار الشؤون الثقافية العامة ، ط 1 ، بغداد ، 1988 ، ص 62 .
(2) دفتر ، مسكوكات البصرة ، ص 5 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 149 ـ

   وفي عهد الخليفة المتوكل على الله ( 232 ـ 247 هـ / 846 ـ 861 م ) ضربت ايضاً العديد من الدراهم في البصرة (1)
كتب على أحد منها (2) .
                 لا الــــه الا
المركز :     اللــه وحــده
                لا شـريك لــه
                المعــتز بـالله
الطوق : ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة خمس واربعين ومائتين .
                 اللـــــه
الظهر :      محمــــد
                 رســـول
                 اللـــــه
                 المتوكل على الله
   وعلى الرغم من ان المصادر لم تشر الى مكان ضرب النقود في البصرة ، أو أعداد من يتولون هذه المهنة أو تنظيمهم ، أو رواتبهم ، لكن من خلال الاطلاع على كثرة النقود التي ضربت في البصرة ، فإن ذلك يشير الى ان هناك دور سك في البصرة ، لها عملها وتنظيماتها الادارية .

**************************************************************
(1) دفتر ، المسكوكات وكتابة التاريخ ، ص 66 .
(2) النقشبندي ، الدينار الاسلامي ، ج 1 ص 131 .