يتعارض هذا مع الوظائف التي وزعت على الرجل والمرأة في الأسرة الإسلامية ولا مع القيمومة التي أعطيت للرجل على المرأة فيها . فإن هذه القيمومة التي اضطلع الرجل بموجبها بإدارة معاش البيت والحفاظ على وحدته لا تعبر إلا عن توزيع طبيعي للوظائف في مجتمع صغير وهو الأسرة المتكونة من أب يعيل ويحافظ وأم تلد وتربي فهي ليست قيمومة أفضلية وإلا لكان كل رجل قيماً على المرأة التي يعايشها وإن كانت أمه أو أخته وليس الأمر كذلك . . هذا بعض ما عناه الإمام الصادق ( ع ) في قوله إن المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح . وقد أراد الإمام أيضاً أن يفتح أمام المرأة مجالاً يمكنها فيه من أن تسمو بصلاحها على ألف رجل غير صالح ، وأن تثبت للمجتمع أنها مؤهلة للتفوق على الرجال إذا تقدمت عليهم بالتقوى والصلاح ، وانعكس ذلك في مختلف حقول حياتها العائلية والاجتماعية . ولا يكفي أن تكون صالحة في بعض تلك الحقول دون بعض بل المرأة الصالحة هي التي انشرح صدرها للإسلام ولتعاليمه فطهرت روحياتها من عوامل الشر وعقمت فكرتها من شوائب الأهواء الشيطانية وحسنت سيرتها في محيطها الخاص ومحيطها العام ،
وأغلقت أمام عواطفها جميع أبواب الحسد والرياء والمكر والخداع ، وفتحت مشاعرها لتلقى كل ما هو خير وسليم ، وسلم منها المجتمع وسلمت منه لا تظلم مسكيناً ولا تهضم حقاً ولا تعتدي على أحد ولا تظن بأحد السوء . وتحمل أختها المسلمة على سبعين محمل من الخير كما قد أوصاها به الله ورسوله . هذه هي المرأة الصالحة التي جعل منها الإمام خيراً من ألف رجل غير صالح . وهذا هو مفهوم الإسلام عن المرأة بما هي إنسانة لها عملها الصالح الذي يرتفع بها إلى حيثما تشاء تبعاً لمدى توفره فيها . والآن فهل لي أن أقول كلمة أخيرة وقبل أن أبدأ بالبحوث الباقية فأقول أن الصلاح بمعناه الحقيقي قلما يتفق لنا نحن بنات حواء ، وإذا صادف فاتفق لواحدة منا قام مجتمعها الظالم في إبعادها عنه أو أبعاده عنها بأي سبيل ، وحتى بدون أن تشعر هي أيضاً . والذنب في هذا ذنبنا نحن وذنب مجتمعنا الفاسد الذي تنعكس فيه المفاهيم وتنقلب القيم ويتنكر للمثل ، وإلا فإن أبواب الرقي الحقيقي مفتوحة أمامنا لا ترد وافدة ولا تمتنع من قبول قاصدة وإسلامنا يعزز ذلك ويشيد فيه ويدعو إليه .
فإن لكل شخص من الأشخاص استعداده الخاص وطبيعته الخاصة به وتكوينه الفطري والنفسي فنحن لا
ينبغي لنا مثلاً أن نجعل من فنان مهندساً أو نجعل من مهندس فناناً فإن لكل منهما هوايته واستعداده الخاص ولا ينبغي لأي منهما أن يخالف اتجاهه الطبيعي أو يعاكس أهواءه واستعداده . فنحن إذا أجبرنا العامل الميكانيكي مثلاً على أن يكون فناناً وإذا أجبرنا الفنان على أن يكون ميكانيكياً نحكم على مواهب كل من الطرفين بالعدم في الوقت الذي نحصل فيه على أبرع عامل ميكانيكي وعلى أروع فنان لو تركنا كلاً منهما يسير وراء هوايته وطبيعته الفطرية . فتقسيم العمل يعتبر من أهم الظواهر الطبيعية ، وقد شمل حتى تكوين الإنسان وتركيبه العضوي ، فإن لكل عضو من أعضاء الإنسان عمله الخاص وفائدته الخاصة وبهذا تكون جميع أعضاء الإنسان متساوية من ناحية الاستهلاك ومتوازية في إنجاز المهام مثلها في ذلك كمثل تقسيم العمل في المعمل الصناعي ، فتقسيم العمل في المعمل الصناعي من شأنه أن يستوجب استعمال كافة الآلات الموجودة في مصنع من المصانع في وقت واحد . ولا شك أن هذا الاستعمال مفيد من عدة نواحي ،
فهو مفيد للآلات نفسها إذ أن الحركة أفضل لها من الوقوف ، كما هو مفيد بالنسبة للإنتاج إذ أن العامل الذي يتخصص في إدارة آلة معينة يستطيع أن يحصل على أكبر فائدة مرجوة منها ؛ وبذلك تصل قوة الإنتاج إلى أقصى درجتها . وحتى على الصعيد الدولي فإنا نجد أن تقسيم العمل قد انتشر بين الدول والأقاليم بل وحتى في الدولة الواحدة نفسها ، وذلك تعباً لصفات السكان فيها واستعدادهم الذاتي لأي أنواع العمل ، وبحسب تربتها ومناخها ونوع المعادن الموجودة فيها ونوعية المحصولات التي تنتجها والقوى المتحركة وتوزيعها . فقد تتخصص بعض الدول في صناعة المنسوجات وبعضها في صناعة المواد الكيمائية مثلاً وقد تتخصص غيرها في تربية الأغنام أو زراعة القطن أو إنتاج النفط بناءً على استعداد الدولة وإمكانياتها . ولا شك أن تقسيم العمل بين الأفراد في جميع المجالات له أثر كبير في حياتنا الاجتماعية فعلاوة على المزايا العديدة التي يتضمنها فإنه يحكم الروابط بين الأفراد ويشعر الإنسان بحاجته إلى أخيه الإنسان وبأنه لن يستطيع أن ينتج بنفسه كافة الأشياء
اللازمة له فهو مضطر إلى أن يعتمد على غيره في الحصول عليها . وعلى هذا فإن كل واحد من المجموعة البشرية يشعر بأنه مشدود جذرياً إلى أخيه الإنسان وهذا الشعور يولد التقارب اللا اختياري في المجتمع . فإذا كان تقسيم العمل شاملاً لكل المجالات في جميع الأحوال ، وإذا كانت الحياة قائمة على أساس تقسيم العمل في جميع نواحيها ، فمن الطبيعي جداً أن يأخذ الإسلام بهذا المبدأ في تقسيم العمل بين المرأة والرجل فيسند لكل منهما الدور الذي هو أكثر كفاءة للقيام به . فإن لكل من المرأة والرجل مزاجاً خاصاً وتكويناً معيناً لا ينبغي لأي منهما أن ينحرف عنه أو ينفصل منه . فتوزيع المهام إذا بين الرجل والمرأة لا يقوم على أساس تسخير أحدهما للأخر بل على أساس تقسيم العمل وإعطاء كل منهما نوع المهمة التي تنسجم مع طبعه ومزاجه . ولولا توزيع هذه الوظائف والتهيئة التكوينية لهذا التوزيع لما أمكن للبشرية أن تعيش على وجه الأرض . فكما أن على المرأة أن تقوم بوظائفها الطبيعية في الحياة
كذلك على الرجل أيضاً أن يقوم بمهامه بالنسبة للمجتمع والحياة ، ويكون إنجاز هذه الوظائف الطبيعية على سبيل التعاون والتكافوء لا على سبيل التسخير والاستخدام . هذا هو التقسيم السماوي للوظائف البشرية دون استغلال من أحد الطرفين . وهكذا شاءت العدالة الربانية أن تجعل البشر متساوين في الوظائف متكافئين في الأعمال دون ظلم أو إجحاف . وتقسيم الوظائف على هذا النحو يحفظ لكل من الطرفين مكانته الاجتماعية ويحافظ في الوقت نفسه على كيانه الخاص ، ويجعلهما معاً خادمين للمجتمع على صعيدين متساويين ، وكل حسبما تفرضه عليه طبيعته ويدله إليه تكوينه . ولذلك فقد أسند للمرأة خدمة المجتمع في داخل البيت وأسند للرجل خدمة المجتمع في خارج البيت . وذلك لأن المرأة بطبيعتها الأنثوية الرقيقة أجدر بإدارة البيت الذي يقوم على الحب والعطف والحنان . ولكن هذا التوزيع العادل للوظائف أخذ يستغل من قبل بعض دعاة الشر لإبرازه في صورة معاكسة تماماً للواقع تنتج عنه تصورات خاطئة عن أن المرأة في الإسلام لا تعد
إلا كونها أداة عمل وآله إنتاج تحت سيطرة الرجل . وكان نتيجة لهذه الدعايات السامة أن أخذت المرأة المسلمة تستشعر بنقطة ضعف موهومة وصارت تحاول أن تمحو عنها هذا النقص . وبما أن الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من ذلك هي عدالة السماء وتفهمها الواقعي للحكمة العادلة في هذا التوزيع ، وبما أنها قد انصرفت عن هذه الناحية بعد أن توهمت اليأس منها ، فإنها لن تتمكن من الاهتداء إلى ما تسعى ، مهما حاولت ذلك ومهما بذلت في سبيل ذلك الغالي والرخيص من عزتها وكرامتها وطهرها الغالي الثمين .
الحجاب ليس كما يتوهم البعض من أنه ختم ملكية المرأة للرجل ، فإن المرأة والرجل من الناحية الإنسانية سواء لم يخلق أحدهما ليملك الآخر بل خلق أحدهما ليتمم الآخر ويكمله ، ولكل منهما جانبان مزدوجان : فالرجل إنسان وذكر والمرأة إنسان وأنثى ، وكل منهما بوصفه إنسان يسمح له بالمشاركة في خدمة المجتمع على أن يظهر في مجال الخدمة كإنسان لا أكثر ولا أقل . إذن فعدم تظاهر المرأة بأنوثتها لا يؤخذ دليلاً على أن الإسلام أراد أن يحجبها من المجتمع فهي عندما تتصل بالمجتمع تتصل به لحساب كونها إنسان طبعاً فكما أن للرجل أن يثبت إنسانيته في الوجود ، للمرأة أيضاً أن تثبت وجودها الإنساني ، حالها في ذلك حال الرجل سواء بسواء . وفي النواحي التي يتحتم على المرأة التستر فيها يتحتم على
الرجل ذلك أيضاً فكما أن المرأة لا يمكن لها أن تتظاهر بأنوثتها وبكونها الجنس الناعم عن طريق الخلاعة والتبرج لا يمكن للرجل أن يتظاهر برجولته وذكورته ولا يمكن له أن يعيش في المجتمع الواسع إلا كإنسان ، كالمرأة التي لا يمكن لها أن تعيش في المجتمع الواسع إلا كإنسانة ، وفي المواطن التي يظهر فيها الرجل كرجل علاوة على كونه إنساناً يمكن للمرأة بل ويجب عليها أن تظهر بمظهر الأنثى علاوة على كونها إنسانة . وبما أن جاذبية المرأة وسحرها أقوى وأشد تأثيراً من جاذبية الرجل وسحره كان حجاب المرأة أوسع وأشمل من حجاب الرجل . فالمرأة التي تظهر في المجتمع بمظهر إنسانة بدون إشارات وهوامش تشير إلى أنوثتها ، تكون مساوية للرجل . على العكس تماماً من المرأة الغربية ، التي إن قال لها الرجل أنها حرّة في تصرفاتها وفي كل شيء تكون في الواقع مقيدة بإرضاء الرجل أي رجل كان وإشباع رغباته ، إذ فرض عليها تظاهرها بأنوثتها باسم الحرية على ما يتطلب ذلك من تعب وجهد وعلى ما يستنفد ذلك من وقت المرأة . فهل من الإنسانية أن تكون المرأة سلعة تعرض
سيطرتها المطلقة بوصفها مالكة للمال ، بينما يمنح هذه السيطرة للزوج لا على ماله فحسب بل على مال زوجته أيضاً ، وفقاً لأحد أشكال أربعة سمح القانون بصياغة العقد طبقاً لأي واحد منها تبعاً لما يقع عليه اختيار الزوجين . والأشكال الأربعة هي كما يلي : أولاً ـ شركة الزوجين وهو تقسيم أملاك الزوجين إلى ثلاثة : قسم عام للزوجين غير قابل للقسمة وقسم خاص بالزوج وقسم خاص بالزوجة ، وللزوج وحده حق إدارة الأقسام الثلاثة كرئيس للشركة . والثاني ـ بدون شركة أو استبعاد الشركة : وهو أنه لا يوجد في هذا القسم أملاك عامة فكل زوج زوج يحتفظ بأملاكه الخاصة لكن للزوج وحده حق إدارة أملاكه وأملاك زوجته واستثمارها . الثالث ـ فصل الأملاك . وفي هذا القسم منافع الزوجين منفصلة فكل واحد منهما يحتفظ بملكيته لأملاكه واستغلالها وإدارتها على شريطة أن تترك الزوجة إلى زوجها جزءاً من إيرادها اشتراكاً معه في نفقات المعيشة . الرابع ـ المهر وهو تقسيم أملاك الزوجة إلى مهر
وغير مهر : فالمهر ما جعلته المرأة مهراً عند الزواج من أملاكها أو ما أعطي إليها في عقد ترتيب أملاكها من أقاربها مثلاً ، وللزوج حق إدارته واستثماره فقط . ولنقف الآن عند الشكل الأول من هذه النظم وهو شكل الشركة الزوجية ، ففيه أن للزوج إدارة ماله الخاص ومال الزوجة الخاص ومال الشركة . وحق إدارة أملاك شركة الزوجية خاص بالزوج كرئيس لها وهو حق خوله له القانون فلا يجوز انتقاصه ولا الغاؤه بشرط في عقد ترتيب أموال الزوجين . وسلطة الزوج في إدارة الأموال المشتركة تكون في الأعمال الإدارية ومباشرة رفع الدعاوى أمام القضاء . وفي الأعمال الإدارية المحضة تكون سلطة الزوج فيها غير محدودة فيؤجر ويستأجر العقار من غير تحديد ، وله قبض الإيراد وله أن يتصرف فيه كما يريد ويقبض رأس المال من غير مراقبة ولا إذن من أحد . وكذلك له السلطة غير المحدودة في التقاضي ، فسلطة الزوج في ذلك غير محدودة وليس للزوجة الرجوع عليه بأي تعويض ولو أخطأ خطأً فاحشاً أو أدار إدارة سيئة أو بذر تبذيراً يجعله مسؤولاً قانونياً فهو يعمل كمالك حقيقي ليس عليه أي مسؤولية قبل أي شخص كان ، وللزوج أيضاً
لعيون الرجال المتعطشة ؟ وهل أن من مستلزمات إنسانية المرأة أن تصرف الساعات الطوال في محلات « الكوافير » وتحت أيدي المواشط مع ما يلزم ذلك من استهلاك وقت مادي ومعنوي ؟ كل هذا لأجل أن ترضي الرجل فهل يمكن لهؤلاء النساء أن يظهرن ولو مرة واحدة فقط بدون علامات تدل على أنوثتهن معتمدات على شخصيتهن أو على معارفهن ؟ وهل خطر لإحداهن مرة في أنها لو دعيت إلى الحفل الفلاني سوف تكون المبرزة بين لداتها لما تملك من معرفة أو لما تتمتع به من شخصية ؟ بل إن أفكارهن تتجه أول ما تتجه في أمثال هذه المناسبات إلى أناقتهن وإلى تحصيل الأسباب التي تجعل إحداهن أكثر جاذبية وفتنة من الأخرى . وأنا لا أريد أن أقول أن من مستلزمات الأناقة التبرج أو أن التبرج من مستلزمات الأناقة ، ولا أريد أن أدعو إلى التقشف ولكني أريد أن أنبه اللاتي جعلن في التبرج والتأنق عماد شخصيتهن أن الواقع يؤكد أن هذا شيء ثانوي لا يعدو كونه إرضاءً للرجل ولو بسبعين واسطة . |