• خطبته‌ عليه‌ السّلام‌ لإصلاح الناس
  • وصيّته‌ عليه‌ السّلام‌ إلي‌ محمّد بن‌ الحنفيّة
  • خطبته‌ عليه‌ السلام‌ بمني‌ وتنوير الاذهان‌ في‌ زمن‌ معاوية‌
  • مناشدته‌ عليه‌ السلام‌ للاصحاب‌ والتابعين‌
  • خطبته‌ عليه‌ السلام‌ عند خروجه‌ من‌ مكّة‌
  • خطبة‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عند ممانعة‌ الحرّ إياه
  • كلامه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ تهديد الحرّ
  • كلام‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ استعداده‌
          للشهادة‌
  • خطبته‌ عليه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ عاشوراء
  • شعره سلام الله عليه في ليلة العاشر من محرم
  • أشعاره‌ الرجزيّة‌ يوم‌ عاشوراء
  • نداؤه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أتباع‌ آل‌ أبي‌ سفيان‌
  • دعاؤه‌ عليه‌ السلام‌ علي‌ أهل‌ الكوفة‌ و مخاطبته‌ لهم‌

    خطبته‌ عليه‌ السّلام‌ لإصلاح‌ الناس

      وقال‌ في‌ نهاية‌ الخطبة‌ التي‌ أنشأها عليه‌ السلام‌ وتطرّق‌ فيها إلي‌ ترك‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر وإلي‌ الثورة‌ علي‌ الظَّلَمة‌ وحكّام‌ الجور، وتحدّث‌ فيها مفصّلاً عن‌ محروميّة‌ المظلومين‌ والتفرّق‌ عن‌ الحقّ، وذكّر ضمناً بأنّ: مَجَارِي‌ الاْمُورِ وَالاْحْكَامِ عَلَي‌ أَيْدِي‌ الْعُلَمَآءِ بِاللَهِ، الاْمَنَآءِ عَلَي‌ حَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ، قال‌:
      اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا (1) تَنَافُساً فِي‌ سُلْطَانٍ، وَلاَ الْتِمَاساً مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلَكِنْ لِنَرَي‌ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الإصْلاَحَ فِي‌ بِلاَدِكَ، وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَيُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَسُنَنِكَ وَأَحْكَامِكَ.
      فَإنْ لَمْ تَنْصُرُونَا (2) وَتُنْصِفُونَا قَوِي‌َ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ، وَعَمِلُوا فِي‌ إطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ ، وَحَسْبُنَا اللَهُ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَإلَيْهِ أَنَبْنَا، وَإلَيْهِ الْمَصِيرُ. (3)

    **************************************************************

    1- أي‌ من‌ الرغبة‌ في‌ النهوض‌ والإقدام‌ والامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر ونصرة‌ المظلومين‌ وقمع‌ الظالمين‌. 2- جاء ضبط‌ هذه‌ العبارة‌ في‌ الطبعة‌ الاُولي‌ لكتاب‌ «لمعات‌ الحسين‌» عليه‌ السلام‌ والذي‌ كان‌ فيه‌ زنكوغراف‌ ذات‌ خطّ الحقير ـوذلك‌ طبق‌ النسخة‌ الوحيدة‌ الموجودة‌ بحوزتي‌ من‌ كتاب‌ «تحف‌ العقول‌» المطبوع‌ في‌ مكتبة‌ الصدوق‌، والمصحَّح‌ علي‌ يد المحقّق‌ المحترم‌ جناب‌ الحاجّ عليّ أكبر الغفّاريّ أمدّ الله‌ في‌ عمره‌ الشريف‌ ـ بتعبير فإنّكم‌ تنصرونا، وقد نقلنا العبارة‌ وترجمناها بهذه‌ الكيفيّة‌، إلاّ أنّ المعني‌ ـ كما هو ظاهر ـ غير سليس‌ وفيه‌ تعقيد معنويّ ويحتاج‌ إلي‌ تقدير محذوف‌ ليوافق‌ المراد. وبعد طباعة‌ الكتاب‌ راجعنا عدّة‌ نسخ‌ خطّيّة‌، فكانت‌ تحمل‌ نفس‌ العبارة‌ المذكورة‌: فإنّكم‌ تنصرونا. ولمّا كان‌ لمصحّح‌ الكتاب‌ علاقة‌ معرفة‌ وصداقة‌ قديمة‌ مع‌ الحقير، ونظراً لمعرفتي‌ بهمّته‌ العالية‌ في‌ أمر مراجعة‌ المصادر والدقّة‌ في‌ تصحيحها، فقد أوكلتُ إليه‌ مهمّة‌ إيضاح‌ هذا المطلب‌. وقد أجاب‌ بمايلي‌: لقد راجعتُ عند طبع‌ كتاب‌ «تُحف‌ العقول‌» عدّة‌ مصادر خطّيّة‌، فكانت‌ هذه‌ العبارة‌ في‌ جميعها علي‌ هذا النحو: فإنّكم‌ تنصرونا، وقد التفتّ إلي‌ عدم‌ سلاسة‌ المعني‌، ولكن‌ لمّا كان‌ التصرّف‌ في‌ عبارة‌ مؤلّف‌ الكتاب‌ أمراً غير مقبول‌، فقد جري‌ طبع‌ الكتاب‌ بذلك‌ اللفظ‌، ثمّ اتّضح‌ فيما بعد بصورة‌ يقينيّة‌ تدعهما مجموعة‌ من‌ الشواهد أنّ أصل‌ تلك‌ العبارة‌ كان‌ فإن‌ لم‌ تنصرونا، ثمّ إنّ النسّاخ‌ ألحقوا اللام‌ بالنون‌: فإنْلَم‌ تنصرونا، ولمّا كانت‌ هذه‌ الكيفيّة‌ من‌ الكتابة‌ غير مألوفة‌، فقد تصوّر النسّاخ‌ اللاحقون‌ أنّالعبارة‌ هي‌ فإنّكم‌ تنصرونا، فحوّلوا اللام‌ كافاً، فحصل‌ هذا التغيير في‌ مسار التحريفات‌ والتصحيفات‌ الكتابيّة‌. ومن‌ هنا فإنّ أصل‌ العبارة‌ كان‌ علي‌ نحو القطع‌ واليقين‌ فإنْ لَمْ تنصرونا ـ انتهي‌ كلام‌ الحاجّ الغفّاريّ. وبما أنّ هذه‌ الإجابة‌ وقعت‌ موقع‌ قبول‌ الحقير وتوقيعه‌، فتمّ ضبطها بصورة‌ فإن‌لم‌تنصرونا في‌ الطبعات‌ اللاحقة‌ الحروفيّة‌، كما ترجمت‌ بهذه‌ الصورة‌. 3- «تُحف‌ العقول‌» ص‌ 239، من‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌.

    وصيّته‌ عليه‌ السّلام‌ إلي‌ محمّد بن‌ الحنفيّة‌

      وحين‌ عَزَم‌ عليه‌ السلام‌ علي‌ الخروج‌ من‌المدينة‌ المنوّرة‌ إلي‌ مكّة‌ المكرّمة‌، فكتب‌ وصيّةً وطواها وختمها بخاتمه‌ ودفعها إلي‌ أخيه‌ محمّد بن‌ الحنفيّة‌، ثمّ ودّعه‌ وسار في‌ جوف‌ الليل‌ بجميع‌ أهل‌ بيته‌ إلي‌ مكّة‌ ليلة‌ الثالث‌ من‌ شعبان‌ لسنة‌ ستّين‌ هجريّة‌، وتلك‌ الوصيّة‌ هي‌ :
      بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ، هَذَا مَا أَوْصَي‌ بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِي‌ِّ بْنِ أَبِي‌طَالِبٍ إلَي‌ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ:
      إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِي‌ٍّ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ. وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ، (وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَهَ يَبْعَثُ مَن‌ فِي‌ الْقُبُورِ ).
      إنِّي‌ لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً وَلاَ مُفْسِداً وَلاَظَالِماً؛ وَإنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَحِ فِي‌ أُمَّةِ جَدِّي‌ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَي‌ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي‌ وَسِيرَةِ أَبِي‌ عَلِي‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
      فَمَنْ قَبِلَنِي‌ بِقَبُولِ الْحَقِّ، فَاللَهُ أَوْلَي‌ بِالْحَقِّ ، وَمَنْ رَدَّ عَلَي‌َّ هَذَا، أَصْبِرُ حَتَّي‌ يَقْضِي‌َ اللَهُ بَيْنِي‌ وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ؛ (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ).
      وَهَذِهِ وَصِيَّتِي‌ إلَيْكَ يَا أَخِي‌، (وَمَا تَوْفِيقِي‌´ إلاَّ بِاللَهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَي‌ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَي‌، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (1)

    **************************************************************

      1 ـ أورد المحدّث‌ القمّيّ هذه‌ الوصيّة‌ في‌ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 45، عن‌ العلاّمة‌ المجلسيّ في‌ «بحار الانوار» عن‌ محمّد بن‌ أبي ‌طالب‌ الموسويّ، وأوردها كذلك‌ في‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 602، عن‌ الخوارزميّ في‌ كتاب‌ «مقتل‌ الحسين‌» ج‌ 1، ص‌ 188 طبع‌ النجف‌. وجاء في‌ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 2، ص‌ 208، الطبعة‌ الحجريّة‌، أنّ هذه‌ الجملات‌ ( إنّي‌ لَم‌ أخرُج‌ إلي‌ الحاكِمين‌ ) قالها الإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جوابه‌ لعبدالله‌ بن‌ عبّاس‌ .





    خطبته‌ عليه‌ السلام‌ بمني‌ وتنوير الاذهان‌ في‌ زمن‌ معاوية‌

      كتاب‌ سليم‌ بن‌ قيس‌:

      لمّا مات‌ الحسن‌ بن‌ عليّ عليهما السلام‌ (استشهد الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ بالسمّ في‌ سنة‌ 49 هجريّة‌ علي‌ يد زوجته‌ جعدة‌ بنت‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌ بإيعاز من‌ معاوية‌ (1) )، لم‌تزل‌ الفتنة‌ والبلاء يعظمان‌ ويشتدّان‌ (علي‌ الشيعة‌)، فلم‌ يبقَ ولي‌ّ للّه‌ إلاّ خائفاً علي‌ دمه‌، (وفي‌ رواية‌ أُخري‌: إلاّ خائفاً علي‌دمه‌ أنّه‌ مقتول‌)، وإلاّ طريداً وإلاّ شريداً، ولم‌ يبق‌ عدوّ للّه‌ إلاّ مظهراً حجّته‌ غير مستتر ببدعته‌ وضلالته‌؛ فلمّا كان‌ قبل‌ موت‌ معاوية‌ بسنة‌ (2) حجّ الحسينُ بنُ علي‌ّ صلوات‌ الله‌ عليه‌ وعبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ وعبد الله‌ بن‌ جعفر معه‌، فجمع‌ الحسينُ عليه‌ السلام‌ بني‌ هاشم‌ رجالهم‌ ونساءهم‌ ومواليهم‌ ومن‌ الانصار ممّن‌ يعرفه‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وأهل‌ بيته‌، ثمّ أرسل‌ رسلاً لاتَدَعوا أحداً ممّن‌ حجّ العام‌ من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ المعروفين‌ بالصلاح‌ والنسك‌ إلاّ اجمعهم‌ (3) لي‌، فاجتمع‌ إليه‌ بمني‌ أكثر من‌ سبعمائة‌ رجل‌ وهم‌ في‌ سرادقه‌، عامّتهم‌ من‌ التابعين‌ ونحو من‌مائتي‌ رجل‌ من‌ أصحاب‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

      فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيباً، فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي‌ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ (4) قَدْ فَعَلَ بِنَا وَبِشِيعَتِنَا مَاقَدْ رَأَيْتُمْ وَعَلِمْتُمْ وَشَهِدْتُمْ!
      وَإنِّي‌ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكُمْ عَنْ شَي‌ْءٍ؛ فَإِنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُونِي‌، وَإِنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُونِي‌!
      وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللَهِ عَلَيْكُمْ وَحَقِّ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتِي‌ مِنْ نَبِيِّكُمْ لَمَّا سَيَّرْتُمْ مَقَامِي‌ هَذَا وَوَصَفْتُمْ مَقَالَتِي‌، وَدَعَوْتُمْ أَجْمَعِينَ فِي‌ أَمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ (وَفِي‌ رِوَايَةٍ أُخْرَي‌ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَكَذِّبُونِي‌: اسْمَعُوا مَقَالَتِي‌ وَاكْتُبُوا قَوْلِي‌، ثُمَّ ارْجِعُوا إلَي‌ أَمْصَارِكُمْ وَقَبَائِلِكُمْ فَمَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ) وَوَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إلَي‌ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا؛ فَإِنِّي‌ أَتَخَوَّفُ أَنْ يَدْرُسَ هَذَا الاْمْرُ وَيَذْهَبَ الْحَقُّ وَيُغْلَبَ؛ (وَاللَهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).
      وَمَا تَرَكَ شَيْئاً مِمَّا أَنْزَلَ اللَهُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرآنِ إلاَّتَلاَهُ وَفَسَّرَهُ؛ وَلاَ شَيْئاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي‌ أَبِيهِ وَأَخِيهِ وَأُمِّهِ وَفِي‌ نَفْسِهِ وَأَهْلِبَيْتِهِ إلاَّ رَوَاهُ. وَكُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ أَصْحَابُهُ: اللَهُمَّ نَعَمْ! وَقَدْ سَمِعْنَا وَشَهِدْنَا؛ وَ يَقُولُ التَّابِعِي‌ُّ: اللَهُمَّ قَدْحَدَّثَنِي‌ بِهِ مَنْ أُصَدِّقُهُ وَأَئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.

    **************************************************************

    1 ـ أورد ابن‌ الاثير الجزريّ في‌ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 3، ص‌ 460 في‌ حوادث‌ السنة‌ التاسعة‌ والاربعين‌ للهجرة‌: في‌ هذه‌ السنة‌ توفّي‌ الحسن‌ بن‌ علي‌ّ، سمّته‌ زوجته‌ جُعْدَة‌ بنت‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌ الكنديّ.
    2 ـ و في‌ بعض‌ النسخ‌ «بسنتين‌».
    3 ـ لعلّه‌ تصحيف‌، و الاولي‌ «اجمعوهم‌» ـ م‌.
    4 ـ يقصد معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌.




    مناشدته‌ عليه‌ السلام‌ للاصحاب‌ والتابعين‌

      فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَهَ إلاَّ حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وَبِدِينِهِ!

      قَالَ سُلَيْمٌ: فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَذَكَّرَهُمْ أَنْ قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَهَ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِي‌َّ بْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ كَانَ أَخَا رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ آخَي‌ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَآخَي‌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَقَالَ: أَنْتَ أَخِي‌ وَأَنَا أَخُوكَ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟
      قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!
      قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَهَ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَي‌ لَهُ بِالْوِلاَيَةِ؛ وَقَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ؟
      قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!
      قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَهَ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ فِي‌ آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: إنِّي‌ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَأَهْلَ بَيْتِي‌ فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْتَضِلُّوا ؟
      قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!
      و بعد نقل‌ فِقْرات‌ كثيرة‌ من‌ هذه‌ المناشدة‌، قال‌: ثُمَّ نَاشَدَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوهُ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي‌ وَيُبْغِضُ عَلِيّاً فَقَدْ كَذَبَ؛ لَيْسَ يُحِبُّنِي‌ وَيُبْغِضُ عَلِيّاً. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَهِ! وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟
      قَالَ: لاِنَّهُ مِنِّي‌ وَأَنَا مِنْهُ؛ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي‌، وَمَنْ أَحَبَّنِي‌ فَقَدْ أَحَبَّ اللَهَ؛ وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي‌، وَمَنْ أَبْغَضَنِي‌ فَقَدْ أَبْغَضَ اللَهَ ؟
      فَقَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ! قَدْ سَمِعْنَا. وَتَفَرَّقُوا عَلَي‌ ذَلَكَ. (1)

    **************************************************************

    1 ـ كتاب‌ «سليم‌ بن‌ قيس‌ الهلاليّ الكوفيّ» ص‌ 206 إلي‌ ص‌ 209.



    خطبته‌ عليه‌ السلام‌ عند خروجه‌ من‌ مكّة‌

      خطبته‌ عليه‌ السلام‌ في‌ مكّة‌ المكرّمة‌ حين‌ عزم‌ علي‌ الخروج‌ إلي‌ كربلاء: وَرُوِي‌َ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا عَزَمَ عَلَي‌ الْخُرُوجِ إلَي‌ الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً، فَقَال‌: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ مَاشَاءَ اللَهُ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ؛ وَصَلَّي‌ اللَهُ عَلَي‌ رَسُولِهِ.
      خُطَّ الْمَوْتُ عَلَي‌ وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلاَدَةِ عَلَي‌ جِيدِ الْفَتَاةِ. وَمَا أَوْلَهَنِي‌ إلَي‌ أَسْلاَفِي‌ اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إلَي‌ يُوسُفَ. وَخُيِّرَ لِي‌ مَصْرَعٌ أَنَا لاَقِيهِ؛ كَأَنِّي‌ بَأَوْصَالِي‌ تَتَقَطَّعُهَا عُسْلاَنُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلاَءَ؛ فَيَمْلاَنَ مِنِّي‌ أَكْرَاشاً جُوفاً، وَأَجْرِبَةً سُغْباً .
      لاَ مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ. رِضَا اللَهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ؛ نَصْبِرُ عَلَي‌ بَلاَئِهِ، وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ.
      لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لُحْمَتُهُ، وَهِي‌َ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي‌ حَظِيرَةِ الْقُدْسِ، تَقِرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ.
      مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلاً مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلَي‌ لِقَاءِ اللَهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا؛ فَإنَّنِي‌ رَاحِلٌ مُصْبِحاً إنْ شَاءَ اللَهُ تَعَالَي‌. (1)

      أشعاره‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ الفرزدق‌ و محادثته‌ معه‌
      * وقد التقاه‌ (عليه‌ السلام‌) وهو متوجّه‌ إلي‌ الكوفة‌ الفرزدقُ بن‌ غالب‌ (الشاعر المعروف‌ في‌ ذلك‌ العصر) وقال‌ له‌:
      يابنَ رسولِ الله‌ ؟ كيفَ تَركَنُ إلي‌ أهل‌ الكوفةِ وهم‌ الذين‌ قَتلوا ابنَ عَمِّك‌ مسلمَ بنَ عقيل‌ وشيعته‌ ؟
      فترحّمَ (الحسينُ) علي‌ مُسلمٍ وقال‌: صار إلي‌ رَوْحِ اللَهِ ورِضوانِهِ، أما إنَّهُ قَضَي‌ مَا عَلَيهِ وبَقِي‌ مَا عَلَيْنَا وأنشده‌:
      وَإنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً فَدَارُ ثَوَابِ اللَهِ أَعْلَي‌ وَأَنْبَلُ
      وَإنْ تَكُنِ الاْبْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ فَقَتْلُ امْرِيً بِالسَّيْفِ فِي‌ اللَهِ أَفْضَلُ
      وَإنْ تَكُنِ الاْرْزَاقُ قِسْمـاً مُقَـدَّراً فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ فِي‌ الْكَسْبِ أَجْمَلُ
      وَإنْ تَكُنِ الاْمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الْمَرْءُ يَبْخَلُ (2)
      وقال‌ الكثير من‌ أصحاب‌ المقاتل‌ إنّه‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ يرتجز يوم‌ عاشوراء ويقاتل‌ بسيفه‌، ويتمثّل‌ في‌رجزه‌ بهذه‌ الاشعار؛ مثل‌ المحدّث‌ القمّيّ في‌ «نفس‌المهموم‌» والشيخ‌ سليمان‌ القندوزيّ في‌ «ينابيع‌ المودّة‌». (3)
      * يقول‌ علي‌ّ بن‌ عيسي‌ الإربِليّ:
      قَالَ الْفَرَزْدَقُ: لَقِيَنِي‌ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي‌مُنْصَرَفِي‌ مِنَ الْكُوفَةِ؛
      فَقَالَ: مَا وَرَاكَ يَا أَبَا فِرَاسٍ ؟
      قُلْتُ: أَصْدُقُكَ ؟!
      قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: الصِّدْقَ أُرِيدُ!
      قُلْتُ: أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ؛ وَأَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي‌ أُمَيَّةَ؛ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَهِ.
      قَالَ: مَا أَرَاكَ إلاَّ صَدَقْتَ! النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَغْوٌ عَلَي‌ أَلْسِنَتِهِمْ؛ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ. (4)

    **************************************************************

    1- نظراً لاستعمال‌ مفردات‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌ الشريفة‌ تختلف‌ في‌الضبط‌، فقد ارتأي‌ الحقير أن‌ يذكر بعض‌ المفردات‌ عن‌ الطريق‌ الصحيح‌ والمعاني‌ المناسبة‌: القلادة‌: ما يُجعل‌ في‌ العنق‌ من‌ حُلي‌ّ وغيره‌. خُيّر: مجهول‌ باب‌ التفعيل‌: اختير. عُسْلان‌: بضمّ الفاء جمع‌ عاسل‌ وهو الذئب‌؛ مثل‌ راكب‌ ورُكبان‌ وفارس‌ وفُرسان‌. أكراش‌: جمع‌ كِرْش‌، وهو لكلّ مجترّ بمنزلة‌ المعدة‌ للإنسان‌. جُوف‌: جمع‌ أجوف‌، وهو من‌ خلا جوفه‌ واتّسع‌؛ مثل‌ حُمْر وأحمر وصُفْر وأصفر. أجربة‌: جمع‌ جِراب‌، وهو وعاء يُحفظ‌ فيه‌ الزاد ونحوه‌؛ مثل‌ أَنظمة‌ ونِظام‌. سُغْب‌: جمع‌ أسغب‌ أي‌ الجائع‌؛ مثل‌ حُمْر وأَحْمَر. لُحْمَة‌: بالضمّ، خيوط‌ النسيج‌ مقابل‌ السدي‌؛ كناية‌ عن‌ القرابة‌. حظيرة‌: بمعني‌ المكان‌ المحدود والمحصور بجدار؛ وحظيرة‌ القُدس‌ بمعني‌ الجنّة‌. وقد نُقلت‌ هذه‌ الخطبة‌ في‌ الكثير من‌ الكتب‌، ومن‌ جملتها «اللهوف‌» ص‌ 53، وكتاب‌ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 100؛ كما وردت‌ في‌ «مقتل‌ الخوارزميّ» ج‌ 2، ص‌ 5 و 6، ولكن‌ ورد فيه‌: وما أولعني‌ بالشوق‌ إلي‌ أسلافي‌، وأيضاً: كأنّي‌ أنظر إلي‌ أوصالي‌ تقطّعها وحوش‌ الفلوات‌ غُبْراً وعَفْراً، ولم‌ يرد في‌ هذا النقل‌ جملة‌ مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلاً مُهْجَتَهُ إلي‌ آخر الخطبة‌. كما وردت‌ في‌ «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 184 طبقاً لعبارة‌ «اللهوف‌»؛ ورواها في‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 598، عن‌«مقتل‌ الخوارزميّ» إلي‌ جملة‌ وَيُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ؛ كما أوردها عن‌العلاّمة‌ المدوخ‌ في‌ كتاب‌ «العدل‌ الشاهد» ص‌ 95 طبقاً لعبارة‌ «اللهوف‌». 2- «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 183، و 184؛ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 8، ص‌ 209. 3- «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 219؛ و«ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 647 عن‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 346 و 347. وقال‌ المرحوم‌ المحدّث‌ القمّيّ: قال‌ محمّد بن‌ أبي‌ طالب‌: وذكر أبوعليّ السلاميّ في‌ تأريخه‌ أنّ هذه‌ الابيات‌ للحسين‌ عليه‌السلام‌ من‌ إنشائه‌، وقال‌: ليس‌ لاحدٍ مثلها. 4- «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 185.



    خطبة‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عند ممانعة‌ الحرّ إياه

      * وحين‌ اعترض‌ الحرُّ بن‌ يزيد الرياحيّ الإمامَ ومنعه‌ بشدّة‌ من‌ التوجّه‌ إلي‌ الكوفة‌ أو الرجوع‌ إلي‌ المدينة‌، فقام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ «ذي‌ حَسَم‌» وفق‌ رواية‌ الطبريّ في‌تأريخه‌ عن‌ عَقَبة‌ بن‌ أبي‌ العيزار: فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي‌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، إنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الاْمْرِ مَا قَدْ تَرَوْنَ؛ وَإنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا وَاسْتَمَرَّتْ حَذَّاءَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ، وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَي‌ الْوَبِيلِ.
      أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لاَيُعْمَلُ بِهِ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ لاَيُتَنَاهَي‌ عَنْهُ ؟! لِيَرْغَبِ الْمُؤْمِنُ فِي‌ لِقَاءِ اللَهِ مُحِقّاً؛ فَإنِّي‌ لاَ أَرَي‌ الْمَوتَ إلاَّ سَعَادَةً، وَلاَ الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إلاَّبَرَماً. (1)
      وزاد في‌ كتاب‌ «تحف‌ العقول‌» هذه‌ الجملة‌ بعد ذكره‌ لهذه‌ الجملات‌ من‌ الخطبة‌: قال‌ عليه‌ السلام‌: إنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَي‌ أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ. (2)
      فقام‌ آنذاك‌ زُهَيْر بن‌ القَيْن‌ ونافِع‌ بن‌ هِلال‌ وبُرَيْر ابن‌ خُضير، كلاّ بدوره‌، فتكلّموا وأظهروا موالاتهم‌ ومساندتهم‌ للإمام‌.
      * وأقبل‌ الحرّ بن‌ يزيد يُساير الإمام‌ ولا يُفارقه‌ وهو يقول‌ له‌: يَا حسين‌! إنّي‌ أُذكِّركَ اللهَ في‌ نفسكَ، فإنّي‌ أشهَد لَئن‌ قاتلتَ لَتُقْتَلَنَّ.

    **************************************************************

    1 ـ نقل‌ هذه‌ الخطبة‌ رجال‌ الحديث‌ والتاريخ‌ وأعاظمهم‌ من‌ الشيعة‌ والسنّة‌؛ ومن‌ جملتهم‌ ابن‌ طاووس‌ في‌ «اللهوف‌» ص‌ 69؛ والمحدّث‌ القمّيّ في‌ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 116؛ وعلي‌ّ بن‌ عيسي‌ الإربليّ في‌ «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 185؛ وابن‌ شعبة‌ الحرّانيّ في‌ كتاب‌ «تحف‌ العقول‌» ص‌ 245 ، والمجلسيّ في‌ «بحار الانوار» ص‌ 116 و 117 من‌ الجزء 78 من‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌ نقلاً عن‌ «تحف‌ العقول‌»؛ وفي‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 596 عن‌ العلاّمة‌ المعاصر توفيق‌ أبي‌علم‌ في‌ كتاب‌ «أهل‌ البيت‌» ص‌ 438، وكذلك‌ في‌ نفس‌ المجلّد من‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ص‌ 605، عن‌ محمّد بن‌ جرير الطبريّ في‌ «تاريخ‌ الاُمم‌ والملوك‌» ج‌ 4، ص‌ 305، طبع‌ مطبعة‌ الاستقامة‌ في‌ مصر، وعن‌ ابن‌ عبد ربّه‌ الاندلسيّ في‌ «العقد الفريد» ج‌ 2، ص‌ 218، طبع‌ المطبعة‌ الشرقيّة‌ في‌ مصر، وعن‌ الطبرانيّ في‌كتاب‌ «المعجم‌ الكبير» ص‌ 146، النسخة‌ الخطيّة‌، وعن‌ أبي‌ نعيم‌ الاصبهانيّ في‌ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 2، ص‌ 39، طبع‌ مطبعة‌ السعادة‌ في‌ مصر، وعن‌ العلاّمة‌ الخوارزميّ في‌ المقتل‌ ج‌ 2، طبع‌ النجف‌ الاشرف‌، وعن‌ ابن‌ عساكر الدمشقيّ في‌ «تاريخ‌ دمشق‌» حسبما ذُكر في‌ منتخب‌ هذا التاريخ‌، ج‌ 4، ص‌ 333، طبع‌ مطبعة‌ روضة‌ الشام‌، وكذلك‌ عن‌الذهبيّ في‌ «تاريخ‌ الإسلام‌» ج‌ 2، ص‌ 345، طبع‌ مصر، وعن‌الذهبيّ أيضاً في‌ «سير أعلام‌ النبلاء» ج‌ 3، ص‌ 209، طبع‌ مصر، وعن‌ محبّ الدين‌ الطبريّ في‌ «ذخائر العقبي‌» ص‌ 149، طبع‌ قدسي‌ ـ القاهرة‌، وعن‌ العلاّمة‌ باكثير الحضرميّ في‌ كتاب‌ «وسيلة‌ المآل‌» ص‌ 198، النسخة‌ الخطيّة‌، المكتبة‌ الظاهريّة‌ بدمشق‌، وعن‌ الزبيديّ في‌«الإتحاف‌» ج‌ 10، ص‌ 320، طبع‌ المطبعة‌ السمينيّة‌ في‌ مصر .
    2 ـ «تحف‌ العقول‌» ص‌ 245؛ و «مقتل‌ الخوارزميّ» ج‌ 1، ص‌ 237.




    كلامه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ تهديد الحرّ

      فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي‌ ؟! وَهَلْ يَعْدُو بِكُمُ الْخَطْبُ إنْ تَقْتُلُونِي‌ ؟! (1)
      وَسَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَخُو الاْوْسِ لاِبْنِ عَمِّهِ وَهُوَ يُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ؛ فَخَوَّفَهُ ابْنُعَمِّهِ وَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ فَإنَّكَ مَقْتُولٌ.
      فَقَالَ:
      سَأَمْضِي‌ وَ مَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَي‌ الْفَتَي‌ إذَا مَا نَوَي‌ حَقّاً وَ جَاهَدَ مُسْلِمَا
      وَ وَاسَي‌ الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ وَ فَارَقَ مَثْبُوراً وَ خَالَفَ مُجْرِمَا
      فَإنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَ إنْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ كَفَي‌ بِكَ ذُلاّ أَنْ تَعِيشَ وَ تُرْغَمَا (2)

    **************************************************************

    1 ـ أي‌ وهل‌ تنجون‌ من‌ عواقبه‌ الكريهة‌ إن‌ تقتلوني‌ ؟!
      قد فسّرنا في‌ الطبعة‌ الاُولي‌ للكتاب‌ هذه‌ العبارة‌: وهل‌ يعدوبكم‌ الخطب‌ إن‌ تقتلوني‌، ب:«وهل‌ يتجاوز عنكم‌ الموت‌ إن‌ تقتلوني‌ ؟!» وفي‌ الطبعة‌ الثانية‌ الحروفيّة‌ فسّرناها ب: «وهل‌ تنحلّ مشكلتكم‌ ويسهل‌ خطبكم‌ إن‌ تقتلوني‌ ؟!» ولكنّ الآن‌ نري‌ أنّها لوفُسّرت‌ بهذه‌ العبارة‌: «وهل‌ تنجون‌ من‌ عواقبه‌ الكريهة‌ إن‌ تقتلوني‌ ؟!» لكان‌ أحسن‌؛ لانّ الخطب‌ غالباً يستعمل‌ في‌ الامر المكروه‌، وعدا يعدو بمعني‌ تجاوز وهو فعل‌ لازم‌، ولابدّ أن‌ نقول‌ إنّ الباء في‌ بكم‌ للتعدية‌، وعلي‌ هذا يصبح‌ المعني‌ هكذا: وهل‌ تجتاز بكم‌ عواقبه‌ الكريهة‌ إن‌ تقتلوني‌، أم‌ لا بل‌ تتورّطون‌ في‌ نتائجه‌ الكريهة‌ وتبعاته‌ الشنيعة‌ ولا تستطيعون‌ اجتيازها ؟! أي‌ إنّ عواقبه‌ ستصيبكم‌.
    2 ـ «إرشاد» المفيد، ص‌ 243، و «إعلام‌ الوري‌» ص‌ 230، و«نفس‌ المهموم‌» ص‌ 116.




    كلام‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ استعداده‌ للشهادة‌

      وربّما كانت‌ تلك‌ الكلمات‌ القيّمة‌ كالدرر التي‌ أوردها العلاّمة‌ المعاصر توفيق‌ أبوعلم‌ في‌ كتابه‌ الموسوم‌ بـ «أهل‌ البيت‌» كانت‌ إجابة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌هذا المكان‌ للحرّ بن‌ يزيد الرياحيّ، حيث‌ يقول‌:
      لَيْسَ شَأْنِي‌ شَأْنَ مَنْ يَخَافُ الْمَوْتَ. مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَي‌ سَبِيلِ نَيْلِ الْعِزِّ وَإحْيَاءِ الْحَقِّ. لَيْسَ الْمَوْتُ فِي‌ سَبِيلِ الْعِزِّ إلاَّ حَيَاةً خَالِدَةً؛ وَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ مَعَ الذُّلِّ إلاَّ الْمَوْتَ الَّذِي‌ لاَ حَيَاةَ مَعَهُ.
      أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي‌ ؟! هَيْهَاتَ؛ طَاشَ سَهْمُكَ، وَخَابَ ظَنُّكَ! لَسْتُ أَخَافُ الْمَوْتَ.
      إنَّ نَفْسِي‌ لاَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِمَّتِي‌ لاَعْلَي‌ مِنْ أَنْأَحْمِلَ الضَّيْمَ خَوْفاً مِنَ الْمَوتِ؛ وَهَلْ تَقْدِرُونَ عَلَي‌أَكْثَرَ مِنْ قَتْلِي‌ ؟!
      مَرْحَباً بِالْقَتْلِ فِي‌ سَبيلِ اللَهِ! وَلَكِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَي‌ هَدْمِ مَجْدِي‌ وَمَحْوِ عِزَّتِي‌ وَشَرَفِي‌؛ فَإذاً لاَ أُبَالِي‌ مِنَ الْقَتْلِ. (1)

      * وسيّد الشهداء هو القائل‌: مَوْتٌ فِي‌ عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي‌ ذُلٍّ. (2)
      * وهو الذي‌ كان‌ يرتجز في‌ الحرب‌ حين‌ يحمل‌ علي‌ جيش‌ الاعداء فيقول‌: الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ وَالْعَارُ أَوْلَي‌ مِنْ دُخُولِ النَّارِ (3) و (4)

    **************************************************************

    1 ـ توفيق‌ أبوعلم‌ في‌ كتاب‌ «أهل‌ البيت‌» ص‌ 448، مطبعة‌ السعادة‌ ـ مصر، حسب‌ نقل‌ «مُلحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 601.
    2 ـ الكتاب‌ السابق‌ حسب‌ النقل‌ نفسه‌.
    3 ـ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 219؛ وحكاه‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 78، ص‌ 128 من‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌، عن‌ «أعلام‌ الدين‌». وأورده‌ في‌«ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 634 عن‌ «البيان‌ و التبيين‌» ج‌ 3، ص‌ 255، وعن‌ «أهل‌ البيت‌» ص‌ 448، و«كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 185.
    4 ـ أي‌ إنّ ما تأمرونني‌ به‌ من‌ التسليم‌ إلي‌ حكم‌ يزيد وعبيدالله‌ بن‌ زياد عارٌ لي‌ والموت‌ خيرٌ لي‌ من‌ ارتكاب‌ العار؛ كما أنَّعدم‌ ترككم‌ لقتالي‌ وزعمكم‌ أنّ ذلك‌ عارٌ، أمرٌ خاطي‌؛ لانّ ارتكاب‌ العار خيرٌ من‌ دخول‌ نار جهنّم‌.
      وكلام‌ الإمام‌ هذا مقابل‌ كلام‌ عمر الذي‌ قال‌ له‌ أميرالمؤمنين‌ عند موته‌: اعترفْ بغصب‌ الخلافة‌ فردّ عليه‌: النار ولا العار؛ فهذا الاعتراف‌ عارٌ علي‌ّ، وأنا أرضي‌ بدخول‌ نار جهنّم‌ ولا أرضي‌ باعترافٍ كهذا يُلحق‌ العار بي‌.




    خطبته‌ عليه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ عاشوراء

      * ثمّ دعا الحسينُ عليه‌ السلام‌ براحلته‌ فركبها ونادي‌ بأعلي‌ صوته‌ بحيث‌ يسمعه‌ الجميع‌ فقال‌:
      أَيُّهَا النَّاسُ! اسْمَعُوا قَوْلِي‌، وَلاَ تَعْجَلُوا حَتَّي‌ أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ عَلَيَّ لَكُمْ ؛ وَحَتَّي‌ أُعْذِرَ إلَيْكُمْ! فَإنْأَعْطَيْتُمُونِي‌ النِّصْفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ! وَإنْ لَمْتُعْطُونِي‌ النِّصْفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو´ا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ! إنَّ وَلِــِّيَ اللَهُ الَّذِي‌ نَزَّلَ الْكِتَـبَ وَهُوَ يَتَوَلَّي‌ الصَّـلِحِينَ.
      ثُمَّ حمد الله‌ وأثني‌ عليه‌، وذكر الله‌ تعالي‌ بما هو أهله‌، وصلّي‌ علي‌ النبي‌ّ وآله‌ وعلي‌ ملائكته‌ وأنبيائه‌، فلم‌يُسمع‌ متكلّم‌ قطّ قبله‌ و لا بعده‌ أبلغ‌ في‌ منطق‌ منه‌.
      ثمّ قال‌: أمّا بعد، فانسبوني‌ فانظروا مَن‌ أنا، ثمّ ارجعوا إلي‌ أنفسكم‌ وعاتبوها فانظروا هل‌ يصلح‌ لكم‌ قتلي‌ وانتهاك‌ حرمتي‌ ؟!
      ألستُ ابن‌ بنت‌ نبيّكم‌ وابن‌ وصيّه‌ وابن‌ عمّه‌ وأوّل‌ المؤمنين‌ المصدّق‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بما جاء به‌ من‌ عند ربّه‌ ؟!
      أو ليس‌ حمزة‌ سيّد الشهداء عمّي‌ ؟ أو ليس‌ جعفر الطيّار في‌ الجنّة‌ بجناحين‌ عمّي‌ ؟!
      أولم‌ يبلغكم‌ ما قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لي‌ ولاخي‌: هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟
      فإن‌ صدّقتموني‌ بما أقول‌ ـ وهو الحقّ ـ واللهِ ماتعمّدتُ كذباً منذ علمتُ أنَّ اللَه‌ يمقت‌ عليه‌ أهله‌، وإنْكذّبتموني‌ فإنّ فيكم‌ من‌ إنْ سألتُموه‌ عن‌ ذلك‌ أخبركم‌. سَلوا جابر بن‌ عبد الله‌ الانصاريّ وأبا سعيد الخدريّ وسهل‌ بن‌ سعد الساعديّ وزيد بن‌ أرقم‌ وأنس‌ ابن‌ مالك‌، يخبروكم‌ أنّهم‌ سمعوا هذه‌ المقالة‌ من‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لي‌ ولاخي‌ ، أما في‌ هذا حاجزٌ لكم‌ عن‌ سفك‌ دمي‌ ؟!
      فقال‌ له‌ شمر بن‌ ذي‌ الجوشن‌: هو يعبد اللهَ علي‌حَرْفٍ إنْ كان‌ يدري‌ ما تقول‌.
      فقال‌ له‌ حبيب‌ بن‌ مظاهر: واللهِ إنّي‌ لاراك‌ تعبدُ اللهَ علي‌ سبعين‌ حرف‌، وأنا أشهد أنّك‌ صادق‌ ما تدري‌ مايقول‌، قد طبع‌ اللهُ علي‌ قلبك‌. ثمّ قال‌ لهم‌ الحسين‌ عليه‌السلام‌: فإنْ كنتم‌ في‌ شكٍّ من‌ هذا أفتشكّون‌ أَنّي‌ ابن‌بنت‌ نبيّكم‌ ؟ فواللهِ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ابنُبنتِ نَبيٍّ غَيري‌، فيكم‌ ولا في‌ غيركم‌. وَيْحَكُمْ أتطلبوني‌ بقتيلٍ منكمْ قتلتُه‌ ؟ أو مالٍ لكم‌ استهلكتُه‌ ؟ أو بقصاصِ جراحةٍ ؟
      فأخذوا لا يكلّمونه‌ ؛ فنادي‌: يا شبث‌ بن‌ ربعيّ! ويا حجّار بن‌ أبجر! ويا قيس‌ بن‌ الاشعث‌! ويا يزيد بن‌ الحارث‌! ألم‌ تكتبوا إليّ: أنْ قدْ أينعت‌ الثمارُ واخضرَّ الجنابُ، وإنّما تَقْدَمُ عَلي‌ جُندٍ لَكَ مُجَنَّدَةٍ ؟!
      فقال‌ له‌ قيسُ بن‌ الاشعثِ: ما ندري‌ ما تقول‌ ؛ ولكن‌ انْزِل‌ علي‌ حُكم‌ بَني‌ عمّكَ، فَإنّهم‌ لن‌ يُرُوك‌ إلاّ ما تحبّ.
      فَقَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَ وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي‌ إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ (1) ، ثُمَّ نَادَي‌: يَا عِبَادَ اللَهِ! إِنِّي‌ عُذْتُ بِرَبِّي‌ وَرَبِّكُمْ أَن‌تَرْجُمُونِ ؛ وَأَعُوذُ بِرَبِّي‌ وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَيُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. (2)

    **************************************************************

    1 ـ وَلا أُقِرُّ لَكُم‌ إقْرَارَ العَبيد أي‌ لا أعترف‌ بعبوديّتكم‌ ولاأمكّنكم‌ من‌ نفسي‌ كالعبيد ؛ وعلي‌ ذلك‌ فإنّ لفظ‌ أُقرّ ولفظ‌ إقرار كلاهما بالقاف‌ ؛ لكنّ المرحوم‌ الميرزا محمّد تقيّ سبهر أوردهما كليهما بالفاء في‌ «ناسخ‌ التواريخ‌» المجلّد الخاصّ بسيّد الشهداء عليه‌السلام‌ (الطبعة‌ الحروفيّة‌ ج‌ 2، ص‌ 234 ) أي‌: وَلا أَفرّ لَكُم‌ فِرار العبيد وترجمها بهذا المعني‌ ؛ وليس‌ ذلك‌ صحيحاً ؛ لانّ لفظ‌ لَكم‌ غلط‌ وينبغي‌ أن‌ يحلّ محلّه‌ لفظ‌ منكم‌، بينما نعلم‌ أنّه‌ أورده‌ بلفظ‌ لكم‌ .
      وقد أورده‌ المرحوم‌ السيّد عبد الرزّاق‌ المقرّم‌ في‌ مقتله‌ ص‌ 256 بالفاء الموحّدة‌ وبدون‌ لفظ‌ «لكم‌» هكذا: ولا أَفِرُّ فِرارَ العَبيد، وقال‌ إنّ ابن‌ نما أورده‌ علي‌ هذا النحو في‌ «مثير الاحزان‌» ص‌ 26 ، ثمّقال‌: وهذا أصحّ ممّا يمضي‌ علي‌ الالسن‌ ويوجد في‌ بعض‌ المقاتل‌ بالقاف‌ من‌ الإقرار، لانّه‌ علي‌ هذا تكون‌ الجملة‌ الثانية‌ غيرمفيدة‌ إلاّما أفادته‌ التي‌ قبلها أي‌ قوله‌: لا أُعْطيكم‌ بيدي‌ إعطاء الذليل‌، بخلافه‌ علي‌ قراءة‌ «الفرار»، فإنّ الجملة‌ الثانية‌ تفيد أنّه‌ لايفرّ من‌الشدّة‌ والقتل‌ كما يصنعه‌ العبيد.
      أقول‌: لا يمكننا تجاهل‌ ورود لفظ‌ لكم‌ في‌ بعض‌ المقاتل‌ والاكتفاء برواية‌ ابن‌ نما ، علي‌ أنـّنا لو لفظناه‌ بالقاف‌ لما كان‌ ذلك‌ تكراراً للمعني‌ الاوّل‌ ، بل‌ إنّه‌ سينفي‌ عن‌ نفسه‌ تلك‌ الحالة‌ من‌ تمكين‌ العبوديّة‌، و علي‌ كلّ تقدير، فباعتبار ورود اللفظ‌ في‌ بعض‌ المقاتل‌ بالقاف‌ ومع‌ وجود لفظ‌ لكم‌ في‌ بعضها، فإنّ من‌ الافضل‌ أن‌ يؤخذ بالمعني‌ الذي‌ اخترناه‌ أي‌ أنّني‌ لا أمكّنكم‌ من‌ نفسي‌ تمكين‌ العبيد ولاأتحمّل‌ ثقل‌ ظلمكم‌ .
    2 ـ أورد هذه‌ الخطبة‌ إلي‌ هذا الحدّ: المفيد في‌ «الإرشاد» ص‌ 253 إلي‌ ص‌ 255 ، والمحدّث‌ القمّيّ في‌ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 144 إلي‌ ص‌ 146 ؛ والخوارزميّ في‌ «مقتل‌ الحسين‌» ج‌ 1، ص‌ 253 ، والسيّد عبد الرزّاق‌ المقرّم‌ في‌ المقتل‌، ص‌ 254 إلي‌ ص‌ 257 عن‌ الطبريّ ج‌ 6، ص‌ 242، وعن‌ مقتل‌ محمّد بن‌ أبي‌طالب‌، وعن‌ «مثير الاحزان‌» لابن‌ نما، ص‌ 26 ، كما أورده‌ الشيخ‌ الطبرسيّ في‌ «إعلام‌ الوري‌» ص‌ 237 و 238 ، وفي‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 615 و 616 عن‌ ابن‌ كثير في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 8، ص‌ 178، طبع‌ مصر، وفي‌ ص‌ 621 عن‌ الشيبانيّ: ابن‌ الاثير في‌«الكامل‌» ج‌ 3، ص‌ 287، طبع‌ المنيريّة‌ ـ مصر .




    شعره سلام الله عليه في ليلة العاشر من محرم

      بعدما تحدّث لأنصاره وسمع منهم الوفاء والاستعداد للبذل والعطاء عاد إلى خيمته وأخذ ينشد وهو يهيئ سلاحه:
    يا  دهر أُفٍّ لك من iiخليل
    كم لك بالإشراق والأصيل
    من  صاحبٍ وطالبٍ iiقتيلِ
    والـدهر  لا يقنع iiبالبديل
    وإنّـما  الأمر إلى iiالجليل
    وكـلّ  حي سالك iiالسبيل

    **************************************************************

    1 ـ وَلا أُقِرُّ لَكُم‌ إقْرَارَ العَبيد أي‌ لا أعترف‌ بعبوديّتكم‌ ولاأمكّنكم‌ من‌ نفسي‌ كالعبيد ؛ وعلي‌ ذلك‌ فإنّ لفظ‌ أُقرّ ولفظ‌ إقرار كلاهما بالقاف‌ ؛ لكنّ المرحوم‌ الميرزا محمّد تقيّ سبهر أوردهما كليهما بالفاء في‌ «ناسخ‌ التواريخ‌» المجلّد الخاصّ بسيّد الشهداء عليه‌السلام‌ (الطبعة‌ الحروفيّة‌ ج‌ 2، ص‌ 234 ) أي‌: وَلا أَفرّ لَكُم‌ فِرار العبيد وترجمها بهذا المعني‌ ؛ وليس‌ ذلك‌ صحيحاً ؛ لانّ لفظ‌ لَكم‌ غلط‌ وينبغي‌ أن‌ يحلّ محلّه‌ لفظ‌ منكم‌، بينما نعلم‌ أنّه‌ أورده‌ بلفظ‌ لكم‌ .
      وقد أورده‌ المرحوم‌ السيّد عبد الرزّاق‌ المقرّم‌ في‌ مقتله‌ ص‌ 256 بالفاء الموحّدة‌ وبدون‌ لفظ‌ «لكم‌» هكذا: ولا أَفِرُّ فِرارَ العَبيد، وقال‌ إنّ ابن‌ نما أورده‌ علي‌ هذا النحو في‌ «مثير الاحزان‌» ص‌ 26 ، ثمّقال‌: وهذا أصحّ ممّا يمضي‌ علي‌ الالسن‌ ويوجد في‌ بعض‌ المقاتل‌ بالقاف‌ من‌ الإقرار، لانّه‌ علي‌ هذا تكون‌ الجملة‌ الثانية‌ غيرمفيدة‌ إلاّما أفادته‌ التي‌ قبلها أي‌ قوله‌: لا أُعْطيكم‌ بيدي‌ إعطاء الذليل‌، بخلافه‌ علي‌ قراءة‌ «الفرار»، فإنّ الجملة‌ الثانية‌ تفيد أنّه‌ لايفرّ من‌الشدّة‌ والقتل‌ كما يصنعه‌ العبيد.
      أقول‌: لا يمكننا تجاهل‌ ورود لفظ‌ لكم‌ في‌ بعض‌ المقاتل‌ والاكتفاء برواية‌ ابن‌ نما ، علي‌ أنـّنا لو لفظناه‌ بالقاف‌ لما كان‌ ذلك‌ تكراراً للمعني‌ الاوّل‌ ، بل‌ إنّه‌ سينفي‌ عن‌ نفسه‌ تلك‌ الحالة‌ من‌ تمكين‌ العبوديّة‌، و علي‌ كلّ تقدير، فباعتبار ورود اللفظ‌ في‌ بعض‌ المقاتل‌ بالقاف‌ ومع‌ وجود لفظ‌ لكم‌ في‌ بعضها، فإنّ من‌ الافضل‌ أن‌ يؤخذ بالمعني‌ الذي‌ اخترناه‌ أي‌ أنّني‌ لا أمكّنكم‌ من‌ نفسي‌ تمكين‌ العبيد ولاأتحمّل‌ ثقل‌ ظلمكم‌ .
    2 ـ أورد هذه‌ الخطبة‌ إلي‌ هذا الحدّ: المفيد في‌ «الإرشاد» ص‌ 253 إلي‌ ص‌ 255 ، والمحدّث‌ القمّيّ في‌ «نفس‌ المهموم‌» ص‌ 144 إلي‌ ص‌ 146 ؛ والخوارزميّ في‌ «مقتل‌ الحسين‌» ج‌ 1، ص‌ 253 ، والسيّد عبد الرزّاق‌ المقرّم‌ في‌ المقتل‌، ص‌ 254 إلي‌ ص‌ 257 عن‌ الطبريّ ج‌ 6، ص‌ 242، وعن‌ مقتل‌ محمّد بن‌ أبي‌طالب‌، وعن‌ «مثير الاحزان‌» لابن‌ نما، ص‌ 26 ، كما أورده‌ الشيخ‌ الطبرسيّ في‌ «إعلام‌ الوري‌» ص‌ 237 و 238 ، وفي‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 615 و 616 عن‌ ابن‌ كثير في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 8، ص‌ 178، طبع‌ مصر، وفي‌ ص‌ 621 عن‌ الشيبانيّ: ابن‌ الاثير في‌«الكامل‌» ج‌ 3، ص‌ 287، طبع‌ المنيريّة‌ ـ مصر .




    أشعاره‌ الرجزيّة‌ يوم‌ عاشوراء

      * وجاء في‌ كتاب‌ «كشف‌ الغمّة‌» عن‌ كتاب‌ «الفتوح‌» أنـّه‌ عليه‌ السلام‌ لمّا أحاطت‌ به‌ جموع‌ ابن‌ زياد وقتلوا من‌ قتلوا من‌ أصحابه‌ ومنعوهم‌ الماء كان‌ له‌ عليه‌السلام‌ ولدٌ صغير فجاءه‌ سهمٌ منهم‌ فقتله‌، فزمّله‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وحفر له‌ بسيفه‌ وصلّي‌ عليه‌ ودفنه‌، (ووقف‌ أمام‌ جيش‌ الاعداء وَحمل‌ عليهم‌ مرتجزاً):
    غَـدَرَ  (1) الْـقَوْمُ وَ قِـدْماً رَغِبُوا عَنْ ثَوابِ اللَهِ رَبِّ iiالثَّقَلَيْن‌
    قَـتَلُوا  قِـدْماً (2) عَـلِيّاً وَابْـنَهُ حَـسَنَ الْخَيْرِ كَرِيمَ الطَّرَفَيْن‌
    حَـسَداً مِـنْهُمْ وَ قَـالُوا أَجْـمِعُوا نُـقْبِلِ الآنَ جَمِيعاً iiبِالْحُسَيْن‌
    يَـا  لَـقَوْمٍ لاِنَـاسٍ رُذَّلٍ جَـمَعُوا الْـجَمْعَ لاِهْلِ الْحَرَمَيْن‌ (3)ii
    ثُـمَّ  سَـارُوا وَ تَوَاصَوْا كُلُّهُمْ لاِجْتِيَاحِي‌ لِلرِّضَا بِالْمُلْحِدَيْن‌ (4)ii
    لَـمْ يَـخَافُوا الـلَهَ فِـي‌ سَـفْكِ دَمِي‌ لِعُبَيْدِ اللَهِ نَسْلِ iiالْفَاجِرَيْن‌
    وَابْـنُ  سَـعْدٍ قَـدْ رَمَـانِي‌ عَـنْوَةً بِـجُنُودٍ كَوُكُوفِ iiالْهَاطِلَيْن‌
    لاَ  لِـشَي‌ْءٍ كَـانَ مِـنِّي‌ قَـبْلَ ذَا غَيْرِ فَخْرِي‌ بِضِيَاءِ iiالْفَرْقَدَيْن‌
    بِـعَلِيٍّ خَـيْرِ مَـنْ بَـعْدَ الـنَّبِي‌ّ وَالـنَّبِيِّ الْـقُرَشِي‌ِّ الْـوَالِدَيْن‌
    خَـيْرَةُ  الـلَهِ مِـنَ الْـخَلْقِ أَبِـي‌ ثُـمَّ أُمِّي‌ فَأَنَا ابْنُ iiالْخَيْرَتَيْن‌
    فِـضَّةٌ  قَـدْ صُـفِيَتْ مِـنْ ذَهَـبٍ فَـأَنَا الْفِضَّةُ وَابْنُ iiالذَّهَبَيْن‌
    مَـنْ  لَـهُ جَـدٌّ كَجَدِّي‌ فِي‌ الْوَرَي‌ أَوْ كَشَيْخِي‌ فَأَنَا ابْنُ iiالْقَمَرَيْن‌
    فَـاطِمُ  الـزَّهْرَاءِ أُمِّـي‌ وَ أَبِـي‌ قَـاصِمُ الْـكُفْرِ بِبَدْرٍ وَ iiحُنَيْن‌
    وَ  لَـهُ فِـي‌ يَـوْمِ أُحْـدٍ وَقْـعَةٌ شَـفَتِ الغِلَّ بِفَضِّ الْعَسْكَرَيْن‌
    ثُـمَّ  بِـالاْحْزَابِ وَالْـفَتْحِ مَـعاً كَـانَ فِيهَا حَتْفُ أَهْلِ iiالْقِبْلَتَيْن‌
    فِـي‌ سَـبِيلِ الـلَهِ مَـاذَا صَـنَعَتْ أُمَّـةُ السَّوْءِ مَعاً بِالْعِتْرَتَيْن‌
    عِتْرَةِ الْبَرِّ النَّبِي‌ِّ الْمُصْطَفَي‌ وَ عَلِيِّ الْوَرْدِ (5) بَيْنَ الْجَحْفَلَيْن‌ (6)
      * قال‌ عبد الله‌ بن‌ عَمّار بن‌ يَغوث‌: ما رأيتُ مكثوراً قَطّ قد قُتلَ ولده‌ وأهلُ بيته‌ وصحبُهُ أربط‌ جَأشاً منهُ ولاأمْضي‌ جناناً ولا أجرأ مقدماً، ولقد كانت‌ الرجال‌ تنكشف‌ بين‌ يديه‌ إذا شدّ فيها، ولم‌ يثبتْ له‌ أحد. (7)
      فصاح‌ عُمر بن‌ سَعد بالجمع‌: هذا ابنُ الانْزَعِ البطين‌ (8)، هذا ابنُ قتّالِ العرب‌، احملوا عليه‌ من‌ كلّ جانب‌! فأتته‌ أربعةُ آلاف‌ نبلة‌ (9)، وحال‌ الرجال‌ بينه‌ وبين‌ رحله‌، فصاح‌ بهم‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌:

    **************************************************************

    1 ـ جاء في‌ «الاحتجاج‌» و«نفس‌ المهموم‌» و«دمع‌ السجوم‌» بلفظ‌ كفر القوم‌.
    2 ـ ضبطها آية‌ الله‌ الشعرانيّ في‌ «دمع‌ السجوم‌» ص‌ 187، بلفظ‌ قَتَلوا القَرْمَ ؛ والقرم‌ هو السيّد والعظيم‌.
    3 ـ أي‌ مكّة‌ و المدينة‌.
    4 ـ يزيد و عُبيد الله‌ بن‌ زياد.
    5 ـ والوَرْد هو الورد الاحمر المعروف‌، ويمكن‌ أن‌ يكون‌ هنا بمعني‌ الشجاع‌ الجري‌ء.
    6 ـ «كشف‌ الغمّة‌» ص‌ 183 ؛ و«احتجاج‌ الطبرسيّ» ج‌ 2، ص‌ 25 و 26، طبع‌ النجف‌ الاشرف‌ ؛ و«نفس‌ المهموم‌» ص‌ 218 ؛ وذكر في‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11، ص‌ 644 تسعة‌ أبيات‌ من‌هذه‌ الاشعار، وهي‌ الاوّل‌ والثاني‌ والثالث‌ والعاشر إلي‌ الخامس‌عشر، عند شهادة‌ طفله‌ الصغير عن‌ «وسيلة‌ المآل‌» ص‌ 178، وعن‌ «أهل‌البيت‌» ص‌ 444، وأورد خمسةً وعشرين‌ بيتاً ملفّقةً من‌ بعض‌ هذه‌ الاشعار ومن‌ غيرها عند رجوع‌ الإمام‌ إلي‌ خيام‌ الحرم‌، عن‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 346 و 347، وخمسة‌ عشر بيتاً عن‌ عبد الغفّار الهاشميّ الافغانيّ في‌ كتاب‌ «أئمّة‌ الهدي‌» ص‌ 104.
    7 ـ «مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 320، عن‌ «تاريخ‌ الطبريّ» ج‌ 6، ص‌ 259 ؛ و«اللهوف‌» ص‌ 105.
    8 ـ أمير المؤمنين‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌.
    9 ـ «مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 320، عن‌ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌2، ص‌ 223.




    نداؤه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أتباع‌ آل‌ أبي‌ سفيان‌

      يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي‌ سُفْيَانَ! إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ، وَكُنْتُمْ لاَ تَخَافُونَ الْمَعَادَ، فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي‌دُنْيَاكُمْ! وَارْجِعُوا إلَي‌ أَحْسَابِكُمْ إنْ كُنْتُمْ عُرْباً كَمَا تَزْعُمُونَ!
      فناداه‌ شمر: ما تقولُ يا ابنَ فاطمة‌!
      قال‌: أنا الذي‌ أقاتلكم‌ والنِّساءُ ليس‌ عليهنّ جُناح‌ فامنعوا عُتاتكم‌ عن‌ التعرّض‌ لحرمي‌ ما دمتُ حيّاً.
      قَالَ اقْصُدُونِي‌ بِنَفْسِي‌ وَاتْرُكُوا حَرَمِي‌ قَدْ حَانَ حِينِي‌ وَقَدْ لاَحَتْ لَوَائِحُهُ
      فقال‌ شمر: لك‌ ذلك‌!
      وقصده‌ القوم‌، واشتدّ القتال‌ وقد اشتدّ به‌ العطش‌. (1)
      ثمّ إنّه‌ عليه‌ السلام‌ رجع‌ إلي‌ الخيمة‌ وودّع‌ عياله‌ ثانياً، فحملوا عليه‌ يرمونه‌ بالسهام‌، فحمل‌ عليهم‌ كالليث‌ الغضبان‌، ورجع‌ إلي‌ مركزه‌ يُكثر من‌ قول‌: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ! (2)
      * ورماه‌ أبو الحُتوف‌ الجُعْفي‌ بسهم‌ في‌ جبهته‌، فنزعه‌ وسالت‌ الدماء علي‌ وجهه‌ فقال‌:

    **************************************************************

    1 ـ «اللهوف‌» ص‌ 105 و 106 ، و «مقتل‌ الخوارزميّ» ج‌ 2، ص‌ 33 ، و «مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 320 و 321 عن‌ «اللهوف‌».
    2 ـ «اللهوف‌» ص‌ 105 ، و «مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 324.




    دعاؤه‌ عليه‌ السلام‌ علي‌ أهل‌ الكوفة‌ و مخاطبته‌ لهم‌

      اللَهُمَّ إنَّكَ تَرَي‌ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ هَؤُلاَءِ الْعُصَاةِ! اللَهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً! وَاقْتُلْهُمْ بَدَداً! وَلاَ تَذَرْ عَلَي‌ وَجْهِ الاْرْضِ مِنْهُمْ أَحَداً! وَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً!
      و صاح‌ بصوت‌ عالٍ: يَا أُمَّةَ السَّوْءِ بِئْسَمَا خَلَّفْتُمْ مُحَمَّداً فِي‌ عِتْرَتِهِ! أَمَا إنَّكُمْ لاَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً بَعْدِي‌ فَتَهَابُونَ قَتْلَهُ! بَلْ يَهُونُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ عِنْدَ قَتْلِكُمْ إيَّاي‌َ! وَأَيْمُ اللَهِ إنِّي‌ لاَرْجُو أَنْيُكْرِمَنِيَ اللَهُ بِالشَّهَادَةِ، ثُمَّ يَنْتَقِمَ لِي‌ مِنْكُمْ مِنْ حَيْثُ لاَتَشْعُرُونَ!
      فقال‌ الحُصَيْن‌: وبماذا ينتقم‌ لك‌ منّا يا ابن‌ فاطمة‌ ؟
      قال‌ (عليه‌ السلام‌): يُلقي‌ بأسَكم‌ بينكم‌ ويسفك‌ دماءَكُم‌ ثُمّ يصبّ عليكم‌ العذابَ صَبّاً. (1)

    **************************************************************

    1 ـ «مقتل‌ المقرّم‌» ص‌ 324 و 325 عن‌ «مقتل‌ العوالم‌» وعن‌«نفس‌ المهموم‌» وعن‌ «مقتل‌ الخوارزميّ».




                BASRAHCITY.NET