مـؤمنـــة

  حياء غريب
الأُستاذة سندس العبادي
  كتب السيد دستغيب ( عليه الرحمة ) .
  روى لي أحد أقاربي ، بعد رجوعه من فرنسا التي بقي فيها عدة سنوات للدرس فقال : إستأجرت في باريس بيتاً ، وكنت قد أقتنيت كلباً للحراسة ، وفي الليل كنت أقفل الباب ، وينام الكلب بالقرب منه ، ثم أذهب بعد ذلك للدرس ، وعندما أعود أدخل البيت ، ويدخل الكلب معي .
  وفي أحدى الليالي ، تأخرت في العودة وكان الطقس بارداً جداً والمطر يتساقط بغزارة ، فأضطررت لرفع ياقة معطفي الشتوي لأُغطي بها أذني ورأسي ولبست القفاز في يدي ، وغطيت وجهي فلم يبق مكشوفاً منه سوى عيني ، لأرى بهما طريقي ، ووصلت البيت على هذا الحال ، وما أن أردت فتح الباب ، حتى أخذ الكلب يزمجر ، فقد أنكرني للوهلة الأولى ، لأنني قد غيرت صورتي ، فهجم علي وأستمر على ذلك حتى كشفت وجهي وصرخت به فعرفني ، فزحف وهو في غاية الحياء إلى زاوية من الزقاق ، فتحت الباب ودخلت وأخذت ألح على الكلب كي يدخل معي فلم يدخل ، فأضطررت بالتالي لأن أقفل الباب ، وأنام .
  وفي الصباح التالي عندما أتيت لأتفقد الكلب ، وجدته ميتاً ، فعلمت أنه إنما مات لشدة الحياء !
  هنا يجب على كل واحد منا أن يخاطب كلب نفسه فيقول :
  كم أنا بلا حياء ، إذ لماذا لا أستحي من ربي الذي من عطائه كل ما أملك ، ولماذا لا ألاحظ حضوره تعالى .
  فعلى الإنسان أن يخجل من نفسه عند سماعه هذه القصة ، لأنه إذا كان حياء الكلب من صاحبه يبلغ هذه الدرجة ، بحيث إنه يموت من شدة الحياء ، في الوقت الذي يؤمن له صاحبه طعامه فقط ، فيرمي إليه قطعة من عظم أو خبز ، إذاً فإلى أي حد يجب أن يكون حياء الإنسان من الله ، الذي هو أصل جميع النعم ، ومصدر الإحسان .
  ومن هنا فعلى الإنسان أن يرثي حاله ويخاطب نفسه ، ويقول لها : أيتها النفس أنتِ أدون وأحقر من الكلب ، لماذا لا تلاحظين نعم الله عليك من الصحة والعافية وما يرزقك من طعام وشراب في كل يوم ، لماذا لا تستحين من ربك في الخلاء والملا ، ولا تلاحظين حضوره تعالى ، رَبكِ الذي من عطائهِ كل ما تملكين ؟