البصرة في العهد العثماني الثاني
1638 / 1800 م
الاستاذ صفاء عبد الوهاب المبارك

العدوان الفارسي على البصرة عام 1743 م
حكم المماليك للبصرة
الغزو الفارسي للبصرة عام 1775 م ( 1189 هـ )
البصرة والإنتفاضة العشائرية عام 1787 م
الخاتمـة

   كانت البصرة في العهد العثماني الاول احدى الولايات التابعة للدولة العثمانية ، ولم يتم ربطها بالحكم العثماني المباشر الا في عام 1546 م ، وقد شهدت البصرة اضطرابات عديدة في فترات من تأريخها نتيجة للثورات العشائرية مما جعلتها تخضع اسمياً للدولة المركزية .
   وبعد ان استعاد العثمانيون السيطرة على بغداد في عام 1638 م ، بطرد الفرس الصفويين والقضاء على الامارة الافراسيابية (*) في عام 1667 م ، بذلوا محاولات عديدة لإعادة البصرة الى الحكم العثماني المباشر والسيطرة على الطريق التجاري بينها وبين حلب ، وقد تم لها ذلك في عام 1701 م فتولى البصرة علي باشا بعد ان انهكها وباء الطاعون والفوضى وتبدل الولاة .

**************************************************************
(*) خضعت البصرة لحكم اسرة افراسياب عندما اسند والي البصرة علي باشا في 1596 م شؤون البصرة الى افرسياب الذي كان كاتباً لجند البصرة وذلك لفشل الوالي في صد هجات القبائل على البصرة وعجزه عند دفع رواتب الجند ، وقد شمل حكم الاسرة مدينة البصرة وضواحيها بالاضافة الى بعض جزر شط العرب ومنها ( قومان والدورق ) ، وقد استطاع العثمانيون اعادة البصرة الى الحكم العثماني المباشر في عام 1667 م بعد دخولهم البصرة وقضائهم على الامارة بسبب اهمال حكامها لأوامر السلطة وولاية بغداد وإمتناعهم عن دفع الجباية السنوية ، انظر ستيفن همسلي لونكريك ، اربعة قرون من تأريخ العراق الحديث ، بغداد ، 1968 ، ص 127 وما بعدها .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 2 ـ

   وفي عام 1708 م ارسل والي بغداد حسن باشا حملة الى منطقة البصرة تمكن من قبائل المنتفك ( مانع بن معانس ) الذي سيطر على البصرة في عام 1694 م ، وبعد ان اصبح والي بغداد قوياً ( بنجدالت عثمانية جاءت الى العراق من اوربا بعد توقيع صلح كارلوفتيز في عام 1699 م (1) ) ، وقد جاءت السيطرة العثمانية على البصرة ضمن خطة اعدها والي بغداد للقضاء على الحركات العشائرية وتوطيد دعائم الامن في الولايات العربية التابعة للعثمانيين .
   ولما كان والي البصرة عاجزاً عن الصمود بمفرده في وجه عشائر المنتفك ولتعقد علاقات البصرة ، فقد عهد العثمانييون الى حسن باشا الذي يعد تاريخ باشويته نموذجاً للعناية الكبيرة التي كان يقوم بها والي من ولاة بغداد بمهمة الدفاع عن البصرة وتعيين واليها فسلمها الى كاخياه مصطفى آغا (2) ، وبذلك اصبحت البصرة تابعة للأسرة الحاكمة في بغداد .

العدوان الفارسي على البصرة عام 1743 م
   منذ ان اندلعت الحرب بين العثمانيين والفرس في عام 1734 م بسبب اطماع الفرس ومحولاتهم استعادة المدن التي كانت تحت النفوذ العثماني ، استغل نمادر شاه حاكم الفرس آنذاك ، تدهور الاوضاع واصدر اوامره الى قائد الاسطول الفارسي ( لطيف خان ) للإستيلاء على البصرة ، بعد قتال دام ثلاثة ايام انسحب الاسطول الفارسي بعد ان تمكن من دخول مياه شط العرب ، وقد شاركت السفن الانكليزية في الدفاع عن البصرة بضغط من متسلمها .
   غير ان الفرس سرعان ما قاموا بشن هجوم واسع على العراق للاستيلاء على مدنه ومنها البصرة عندما تجددت الحرب بين العثمانيين والفرس ، ففي عام 1743 م قامت قوات فارسية بمحاصرت البصرة قدرتها بعض الاحصاءات بأثني عشر ألف

**************************************************************
(1) د . عبد الكريم رافق ، العرب والعثمانيون ، دمشق ، 1974 ، ص 217 ص 325 .
(2) كاخيا تعني نائب الوالي او مساعده وتلفظ الكتخدا وكهيا وكهية وتعني ايضاً رئيس القرية او الكهرمان او رئيس صنف الصناعة او الشريف .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 3 ـ

رجل وقد بادر متسلم البصرة لمقاومة الفرس ورفض طلب لهم بتسليم المدينة ، وفي هذه الاثناء امر المقيم الانكليزي في البصرة توماس دوريل Thomas Dorill السفن الانكليزية وفرقاطته الخاصة (*) بمغادرة الميناء ورفض مشاركتها في صد القوات الفارسية التي عبرت الى الضفة الغربية من شط العرب (3) ، وبعد ان قاومت البصرة ببسالة القوات الفارسية لمدة ثلاث اشهر امر نادر شاه قواته بالانسحاب في تشرين الثاني من السنة ذاتها .

حكم المماليك للبصرة
   شهدت البصرة حكماً محلياً ضمن السيادة العثمانية الرسمية تمثل بحكم قوة محلية عرفت بالمماليك .
   ففي سنة 1736 م تولى رئيس المماليك سليمان آغا المعروف بابي ليلة حكم البصرة ، وكان سليمان هذا مملوكاً لحسن باشا والي بغداد العثماني ويطمع لحكم ولاية بغداد ، ولما فشلت محاولة سليمان آغا فرض سيطرته المباشرة على البصرة فقد لجأ العثمانيون الى اعتماد اساليب عديدة لاعادة السيطرة المباشرة والتخفيف من استبداد المماليك منها استغلال القوى المحلية ، ففي سنة 1743 م عهد العثمانييون الى الحاج حسن باشا الجليلي حكم البصرة لأسباب منها معاناة البصرة من الاضطرابات الداخلية والثورات العشائرية المتكررة ولتعزيز مكانة الاسرة الجليلية التي تولت حكم ولاية الموصل وذلك لإرتفاع شأنها لدى الدولة العثمانية بسبب مقاومتها الحصار الفارسي للموصل في السنة نفسها .

**************************************************************
(*) رفض المقيم الانكليزي ايضاً مشاركة فرقاطته ( والفرقاطة سفينة صغيرة ذات مميزات تندرج في البحرية الخفيفة وهي الكلمة الايطالية frègatta ، هاملتون جب وهارولدبون ، المجتمع الاسلامي والغرب ، الجزء الاول ، ترجمة الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى ، دار المعارف ، مصر ، 1971 ، ص 139 .
(3) أنظر :

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 4 ـ

   ولقد تجددت سيطرت المماليك على البصرة في عام 1749 م عندما نجح سليمان باشا المملوكي في السيطرة على بغداد وطرد واليها العثماني ، وتنصيب سليمان ( القبطان ) في أوائل سنة 1750 م متسلماً على البصرة ، وقد بادر الاخير الى اعلان استقلال البصرة وضمن لنفسه ما وعد به من تأييد جماعة من رؤساء المنتفك من دفع سليمان باشا الى ان يجهز جيشاً مرة اخرى ويزحف به على البصرة في السنة نفسها ومنذ ذلك التاريخ خضعت البصرة لولاية بغداد ثانية وإعترف السلطان العثماني بذلك (4) وعهدت متسلميها الى ابراهيم باشا ، كما فرض سليمان باشا نفوذه على العشائر بحملات سريعة عرف بها فدانت له قبائل المنتفك وبني لام وعشائر الحويزة وبني كعب ، وأقام النظام والامن وعمل على تنشيبط التجارة (5) .
   ان مجتمع البصرة في الواقع لم يذق حتى مجيء المماليك للسلطة طعم الامن والاستقرار ، اذ كان يتعرض للغزوات المتكررة ، ومع ان الظروف القائمة آنذاك فرضت على البصرة عزلة خانقة لكنها جهدت ان تجد الوسائل التي تتخلص بها من عزلتها وان توثق علاقاتها مع الدولة العثمانية التي كانت تتجاهلها فلا تخصها الرعاية

**************************************************************
(4) عبد الكريم رافق ، المصدر السابق ، ص 329 ، هاماتون جب ، المصدر السابق ، ص 29 .
(5) اغتيال نادرة شاه عام 1747 م استطاع الكعبيون الذين اسسوا امارة كعب في عرب ستان مهاجمة البصرة والسيطرة على الضفة اليمنى من شط العرب والجزر الواقعة الى الغرب من المصب بالاضافة الى سيطرتهم على الدواسر التابعة للبصرة والواقعة على الشاطئ الايمن من شط العرب ، والجدير بالذكر ان عشيرة كعب تعد من رعايا الدولة العثمانية منذ سنة 1639 م وهي السنة التي عقدت فيها معاهدت زهاب بين العثمانيين والفرس وبعد عام 1837 م استطاع الفرس السيطرة على المحمرة وعربستان اللتين اصبحتا محور نزاع بين العثمانيين والفرس ، وقد تعقد هذا النزاع بسبب تدخل روسيا وبريطانيا وقد كشفت بعض الوثائق البريطانية وسجلات طابو البصرة مراسلات هنري مور وكيل شركة الهند الشرقية في البصرة آنذاك تبعية كعب الى الدولة العثمانية وسيطرة الكعبيين على اراضي فارسية .
انظر :

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 5 ـ

والحماية (6) ، وعلى الرغم من خروج البصرة من ايدي المماليك في فترات معينة فقد استطاع المماليك استعادة سيطرتهم الفعلية على البصرة في عام 1787 م .

الغزو الفارسي للبصرة عام 1775 م ( 1189 هـ )
   وعلى الرغم من توقف الفرس منذ عدوانهم على البصرة في عام 1743 م عن عمليات التوسع على حساب الاراضي العراقية ، فإنهم ما لبثوا ان اعادوا سياستهم العسكرية مستغلين ضعف الدولة العثمانية والظروف السياسية الدخلية ، تلك السياسة التي تعبر بوضوح عن حقد تأريخي دفين ونزعة للتوسع والتسلط ليس على البصرة فحسب بل على منطقة الخليج العربي لغرض تأمين المصالح الفارسية الاقتصادية والسياسية .
   ففي عام 1775 م تطور الموقف بأتجاه تجدد الحرب فعلياً عندما اتخذ حاكم الفرس ( كريم خان الزند ) قراره بغزو البصرة (7) ، وقد تعددت آراء الباحثين في

**************************************************************
(6) حاولت الدولة العثمانية بمساعدة علي باشا متسلم البصرة والقوة البحرية فيها تأدّيب الكعبيين والزامهم بدفع الضرائب لانها من رعايا الدولة عن طريق ارسال الحملات العسكرية عام 1762 م التي استهدفت فرض الحصار على خور موسى التي تتواجد فيه قوة بحرية تابعة للكعبيين كما تعاونت شركة الهند الشرقية على طريق ممثلها دوغلاس في ضرب الكعبيين بأرسال بعض سفنهم ، وقد بادر الكعبيون الى قطع تجارة البصرة بفرض الحصار على الممر الملاحي لشط العرب بعد رفع العثمانيين الحصار عن خور موسى علماً بأن العثمانيين والانكليز استخدموا البصرة كمركز لقواتهم لمهاجمة الكعبيين عام 1765 م ، انظر :
Selections from the state papers , p p . 158 ـ 291 .

ارنولد ولسون ، الخليج العربي ، الكويت ، 1970 ص 311 ( مترجم ) د . علاء كاظم نورس ، المصدر السابق ، ص 219 ص 220 :
لونكريك ، المصدر السابق ، ص 207 ص 208 :
Neibuhre , c . , voyage en arabie , 11 . p . 159 .

(7) يذكر لوريمر وهو من المختصين في شؤون الخليج العربي ان كريم خان الزند كانت قد راودته فكرة غزو البصرة في عام 1773 وذلك لأنه اراد افشال خطة الانكليز في جعل البصرة مركزاً للتجارة في منطقة الخليج العربي .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 6 ـ

تفسر دوافع الغزو (8) ، فمنهم من يرى ان سبب الغزو يرجع الى تطور مكانة البصرة التجارية واحتلالها اهمية كبيرة في منطقة الخليج العربي بمنافستها لتجارة ميناء ( بوشهر ) الذي تدهورت تجارته بسبب اغلاق تجارة الهند الشرقية لوكالتها التجارية في الميناء المذكور التي اسستها في عام 1763 م بدلاً من وكالتها في ميناء بأر عباس ( بندر عباس ) بعد تعرضه لهجوم الفرنسيين في عام 1569 م ، وترجح مصادر اخرى سبب الغزو الى تردي الاوضاع الداخلية في بلاد فارس وانتشار التذمر داخل صفوف الجيش الفارسي والتي دفعت كريم خان الزند الى زج الجيش في عملية الغزو ( خوفاً من قيام الجيش بحركة للاطاحة به (9) ) ، كما ان احتلال البصرة يرجع ، من وجهة نظر اخرى ، الى الانهزامات العسكرية التي تعرض لها جيش كريم خان في عدوانه على الموصل او الاقسام الشمالية من العراق ( المنطقة الكردية ) وتكبيده خسائر مادية ومعنوية ووقوع قائده علي مراد خان في الاسر لدى العثمانيين (10) ، يضاف الى ذلك رغبة كريم خان في احتلال عمان بمشاركة السفن الانكليزية بعد نجاحه في غزو البصرة لغرض السيطرة على التجارة التي كانت قوية بين عمان والبصرة وقطع مساعدات حكومة بغداد لأحمد بن سعيد امام عمان وارجاع هيمنة الموانئ الفارسية على التجارة والسيطرة على تجارة البصرة التي احتلت مكانة مرموقة في الخليج العربي ، كذلك تردي العلاقات العثمانية الفارسية ( لإمتناع العثمانيين عن دفع الاتاوات للفرس (11) ) وتخوف كريم خان من المشكلات التي يمكن ان تثيرها القبائل العربية في الخليج العربي وخاصة قبيلة بني كعب التي سيطرت على مناطق كانت مثار نزاع

**************************************************************
(8) آرنولد ولسون ، المصدر السابق ، ص 306 ، جان جاك بيربي ، الخليج العربي ، بيروت 1959 م ص 215 ( مترجم ) .
Lorimer , op. ct , vol. 1 , p. 1244 , Samuel , Miles , the countries and Tribes of the arab Gulf. louden 1960 , p. 271 .

(9) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 215 ص 226 .
Milfs , op. it , p 271 .

(10) الشيخ رسول الكركركلي ، دوحة الوزراء ، مطبعة كريم ، بيروت ، ص 49 ص 150 . ترجمه عن التركية موسى كاظم نورس .
(11) ابو حاكمة ، مصطفى ، تاريخ الكويت ، الجزء الاول ، الكويت ، 1967 ، ص 130 ، وما بعدها . وانظر . س . ب ، مايلز ، الخليج العربي بلدانه وقبائله ، مطابع سجل العرب في عمان ، 1982 ، ترجمة محمد بن عبد الله ، ص 227 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 7 ـ

بين الفرس والدولة العثمانية والصراع بين الجانبين ( بسبب التذبذب في ولائها السياسي والاختلاف حول تبعياتها (11) ) والجدير بالاشارة هنا الى ان كريم خان الزند كان قد فكر في غزو البصرة فيما اذا رفض العثمانيون والانكليز في مساعدته لغزو عمان ، وقد ورد في تقرير للمقيمية البريطانية في البصرة بعثته الى عمر باشا والي بغداد ما يؤيد ذلك فقد جاء في التقرير ( ان كريم خان الزند يطلب مساعدة السفن الانكليزية والتركية في حربه ضد مسقط العربية ، غير ان السفن الانكليزية لا يمكن ان تقوم بهذا العمل ، لذلك فعليكم ان ترسلوا قواتكم على الفور للاستعداد للدفاع عن المدينة وان تأمروا القبائل العربية بالتمركز اسفل ضفاف النهر لمنع الفرس من النزول على الضفة اليمنى منه ولا بد من الاسراع لان البصرة ليست حصينة بصورة جيدة (13) ) .
   ومهما يكن من امر فإن المصالح المتشابكة والنزعة العنصرية للفرس جعلت كريم خان الزند يتمسك بقراره لغزو البصرة فاعد قوة عسكرية تقدرها بعض المصدر بحوالي خمسين الفاً من الخيالة والمشاة هاجمة البصرة من جهة شيراز ترافقها قوة بحرية بلغت ثلالثين سفينة (14) ، وكانت القوات المتواجدة في البصرة محدودة بالمقاومة الى القوة الفارسية وفي الوقت نفسه تمكنت قوات فارسية من اجتياز حدود العراق الشمالية وكان هدف الفرس من ذلك الضغط على العراقيين للمحاربة في عدة جهات لاضعاف جبهة البصرة التي صمم الفرس الغزاة على احتلالها .
   لقد طلب متسلم البصرة سليمان آغا من القبوذان قائد الاسطول العثماني في البصرة بالاستعداد لإفشال العدو الفارسي ، وقد ابلغ المتسلم بدوره الوكالة الانكليزية بالامر فاسرع الوكيل الانكليزي بالطلب بان تبادر القوات العثمانية لإرسال قوات للدفاع عن البصرة ، علماً بأنه لم تكن هناك اي ضرورة لتهديد من ايران

**************************************************************
(12)وعاء موسى نورس ، المصدر السابق ، ص 216 .
Maleolm ; T. , op. it, vol. 11. p. 74f .
(13) Selections from state papers No C. 111. vol. 17 .
(14) Abaham parsons. travls in Asia and Africa ; London , 1808 , p 162 .
وتشير بعض المصادر الى ان وباء الطاعون الذي ادى الى موت اعداد كبيرة من سكان بغداد وانتشار الفوضى بسبب ثورات القبائل من العوامل التي شجعت الفرس على غزو البصرة :
لونكريك ، المصدر السابق ، ص 226 .
دوحة العذاء ، ص 139 ص 144 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 8 ـ

يحمل الانكليز على الحياد ، فالانكليز ظلوا محاييدين لحسابات سابقة وقد امر الوكيل منذ البدية ان الازمة لا علاقة لها بالوكالة الانكليزية واعلن عن حياد الوكالة في النزاع العثماني الفارسي وكانت غايته المباشرة الاحتفاظ برضا كريم خان بدون ان يلزم نفسه للوقوف الى جانبه .
   وعندما ادرك والي بغداد تعقد الموقف كتب الى الحكومة العثمانية ( بان تهتم بالدفاع عن البصرة وضرورة ارسال التعزيزات العسكرية الضرورية لمواجهة العدو الفارسي ) (15) .
   غير ان العثمالنيين لم يقرروا اعلان الحرب من جانبهم بل بادروا الى التفاوض مع الفرس فأرسلوا مبعوثاً لهم من العاصمة الفارسية شيراز طالبين الدخول في مفاوضات وذلك لحسم الموقف سلمياً ، وقاموا ايضاً بتقديم بعض التنازلات منها موافقتهم على بعض شروط الفرس لايقاف الغزو كعزل والي بغداد عمر باشا بدعوى اساءته معاملة التجار الفرس وغيرها من المزاعم ومع ذلك لم يكن ذلك كافياً لارضاء الفرس ولم يؤدي الى اي نتيجة فقد رفض كريم خان ايقاف العمليات العسكرية معتقداً انه سينتصر بسهولة عن طريق اظهار القوة ، وحانت الفرصة اكثر من اي وقت آخر للعثمانيين للقيام بهجوم خاصة انه كان بوسعهم ان يسددوا ضربة حاسمة وسريعة للفرس لكنهم لم يفكروا في الواقع بحرب عامة فسكتوا على مضض وصبروا على اهانتهم .
   وعلى اي حال بعد فشل المساعي السلمية العثمانية قام كريم خان بشن هجوم على البصرة في آذار عام 1775 م حيث اتخذت القوات الفارسية من منطقة بالقرب من نهر السويب مقراً لها ، ومقابل ذلك اتخذ اهل البصرة استعدادتهم باضافة التحصينات الدفاعية والاستحكامات والابراج المزودة بمدافع كبيرة ما عدا بوبابتي كبيرتين في مواجهة البر المحيطة بالبصرة افتقرتا الى وجود خندق حولها ، وكانت اغلب القوة المشاركة في الدفاع عن البصرة من عشائر المنتفك بقيادة الشيخ عبد الله السعدون التي عسكرت في الجبهة الغربية من شط العرب بالاضافة الى الحامية

**************************************************************
(15) احمد جودت ، تاريخ جودت ، ج 2 ، ص 42 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 9 ـ

العثمانية التي تألفت من خمسة عشر الف رجل ، ولم تتردد قوات البصرة عن اقامة حاجز جسدي من القوارب الكبيرة في صدر نهر العشار لقطع الامدادات عن القوات الغازية ، وقد اشارت بعض المصادر الاوربية الى تلك الاستعدادات ذلك ان جميع القوات في البصرة كانت من عشائر المنتفك مستعدة بصورة كاملة لمواجهة الغزو (16) ، وقد تركزت على الضفة اليمنى من نهر السويب في جنوب القرنة لمنع العدو من العبور ، اضافة الى تمتع المقاتلين بمعنويات عالية معتقدين ان الجيش الفارسي لا يمثل خطراً على البصرة .
   هذا وقد لجأ كريم خان كعادته الى المراوغة والافتزاز فقام بتقديم بعض العروض للوكيل الانكليزي ومتسلم البصرة عن طريق مبعوثين له لإيقاف الحرب لقاء مبالغ من الاموال قدرها لونكريك بلكين من الروبيات (17) ، ( مائة الف روبية ) وطلب ايضاً ان تؤخذ المصالح الفارسية بنظر الاعتبار ، وكان هدف كريم خان من ذلك في الواقع ، كسب الوقت وإضعاف روح الصمود والقتال عند اهل البصرة ، وقد رفضت حكومة البصرة بدورها بشدة العروض الفارسية وطردت المبعوثين وقررت مقاومة الغزو مهما كلف من تضحيات ، وطلبت في الوقت نفسه من امام عمان ( احمد بن سعيد ) ان يقوم بمساعدة قوات البصرة للتصدي للعدوان الفارسي بواسطة اسطولها فوافق الامام على الطلب ، كما تدارك العثمانييون خطورة الموقف فأرسلوا الى البصرة قوة صغيرة مؤلفة من مائتي جندي من الانكشارية .
   وكان كريم خان الزند قد كتب ثانية الى حكومة البصرة بان تبدي مساعدتها له في مشرع حربه ضد عمان بالتعاون مع السفن الانكليزية ، وعندما بلغ ذلك مسمع هنري مور Hinry Moor الوكيل الانكليزي في البصرة كتب رسالة

**************************************************************
(16) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 228 ، ص 30 .
Maleolm , op. cit , pp. 141. 142.
Parsons. op. cit ; p ; 172 ff .
Miles. op. cit. p. 270 .
(17) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 227 :
قام والي بغداد عمر باشا بمصادرة اموال بعض الاسر الفارسية التي تسكن البصرة وبغداد وتقدر بسبعمائة اسرة فتك بها وباء الطاعون عام 1773 م ورفض الوالي طلب الفرس حول تسليم هذه الاموال .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 10 ـ

الى والي بغداد رفض فيها مطالب كريم خان الزند وطلب ان تتحرك قوات عثمانية لصد الغزو الفارسي على البصرة لان البصرة كانت تفتقر الى التحصينات الكافية ، وفي رسالة اخرى كتبها هنري مور الى حكومة بونباي كشف فيها عن تأييد والي بغداد له بتقديم بعض الوعود له حول مساعدة امام عمان ضد كريم خان الزند لمنع الفرس من القيام بغزو البصرة (18) .
   وفي نيسان عام 1775 نشب القتال بين الطرفين ونجحت المدفعية في البصرة في قصف القوات المعادية واحداث خلخلة فيها وقامت بعض القطع البحرية العثمانية بعمليات لصد الغزو ومشاركتها ايضاً بعض قطع البحرية الانكليزية بسبب كره الوكيل الانكليزي هنري مور لكريم خان حسب ما كشفته بعض وثائق شرطة الهند الشرقية (19) ، كما فشلت عدة هجمات قام بها الفرس من عدة محاور في نيسان من السنة ذاتها ، تكبد فيها الفرس اعداداً كبيرة من القتلى وتحطمت بعض قطعهم البحرية ، ولم تؤثر مدفعية الغزاة في احداث اضرار كبيرة في المدينة وبذلك لم تتحقق اي من توقعاتهم واخفقت قواتهم في اختراق البصرة ، وكان ذلك من خلال الدفاعية بداية لهزيمة الفرس .
   غير ان الفرس سرعان ما عاودوا هجومهم بعنف منطلقين من نظرة عنصرية استعالائية وعنجهية فارغة ، وزاستطاعوا اختراق حدود البصرة بالمدفعية بصورة مستمرة ، في حين صمدت قوات البصرة وواصلت مقاومتها للحيلولة دون دخول الفرس للبصرة وساعدها في ذلك الاسطول الذي ارسله امام عمان الذي اتخذ مواقعه في مدخل شط العرب ومنع عبور الفرس ودمر الحواجز التي وضعها الفرس امامه وحطم اعداداً من سفنهم (20) ،

**************************************************************
(18) انطر نص الرسالتين في د . علاء كاظم نورس ، المصدر السابق الصفحات ، 251 ، 330 ، 331 .
(19) Selesfions from Atate papers. p. 289 .

(20) يتكون الاسطول العثماني من عشر سفن شراعية الصغيرة وسبعين سفينة تسمى ( تريكي ) التي تسير بالمجاذف او الشراع وغلافات ، وقد صحب الامان نفسه الاسطول بسفينته المسماة ( رحماني ) مع عدد كبير من المقاتلين ، وقد امر السلطان العثماني عبد الحميد الاول بتقديم تسهيلات تجارية لعمان بسبب مساعدتها في الدفاع عن البصرة اضافة الى منحها مبلغ من المال سنوياً :
Abdul A mir, British tnterests in the gull Leiden, 1967, pp. 111 . 113 :

مجموعة مؤلفين ، الصراع العراقي الفارسي ، بغداد ، 1983 ، ص 230 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 11 ـ

وتواصل القتال واشتبكت قوات البصرة في قتال شديد عندما تقدم الفرس الى الضفة الغربية من النهر بعد انسحاب قوات المنتفك وجعلوا معسكراتهم على بعد ثلاث اميال من شمال العشار وأنتشرت دورياتهم حول المدينة ثم هاجموا القسم الشمالي من البصرة ليلاً .
   ويذكر لونكريك عن شاهد عيان حول موقف ( القبطان ) متسلم البصرة وجوده المتواصلة في صد العدوان بقوله ( لم يكن المتسلم شجاعاً جداً حسب بل كان فعالاً ومنفذاً ، فقد كان طوال يومه ممتطياً صهوة جواده وعاملاً على الاستعداد للطوارئ وكان مشغولاً في مراقبة ترميم السور وعربات المدافع وفي نصب المدفعية (21) ) .
   وفي الوقت الذي شغلت فيه مساعي متسلم البصرة في الحصول على مساعدات من بغداد لصد العدوان الفارسي فأنه اتجه ايضاً الى شيخ بني كعب ( بركات ) لكسبه الى جانبه ضد الفرس بواسطة اسطوله البحري ، ومع ذلك فقد خاب ظن متسلم البصرة وباءت جهوده بالفشل لا سيما ان بني كعب التي وعدت المتسلم بالمساعدة سرعان ما تنكرت لوعودها وقامت ، في فترات مختلفة في اعمال سهلت مهمة احتلال الفرس البصرة ، ويؤكد ذلك ما اوضحه الرحالة بارسونز الذي شاهد حصار البصرة بان جماعة من الكعبيين وعددهم ثلالثمائة قاموا بمهاجمة البصرة وتسللوا فيها وقاموا بنهب سوقها المركزي في السنة نفسها (22) ، وكانت قبيلة كعب قد قامت ايضاً باعمال مسلحة ضد السفن العثمانية وعملت على اخراج رعاياها من البصرة .
   ويذكر مايلز Milès ان احمد امام عمان راودته فكرة التفاوض مع كريم خان الزند من اجل ايقاف العمليات العسكرية بارسال ابنه سعيد الى بلاد فارس (23) ، وبعد ان ادرك امام عمان ان غزو البصرة اصبح وشيكاً وان العثمانيين لم

**************************************************************
(21) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 227 .
(22) parsons , op. cit. pp. 162 . 166 .

(23) س . ب . مايلز ، الخليج بلدانه وقبائله ، ص 227 ( باللغة العربية ) .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 12 ـ

يتداركوا الموفق بارسال قوات اضافية وتعزيز حاجتها العسكرية رجع عن فكرته وبعد تدهور اوضاع البصرة انسحب الامام باسطوله الى مسقط في السنة نفسها ليظمن السلام له وللعثمانيين .
   ويقدم لنا لونكريك وصفاً مثيراً عما حدث في يوم 19 نيسان من هذه السنة بقوله ( جعل الايرانيون معسكرهم على بعد ثلاثة اميال من شمال العشار وهاجموا بعد ثلاثة ايام القسم الشمالي من البصرة في ليلة حالكة الظلام ، وقد جربوا مدة ساعتين ان لن يتسلقوا الدور ولكن النجاح لم يكن حليفهم البتة ، وابلى البصريون ولا سيما المنتفكيون من اتباع ثامر بلاءً حسناً في الذب عن المدينة خاصة وانهم كانوا يسمعون هلاهل نسائهم وصرخاتهم داعيات لهم بالتشجيع ، وضبط القبطان بكل قواه صدر النهر فخاب الهجوم ، وما طلع النهار حتى شوهدت رؤوس الايرانيين معلقة على ابواب السور . . . على ان روح الدفاع والعنصر الفعال فيه كان للمتسلم الذي لم يركن الى الراحة طول مدة الدفاع (24) ) .
   وعلى الرغم من ان خطوط الدفاع في البصرة قد استطاعت ان تصمد عاماً كاملاً فقد تمكنت قوات الفرس في 16 نيسان عام 1776 م بقيادة علي محمد خان والبالغة اكثر من عشرة آلاف من دخول البصرة والانتشار فيها على الرغم من فشل بعض الهجمات وقيام بعض المقاتلين من عشيرة المنتفك وبني خالد بقتل اعداد كبيرة منهم ، ثم اعقبت القوة الفارسية تلك قوات اخرى بقيادة صادق خان ( شقيق كريم خان ) .
   ومما يجدر ذكره ان البصرة فقدت الامل في احتمال قيام عمر باشا والي بغداد بجهد فعال بصد الخطر الفارسي (25) ، ولم تكن تتوقع ايضاً شيئاً من الباب

**************************************************************
(24) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 228 .
(25) قامت السلطات العثمانية بعزل عمر باشا والي بغداد ثم قتله احد المغربييين من الوالي مصطفى الاسبيثانجي ، وقد احدث ذلك رد فعل قوي لدى المماليك الذي استغلوا الحدث وقاموا بتهديد ولاية بغداد وجاء في دوحة الوزراء ان علي باشا الذي كان والياً على بغداد قبل عمر باشا قتل هو الآخر لإتهامه باتصالاته السرية مع الفرس لمساعدتهم باعداد خطط لغزو بغداد وعلي باشا هذا من اصل ايراني وكانت خيانة هؤلاء من اسباب نكبة البصرة .
وانظر ايضاً دوحة الوزراء ، ص 139 .
وانظر ايضاً ، لونكريك ، المصدر السابق ، ص 218 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 13 ـ

فكان لها اضعف الآمال في النجدة خاصة ان ولاية بغداد ابتليت بولاة ضعاف النفوس انغمسوا في الرذيلة فعمت ابصارهم وتجاهلوا معاناة السكان ومن هؤلاء والي بغداد الجديد مصطفى باشا الاسبينافجي الذي تردد في ارسال الامدادات العسكرية وكتب الى متسلم البصرة سليمان آغا يعلمه انه لا يمكن امداد البصرة بتعزيزات عسكرية وان الظروف اصبحت غير مشجعة للقيام بذلك ، ودعى في رسالته قوات البصرة الى الاستسلام لان مقاومة الفرس لا فائدة منها ، ويذكر لونكريك ان متسلم البصرة قرأ الكتاب على اعيان البصرة واشرافها ثم اوفد الى مخيم كريم خان من يبحث معه في شروط الاستسلام (26) .
   وبعد دخول الفرس البصرة وأحتلالهم معظم مرافق المدينة قاموا بممارسات وحشية ضد السكان حيث قتلوا اعداداً كبيرة منهم وشردوا عدد آخر اغلبهم من التجار ، واستباحوا الحرمات ، كما اسر الغزاة عدد من السكان ، وكان من بين الاسرى الذين ارسلوا الى العاصمة الايرانية ( شيراز ) عدداً من كبار رجال حكومة البصرة واشرافها ومنهم المتسلم التركي سليمان بك (27) « الذي سمي بعد ذلك بـ ( سليمان باشا الكبير ) بعد تقلده ولاية بغداد عام 1780 م » (28) .
   ويشير المؤرخ البصري ابن سند الذي عاصر تلك الاحداث الى الاعمال اللانسانية التي اقترفها الفرس بانتهاك الحرمات وايذاء السكان والاعتداء على بيوت الناس ، ووصف ابن سند اعمال الفرس بانها فاقت اعمال التتار الذين غزو العراق تدميراً (29) .

**************************************************************
(26) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 230 وانظر ايضاً :
دوحة الوزراء ، ص 155 .
(27) يطلق اسم المتسلم على النائب الذي يتسلم الحكم بين عزل الوالي وتولية والي آخر .
(28) علي ظريف الاعظمي ، مختصر تاريخ بغداد ، 1926 ، ص 207 ، وما بعدها ويذكر لونكريك ان قوات الشيخ عبد الله السعدون ( شيخ المنتفك ) قد انسحبت من المعركة لعدم كفاية القوة العسكرية في البصرة في مواجهة الغزو .
لونكريك ، المصدر السابق ، ص 227 .
(29) امين الحلواني ، خمسة وخمسون عاماً من تاريخ العراق ( مختصر كتاب مطالع السعود لعثمان بن سند الوائلي ) ، القاهرة ، ص 34 .
Selections from the state papers , p p . 298 f .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 14 ـ

   ولم تشمل ممارسات الفرس البصرة فقط وإنما شملت مناطق أخرى قريبة منها وهي الزبير التي تقع على حدود البادية حيث قام الفرس بشن هجوم عليها وإحتلوا بيوتها وقتلوا سكانها العزل وهرب من بقي منهم إلى خارج الزبير ، وقد ساعد على ذلك ضآلة قوتها العسكرية وضعف مقاومتها .
   لقد كشفت بعض المصادر معلومات غير قليلة عن تدهور أوضاع البصرة الإجتماعية والتجارية في أعقاب تلك الأحداث حيث بقيت البصرة تحت وطأة الغزو حتى عام 1780 م عانت خلالها كثيراً من أعمال الفرس ، وإنتشر فيها وباء الطاعون المروع الذي أودى بحياة أعداد كبيرة من السكان قدرت بربع مليون (30) ، وإضطر الناس إلى أكل لحوم الحيوانات المحرمة بسبب ندرة المواد الغذائية (31) .
   كما تدهورت تجارة البصرة وتحولت المدينة ، كما يشير أحد تقارير المقيمية البريطانية في البصرة ، من مدينة لها موقع تجاري هام في منطقة الخليج العربي إلى مجرد قرية قليلة السكان بسبب تشتت سكانها وخاصةً التجار (32) ، يضاف إلى ذلك تدهور أوضاع البصرة المالية حيث صادر الفرس أموالها وجاء جمعهم لمبالغ كبيرة من المال على سبيل الغرامة بالنتائج المتوقعة حيث إلتزم الأغنياء بجمع الأموال مع أنه لم يدفع تلك الأموال في الواقع للفقراء .
   وبعد أن إستطاع الفرس إحتلال مناطق واسعة من البصرة لم يلبث صادق خان أن ترك البصرة إلى بلاده وجعل علي محمد خان قائداً للقوات الفارسية في البصرة ، وقد عانى السكان من بطش علي محمد خان والخدمة العسكرية الصارمة وأحوال المجاعة ، لذلك لم يبق في نفوس أهل البصرة إلا بصيص أمل كان معلقاً بالعشائر المجاورة فقط لإن الحاكم الفارسي لم يكن بحوزته سوى المدينة نفسها وعدد من البساتين المجاورة ، كما أن النتائج المباشرة لهذا الغزو ، سنرى في دراستنا لم تكن لها أهمية فلم يدم الغزو سوى ثلاث سنوات وعادت البصرة إلى وضعها السياسي القديم

**************************************************************
(30) baraons , ob ; cit . b.151 , abdul amim , eb . cit , bb . 109.110 .

(31) إبن الغملاس ، ولاة البصرة ومتسلموها ، بغداد ، 1962 ، ص 67 .
(32) rebart on the cawmerec of arbia and bersia , ih samuel manesty and harford jons , 15 august, 1790 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 15 ـ

وإنتهت عمليات النهب والتخريب بواسطة طبقة من الأفاقين والمغامرين والفرس .
   أما موقف العثمانيين من الغزو الفارسي فسرعان ما تغير بعد تمكن الفرس من إحتلال البصرة ، فقد أعد العثمانيون الإحتلال عملاً مخلاً بسيادتهم وخروجاً على طاعة السلطان العثماني وأعلنوا من جانبه الحرب على الفرس وهددوهم بشكل حاسم وذلك عن طريق تقديم إستفتاء إلى دار الإفتاء الإسلامية ، وقد أصدر شيخ الإسلام وعلماء دار الإفتاء بناء على ذلك فتوى بالموافقة على إعلان الحرب رسمياً ضد الفرس ، وجاء في الإستفتاء الذي صدر في العاصمة العثمانية والذي قدمته الحكومة العثمانية إلى دار الإفتاء الإسلامية ما نصه ( لقد إدعى زند الشقي حقه في وكالة الحكم على الإعجام وكونه له عصابة من اللصوص والمجرمين ، وشرع يهاجم بلاد المسلمين وإستولى على إحدى القلاع الإسلامية وفتك بإرواح أهلها وخرج على طاعة حضرة الباد شاه ( السلطان ) مما جعله تحت طائلة العقاب بموجب الآية الكريمة ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) وعليه فبموجب هذا النص الكريم إلا يكون قتاله فرضاً وإستخلاص الاهلين من جوره وبغيه ؟ الجواب نعم وينصر الله سلطان الدولة على أعداء الإسلام ) (33) .
   ولم يكتف العثمانيون بتلك الإجراءات بل إنهم عدو غزو البصرة جاء نتيجة تهاون ولاة بغداد ومنهم مصطفى الإسبيناثجي وتواطئه مع الفرس ، وقد اصدر السلطان العثماني فرماناً بعزله من الباشوية ونفذت به عقوبة الإعدام بعد هروبه خارج بغداد وأسندت باشوية بغداد إلى عبد الله آغا (34) ، ثم بادر العثمانيون بعد تلك الإجراءات إلى وضع خطة عسكرية لطرد الفرس من البصرة وتحويل الحرب إلى الأمر الواقع وصدرت الاوامر إلى الحاميات على الجبهة الفارسية بإن تكون على أهبة الأستعداد وأن يتحرك والي بغداد نحو البصرة ومراقبة تطور الأحداث بعد إشغال الفرس في حرب شمال العراق ، كما أقيمت الإستعدادات العسكرية لتنفيذ الخطة ، وقد نشب القتال فعلاً على حدود العراق الشمالية تكبدت فيها القوات الفارسية

**************************************************************
(33) د . علاء كاظم نورس ، المصدر السابق ، هامش الصفحات 275 و 276 .
(34) تولى مصطفى الأسبيثانجي ولايتي بغداد والبصرة عام 1776 م وحكم مدة ثمانية أشهر أو تسعة أشهر ، دوحة الوزراء ، ص 156 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 16 ـ

التي بلغ تعدادها إثنا عشر ألف جندي خسائر مادية ومعنوية كبيرة لذلك عاود الفرس هجماتهم على الشمال بقوات إضافية فتمكن الإكراد الباباينون بهجماتهم العنيفة والمتتالية من طردهم من المنطقة ، ومع ذلك فقد فشلت خطة العثمانيين العسكرية لطرد الفرس من البصرة وأرجأوا الحرب حتى تتهيأ لها ظروف مواتية ولجأوا إلى الدبلوماسية لإنهاء الإحتلال وتجنب العمليات العسكرية فأرسلوا مبعوثاً إلى بلاد فارس لذلك الغرض (35) ، وكان المبعوث العثماني محمد بيك الشاوي قد رجع بصحبة القنصل الإيراني حيدر باشا من شيراز لفشل المفاوضات ، إن فشل مهمة المبعوث العثماني ترجع في الواقع إلى تعنت الجانب الإيراني مستغلاً تدهور الاوضاع العامة في العراق العثماني والصراع على السلطة في بغداد .
   ولابد من الإشارة أخيراً إلى أن وراء عملية نجاح غزو الفرس للبصرة تكمن عوامل أعمق على الرغم من صمودها الرائع لمدة سنة كاملة ، ويأتي في مقدمة هذه العوامل تعدد الهجمات الفارسية في فترات متقاربة وتأخر أهل البصرة في أستخدام طريقة الدفاع المتضمنة كسر السدود وإحاطة البصرة بالماء ، والهجوم الواسع الذي أعقبها الذي سبب إحداث ثغرات في سور المدينة في عدة مواقع بعد أن تمكن العدو من إستخدام المدفعية بشكل عنيف ومتواصل ، إضافة إلى ضعف القوة البحرية العثمانية في البصرة والقوة العسكرية المحدودة التي أرسلها العثمانيون وتلكؤ العثمانيين في إرسال قوات إضافية من الإنكشارية لصد الهجوم الفارسي الكبير على الرغم من الطلبات المتكررة من حكومة بغداد للباب العالي حول إرسال النجدات العسكرية في الوقت الذي تمكن فيه كريم خان الزند من إستقالة بعض رؤساء القبائل إليه والإستفادة من سفنهم الحربية التي ساهمت مع الاسطول الفارسي في إنجاح عملية الغزو .
   ويقدم لنا الرحالة بارسونز parsons وصفاً لدفاع البصرة التي كانت ضعيفة وغير محصنة بما يكفي للدفاع وذلك بقوله ( لمدينة البصرة خندق واحد وعدة اسوار وخمسة أبواب والاسوار المشيدة من اللبن عليها إستحكامات مرتفعة غير أن

**************************************************************
(35) دوحة الوزراء ، ص 161 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 17 ـ

الأسوار التي تحيط بالمدينة من ناحية البر فقط بل من ناحية الخليج وهناك بوابتان تواجهان البحر المحيط بالبصرة وهما بغداد والزبير ، وفي البصرة ثمانية أبراج وفي كل برج ثمانية مدافع كبيرة واثني عشر مدفعاً صغيراً ومدافع مثبتة على سفينتين حربيتين وتوجد قلعة مزودة بثمانية في الناحية اليمنى من مدخل الخليج وفي المقابل توجد ثمانية مدافع وبطارية من أربعة مدافع تتحكم في مدخل الخليج (36) .
   كما أدى الأنكليز في مجاورتهم للفرس دور ليس في تسهيل مهمة الإحتلال وحسب بل لتعزيز مصالحهم الإستعمارية في المنطقة ، وقد تمثل الدور في تزويد الجيش الفارسي بالخبرة والضباط الأوربيين والعمل على سحب القطع الإنكليزية البحرية وموظفي الوكالة الإنكليزية التجارية من البصرة (37) ، ورغبة الإنكليز في إقامة علاقات قوية مع الفرس كرد إعتبار لإعادة هيمنة الموانيء الإيرانية خاصة أن الفرس أعطوا ضمانات للإنكليز لفتح الوكالة الإنكليزية في بوشهر لكسب رضاهم لإن السلطات الإنكليزية كانت قد أغلقت الوكالة قبل قيام الفرس بغزو البصرة ناهيك عن تفهم الإنكليز لمسألة ( تفوق الإمكانات الفارسية على إمكانات العثمانيين ، وحكومة البصرة وإن إستمرارهم في المعركة سيعرض مصالحهم في منطقة الخليج العربي إلى الخطر )(38) .
   ويذكر لونكريك أن الإنكليز تفهموا بدورهم موقف البصرة وأدركوا مسألة هامة وهي ( أن معظم المدافع التي وضعت للدفاع أصبحت غير قابلة للإستعمال وأن السور صار متداعياً ) (39) ، والإستخبارات كانت مقتصرة على المخبرين العاديين وبقيت إحتياجات الإنكليز غير مسموعة حتى إنقلبت المخاوف إلى أخطار محدقة .

**************************************************************
(36) parsons , op . cit m p . 198 .
(37) كان من بين هؤلاء الهاربين الوكيل الإنكليزي هنري مور والرحالة بارسونز الذي شهد حصار البصرة ، وقد تعرضت السفن الإنكليزية أثناء الرحيل لقصف مدفعي من قبل السفن الفارسية وإسطول بوشهر ، وهذا ما كشفته رسالة هنري مور التي أرلها من بوشهر إلى الحكومة بومباي ، أنظر :
parsons , op . cit m p . 178 ـ 188
د . علاء كاظم نورس ، المصدر السابق ، ص 265 .
لونكريك ، المصدر السابق ، ص 228 .
(38) د . علاء كاظم نورس ، المصدر السابق / ص 267 .
(39) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 227 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 18 ـ

   كما لا يمكن من ناحية أخرى تجاهل الدور الذي أداه بعض العناصر من التبعية الإيرانية المعروفة بإسم محمد بيك العجمي الإصل والملقب بـ ( عجم محمد ) في تسهيل مهمة القوات الفارسية في غزو البصرة بشل عملية إيصال الإمدادات العسكرية المطلوبة من بغداد إلى البصرة خلال عملية الغزو في عهد والي بغداد مصطفى باشا (40) ، ودور عجم محمد هذا ما هو إلا فصل من فصول الخيانة العظمى التي مارستها العناصر والاسر ذات الأصول الإيرانية في التاريخ السياسي للدولة العربية الإسلامية أو في تاريخ العراق لإنها شكلت خطراً على عملية الإستقرار السياسي وأمن المنطقة وذلك بضرب السلطة من الداخل (41) ، وقد جاء تدفق تلك العناصر والأسر من ذوي الأصول الإيرانية إثناء عملية الغزو أو عن طريق الهرب متخذين مواقع نفوذ الدولة والمجتمع ولم يكترث القائمون على السلطة السياسية آنذاك بالنتائج الخطيرة على أمن الحكومات وأمن المجتمع الناجمة عن الإعتماد على العناصر الاجنبية في إدارة الدولة .

**************************************************************
(40) عجم محمد هو من اصل إيراني وعرف عنه انه إستطاع الهرب من إيران إلى بغداد وأنه لم يذهب بعيداً عن عمله كمهرج حيث ألف جوقاً موسيقياً لغرض الغناء والرقص يساعده في ذلك أمه وأختاه ، ثم إستطاع محمد بإساليب ملتوية يتقلد مناصب هامة في عهد الوالي عمر باشا كمنصب الدويدار ( أي حامل الدواة ) ومنصب لخزنة الدار ( أي المشرف المالي ) ، ثم عمل جهده كي يظفر بمنصب الباشوية وقد تمكن من جمع ثروة كبيرة ، وهذا بلا شك دليل قوي على مساويء العثمانين وعلى مبلغ التناقضات والقيم الباطلة داخل مؤسسات الدولة وإنغماس بعض الولاة في الرذيلة واللاأبالية ، ووجهة النظر هذه لا يمكن تعميمها أو جعلها قاعدة عامة بشكل مطلق وأن صحت على نماذج معينة كثيرة أو قليلة .
(41) ويذكر لونكريك أن عجم محمد كان قد كاتب سراً شيراز ووعد الفرس بمساعدتهم في غزو بغداد ثم البصرة ، كما بعث رسولاً إلى العاصمة الإيرانية للتفاوض مع الفرس حول عملية الغزو .
لونكريك ، المصدر السابق ، ص 221 :
وأنظر أيضاً :
دوحة الوزراء الصفحات 159 ، 161 ، 169 ، 172 .
عثمان بن سند ، مخطوط ، مطالع السعود ، ورقة رقم 32 :
وبقي عجم محمد مصدر قلق للسلطة في بغداد حيث قاد عدة عمليات تمردية للظفر بالباشوية ، وقد إستطاع الهرب إلى إيران بعد أن علم بعزم العثمانيين على قتله عن طريق والي بغداد سليمان باشا في عام 1780 م .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 19 ـ

   وفي الواقع أن تحالف الفرس مع أعداء العثمانيين التقليدين هو من أجل إيجاد مناطق نفوذ لهم في منطقة الخليج العربي لتعزيز مصالحهم ومصالح الإنكليز وإضعاف العرب الذين سيطروا على طريق التجارة الدولية و الخليج العربي والمياه العربية الجنوبية ومناطق واسعة من المحيط الهندي والتخفيف من الضغط العثماني على أوربا وحاجة البريطانيين المستمرة للأمبراطورية العثمانية كحاجز محايد لضمان شرق البحر المتوسط والشرق الأدنى وإنهاك الدولة العثمانية التي تسيطر على معظم أجزاء الوطن العربي .
   لقد شجعت أوضاع الدولة العثمانية ، في الواقع ، بعد حربها مع روسيا وتوقيع إتفاقية كوجك كينارجي عام 1774 م ، على التقارب الإنكليزي الفارسي لأن الدولة العثمانية اصبحت تعاني من ازمات في ميادين الحياة الإجتماعية وتدهور إقتصادها وخروج بعض الاقاليم عن طاعة الحكومة المركزية وفقدان الجيش لقوته القتالية بسبب حروبها على الرغم من تهيؤ بعض الظروف المناسبة التي كان بإمكان العثملنيين إستغلالها في دعم مكانتهم الدولية في النواحي الدبلوماسية والعسكرية ، فقد أشار أحد المختصين في شؤون الخليج العربي بصدد التحالف الفارسي الإنكليزي إلى ما يؤكد نزعة كريم خان الزند التوسعية ورغبته في تعزيز تحالفه مع الأنكليز وإتخاذ البصرة قاعدة للتوسع في منطقة الخليج العربي والدليل على ذلك طلبه من قائده ( صادق خان ) يأن يقدم له وصفاً دقيقاً عن المنطقة الممتدة من البصرة إلى مسقط (42) ، فور إنتهاء عملية إحتلال الجيش الفارسي للبصرة .
   ولقد قدمت لنا بعض الوثائق معلومات مفيدة تؤكد حقيقة إتفاق الإنكليز مع الفرس في عملية إنجاح الغزو ، إذ قام الإنكليز عن طريق مبعوثيهم بزيارة البصرة والإتصال بالفرس لممارسة نشاطهم حاملين الهدايا إلى القائد الفارسي أثناء الغزو وبعده ، كما تم لقاء بين البعثة الإنكليزية برئاسة روبرت جارون وصادق خان

**************************************************************
(42) مجموعة مؤلفين ، العراق في التاريخ ، بغداد ، 1983 ، ص 165 .
وتشير بعض المصادر إلى جهود كريم خان الزند لتقوية تحالفاته مع الإنكليز لغرض تثبيت حكمه في إيران ولتحقيق مآربه الشخصية ودعم سياسته التوسعية في منطقة الخليج العربي ، أنظر :
malcolm , op . cit , p . 116ff .
لونكريك ، المصدر اسابق ، ص 267 ، 268 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 20 ـ

الذي إندفع أكثر عندما عبر عن ( صادق مشاعره ومشاعر شعبه إتجاه الإنكليز والوكالة الإنكليزية وأعطى ضماناته حول تجدد العمليات التجارية (43) ، وإنه سوف لن يتخلى عن حماية الشركة في ظل الأوضاع الجديدة لصالح الرأسمالين الإنكليز الذين ارادو بالتأكيد مساندة خططهم الإستعمارية في المنطقة ، كما تعهد الفرس للوكيل الإنكليزي الجديد في البصرة ( وليم لاتوش ) بعد إحتلال الفرس للبصرة بحماية ممتلكات شركة الهند الشرقية .

تحرير البصرة عام 1779 م
   كان من الطبيعي أن تؤدي السياسة العدوانية الفارسية وبقاء قوات الغزو لفترة غير قليلة في البصرة رد فعل قوي لدى أهل البصرة تمثل في توقد جذوة المشاعر الوطنية والعزم على التخلص من آثار الغزو الفارسي (44) ، وخاصةً بعد أن أدركو تصميم عشائر المنتفك العربية بقيادة رئيسها الشيخ ثامر السعدون على تحرير البصرة .
   وفي الوقت نفسه أدرك الفرس الغزاة خطورة التحرك العربي فقاموا بشن بعض الهجمات لإحتلال المنتفك في عام 1777 م ، وبعد أن توغل الفرس عدة اميال في المنتفك إصطدموا مع قوات الشيخ ثامر السعدون في السنة نفسها في موقع

**************************************************************
(43) أنظر ما يؤكد ذلك المراسلات التي تمت بين كريم خان الزند وهنري مور الزكيل الإنكليزي والمبعوث روبورت جارون أحد أعضاء ادارة الوكالة في بومباي والذي زار بوشهر أثناء حصار البصرة في :
lorimer , op . cit , vol . pp . 1258 , 1812 .

(44) يذكر مؤلف دوحة الوزراء أن البصرة بقيت مدة ثلاث سنوات تحت الحكم الفارسي بعد ثبات أربعة عشر شهراً بينما يذكر لونكريك أن إحتلال الفرس للبصرة تطاول لمدة أربع سنوات كان الإحتلال خلالها باهض التكاليف وشيئاً غير مشرف للمتسلم ومهيناً للأتراك إن لم يكن مهدداً لهم وشؤماً على سكان البصرة .
دوحة الوزراء ، ص 168 :
لونكريك ، المصدر السابق ، ص 233 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 21 ـ

( الفضيلة ) (45) غرب نهر الفرات إنتهت بتراجع الفرس ومقتل أعداد كبيرة منهم .
   وبعد أن خسر الفرس المعركة وأصبحوا في موقف ضعيف وجه قائدهم ( محمد علي خان ) إنذاراً للشيخ ثامر بالتوقف عن العمليات العسكرية وإطاعة أوامره ، وقد رفضت العشائر العربية وإستمرت في خطتها لتحرير البصرة ، لذلك قرر الفرس إرسال قوة عسكرية كبيرة لغزو المنتفك في عام 1778 م ، وقد بلغت القوة ، كما تشير بعض المصادر بضعة آلاف جندي مع عدد قليل من الزوارق النهرية (46) ، إضافة إلى إرسال قوة إلى البصرة لتعزيز حاجتها ، وفي موقع ( أبي حلانة ) (47) دارت معركة رهيبة بين العرب والفرس إنتهت بإبادة الجيش الفارسي ومصرع قائده محمد علي خان ) (48) مما دفع بالقيادة الإيرانية إلى إصدار أوامرها بإنسحاب قواتها من البصرة في 19 آذار عام 1779 م وأطلق سراح سليمان باشا المسجون في شيراز فعاد إلى حكم البصرة بدعم من الممثل البريطاني في شيراز آنذاك ، في وقت كانت الأوضاع في إيران تنذر عن إحتمالات التفجير بسبب الصراع على السلطة بعد وفاة كريم خان الزند في عام 1779 م وأرتقاء إبن عمه الضعيف العرش الإيراني .
   وهكذا فشل الغزاة في المواجهة العسكرية مع القبائل العربية وباءت خطط كريم خان بالفشل ( ودخل المنتفكيون البصرة وأعادوا لها المتسلم

**************************************************************
(45) عثمان بن سند ، مخطوطة مطالع السعود ( مكتب الأوقاف ، بغداد ) ورقة 27 ، ورغم فشل الفرس فإنهم عاودوا سياستهم العدائية ، كما يشير الكولونيل جيمس كابر ، وإنتقموا لهزيمتهم حيث تقدمت بعض قواتهم بإتجاه الزبير وما جاورها من القرى وقاموا بتدمير بيوت الناس وقتلوا أعداداً كبيرة منهم ومثلوا بهم .
jemes coaaer , obseeratnans on the passage to gunia thrugh egypt and across the great deserel , lovdon , 1783 m p. 82 .

(46) لونكريك / المصدر السابق ، ص 232 .
(47) تقع على بعد 27 كيلومتراً عن البصرة بإتجاه المنتفك .
(48) عثمان بن سند ، مخطوطة مطالع السعود ، ورقة 31 .
مجموعة مؤلفين ، الصراع العراقي الفارسي ، ص 238 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 22 ـ

السابق ) (49) ، وهذا يؤكد حقيقة أن قادة الفرس إستندوا كعادتهم على التبجح والمشاريع التوسعية لا على الواقع وفكروا دائماً بمعيار القوة في سياستهم الخارجية .
   ولقد أبرزت أغلب المصادر العربية والأوربية أهمية المعركة ومفاصلها الحيوية وبطولات عشائر المنتفك في تحرير البصرة وخططهم التي تعد هامة من الناحية العسكرية فبعض المصادر أبرزت دور العشائر العربية في محاصرة القوات الفارسية في منطقة ذات طبيعة جغرافية معقدة ، ( محاطة من جهة بهور عميق غير مخترق ومن جهة أخرى بعاقول نهر الفرات أما الجهة الثالثة فقد تسللت إليها بعض القبائل العربية ) التي باغتت الفرس بالهجوم محدثة إرباكاً في صفوف الفرس وعندها إضطر الفرس إلى التراجع من جهة الهور سارعت القوة العربية إلى إبادتهم جميعاً ، أما ما تبقى من فلول الفرس القليلة والتي هربت نحو البصرة فقد عالجتها القوة العربية ، وقد إنتشرت عظام القتلى وإستغرق تنظيف ميدان المعركة عدة أسابيع بعد ذلك ، كما إستطردت بعض المصادر في وصفها المعركة فذكرت ، بإنها من المعارك الرهيبة في تاريخ البصرة والقادسية أيضاً لإنها قصمت ظهر الفرس وأرجعت السيادة العثمانية عليها بعد أن ظلت فترة ليست قليلة ترزح تحت نير الإحتلال الفارسي ، بل إن تلك المعركة أكدت ( أن إنتصارات القبائل العربية ترجع إلى إستعدادهم التام وأعتماد زمام المبادرة في إختيار أرض المعركة لإستنزاف جيش العدو وإفشال خططه ) (50) .

**************************************************************
(49) جعفر خياط ، صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، ج 1 ، بيروت ، 1971 ، ص 209 وما بعدها .
تشير بعض المصادر إلى الوالي حسن باشا بعث في آذار عام 1779 م نعمان آغا لحكم البصرة قبل إطلاق سراح سليمان باشا وكان السلطان العثماني قد قرر إعادة توحيد الولايات الثلاث شهرزور وبغداد والبصرة تحت حكم قوي ومؤثر فأصدر أوامره بإسناد حكم البصرة إلى متسلمها السابق مصطفى آغا ، أنظر :
لونكريك ، المصدر السابق ، ص 223 ، 224 .
عثمان بن سند ، مخطوط مطالع السعود ، ورقة رقم 64 .
دوحة الوزراء ، ص 168 .
(50) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 233 :
capper , op . cit . , p . 85 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 23 ـ

   وبعد هذا الإستعراض السريع لتطورات الغزو الفارسي للبصرة وصمود أهل البصرة في مواجهته يظهر واضحاً أن هذه المدينة العربية مرت بسلسلة من الإضطرابات كانت جزء من فوضى عامة شهدتها الدولة العثمانية وكانت السياسة التي إنتهجها الفرس ضد البصرة سياسة جائرة تهدف إلى تغير معالم هذه المدينة مستغلين الظروف القاسية التي تمر بها من فرض الأمر الواقع بالقوة ، وقد عانت البصرة الكثير إلا أنها لم تبقى على حالتها من التردي فقد عاودت نشاطها وعادت الحياة الطبيعية إليها في السنوات الآتية وتحولت البصرة بعد أن كانت ، وكما وصفتها بعض المصادر ( قرية كبيرة وسكانها قليلون ، جمدت فيها الحياة التجارية وأصبحت شوارعها أشبه بالمدافن ) (51) إلى مدينة مزدهرة حيث إزداد عدد سكانها وإسترجعت مكانتها التجارية في الخليج العربي كما إهتم العثمانيون عن طريق ولاة بغداد بالبصرة فإستطاعوا حتى نهاية القرنم الثامن عشر بناء قوة بحرية وزيادة الحامية العثمانية فيها وتزويدها بالأسلحة المتنوعة وبشكل يتلائم ومكانة البصرة .

البصرة والإنتفاضة العشائرية عام 1787 م
   شهد عهد المماليك إنتفاضة كبيرة في المنطقة الممتدة من الفرات الأوسط إلى البصرة قامت بها بعض العشائر ضد حكم المماليك أيام واي بغداد سليمان باشا الكبير ( 1780 ـ 1802 م ) وكان متسلم البصرة حينئذ إبراهيم بك المملوكي .
   لقد تزعم الإنتفاضة العشائرية الشيخ سليمان بن عبد الله الشاوي من إمراء عشيرة العبيد الذي كان يسكن بغداد وشيخ عشائر المنتفك ( ثويني العبد الله ) وشيخ قبائل خزاعة في الفرات الإوسط ( أحمد الحمود ) ، وكان لكل من

**************************************************************
(51) cappwr , op . cit . , p . 83 ff
زار الكولونيل جيمس كابر البصرة في 18 كانون الأول في عام 1778 م أي قبيل إنساب الفرس الغزاة من البصرة بإقل من ثلاثة أشهر .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 24 ـ

بضعة أشهر (52) ثم تمكنت العشائر العربية الثائرة من السيطرة على الجزء الأكبر من وسط العراق والجزء الجنوبي بإسره وإتخذ زعماء الأنتفاضة قراراً بإنشاء حكم تحت رعاية العثمانين فرفعوا بذلك مضبطة بعد أخذ رأي العشائر إلى المراجع المختصة في الباب العالي وقعها وجهاء البصرة وأشرافها وروؤساؤها والشخصيات الوجيهة فيها وقسم كبير من رؤساء العشائر العراقية طلبوا فيها تعيين الشيخ ثويني والياً على العراق بإجمعه ، وجاء في المضبطة مانصه ( إنه لا يصلح لولاية العراق عموماً ولوزارة بغداد وتأمين العراق الأثويني العبد الله فإنه هو الأسد الذي يحميها من العجم ) (53) .
   وكان من الطبيعي أن يكون رد فعل الوالي سليمان باشا قوياً بسبب تخوفه من مغبة تحالف القبائل العربية وإخطاره على مستقبل الحكم العثماني ( فإندفع إلى اتباع أساليب ملتوية لإحلال الخلافات بين العرب ومنها شراء ذمم البعض بالأموال ) (54) ، ثم أصدر أوامره إلى حكام طردستان للقيام بمساعدته فقام إبراهيم باشا الباباني متصرف ألوية كويسنجق وحرير وبابان متصرف درنه وباجلان بتجنيد المتطوعين ، كما طلب مساندة والي الموصل ( سليمان باشا الجليلي ) الذي أرسل خمسمائة رجل من الإنكشارية ، وقد تسلم الوالي سليمان قيادة الجيش الذي تعداده عشرين ألف مقاتل من الخيالة والمشاة وسار به الى البصرة (55) ، وبالمقابل حشد الثوار جيشاً يبلغ تعداده عشرين ألف مقاتل (56) ، وإصطم الفريقان في موقع يسمى ( أم الحنطة ) (57) قرب البصرة في عام 1788 م ، وكانت العشائر تدرك أن إنتصارها هو الذي يقرر مصيرها ووجودها وإنهاء حكم المماليك غير أن النتيجة لم تكن في صالحهم حيث تمكن المماليك من إلحاق الهزيمة بالقبائل العربية في معركة كبيرة

**************************************************************
(52) عباس العزاوي ، تاريخ العراق بين إحتلالين ، ج 6 ، بغداد ، 1954 م ، ص 100 ، أحمد علي الصوفي ، المماليك في العراق ، الموصل ، 1952 ، ص 62 ، لونكريك ، المصدر السابق ، ص 344 ـ 345 .
(53) إبن الحلواني ، المصدر السابق ، ص 42 .
لونكرك ، المصدر السابق ، ص 245 .
(54) بير دي فوسيل ، الحياة في العراق منذ قرن ، بغداد ، 1968 ، ص 68 ، ( ترجمة الدكتور أكرم فاضل ) .
(55) أحمد علي الصوفي ، المصدر السابق ، ص 62 .
(56) دوحة الوزراء ، ص 187 .
(57) عباس العزاوي ، المصدر السابق ، ص 102 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 25 ـ

هؤلاء مكانة مرموقة في المجتمع العراقي عامة وفي وقومه بشكل خاص إضافة إلى ما يتمتع به من نفوذ واسع وتأثير في حياة الناس (58) ، فالشيخ ثويني كان طموحاً يتطلع إلى ولاية البصرة والإستقلال بها وهو أقدر الرؤساء على القوة ضد الأتراك والخروج عن سلطة بغداد لإسباب منها الضرائب الثقيلة التي فرضتها الحكومة على العشائر وتفاقم ظلم الموظفين من المماليك والأتراك وإستئثارهم بالسلطة لإن خطة المماليك كانت تهدف إلى إقصاء الموظفين العراقين من كل المناصب العالية ، يضاف إلى ذلك رغبة سليمان الشاوي في منصب ( الكتخدائية ) لكونه مستشاراً لوالي بغداد في الأمور العامة ناهيك عن خدع المماليك وألاعيب السياسة وحبائل الطمع واللاأبالية التي أصبحت هي الخطوط العامة لحكمهم .
   لقد أعلنت الأنتفاضة ضد المماليك عندما أقدم هؤلاء على مصادرة أملاك الشيخ سليمان الشاوي الذي إتصل بدوره بالشيخ ثويني فأيده في إنتقاضته لانه كان يريد ان يوسع دائرة مشيخته وأطماعه في البصرة ، وقد تمكن الثوار بقيادة الشيخ ثويني من دخول البصرة بقوات قدرت بخمسة آلاف مقاتل وقاموا بإعتقال رؤوساء الدوائر الحكومية وضباط الأسطول وصادروا أملاكهم وأموالهم ، وفرضوا على سكان البصرة غرامة قدرها ستة آلاف فرمانة ، وبذلك خرجت البصرة في عام 1786 م من سيطرة المماليك وأصبحت تحت حكم الشيخ ثويني العبد الله زعيم قبائل المنتفك بعد طرد متسلم البصرة التركي ( إبراهيم أفندي ) الذي ( تمكن بعد ذلك من الهرب إلى مسقط مع حاشيته ) (59) وظلت البصرة تحت ظل حكم الشيوخ العرب

**************************************************************
(58) ذكر المؤرخ عثمان بن سند الشيخ سلمان يجمع الثقافة الأدبية العالية والشاعرية وعين في منصب باب العرب .
عباس العزاوي ، تاريخ العرب الأدبي في العراق ، ج 2 ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، 1962 م ، ص 41 ـ 42 .
جعفر خياط ، المصدر السابق ، ص 209 .
إن صاحب منصب باب العرب يقوم بإدارة شؤون القبائل العربية في مراجعاتها الرسمية لديوان والي بغداد .
(59) إبن الحلواني ، مختصر كتاب مطالع السعود ، ص 41 .
وفي كتاب جعفر خياط أشارة إلى أن بعض المؤرخين الأتراك ذكروا أن شيخ المنتفك ( سعدون ) كان يروم الإنفصال عن الدولة العثمانية ليكون ملكاً على العرب .
جعفر خياط ، المصدر السابق ، ص 126 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 26 ـ

والسيطرة على البصرة دون مقاومة ، لقد كانت المعركة في الواقع من المعارك الرهيبة والحاسمة شارك فيها والي بغداد نفسه وإتسمت بوحشية المماليك حيث قتلوا أعداداً كبيرة من المقاتلين العرب قدرتها بعض المصادر بحوالي ثلاثة آلاف فارس من الخيالة وعدد كبير من المشاة (60) ، ومما يؤكد ما ذهبنا إليه الوصف الذي قدمه الرحالة البريطاني توماس هاول الذي زار البصرة عام 1788 م بقوله ( إن معركة إم الحنطة كانت من المعارك الرهيبة والمرعبة وقد غطت عظام الرجال والخيول ميدان المعركة بإكمله ) (61).
   وبعد إنتهاء المعركة لصالح المماليك سارع سليمان باشا إلى تعيين حمود الثامر شيخاً للمنتفك والخزنة دار مصطفى آغا متسلماً على البصرة وجمع سليمان من المدينة غرامة كبيرة وضاعف الرسوم الكمركية ثم ترك سليمان البصرة إلى أواسط العراق بعد أن وضع فيها حامية من الجند غير النظاميين بقيادة رئيس الآغوات إسماعيل آغا تكية لي .
   ومن أجل أن يثبت العثمانيون حكمهم المباشر على البصرة بعد أن علمتهم التجارب السابقة دروساً كثيرة فإنهم ما لبثوا أن توجهوا إلى القضاء على الأضطرابات فيها وقاموا بطرد المتسلم الجديد ( مصطفى آغا ) الذي قام بحركة تستهدف إستقلال البصرة ثم تحركت في شباط عام 1789 م قوات من بغداد إلى البصرة لغرض القضاء على المعارضة فيها وعين آغا مملوك آخر لحكومة البصرة وهو ( عيسى بيك المارويني ) وإستمرت الأحوال بصورة إعتيادية في البصرة غير أن العلاقات مع قبيلة كعب في أواخر القرن الثامن عشر قد أدى إلى إتخاذ تدابير منها ، تشييد قلاع نهرية وإصطدامات غير حاسمة بين الإسطول العثماني والإسطول القبائلي ، وبعد فترة كادت مطالب حاكم مسقط المهملة بتسوية بعض الإدعاءات القديمة التي تؤدي إلى هجوم القوات العثمانية على البصرة فطلب إلى الوكيل البريطاني بالتوسط ، إلا إن الجانبين توصلا بدون مساعدة الوكيل إلى تسوية أدت إلى إستقرار العلاقات .

**************************************************************
(60) عباس العزاوي ، نفس المصدر والصفحة .
(61) مجموعة مؤلفين ، العراق في التاريخ ، ص 613 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 27 ـ

   كما إستطاع العثمانيون بسياستهم التقليدية في أواخر القرن الثامن عشر توطيد الأمن بالتخلص من مخاطر الإطرابات والمشكلات التي أثيرت بوجه الدولة العثمانية .

الخاتمـة
   كانت البصرة منذ سيطرة العثمانيين على العراق في عام 1534 م ولاية عثمانية بدون سناجق ( الوية ) أو قطاعات بسبب تركيبها العشائري ، وقد عدت معاهدة زهاب التي عقدت بين العثمانيين والفرس عام 1639 م ولاية البصرة تابعة للدولة العثمانية وتعهد الفرس بعدم التدخل في شؤونها الداخلية .
   وبعد عام 1749 م صارت البصرة متسلمية تابعة لولاية بغداد ونشأ فيها أشبه ما يسمى بالحكم المحلي تحت السيادة العثمانية وقد أنيطت بالمتسلم مهمات إدارية ومالية وعسكرية وتولى المماليك رئاسة المصالح كما شغل عدد كبير منهم وظائف قضائية غير أن سلطة المتسلم كانت ضعيفة وعلاقاته مع والي بغداد ضعيفة بسبب إنشغال الأخير في إخماد الثورات العشائرية الأمر الذي جعل المتسلم لا يستطيع مجابهة بعض القبائل التي كانت تفكر في السيطرة على بعض مناطق البصرة ومنها قبيلة بني كعب التي تمكن شيخها من الإستيلاء على بعض قرى المدينة بعد إغراق أعيانها ومشايخها بالأموال (62) .
   وفي الفترة التي حكم فيها المماليك تمتعت البصرة بنوع من الإستقرار النسبي وخاصة بعد تحريرها من الغزو الفارسي ، فأنتعشت أحوالها الإجتماعية بعد أن كان الطابع العسكري هو المميز لها .
   لقد كانت البصرة دائماً مثار نزاع بين سلطان بغداد والقبائل المجاورة لكون البصرة تقع في منطقة قبائل قوية ، ولما كان الإستقرار في البصرة أقل دواماً من الشمال

**************************************************************
(62) nibuhr , c , voyage on arabic . vol . 11 . pp . 186 _ 187 .

البصرة في العهد العثماني الثاني   ـ 28 ـ


بسبب طبيعة المنطقة الإستراتيجية والتجارية مما دفع القبائل على الإنتفاضات مما جعل البصرة تخضع لسيطرة عشائرية بين الحين والآخر ، كما أن كثرة القبائل في هذه المنطقة وتأثيرها بالضغط أو الإنتفاضات القبلية في شمال الجزيرة العربية ومنطقة البادية من شأنه أن يؤثر في سلوكها السياسي أيضاً ولكن الدولة العثمانية نظراً لإهمية منطقة جنوبي العراق وخوفاً من إستغلال بعض القوى الأجنبية فكانت تعمد إلى سياسة القمع الشديدة ، وصار ولاة بغداد أو ممثليهم في البصرة يتدخلون في الغالب في عزل شيوخ العشائر وأصبحت العشائر تمثل طبقة محاربة متميزة مرتبطة بحكومة البصرة أحياناً وتقوم أحياناً بإعمال أخرى غير عسكرية بتكليف من الحكومة المحلية .
   لقد إمتاز مجتمع البصرة بالبساطة من حيث التركيب السكاني بسبب كونه مجتمعاً متخلفاً من الناحية الإقتصادية والثقافية ، غير أن هذا المجتمع إنتقل بفعل التطورات التي طرأت عليه إلى مرحلة جديدة ساد فيها شعور قوي بذاتيته ومن ثم الدفاع عن وجوده ومصيره بعد أن تخلت عنه الدولة العثمانية .
   وعلى الرغم من الظروف القاسية التي مرت بها البصرة المدينة العربية الإسلامية ، فإنها ما لبثت أن إسترجعت مكانتها التجارية وبرزت كمركز حضاري فعال ، كما تزايدت أهميتها في منطقة الخليج العربي في أواخر القرن الثامن عشر .

**************************************************************
(63)malcomim , op . cit, p. 80.
parsons, op. cit,p. 172f .