المقدمة
كانت الأجواء السياسية في العراق مشحونة ومتفجرة ففي الداخل كان الشعب العراقي معبئا بالكامل ضد سياسة الحكومة وتشبثها بحلف بغداد والاتحاد الهاشمي وتبعيتها المعلنة للسياسة البريطانية ، يساعد في هذا قيام الجبهة الوطنية في عام 1957 وعدم التحسن الملموس في الأوضاع المعاشية للشعب ، وقد لعبت ثورة يوليو 1952 (مصر ) دورا مهما في نمو الوعي القومي كما لعبت شخصية عبد الناصر الطاغية وجرأته ( الكارزما ) في مواجهة السياسات الاستعمارية في الشرق الاوسط عاملا آخرا مضافا لما تقدم
لقد تنبهت السفارة البريطانية في بغداد الى هذا الوضع السياسي المعقد والحساس فكتب السفير البريطاني (مايكل رايت ) رسالة الى وزارة الخارجية البريطاني تحت رقم سري 47 بتاريخ 22 نيسان من عام 1958 محذرا من انفجار الوضع في العراق : ( هناك اوجه شبه صارخة بين الوضع في العراق وايران مثل العامل الذي ينطوي على مخاطر تفجر ، المتمثل بمشاعر الاحباط السياسي في ظل نظام استبدادي خصوصا الطبقة الوسطى المتنامية بالاضافة الى الاعتقاد بوجود مهيمن وشرير ، بالنسبة للبعض ، لبريطانيا وفي حالة عدم امانية تحييد دور عبد الناصر يجب على العراق أن يمارس عملية ادامة للوضع لمدة طويلة ويجب على بريطانيا والولايات المتحدة أن تكونا على استعداد للوقوف الى جانب العراق ومساعدته في هذه العملية) في ظل كل هذه الأجواء من التحضيرات والتحضيرات المضادة وقعت ثورة 14 تموز عام 1958
وهكذا فوجئ الشعب العراقي صبيحة ذلك اليوم بصوت العقيد الركن (عبد السلام عارف ) يملأ اجواء بغداد بالبيان رقم واحد وبعد بضعة ايام بالزعيم عبد الكريم قاسم يشكل الوزارة العراقية ومجلس السيادة ثم تتالى بيانات القيادة الجديدة لتغير معالم الخريطة السياسية ، ولكن حلفاء الثورة اختلفوا وانقسم الشارع العراقي بين الوحدة والأتحاد الفدرالي ومورست اقسى اعمال العنف وكان ذلك مؤشرا على ان انقسام القيادة السياسية ينعكس على الجماهير وان الخلاف في الشارع هو في الأساس خلاف في مواقف القيادات وطموحاتها الشخصية لأن الذي حصل ان الوحدة لم تتحقق والأتحاد الفدرالي لم ير النور
اعدم عبد الكريم قاسم واستلم ثنائي التحالف الجديد المكون من البعث والعسكر بقياة عارف الحكم ولكن ثانية سرعان ماتحول التحالف الى حرب شوارع وتم طرد حزب البعث بقوة الدبابات التي قادها ثنائي عبد السلام وطاهر يحيى
لقد اردت بهذه العجالة اعطاء صورة عن الوضع السياسي العنيف والمشحون بالعداء لأستطيع ان أقدم تفسيرا عن حالة التخندق والعصبية التي كانت تحكم الصحف العراقية عموما ذلك ( لان الصحافة انعكاس للواقع السياسي)
وقد كان ذلك واضحا على عموم الصحف العراقية ولم يستطع الصحفي العراقي ان يقدم عملا صحفيا محترفا بل كان طرفا في النزاع وبالطبع ينطبق هذا على الصحافة في البصرة فقد كانت صحيفة الناس ذات الخط القومي (حزب الأخاء الوطني) تقف في مواجهة صحيفة المنار (التي تولى تحريرها مجموعة من اعضاء الحزب الشيوعي بالاتفاق مع صاحبها السيد عبد العزيز بركات لفترة قصيرة) وصحيفة (صوت الطليعة ) التي كان تنطق باسم اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في البصرة وكما سيأتي تفصيله عندما نتناول الصحف التي كانت تصدر في عهد الجمهورية الاولى
واعتقد انه لزاما ان نتناول ولو بايجاز اهم انجازات ثورة 14 تموز 1958
1 ـ انهت ارتباط العراق بالاحلاف الدولية والأقليمية وبذلك انهت السيطرة الاستعمارية على العراق
2 ـ حررت العملة العراقية من ارتباطها غير المبرر بالجنيه الأسترليني
3 ـ انهت هيمنة الاقطاع على الحياة العامة في العراق بتشريعها قانون الاصلاح الزراعي وبذلك حررت 70% من سكان العراق من الفلاحين من الهيمنة الاقطاعية وهذ يعني اطلاق امكانات وقوى هائلة لتسهم في بناء العراق
4 ـ انهت الهيمنة الاحتكارية على الثروات النفطية العراقية باصدارها القانون رقم 80 وسحب اكثر من 99% من المناطق النفطية من هيمنة الشركات الاحتكارية كما تم تأسيس شركة النفط الوطنية
5 ـ بدأت خطة اعمارية واسعة النطاق بالتعاون المباشر مع الاتحاد السوفييتي 1980 والكتلة الشرقية
لقد كان من نتائج ذلك ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي في عام 1960 الى 8 ، 7 مليار دولار (مقسوما على حوالي 6 مليون نسمة فأن هذا يعني ان دخل الفرد في عام 1960 ـ 1961 كان 1400 دولار باسعار 1980 ) ولكن هذ الناتج تراجع في عام 1993 الى 10 ملياردولار بعد ان تصاعد منذ 1960 وحتى عام 1979 ليصل الى 54 مليارا ، فاذا ما عرفنا ان ال 10 مليارات هي لأعاشة 21 فان حصة الفرد من الدخل القومي عام 1993 كانت 485 دولارا ، وهذا يعني تدني حصة الفرد العراقي من الدخل القومي الى حوالي 35 % عما كان عليه في عام 1960
لقد صدرت في العهد الجمهوري (1958 ـ 1968 ) 27 بين مجلة وصحيفة وكانت كما يلي :
1 ـ عدد الصحف 18 صحيفة
2 ـ عدد المجلات 9 مجلة
وقد توزعت من حيث اهتمامها وتخصصها وفقا للاتي .
1 ـ سياسية 15
2 ـ أدبية 6
3 ـ دينية 4
دراسات 2
اما من حيث ملكيتها فقد كانت
1 ـ 7 صحف تملكها الدولة وذلك بعد عام 1963 ففي فترة حكم عبد الكريم قاسم لم تكن الدولة تملك اية صحيفة في البصرة
2 ـ حزبية 7 توزعت بين الحزب الشيوعي وحزب الوطني الديمقراطي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب الاستقلال والحركات القومية
3 ـ بلغ عدد الصحف والمجلات المستقلة 13
ومن الملاحظات العامة على الحياة الصحفية في البصرة خلال هذه الفترة :
1 ـ بحكم الخلافات السياسية الحادة وانقسام الشارع العراقي عموما فقد تخندقت صحف البصرة في مواقع فكرية وسياسية وتحولت الى منشور سياسي يعكس التناقضات بكل اشكالها
و انعدمت الروح المهنية والحرفية الصحفية ولهذا فقد عانت من الغموض والتشوش في عرض موادها واصبحت تصريحات القيادات السياسية وصورها تشغل الحيز الاكبر في تلك الصحف وعلى العموم تحولت الى ناطق باسم الحزب الذي تمثلة اكثر منها ممثلة لتيار سياسي ولم يعد هناك من كبير حاجة الى المراسلين الصحفيين والتحقيقات الصحفية ومتابعة المشاكل اليومية للمواطنين كما لم تشهد الصحافة دراسات معمقة في الشؤون العامة ، وكان الشاغل الاكبر لها هو : مع أم ضد
2 ـ قامت السلطات باغلاق الصحف المعارضة او التي لاتلتزم بنهج الحكومة السياسي وقد اغلقت صحيفة الجماهير للسيد اسعد الفريح وهي صحيفة بعثية وكان ذلك في 19 ـ 11 ـ 1959 وكانت فترة صدورها 6 اشهر
ثم صحيفة صوت الطليعة للسيد نصيف الحجاج وكانت تمثل الحزب الشيوعي في البصرة وكان ذلك في 1961 وقد استمرت تصدر لمدة 16 شهرا
وبعد ذلك صحيفة نداء الاهالي للسيد جعفر البدر وهي لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي التي اغلقت في 20 – 1 – 1963 بعد ان استمرت بالصدور لمدة سنتين وكان الغلق قبل شهر من سقوط نظام عبد الكريم قاسم
اما صحيفة لواء العروبة للسيد زكي جميل حافظ وهي صحيفة بتوجهات بعثية اغلقت بعد استيلاء عبد السلام عارف على الحكم بعد ابعاد حزب البعث العربي الاشتراكي وصحيفة وعي الجماهير للسيد احسان وفيق السامرائي وقد صدرت الصحيفة اثناء صعود حزب البعث الى السلطة عام 1963 واغلقت فور ابعاده عن السلطة في تشرين ثاني من نفس العام وكان حظ السيد السامرائي هو الاسوء فقد حكم عليه بالسجن لمدة اربعة اشهر
صحيفة الخليج العربي التي لم تعمر اكثر من 16 يوما وكان ذلك في 25 – 12- 1963
مما تقدم يمكن ان نستنتج مدى الديمقراطية التي كانت سائدة ومدى احترام الصحافة في العراق وهذا مايشير الى عدم ارتياح السلطات للصحافة الحزبية اذ كما مر فان الصحف الحزبية هي الاكثر تعرضا للعقوبات على الرغم من صدور قانون ينظم الحياة الحزبية ومن ادعاءات السلطات انها مع الحركة الحزبية لأنها الالية التي تمارس من خلالها العملية الديمقراطية وانها مع حرية الصحافة لتتمكن من اداء دورها في الرقابة
3 ـ عانت الصحافة في البصرة من عدم توافر كوادر صحفية محترفة يمكن ان تنهض بالمهنية في الاداء رغم مرور حوالي 80 عاما على تاريخها (1889 ـ 1968 ) وربما يعود ذلك لما تتطلبه المهنة الصحفية من عناصر تحمل العديد من مستلزمات الثقافة العامة كاللغة والتاريخ والاقتصاد وعلوم السكان واعمال التجارة وعلم الاجتماع اضافة الى التدريب المستمر ووفق منهجية وبرامج متخصصة ، معظم الصحفيون الذين اكتسبوا الخبرة وكانوا مهيئين لتطوير الصحافة غادروا البصرة الى بغداد
4 ـ من الملاحظات ذات الطابع العام والتي انعكست نتائجها على الصحف البصرية هي سرعة صدور القوانين التي تنظم المطبوعات وتلاحق تعديلاتها مما يكشف عن هاجس الخوف لدى السلطات خصوصا في الفترة الثانية من عمر الجمهورية الاولى
صدر آخر قانون ينظم المطبوعات قبل يوم واحد من سقوط نظام عبد الكريم قاسم فقد صدر قانون المطابع رقم 71 في 7 ـ 2 ـ 1963
وفي الاسبوع الاول من وصول الحكم ثنائي البعث ـ العسكر تم تنظيم عمل المطبوعات بالقانون رقم 53 الذي اقر رسميا في 7 ـ 4 ـ 1964
ثم صدر القانون رقم 53 لسنة 1964 والذي اقر في 7 ـ 4 ـ 1964
ومن الملاحظات على جملة هذه القوانين ، حرصها على تسمية الصحيفة او المجلة ( بالمطبوع )
والمطبوع هو اما دوري اذا صدر بانتظام وغير دوري اذا لم يلتزم بالصدور في مواعيد محددة
والدوري يصنف الى نوعين فاما ان يكون سياسيا او ادبيا
كما اشترطت تلك القوانين في المطبوع ان يكون له مالك أو مالكون وان يكون الشخص الذي يتحمل المسؤلية السياسية والجنائية من حملة الشهادات العا لية وكان يسمى حتى عام 1954 بالمدير المسؤول وفي منتصف العام ابدلت التسمية الى رئيس التحرير
5 ـ ومن الملاحظات التي لابد من الاشارة اليها ان الصحافة على وجه العموم لم تتعرض فيه الى الملاحقة والانتقام هي الفترة التي اعقبت 18 تشرين الثاني عام 1963 على الرغم من انه لم يحتمل قيام صحافة حرة وعلى هذا فقد عمد في آخر ايامه الى منح مؤسسة حكومية امتيازا احتكاريا باصدار الصحف ويذكر السيد فيصل حسون الى ان الحجة التي تعكز عليها النظام (انها صحف قطاع عام )
6 ـ لم يكن للصحفين في العراق عموما تنظيم مهني حتى عام 1959 وكانت ترعى بعضا من شؤونهم جمعية اصحاب الصحف التي تشكلت في اواخر عام 1944 برئاسة السيد كامل الجادرجي زعيم حزب (الوطني اليمقراطي ) وصاحب صحيفة الاهالي
في عام 1959 تقدمت مجموعة من الصحفيين بلائحة قانون تأسيس نقابة الصحفيين وقد صدر قانون تأسيسها برقم 98 لستة 1959 ونشر بجريدة الوقائع العراقية وبناء على ذلك انعقد المؤتمر الاول في ايلول 2959 وتم فيه انتخاب الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري رئيسا للنقابة وجدد انتخابه في المؤتمر الثاني في نيسان 1960