العنف ضد الأطفال وانعكاسه على مفهوم الذات
المقدمة:
إن الإنسان وعبر صيرورته الحياتية يمر بالعديد من المراحل التي تتميز بالتطور والتجدد، ومن أهم هذه المراحل هي مرحلة الطفولة التي تتسم بأنها حجر الأساس لبناء الإنسان. ونظرا لأهمية هذه المرحلة لابد من الإشارة إلى أهم الأخطار التي تتعرض لها الطفولة وما تخلـّفه من آثار سلبية على المجتمع .
مع تطور العلوم النفسية والإنسانية باتت من المسلـّمات معرفة مدى انتشار ظواهر سلبية في المجتمع كالعنف مثلا موضوع دراستنا على الرغم أن البحوث المنهجية لم تتحقق لغاية الآن عن آثار تعرض الطفل لهذه الظاهرة.
فالعنف مشكلة وجودية منتشرة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في البلدان النامية نظراً لغياب الحريات الفكرية والديمقراطية وغياب القانون على الرغم من الجهود المبذولة لمؤسسات المجتمع المدني ولجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان للتعريف بحقوق الطفل وفضح ممارسات العنف في المجتمع ، ووضع آليات تربوية للحد من انتشار هذه الظاهرة.
إلا أن هذه الجهود تصطدم بالكثير من المعوقات كالافتقار إلى مراكز أبحاث تهتم بهذه الظاهرة وعدم توفــّر الغطاء القانوني لعمل اللجان الحقوقية من قبل أجهزة السلطة.
وعلى الرغم من تكتـّم بعض السلطات والأسر عن حالات ممارسة العنف فإنه واستنادا ً إلى الإحصاءات العالمية المستمدة من التقرير الذي قدمه الخبير ( باولو سيرجيو بنهيرو ) إلى الأمم المتحدة بناءا ًعلى طلب أمينها العام مؤكدا مدى تعرض الأطفال للعنف والذي جاء فيه:
- تقدّر منظمة الصحة العالمية أن (53000) طفل قد توفي في عام 2002 نتيجة للقتل .
- إن ما يتراوح بين ( 80 - 98 ) % من الأطفال يتعرضون للعنف المنزلي.
- إن ( 20 - 65 ) % من الأطفال يتعرضون للعنف المدرسي.
- تقدر الصحة العالمية أن ( 150 ) مليون فتاة و ( 73 ) مليون صبي تحت سن الثامنة عشر تعرضوا للعنف الجنسي .
- تشير تقديرات منظمة العمل الدولية أن ( 218 ) مليون طفل في عام 2004 قد دخلوا مجال عمل الأطفال ن منهم ( 126 ) مليون طفل في الأعمال الخطرة .
- تشير تقديرات عام 2000 أن ( 5,7 ) مليون طفل كانوا يعملون في عمل قسري , و ( 1,8 ) مليون في البغاء والإباحة و (1,2 ) مليون كانوا ضحايا الاتجار.
( باولو سيرجيو بنهيرو ، التقرير المقدم للأمم المتحدة ص 10- 11 )
إن هذه الأرقام الكبيرة تؤكد أن العنف مشكلة وجودية تباينت مستوياتها بين الشعوب والأفراد ، مما أدى إلى تباين المستويات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الشعوب.
أولا ً : التعريف بالمصطلحات:
أ - التعريف حسب التقرير الدولي :
- الطفل: كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر 0
- العنف : هو الاستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية , المهدد بها أو الفعلية ضد أي فرد من قبل فرد أو جماعة تؤدي إلى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الفرد أو بقاؤه على قيد الحياة أو نموه أو كرامته0
- الذات : هو كل الاستعدادات والنزاعات والميول والغرائز والقوى البيولوجية الفطرية والموروثة والمكتسبة في الفرد.
ب- التعريف الإجرائي:
- الطفل: هو كل فرد لم يبلغ قدراته العقلية والمعرفية والإدراكية والحركية مرحلة النضج.
- العنف: هو أي عمل هيجاني فيه بصمات عدوانية يهدف إلى إلحاق أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة .
- مفهوم الذات: هي مجموعة الاتجاهات والسلوكيات والمعتقدات العقلية والشخصية لدى الفرد.
ثانيا ً: أنماط ممارسة العنف ضد الأطفال:
في العقدين الماضيين من الزمن هناك إدراك متزايد من تفشي وباء العنف في مجتمعاتنا ،ونظرا ً لتعدد جوانب العنف واتساعه وأبعاده فقد تم الاختلاف على تصنيف العنف ، فالبعض منهم صنف العنف حسب طريقة الممارسة وبعضهم الآخر حسب درجة تأثيره على الذات وآخرون حسب مكان ممارسة العنف .
سنتناول في دراستنا هذه تصنيف العنف حسب طريقة الممارسة , على الرغم من تعدد جوانبه ، وارتباطها الوثيق مع بعضها البعض ( جسدي - جنسي - لفظي - إعلامي - سياسي - نفسي - اقتصادي .....الخ ) وسوف نخصّ الحديث عن أهمها والتي تشمل: (عنف جسدي - عنف سياسي - عنف جنسي - عنف عاطفي ).
1- العنف الجسدي :
هو أي سلوك ينطوي على الاستخدام المتعمد للقوة ضد جسد آخر تسبب له إصابات بدنية أو ألم ، و تشمل ( الضرب - الخنق- اللكم - الرفس - الجرح ......الخ ) وينتج عنه إصابات بدنية "رضوض - جروح - كسور - وغيرها من الإصابات " ، قد يكون العنف الجسدي ناتج عن أساليب تربوية قاسية أو عقوبة بدنية صارمة غير ناجمة عن رغبة متعمدة في إلحاق الأذى بالطفل .
إذ يرى بعض الأساتذة التربويون صلاحية استخدام العنف كما ذكر في مجلة عربيات عن( الدكتور مصطفى عويس ) أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعي والجنائية الذي يرى أنها أحد الوسائل التربوية شريطة ألا يترك أثرا ً نفسيا ً أو جسديا ً.
إلا أن دراسة ( الدكتور عدلي السمري ) أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية في مصر يرى بأن ضرب الأطفال وتعنيفهم يربّي لديهم عقد نفسية إذ أنها تتحول إلى سلوك شاذ يصعب السيطرة عليها.
2- العنف السياسي:
هي الأفعال والممارسات التي تنتهجها الأنظمة والحكومات السياسية اتجاه الأفراد أو الجماعات. و العنف السياسي هو من أشد وأخطر أنواع العنف الممارس على البشرية كونه يكون موجه ومدروس وغير خاضع للمحاسبة القانونية وغير متكافئ إذ أنه يمارس من جهات لديها القوة والدعم المادي وتشمل كل مجالات الحياة. وعلى الرغم من توقيع الدول للمعاهدات الدولية التي تنص على حقوق الطفل إلا أن الكثير منها لم تصدق على هذه المعاهدات ( الشكل 2 ) وتستمر في ممارسة جميع أشكال العنف السياسي والتي منها ما يكون مباشرا على شخصية الفرد والآخر لها آثارا مستقبلية غير مباشر .
- العنف المباشر:
هو كل فعل سياسي عنيف له آثارا واضحة ومباشرة على الفرد والتي تتمثل في ( القتل – الضرب – الاعتقال - سحب المواطنة - الترهيب..........الخ).
والعنف السياسي المباشر إما أن يكون خارجي ممارس من قبل دولة ضد دولة ( كالعنف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ) في المجازر التي ارتكبتها والتي لا تزال ترتكبها إلى يومنا هذا. وإما أن يكون داخلي ممارس من حكومة دولة ضد مواطنيها أو بالعكس (كالعنف الذي مارسه النظام العراقي المخلوع ضد شعبه في الأنفال مثلا) أو التي تمارسها التنظيمات الإرهابية ضد الأطفال العراقيين في يومنا هذا .
إن لهذا النوع من العنف انعكاسات واضحة تؤثر على المجتمع بأكمله والأطفال بشكل خاص موضوع دراستنا ، إذ تشير الإحصاءات حسب ما نسمعه في وسائل الأعلام إن متوسط قتلى الأطفال في العراق وفلسطين هو بمعدل طفل كل يوم. ناهيك عن الصدمة النفسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية المباشرة الذي تخلقه هذه الممارسات على الطفل .
فمثلا فقدان الأمن في كل من العراق وفلسطين ودارفور وغيرها من الدول الفاقدة للأمن تكون سببا مباشرا للتغيـّب عن المدرسة وبالتالي انتشار نسبة التخلف في البلاد عدا عن الآثار البعيدة مثل الاضطرابات الذهنية والفكرية والنفسية بالإضافة إلى تفاقم الوضع الصحي و المعاشي لهؤلاء الأطفال .
- العنف السياسي الغير مباشر:
هي مجمل الممارسات التي لها وقعا عنيفا وأثار لا تظهر على الفرد مباشرة والتي تتمثل في إهمال الخدمات الاجتماعية والاقتصادية وخلق جو يسوده التوتر والمشاحنات والضغوط النفسية ومحاولة خلق نوع من التميز العرقي والطائفي و غضّ النظر عن الآفات الاجتماعية كالبطالة والفقر الذي يكون سببا في تشجيع العمالة والدعارة والإدمان .
إن مجمل ممارسات العنف الغير المباشر لها بصمة واضحة في حياة الفرد وتأثيرا مستقبليا على ممارساته إذ أنها تخلق فجوة في تبادل الثقافات بين القوميات والطوائف ، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى فقدان الثقة بين الذي يمارس العنف والممارَس عليه العنف ناهيك عن شعور الفرد باللا انتماء إلى الوطن الذي يعيش فيه نتيجة لحرمانه من الحقوق المدنية والثقافية والعقاندية والفكرية وغيرها من الحقوق كالأكراد المجردين من الجنسية في سوريا هؤلاء الأطفال الذين يكبرون ليجدوا أبواب الحياة موصدة في وجههم عدا أنهم محرومون من أقدس شيء لدى الإنسان وهو حق الانتماء إلى وطن يعتزون به .
3- العنف الجنسي:
هو أي نوع من الاتصال الجنسي أو أي سلوك يحدث دون موافقة صريحة من الجهة المستفيدة من النشاط الجنسي غير المرغوب فيه .
وتتدرج تحت هذا التعريف ( الاعتداء الجنسي - التحرش- الاغتصاب - سفاح القربى - الإشباع الناقص أو الملاطفة ....الخ ) .
الاعتداء الجنسي: هو أي اتصال جنسي غير مرغوب فيه ، أجبرت على الفرد ارضاءاً لرغبات جنسية عند البالغ دون وعي أو إدراك الطفل .
التحرش: هو انتهاك جنسي يقوم به شخص مع اختراق أو بدونه .
الاغتصاب: هو أي اتصال تناسلي قسري بين الجاني ( المغتصـِب) والضحية (المغتصـَب)
سفاح القربى: هو انتهاك جنسي يقوم به أحد الأقرباء ( والد - شقيق- قريب حميم ) ويتضمن جماعا .
الإشباع الناقص (الملاطفة): يوصف بأنه مداعبة أو تقبيلا لأعضاء الضحية .
حتى أوائل العقد السابع من القرن العشرين كان يعتقد بأن الاعتداء الجنسي نادر في مجتمعاتنا ، وتركزت في أوساط الفقراء ، وامتدت هذه الظاهرة إلى يومنا هذا وأصبحت موجودة في جميع الطبقات والفئات الاقتصادية والاجتماعية . فقد تبين من التقرير المقدم للأمم المتحدة في دراسة أجريت على /21 / بلدا أن ( 37 % ) من النساء و (29% ) من الرجال قد وقعوا ضحية للاعتداء الجنسي أثناء مرحلة الطفولة، وأن نسبة التعرض إلى الانتهاك لدى الفتيات أكثر منها لدى الفتيان .
(باولو سيرجيو بنهيرو - تقرير للأمم المتحدة ص 16)
رغم هذه الإحصاءات نادرا ما نسمع عن حوادث العنف الجنسي في مجتمعاتنا ، علما أن مجتمعاتنا هي من أكثر المجتمعات تعرضا لهذا النوع من العنف نظرا لحالة الكبت الجنسي وانعدام الثقافة الجنسية لدى أبناء مجتمعاتنا .
إن هذه الظاهرة تعد طيّ الكتمان في مجتمعاتنا ذلك لأن الأهل يحاولون التستـّر عليها خوفا من الفضيحة. وعلى الرغم من ذلك فان جرائم الشرف والاغتصاب الكثيرة في مجتمعاتنا هي خير دليل على تفشي هذه الظاهرة ، وكما أسلفنا من قبل سوء التربية الجنسية يعد عاملا محوريا لذلك بالإضافة إلى العيش بعيدا عن الأم أثناء الطفولة وسوء الأحوال الاقتصادية و العادات والتقاليد الطائفية والعرقية المجتمعة يعد من العوامل الرئيسية لهذه الظاهرة.
4- العنف العاطفي:
هو أي سلوك انفعالي له انعكاسات على الصحة النفسية والعاطفية للطفل وتشمل:
( التهديد - العزل - الاعتداء اللفظي - الإذلال - الاحتقار - التجاهل - البرود - القسوة.......الخ )
إن البيئة الاجتماعية المبنية على الذم والاحتقار وعدم احترام المشاعر النفسية للطفل وسواها من الممارسات كفيلة بأن تخلق حالة من التمرد والعصيان وإثارة الروح العدوانية والكراهية والحقد .
كما أن هذه الظاهرة تزداد وتنقص باختلاف المتغيرات البيئية والاجتماعية المتعلقة بكل أسرة ، حيث أن الطريقة التربوية العاطفية تؤثر في اضطراب الصحة النفسية والجسدية للطفل والتي تسببها عوامل عديدة كالحرمان من حنان الأم والصرامة الزائدة عن الحد للآباء والاتجاهات المتقاربة للأبويين وسواها من العوامل التي تؤثر على مشاعر الطفل .
ثالثا ً- البيئات التي يمارس فيها العنف:
1- العنف في المنزل:
يعتبر المنزل أحد أهم أركان المجتمع ، إذ أنها تشكل البيئة الطبيعية والصحية لنمو الطفل، فقد كشفت مجموعة متنامية من البحوث عن الكثير من الأطفال المتضررين من العنف المنزلي. وقد ازداد الاهتمام إلى هذه القضية من جانب الرأي العام نظرا لأهميته ، وأدى العمل المشترك إلى تعريف العنف الذي يتعرض له الطفولة في المنزل على أنها مشكلة اجتماعية مدمّرة وأنها شكلا من أشكال إساءة معاملة الأطفال .
حيث يقدر عدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري سنويا على نطاق العالم بما يتراوح بين (133 - 275 ) مليون طفل ، علما أن (2000 - 5000 ) طفل يقتلون سنويا من قبل آبائهم .
انه من المؤسف أن يكون المنزل مكانا يتسم بالعنف بالنسبة لبعض الأطفال وان كان في بعض الأحيان يأخذ الشكل التأديبي. إذ أن هذه الممارسات تثبت فشل الآباء في إيجاد وسائل تربوية بديلة للعنف. غالبا ما يكون العنف المنزلي مؤثرا على نمو الطفل الجسدي والنفسي وبخاصة إذا كانت هذه الممارسات تأتي من شخصية جديرة بالاحترام كأحد الوالدين.
2- العنف في المدارس والأوساط التعليمة:
العنف في المدارس هو أحد أهم المواضيع التي لها تأثير مباشر على جميع أفراد المجتمع إذ أن التربية أساس بناء المجتمع ورقيه وتقدمه ، وبصرف النظر عن التدخل في عملية التعليم فإن العنف المدرسي له آثار بعيدة المدى تؤثر على الفرد .
إن العنف الممارس في المدارس تشمل جميع الممارسات عدا أنها لا تسبب الموت أو أذى جسدي نوعا ما ، حيث أنها تكتفي بالعقوبة النفسية القاسية والعنف الجسدي البسيط والعنف الجنسي ، وعلى الرغم أن ( 102 ) بلدا قد حظـّرت هذه الممارسات العنيفة في المدارس حسب التقرير المقدم للأمم المتحدة إلا أنها تمارس العنف ولكن بنسب متفاوتة .
فعلى سبيل المثال يذّكر أحد الباحثين العنف الذي يمارسه المدرسون في المؤسسات التعليمية ومدى تأثر الطفل به. حيث يقول الباحث حدّثني طالبا عن الأثر السيئ الذي تركته لطمة معلم على وجهه:
"إني مازلت اذكر ذاك الحادث بألم وحسرة رغم بلوغي سن الشباب، لم أذكر أثر اللطمة المادي، بل أذكر بمرارة الأثر المعنوي الذي عشش في نفسي ، كيف لا أحقد على معلمي و هو الذي حطم بلطمته أقدس مكان فيّ، حطـّم معارفي وإنسانيتي وآمالي. فإذا كنت ناقما على الناس فنقمتي منصّبة على شخص معلمي الجاهل الذي لا يفرق بين التأديب و التوجيه. إني وسواي من الحاقدين لا نلام على اقتراف أعمال التخريب، فنحن نحاول رد اللطمة لطمتين."
( كامل بنقسلي وخالد قوطرش ص 49 )
أما الأطفال الذين يعانون صعوبة في التعليم فان المدرسين يتـّبعون معهم أبشع الأساليب التربوية بتوجيه الإهانات والشتائم والضرب لهؤلاء الأطفال دون أن تستوعب إمكاناتهم أو دون وجود أي جهة تحاسب المعلم المعتدي. بالإضافة إلى ذلك فإن ممارسات العنف ضد الأطفال في المدارس تتفاوت في درجة الممارسة حسب الجنس والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والفكري لهذا الطفل، فكثيرا ما تكون أعمال المضايقة سواء من قبل التلاميذ أو العاملين في المؤسسات التعليمة مرتبطة بالتميز ضد التلاميذ الذين ينحدرون من اسر فقيرة أو المجموعات المهمّشة أو ذوي الاحتياجات الخاصة ، كما أن العنف الموجّه ضد الفتيات من جانب المدرسين والزملاء يأخذ الطابع الجنسي في أغلب الأحيان .
إن هذه الممارسات تثبت عدم جدارة الأساتذة في تربية الطفل وعدم استيعاب وتفهم حاجات الطالب الأمر الذي يؤدي إلى إهمال الطالب للدراسة ويكون سببا للهروب من المدرسة وبالتالي الاتجاه إلى الشوارع والملاهي وغيرها من الأماكن التي تصدّر الآفات إلى المجتمع.
3- العنف في أماكن العمل :
إن سوء الأوضاع الاقتصادية الناتج عن فشل الحكومات في التخطيط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية للبلاد هو السبب الرئيسي الذي جعل الأطفال يتسرّبون من المدارس نحو أسواق العمل والذي شجّعه التجار وأصحاب العمل وذلك لرخص يدهم العاملة وسهولة السيطرة عليهم. إذ تشير تقديرات عام 2004 للأمم المتحدة أن أكثر من (200 ) مليون طفل يعملون في ظروف مرعبة فهم يجبرون على الدخول في عالم العبودية و الاسترقاق أو على الانخراط في براثن الدعارة والإباحة أو المشاركة في النزاعات المسلحة أو الأنشطة غير المشروعة الأخرى، علما أن غالبية هؤلاء الأطفال لم يبلغوا السن القانوني لهذه الأعمال.
كما وتشير التقديرات إلى أن مليون طفل يدخلون قطاع العمل كل عام . إن في هذا النوع من الممارسات لا يستطيع الطفل أن يحمي نفسه من أصحاب العمل الذين يحاولون استغلالهم بدافع المادة أو التهديد .
4- العنف في مراكز الرعاية والمؤسسات الحكومية والقانونية:
يقصد بمراكز الرعاية : روض الأطفال ومراكز رعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة ، أما المؤسسات الحكومية والقانونية فيقصد بها السجون والمراكز الإصلاحية.
يعيش الملايين من الأطفال في مؤسسات رعاية الأيتام ( الشكل 5 ) بالإضافة السجون و المدارس الإصلاحية ، وهم يتعرضون إلى العنف من قبل المشرفين والمسؤولين عن هذه المراكز ولهذا السبب هناك تكتـّم شديد على هذه الممارسات ولا توجد إحصاءات دقيقة عن هؤلاء الأطفال إذ أن القائمين على حماية الأطفال هم أنفسهم الذين يمارسون العنف معهم وبالتالي لا يسمحون لأجهزة الرقابة والتفتيش بممارسة عملها على أكمل وجه حيث أنهم يتعرضون للمضايقات ناهيك عن تهديد الأطفال بالضرب إن أفشوا سرّ الممارسات العنيفة ضدهم .
ويشمل العنف في هذه المراكز كل أنواع ( الضرب باليد والعصي و الإهانات وعزلهم في غرف خاصة ناهيك عن التعذيب الجسدي الذي يتعرض له الأطفال في مراكز الشرطة والأجهزة الأمنية . إن لهذه الممارسات انعكاسات سلبية ملحوظة على الفرد الذي يؤثر بدوره على المحيط الذي يعيش فيه والذي سندرسها لاحقا.
الشكل ( 5 )
5 - العنف في المجتمع:
إن صور مختلفة قد تدنوا إلى ذهننا عندما نتكلم عن مصطلح مجتمع العنف , ومن هذه الصور إطلاق النار على عصابة في الشارع أو حالة حرب طائفية .
إن مجتمع العنف يمكن تعريفه بأنه مجمل أعمال العنف التي يرتكبها أفراد ضد أشخاص ليس لهم أية علاقة اتصال مع الضحية مثل ( العصابات - الانقسامات العرقية والطائفية - المخدرات - دعارة - استغلال - فوضى ..... الخ ).
إن هذا الشكل من العنف ينتشر في المجتمعات بشكل فظيع وخاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمجتمعات التي تسودها التخلف نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تشكل بيئة الطفل . حيث إن العنف في هذه المجتمعات يستمد جذوره من القضايا المرتبطة بنوع الجنس والاستعباد وعدم وجود الرعاية الأولية والمعايير المجتمعية التي لا تحترم حقوق الطفل مثل البطالة والإدمان والجريمة والهروب من العقوبة والقانون وثقافة الصمت.
رابعا ً - العوامل المسببة لإساءة الأطفال:
إن انتشار ظاهرة العنف ضد الأطفال أصبحت حقيقة ولا يمكن تجاوزها فالعنف الجسدي والجنسي والنفسي , علاوة عن الإهمال المتعمد من قبل الأبوين أصبحت ظاهرة خطيرة , لأنها تؤدي إلى حدوث أضرار تمتد آثارها إلى المستقبل القريب.
لذلك لابد من التعرف على ماهية العوامل المسببة للعنف , إذ أن هذه العوامل متعددة ومتشابكة ومنها:
1- العوامل الأسرية:
قد لا يصدق أن هناك آباء أو أمهات يربـّون العنف في أطفالهم , ولكنها حقيقة لا يمكن تجاهلها. إن حرمان الأطفال من رعاية وحنان الأبوين وانخفاض مستوى الوعي لدى الأبوين والتمسك بالعادات والتقاليد الأسرية والخلافات الأسرية أو المعاملة التمييزية ضمن الأسرى بالإضافة إلى الوضع المعاشي للأسرى وغيرها من العوامل تكون سببا وجيها لتنشئة العنف في نفس كل فرد من أفراد الأسرة.
2 - عوامل اجتماعية:
إن الضغوط الاجتماعية على الأطفال وعلاقة أفراد المجتمع لها آثارها الواضحة على الأفراد وان كانت هذه الآثار اقل وضوحا عن الأسرية , فإن فشل الأطفال عن إنشاء صداقات مع أقرانهم تؤثر سلبا على مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية واللغوية وتقلل من ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين وتنمّي مشاعر العنف في نفوسهم.
3 - عوامل قانونية:
إن انعدام السلطة والقانون في المجتمع يكون سببا لانتشار الفوضى والفساد وبالتالي انعدام الأمن والاستقرار والعيش في غابة يملؤها الوحوش , فيها القوي يستغل الضعيف والغني يستعبد الفقير.
4 - عوامل اقتصادية:
إن سوء الأوضاع الاقتصادية تحول دون الوصول إلى الرغبات المراد الوصول إليها , وبالتالي تخلق اليأس في النفوس وبالتالي اللجوء إلى كل الوسائل المباحة والغير مباحة في سبيل الوصول إلى هذه الرغبات سعيا لحياة أفضل مليئة بالأمل.
5 - عوامل فكرية:
إن ازدياد نسبة الأمية والتخلف في المجتمع وسلب الآراء وكبح الحريات تحد من التفكير السليم لدى الطفل وبالتالي اكتساب ثقافة العنف.
6 - عوامل شخصية ونفسية:
هناك بعض الأطفال لديهم قابلية في اكتساب ثقافة العنف حسب الحالة النفسية التي يعيشها في بيئته.
خامسا ً - مفهوم الذات لدى الأطفال:
هو تنظيم إدراكي انفعالي معرفي متعلم موحّد يتضمن استجابات الفرد نحو نفسه ككل وتشمل معتقداته وقيمه وخبراته وطموحاته.
إن الشعور بالذات من أهم السمات المميزة للإنسان عن بقية المخلوقات , والإنسان أيضا قادر على أن يستجيب لنفسه وللبيئة الخارجية وللآخرين , وهذا الشعور بالذات هو المصدر الأساسي للهوية حيث يمثل الجوهر الموحد لشخصية كل فرد .
وبناءا على ذلك يقسّم (الدكتور يوسف عبد الكريم سعد) مفهوم الذات العام إلى :
1 - الذات الجسدية : وهو كل ما يتعلق بالمظهر العام للجسم وأعضائه.
2 - الذات الاجتماعية : أي تصور الفرد لقدراته الاجتماعية , نتحدث عن مقدار القبول والرفض الاجتماعي.
3 - الذات العاطفية : أي انطباع الفرد حول شخصية مثل الأحاسيس والمشاعر " الحب والكراهية " وكيف يتطلع الفرد إلى تغييرها في المستقبل.
4 - الذات العقلية: وهي قدرات الفرد العقلية وإمكانياته في مجالات العلوم كافة.
( د . يوسف عبد الكريم سعد , ص 161 )
إن مفهوم الذات يبدأ بتحقيق الاحتياجات الرئيسية:
1- الحاجات الفيزيولوجية.
2- حاجات الأمن والاستقرار.
3- الحاجات العاطفية " الحب والانتماء ".
4- حاجات الاحترام.
وبعد تحقيق هذه الحاجات يصل الفرد إلى أسمى مراحل الاكتفاء الذاتي.
إن مفهوم الذات مرتبط بتأثير البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية لذلك نجد الكثير من الأفراد في مجتمعاتنا النامية يعيشون القلق والتوتر والصراع الداخلي لأنهم يسلكون طرقا تعاكس أفكارهم واعتقاداتهم نظرا لقيود العادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع , متنازلين عن تحقيق حرياتهم وقناعاتهم وبالتالي تحقيق ذواتهم.
سادسا ً - مفهوم الذات المتدني:
هي النظرة الدونية إلى النفس من حيث المظهر العام أو السلوك , وفيه يشعر الأطفال بان لا قيمة لهم وبأنهم يفتقرون إلى احترام الآخرين , الأمر الذي يؤثر في دوافعهم واتجاهاتهم وسلوكهم.
إن انعدام احترام الإنسان لنفسه يصيبه بالكثير من الاضطرابات ( فقدان الثقة بالنفس - العجز عن اتخاذ القرارات - الشعور بالإحباط والفشل ....... الخ ) , إذ أن رؤيتهم للأشياء رؤية تشاؤمية وبالتالي تقدير المرء لذاته سلبية مما يجعله عدوا لنفسه وبالتالي يشكل خطرا على نفسه قبل المجتمع.
أسباب نشوء مفهوم الذات المتدني:
ينشا اعتبار الذات المتدني نتيجة لظروف حياتية سلبية متراكمة ترافق نمو الطفل . مثل تفكك الأسرة أو نتيجة لسوء المعاملة الأسرية أو عدم استقرار حياة الطفل التي تسببها عوامل متعددة متعلقة بتربية الطفل ومنها:
1- الحماية الزائدة:
إن الأطفال الذين منحوا حماية زائدة لم يتعلموا أن يتكيفوا مع أنفسهم وان يشعروا بالاستقلالية. إنهم خائفون من الوقوع في الأخطاء نتيجة إفساد الآباء لهم , عندما قدموا لهم كل شيء , وقدموا لهم الحماية ولم يجعلوا الطفل يتعرض للضيق العادي أنهم يشعرون بالاستياء وبأنه من السهل إيذائهم وبأنهم عاجزون عن الاهتمام بأنفسهم وفي وقت ما سيشعر الأطفال بان عندهم ثقة زائدة بالنفس ويشعرون بالعظمة ولكن تحت هذا المظهر الكاذب يوجد النقص الأساسي للثقة بالنفس.
2- الإهمال:
عندما لا يوافق الآباء أطفالهم فإنهم يتركونهم وشانهم وبالرغم من ذلك إن بعضهم يصبح مستقلا ويكسب احترام نفسه من خلال موافقة الآخرين , ولكن الكثير من الأطفال يشعرون بأنهم مهملون جسديا ونفسيا والنتيجة المباشرة هي الشعور بقلة القيمة.
3- العقاب والاستبداد :
بعض الآباء عندهم شعور بالقوة والقسوة, إذ أن طرقهم ومناهجهم هي غالبا سلطوية ويستعملون العقاب بشكل متزايد.
4- الرفض :
إن الرفض أو النبذ يولدان مشاعر مسؤولة عن تدني مفهوم الذات عند الأطفال . إن بعض الأطفال يتصرفون بشكل عكسي مع اهتمامات الوالدين ليثبتوا رفضهم لهم.
5- الذات المتدني لدى الآباء:
إن الآباء الذين لديهم ذوات متدنية يعاملون أطفالهم بنفس النقص الذي يعانون منه. أو اكتساب الأطفال هذا السلوك من الآباء تقليدا لهم.
6- الإعاقات أو الاختلافات:
إن الأطفال المعاقين يعانون من تدني مفهوم الذات لأنهم يشعرون باختلافهم عن أقرانهم من الأطفال.
كيف نمنع الشعور المتدني نحو الذات ؟:
إن شخصية الفرد الرافض لنفسه نتيجة للظروف التي يمر بها يدفع إلى التردد والاستسلام , الأمر الذي يستوجب مكافحتها ومنعها عن الذات والتي تتمثل في:
1- تشجيع القدرة العقلانية لدى الأطفال: وذلك بتشجيع الأطفال على معرفة أن القيم تختلف وبأنه لا توجد مقاييس عالمية للطبيعة والخير والجمال.
2- تشجيع القدرة الاستقلالية: وذلك بامتداح الأفكار والسلوكيات الجيدة لدى الأطفال الذين يستخدمون عقلهم وتجنب العقوبة والتهديد, ومشاركة الأطفال في آرائهم وحرياتهم.
3- تقبـّل الأطفال وعدم رفضهم: والوقوف بجانبه وان لا نقف بموقف الرافض لهم لأنهم يشعرون بذواتهم عندما نولي الاهتمام بهم.
4- تشجيع الطفل على تقبل ذاته وذلك بالتحدث الايجابي مع النفس كأن يقول أنا مرتاح - أنا استطيع القيام بذلك - أنا سعيد - أنا متفائل.
سابعا ً- آثار استخدام العنف ضد الأطفال:
إن الأطفال الذين يعيشون العنف يواجهون مخاطر متزايدة من تعرضهم للأحداث الدامية والإهمال , تؤثر على رفاهيتهم وأمنهم واستقرارهم.
إن للعنف آثار خطيرة قد تنعكس على ذات الطفل فتؤثر على صحته وقدرته على التعلم كما أنها تدمر ثقة الطفل بنفسه وتضعف قدرتهم على السيطرة على ذواتهم .
واهم هذه المشاكل تنقسم إلى:
1 – مشاكل سلوكية وعاطفية:
( عدوان – غضب – خوف – قلق – تدني احترام الذات ....... الخ )
دراسات عديدة أفادت إن الأطفال المعرضين للعنف أكثر عرضة للسلوك اللا اجتماعي والعدواني مقارنة بالأطفال الذين تخلوا حياتهم من الممارسات العنيفة.
كما أظهرت هذه الدراسات انخفاض الكفاءة الاجتماعية لدى الأطفال الممارس ضدهم العنف بالإضافة إلى ارتفاع نسبي في حالات القلق والاكتئاب , وأعراض الصدمة والتوتر النفسي , و ممارسة الطفل للسلوك العنيف.
2 – مشاكل إدراكية :
( انخفاض الأداء المعرفي – انخفاض التحصيل العلمي والأكاديمي – محدودية المهارات – الاعتقاد بالقوالب النمطية الجامدة – تأييد العنف )
هناك علاقة وثيقة بين النمو المعرفي والتعرض للعنف , إذ إن مدى تعرض الطفل للعنف تؤثر على القدرات الأكاديمية والفكرية لديه .
3 – المشاكل طويلة الأمد :
هناك فئة ثالثة من المشاكل التي تتقاطع مع المشكلتان السابقتان والتي تقدم الدليل على مشاكل طويلة الأمد لقضايا الأطفال المعرضين للعنف. حيث لوحظ تدني احترام الذات والاتجاه نحو الانحراف وانخفاض شديد في التكييف الاجتماعي.
إن مجمل هذه المشاكل تتلخص في خطوط عريضة لابد من توضيحها وهي:
أ – العدوان:
هي أفعال عنيفة أو إكراهية , جسمية أو لفظية , توجـّه نحو شخص أو جماعة أو نحو الذات.
يختلف العدوان من فرد إلى آخر , ويعود هذا الاختلاف إلى طبيعة الثقافة السائدة في المجتمع وأساليب التنشئة الاجتماعية.
لقد أظهرت دراسات عديدة أن الأفراد الذين يعيشون في اسر يسودها العنف أكثر قابلية لان يكونوا هم أنفسهم عدوانيين في تصرفاتهم. فقد وجد ( ستراوس 1983 ) وزملائه أن الأزواج الذين يعيشون في اسر يسودها العنف يكون احتمال ضربهم لزوجاتهم عشرة أضعاف الرجال الذين يعيشون في اسر لا يسودها العنف.
كما تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الأساتذة الذين يرون أن العدوان هي غريزة بيولوجية يجب ترويضها بأسرع ما يمكن.
( عبد المجيد نشواني , ص 310 )
ب – القلق :
هي حالة انفعالية تؤدي إلى تغيرات فيزيولوجية وتغيرات نفسية تؤثر في علاقاته الاجتماعية . التغيرات الفيزيولوجية : ( زيادة معدلات التنفس – سرعة ضربات القلب – تقلص العضلات – جفاف الحلق – صعوبة الكلام – فقدان القدرة على التحكم والتنظيم ...الخ)
التغيرات النفسية: ( خوف – عدم القدرة على التركيز والانتباه – انعدام الثقة بالنفس – الرغبة في الهروب – فقدان الشهية – التردد في اتخاذ القرار – توتر دائم واضطراب التفكير.....الخ )
ج – الخوف :
هو حالة انفعالية يشعر الفرد بوجود خطر محدق متوقع حدوثه مترافقة بتغيرات فيزيولوجية مثل الاضطراب النفسي وتغير لون الوجه وزيادة معدلات الدورة الدموية.
إن الخوف هو العدو الأكبر للإنسان , لان الخوف يكون حاجزا أمام التقدم , إذ أن الطفل الخائف دائما يتوقع الخطر الذي قد يعترضه وبالتالي يكون دائم التهرب من الحقائق بحجة الخوف , دون المحاولة .
د – لوم الذات وإيذاء الذات:
إن لوم الأهل لأطفالهم ومعاقبتهم وسوء المعاملة تسبب فقدان الثقة وعدم احترام الطفل لنفسه و شعوره بالذنب وبالتالي محاسبة الذات وإيذاء نفسه.
هـ - انخفاض تقدير الذات :
الإنسان يرى ذاته في نظرة الآخرين له , وعندما يتحقق احترام الآخرين له يبدأ احترامه لنفسه بالتكوين وبالتالي الشعور بالفخر والثقة , ولكن لكل إنسان نظرة محددة ومختلفة عن أقرانه , وبالتالي لا يمكن للطفل إرضاء كل من حوله في محيطه , مما يخلق لديه شعور العجز والنقص والضعف , أي انخفاض تقدير الطفل لذاته.
ثامنا ً- مقترحات وتوصيات لمواجهة العنف ضد الأطفال:
نظرا لأهمية التوصيات التي ذكرت في التقرير المقدم للأمم المتحدة , ولأنها تشمل كافة جوانب العنف من حيث المكان وطريقة الممارسة , ارتأيت أن انقل هذه التوصيات كما جاء في التقرير بالتفصيل:
1- في المنزل والأسرة:
- إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الأسرة تتحمل المسؤولية الرئيسية في تربية وتنشئة الأطفال , وأن على الدولة أن تدعم الوالدين ومقدمي الرعاية لكي يقدموا العناية للأطفال، فإنني أوصي الدولة بما يلي:
1 - وضع، أو تعزيز، برامج لدعم الوالدين ومقدمي الرعاية الآخرين في دورهم لرعاية الأطفال . وينبغي أن تشتمل الاستثمارات في خدمات الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي على برامج عالية النوعية للنمو في الطفولة المبكرة، وزيارات للمنازل، وخدمات ما قبل وما بعد الولادة، وبرامج مدرة للدخل للجماعات المحرومة.
2 - وضع برامج محددة الهدف للأسر التي تواجه ظروفا صعبة على وجه خاص ويمكن أن يشمل ذلك الأسر التي ترعاها نساء أو أطفال ، أو أولئك الذين ينتمون إلى أقليات عرقية أو لمجموعات أخرى تواجه التمييز،والأسر التي ترعى أطفالا ذوي إعاقات.
3 - وضع برامج لتثقيف الوالدين تراعي الفروق بين الجنسين وتركز على أشكال الانضباط غير العنيفة. ويجب على مثل هذه البرامج أن تروج لعلاقة صحية بين الوالدين والأطفال وأن توجه الوالدين نحو الأشكال البناءة والإيجابية للانضباط ونهج تربية الأطفال، واضعة في الحسبان قدرات الأطفال التي تتطور وأهمية احترام آرائهم.
2 - في المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى:
- إذا ما وضعنا في الاعتبار أن يكون جميع الأطفال قادرين على أن يتعلموا في بيئة خالية من العنف، وأن المدارس يجب أن تكون آمنة ومناسبة للأطفال، وأن المناهج يجب أن تكون مرتكزة على الحقوق، كما أن المدارس يجب أن توفر بيئة يمكن فيها تغيير المواقف التي تتغاضى عن العنف، ويجري فيها تعليم القيم وأنواع السلوك الخالية من العنف، لذا فإنني أوصي الدول بما يلي:
1 - تشجيع المدارس على اعتماد وتنفيذ مدونات قواعد السلوك التي تطبق على جميع أعضاء هيئة التدريس والطلاب الذين يواجهون جميع أشكال العنف، واضعة في الاعتبار القوالب النمطية القائمة على نوع الجنس والسلوك والأشكال الأخرى من التمييز.
2 - ضمان أن يستخدم مد راء المدارس والمدرسين استراتيجيات التدريس والتعلم الخالية من العنف، و أن يعتمدوا أساليب إدارة للفصل وتدابير للانضباط غير مبنية على الإخافة أو التهديد أو الإذلال أو القوة البدنية.
3 - منع وتقليص العنف في المدارس عن طريق برامج محددة تتصدى للبيئة المدرسية بكاملها، ويشمل ذلك تشجيع بناء المهارات مثل النهج الخالية من العنف في حل الصراعات، وتنفيذ السياسات المناهضة للترهيب، وتشجيع احترام جميع أعضاء مجتمع المدرسة.
4 - ضمان أن تكون المناهج وعمليات التدريس والممارسات الأخرى متوافقة بالكامل مع شروط ومبادئ اتفاقية حقوق الطفل، وخالية من الإشارات التي تشجع العنف والتمييز، في أي مظهر من مظاهره، بطريقة إيجابية أو سلبية.
3- في نظم الرعاية والنظم القضائية:
- مع مراعاة أن الدول مسؤولة عن كفالة سلامة الأطفال في الرعاية السكنية ومرافق الاحتجاز القضائية للأحداث فأني أوصي الدول بما يلي:
1 - وضع في سلم الأولويات تخفيض معدلات وضع الأطفال في مؤسسات وذلك بدعم حفظ الأسرة والبدائل المجتمعية الأخرى، وكفالة عدم استخدام الرعاية في مؤسسات إلا كملاذ أخير . وينبغي تفضيل خيارات الرعاية الأسرية في جميع الحالات، وينبغي أن تكون الخيار الوحيد للأطفال الرضع والأطفال الصغار جد ًا. ويجب على الدول أن تكفل، حيثما أمكن، إعادة إدماج الأطفال مع أسرهم ضمن ظروف ملائمة في الرعاية السكنية. ومع الإقرار بضعف الأطفال من السكان الأصليون والأطفال الذين ينتمون إلى أقليات، يجب على الدول أن تكفل تقديم الدعم الثقافي وخدمات الرعاية لهؤلاء الأطفال وأسرهم وأن يحصل العاملون في الرعاية الاجتماعية على تدريب ملائم للعمل بكفاءة معهم.
2 - تخفيض عدد الأطفال الذين يدخلون إلى النظم القضائية وذلك بإسقاط صفة الجريمة ”جريمة المكانة الاجتماعية “ ( الجرائم التي تعتبر جريمة فقط عندما يرتكبها أطفال، مثل الهروب من المدرسة ، الهروب من البيت ، أو عندما يكون ” خارج السيطرة الأبوية ( “ ، وأنواع السلوك للبقاء على قيد الحياة ( كالتسول، وبيع الجنس، وجمع القاذورات، والتسكع أو التشرد ) والإيذاء عن طريق الاتجار أو الاستغلال الجنائي. وينبغي للدول أيضا أن تنشئ نظما قضائية شاملة ، وتصالحيه وتركز على الطفل للأحداث تبرز المعايير الدولية. ويجب أن ينحصر احتجاز الأطفال بالأطفال المسيئين الذين يقدر أنهم يشكلون خطرا حقيقيا على الآخرين، و يجب استثمار موارد هامة في التدابير البديلة، وكذلك برامج إعادة التأهيل القائمة على أساس المجتمع المحلي وإعادة الإدماج.
3 - إعادة تقييم عمليات التنسيب بانتظام وذلك باستعراض الأسباب الداعية إلى وضع الطفل في مرافق الرعاية أو الاحتجاز بهدف نقل الطفل الى رعاية الأسرة أو المجتمع المحلي .
4 - وضع آليات فعالة ومستقلة لتقديم الشكاوى والتحقيق والإنفاذ لمعالجة قضايا العنف في نظام الرعاية والعدالة.
5 - كفالة أن يدرك الأطفال الموجودين في مؤسسات حقوقهم وأن يكونوا قادرين على الوصول إلى الآليات القائمة لحماية حقوقهم.
6 - كفالة عمليات رصد فعالة والوصول إلى مؤسسات الرعاية والمؤسسات القضائية بانتظام بواسطة هيئات مستقلة يتم تمكينها لإجراء زيارات مفاجئة ، وإجراء مقابلات مع الأطفال والموظفين في أماكن منفردة والتحقيق في مزاعم ارتكاب أعمال عنف .
7 - التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب التي تنص على نظام القيام بزيارات مستقلة وقائية إلى أماكن الاحتجاز.
4 - في مكان العمل:
- مع مراعاة ضرورة عدم وجود أطفال قصر في مكان العمل، وأهمية حماية جميع الأطفال في مكان العمل من جميع أشكال العنف، على النحو المنصوص عليه في اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم )138 (و ( 182) واتفاقية حقوق الطفل وصكوك دولية أخرى، فإني أوصي الدول بما يلي:
1 - تنفيذ قوانين العمل المحلية، وتعميم إلغاء عمل الطفل في سياسات التنمية الوطنية ومنح أولوية لإلغاء أسوأ أشكال عمالة الأطفال العنيفة في طبيعتها . وينبغي إبلاء اهتمام خاص لاستغلال الأطفال اقتصاديا في القطاع غير الرسمي، مثل الزراعة وصيد الأسماك والخدمة المنزلية، حيث تنتشر هذه الظاهرة على نحو أكبر. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكفل الدول أن يشارك الأطفال العمال في المناقشات الجارية بشأن حلول لهذه المشكلة.
2 - عندما يعمل الأطفال على نحو قانوني ( أي تمشيا مع الاتفاقيات الدولية )، وضع وتنفيذ أنظمة تنظيمية وعمليات تفتيش تضم بوضوح برامج لمنع العنف، ونظم إبلاغ وإجراءات لتقديم الشكاوى.
3 - عندما يعمل الأطفال على نحو غير قانوني، كفالة وجود برامج علاج وإدماج تركز على مساعدة الأطفال القصر والذين هم في ”أسوأ أشكال “ العمالة على ترك العمل، وتلقي التعليم والتدريب، وتحسين فرص حياتهم دون تعريضهم لمزيد من المخاطر.
4 - حشد دعم القطاع الخاص واتحادات العمال والمجتمع المدني لتشكيل شراكات تشجع تدابير المسؤولية الاجتماعية للشركات وتشجيع القطاع الخاص واتحادات العمال والمجتمع المدني على اعتماد مبادئ توجيهية أخلاقية لدعم برامج الوقاية في مكان العمل.
5 - في المجتمع المحلي:
- مع مراعاة أن التدابير الرامية إلى منع أعمال العنف ضد الأطفال والتصدي لها في
المجتمعات المحلية ينبغي أن تتطرق إلى عوامل الخطر الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المادية للمجتمع المحلي، فإني أوصي الدول بما يلي:
1- تنفذ استراتيجيات الوقاية للتقليل من عوامل الخطر الفورية في المجتمع المحلي .وتتباين عوامل الخطر من مكان إلى آخر، إلا أنها تشمل عمومًا مدخلا سهلا لتعاطي الكحول والمخدرات، وحيازة وحمل المسدسات وأسلحة أخرى، واستخدام الأطفال في أنشطة غير قانونية.
2 - التقليل من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية , ويجب على الحكومة أن تحلل تأثير السياسات العامة على ضعف المجتمعات المحلية وأطفالها إزاء العنف، والالتزام بالاستثمار في تنفيذ برامج وسياسات اجتماعية جيدة وتلك المتعلقة بالإسكان والعمالة ويجب إبلاء الأولوية للنهج التي تركز على الفقر وتحسين الصلات والمشاركة والشبكات الاجتماعية داخل وفيما بين مختلف فئات المجتمع المحلي، لإقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
3 - تصميم وتنفيذ والتدريب على حقوق الطفل في قوات الشرطة التي تتضمن معلومات عن السبل الملائمة للتعامل مع الأطفال، وخاصة الذين ينتمون إلى الفئات المهمشة والذين يخضعون للتمييز, وتثقيف الشرطة بشأن مراحل نمو الطفل، وعملية نمو الهوية، و دينامية وطبيعة العنف ضد الأطفال ، والفرق بين مجموعات الأقران العادية والعصابات، والإدارة الملائمة للأطفال الواقعين تحت تأثير الكحول والمخدرات.
4 - تقديم إمكانية الحصول على خدمات متكاملة مبكرة ، بما في ذلك الإحالة المنسقة ومتابعة الخدمات للضحايا ومرتكبي الجرائم، وتحسين الرعاية التي تسبق الدخول إلى المستشفى وخدمات الطوارئ الطبية للضحايا ، مع تقديم خدمات الدعم الجسدي والنفسي، وتقديم برامج لإعادة تأهيل مرتكبي الجرائم مع مراعاة تحميلهم المسؤولية التامة.
5 - تعزيز ودعم مبادرات الحكومة والمجتمع المدني لمنع حدوث العنف بين الأطفال ، وخاصة بتقديم فرص آمنة وترفيهية وفرص أخرى للفتيان والفتيات.
6 - تشجيع ومساعدة الحكومات المحلية والبلدية على التقليل من عوامل الخطورة في البيئة المادية , وتوفير أماكن عامة جيدة الإضاءة وآمنة للأطفال ، وينبغي إدراج الطرق لسفر الأطفال والمراهقين في مجتمعاتهم المحلية في وضع الخطط الحضرية .
7 - وضع إطار قانوني ملائم يتماشى مع الصكوك والمعايير الدولية ذات الصلة والتنفيذ التام للقوانين المحلية المناهضة للاتجار بالأشخاص ؛ وتعزيز الجهود الرامية إلى حماية جميع الأطفال من الاتجار والاستغلال الجنسي ، بما في ذلك من خلال التعاون الثنائي ودون الإقليمي والإقليمي والدولي وفي هذا المجال تنسيق التعارف القانونية والإجراءات والتعاون على جميع المستويات . ويجب أن تتراوح الاستراتيجيات من الوقاية الأساسية ) أي تغيير الظروف التي تجعل الأطفال عرضة للاتجار ( إلى إنفاذ القانون الذي يستهدف الاتجار، ويجب أن يكفل عدم تجريم ضحايا الاتجار وجميع أشكال الاستغلال ذات الصلة.
8 - تعزيز مقاضاة الجرائم المتعلقة ببيع الأطفال ، وبغاء الأطفال واستغلال الأطفال في إنتاج المواد الإباحية من خلال استعراض القوانين المحلية لإلغاء شرط ”التجريم المزدوج" ويجب على الدول الأطراف في البروتوكول الاختياري المتعلق ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية ، أن تنظر في تعديل قوانينها باستخدام البروتوكول الاختياري كأساس قانوني لتسليم المجرمين فيما يتعلق بالجرائم التي يتطرق إليها البروتوكول الاختياري.
9 - كفالة تقديم الحماية للأطفال المتجر بهم ، وحصولهم على الرعاية الصحية ، والمساعدة الكافية وخدمات إعادة الإدماج الاجتماعي عندما يتعرضون لتحقيقات جنائية وللعملية القضائية . وفي هذا السياق ، أود أن ألفت اهتمام الدول إلى مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن العدالة في الأمور المتعلقة بالأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها.
10- تعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات ، بما في ذلك الانترنت ، والهواتف النقالة والألعاب الإلكترونية، في استغلال الأطفال جنسيا وأشكال العنف الأخرى . ودعم التدابير لتعليم الأطفال والذين يقومون على رعايتهم وإسداء المشورة لهم عن الأخطار المندرجة في هذا السياق . وتجريم وفرض عقوبة ملائمة على الذين يقومون بتوزيع وحيازة واستغلال الأطفال في المواد الإباحية.
11 - تشجيع صناعة الإعلام والاتصالات على وضع معايير عالمية لحماية الطفل ، وإجراء بحوث على حلول حمائية للأجهزة والبرمجيات الحاسوبية ، وتمويل حملات تثقيف في أنحاء العالم بشأن الاستخدام الآمن للتكنولوجيات الجديدة.
الخاتمة:
العنف مشكلة صحية عامة ذات أبعاد هائلة ودرجات متفاوتة من ناحية الممارسة , إذ أن له أثر مدّمر على نمو الأطفال من الناحية العاطفية والمعرفية والجسدية , وله ارتباط وثيق مع ذات الإنسان ككل.
إن أطفالنا هم فلذات أكبادنا , وهم ينتظرون منا كل شيء جميل فلنبني له بيتا يسوده السلام والوئام بعيدا عن جو المشاحنات والعدوان.
|