اهداف ثورة الحسين ( عليه السلام ) 1 ـ تقدم الحسين ( عليه السلام ) حتى وقف بأزاء القوم ، فجعل ينظر الى صفوفهم كانهم السيل ، ونظر الى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة فقال : " الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرفة بآلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرته والشقي من فتنته ، فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها ، وتخيب من طمع فيها ، واراكم قد اجتمعتم على امر قد اسخطتم الله فيه عليكم ، واعرض بوجهه الكريم عنكم واحل بكم نقمة . . . " . 2 ـ ولما دنا من القوم دعا براحلته فركبها ، ثم خطب في الناس فحمد الله واثنى عليه ، وذكر الله بما هو اهله ، وصلى على محمد ( صلى الله عليه وآله ) وعلى ملائكته وانبيائه ، قائلا : ايها الناس ! اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتى اعظكم بما هو حق لكم علي ، وحتى اعتذر اليكم من مقدمي عليكم . . . فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون " (5) " إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (6) . . . فانسبوني وانظروا من أنا ؟ الست ابن بنت نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) وابن وصيه وابن عمه ، واول المؤمنين بالله والمصدقين لرسول الله بما جاء من عند ربه ، اوليس حمزة سيد الشهداء عم ابي ؟ اوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي ؟ ! . . . لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا اقر اقرار العبيد ! عباد الله ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ" (7) " . . . إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ " (8) . 3 ـ وخطب مرة اخرى قائلاً : " يا اهل الكوفة ان الدنيا قد تغيرت وتكدرت وهذه دار فناء وزوال تتصرف باهلها من حال الى حال ، فالمغرور من اغتر بها وركن اليها وطمع فيها ، معاشر الناس : اما قرأتم القرآن ، اما عرفتم شرايع الاسلام ؟ وثبتم على ابن بنت نبيكم تقتلونه ظلماً وعداناً . . . " وذكرهم : " عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر فان الدنيا لو بقيت على احد او بقي عليها احد لكانت الانبياء احق بالبقاء واولى بالرضى وارضى بالقضاء . . . " ، " . . . وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ " (9) . 4 ـ قام الحسين ( عليه السلام ) بتعبئة اصحابه في الميمنة والميسرة ، فأحاطوا بالحسين ( عليه السلام ) من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج الحسين ( عليه السلام ) من اصحابه حتى اتى الناس فاستنصتهم فأبوا ان ينصتوا فقال لهم : " ويلكم ماعليكم ان تنصتوا الي فتستمعوا قولي ، وانما ادعوكم سبيل الرشاد ، فمن اطاعني كان من الراشدين ، ومن عصاني كان من المهلكين . . . اما لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى ، عهد عهده الي ابي عن جدي ، فاجمعوا امركم وشركائكم فيكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون . . . وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كاساًَ مصبرة ، فلا يدع فيهم احداً قتله بقتلة وضربه بضربة ينتقم لي ولأوليائي ولأهل بيتي (10) واشياعي منهم ، فأنهم غرونا وكذبونا وخذلونا ، وانت ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير " . لم يترك الحسين ( عليه السلام ) النصيحة لهؤلاء القوم حباً لهداية الامة ولعل احد منهم يرجع من ضلالته ، فنادى : هل من ذابٍ يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا ؟ ( هل من معين يرجو الله في اعانتنا ) (11) . . . دلالات الخطاب
1 ـ إستثمر الإمام الحسين ( عليه السلام ) تلك الفرصة لتذكيرهم بامور الدين والآخرة ، وودعاهم الى عدم الإغترار بالدنيا .
فلسفة النهضة الحسينية (( . . . ان الحكم في صواب الحسين ( عليه السلام ) وخطئه لامرين ، لا يختلفان باختلاف الزمان ، وأصحاب السلطان ، والبواعث النفسية التي تدور على طبيعة الانسان الباقية ، والنتائج المقررة ، التي مثلت للعيان باتفاق الاقوال . . . )) فنوضح العلل والبواعث النفسية على الشكل التالي : اولاً : يبدو ان ملك يزيد لم يكن ثابتاً ومحكماً كما كان ملك معاوية ، ذلك ان الشخص الوحيد الذي كان متحمساً لولاية عهد يزيد هو المغيرة بن شعبة ، الذي لم يكن احد يتقبل اقتراحه يومها حتى معاوية نفسه ، وعندما تشاور مع زياد لم يكن رأي زياد موافقاً لإقتراح المغيرة ( على الأقل ذلك الحين ) . وأما مروان ابن الحكم ، فقد كان يقف بشدة ضد فكرة تولية يزيد ، لانه كان هو يسعى الى مثل ذلك المنصب بل وحتى كان يستعد للتمرد على الخليفة ، إلاّ انه قبل بالامر الواقع من خلال رشوة قدرها ( 1000 دينار ) شهرياً له و ( 100 دينار ) لاصحابه ، وأما سعيد ابن عثمان فانه خاطب معاوية يومها ، وقال له بان ابه وامه افضل من ام يزيد وابيه ، لكنه رضي بالتالي بولاية خرسان ، نستنتج من ذلك إن حكومة يزيد لم تكن حكومة مستقرة في ذاتها . ثانياً : ان حكم يزيد قام في الواقع على قاعدة سب علي ( عليه السلام ) وآل علي وأي بيعة من الحسين ( عليه السلام ) كانت تعني وجوب وفاءه بالعهد ، وعقد البيعة ، و هذا كان يعني قطعاً إضفاء الشرعية على هذه السنة السيئة ، جيلاً بعد جيل ، ( إن حكومة يزيد كانت أسوء من حكومة معاوية مئة بالمئة ، لأنها كانت حكومة مفضوحة العداء للإسلام ) . وأما حول نتائج التحرك الحسييني قبل كل شيء يمكن القول : إن يزيد نفسه لم يهنأ بالحكم ، ولم يرى الاستقرار للحظة واحدة بعد اندلاع الثورة الحسينية . فبعد واقعة كربلاء ، واجهته واقعة المدينة المنورة ، ثم بدأ عبد الله ابن الزبير من بعد ذلك حربه الداعية ضد يزيد وجاءت قضية مكة ، ثم تتالت على الحكم الاموي سلسلة تمردات ( يا لثارات الحسين ) التي استمرت عاماً من حكم بني أمية ، وهي تزلزل عرش تلك العائلة . ولهذا ترى البعض أمثال ( مارتن ) الالماني ، يعتقدون ان السياسة الحسينية كانت بالواقع قد وضعت مثل هذه الاهداف نصب عينها من الاساس . أما بشأن حركة النساء والأطفال في القافلة ، " . . . انما يبدو الخطأ في هذه الحركة حين تنظر اليها من زاوية واحدة ضيقة المجال قريبة المرمى ، وهي زاوية العمل الفردي ، الذي يراض باساليب المعيشة اليومية ، ويدور على النفع العاجل للقائمين به والداعين اليه . . . " . وان مسلم بن عقيل انما كان يقدر بالحقيقة على فعل الكثير مما كان يفعله إبن زياد ، اذ كان باستطاعته ان يأخذ الاموال ، ويعطيها ويوزعها ، لكن مثل هذه الاعمال كانت تعني مخالفة المبادئ التي كان يمثلها مسلم ، فمسلم الذي كان يستعد لاستقبال الموت تراه كان يفكر في اداء دينه فيوصي ببيع درعه ، وسيفه من بعده ، حتى يدفع الدين الذي كان عليه وهو ( 700 درهم ) إذاً لم يكن مسلم يفكر في كيفية جمع الاموال من الناس ، والاستغناء باموالهم ، حتى مع تهيؤ ظروف الحكم المؤقت له ، هذا على الرغم من توكل الإمام الحسين ( عليه السلام ) له كان يحمل معه معنى الممثل المالي (13) . فلسفة تعظيم شعائر عاشوراء إن فلسفة تعظيم شعائر عزاء سيد الشهدء ، مكافأة يقدمها التاريخ لأبطال عاشوراء ، لان العطف الإنساني هو كل ما يملك التاريخ من جزاء وهو الثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود ، واحياء ذكرى سيد الشهداء تربط بنا من احدى الجهات باعتبار ان هذه الذكرى عبارة عن نبع من الفيض الرباني الذي يمكننا الاستفادة منه ، وهي من جهة أخرى تقدير منا للشهداء والشهادة ، ومن جهة ثالثة تعبير عن الواجب التاريخي ، والفريضة الاجتماعية ، الملقاة على عاتقنا أمام المجتمع ، إن المنفعة الفردية عبارة عن عامل تنازع وتضارب وقبض ، واستخدام للمجتمع . بينما حس المنفعة العامة أو بعبارة أخرى المبادئ الاخلاقية الإنسانية السامية تشكل في الواقع عامل حفظ ، وتعاون وافاضة وإعانة للمجتمع . وعليه فإن أصحاب الخير العام هم الخدام الواقعيون للاصول والمبادئ والنواميس الاجتماعية ومن هنا وجب على المجتمع تقديرهم ، واجلائهم وإحاء ذكرهم على مر الدهور . شعارات عاشوراء إن الشعارات التي رفعها الإمام ابي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) واهل بيته واصحابه في يوم عاشوراء ، وتحول عاشوراء الواقعة والقضية بالنسبة لنا نحن الشيعة الى الشعار دائم في حياتنا ، يوم عاشوراء بين من خلالها روح نهضته ، وحدد بالضبط الهدف الذي دفعه للمجيء الى تلك الديار والقبول بإراقة دمه حتى القطرة الاخيرة ، وعدم التسليم والمضي بالحروب حتى نهايتها ، إن امتنا قد اكدوا الواحد بعد الآخر على ضرورة إحياء هذه المناسبة العظيمة ( عاشوراء ) وانه لا يجوز نسيان هذه المصيبة ، فهي مدرسة خالدة لا بد لنا من التمسك بها . إن على شيعتنا أن يحيوا هذه المناسبة العظيمة في كل عام يمر فيه علينا محرم ، وعاشوراء . إن عنوان عاشوراء اصبح شعار الشيعة ، وعلينا اذاً عندما نواجه احداً من اهل السنة ، أو حتى ونحن نقف أمام أصحاب الاديان الاخرى كالمسيحية او اليهودية أو أمام الملحدين الذين سيسألوننا جميعاً : ماذا تريدون انتم الشيعة في تاسوعاء وعاشوراء ، عندما تعطلون كل اعمالكم وتنظمون المسيرات وتلطمون على الصدور وتقيمون المآتم البكائية ؟ . وماذا تريدون القول من خلال كل ذلك ؟ ولابد أن يكون لدينا ما نقوله أمام هذه التساؤلات ، إن ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) لم يقم من أجل أن يقتل دون أن يقول ما يريد وما يهدف من وراء ذلك القيام ، إنه قال ما يريد ، وشرح اهداف نهضته وحدد الغاية من وراء قيامه . إنما الشعارات التي أحيت الاسلام وأحيت التشيع وزلزلت أساس حكم الخلافة الاموية ، تلك الخلافة لو لم تكن ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لبقيت ، ربما لألف عام مهيمنة على مصير البلاد الإسلامية ، ولم يكن باستطاعة بني العباس أن يحكموا لمدة خمسمئة عام ، بعد أن إنتزعوا الحكم من بني أمية بفضل ذلك الإهتزاز الذي أوجدته واقعة الطف في أركانها ، إن ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) كان يفتخر في ذلك اليوم أن يعلن بوضوح إنه ينهج نهج أبيه علي المرتضى ( عليه السلام ) . إن أبيات الشعر التي كان يرددها أبو عبد الله الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء كثيرة ومختلفة ، وقد نضمت باوزان مختلفة ، ومنها ما كان من نُظم الحسين ( عليه السلام ) نفسه ومنها ما كان يستشهد بها ( عليه السلام ) وهي لشعراء اخرين . إن أحد الابيات التي كان يرددها أبو عبد الله ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء والذي صار بمثابة الشعار العام له ، هذا البيت :
وهذا الشعار الحسيني بنبغي أن يطلق عليه شعار الحرية والعزة الشرف ، يا جماهير العلم في كل مكان ! أتعرفونه لماذا قتل الحسين حتى آخر قطرة من دمه ، ودم احبائه واصحابه ؟ ، لأن الحسين قد تربى في حجر النبي وعلي ، وشرب حليب الزهراء البتول ( انه تعبير الحسين نفسه ) ، وقد نرى الحسين ( عليه السلام ) يخطب خطبته النارية تلك المليئة بالحماس و الغيرة ، وكأن اللهيب يخرج من فم الحسين ( عليه السلام ) وهو يقول : " ألا وان الدعي إبن الدعي " ( اي ابن الزانية ) هذا الذي هو أميركم ، وقائدكم ( قد ركز بين إثنتين بين السلة والذلة ) أتدرون ما الذي يقترحه علي ؟ إنه يقول إن على الحسين أن يستسلم ذليلاً ، خانعاً ، لإرادتي أو فلينتظر السيف " إن الحسين ( عليه السلام ) يقول له ( هيهات منا الذلة ) فالحسين لن يذل ولن يركع . إن الله لن يقبل هكذا ذلة للحسين ! ألا تعرفون من أنا ؟ وهذا الدعي إبن الدعي الا يعرف بأي حضن كبر الحسين وترعرع ؟ ! كانت هذه هي طبيعة الشعارات في يوم عاشوراء ، أيها الاخوة أصحاب المآتم الحسينية اليوم يا من تبحثون عن شعار لمسيرتكم ، إن عظمة أبي عبد الله شيء ونحن شيء آخر ، دعونا نجعل شعاراتنا التي نرفعها في المسيرات واللطميات الحسينية ، فعلاً شعارات حسينية ، فشعارات الحسين من نوع متميز ، فأنت تراه ينادي مرة : ( ألا ترون ان الحق لا يعمل به ، وإن البالطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً ) . إن شعارات الحسين ( عليه السلام ) كانت شعارات إحيائية أي شعارات تنبع منها الحياة ، قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ )) (14) وإذا كان الحسين إبن علي بشخصه لم يعد موجوداً بيننا فإن المطلوب أن يفتح الناس اعينهم وينهضوا في كل عام ومع طلوع كل محرم ليسمعوا نداء الحسين يرن في آذانهم : (( ألا ترون إن الحق لا يعمل به ، وإن الباطل لا يتناهى عنه )) ، نعم فعاشوراء بالنسبة لنا ينبغي إن تكون يوم الإحياء ، وتطهير الأنفس في الكوثر الحسيني ويجب أن تكون عاشوراء لنا مناسبة ، لنتعلم منها مبادئ الاسلام وأُسس الدين وبعث روح الحياة فينا . فنحن نرفض أن ننسى واجب الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، كما لا نريد لحِس الشهادة والجهاد والتضحية في سبيل الحق ، أن يبتعد عنا ، ولا لروح الفداء في سبيل الحق أن يموت فينا ، هذه هي فلسفة عاشوراء الحقيقية ، لا كما يريدها البعض أن تكون بأن نرتكب الذنوب ، ثم تأتي المناسبة فنشترك بها حتى تغفر لنا ذنوبنا ! إن الذنوب لتغفر في الواقع ، عندما تُجبَل أرواحنا مع روح الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، إن شعارات أبي عبد الله هي شعارات إحياء الإسلام . فهذه هي إذاً مدرسة عاشوراء ، ومضمون شعارات الحسين ، وهكذا يجب أن تكون شعاراتنا في المجالس والمسيرات والمآتم الحسينية ، شعارات إحائية وحماسية وليست شعارات مخدرة ومميتة للشعور ، لأنها إن كانت كذلك ، لن تصبح دون أجر أو ثواب فحسب ، بل إنها تبعدنا عن الحسين ( عليه السلام ) ، ان الشجاعة وقوة القلب ، اللتان ابداهما الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء ، أنست العالم كل الشجاعان ، وهذا الكلام هو بأعتاف العدو نفسه ( والله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل أهل بيته ، وولده وأصحابه ، أربط جأشاً منه ) . إنه كان يرفع شعار التوحيد ، في نفس اللحظة التي كان يمنح فيها الطمأنينة لزينب وآل البيت ، بأنه لازال على قيد الحياة ، لا سيما وأنه كان قد أمرهم بعدم الخروج من الخيام ، مادام هو على قيد الحياة . سيدي أبا عبد الله فإن حريمك لم يخرجن من الخيام عملاً بتعليماتك ، إلاّ بعد أن رأين جوادك من دون صاحب .
دور الشباب في ثورة الحسين ( عليه السلام )
الإمام الحسين ( عليه السلام ) له حق عظيم على جميع المسلمين والمؤمنين إذ صار سبب لهدايتهم إلى الاسلام والإيمان ، لأنه أرواحنا فداه قد فدى نفسه ونفوس الأعزاء من أهل بيته وأصحابه إلى إحياء لدين جده ( صلى الله عليه وآله ) . نعم إن الحسين ما قام هذا القيام الخالد وما نهض تلك النهضة المقدسة في سبيل منفعة دنيوية ، وما رفض البيعة ليزيد جرياً وراء مصلحة ذاتية ، وما إنتقل من المدينة إلى مكة في سبيل بيعة ، وما قصد العراق حباً في الشهرة ، ولو كان الأمر كذلك لبقي الحسين ( عليه السلام ) بمكة ولشهد الحج تلك السنة ، ولدعا الناس إلى نفسه عند إجتماع الناس بموقف عرفة ومنى وغيرهما من المواقف الاخرى ، أو لسمع من بعض نصائحه حين أشاروا عليه بالبقاء حيث هو ، أو الرحيل إلى اليمن ولكنه ( عليه السلام ) اراد ما هو اسمى وأعظم من ذلك كله ، الا وهو احياء دين جده ، لأنه لو لم يأت الحسين كربلاء ويوطن نفسه المقدسة لتحمل تلك المصائب التي لا تقوم بحملها الجبال ، ولتلك الخطوب التي يقصر عن ذكرها المقال والتي منها سبي العيال والاطفال وبقاء جسده الشريف مع اهل بيته واصحابه ثلاثة ايام على وجه الرمال ، لما ظهر هذا الدين الذي به حياة المجتمع الانساني . وربما يتسائل البعض هنا فيقول : كيف كان احياء الدين وظهوره بنهضة الحسين ( عليه السلام ) وقتله ؟ ، الجواب : نعم ذلك لأن المنافقين من بني أُمية وغيرهم الذين دفعوا اهل البيت عن مقاهم ، وازالوهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها ، هؤلاء المنافقون ظهروا للناس بمظهر النيابة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإنهم خلفاؤه من بعده ، وتظاهروا بتأييد دينه وخدمة شريعته فخفي أمرهم على كثير من الناس وإغتروا بهم وبنفاقهم (16) .
أول مأتم عقد للحسين ( عليه السلام ) كانت نهضة الحسين ( عليه السلام ) جزء من اجزاء العلة التامة في تثبيت رسالة الاسلام إلى الناس ، وبذلك بقيت واقعة الطف حية نابضة بالحياة إلى يوم القيامة ، وقد حث أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) على إبقاء جذوة مظلومية الحسين ( عليه السلام ) مشتعلة في كل مكان وزمان عبر وسائل فعالة مرتبطة بحياة الانسان الشخصية والاجتماعية ، ومنها : أ ـ مجالس الحسين ( عليه السلام ) إن الاخبار الواردة عن اهل البيت ( عليهم السلام ) تفيد بأستحاب عقد المحافل للتذكير بفاجعة الطف ، ومن تلك الأخبار . قول الإمام الرضا ( عليه السلام ) : (( من ذكر مصابنا فبكى وأبكى ، لم تبكِ عينه يوم تعمى العيون )) (18) . وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (( من ذكرنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب عفى الله ذنوبه )) . وعن الإمام الباقر (عليه السلام ) : (( ويتلاقون بالبكاء عليه بعضهم بعضاً في البيوت واليعزِ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين )) . تلك المجالس تبقى الرابطة الدينية لحفظ المذهب قوية وفاعلة ، وقد تحرى أهل البيت ( عليهم السلام ) مختلف أساليب البيان للتعبير عن ذلك . ب ـ البكاء على الحسين ( عليه السلام ) قال الامام الرضا ( عليه السلام ) : " من تذكر مصابنا ، وبكا لما أُرتكب منا ، كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذُكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب " (19) . إن البكاء على الحسين ( عليه السلام ) له أبعاد غير ما يتصور الجاهلون لواقعة الطف ومن أهم ابعاد هذا البكاء هو حفظ الاسلام حياً في القلوب ، إبقاء وتصعيد وإنقاذ روح الثورة وتأججها ، وإن البكاء يديم حالة الرفض السياسي للأنظمة غير المشروعة ، ويعبر ايضاً عن شدة العلاقة والإنجذاب نحو الحسين ( عليه السلام ) والنفر والرفض لأعداءه والتجاوب مع الحدث . ج ـ السجود على التربة الحسينية فالسجود في الصلاة واجبة أو مستحبة لا يتم إلا على ارض طاهرة ، ومن الاساليب التي اتبعها أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) للتعريف بمظلومية سيد الشهداء ( عليه السلام ) هو أمرهم بالسجود على تربة طاهرة من كربلاء وتلك تربة طهرها (20) الله عز وجل بدماء سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه فهم ( سادة الشهداء لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق ) . د ـ زيارة الحسين ( عليه السلام ) كان الحث على زيارة الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء من الاساليب التي إستثمرها أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) في احياء رسالة الإمام ( عليه السلام ) في الاصلاح ، وجعلها متوقدة دوماً ، قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : " أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروباً ، وحقيقٌ علي ان لا يأتيني مكروبٌ قط إلا رده الله وأقبله إلى أهله مسروراً " (21) . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من زار الحسين عارفاً بحقه كتبه الله في اعلى عليين والملائكة والمقربين ) . الخاتمة إن الشعائر الدينية التي ينبغي أن تصان ، وهي شعائر سياسية يلزم التمسك بها وإنها شعائر تحمل روح الرفض والوقوف بوجه الظلم ، وتتحدى الظالين بكل اشكالهم . لقد إنفجرت روح النضال في الامة ، واستيقظ الضمير الديني ، ونفض عن نفسه ركام الذل والهوان فثورة الحسين ( عليه السلام ) أعادت للامة شخصيتها وهويتها ، وسوف تستمر هيبة الحسين مسيطرة على النفوس حتى وهو صريع يعاني من جراح السيوف وطعن الرماح ، ولم تتوقف جاذبية الحسين حتى بعد أن إختفى جسداً تألق روحاً وفكراً ورمزاً لكل ثوار الحق في العالم وألقى الله في قلوب الناس ـ اعداء ومحبين ـ حبه وأحياء ذكره في بيوت اعدائه وقاتليه . الإمام الحسين ( عليه السلام ) من أبرز من خلدتهم الانسانية في جميع مراحل تاريخها ، ومن أروع من ظهر على صفحات التاريخ من العظماء والمصلحين الذين ساهموا في بناء الفكر الانساني ، وإن نهضة الحسين ( عليه السلام ) من افضل سبل إنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة . * إن للباطل جولة وللحق دولة . * قال أحد العلماء كل ما عندنا من الحسين ( اي كل شيء من العلم والعزة والدين . . . ) . * السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره .
الهوامش
|
||||||||||||||||
|
||||||||||||||||
ان تـنكروني فانا نجل هـذا حـسين كالاسير المرتهن بين اناس لاسقوا صوب المزن | الحسن سبط النبي المصطفى و المؤتمن