مـؤمنـــة

  من المهمات التي على التائب أن يعرفها
الاستاذة سندس العبادي
  إن همّ الشيطان في أن يمنع الإنسان ـ أياً كان ـ من طريق الله ، وإذا لم يقدر عليه من الطرق الطبيعية في هوى النفس ، فإنه يرجع ويأتيه من طرق الشرع والعقل بشكل خفي ، وإذا لم يقدر أن يغلبه من هذه أيضاً فإنه يقول له : قد إنقضى أمرك ، فإنك لا تقدر أن تتوب توبة حقيقية ، فللتوبة الحقيقية شروط ، أين أنت من تلك الشروط ؟ وإذا لم تقوم بشرائطها فعدم التوبة خير من التوبة الكاذبة .
  وبالإضافة إلى ذلك يقول : إنك أذنبت ذنوب كثيرة بحيث صرت غير مؤهل لقبول التوبة ، وغير موفق للتوبة .
  فإذا قبل التائب كلامه هذا فإنه سوف يغلبه ويكون مغلوباً منه لأنه قَبِلَ ذلك ، وقد تحققت بذلك غايته ، وأما إذا أجابه على أقواله تلك ، وردها وقال له :
  أولاً : إن الرحمة الإلهية التي يمكن تصورها هي رحمة بحيث لم تيأسك أنت نفسك من رحمته ، وقد إستجاب الله دعاؤك .
  ثانياً : إذا كنت غير قادر على أن أتوب توبة حقيقية تامة ، فأني أفعل مقدار ما يمكنني أن أقوم به فلعل الله عز وجل الرحيم يوفقني أكثر من ذلك لأنني تبت بهذا المقدار الذي أمكنني فعله فأفعل شيئاً أكمل من السابق ، فإذا فعلت ذلك يوفقني أيضاً إلى الأفضل ، إلى أن يوصلني إلى التوبة الكاملة ، كما جرت عادة الله عز وجل بذلك .
  وأني إذا قبلت ذلك فإن فيه هلاكي القطعي الذي لا نجاة بعده أبداً ، وأن نفس هذا اليأس إنما هو من الذنوب الكبيرة الموبقة ، ولعل سببه يعجل العذاب ويكون سبباً لزيادة العذاب وخسران الدنيا والآخرة .
  وهناك جواب آخر قوي وشافي لوسوسة هذا الخبيث وهو أن تقول له : إنك تقول لي بأنك لا تستطيع أن تتوب توبة نصوحة نعم إذا لم تشملني عناية الله عز وجل فإن التوبة الكاملة غير ممكنه ، بل سوف لا أقدر حتى على التوبة الناقصة ، ولكني إذا شملتني عناية جل جلاله فسوف يمكنني الوصول إلى جميع المراتب والمقامات العالية منها مما لا تخطر على بال .
  وإذا قال : من أين ستصلك عنايته ؟
  فقل : من أين لك بأن عنايته سوف لا تصلني ؟
  فإن قال : أن عنايته تحتاج إلى الأهلية .
  فقل : من أين حصل أولئك الأكابر على تلك الاهلية ؟ أليس هو قد وهبهم ذلك ؟ فإني كذلك أستوهبها منه عز وجل .
  وإن قال : ولكنك ، من أين لك أهلية كرمه ، وفي مقابل أي عمل من أعمالك تتمنى ذلك ؟ ألم ترى إنه لا يهب لكل أحد ؟
  فقل في جوابه : أطلب ذلك بلإستجداء ، فالشحاذ يطلب بالمجان .
  وإن قال : ومع ذلك فإنه لا يعطى للشحاذ كل شيء .
  فقل : لعلهم لم يكونوا مجدين في الإستجداء .
  وإن قال : إنك عصيت ، وإن حكم الله جل جلاله هو ردك ، وعدم قبولك ، فقل : لا يجب في حكم الله أن يغضب على كل عاص وأن يرده .
  وإن قال : فأين يظهر غضب الله تعالى إذن .
  فقل : تظهر مع أمثالك الذين عاندوا الله جل جلاله ويدخلون اليأس على عباده ويمنعونهم من الإمتثال بين يديه عز وجل خلافاً لدعوته .
  وإن يقول : إن إستحقاقك للعقاب أمر قطعي ، وإن وعده بعذاب عاصيه قطعي أيضاً بينما إجابت توبتك أمر إحتمالي ، فقل إنك مشتبه وغافل عن وعده بلإجابه والقبول ، ولو أن سلطاناً عمل خلاف وعيده فسوف لا يكون ذلك قبيحاً ، ولكن الذي لا يحتمله أحد على الله عز وجل خلف الوعد .
  وإن قال وجهك أسود من الذنوب ، وحالك ردئ ، فبأي وجه تذهب إلى حظيرة قدسه ؟ فقل : إذا كان وجهي أسود فإني أذهب متوسلاً بأنوار وجوه أوليائه المشرقات .
  وإن قال : إنك لا تمك أهلية التوسل بهم أيضاً .
  فقل : فإني أتوسل إليهم أيضاً بمحبيهم .
  وبإختصار : الحذر الحذر من أن تنطلي عليك حيلة ، وتيأس من رحمة الله الواسعة ! وعدم الإقدام على التوبة .
  والآن وبعد هذه المقدمة فإن عزمت على شد رحالك إلى مدينة التوبة ووجدت في نفسك عزيمة وأرادة قوية في دخول بابها فعلى بركة الله ، وسأذكر لك رواية تكون بمثابة المفتاح لتفتح بها أول باب من أبواب مدينة التوبة ، والرواية هي : ان رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرج يوم الأحد من شهر ذي القعدة ، فقال : ( أيها الناس من كان منكم يريد التوبة ؟ )
  قلنا : كلنا يريد التوية يا رسول الله .
  فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إغتسلوا وتوضؤا وصلّوا أربع ركعات وإقرؤا في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وقل هو الله أحد ثلاث مرات ، والمعوذتين مرة ، ثم إستغفروا سبعين مرة ، ثم إختموا بلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، ثم قولوا : يا عزيز يا غفار إغفرلي ذنوبي وذنوب جميع المؤمنين والمؤمئنات فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت ) .
  ثم قال : ( ما من عبد من أمتي فعل هذا إلاّ نودي من السماء : يا عبد الله إستأنف العمل ، فإنك مقبول التوبة مغفور الذنب ، وينادي ملك من تحت العرش أيها العبد بورك عليك وعلى أهلك وذريتك ) .
  وينادي منادٍ آخر : أيها العبد ! ترضي خصماؤك يوم القيامة .
  وينادي ملك آخر : أيها العبد ! تموت على الإيمان ، ولا يسلب منك الدين ، ويفسح في قبرك وينور فيه .
  وينادي ملك آخر : أيها العبد ! ترضي أبواك ، وإن كانا ساخطين ، وغفر لأبويك ذلك ولذريتك ، وأنت في سعه من الرزق في الدنيا والآخرة .
  وينادي جبرائيل ( عليه السلام ) : أنا الذي آتيك مع ملك الموت ( عليه السلام ) ( وآمره ) أن يرفق بك ، ولا يخدشك أثر الموت إنما تخرج الروح من جسدك سلاّ ( سلاماً ) .