مـؤمنـــة

  الامر بالمعروف
الاستاذة افراح الموسوي
  بسم الله الرحمن الرحيم
  الاهـداء
  الى ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وبضعة لحمه وفلذة كبده وقرة عينه ، سيد شباب اهل الجنة ، والشفيع يوم القيامة المظلوم العطشان والشهيد والسعيد ، الى امام الهدى والعروة الوثقى ، ابا عبد الله الحسين صلوات الله عليه وسلامه وعلى جده وابيه وامه وأخيه ابا الفضل العباس عليه السلام والتسعة المعصومين من ذريته وبنيه . . . يا سيدي يا بن رسول الله اهدي اليك هذا الجهد المتواضع وارجو منك ان تشفع لي ولوا لدي يوم الحساب يوم يفر المرء من من اخيه وصاحبته وبنيه .
  المقدمة
  الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله وحبيبه وصفيه سيدنا أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين .
  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
  ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ) ( آل عمران :أية 110 )
  لا نبالغ إذا قلنا بأن العمل الاساسي في ثورة الإمام الحسين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . . . وتلك هي الحقيقة بعينها كما صرح بذلك الحسين ( ع ) : في عدة بيانات كشف فيها أهداف ثورته المباركة ، منها قوله ( ع ) : في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ( . . . أريد إن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر )ومنها قوله في خطابه : ( أما بعد فقد علمتم أن رسول الله ( ص ) قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ، ولا فعل ، كان على الله أن يدخله مدخله )(1) والله يقول : ( فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ )(2) وقال تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (3).
  فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه إنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام ، مع رد المظالم ومخالفة الظالم ، وقسمت الفيء والغنائم واخذ الصدقات من مواضعها في حقها ) (4) هكذا كان الحسين ( ع ) يصرح في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستنداً في ذلك الى كتاب الله وسنة رسوله . . . اذن من اجل اقامة هذه الفريضة اقدم الحسين على خوض تلك المعركة الرهيبة التي قدم كل غالٍ ونفيس دمه ، ماله ، اهله اصحابه . . . وبذلك اعطى الحسين ( ع ) لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمتها الحقيقية التي ارادها الله لها .
  اقول : ما ارفع هذه الفريضة ، وما اعظم قدرها عند الله تعالى وعند اوليائه . . . حتى تقوم شخصية بتلك الجلالة والعظمة ، لتقدم نفسها فداء لها ، واعادتها على ساحة الامة بتلك التضحية الجبارة التي يراق فيها دم رسول الله ( ص ) ولسبي ذريته ، فلنقف عند هذه الفريضة ، ولنستوحي دورها في حياتنا من كتاب الله وسنة رسوله ( ص ).
  معنى المعروف والمنكر ومعنى الامر والنهي
  المعروف : ( اسم جامع لكل ما عرف منه طاعة الله ، والتقرب اليه والاحسان الى الناس ، وكل ما يندب اليه الشرع والنهي عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي امر معروف بين الناس اذا رأوه لا ينكرونه ، وان شئت قلت : المعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع واعقل من غير ان ينازع فيه الشرع ) والمنكر ضد ذلك جميعاً ، وفي لسان الفقهاء :( هو كل فعل بوصف زائد على حسنه اذا عرف فاعله ذلك او دل عليه ، المنكر كل فعل قبيح عرف فاعله قبحه ، او دل عليه ) .
  اما الامر هو التكليف ، والواجب ، واما النهي فهو المنع ، والردع ولكن ما هو هذا التكليف والامر فهل المقصود منه هو التكليف اللفظي ؟ أي ان لا يتجاوز الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر حدود اللفظ ؟ ولا يتعدى عمل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دور اللسان كلا ، فهناك مراحل ومراتب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تبدأ بالضمير والقلب ومن ثم باللسان واخيراً باليد ، أي بالتطبيق العملي .
  فعندما يسأل الإمام علي ( ع ) عن معنى نعت القرآن الكريم بعض الاحياء بالاحياء الميته ميت الاحياء ـ فأنه يقول ( ع ) ما مضمونه بأن ضميره فوراً ، واشتعلت جوارحه تأثراً بما رأى وبدأ بالنطق بلسانه ناهياً ومنعقداً للذي رآه ومنطلقاً في اداء وظيفة الارشاد ، بل ولا يقنع بذلك أو يكتفي به وانما يستمر في المحاولة حتى يدخل مرحلة العمل أي شكل من اشكال العمل باللطف ، او بخشونة ، بالضرب او بالتعرض للقرب ليس مهما الى اين تصل نهايات الامور فالمهم ان يستخدم الوسيلة العلمية الممكنة للنضال والكفاح ضد المنكر .
  وهذا الانسان كما يقول الإمام علي ( ع ) هو الحي بكل معاني الحياة اما البعض الآخر عندما يرى المنكر ، فأن قلبه يتحرك تأثيراً مما يرى ، ولذلك تراه يصيح ، وينادي ، ويستغيث ، وينصح ، ويعظ من يراه ضرورياً ؟ واهلاً للموعظة ، ولكنه لا يتجاوز هذه المرحلة الى العمل فهذه حدوده وكفى ، والإمام علي يقول هذا النوع بأنهم احياء ايضاً وعندهم عدد من خصال الحياة لكنهم يفتقدون احد خصالها اما الصنف الثالث فأنك تراه يحترق ، ويشتعل غضباً ، وتنفيراً ، من رأى المنكر ، لكنه لا يحرك ساكناً مقابل ذلك ، بل يكتم تأثيره في داخله فهو يقرأ الجريده مثلاً وهي تكتب عن ايام عاشوراء ، وتصفهما بأنهما من الاعياد او انه ينبغي على الناس ان تستثمر هذه الاعياد وتستغل ايام العطلة هذه وتنطلق في السفر والترفيه الى ما هناك من وسائل الدعاية والترويج المضاد لفكر الإمام الحسين ( ع ) ومنهجه وذكراه الخالدة ، ومع ذلك ترى هذه الفئة من الناس لا تحرك ساكناً ، ولا تعترض على ما يجري بأي شكل من الاشكال ، ولا تتساءل حتى لماذا ينشط هؤلاء ضد الإمام الحسين ( ع ) ومن هم هؤلاء المحرضون ضد الاسلام ولماذا لا يكتب احد ، يرد عليهم بأن للعيد مناسباته وايامه المعروفة .
  ومن ثم فأننا ننادي على الدوام بأن قضية الحسين بن علي ( ع ) قد عجنت ، واختلطت بأرواحنا ، ونحن جميعاً مدينون لهذا الدين ، وهذه المدرسة فهذا البلد بلد الحسين بن علي ( ع ) والبلاد هي بلاد التشيع والاسلام فكيف نسمح لأنفسنا ان نرى ونسمع كل هذه الأهانات الموجهة ضد الحسين بن علي ( ع ) وهذه الفئة الثالثة التي نتحدث بصددها الآن ليست حاضرة حتى تنبه رفاقها واهلها والاقربين الى ضرورة احترام شعائر الحسين بن علي ( ع ) والتحمل ثلاثة ايام فقط من دون الاساءة لهذه الشعائر ، حتى هذا القدر القليل من المحافظة على التراث والتقاليد والعرف الحسيني ، لا يصدر من هذه الفئة ـ واقولها صراحة ـ : نحن لم نصن الحسين ، ولم نحافظ عليه .
  ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المبدأ الوحيد الذي يتضمن بقاء الاسلام وبعبارة اخرى هو ( العلة المبقية ) كما يصطلح عليه الفقهاء .
  شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
  ان هذا الواجب الكبير والذي هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر له ركنان او شرطان اساسيان .
  اولهما : النحو المعرفي
  ثانيهما : امتلاك البصيرة بالاشياء
  نعم فالمرء على العموم بحاجه الى المعرفة والبصيرة ، والخبرة ، والاطلاع ، والعلم بالشيء ، وبشيء من علم النفس وعلم الاجتماع ، قبل ان يمارس مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
  أي ان عليه ان يشخص المعروف اولاً ، ويحدد موقعه ، ثم يشخص المنكر ، ويكشف عن جذوره ومنابع نموه ، ولذلك ترى ان ائمة الدين قالوا في هذا الشأن .
  الافضل ان لا يقوم الجاهل بمهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لماذا ، ( لانه ما يفسده اكثر مما يصلحه ) وذلك ان الجاهل ربما جاءت نتيجة عمله مغايرة لما اراده من اصلاح كأن يسيء لشخص اراد من خلال ممارسة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر الاحسان له ، والامثلة على ذلك كثيره جداً .
  وهنا ربما تقولون اذاً فقد سقط عنا نحن الجهال واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن القرأن يرد على هذه المقولة بقوله تعالى ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ )(5) او ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(6) وفي سؤال احدهم لأحد المعصومين عليهم السلام ، عن كيفية محاسبة البعض الجاهل من الناس يوم القيامة ، يقول ( ع ) ما مضمونه :
  يأتون في ذلك اليوم المشهود بعالم ويسألونه عن سبب تخلفه عن ممارسة الواجب ولايكون عنده جواب فينال جزاءه المعلوم ، ويكون مصيره العار والذل .
  ومن ثم يأتون بآخر ويسألونه عن سبب تخلفه فيقول لم اكن اعلم فيقولون له ( هلا تعلمت ) (7) اذ ان عدم المعرفة والفهم ليس عذراً مشروعاً والا فما هو الهدف من وراء خلق الله سبحانه وتعالى للعقل نعم ليس علينا ان نكتفي بفهم اوضاع زماننا فقط بل ان علينا ان نفهم وندرك ما يخبأه لنا المستقبل فأميرالمؤمنين ( ع ) يقول ( ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا )(8) صحيح اننا نجلس اليوم هنا ونحلل بكل سهولة احداث ذلك الزمان لكن رجال ذلك العصر لم يكونو يدركون ما كان الحسين بن علي ( ع ) انها ليلة التاسع من محرم ، وحري بنا ان نذكر بالخير ذلك المجاهد في سبيل الله الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر ، ذلك الرجل الذي نال رضى الحسين بن علي ( ع ) بالتمام والكمال ، انه حضرة العباس ( ع ) قال الإمام الصادق ( ع ) ( رحم الله عمي العباس لقد اثر وابلى بلاءاً حسناً ) لقد كان عليه السلام بمنتهى المروءه ، وقد قدم كل شيء على طبق من الاخلاص التام في النية ، وكان مثالاً في التضحية والفداء ونحن مع ذلك لا نرى الا الجانب المادي من حركة العباس ( ع ) ولا نلاحظ روح عمله الكبير حتى ندرك مدى الاهمية البالغة التي تميز فعل العباس وحركته في ليلة العاشر من محرم وبينما كان العباس في خدمة ابي عبدالله الحسين ( ع ) واذا بأحد رؤوس الفتنه من الاعداء ، ينادي باعلى صوته بأنه قد جاء بالأمان للعباس واخوته من طرف ابن زياد اما العباس الذي سمع صوت المنادي ، فأنه ظل جامداً لا يتحرك وهو ينظر الى الحسين بن علي بكل خشوع واحترام ، ولا يبالي بقول ذلك المنادي ، وكأن شيءٍ لم يكن ، الى ان طلب منه الإمام ان يرد عليه ، وان كان فاسقاً فخرج العباس ليرى ان المنادي هو شمر ابن ذو الجوشن ( لعنه الله ) ، الذي تربطه بالعباس رابطة بعيدة عن طريق الام وقد تصور العباس انه قادم من الكوفة ، وقد حمل خبراً وبشارة الى العباس وأخوته بفضل هذا الامان ، لكن العباس رد بكل عنف وبكل مروءة الرجال وهو يقول له لعنك الله ولعن من ارسلك بهذا الامان وماذا تعرف عني ، وماذا تتصورني وهل تخيلت انني ومن اجل سلامتي سأتخلف عن امامي وأخي الحسين بن علي ( ع ) والتحق بك انني قد كبرت في حضن يأبى ذلك مني والثدي الذي ارضعني ينتقص مني مثل هذا التصرف الخائن نعم فأمه هي ام البنين زوجة علي ( ع ) التي ولدت له اربعة اولاد التي يكتب المؤرخون عن زواجها ان علي قد طلب من اخيه عقيل ان يبحث له عن امرأة ولدتها الفحول لتلد لي ولداً شجاعاً هذه المرأة الجليلة ( ام البنين ) التي كانت لا تزال على قيد الحياة ولكنها لم تكن حاضرة في واقعة كربلاء استشهد لها اربعة اولاد وعندما وصل نبأ استشهادهم لها ، وهي في المدينة ، يقال انها صارت تقيم لهم المأتم وتجلس في الدرب احياناً على الطريق المؤدية الى العراق واخرى في البقيع ، تندب بهم وتبكيهم كبكاء تنفطر له الاكباد وترتب بأبيات من الشعر في منتهى الحزن المتأثر حتى انه يقال ان مراوان ( ابن الحكم ) وهو حاكم المدينة آنذاك ، ومع العداوة والقساوة التي كان يحملها في قلبه ضد آل البيت يتوقف احياناً ، يبكي لرثاء ام البنين لأولادها ، وتقول رثياتها
لا تـدعـوني ويـك ام الـبنين          تـذكـرونـي بـلـيـوث iiالـعـرين
كـان لـي بـنون ادعـى iiبهم          واليوم اصبحت ولا من بنين
  الله اكبر لفجاعة المأسآة الله اكبر لتلك المروءه ولتلك الام التي ولدتها الفحول وفي اخرى لها وهي ترثي ابا الفضل العباس ( ع ) تقول :
يـامن رأى الـعباس كـر عـلى جماهير النقد          ووراءه ابـنـاء حـيـدر كــل ذي لـيـث ذي iiلـبـد
انـبـئت ان ابـني اصـيب بـرأسه مـقطوع يـد          ويلي على شبلي امال برأسه ضرب العمد
لـــــــو كـــــــان ســـيــفــك فـــــــي iiيــــــدك          لــــــمــــــا دنــــــــــــا مــــــنـــــك احـــــــــــد
  مراحل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
  ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَن )(9) وقال امير المؤمنين علي ( ع ) : ( فمنهم المنكر بيده ولسانه وقلبه ، فذلك المستكمل لخصال الخير ، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده ، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ، ومضيع خصلة ، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين من الثلاث ، ومتمسك بواحدة ومنهم تارك الانكار والمنكر بلسانه وقلبه ويده ، فذلك ميت الاحياء ، واما اعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الا كنفثة في بحر لجي . . . ) (10) اذن على أي مؤمن ، ان لا يتهاون ، او يترك الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر بأي حال من الاحوال وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب او مراحل حسب الظرف المناسب وحسب قدرة المكلف ، بهذا جعل الشارع تقدير الاهم والمهم للمكلف .
  المرتبة الاولى
  هي الهجر والاعراض او اظهار الانزعاج والاستنكار القلبي كالعبوس ، والاعراض والصدود ، وترك الكلام معه من غيرها ، أي انك عندما تلقي فرداً او مجموعة يقومون بارتكاب المنكر او العمل القبيح فحتى يكون موقفك ذات مفعول ردعي لدى الشخص او المجموعة ، وبمثابتة نوع من النضال ضد ذلك العمل القبيح فعليك ان تقوم بالاعراض عنه وهجرانه أي قطع العلاقة به .
  بالطبع ينبغي هنا ان يكون تصرفك منطقياً ، وخالياً من أي نوع من انواع العبث بمعنى آخر ينبغي ان يكون اسلوبك بشكل يؤدي الى الارتداع عن ممارسة تلك الاعمال المذكورة بعد ان تحس بنوع من العذاب والمعانات الروحية الناتجة عن برودة المعاملة الجديدة وقد يصادف ان ابنك او صديقك او احد اقاربك وهو من الذين ابتلوا بممارسة عمل المنكر ، ينتظر في الواقع تلك الفرصة التي تقطع انت فيها علاقتك معه ، وتهجره حتى يتفرغ هو لمتابعة عمل المنكر التي غرق فيه وفي اجواءه وفي مثل هذه الحالة لا يجوز استخدام هذه الطريقة ، لانك تكون بذلك قد ساهمت في تعزيز موقع المنكر والرذيلة وشجعت الطرف المقابل على مزيد من الارتماء في عالم الشر والمنكرات ، وهذا امر غير جائز ايضاً .
  أما المرتبة الثانية
  مرتبة الاقوال ، فهي مرحلة اللسان ، أي مرحلة النصح ، والارشاد والوعظ ، وتذكير ، وتخويف من الله، وترغيب بثوابه ، واذا لم ينفع يستعمل الخشونة ، والغلظة ، والتهديد والردع ، وعلى كل حال يتدرج من الايسر الى الاشد حسب درجات التأثير
  اما المرتبة الثالثة
  فهي مرحلة العمل والممارسة او استعمال القوة ، فأحياناً يكون الطرف المقابل في حالة ودرجة من درجات الاستغراق في عمل المنكر حيث لا يفيد معه وسيله الاعراض او وسيلة استخدام منطق النصح والارشاد فكلاهما لا يرد عانه عن الاستمرار في ممارسة المنكرات ، وعندها لابد من دخول ميدان العمل فهناك حالات لا بد استخدام العنف فيها ، فالاسلام دين الحدود والتعزيرات ، أي انه دين يرى ان مراحل الاجرام قد تصل الى درجة احياناً لابد للمشرع فيها من استخدام وسائل الردع العملية لانها تكون عند ذلك الطريقة الوحيدة الرادعة عن استمرار عمل الشر والمنكر .
  لكنه لا يجوز لنا ان نرتكب الخطأ ونتصور ان كافة الحالات يمكن معالجتها بالخشونة والعنف .
  ان علياً ( ع ) يصف النبي الاكرم محمداً ( ص ) فيقول ( طبيب دوار بطبه ، قد احكم مراهمه واحصى مياسمه ) (11) .
  ولهذا افتى بعض الفقهاء ، بعدم جواز الانتقال من المرتبة الاولى الى الثانية اذا كانت المرتبة الاولى كافية ، يقول السيد الإمام الخميني ( رضي الله عنه ) ( يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة ( القلبية ) مع احتمال التأثير ، ورفع المنكر بها ، وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والايسر فالأيسر سيما اذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله ، فلا يجوز التعدي عن المقدار اللازم ، فأن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب لا يجوز التعدي الى مرتبة فوقه ) ان الامر بالمعروف ايضاً يمر بمراحل ودرجات مع فرق ان الامر بالمعروف ينقسم الى قسمين فقط :
  لفظي وعملي
  واللفظي هو ما يقوم الانسان بشرحه وتبيانه للناس بلسانه ، فيلقي عليهم الحجة بيان الحقائق ، وتنوير الناس باعمال الخير ، وتشجيعهم على فعله وتشخيص مصاديقه في كل عصر وزمان .
  ان الامر بالمعروف عمل لا ينبغي للانسان ان يقنع بالقول منه فقط ، فالقول وحده ليس كافياً ، ويمكننا القول ان احد امراض مجتمعنا الواهن هو كوننا نولي اهمية فوق الحد للقول والكلام ، فلا يجوز ان يكون هدفنا الوصول الى غاياتنا كلها عن طريق القول والكلام ، وبذلك نكون مثل اولئك الذين يريدون حل المعضلات كافة بالدعاء والاستغاثة ، وانتظار المعاجز من وراء تلك الاستغاثة فنود لو اننا ندخل ميدان الصراع بقوة اللفظ والبيان فقط ، بينما حال الامور غير ذلك تماماً ( فالقول ) شرط ضروري ولكنه ليس كافياً اذ ينبغي العمل والممارسة ، ثم ان للامر بالمعروف اللفظي والامر بالمعروف العملي طريقان :
  1 ـ طريق مباشر
  2 ـ طريق غير مباشر
  فأحياناً يتم الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، بواسطة الدخول المباشر بالموضوع ، فيقول المرء ما يريد قوله مباشرة ، كأن يريد احدنا الطلب ، من شخص ما ممارسة عمل معين ، فيقول له ارجو منك ان تقوم بالعمل الفلاني ، ولكن قد يحصل الطلب في احيان اخرى بشكل غير مباشر من خلال افهام الطرف الاخر بما هو مطلوب منه ان يقوم به دون التصريح بذلك الطلب ، وهذا الاسلوب البته اكثر افادة وتأثيراً واليكم مثالاً حول الاسلوب غير المباشر في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اللفظي في طرح القضايا يقول الراوي انه صادف يوماً ان الحسن والحسين ( ع ) وهما سائران في الطريق ، واذا بهما يلتقيان بشيخ عجوز ، كان يؤدي فريضة الوضوء ، بطريقة خاطئة ، مما يعني بطلان وضوءه ولما كانا لا يزالان شابين صغيرين ، وامامهما واجب افهام الشيخ العجوز ، ببطلان وضوءه ، ولما يتميزان به من نظرة حادة ، ومعرفة دقيقة ، في تقاليد الاسلام والاعراف ، والعادات الدينية المفروضة ، حتى لا يجرها احاسيس شخصية الطرف المقابل وشعوره من خلال التصريح له ببطلان وضوءه ، ويكون رد الفعل الاول المتوقع من قبل الرجل هو رفض تدخلهما ، ورد مقبول لهما لذلك كله قررا ان يذهبا اليه ويشرعا في الوضوء امامه ، ويطلبا منه ان يحكم بينهما على صحة الوضوء الذي يقوم به كل منها ، ولما كان المتوقع من الشيخ الكبير ، قبول هذا التحكيم بين طفلين صغيرين ، فقد طلب اليهما اداء الوضوء ، وبالفعل توضأ كل من الحسن والحسين ( ع ) ، وضوء كاملاً امامه ، واذا بالشيخ الكبير يلتفت الى بطلان وضوئه ، فيقول لهما ان وضوء كليكما صحيح ، ووضوئي كان باطلاً . . . نعم هكذا ينبغي العمل على تصحيح اخطاء الاخرين .
  ولا يمكن ان تتصورالطريقة الاخرى ( الطريقة المباشرة ) التي كان في الممكن اتباعها ، كانا يتوجها اليه فوراً ويقولا له :
  ايها الشيخ الأ تخجل من نفسك ، وانت بهذه الشيبة البيضاء ، لا تزال تجهل عمل الوضوء ، الى غير ذلك من الكلام الجارح ، ولكن تأكدوا فإن نتيجة ذلك كانت حتماً ستؤدي بالشيخ الى ترك الصلاة والنفور منها ( وغير ذلك من الامثلة الاخرى ) والنظر الى الحسين بن علي ( ع ) ونرى كم كانت خطبه ، وكم كان عمله لو عندها سنرى قله خطبه ، وحجم عمله الكبير .
  نعم فعندما يكون العمل هو الاساس ، لا تكون هناك حاجة الى الكلام الكثير ، وها هو الحسين ( ع ) ينادي : ( فمن كان باذلاً فينا مهجته ، موطناً على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ، فأني راحل محباً ، ان شاء الله )(12).
  أي انه من التحق بقافلتنا من اجل بلاده ، فليعد من حيث اتى ، ومن جاء معنا ، وليس على استعداد للتضحية بنفسة ، فليرحل من بيننا ايضاً ، فقافلتنا هي قافله المضحين ، ولهذا فأن الإمام الحسين ( ع ) يخطب في افراد القافلة ، مرة اخرى ، في وسط الطريق ويقول لهم :
  ايها الناس من لحق بنا ولديه تصور اننا نريد المقام والسلطان ، فأن الامر ليس كذلك ، ولأفضل له العودة من حيث اتى : واما خطبته الاخيرة ، او الغربال الاخير ، فقد كان ليلة العاشر من محرم ، حيث خطب عليه السلام خطبته التأريخية ، ولكن الجو كان نقياً ، وخالصاً في تلك الليلة ، اذا لم يخرج احد من هذا الغربال : ان الشخص الوحيد الذي ارتكب الخطأ التاريخي ، هو صاحب كتاب ( ناسخ التواريخ ) حيث ذكر انه قد خرج عدد من اصحاب الإمام بعد انتهاء الخطبة ، واستغلوا سواد الليل ليكون غطاء لأنسحابهم من ساحة المواجهة والمصير المحتوم ولو ان احداً من اصحاب الحسين ( ع ) ، وان كان طفلاً كان قد ابدى أي ضعف ، او تراجع في اليوم العاشر من محرم ، والتحق مثلاً بمعسكر العدو الذي كان اقوى ، اكثر اقتداراً من معسكر الحسين ، وذلك من اجل النجاة بجلده وطلب الامان لدى جيش العدو لكان ذلك مظهراً من مظاهر الضعف والنقيصة في شخص الإمام الحسين ( ع ) والمدرسة الحسينية .
  لكن الذي حدث هو العكس تماماً فقد جذب معسكر الحسين عدداً من افراد العدو الى جانبة : فقوة الجاذبية ، والايمان ، والعمل ، وذلك العمل العظيم الذي يتلخص بالأمر بالمعروف الذي مارسه الحسين ( ع ) تجاه الطرف الاخر ، جعل من الحر بن يزيد الرياحي ، ذلك الرجل الذي امتشق سيفه في البداية لمحاربة الإمام ، ان ينتفض من عبودية الكفر ، في يوم عاشوراء ، وينتقل مقاتلاً في صفوف معسكر الحسين ( ع ) ويصبح بالتالي واحداً من ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ ) نعم هذا الرجل الذي اكتسب هذه الشهرة وهي المهمة التي اوكلها له يزيد بأن يترأس الف مقاتل لمواجهة الحسين بن علي ، ترى الحسين قد احرق قلبه وحوله اشبه بالموقد الذي اشتعل النار في داخله .
  نعم انها النار التي اشعلها الإمام الحسين بن علي ( ع ) في هذا الرجل ، وهكذا تكون قوة ضغط البخار تشد على الرجل من ناحية ، وتدفعه بأتجاه التحول نحو معسكر الحسين بن علي ( ع ) .
  من ناحية اخرى ، وهكذا اختار هذا الرجل الشريف ، الحر كما وصفه الإمام الحسين ( ع ) موقفه ، واختار طريق الحق والجنة ، وبعد صراع نفسي داخلي مرير ، ثم يقاتل هذا الرجل الشريف حتى استشهد ، لكن الحسين ( ع ) لم يتركه دون مكافاءة . يقول الراوي : فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول ( انت حر كما سمتك امك ) والذين حملهم الحسين ومسح على وجوههم في ميدان المعركة مختلفون .
  انه الحسين الجليل ، الشريف ، العظيم ، الذي لا ينسى تفقد اصحابه حتى المستطاع وهذا بحد ذاته نوع من انواع الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ومن بين اولئك الذين احتضنهم ابو عبدالله ( ع ) ، في اللحظات الاخيرة من حياتهم ، لم يكن احد اسوء وصفاً واصعب موقفاً ، من وضع اخيه ابي الفضل العباس ( ع ) ، ذلك الاخ الذي كان الحسين ( ع ) يجله كثيراً ، والذي كان يمثل له الاثر الحي المتبقي من شجاعة امير المؤمنين علي ( ع ) يقول الراوي ( لما قتل العباس بان الانكسار في وجه الحسين ( ع ) ) عندما وصل الحسين الى اخاه ابا الفضل العباس ( ع ) ، وقد تطايرت يداه من بدنه وقد تهشم رأسه بفعل ضربة من عمود حديد ، والسهم قد اصاب عينه ، ولذلك لم يكن عجيباً ان يكتب التاريخ عن وضع الحسين وقال في تلك اللحظة المريرة ، وهو يودّع شقيقه : ( الان انقطع ظهري وقلت حيلتي ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ) .
  اَثار ترك المعروف والنهي عن المنكر
  1 ـ عدم استجابة دعاء الصالحين : لقد اكدت الاحاديث الشريفة ان ابواب السماء لا تفتح للذين يعيشون في مجتمع تقيم فيها المفاسد ولا تنكر فيها فعن الإمام الصادق ( ع ) عن ابائه ( ع ) عن امير المؤمنين ( ع ) انه قال ( لا تتركوا الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فيولي الله اموركم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم )(13) .
  2 ـ انتشار المفاسد الاخلاقية وغيرها سوف تنتشر في المجتمع اذا سكت الناس عنها فلم يقفوا بوجه مفسد فينهونه ، ولم يأمرو بالمعروف .
  3 ـ سلب القدسية من الامة : انما نقدس الامم ونحترم بمقدار سيادة الحق والعدل والانصاف فيها فإذا انتشر فيها الباطل ، سيطر اهله ، واحترم الفاسق واهين العادل ، فحينئذ تنقلب الموازين ، ومثل هذا المجتمع تنعدم قدسيته : لأن الامة التي لا تأمر بالمعروف ، ولا تنهى عن المنكر سوف يؤكل حق الضعيف .
  عن رسول الله ( ص ) ( لا يقدس الله امة لا يؤاخذ من شديدهم لضعيفهم ).
  4 ـ تسلط الظالمين : غياب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اية امة من الامم يؤدي الى اختلاف الموازين ، فعن محمد بن عرفة قال : ( سمعت ابا الحسن علي ( ع ) يقول لتأمرون بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر او ليحملن عليكم شراركم ، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم ) (14) .
  5 ـ ارتفاع التدين عن تاركي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر : عن الصادق ( ع ) انه قال : ( ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) (15) ولا اعرف قارعة تحل بأنسان اقطع من نفي الايمان عنه .
  6 ـ حلول العذاب الالهي : وهي النتيجة النهائية ، حيث ان المجتمع الذي تقام فيه المفاسد ، وتسلب منه القدسية ، ويتعالى فيه الظلم ، ويهتك فيه الظالم حينئذ مثل هذا المجتمع لا يستحق الحياة ، فينزل عليه العذاب : تأديباً وتمحيصاً محقاً وتدميراً وهذا ما اكدته الروايات الواردة في هذا الشأن قال رسول الله ( ص ) : ( لتأمراً بالمعروف ولتنهن عن المنكر او ليعمنكم عذاب الله )(16) .
  خصال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
  1 ـ العلم والمعرفة
  مالم يكن الانسان عارفاً بما يأمر به ، وبما ينهى عنه وعارفاً بالاساليب الحكيمة للأمر والنهي لا يصلح لأداء هذه المهمة العظيمة ، في حديث لرسول ( ص ) : ( لا تأمرن بالمعروف ولاتنه عن المنكر حتى تكون عالماً وتعلم ما تأمر به ) (17) يقول الإمام الخميني في ذلك ( ان يعرف الآمر والناهي ان ما تركه المكلف ، او ارتكبة معروف او منكر ، فلا يجب على الجاهل بالمعروف والمنكر والعلم شرط الوجوب كألاستطاعة في الحج ) (18) .
  2 ـ الحكمة
  ونقصد بها ان يكون الآمر الناهي مجيداً لأساليب الأمر واساليب النهي بحيث يضع الامور مواضعها فيتبع الاسلوب المناسب لكل شخص وتجيد اسلوب الخطاب ، فيناط بالقلوب ، ليحرك العقول ، ومثاله كمثل الطبيب الذي يعطي العلاج المناسب للمريض فأن الطبيب لو اعطى دواءاً لمريض لا يلائم مرضه فأنه سيزيده ألماً ومرضاً لهذا جاء حديث روح الله المسيح ( عليه السلام ) ( وليكن احدكم بمنزلة الطبيب المداوي ان رأى موضعاً لدوائه والا امسك )(19) .
  3 ـ الالتزام
  وتقصد بذلك أي يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ملتزماً بما يأمر به تاركاً لما ينهى عنه ، ان يطابق قوله فعله ، لأن من المستحيل ان يستجيب الناس لمن يخالف فعله قوله ، يقول امير المؤمنين علي ( ع ) : ( ايها الناس اني والله ما احثكم على طاعة الا واسبقكم اليها ، ولا انهاكم عن معصيتة ، الا واتناهى قبلكم عنها ) (20) وهذا ما اراده ائمة اهل البيت ( ع ) واكدو عليه من خلال وصاياهم لشيعتهم فعن ابن يعفور قال : قال ابا عبد الله ( ع ) : ( كونوا دعاة للناس بغير السنتكم ، يروا منكم الورع ، والاجتهاد ، والصلاة ، والخير ، فأن ذلك داعية ) (21) .
  العوامل المؤثرة في تشكيل الهيئة العامة لبناء النهضة الحسينية المقدسة :
  هناك ثلاثة عناصر أساسية ، تشكل الهيئة العامة لبناء النهضة الحسينية المقدسة ، أي انه يمكن القول ان عوامل ثلاثة بشكل عام اثرت وطبعت الهيكل العام لتلك الواقعة الكبرى .
  اولاً
  طلب يزيد بن معاوية ، بعد موت ابيه فوراً ، من عماله فرض البيعة الالزامية على الحسين بن علي ( ع ) وأمتناع الإمام في المقابل عن تلبية مثل هذا الطلب .
  ثانيـاً
  العامل الثاني المؤثر في النهضة ، والذي ينبغي وضعه في الدرجة الثانية من الاهمية ، هو : دعوة اهل الكوفة للإمام ، للقدوم اليهم ولكن حتى بعد ان يصبح في موقع المطالب بتقديم البيعة ليزيد ، وامتناعه عن الرضوخ ، الامر الذي يؤدي به كما هو معروف الى الهجرة الى مكة والاقامة فيها حوالي الشهرين ، ومن ثم وصول اخبار تحركاته هذه الى اهل الكوفة .
  ثالثـاً
  وهو العامل الثالث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو موضوع بحثنا وعلاقته بالنهضة الحسينية المقدسة وهو العامل يذكره الإمام بنفسه مكرراً وبصراحة تامة دون ان يأتي الى ذكر مسألة البيعة ولا على دعوة اهل الكوفة وذلك بمثابة مبدأ مستقل وعامل اساسي يمكن الاستناد عليه عامل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي يستند عليه الإمام الحسين ( ع ) بصراحه قولاً وعملاً ، فتراه عليه السلام يبنى اساس نهضته وقيامه على احاديث النبي ( ص ) ، والاهداف المعلنه لنهضته والتي يذكر بها مراراً بالنص مسألة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ودون ان يأتي على ذكر البيعة او دعوة اهل الكوفه وكتابتهم الكتب له ان هذا العامل في الواقع يمنح النهضة قيمة اعلى بكثير مما يمنحه اياه العاملان الآخران فأستناداً الى هذا العامل استطاعت هذه النهضة ان تكون جديدة بالخلود ، والحياة ، وان تكون الثورة المعلمة .
  بالطبع فإن العوامل كلما كانت تحمل في طباع الدروس والعبر ، لكن هذا العامل كان له الاثر التعليمي الاكبر ، لأنه لم يكن يستند الى الدعوة ، او الكتب والرسائل ، ولا الى طلب البيعة ، أي انه حتى وان لم يكتب الى الإمام فإن الحسين بن علي ( ع ) كان سيقوم اسناداً الى قانون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وانه لو لم تطلب منه البيعة ، فلم يكن بقادر على السكوت ، فالامر مختلف ، ولا يمكن تحمل السكوت عنه .
  فعلى اساس العامل الاول ، فأنه نظراً لدعوة اهل الكوفة ، وارضية الانتصار الذي تكونت نتيجته ذلك بنسبة 50% او اقل ، هذا العامل هو العامل الوحيد الذي كان سبباً في انطلاقة النهضة الحسينية وتبلورها ، فأن ذلك يعني انه في حال عدم حصول مثل هذه الدعوة فأن الحسين ( ع ) لم يكن في وارد التحرك .
  واما على أساس العامل الثاني ، فأنه نظراً الى ان السلطة طالبت الإمام بالبيعة فواجهها الإمام برفض البيعة والتحرك ، أي انه لو كان سبب التحرك هذا وحده ، فأنه يمكن القول بأن عدم مطالبة حكومة ذلك العصر بالبيعة من الحسين ( ع ) ، فأن ذلك كان يعني بأن الإمام لم يكن وارد الاصطدام بتلك الحكومة ، وبالتالي فأن النظر الى حركة الإمام من زاوية هذا العامل وحده ، كان يكفي عدم مطالبة الإمام بالبيعة ، حتى ينبغي التحرك الحسيني ، ويهدأ بال الحسين ( ع ) ولا يحصل كل ما حصل في التاريخ بتاتاً في مقابل ذلك فأن الحسين ( ع ) من زاوية العامل الثالث ، رجل متمرد ، وناقد رجل معارضة ، بل رجل ثورة وقيام ، وهو رجل إيجابي فاعل في الاحداث ، وهل هناك حاجة الى سبب آخر ، بعد هذا السبب ، فالفساد قد عم في البلاد ، وحلال الله صار حراماً ، وحرامه حلالاً ، وبيت مال المسلمين صار بأيد غير امينة والثروات والاموال تصرف في غير رضا الله وسبيله وها هو الرسول الاكرم محمد ( ص ) يقول : ( من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً حُرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، من منابذاً لسنة رسول الله ( ص ) ، يعمل في عباد الله بألاثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ، ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله ) (22) .
  وهذا الحديث النبوي ليس الوحيد في هذا المجال فهناك احاديث كثيرة يمكنه الاستناد اليها في هذا المجال وعليه فالحسين هنا يستند الى جده النبي في تحركه ضد يزيد ، فقد جاء في الحديث الشريف ، عن الإمام الرضا ( ع ) ، عن جده النبي الاكرم ( ص ) انه قال : ( اذا تركت الناس الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فليأذنوا بوقاع من الله ) (23) ، واي عذاب ينتظر مثل هؤلاء الناس الذين يتركون هذا الواجب الالهي بجهل سيأتيهم حجر من السماء لا انه العذاب الالهي الذي يشرحه الحق تعالى في الاية الكريمة التالية :
  ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ) (24) وهناك حديث اخر للرسول الاكرم ( ص ) ينقله علماء الشيعة في كتبهم المعتبره ، مثل ( اصول الكافي ) كما يذكره اهل السنه في كتب حديثهم حيث يمكن قراءته في سند الغزالي في ( احياء العلوم ) يقول رسول الله ( ص ) ( لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، او يسلطن الله عليكم شراركم فيدعون خياركم فلا يستجاب لهم ) (25) .
  التفسير المعروف المتداول للحديث السالف الذكر يفيد بأنه وبعد تسلط اشراركم على مقاليد الامور في المجتمع ، فأن خياركم ، ومهما تضرعوا الى الله ، ودعوه لأنزال الرحمة على العباد ، فأن دعائهم ذلك لن يستجاب لهم أي ان المجتمع الذي يترك وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فأن الله سبحانه وتعالى يسلب عنه حتماً ، ومعنى ذلك انهم مهما دعوا الله ليستجب لهم دعائهم ، فأنه لن يفعل ذلك بسبب ذلك الذنب الذي اقترفوه ، بترك شرارهم يتسلطون عليهم فغياب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من بين صفوفكم امر ملازم لضعفكم واخطائكم وذلكم ، ومن ثم فأن العدو سوف لن يحسب لكم أي حساب وسيعاملكم معاملة الرقيق والعبيد ولن يلبي لكم أي مطلب مهما التمستموه وهذا تفسير لطيف ، وهو ينسجم ويتناسق مع المبادئ المؤكدة في الاسلام وابو عبدالله الحسين ( ع ) وانما يستند الى مثل هذه الاصول والمبادئ ، عندما يبين للأمة مبادئ تحركه ويشرحها ، ولذا نرى ان مضمون خطاباته يصرح بأنه عليه السلام كان سيتحرك ضد السلطان الغاشم ، حتى ولو لم يدعه اهل الكوفة اليهم ، او لم تطالبه السلطات بمبايعة يزيد ، لأن مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي يمنع سكوته ، وقبوله ، بالظلم والفساد ، ثم اضافة الى ذلك ، فيها هو القرآن الكريم نفسه يقول بوضوح حول موضوعه حرية الانسان ، والمسؤولية ، والالتزام الشخصي والمطلوب منه ، وذلك كما ورد في قوله تعالى :
  ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (26) او ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )(27) او قوله تعالى : ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا )(28) .
  قيمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في نظر علماء الاسلام
  ان عامل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قد رفع من قيمة النهضة الحسينية واهميتها ، فأنها بالمقابل قد رفعت من قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
  وكما ان تأثير الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قد مثل في رفع مستوى النهضة الحسينية الى اعلى المستويات الممكنه ، فأن هذه النهضة المقدسة بدورها ايضاً قد ساهمت في رفع الاصل الاسلامي الى اعلى المستويات ، فكيف حصل هذا ؟ وهل يمكن للحسين بن علي ( ع ) ان يرفع وان يخفض من قيمة اصل من الاصول الاسلامية ؟ كلا ، فليس هذا هو المقصود في حديثنا ، كأن نقول مثلاً ان هناك قيمة معينة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الواقع ، وفي نفس الامر ، كما يقول الفقهاء او في متن الاسلام ، ثم جاء الحسين بن علي ( ع ) وغير ، او رفع ، من هذه القيمة الواقعية والموضوعة في متن الاسلام " فهذا عمل ليس بوسع الحسين بن علي ( ع ) ان يفعله ، ولا حتى بوسع النبي محمد ( ص ) ان يقوم به ، انه من صلاحيات الباري عز وجل لوحده ، لا شريك له " .
  ان الله الذي بعث الى عباده ، وفرض عليهم هذه الاصول والتعليمات ، هو الذي عين وقدر لكل اصل من تلك الاصول ، مرتبته ، ودرجته ، وقيمته المحددة ولا يمكن لأحد كائناً من كان حتى النبي ان يتصرف في مثل هذه الشؤون ، او يؤثر في متن الواقع الاسلامي لها ، وما اقصده هو ان النهضة الحسينية ، انما رفعت من امكانيات الاستنباط ، والاجتهاد ، لعلماء الاسلام والمسلمين ، بشكل عام ، في دائرة اصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هنا تعبير متداول بين طلاب العلوم الدينية ، يتحدث عن مقام الثبوت ومقام الاثبات ، ومقام الثبوت يعني المقام الواقع ، وكل شيء في مقام الواقع او بذاته ، له حد معين ، ودرجة معروفة ، او بتعبير الفلاسفة الجدد مقام الشيء بذاته مقابل مقامه بالنسبة لنا ، ومقام الثبوت هو مقام الشي بذاته ، وذلك مقابل مقام الاثبات ، أي ما يعني بالنسبة لنا من مقام وموقع .
  وعليه ، فأننا عندما نقول بأن الحسين بن علي ( ع ) قد رفع من قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فأن قصدي هو القول بأنه عليه السلام ، قد رفع هذه القيمة في عالم الاسلام ، وليس في الاسلام ، فمن ناحية الدين الاسلامي ، أي في مقام الثبوت ، ومقام الشيء نفسه ، لا يمكن للحسين بن علي ( ع ) ، او النبي ( ص ) او علي بن ابي طالب ( ع ) ، ان يرفعوا ، او يخفضوا من قيمة اصل الاصول ، والمبادئ العامة للدين ، ان الله وحده هو الذي حدد قيمة خاصة فعينه لكل اصل من اصول الاسلام ، ان بعض علماء الاسلام ، ومع شديد الاسف ، بعض علماء كبار الشيعة ايضاً والذين لم ننتظر منهم مثل هذا الموقف يقولون :
  بأن حدود الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تقف عند نقطة عدم حصول الضرر بالمطلق ، وليس عدم حصول المفسدة ، نعم في حدود عدم تعرض مالك ، وحياتك ، وكرامتك للضرر ، أي انك اذا ما رأيت ان الضرر سيلحق بواحده من هذه الجهات ، فما عليك الا ان تتخلى عن هذا الواجب " انه اصغر من ان يقارن بالنفس ، او المال ، او الكرامة انهم يخفضون من قيمة فعل الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر الى هذا الحد ، لكن هناك من يرى المسأله بشكل مختلف ، ويقول بأن قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ارفع من ذلك ، ولكن بالطبع فأن المسأله نسبية ، وتختلف من مسألة الى اخرى ، فأحياناً يكون الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، يتعلق بموضوع تافه لا قيمة له ، كأن يقوم احدهم برمي الاوساخ في زقاق المحلة ، ولا يحق له ان يقوم بهذا العمل القبيح ، وينبغي عليك هنا ان تنهى عن المنكر .
  كما عليك هداية هذا الرجل وارشاده ، وتوجيهه بحيث لا يرمي الاوساخ في الزقاق ، ولكن في احيان اخرى قد يكون موضوع الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، موضوعاً وضع له الاسلام اهمية وقيمته ابلغ وارفع من مال الانسان وثروته ، وكرامته فالمسألة تدور حول تعرض القرآن للخطر ، وان كل المؤثرات ، والدسائس تدور حول محاربة القرآن ، والحالة العامة توحي بالخطر الداهم على القرآن ، ومبادئ القرآن ، ان الخطر الذي يوشك ان يقضي ، على العدالة ، وهي الهدف الذي يسعى الى تحقيقه الانبياء كافة في المجتمع البشري كما ورد صريحاً في القرأن الكريم قال تعالى :
  ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (29) او ان تكون القضية المعرضة للخطر هي قضية الوحدة الاسلامية ، وكلنا يعرف مدى الحساسية الخاصة ، والعناية الفائقة ، التي يوليها الاسلام ، لمثل هذه القضية الكبرى ، قضية وحدة المسلمين كما جاء في قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ )(30) .
  وبناءاً عليه نقول : ان الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، او يمكنه ان يعيق تأدية هذا الواجب :
  ان هذا المبدأ يدور في الواقع حول نوع موضوع الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، وهنا بالذات يتبين لنا الى أي مدى رفع الحسين بن علي ( ع ) قيمة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فكما ان اصل الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، رفع قيمة النهضة الحسينية ، كما بينا انفاً ، فأن النهضة الحسينية بدورها قد رفعت هذا الاصل والواجب الالهي .
  ذلك ان الحسين بن علي ( ع ) قد بين للعالم اجمع ان مسألة الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قد تصل الى درجة يتطلب فيها من الانسان ان يضحي بنفسه وماله ، وكل ما يملك ، في سبيل الله ، ويتحمل في سبيل ذلك كل انواع اللوم والانتقاد ، كما فعل الحسين ( ع ) نفسه فالنهضة الحسينية لم تحظ بتأييد احد من الناس ، نعم بالمستوى الذي كانوا يفكرون به ، وقد كانوا على صواب في حدود تصوراتهم للموضوع ، لكن الحسين بن علي ( ع ) كان يرى ما وراء حدود رؤياهم ، وانهم كانوا يتصورون جميعاً ان الامر منحصر بحدود الوصول الى الزعامة ، وحسم امر السلطة ، ولذا فأنهم كانوا يرون العاقبة السيئة المتوقعة ، وكانت توقعاتهم دقيقة وصحيحة .
  ان ابا عبد الله الحسين ( ع ) قد اثبت في هذه النهضة ، انه ومن اجل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، نعم من اجل هذا الاصل الاسلامي ، يمكن للمرء ان يضحي بحياته ، وماله وثروته ويتحمل كل انواع اللوم والانتقاد .
  فهل هناك احد في الدنيا منح قيمة لأصل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بمقدار ما اعطاه الحسين بن علي ( ع ) ؟ ان معنى النهضة الحسينية يفيد بأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالغ القيمة الى الحد الذي يمكن للمرء ان يضحي في سبيله بكل شيء انه ومع حصول النهضة الحسينية ، لم تعد هناك مجال للحديث عن وجود حدود لفعل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ان الحسين بن علي ( ع ) قد استمسك بهذا الاصل ، واثبت لنا جميعاً بأنه قد قام ، وانتفض دفاعاً عن هذا الاصل المقدس ، او ان احد العوامل التي دفعته للقيام احد العوامل على الاقل كان هو هذا الاصل .
  لقد سبق ( ع ) ان وضح وبين في زمن معاوية بعض العلائم والقرائن ، التي كانت تفيد بأنه كان يمهد لقيام الثورة وهذا ما جاء بصراحة في وصيته عليه السلام لمحمد بن الحنفية ، في اليوم الاول لخروجة من مكه ، عندما قال : ( ما خرجت اشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ، اريد ان امر بالمعروف ، وانهى عن المنكر )(31) ان ابا عبد الله الحسين ( ع ) ظل مستمسكاً بهذا الاصل ، في مواضع متعددة وهو في طريقه الى الكوفة ، من دون ان يتطرق الى ذكر البيعة ، ويذكر دعوة اهل الكوفة ، والعجب في الامر انه عليه السلام ، كان كلما جاءته اخباراً موحشة ، ومتشائمة من الكوفة ، كلما كانت خطبه عليه السلام تأخذ طابعاً حماسياً ، اكثر من الخطب التي سبقتها ، وفي احدى خطبه في منتصف الطريق الى الكوفه ، تراه عليه السلام يقول بصراحة ( اني لا ارى الموت الاسعادة ، والحياة مع الظالمين الا برما )(32) وقد جاء في بعض النسخ تعبير ( شهادة ) بدل ( سعادة ).
  أي ان من قتل في سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، انما يقتل شهيداً ، كما ان المعنى الآخر أي ( لا ارى الموت الاسعادة ) في الحقيقة انما يعطي نفس المفهوم الاستشهادي ، والحياة مع الظالمين الا برما ، أي انني لا ارى مجالاً ، او امكانية للعيش مع الظالمين ، والتعايش معهم ، فروحي ليست تلك الروح التي تتعايش مع الظالم .
  وان الف مقاتل جاءوا ليأخذوا الإمام ( عليه السلام ) محضوراً الى الكوفة بعد ان اصطدم بجيش الحر ابن يزيد الرياحي ولمثل هذه الظروف القائمة القى الحسين ( عليه السلام ) خطبته المشهورة وهي الخطبة التي يذكر بها الإمام عن جده ( ص ) وهو يأمر بالتمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث يقول رسول الله ( ص ) ( ايها الناس أمّن رأى سلطان جائراً ، مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مستأثراً لفيء الله ، متعدياً لحدود الله ، فلم يغير عليه بقول ، ولا فعل كان حقاً على الله ان يدخله مدخله ، الا وأن هؤلاء القوم احلوا حرام الله، وحرموا حلاله ، وأستأثروا في الله ) (33) .
  وبعد هذه المقدمة المنطقية تراه ( عليه السلام ) يأخذ النتيجة على القول ويقول لأصحابه ، ولجميع من يسمع من جيش الحر : ( وقد علمتم ان هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، واظهرو الفساد في الارض ، وعطلوا الحدود ، وأستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله . . . ) فهل بعد ذلك من عجب ، ان يخلد ذكر الحسين ( ع ) الى الابد ، بعد ان تكون صفاته وفصائله بمثل هذه الصفات والخصائل ، التي يذكرها التاريخ لنا ، فالحسين ( ع ) هذا ليس انساناً لنفسه ، بل انه ضحى بنفسه للأنسانية ضحى بنفسه من اجل مجتمع البشر كلهم ، وقدم نفسه فداءً لمقدسات البشرية ، وقرباناً على طريق التوحيد ، ومن اجل العدالة والانسانية والذي نرى بأن ابناء الانسانية جميعاً يحبونه ويعشقونه ، من كل ملة وطائفة لقد قتل الحسين بن علي ( ع ) على طريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي المبدأ الذي لم يكن ، لتلاشى المجتمع الاسلامي ، وتفكك وتفرقت الامة وتقطعت اوصالها وانهار بنيانها وتناثرت قطعاً ، نعم فهذا المبدأ يحمل كل هذه القيمة والاهمية كما ورد في الآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد وهي كثيرة للغاية .
  وظلت رسل العدو في ذهاب واياب ، من الكوفه واليها والاحداث تتوالى على معسكر العدو ومخيمه الفاً وثلاثة آلاف وخمسة آلالف ، ( حتى كملت ثلاثين ) وذلك في اليوم السادس من محرم ، كما جاء في الروايات . . .
  وعندما جائت ساعة المواجهة ، وقرر ابن زياد أن يكون قرار الحرب ، وان تكون امارة الجند والعساكر ، جميعاً .
  يقول الإمام الصادق ( ع ) : ( ان تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين )(34) نعم فهو يوم تدفقت منه الامدادت على جيش عمر بن سعد ، بينما لم يصل فيه شيء لأهل بيت النبي ، بل سدت بوجوههم كل الطرق ، الليلة هي ليلة عاشوراء ، ليلة اذا ما دققنا جيداً بالحالة التي عاشها الحسين واصحاب الحسين ، من شهداء كربلاء ، فأننا سنعيش مزيجاً من شعورين مختلفين ، فمرة ستلتهب مشاعرنا حماساً عندما نتذكر تلك الروح الشجاعة ، والمعنويات العالية التي كانت تطبع سلوكهم ، وتظهر عليهم جلية ، في تلك الليلة ، ولكن في اخرى فأن صعوبة الوضع ، وقسوة الظروف التي حكمتهم ، ستجعلنا نحزن ، ونتأثر لحالهم تأثراً شديداً .
  يقول الراوي ان ابا عبد الله الحسين ( ع ) قد مضى تلك الليلة بأشراق ونورانية وطمأنينة ، ومعنويات رفيعة ، واحاسيس غير عادية تماماً وصدق الذين اطلقوا على تلك الليلة تسمية ليلة معراج الحسين وفي تلك الليلة اورد ابو عبد الله خطبته الغراء المعروفة ، حيث اذن لمن يريد من أصحابة العودة من حيث اتى ، وهو يقول لهم : ( . . . اما بعد فأني لا اعلم اصحاباً اوفى ولا خيراً من اصحابي ولا اهل بيت ابر واوصل من اهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيراً ، الا واني لا اظن يوماً لنا من هؤلاء ، الا واني قد اذنت لكم ، فأنطلقوا جميعاً فأنتم في حل ، ليس عليكم حرج مني ولا ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فأنهم لا يريدون غيري . . . ) لكن اصحاب الحسين ( ع ) كانوا قد مرّوا في الغربال ولم يبق منهم الا الصفوة المختارة ، يقول الراوي : فردوا عليه جميعاً بصوت واحد : ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك ، لا أرانا الله ذلك ابداً . . .
  وقد بدأهم القول العباس ( ع ) ومنهم من قال : والله يا بن رسول الله لو وردتنا انباء قتلنا ، ثم نشرت ارواحنا الف مرة وان الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من اخوانك وولدك واهل بيتك ، ارواحنا فداك يا ابا عبد الله .
  ونحن نتحدث عن اهل بيت رسول الله ( ص ) لابد لنا ان نذكر في هذه الليلة ، ذلك الشاب اليتيم ، القاسم ابن الحسن ( ع ) ، ونتوسل الخير من ذكره في ليلة عاشوراء ، اقول وبعد ان رأى ابو عبد الله الحسين ( ع ) ذلك الوفاء ، والتصميم على الفداء لدى اصحابه واهل بيته ، غير مجرى الحديث وقام يكشف وجه اخر من الحقيقة لهم بقولة .
  اذن لا بد من ابلاغكم بهذه الحقيقة ، وهي انه سوف لن يخرج احدً منا غداً سالماً من هذه المعركة ، واننا سنستشهد جميعاً فأستبشر جميع الحاضرين خيراً ، واعتبروا هذه البشارة نعمة الهية خصهم الله بها دون غيرهم .
  فعندما خرج القاسم يريد المبارزة ، تراه يستأذن الحسين ، ويتوسل اليه ولا يريد ابا عبد الله ان يأذن له في البداية ولكنه بعد ان يأذن له ، يخرجان متعانقين كما يقول الراوي : ( وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ) ولكن ها هي اللحظات الاخيرة من عمر القاسم ، وهو مرخي يديه ، وقد ضمه الحسين الى صدره وهو مسبل بالجراح وصعدة روحه الى السماء ( عليه السلام ) ، دون ان يتمكن من معانقة عمه مرة اخرى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون . . .
  الخلاصة
  رأينا ان الحسين ( عليه السلام ) بعد ان نصح ووعظ وارشد وذكر بالمسؤولية الشرعية امام الله تعالى ، وكشف الحقائق ورغب ورحب . . . ولما لم يجد لذلك اثر في نفوس القوم ، رأى ان آخر الدواء الكي وتقدم نحو القوم مصلطاً سيفه آيساً من الحياة ، ودعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل جمعاً كثيراً ثم حمل على الميمنة ، وهو يقول :
الموت اولى من ركوب العار          والـعار اولى من دخول iiالنار
  وحمل على الميسرة وهو يقول
انـا الـحسين ابـن iiعلي          آلــــيــــت الا انـــثـــنــي
احــمـي عــيـالات ابــي          امضي على دين النبي
  قال عبد الله بن عمار بن يغوث : ما رأيت مكسوراً (35) قط قد قتل ولده واهل بيته وصحبه اربط جأشاً منه ، ولا ارضى جناناً ولا اجرأ مقدماً ، ولقد كانت الرجال تنكث بين يديه اذا شد فيها ولم يثبت له احد .
  فصاح عمر بن سعد بالجمع هذا ابن الانزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ، احملوا عليه من كل جانب ( فأتته النبال من كل جانب ) وحال الرجال بينه وبين رحله فصاح بهم ( يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون ) .
  فناداه شمر : ما تقول يبن فاطمة ، قال : ( أنا الذي اقاتلكم ، والنساء ليس عليهن جناح ، فأمنعوا عناتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حياً ) قال :
اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي          قـد حان حيني وقد لأحت لوائحه
  وقصد القوم واشتد القتال وقد اشتد به العطش ، فحمل من نحو الفرات . . . اقحم الفرس بالماء . . . ومريده ليشرب ناداه رجل اتلتذ بالماء ، وقد هتكت حرمك فرمى الماء ، ولم يشرب وقصد الخيمة (36) .
ومـضى لـهيفاً لـم يـجد غـير iiالـقنا          ظـــــلاً وغـــيــر الــنـجـيـع iiشــرابــاً
ظــمــأن ذاب فــــؤاده مــــن iiغــلـة          لــومــسـت الـصـخـرالاصـم iiلــذابــا
لهفي لجسمك في الصعيد مجرداً          عــريــان تــكـسـوه الــدمــاء ثـيـابـا
  المصـادر
  1 ـ الملحمة الحسينية الجزء الاول والثاني للمؤلف الاستاذ مرتضى المطهري .
  2 ـ الإمام الحسين شمس لن تغيب للمؤلف الشيخ جميل الربيعي .
  3 ـ شمس لن تغيب قدم له الشيخ باقر القريشي .
  الهوامش
  1 ـ الخوارزمي ، مقتل الحسين ( ع ) : 1 / 34 ، وبحار الانوار : 44 / 382 .
  2 ـ المائدة : آية 44 .
  3 ـ التوبة : آية 71 .
  4 ـ المحدث المجلسي : بحار الانوار: 100 / 79 .
  5 ـ سورة الانفال : الآية 42 .
  6 ـ سورة النباء : الآية 65 .
  7 ـ ابصار العين ص 26 .
  8 ـ نهج البلاغة الخطبة رقم 32 .
  9 ـ سورة التوبة : الآية 112 .
  10 ـ نهج البلاغة ، الكلمات القصار رقم : 374 .
  11 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 107 .
  12 ـ اللهوف على الطفوف ص 26 .
  13 ـ المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 100 / 85 .
  14 ـ المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 100 / 93 .
  15 ـ المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 100 / 91 .
  16 ـ الحر العاملي ، الوسائل : 11 / 407 .
  17 ـ المتقي الهندي ، كنز العمال : 3 / 74 .
  18 ـ الإمام الخميني ، تحرير الوسيلة : 465 .
  19 ـ الإمام الخميني ، تحرير الوسيلة : 481 .
  20 ـ نهج البلاغة خطبه رقم : 175 .
  21 ـ الشيخ الكليني الاصول من الكافي : 2 / 78 / باب تورع .
  22 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 204 .
  23 ـ فروع الكافي ج 5 ص 59 .
  24 ـ سورة الانعام : الآية 65 .
  25 ـ فروع الكافي 4 ص 56 .
  26 ـ سورة الدهر : الآية 3 .
  27 ـ سورة البلد : الآية 10 .
  28 ـ سورة الاسراء : الآية 19 .
  29 ـ سورة الحديد : الآية 25
  30 ـ سورة آل عمران : الآية 103 .
  31 ـ مقتل الخوارزمي ج 1 ص 188 .
  32 ـ تحف العقول ص 245 مع اختلاف بسيط بالنص .
  33 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 304 .
  34 ـ نفس المهموم ص 255 نقلاصاً عن كتاب الكافي ج 4 ص 147 .
  35 ـ مكسورأ : هنا المغلوب هو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه ، ومعنى
  الكلام أي ما رأينا مقهوراً اجرأ اقداماً منه .
  36 ـ المقرم : مقتل الحسين عليه السلام 275 .