يواجه الباحث في تاريخ صحافة البصرة تعذر الحصول على مصادر موثقة وذلك بسبب عدم الاهتمام في حينه بالتوثيق للأشخاص والاحداث على نحو تفصيلي ، وقد تكون هناك بعض الوثائق ولكن الاحداث التي مرت بالبصرة منذ الحرب العراقية الايرانية وحتى (صولة الفرسان ) في عام 2008 قد تسببت في اتلافها او ضياعها
كتبت لي الدكتورة انعام الهاشمي تعلق على ماسبق ان كتبته عن صحيفة عبد الرحمن الهاشمي (صحيفة الأخاء 1926 ) ، بانها كانت تمتلك مجلدات من الصحيفة التي تحتفظ بها والدتها في بيتهم في البصرة ولكن البيت قد تعرض للتدمير وضاعت المجلدات
أستشهد بهذه الشهادة ربما لأبرر صعوبة الحديث التفصيلي عن رواد صحافة البصرة
عبد الرزاق الناصري ، بدأ حياته مدرسا للغة العربية في ثانوية البصرة ولكنه ترك التدريس ليتحول الى الصحافة الصحف التي اصدرها
أولا : في 04 ـ كانون الثاني 1930 اصدر( صحيفة الايام) مرة في الاسبوع وفي آب من العام نفسه بدأت تصدر ثلاث مرات في الاسبوع ولكنها انتقلت الى بغداد بذات الشهر
وفي دراسة تاريخية للصحيفة كتب الدكتور يوسف عبد الكريم الرديني الاستاذ في جامعة البصرة بحثا مطولا نشرته مجلة الآداب
(1) اجمل منه مايلي :
تعد جريدة الايام من الصحف السياسية الصادرة في البصرة خلال ثلاثينيات القرن الماضي ، وواكبت التطور الفكري والتاريخي في البصرة ، وقد حددت في مقالها الافتتاحي الاول اهدافها والغرض من اصدارها ، وصدر العدد الاول منها في 4/1/1930 ، واستمرت بالصدور لمدة ثمانية اشهر ، حتى احتجابها في شهر آب من العام نفسه ، اثر انتقال امتيازها الى بغداد ، وكانت غنية بمادتها الصحفية اذ كتبت للادب ونشرت العديد من القصائد الشعرية ، اضافة الى المواد الفكرية التي عالجت قضايا عديدة على الصعيد السياسي محليا وعربيا ، وكان لها حسا وطنيا واضحا من خلال الصبغة الطاغية على ما كتب فيها من مقالات نددت بالاحتلال الاجنبي واكدت على وحدة العراق.
وضرورة استقلاله وتخلصه من السيطرة البريطانية المباشرة ، وساندت القضية لفلسطينية العربية والقضايا العربية الاخرى.
ثانيا : وفي 05 ـ تموز من عام 1936 قام السيد عبد الرزاق الناصري بنقل صحيفته (الأنباء)
من بغداد الى البصرة ، وكانت اول صحيفة عراقية تنتقل من العاصمة الى (الالوية ) وتم تعطيلها في 8 مايس 1941
(2) ولكن هذا التاريخ غير دقيق وذلك بالنظر لاستمرا صدورها فقد جاء في موسوعة البصرة الحضارية
(3) : ان جريدة الانباء كانت من المعارضين لجبهة رشيد عالي الكيلاني ـ العقداء الاربعة وانها ابتداء من العدد 208 في 10 ـ 6 ـ 1941 كانت تنشر مقالا يوميا بقلم رئيس التحرير (الناصري ) بعنوان (القائمة السوداء ) يتهم فيها انصار حركة مايس بالنازية كما اعتبر ان الحركة تمردا وعصيانا على الحكومة الشرعية وكان ممن هاجمهم :
1 ـ الشيخ محمد السند
2 ـ ابراهيم وصفي رفيق
3 ـ تحسين قدري
4 ـ طه الفياض
5 ـ تقي الشيخ راضي
6 ـ الدكتور جمال الدين الفحام
7 ـ عبد الباري الزواوي
8 ـ فيصل حمود (صاحب المكتبة الاهلية في البصرة )
9 ـ ساطع الحصري
10 ـ درويش المقدادي
11 ـ فوزي القاوقجي
12 ـ الدكتور اكرم زعيتر
وقد أمر وكيل المتصرف محمد صالح حمام (تم اعتقال المتصرف صالح جبر وارسل مخفورا الى بغداد ) يقضي بغلق الصحيفة وجاء في امر الغلق (ابتعاد صاحبها عن عرض المواد على الرقابة حسب التعليمات المعمول بها )
كما اشار وكيل المتصرف في كتاب الى مديرية الدعاية : ان رئيس التحرير نشر ما يهيج الرأي العام كما ان الجريدة تخلو من مدير مسؤول ومن اجل ذلك وبعد التحقيق اوقفت جريدة الأنباء
ثالثا : في عام 1941 وبعد اغلاق صحيفة الانباء اصدر عبد الرزاق الناصري صحيفة (آخر ساعة)
يذكر السيد فيصل حسون في كتابه / الصحافة العراقية في الصفحة 45 ان الصحيفة صدرت في عام 1946 باسم السيدة فاطمة حسين ولا يذكر اية تفاصيل اخرى ويوضح السيد رجب بركات
(4) انه بعد وفاة صاحب الصحيفة انتقل امتيازها الى زوجته (فاطمه حسين ) ويبدو انه نظرا لكون السيدة فاطمة حسين لم تكن صحفية او انها لم تكن قادرة على اصدار الصحيفة فقد عهدت بها الى حزب الاستقلال الذي قام باصدارها في 10 ـ 11 ـ 1946 واصبح سكرتير التحرير السيد عبد العزيز بركات والمدير المسؤول المحامي عبد اللطيف عبد الوهاب جعاطة
بين الجواهري والناصري
يصف الشاعر الكبير الجواهري عبد الرزاق الناصري : بالوطني الشهم والصحفي الجريء ، ويذكر الصحفي جميل روفائيل أنه حين سمع سعود (نجل الناصري )
قال : كانا ، متفقان في القضايا الوطنية ويلتقيان بصورة متواصلة
كما يذكر الجواهري في مذكراته ان عبد الرزاق الناصري (الصحفي والأديب والشاعر الصديق )
كما ان الناقد البصري محمد الجزائري يذكر أن الجواهري القى قصيدته حول نزع عمامته التي كانت تلازمه في مقر جريدة الناصري وذلك عام 1928 .
وهنا يبدو ان التاريخ غير دقيق لأن اول صحيفة اصدرها الناصري، هي ( الأيام ) في عام 1930 وان صاحبها نقلها الى بغداد في اواخر كانون ثاني عام 1930 اي بعد ايام من اصدارها في البصرة
توفي الناصري عام 1946 ، وعن الوفاة يقول الجواهري في مذكراته :
أن إبنه المدلل (سعود ) اخبره بتفاصيل الحادث كما يلي : بعد عودته من بغداد أوى الى فراشه وكان متعبا والقى بنفسه كمن لم ينم منذ زمن طويل وفي اليوم التالي كالعادة ، تقدم منه سعود ليوقظه ، رآه يغط في نوم عميق ، كان كل شيء قد انتهى وتوقف قلبه عن الخفقان حينها أخذ سعود بالصراخ
ومن الملفت للنظر في هذه الرواية التي جاءت في مذكرات الجواهري ، انه لم يرد ذكر زوجة عبد الرزاق الناصري (فاطمة حسين ) ، وتعطي الرواية الانطباع وكأن ابنه سعود كان وحيدا في الدار ، علما بأنه لم يكن يزيد عمره عن سبع سنوات
وهنا ملاحظة أخرى تتعلق بالتوجه السياسي لعبد الرزاق الناصري ، فهو صديق حميم للجواهري وهو من المناهضين لحركة رشيد عالي الكيلاني وهو أيضا لم يروج لعودة الحكم الملكي الذي ترك بغداد الى البصرة ولم يتعاون مع عبد الأله او القوات البريطانية كما لايوجد ما يشير الى اية علاقات خاصة تربطه بالمتصرف (صالح جبر )
فهل يمكن أن نستنتج من كل ماورد اعلاه انه كان أقرب الى اليسار سيما وان علاقة الجواهري بالحركة الديمقراطية العراقية كانت وطيدة منذ ان اصدر ( جريدة الفرات) في عام 1930 ، التي كانت تؤيد التعددية الحزبية ومع اعتماد الديمقراطية كنظام سياسي وتطالب بكفالة الحريات العامة ، ومن ثم ، فيما بعد التحق بجماعة الاهالي التي تأسست عام 1932 والتي تزعمها كامل الجادرجي
أبناء عبد الرزاق الناصري
للناصري ولدين هما غازي وسعود ، الاول لم يسجل عنه شيء ما ولكن سعود كان أحد كوادر الحزب الشيوعي البارزين خارج العراق كما كا ن صحفيا لامعا اشتغل في صحيفة الجمهورية وأصدر صحيفة ( الابيض ) وكتب في صحف الحزب الشيوعي فضلا عن كونه فنان تشكيلي وموسيقي ، وكان قد انهى دراسته العليا في موسكو وتنقل في العديد من عواصم العالم بعد ترك عمله في صحيفة الجمهورية ببغداد
وقد توفي في دمشق (2007 ) بسبب مضاعفات تسببت فيها عملية جراحية للكلى
------------------------------
(1) مجلة الآداب / تصدر عن كلية الآداب في جامعة البصرة في عددها الصادر بالرقم 37 لسنة 2004 / الصفحات 63 ـ 71
(2) رجب بركات / ............. ومضات مضيئة من صحافة البصرة / الصفحة 33
(3) موسوعة البصرة الحضارية / / ص 11
(4) رجب بركات / ............. / مصدر سابق / الصفحة 36