فلسفة تعظيم شعائر عاشوراء
الاستاذة بتـول ياسيـن الموسـوي
مقدمـة البحـث
قال الامام الرضا (ع) ( من تذكر مصابنا وبكى لما أرتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى و أبكى ولم تبك عينه يوم تبكي العيون ومن جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب )(1) .
قد تواترت الأحاديث و الأخبار بالبحث على تذكر مصاب أهل البيت (ع) يوم الطف و البكاء عليهم ومشاركتهم في أحزانهم و على هذا المنهج سار شيعة أهل البيت في كل زمان ومكان و أقاموا مجالسهم في أحرج الظروف و أشدها و لأنها مجالس تشد الامة الى خطة الائمة الهداة و تبعث فيها روح التحدي و الرفض لكل أشكال الضلال و الباطل و لأصرار شيعة أهل البيت (ع) على إقامتها راح الجاهلون و المتجاهلون يعيبون على ذلك و كانت محاولة لجعل الشعائر الحسينية عادات و تقاليد و أعراف فلكروية تقام بمناسبة عاشوراء بعيدة عن أهداف و نتائج الثورة الحسينية .
ومن خلال بحثنا هذا سوف نشير الى مبررات تأكيد الأئمة الأطهار (ع) على ضرورة تخليد العزاء الحسيني ومن ثم التطرق ألى أساليب الحفاظ على قدسية الشعائر الحسينية و التي أكتسبها من قداسة الإمام الحسين (ع) المثل الأعلى في ضمير ووجدان الأمة .
الفصـل الاول... مـبررات تأكيـد الائمـة الاطهـار (ع) علـى اقامـة الشعائـر
أن كل أنواع العزاء المتعارف إقامته عند كل الشيعة و المحبين للأمام الحسين (ع ) هو من مصاديق الشعائر الحسينية و تشملها الآية الكريمة ( ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب )(2) فما هو سر التأكيد على إقامة المأتم الحسيني و يمكن أن نشير الى ذلك بنقاط
1 ـ أن الهدف من تعليمات الائمة يكمن في أنهم كانوا يريدون لنا إن نصنع من كربلاء مدرسة تعليمية و تربوية خالدة الى الأبد .. ( فالمقصود من إقامة الشعائر الحسينية ليس تقديم التضامن و السلوى لأل بيت النبي عليهم السلام وكما يقول أصحاب المنبر الحسيني * إسعادا للزهراء و إرضاء لها و بالتالي التصور بأنه كلما بكينا أكثر على أل البيت كلما كان ذلك أكثر عزاء و سلوى للرسول (ص) و للزهراء (ع) . فكم نكون بذلك قد حجمنا و همشنا من قيمة و حجم الرسول و الزهراء و أمير المؤمنين علي عليهم صلوات الله و هم الذين كانوا يتوقون للشهادة و يرون فيها فخراً لهم )(3)
2 ـ مدى تأثير البكاء في النفوس أولاً وفي الإعلام ثانياً وفي التربية ثالثاً. فمن يتمكن من إبكاء فأنه في الحقيقة يكون قد أمتلك قلوبهم و بالتالي تمكن من التحكم و السيطرة على عواطفهم و توجيهها بالاتجاه الذي يريد .
" أن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً "(4) ( والبكاء قد يكون لأجل إقامة الحجة على الخصوم إلا أنه ليس وظيفة الشهداء أنفسهم و إنما هي وظيفة من بقي منهم ومن ذويهم و نسائهم لكي يكشفوا للعالم الخارجي عن أهمية الأمر و عظمة قضية الحسين (ع) مضافاً إلى أن الأسلوب الوحيد لإقامة الحجة ليس هو البكاء بل ليس هو الأسلوب الأفضل نعم حين لا يكون الكلام ممكناً يكون البكاء لإقامة الحجة متعيناً وهو ما فعلته فاطمة الزهراء سلام الله عليها بعد أبيها و فعلته زينب بنت علي (ع ) بعد أخيها الحسين و أصحابه و فعله الإمام السجاد (ع) بعد أبيه (5).
3 ـ ينبغي على الناس إن تستمع الى المأتم الحسيني الصادق حتى تتسع معارفهم و ينمو مستوى التفكير لديهم و يعرفوا بأن اهتزاز روحهم مع أي كلمة من كلمات المأتم الحسيني يعني تحليقها و أنصارها مع روح الحسين (ع) و بالتالي فأن دمعة واحدة إذا أخرجت من مآقيهم كافية لمنحهم ذلك المقام الكبير لأنصار الحسين .
( فأن الحسين إنما قام للمقارعة ضد الذنوب و إذا بنا جئنا لنجعل منه متراساً لأرتكاب الذنوب و للمذنبين و تمادينا كثيراً في هذا الاتجاه عندما قلنا بان الحسين قد أسس شركة الضمان و أي ضمان ؟ ضمان عند الذنوب و صرنا ندعو الناس للتسجيل في هذه الشركة مقابل أقساط من الدمع )(6) .
أن مدرسة الحسين مدرسة صناعة الانسان ليست مدرسة أرتكاب الذنوب و أن الحسين متراس العمل الصالح لا متراس الذنوب و الرذيلة .
4 ـ إن واقعة الامام الحسين (ع) موضوع و عنوان تبليغي هام للعالم الاسلامي وهي نوع من الاحياء الدائم لمبدأ الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و شكل من أشكال الظهور السنوي لسيد الشهداء في مظهر الخطباء و القراء الحسينيين و فلسفة التذكير و البكاء هذه تهدفا الى تخليد هذه النهضة على مر العصور و الدهور و هذا يعني أن الحسين (ع) سيظهر على الناس في كل عام وهو ينادي الرأي العام و يصبح بالعامة :ـ ( ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ) و سيكون نداؤه الذي يسمع في الأفاق :ـ ( لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين ألا برما ).
5 ـ إن مدرسة العزاء الحسيني ليست مدرسة محض حزينة إنها مدرسة تمرد و ثورة فقد كانت واقعة كربلاء على مر التاريخ الاسلامي سبباً و منشأ لحدوث الثورات و أنهدام قصور الظلمة و الطواغيت و قد لعب عامل شحذ النفوس بالبغض و الحزن المنطقي و الاجتماعي دوراً كبيراً في تلك الحوادث وهي مرشحة لتعلب مثل هذا الدور في المستقبل أيضاً .
6 ـ ( إن الشهادة إذا ما قيست بمقياس فردي فأنها علامة موفقيه و نجاح و لا بد أن يحتفل لها و يفرح من أجلها لكننا إذا ما وضعناها في المعيار الاجتماعي العام فلا بد أن نرى فيها علامة للهزيمة و الفشل لذلك المجتمع الفساد و المنحط و الذي يقول عنه سيد الشهداء نفسه ( وعلى الاسلام السلام إذا قد بليت الامة براع مثل يزيد ) ومن أجل تجديد و إحياء روح النضال و الكفاح على طريق الحق لابد من أيجاد مدرسة الحزن و البكاء لأنها المدرسة الأكثر نفعاً و الأعم فائدة في هذا المضمار (7) .
7 ـ ( الحزن و البكاء المطلوب في محبي الحسين (ع) في الشريعة فلأن تكليفه (عليه السلام) يختلف عن تلكيفنا و تقديره غير تقديرنا و نظره إلى الأمور غير نظرا ، أما البكاء و الحزن فهو لأجل تربيتنا دينياً و ثوابنا أخروياً و إما الاستبشار فله و لأصحابه لأجل الشعور بالسعادة بنعم الله و رحمته و كلما أزداد البلاء كان أكثر نعمة ورحمة )(8) .
8 ـ ( إن تلك المجالس توضح إن الصراع الذي دار بين أئمة الهدى و بين خصوصهم ليس صراعاً شخصياً ذاتياً و إنما هو صراع بين اتجاهين مبدئيين عقائديين و بعبارة أدق أنه صراع بين الإيمان الواضح الصريح و بين الشرك المبطن بالإيمان )(9) فأبو سفيان قد قال بوضوح في بيت عثمان ( يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة إما و الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار و ما زالت أرجوها لكم و لتصيرن إلى أبناكم وراثة )(10) .
9 ـ ( كان الأئمة من أهل البيت يحرصون على بقاء هذه الذكرى حية خالدة فأمروا بأحيائها و انتشارها لأنها لا تنفصل عن أهداف الإسلام العليا و مقاصده السامية .
قال الإمام الصادق (ع) لجماعة من أصحابه في اليوم العاشر من المحرم :
أتذكرون ما صنع بجدي الحسين (ع) لقد ذبح و الله كما يذبح الكبش و قتل معه سبعة عشر شاباً من بنيه و أهل بيته و أخوته ما لهم على وجه الأرض من مثيل . و يرى العارفون من الشيعة أن الإمام (ع) لم يقصد بذل أن يثير عواطفهم و أحزانهم و يستدرجهم للبكاء و النحيب بل يريد من ترديد تلك المأسي على مسامعهم أن يغرس في نفوسهم عظمة الحق الذي قتل الحسين و أهل بيته من أجله و الاستهانة في سبيله بكل شيء كما صنع الحسين و ضحى بكل ما لديه من مال و بنين و أخيراً بنفسه الكريمة (11).
10 ـ ( إن إقامة شعائر الإمام الحسين (ع) بأي نحو كان و بكل صوره المتعارفة في أوساط الشيعة أمر جائز على ما هو المشهور بين الفقهاء بل هو مستحب أيضاً وقد اهتدى الملايين من الناس ألى الاسلام و التشيع بسبب إقامة هذه المجالس وهذه المجالس وهذه الشعائر المقدسة و ببركة الإمام الحسين (ع) الذي وصفه جده رسول الله (ص) بأنه مصباح الهدى و سفينة النجاة )(12) .
11 ـ إن فلسفة تعظيم شعائر عزاء سيد الشهداء مكافأة يقدمها التاريخ لأبطال عاشوراء . أن الطباع الادمية قد أشربت حب الشهداء و العطف عليهم و تقديس ذكراهم بغير تلقين و إنما تنحرف عن سواء هذه السنة لعوارض من جزاء وهو الثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود (13) .
الفصـل الثانـي ...كيفيـة الحـفاظ علـى الشعائـر الحسينيـة والارتقـاء بهـا
ماذا ينبغي علينا عمله حتى نرفع من قيمة عزاء الحسين و درجة أهميته ؟ إن المطلوب منا أحياء الشعائر الحسينية الحية وبعدة و سائل منها :ـ
1 ـ التوجيه بالتثقيف و القدوة :ـ فلا بد إن يتناول المنبر الحسيني المعاصر الثقافة التي ورثناها من الحسين (ع) و التي ورثها الحسين من الأنبياء (ع) " أن دور التثقيف في إعداد الناس هو دور القيادة إلى الله تعالى . فالمعلم المربي يدلك إلى الله تعالى دلالة بينما القدوة الصالحة يأخذُك معه إلى الله " (14) .
2 ـ إن المنبر الحسيني مدرسة إلهية سيارة حباها الله من القدسية في نفوس الناس مالم يمتلكه منبر أعلامي أخر في العالم و لهذا ينبغي لمن يتصدى لإقامة هذه الشعيرة الشريفة سواء كان خطيباً أو مقيماً لها أن يتخلق بأخلاق صاحبها ليعكس الوجه الناصع لثورة الحسين (ع) و لا يكون كأولئك " الذين يصعدون على منبر سيد الشهداء يشيدون ببطولته و عظمته و مبادئه واعظين ومرشدين إلى سبيله و هدايته حتى إذا نزلوا طأطأوا رؤوسهم للوجهاء و مدوا أيديهم للأغنياء "(15) .
3 ـ " التورع عن نسبة الأقوال و الأفعال إلى المعصومين و غيرهم كذباً فأن الكذب من أعظم الكبائر و الكذب على غيرهم كبيرة . سواء على الأشخاص أو على مؤلفي المصادر أو على أي مؤمن و مؤمنة "(16) .
4 ـ أن ذكرى الحسين ما زالت و لن تزل حية في القلوب فعلينا أن نستغلها لمرضاة الله و رسوله ولصالح الاسلام و المسلمين و بث العلم و الوعي و جمع الكلمة لا لإشاعة الجهل و التفريق و الاتجار بالدين و العواطف " فالذين يقضون حياتهم في معاقرة الخمور وفي حوانيت الدعارة و لا ينطقون ألا بالكفر و الفسق و سب الأديان و المذاهب و لا يتعرفون على صوم و لا صلاة حتى إذا جاء يوم العاشر من المحرم لبسوا الأكفان و ضربوا الجباه بالسيوف و الأكتاف بالسلاسل و أظهروا الشيعة و التشيع بأبشع الصور و المظاهر ووسموا الذكرى المقدسة بأقبح السمات و أفسحوا المجال للمفترين و المتقولين بأننا لا تُصلح للحياة و إن عقيدتنا بدعة وضلالة وسلحوا العدو بأقوى سلاح وأمضاه "(17) .
5 ـ الاستفادة أكثر من ذي قبل من التقنية الحديثة لنشر أهداف الإمام الحسين (ع) بجميع محتوياتها من الكتب و الصحف و كذلك الأفلام و المسرحيات و القنوات الفضائية و الشبكة المعلوماتية وكل ما يمكن بواسطته و بنزاهة كاملة إيصال صوت الحسين (ع) إلى كل أفراد البشر .
خاتمـة البحـث
كان أئمة أهل البيت (ع) يركزون تركيزاً مكثفاً على توجيه الامة الى الارتباط بالحسين (ع ) و يحثون الناس على البكاء عليه و يدعون الشعراء إلى إنشاد الشعر فيه و إبكاء الناس و تهيج أحزان يوم الطفوف و يؤكدون تأكيدات متلاحقة على زيارة الحسين (ع) مع اليقين من حظر انتقام السلطات الحاكمة .
وتخوف أعداء الاسلام و أعداء أهل البيت (ع) على طول التاريخ من أحياء شعائر الامام الحسين (ع) و يسعون دائماً بكل الوسائل دون إقامتها لأنهم علموا إن الشعائر الحسينية هي التي أستطاعت عبر أحداث التاريخية و الاطماع السياسية أن تحفظ الدين الاسلامي و مذهب أهل البيت (ع) من الضياع و التحريف و الاندراس و التشويه و الابادة و التدمير على مر التاريخ هذا إضافة الى أن الحكومات الظالمة ترى في إقامة هذه الشعائر خطراً يهدد عروشها و يندد بكيانها و لذلك لم تجد سبيلاً سوى الممانعة من أقامة هذه الشعائر المقدسة و محاربتها بكل أساليب الخداع و المكر و الاستهزاء و التهمة .
ونحن على أمل أن يأتي ذلك اليوم الذي يستنير فيه المسلمون وكل العالم من نور الإمام الحسين (ع) و يستضيئوا من مصباح هدايته جادين في تحقيق سيادتهم و سعادتهم في الدنيا و الآخرة .
المصـادر
1 ـ الملحمة الحسينية : الأستاذ مرتضى المطهري ج 3، 2 ، 1 ط ـ 1425 هـ
2 ـ أضواء على ثورة الحسين : السيد محمد الصدر، ط 2 .
3 ـ الإمام الحسين (ع) شمس لا تغيب :الشيخ جميل الربيعي ، ط1 ـ 1426 - 2005
4 ـ سيرة الأئمة الاثنى عشر : هاشم معروف الحسني ج2 ط3 ، 1426 .
5 ـ الحسين و بطلة كربلاء : محمد جواد مغنية : ط 2 ـ النجف الاشرف
6 ـ رؤى عن نهضة الإمام الحسين (ع) الأمام السيد محمد الحسين الشيرازي .
دار صادق للطباعة كربلاء المقدسة 1425 هـ ـ 2004 .
7 ـ في رحاب عاشوراء : محمد مهدي الاصفي : مؤسسة نشر الفقاهة .
الهوامـش
1 ـ الامام الحسين (ع) شمس لن تغيب : الشيخ جميل الربيعي ص 379 .
2 ـ الحج : 32
3 ـ الملحمة الحسينية : الاستاذ مرتضى مطهري ج 1 ـ 2 ص 84 .
4 ـ الامام الحسين شمس لا تغيب : الشيخ جميل الروبيعي ص 356 .
5 ـ أضواء على ثورة الحسين : السيد محمد الصدر ص 130 .
6 ـ الاستاذ مرتضى مطهري ج 3 ص 219 .
7 ـ الملحمة الحسينية (ع) شمس لا تغيب : الشيخ جميل الربيعي ص 372 .
8 ـ أضواء على ثورة الحسين : السيد محمد الصدر ص 129 .
9 ـ الإمام الحسين (ع) شمس لا تغيب : الشيخ جميل الربيعي ص 372 .
10 ـ الملحمة الحسينية : الأستاذ مرتضى المطوري ج 3 ص 98 .
11 ـ سيرة الأئمة الاثنى عشر معروف الحسين ص 102 .
12 ـ رؤى عن نهضة الإمام الحسين (ع) الإمام السيد الحسني الشيرازي ص 34 .
13 ـ الملحمة الحسينية : الاستاذ مرتضى المطوري ج 3 ص 161 .
14 ـ في رحاب عاشوراء : محمد مهدي الاصفي : ص 80 .
15 ـ الحسين و بطلة كربلاء : محمد جواد مغنيه ص 223 .
16 ـ أضواء على ثورة الحسين : السيد محمد الصدر ص 174 .
17 ـ الحسين و بطلة كربلاء : محمد جواد مغنية ص 223 .
|