وفي صباح يوم الأربعاء كانت نقاء تقف في المطار وهي تنتظر وصول الطائرة التي تقل إبراهيم ، وكان لدى استقباله
عدد كبير من أصحابه وأصدقائه ، وقبل وصول الطائرة بقليل
وصل محمود وكان بادي الارتباك لعدم معرفته بأحد من
المستقبلين ... وبدت في الأفق الطائرة التي تقل ابراهيم وبعد دقائق
حطت على أرض المطار ... ونزل منها إبراهيم وقد علت وجهه
ابتسامة عريضة ، وحيي بيديه مستقبليه ، ثم توجه نحو الجمارك ، وهنا
تقدم محمود ناحية نقاء وسألها قائلاً :
ـ أتظنين أن وجودي سيغضبه يا نقاء ؟
ـ على العكس ، فهو سيسر لمرآك وسيسعده أن يجدك في
استقباله كأخ ...
ووصل إبراهيم فصافح مستقبليه بحرارة ، وكانت نظراته
المعبرة تحمل لنقاء معان كثيرة ، أغنته عن البيان ، وتولت نقاء
تعريف محمود فقالت :
ـ إنه السيد محمود الذي حدثتك عنه في رسائلي.
ـ فصافحه ابراهيم مرة أخرى وهو يقول :
ـ تشرفنا يا أخي محمود ، لقد حدثتني نقاء عنك كثيراً ...
وعلت حمرة الخجل وجه محمود ، فلابد أن تكون نقاء
قد كتبت لابراهيم عن كل شيء ، ماضيه وحاضره ... وعند
باب المطار تقدم محمود طالباً من إبراهيم السماح له بإيصالهم
إلى البيت ، فتلقى إبراهيم عرضه بسرور ، ولأول مرة ركبت
نقاء سيارة محمود ، ولكن في صحبة إبراهيم ... ومضى
محمود يقود سيارته ببطء ، وبعد مدة قصيره التفت إلى ابراهيم وقال :
ـ أتعلم يا دكتور ! أن الأخت نقاء قد اخرجتني من
الظلمات إلى النور ، ورفعتني من حضيض الخطيئة إلى أفق الفضيلة ...
ـ دعك من هذا يا أخي ، فهي لم تقم إلا بواجب مقدس
يفرضه دينها ، ويدعوها إليه شعورها الانساني ، دع الماضي
يذهب في سجل التوبة ...
ـ نعم وأنا أحاول ذلك جاهداً ، وسوف يتسنى لي هذا
بعد أن تخلصت نهائياً من سعاد.
ـ سعاد !
ـ نعم ، سعاد زوجتي السابقة ، التي كانت السبب غير
المباشر لهدايتي الى مطلع النور ، كانت تقدر أنها تبعثني نحو
الظلام ، ولكن النور هو الذي كان ينتظرني هناك.
وهنا أردفت نقاء قائلة :
ـ أنا لم أزل أجهل الكثير يا سيدي ! فلم أفهم حتى الآن
الداعي الذي دعا سعاد إلى تلك المناورة مع أنها ...
ثم سكتت نقاء ، فلم تكمل جملتها.
ولكن إبراهيم كان يتابع كلماتها باهتمام ، فلما سكتت
سألها في لهفة :
ـ مع أنها ماذا ؟
ـ فقد خيل له ـ إلى ابراهيم ـ أن سعاد هذه ليست سوى
سعاد بنت خالة نقاء ، وجاءه جواب نقاء مؤكداً لظنه :
ـ مع أنها بنت خالتي !
ـ آه ، وهل أساءت إليك إساءة شخصية سعاد هذه ؟
وهنا تولى محمود الجواب فقال :
ـ انها لم تسىء إليها مطلقاً ، وإن حسبت أنها تسيء ،
فإن لدى السيدة نقاء جيوشاً تقيها شر سعاد وأمثال سعاد ،
إن سعاد هي التي دفعت بي نحوها لأخطىء ، فجعلني كما لها
أتطلع نحو الكمال ، ولكن لم أتمكن أن أفهم لحقدها الاسود هذا سبباً.