بعد تصاعد الضغط العسكري الألماني على الاتحاد السوفياتي بدأت دول الحلفاء بضخ التجهيزات العسكرية إلى الاتحاد السوفياتي عبر الأراضي العراقية وعبر إيران ، وسرعان ما برزت البصرة كموقع متقدم لتجهيز فلطسين وسوريا وتركيا بما تحتاجه من مواد ، فض ً
لا عن استخدامها طريقًا حيويًا لإرسال التجهيزات العسكرية والامدادات المختلفة إلى روسيا عبر إيران ، وغدت خلال سنوات الحرب نقطة إتصال حيوية في سلسلة خطوط الحلفاء سواء عن طريق البر أو البحر أو الجو.
وعلى هذا الأساس إرتفعت تجارة الترانسيت في عام 1942 بمقدار (18) مليون دينار قياسًا إلى عام 1941 وبأكثر من (6) ملايين دينار عن عام 1940.
ولا شك ان هذه الزيادة في واردات الترانسيت مردها إلى الظروف الحربية العامة التي جعلت من العراق طريقًا رئيسيًا لتجارة الأقطار المجاورة.
وكانت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في طليعة الأقطار التي مرت تجارتها بالعراق ، أما التجهيزات المرسلة من الهند واستراليا والمعدات العسكرية البريطانية والأمريكية فكانت تفرغ في ميناء البصرة لتنقل إلى تركيا والاتحاد السوفياتي عبر خطوط السكك ، وقسم آخر كبير منها ينقل من البصرة إلى المحمرة وبالتالي إلى الاتحاد السوفياتي.
ويوضح الجدول التالي حجم المواد العسكرية التي تم نقلها بواسطة سكك حديد الحكومة العراقية :
السنة |
الكمية بالطن |
1938 ـ 1939 |
3828 |
1939 ـ 1940 |
3042 |
1940 ـ 1941 |
3434 |
1941 ـ 1942 |
568386 |
1942 ـ 1943 |
2085107 |
1943 ـ 1944 |
2327648 |
1944 ـ 1945 |
1164748 |
ويلاحظ ان هذه الزيادة في نسبة النقل قد تصاعدت منذ عام 1941 بعد ، الهجوم الألماني على الاتحاد السوفياتي ، ثم استمرت هذه الزيادة حتى عام 1944 إلا انها أخذت بالانخفاض بعد ذلك بسبب تقلص العمليات والأنشطة الحربية واقتصار دائرتها على بلدان أوربا الغربية.
ولابد من الإشارة هنا إلى ان زيادة نسبة النقل بواسطة السكك الحديد قد أدى بدوره إلى زيادة واردات الميناء حسبما موضح في الجدول التالي :
واردات الميناء من عام 1939 إلى 1945 بآلاف الدنانير
السنة |
38 ـ 39 |
39 ـ 40 |
40 ـ 41 |
41 ـ 42 |
42 ـ 43 |
43 ـ 44 |
44 ـ 45 |
أ ـ القسم
البحري |
عوائد
الميناء |
65193 |
60851 |
53373 |
54524 |
87782 |
80426 |
82387 |
أجور
القيادة |
73941 |
69273 |
54840 |
62420 |
94871 |
87195 |
94933 |
أجورالرسو
والإقلاع |
35600 |
28674 |
33460 |
69408 |
120582 |
128340 |
16180
7 |
ب ـ قسم
النقليات |
عوائد
الميناء |
32917 |
30639 |
25678 |
41695 |
55839 |
50703 |
43011 |
أجور
التفريغ |
56162 |
48483 |
48337 |
128799 |
193365 |
153913 |
72807 |
أجور
التسليم |
12278 |
9605 |
10083 |
35617 |
54678 |
41302 |
21526 |
وطبيعي ان الزيادة في واردات الميناء دليل واضح على زيادة عدد البواخر التي دخلت ميناء البصرة ، وللتدليل على ذلك يمكن القول ان عدد البواخر التي دخلت البصرة عام 1942 بلغت 499 باخرة بحمولة 1.679.874 طن في حين إرتفع هذا الرقم ليبلغ عام 1944
(517) باخرة بحمولة 1.908.842 طن ، أما السنة الأخيرة من الحرب فأشرت إنخفاضًا طفيفًا حيث بلغ مجموع البواخر التي وصلت إلى ميناء البصرة ما مجموعه 439 باخرة بحمولة 1.602.523 طنًا.
ومما لاشك فيه ان الارقام السابقة انما توضح مدى تعاظم أهمية البصرة في خطط عمليات حرب الحلفاء وتلبية إحتياجاتهم ومتطلباتهم.
وعلى هذا الأساس وصلت إلى ميناء البصرة بعثة أمريكية رأسها الجنرال ويلر Wallar للإشراف على عملية إستلام التجهيزات العسكرية الأمريكية في البصرة ومن ثم إرسالها إلى الاتحاد السوفياتي ، وفضلا عن ذلك فان البصرة أصبحت مركزًا لتركيب وتجميع الطائرات الحربية الأمريكية لتأخذ دورها بعد ذلك في جبهة الحرب في مناطق الاتحاد السوفياتي.
ولابد من الإشارة هنا إلى ان تلك المؤشرات حول تصاعد وتائر تجارة الترانسيت والصادرات وكثرة البواخر الواردة إلى ميناء البصرة وتعاظم حمولاتها خلال سنوات الحرب لا تعني ان الأحوال الاقتصادية والمعاشية للمواطنين في البصرة قد تحسنت بالمستوى
نفسه ، حيث ان التأثيرات الاقتصادية لتلك الظواهر على المواطنين كانت محدودة ، فقد عانى ذوو الدخل المحدود من إرتفاع الأسعار ومن فقدان المواد الضرورية الأساسية وكذلك التضخم المالي.
كما ان الفلاحين قد عانوا كثيرًا بسبب الغلاء وظاهرة السوق السوداء ، وان معظم جهودهم في زيادة الإنتاج الزراعي كانت تذهب في جيوب حفنة صغيرة من أصحاب الأراضي والمشاريع الزراعية ، وكان الغلاء قد شمل الحنطة والشعير والسمسم والشاي والسكر والصابون ، فأسعار الحنطة بالرغم من ان الحكومة حددتها بمبلغ 25 دينارًا للطن أصبحت تباع بالسوق السوداء بمبلغ 35 دينارًا للطن ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الرز الذي ارتفع سعره من 30 دينارًا للطن الواحد إلى 50 دينارًا.
وكان التضخم النقدي الذي إستمر من أواسط عام 1941 قد أدى إلى هبوط في قوة النقد الشرائية وارتقاع الأسعار وتفاقم مشكلة التموين ، لهذا إتخذت الحكومة بعض الإجراءات الاقتصادية في منتصف عام 1943 بتنظيم الاستيراد والتصدير واخضاعه إلى قانون
تنظيم الحياة الاقتصادية ، الذي تم بموجبه إخضاع التجارة الخارجية إلى نظام التراخيص ، كما أن الحكومة أصبحت مستوردة لبعض السلع الأساسية وتوزيعها بالبطاقات كالسكر والشاي.
وعلى العموم يمكن القول ان إحتكار المواد الغذائية وارتفاع الأسعار وركود الأسواق وارتباك الوضع المالي وفقدان الأمن والاستقرار عوامل أساسية في زيادة تذمر السكان وكثرة تجمعات الأهالي وتوزيع النشرات والبيانات في شوارع البصرة الرئيسة وهي تندد بالسلطة القائمة ورموزها وبالأجنبي وبجنده.
وكانت تدعو الناس كافة في مركز مدينة البصرة وفي الأقضية إلى التكاتف والتظاهر والعمل سوية من أجل تخليص العراق من التحالف مع بريطانيا وتعزيز قوة الجيش العراقي والنهوض بمستوى السكان معاشيًا وثقافيًا وصحيًا.
وكذلك الدعوة الواضحة والصريحة لأن يأخذ العراق دوره الطليعي في التغييرات الجديدة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.