مذكرات
1 / 2 / ـ196
لقد عشت بالأمس ساعات عصيبة تقاذفتني فيها عوامل القلق ودانت عليّ خلالها سحب اليأس ، انها كلمات لمياء ، حينما البت عليّ بنات الصف وهي تقول .. ما أرى حجاب هدى إلا ضرباً من افكار المراهقة الطائشة انها تحاول بذلك ان تجلب اليها الأنظار ؟ كانت هذه هي كلمات لمياء التي اسلمتني الى حالة نفسية مريرة شككت خلالها الى فترة في حقيقة مشاعري الذي جعلني اعيش تلك الساعات القاسية . بالله ما اقسى ان يشك الإنسان في يقينه او يتردد في واقعه ، نعم انه لشعور مؤلم ، ومؤلم جدا عفا الله عن لمياء ما اقساها وهي تكيل الاتهامات للبنات المؤمنات ، لقد جعلتني كلماتها أعود الى الدار وكل ذرة في كياني تنطق بالحيرة ، والقلق ، والألم ، ثم راجعت نفسي بعد أن تمكنت من تهدئة عواطفي الثائرة ، راجعت نفسي لأرى مدى ما تعنيه بالنسبة لي كلمات لمياء ، وناقشت الموضوع من شتى نواحيه ، فرأيت اولا ، ان دور المراهقة ليس دور الشذوذ في الأفكار كما تدعي
لمياء ، وإنما هو دور النمو نحو الكمال الجسمي والعقلي وان الفكر يتفتح خلال هذه الفترة كما لا يتفتح في فترة سواها . وذلك بعد أن يكون قد تخلص من شوائب الطفولة ولم يتعب بعد من جراء تضارب افكار الحياة ، إذن فإن فكرتي في خصوص الحجاب لا يمكن لها ان تكون فكرة ناجمة عن شذوذ فكري ، ثم رأيت ثانياً ، ان لفت الأنظار لا يتأتى بسبب من هذه الابراد التي أتلفح بها بل العكس تماماً ، فقد سبق ان مارست اساليب لفت الأنظار ، وذلك قبل ان يهديني الله للإيمان ، ورأيت كيف كانت أنظار الرجال تلاحقني بندائها الصارخ أينما اتجهت ، اني كنت المح في وجوههم جوعتهم الشرهة وتلذذهم بالعرض الجاهز السخي ولكن ، الآن ما الذي عساه يلفت اليه انظارهم من هذا الحجاب ؟ ثم حتى لو لفت نظرهم فانه سيعود اليهم خائباً وهو حسير ، سوف تكون كل قطعة من هذه الأبراد رادعا لهم عن انتهاك محراب الطهر وتدنيس الكيان المقدس ثم فكرت ثالثاً ان لمياء لم تكن تعني ما تقول ، ولكنها كانت تحاول بذلك ان تثبت قدمها في الطريق الوعر الذي سارت عليه .
وبعد كل هذا لم أعد اشعر بوقع كلمات لمياء ، ولم يعد لدي أثر منها عدى الأسف على شبابها ان يصبح في مهب الريح ، ودعوت الله ان يساعدني على التمكن من هداية لمياء ، وجرها الى طريق الصواب ، ونمت وأنا افكر في احسن طريقة أمد بها يد العون الى لمياء ، وقد اصبحت اليوم وانا
اشعر براحة نفسية عميقة فقد صممت ان أجاهد من أجل لمياء ، حتى اهديها سواء السبيل ان شاء الله .
5 / 2 / ـ196
لقد كنت بالأمس على موعد مع صديقتي ولاء ، وكان من المفروض ان تزورني عصراً لأجل ان نستذكر دروسنا ونستعد للامتحان ، ولكنها لم تحضر ، وانا جد قلقة من أجلها انتظرتها حتى يئست من قدومها ، حاولت ان اتصل بها تليفونياً فلم اتمكن ، قضيت الليل كله قلقة من أجلها ، ولكنها اتصلت بي قبل ساعة وقالت انها كانت محمومة ولذلك لم تتمكن من الحضور ، فدعوت الله ان يشفيها ويمنّ عليها بأبراد العافية .
أنا احب ولاء جدا وان كانت معرفتي بها لا تتعدى السنة ، ولكنها فتاة مؤمنة ، متدينة ، فاهمة ، انها تشاركني افكاري ، وتعيش معي آمالي واحلامي ، لقد جمعتني واياها الصدفة في بداية العام الدراسي ، فجذبني نحوها ايمانها ، وجذبها نحوي ايماني ، فتعارفنا وكأنا لم نتجانب من قبل ما اصدق قول الشاعر حينما يقول :
قد يجمع الرأي اشخاصا وان بعدوا * وقد يفـرق خلف الرأي اخوانــا
6 / 2 /ـ196
اليوم هو اليوم الذي نعقد فيه اجتماعتنا الدينية من كل اسبوع ، نقرأ القرآن الكريم ، ونفسر آياته ، ونتمرن على تهيئة المواضيع الإسلامية ، والقاء المحاضرات الدينية ، ولا أدري هل سوف تحضر ولاء ؟ ام ان حماها سوف تعقها عن ذلك ؟
7 / 2 / ـ196
لقد كان اجتماعنا ناجحا ، وقد كانت ولاء هي أولى الوافدات ، مع أنها كانت محمومة ، وتشكو من بعض الآلام ، ولكنها قوة الإيمان ، هي التي دفعت بها الى الحضور.
وإذا حلـت الهدايــة قـلـبــا * نشطــت للعبــادة الأعضــاء
لله در ولاء ، لقد تحدثت فأبدعت واندفعت في البيان فأجادت ، وكأنها انصرفت عما تعانيه ، وحلقت بروحها وفكرها نحو هدفها الاعلى ، الدعوة الدينية.
13 / 2 / ـ196
لقد تحدثت في اجتماع الأمس حول موضوع لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وبعد الانتهاء من الحديث قالت احدى الاخوات المؤمنات ان امها تحاول ان تفرض عليها
خلع الحجاب في بعض الحالات وتوهمها انها ما دامت مؤمنة يجب عليها اطاعة امها لأن ذلك مفروض عليها من قبل الله ، والحقيقة انني قد تألمت لحال الأم الضالة ، وحال البنت المسكينة ، التي تحاول امها ان تجعلها ضحية تحت شعار اطاعة الأم ؟ ثم اكدت عليها من جديد ان لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق حتى ولو كان المخلوق أماً أو أبا.
25 / 2 / ـ196
منذ فترة وأنا احاول أن اتقرب الى لمياء لغرض التمكن من هدايتها ، وما أكثر ما عانيت من هذه ، وما اكثر ما تلقيت من كلماتها الجارحة ، ولكنني ولأجل غايتي المنشودة كنت اتجرع كل ذلك بصبر واناة ، كنت احدثها بهدوء وهي تجيب بثورة ، وانظر اليها بابتسام ، وهي تواجهني بالتقطيب ، ولكنني اخذت اشعر بأن ابتسامتي بدأت تسري اليها ، وان هدوئي أخذ يشملها وهي تحدثني فتفاءلت بذلك وجعلته بادرة خير ، الشيء الذي شجعني على أن أهدي لها مجموعة من الكتب الإسلامية التي تبحث عن الحجاب واسبابه وفوائده ، وعن السفور ومباعثه ، ومفاسده ، وكان منها كتاب الحجاب لأبي الأعلى المودودي والعفاف لمحمد امين زين الدين ، ونظرية العلاقة الجنسية لمحمد مهدي الاصفي ، ومعركة التقاليد لمحمد قطب ، وامس عند خروجها من المدرسة طلبت مني أن ازورها في بيتها لأن لديها
ما تقوله لي ، ومع أن هذا الأمر يبدو غريباً لأن صاحب الحاجة هو الذي يجب ان يزور الطرف الآخر ولكني سائرة وراء غاية سامية ، وهدف معين ، ولذلك سوف أذهب اليها وانا راضية فرحانة
26 / 2 / ـ196
لقد ذهبت امس لزيارة لمياء ، فاستقبلتني بحرارة جعلتني لا اندم على قيامي بهذه الزيارة ، وبعد أن استقر بنا الجلوس بدأت تتحدث : تحدثت عما سمعته مني ، وتحدثت عما قرأته في الكتب التي قدمتها لها ، ثم تساءلت أخيراً هل حقا ان في امكانها ان تتعلم لو أرادت ان تتحجب أم ان الحجاب سوف يكون حائلاً دون ذلك ؟ فأوضحت لها ان الاسلام الذي فرض الحجاب على المرأة قد دعاها في الوقت نفسه الى طلب العلم ، بل ان نبي الإسلام جعله فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة ، وان لها أن تتعلم ولكن مع حفاظها على حجابها ومع تجنبها من الاختلاط مع الرجال بالشكل الذي يؤثر على محو الهالة القدسية التي تحيط بها .
29 / 2 / ـ196
يالله كم أنا سعيدة اليوم ، فها أنا راجعة لتوى من المدرسة بعد أن شاهدت لمياء تلجها وهي محجبة ، وتخرج منها وهي محجبة ، الحمد لله الذي فتح صدرها للإيمان ، اللهم لطفك بالبنات المسكينات ، اللهم هيىء لهن سبل الهداية
فإنهن مخدوعات ، ضللتهن افكار الحضارة الخادعة تحت شعارات العلم والتقدم.
فكأنما التعليم ليس بممكن * إلا إذا برزت بغير غطــاء
12 / 3 / ـ196
لقد قالت مدرسة التاريخ امس لو نزل القرآن في هذا العصر لما أوجب الحجاب على المرأة لأن دور المرأة في هذا الزمان والنظرة اليها لا تمكن من الاستغناءعن المرأة ولا تستيغ عزلها عن الحياة ، كان هذا ما قالته مدرسة التاريخ الست نهاد ، فما كان مني الا ان أطلب منها السماح لي بالمناقشة ، ثم قلت لها انني اناقش ما قالته من زاويتين : اولا ، ان وجود المرأة في مختلف الحضارات زمان نزول القرآن او قبله لم يكن أقل من وجودها الآن فقد كان سبق لها أن مارست شتى أنواع الظهور حتى الحكم ، فالتاريخ يحدثنا عن ملكات امثال زنوبية ، وكيلو باطرة ، وكانت الحضارة اليونانية تركع وتسجد امام معاني الجمال الموجودة في المرأة ، ولا يزال ما نحتوه لها يعد من أثمن التحف الفنية ، وكذلك الحال في الحضارة الرومانية والفارسية فهم جميعاً وان كانوا قد وأدو حق المرأة كإنسانة وشككوا في أن هل لها روح ام لا ، وهم وان منعوها عن اداء الطقوس الدينية على حساب كونها
مخلوق نجس ، ولكنهم كانوا يستغلون جمالها وأنوثتها بشكل واسع حتى أمروها وملكوها كما هو الحال في كيلو باطرة ولكن ، لما أساءت التصرف قدم لها أحد الرجال ثعباناً ساماً ورجح لها أن تموت مسمومة على أن تقع اسيرة بيد العدو فتجلب لهم العار ، وهذا يدل على تجاهلهم لإنسانيتها وكيانها المستقل وإلا فبأي حق يفرض عليها الانتحار ؟ وعلى كل حال فإن هذه الصور من تاريخ المرأة في مختلف الحضارات قبل الإسلام تدلنا على أن دور المرأة في تلك العصور لم يكن أقل أو أضيق من دورها في هذا العصر إذن فالتشريع الذي شملها حين ذاك يستمر في شموله حتى الآن . اما الزاوية الثانية التي أود أن أناقش فيها فهي ان الإسلام لم يعزل المرأة ولم يستغن عنها لأجل فرض الحجاب أبدا بل ان الاسلام هو أول من جعل من المرأة شريكة مع الرجل في بنيان الأمة كما جاء في الآية الكريمة ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر او أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) وكما قال نبي الإسلام « النساء شقائق الرجال » والإسلام لم يفرض الحجاب لغرض عزل المرأة عن الحياة ، لما تدل عليه نفس آية الحجاب المباركة اذ يوجه الأمر فيها اولا الى الرجال لكي يغضوا من ابصارهم ، ولو كان الحجاب عزلا للمرأة عن الحياة لما وجد ما يبرر تشريع غض الرجال لأبصارهم ثم ان التاريخ يحدثنا عن دور المرأة المسلمة في حياة الأمة وكيف أنها كانت تشهد الغزوات مع الرسول تداوي الجرحى وسقي
العطشى ، حتى انها كانت تحمل السلاح في بعض الحالات بمرأى ومسمع من الرسول (ص) وكان رسول الله (ص) يسهم للنساء من الغنائم كما يسهم للرجال . ثم ان التاريخ يحدثنا أيضاً عن سيدات مسلمات باشرن بمهمة الدعوة الى الدين ، وعقدن الندوات للتوعية الدينية ، وروين الاحاديث عن الرسول ، وفسرن آيات القرآن الكريم ، كل هذا يؤكد لنا ان الإسلام لم يعزل المرأة عن الحياة ، ولم يوجه افكار المسلمين الى احتقار المرأة ونبذها ، حتى ان افكار المسلمين في سنة مقتل الصالح كانت تتقبل ان تتولى الحكم امرأة عندما ارتقت شجرة الدر الى العرش ، ويؤكد لنا أيضاً ان فرض الحجاب على المرأة ليس سوى استجابة لما تفرضه طبيعتها وتدعو اليه طبيعة الرجل ، فالرجل بطبعه وتكوينه تواق للمرأة ، والمرأة بطبعها وتكوينها خلقت لاستمالة الرجل ، اذن فظهور المرأة امام الرجل من حقه ان يثير في الجنسين الغرائز المكبوتة ، وهذه الغرائز اما أن تشبع حاجتها فتكون الفوضى الجنسية التي تشمل البيت والأسرة والأفراد وتحطم الرجل والمرأة سواء بسواء كما حدث في البلدان الغربية وكما تدل عليه الاحصاءات الآتية ... آ ـ ان 6 / 1 من الفتيات الامريكيات يتزوجن وهن حاملات من علاقة سابقة ـ بـ ـ تقل نسبة الزواج في اميركا بصورة واضحة وبعكس ذلك تزداد نسبة الطلاق حتى شملت ما يقارب من 25% من مجموعة الزيجات ـ جـ ـ هبوط نسبة الزواج في عرض عشر
سنوات الى النصف .
هذا اذا انطلقت هذه الغرائز على سجيتها اما اذا كبتت فإنها سوف تترك وراءها مختلف أنواع العقد وأمراض الكبت من الناحية الفكرية والعاطفية . هذا هو السبب الرئيسي في فرض الحجاب وليس كما يتوهم البعض من انه ختم ملكية المرأة للرجل او عزل للمرأة عن المجتمع .
25 / 3 / ـ196
لقد أصبحت اشعر ان مدرسة التاريخ الست نهاد اصبحت تنظر الي باحترام بعد أن عرفت انني انسانة صاحبة عقيدة ، ومبدأ ، وان تمسكي بالإسلام وآدابه ليس مجرد عادات وتقاليد ، بل أنه نابع عن رغبة وتصميم وإيمان ، لك الحمد يا ربي اذ وفقتني للتمكن من مناقشتها عندما نالت من التشريع الإسلامي ، لو كنت قد سكت في ذلك اليوم ، لو كنت قد جبنت عن مواجهتها بالحق لعدتني فتاة رجعية ، واقعة تحت تأثير العادات ، والتقاليد حتى ولو كنت قد ناقشتها ببذاءة ، لو كنت قد رددت عليها بكلمات نابية ، بأسلوب جارح ، انها ما كانت لتعترف لي بما تعترفه الآن ، لعدتني طالبة غير مهذبة ، ولأوعزت ذلك الى خطأ الفكرة التي اؤمن بها والتوجيهات الإسلامية التي أسير عليها ، ولكنني ناقشتها بهدوء ، وبأدب وبأسلوب منطقي ، وها أنا أرى نتيجة ذلك ، لقد قالت امس للطالبات ليتكن تتمثلن
بهدى ، فإنها فتاة ممتازة . لك الحمد يا ربي ، يا من قلت في محكم كتابك الكريم ( ان الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى ).
2 / 4 / ـ196
بالأمس كنت في مكتبة المدرسة اطالع كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لأبي الحسن الندوي وانتبهت من استغراقتي الطويلة في المطالعة على صوت الست نهاد وهي تقول ما الذي تطالعينه يا هدى ؟ فنهضت واقفة بأدب وقدمت لها الكتاب فجلست على احد الكراسي تقلب صفحاته واحتراما لها ، ولأجل ان اتركها تقرأ بدون تحفظ ، غادرت المكتبة ولكنني لاحظتها حين انتهاء الدوام وهي تحشر الكتاب بين كتبها فعرفت انها تريد ان تطالعه باتقان ، انها خطوة هامة ، انها فاتحة خير.
16 / 4 / ـ196
منذ مدة وانا اشعر صديقتي المؤمنة صفية تعيش في صراع نفسي مرير ، وقد أثر ذلك على نشاطها في العمل ، واندفاعها في الخدمة الدينية ، ومع انها لم تتخلف عن جلساتنا واجتماعاتنا ولكنني احس ان لديها ما يعذبها وهذا ما يحز في نفسي ويجعلني أتألم من أجلها ، ليتني أعرف السبب في الامها . أنا أجهل عن وضعها الداخلي اي شيء لا ادري لعلها في ضائقة مالية ؟ لعلها تخشى ان يتكشف من حالها ما لا تريد ؟ ولكنها غلطانة ، فنحن لا نعير زخارف الحياة
اهتمامنا ولا ننخدع ببهرجها وزبرجها ، يكفينا ويكفيها أيضا انها قد اثبتت شخصيتها في وسطنا وبرزت بين لداتها بعقيدتها وسعة اطلاعها ، وعمق مفاهيمها الإسلامية نحن نثمن الجوهر ولا يهمنا العرض ، فليست وسائل الحياة المادية سوى اشياء عرضية زائلة اما الجوهر الواقعي الذي لا يمحى ولا يزول فهو الفكر الصالح والاتجاه الخير .. ولكن صفية ، يبدو انها غير مطمئنة الى بلوغنا الى هذا المستوى من الواقعية في التفكير ، هذا اذا كانت الأزمة التي تعانيها هي ازمة مادية ، سوف احاول ان اتعرف على اسباب المشكلة التي تعيشها لعلّي اتمكن ان امد اليها يد المساعدة .
24 / 4 / ـ196
لقد اكتشفت السبب الواقعي للازمة التي تعيشها صفية ، انها حالتهم الاقتصادية ، وبيتهم المتواضع وخشيتها من ان يؤثر ذلك على مكانتها بين الصديقات ، ولهذا فهي تعيش في دوامة من الآلام والانفعالات ، ولكنني تمكنت من جرها الى عالم الحقيقة التي نعيشها قلت لها : ان محمد بن عبد الله اعظم رجل عرفه التاريخ ، حمل الى البشرية أقدس رسالة سماوية وهو فقير ، في الوقت الذي كان يتمكن فيه ، لو اراد ، ان يعيش حياة الترف التي كان يعيشها كسرى وهرقل ، وان فاطمة الزهراء بنت الرسول كان بيتها متواضعاً يشمخ في تواضعه على ايوان كسرى وكان اثاثها بسيطاً يتعالى
في بساطته فوق رياش فارس ، وزخارف الروم ، وكذلك الحال لدى صحابة الرسول الأبرار ، فالتاريخ يحدثنا عن حريق هائل شب في المدائن خلال ولاية الصحابي الشهير سلمان الفارسي لها ، فكان ان هرع الناس الى رياشهم وأموالهم يستنقذونها بجهد جهيد اما سلمان والى المدائن وحاكمها ووراث عرش كسرى في الأمارة ، فقد حمل على ظهره كل ما يعود اليه ولم يكن ذلك يتعدى صرة صغيرة من الملابس ، وقرآن ومصلاة ، وابريق ماء ، وخرج من منطقة الحريق قائلاً : هكذا ينجو المخفون.
26 / 4 / ـ196
بالأمس التقيت بصديقة حميمة لي كانت تجمعني واياها صلة وثيقة ولهذا فقد كنت قد عرفتها عن قرب ، وعن قرب جدا فرأيتها مثال الفتاة الطيبة الطاهرة لم تكن تظن بأحد السوء ، ولم تكن تضمر سوءاً تجاه أحد ، وأكاد اتمكن ان أقول : انها لم تكن تعرف الحقد والبغضاء بمعناها الصحيح ، كانت تثق بكل رفيقاتها ثقتها بنفسها تماما ، وفية مخلصة ، تبذل يد المعونة لكل محتاجة من اخواتها المسلمات ، كانت تعطى من نفسها اكثر مما تأخذ بكثير ، فهي تحسن حبا بالاحسان واشباعا لرغبتها في مساعدة الغير وثقة منها انها بهذا ستكون الرابحة في الدارين ، وعلى كل حال فقد كانت فتاة مثالية ، ثم حدث ان ابتعدت عنها فترة لم اتمكن أبانها من مطالعتها ومراجعتها ، ثم لقيتها أمس فهزتني فرحة اللقاء ،
ولكن صدمني الاطار القاتم الذي شمل الموقف ، فقد طالعني منها منظارها الأسود الذي أصبحت لا ترى الدنيا الا من ورائه ، ثم عرفت انها قد اكتشفت في مجتمعها نواح كانت تجهلها منه ، واطلعت على مفاهيم معكوسة لم تكن تخطر لها على بال ، فرأت كيف تقلب المثل فتقابل بالنقيض ، فهي لم تشعر في يوم من الأيام ان هناك فيمن حولها من يفرق بين المحسن والمسيء في كل ظرف وحين .. وهكذا ، ولهذه النواحي واشباهها اخذت تتبرم بالحياة ، وتسعى الى العزلة والانفراد ، وقد تبدل لهذا سلوكها وتغيرت طباعها وفقدت راحتها النفسية على هذا الوضع رأيت بالأمس صديقتي بعد طول افتراق فعرفت ان هذه المسكينة ليست سوى ضحية من ضحايا المجتمع ، فما كان مني الا ان سألتها قائلة وهل ندمت يا عزيزتي على ما قدمت يداك من احسان وما وهبه قلبك من حب ؟ وهنا شعرت ان صراعا عنيفا قام بين عقلها وعاطفتها وكنت آمل ان يتغلب العقل فترد عليّ ـ لا ـ ولكنها لم تتمكن من مقاومة أي من الدافعين فسكتت ولم ترد ، فأجبت انا بدلا عنها فقلت لها برفق : قولي لا يا عزيزتي فإن عمل الخير في نفسه شيء جميل ، وصفاء النفس بذاته شعور مريح ، فلا تأسفي على شيء منهما ويكفيك سعادة انك تطالعين صفحات ماضيك فترينها بيضاء ناصعة من كل شوب ، فقولي اني لست نادمة يحفظ الله لك أجر ما فعلت . لا تندمي يا صاحبتي ولا تيأسي فما زالت الدنيا في خير ولا
يزال هناك من يحفظ الجميل ، ويقدر الفضل ، ولهذا فإني ارجوك بل والح عليك ان لا تدفعك الخيبة من المجتمع الى الحقد عليه ، ولا يجرنك الفشل في عمل الخير الى الزهد فيه بل استمري على السير في طريقك الواضح ، وحاولي ان ترفعي عن عينيك هذه الغشاوة القاتمة لتعودي كعهدي بك فتاة طيبة ، حلقي في سماء الكمال ، ولا تهبطي الى حضيض النقص ، فإن اهم ما ينقص من المرأة ويحط من مكانتها هو الحقد ، والظن السوء ، لا تحقدي او تظني بأحد السوء ، احملي اختك على سبعين محمل خير وسوف ترين راحتك النفسية وقد عادت اليك كأروع ما تكون.
وهكذا بدأت احدثها بما يعود بها الى واقعها الذي تنكرت له ، ولم افارقها الا وانا على ثقة من انها سوف تكون في مستقبلها كماضيها .
1 / 5 / ـ196
سألتني اليوم واحدة من الأخوات المؤمنات عن معنى ما جاء في دعاء كميل بن زياد (رض) « يا رب ، اسألك بحقك وقدسك واعظم صفاتك واسمائك ان تجعل اوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة » قالت ليس فينا من تتمكن ان تقتصر في حياتها على ذكر الله والتسبيح والتهليل فنحن اذ نعيش وبحكم لزوم التعاون مع الآخرين مهما أمكن ، لا بد لنا أن نباشر شتى اعمال الحياة ولا يمكننا
التنصل والتزام التكبير والتهليل فقط ، فقلت لها على مهلك يا اخية فنحن لسنا بمكلفين ان نقضي الليل والنهار بالتسبيح والتكبير مثل قول سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله اكبر فهذا وان كان من الذكر المأثور ومن الباقيات الصالحات لكن ليس هو الذكر كله ، فكم يوجد من يذكر الله بلسانه وينساه في قلبه وافعاله ، ولكننا نستطيع بسهولة ان نجعل اوقاتنا في الليل والنهار بذكر الله معمورة وبخدمته موصولة دون ان نعطل شيئا من أعمالنا للحياة ، فبالأضافة الى العبادات اليومية المفروضة ، ومقدماتها وآدابها ، فأنت مثلا اذا كنت زوجة صالحة وربة بيت خيرة تكونين بذلك دائما وأبدا ذاكرة لله مطيعة لأوامره فقد جاء في الأخبار ان امرأة سألت الرسول (ص) عما عندنا نحن النساء من قبال الجهاد وثوابه عند الرجال فقال صلوات الله عليه : الزوجة الصالحة وادارة البيت الناصحة الطاهرة ، ثم ان المرأة وكيفما تكون سيدة أو آنسة تتمكن ان تصبح دائما وأبدا ذاكرة لله تعالى ، خادمة لأوامره ، متبعة لتعاليمه ، فكل يد معونة تسديها المرأة ولو لأقربائها الأقربين اذا كانت خالصة لله تكون ذكراً لله تعالى ، وكل لفتة طيبة تبديها تجاه الغير بدون أية غاية دنيوية تكون ذكراً لله سبحانه ، وكل سحابة ضيق تتحملها بصبر ، وكل فكرة صالحة تفكر فيها لأجل الخير ، دون أي شيء آخر ، وأي نعمة تحدثت بها لا مباهية ولا متعالية ، وحتى البسمة والضحكة إذا جادت بها خالصة من كل شائبة رياء او
ملق ، كل هذه تكون ذكراً لله سبحانه ، ولكن يتفق لنا ان تحين لنا فرصة نتمكن فيها من افشاء سر او الجهر بسوء يكون لنا من ورائه نفع او لنا به مصلحة شخصية ثم لا نأتي بشيء من ذلك بوازع ديني لا غير فنكون ذاكرين لله تعالى مطيعين لأوامره ، ولذلك فمن الجدير بنا أن نبتهل الى الله تبارك وتعالى ان يجعل اوقاتنا في الليل والنهار بذكره معمورة وبخدمته موصولة .
5 / 5 / ـ196
ان الامتحان النهائي يقترب ولا بد لي ان اتفرغ للتحضير لأتمكن من اجتياز هذه المرحلة بتفوق ولكي اثبت ان العمل الإسلامي لم يقعد بي عن الدراسة ولم يشل تفكيري عن المطالعة بل فتح ذهني اكثر وركز تفكيري بصورة اعمق . ولهذا سوف أترك كتابة المذكرات الى حين بداية العطلة ان شاء الله .
|
|