مـؤمنـــة

  الحوراء ( ع )
الأستاذة علوية عبد الجليل محمد علي
  الاهداء
  أهدي هذا البحث بحب وخشوع الى من ارضعتني حب محمد وآل محمد وزرعت بقلبي بعض اخلاقهم وتحملت الآلام من اجلي امي الحنون « رحمها الله » اسأل الله ان يحشرها مع محمد وآل محمد « عليهم السلام جميعاً » وان يتقبله مني بقبول حسن .

  المقدمة
  يعترف للمرأة بدورها الخلفي المساعد في صناعة العظماء وابرازهم ، حيث لاحظ العقلاء حضوراً مميزاً للمرأة في حياة الكثيرين من العظماء والزعماء الناجحين، فقالوا : ( خلف كل عظيم امرأة ) .
  ان العظمة تعني وجود مواصفات نفسية عالية واملاك كفاءات ذهنية وعملية متقدمة واحداث تأثير فعلي هام على ساحة الحياة ، وبهذا المعنى للعظمة لا شيء يقصر بالمرأة عن بلوغ درجتها ، والتاريخ يخلد ذكرى العديد من النساء الاتي ارتقين سنام العظمة ، وبلغن ذروتها ، كما لا يخلو حاضر البشرية من نماذج نسائية عظيمة .
  وتأتي السيدة زينب « عليها السلام » في طليعة ومقدمة النساء العظيمات في تاريخ الانسانية ، وهل احد يستطيع المزايدة على السيدة زينب « عليها السلام » في الدين ، وهي وليدة النبوة وخريجة بيت الوحي والرسالة وعقيلة بني هاشم ؟
  وحينما نقرأ شخصيتها العظيمة نراها العالمة العارفة والمعلمة المحدثة التي كانت تعلم النساء ويروي عنها الرجال ، ونراها الثائرة المجاهدة حيث غادرت بيتها العائلي الهادئ والتحقت بقافلة الثورة لتنتقل من المدينة الى مكة ومنها الى كربلاء ثم الى الكوفة والشام ، ونراها الحاضرة الشاهدة في جميع احداث النهضة الحسينية تحاور اخاها الامام « عليه السلام » وتحرض اصحابه الابطال وتهرول الى ساحة المعركة وتصرخ في وجوه العسكر وتقود قافلة العائلة ، ونراها الخطيبة المفوهة ترتجل الخطاب امام جماهير الكوفة وفي مجلس ابن زياد ومجلس يزيد حيث رجالات الحكم والجمع الحاشد من الجند والاعيان .
  واداءاً لبعض حقها الكبير فكرت في تقديم خدمة متواضعة لساحة قدسها الشامخ بالكتابة عن شئ من حياتها المجيدة وسيرتها الشريفة .
  واسأل المولى أن يجعلنا من السائرين على خطى السيدة زينب « عليها السلام » وعلى نهج أسرتها النبوية الطاهرة ، وان يكفينا الاسواء بحقهم وان يحشرنا يوم القيامة في زمرتهم انه ولي التوفيق والحمد .

  نسب السيدة زينب « عليها السلام »
  يقول الامام علي « عليه السلام » : ( عليكم في طلب الحوائج بشراف النفوس ذوي الاصول الطيبة فانها عندهم اقضى وهي لديهم ازكي )(1) .
  وتقول السيدة فاطمة الزهراء « عليها السلام » : ( اما كان رسول الله صلى الله عليه وآله أبي يقول : المرء يحفظ في ولده )(2).
  من هذا المنطلق سنبدأ حديثنا عن السيدة زينب « عليها السلام » بتسليط الاضواء على حسبها ونسبها ، فانها قد انحدرت من اشرف حسب وانتهت الى افضل عائلة في تاريخ البشر .
  جدها ـ الرسول الاعظم « صلى الله عليه وآله » : انه اعظم رسل الله وافضل انبيائه نبينا محمد بن عبد الله « صلى الله عليه وآله » وهو القائل عن نفسه بحق ( أنا سيد لآدم ولا فخر )(3) .
  واذا كنا نحن المسلمين نعتقد بافضلية النبي محمد « صلى الله عليه وآله » على جميع الخلق والبشر من منطلق ديني ، فان علماء ومفكرين لا يدينون بالاسلام وجدوا انفسهم مضطرين للاعتراف بالتميز والتفوق للنبي محمد « صلى الله عليه وآله » على جميع علماء البشر ، فهذا الدكتور ( مايكل هارت ) الاميركي الجنسية والمولد والمسيحي الديانة قد الف كتاباً يقع في ( 572 صفحة ) تناول فيه دراسة حياة المائة الاوائل من تاريخ البشرية ووضع المؤلف شخصية النبي محمد « صلى الله عليه وآله » على رأس القائمة واعتبره اهم شخصية في تاريخ البشر .
  ان اختيار المؤلف لمحمد « صلى الله عليه وآله » ليكون على رأس القائمة ربما ادهش الكثير من القراء الى حد قد يثير بعض التساؤلات ولكن في اعتقاد المؤلف ان محمداً صلى الله عليه وآله ان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل اسمى وابرز في كلا المستويين الديني والدنيوي (4) ، هذا هو جد زينب « عليها السلام » والذي فتحت عينها في احضانه .
  اما ابوها ـ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) . واذا كان النبي هو الشخصية الاولى في تاريخ البشر والنموذج الافضل والارقى للانسان فان علي (عليه السلام) يحتل المكانة الثانية في العظمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم حيث نص على ان عليا (عليه السلام) نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما هو صريح آية المباهلة : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )(5) .
  وقد تحدث رسول الله « صلى الله عليه وآله » في موارد عديدة وكثيرة وبين افضلية الامام علي « عليه السلام » وموقعيته الخاصة لديه وهذه بعض النماذج :
  ( علي عتبة علمي ، انا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن اراد العلم فليأت بابها )(6) .
  ( انا وعلي من شجرة واحدة ، وسائر الناس من اشجار شتى ، ان علياً مني وانا منه ، لحمه من لحمي ودمه من دمي )(7) .
  ( علي مني بمنزلة هارون من موسى )(8) .
  هذا اضافة الى انه أول من آمن برسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وأول من ضرب بالسيف في سبيل الله، وأول من لبى وأجاب وأعلن نصرته لرسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وأول من قاتل وجاهد وهاجر بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، ومن يقرأ تاريخ الدعوة الاسلامية يرى دور علي « عليه السلام » هو الاساس في ظهور الاسلام بعد دور النبي « صلى الله عليه وآله » وتتجلى شخصيته كالعنصر والعامل الثاني بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » في دوره ومواصفاته وعلاقته بالرسول « صلى الله عليه وآله » .
  امها فاطمة الزهراء « عليها السلام » المرأة في بعدها الانساني العام الذي تشترك فيه مع الرجل على قدم المساواة ، يكون مثلها الاعلى وقدوتها الاولى خير البشر النبي محمد « صلى الله عليه وآله » ، أما في جانبها الانثوي الخاص فيبدو من النصوص الثابتة عند جميع المسلمين ان المقام الارفع للمرأة في تاريخ البشرية قد تبوأته سيدتنا فاطمة الزهراء « عليها السلام » فهي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين .
  عن عائشة ان النبي « صلى الله عليه وآله » قال وهو في مرضه الذي توفى فيه : ( يا فاطمة الا ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الامة )(9) . وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله « صلى الله عليه وآله » : ( خير رجالكم علي وخير شبابكم الحسن والحسين وخير نسائكم فاطمة ) رواه الخطيب وابن عساكر (10) .
  أخواها الحسن والحسين « عليهما السلام » ويكفي في فضلهما وشأنهما ما رواه المسلمون عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » في تبيين مكانتهما كالحديث الذي رواه سلمان المحمدي اذ قال : سمعت رسول الله « صلى الله عليه وآله » يقول : ( الحسن والحسين ابناي من احبهما احبني ومن احبني احبه الله ومن احبه الله ادخله الجنة ومن ابغضهما ابغضني ومن ابغضني ابغضه الله ومن ابغضه الله ادخله النار )(11) .
  ومما اشتهر بين المسلمين قوله « صلى الله عليه وآله » : ( الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا )(12) .
  وحياة الحسنين « عليهما السلام » وسيرتهما سجل عظيم رائع المكارم والفضائل ، والتاريخ يكبر للامام الحسن « عليه السلام » موقفه السياسي الحكيم في الصلح مع معاوية ، وللامام الحسين « عليه السلام » ثورته الخالدة التي أصبحت منبعاً يستلهم منه الاحرار والثائرين روح التضحية والبطولة والفداء .
  وبعد هذا الاستعراض السريع لاهم أقرب الشخصيات للعائلة التي انحدرت منها السيدة زينب « عليها السلام » والذي اتضح لنا من خلاله عظمة وافضلية كل قطب من أقطاب بيتها الطاهر يمكننا القول بثقة واطمئنان ان لا احد يداني السيدة زينب « عليها السلام » في عراقة النسب وشرافة الحسب فهي افضل الناس جداً وابا واما واخا عدا عن بقية اطراف نسبها الطاهر .

  إشراقة النور
  كانت فاطمة الزهراء « عليها السلام » تمني نفسها ان يكون الجنين في بطنها بنتا فالحسن والحسين « عليهما السلام » قد ملئا أفق البيت العلوي بهجة وسعادة وبقى قلبها الى بنت لتتضاعف فرحتها ، فما كان اليوم الخامس من جمادي الاولى للسنة الخامسة للهجرة الا وكان المخاض لفاطمة الزهراء « عليها السلام » يزهر بالبنت التي طالما تمنتها أمها الصديقة وتشوقت اليها .
  وازدهر البيت العلوي بهذه المولودة كما ازدهر من قبل البيت المحمدي بفاطمة الزهراء ، فاذا كان بيت خديجة قد جللته الفرحة بميلاد الزهراء ، فقد تجلل بيت علي وفاطمة بالفرحة والمسرة بميلاد زينب وهي من هذا وذاك ثمرة الثمرة وعين القلادة .
  لما ولدت زينب « عليها السلام » جاءت بها امها فاطمة الزهراء « عليها السلام » الى ابها امير المؤمنين « عليه السلام » وقالت : سم هذه المولودة . فقال : ما كنت لاسبق رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
  وكان في سفر له ، ولما جاء النبي « صلى الله عليه وآله » وسأله علي عن اسمها ، فقال : ما كنت لاسبق ربي فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل ، وقال له : اسم هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم ، ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب فبكى النبي « صلى الله عليه وآله »(13) .
  ويقول العلامة السيد محمد كاظم القزويني : سماها جدها الرسول « صلى الله عليه وآله » زينب والكلمة مركبة من زين الاب (14) .
  نشأت السيدة زينب « عليها السلام » في افضل جو عائلي فأسرتها لم تكن فقيرة معوزة . فلربما سمعت زينب في فترة طفولتها عن ثروات جدتها خديجة كما ترى الموقع القيادي لجدها رسول الله « صلى الله عليه وآله » حيث ولدت ونشأت في فترة الانتصارات العسكرية والسياسية والتي كانت تعود على المسلمين بالغنائم الكثيرة ولجدها النبي « صلى الله عليه وآله » فيها التصرف المطلق إلى جانب استعداد المسلمين لبذل كل إمكانيتهم ووضعها تحت تصرف رسول الله « صلى الله عليه وآله » وتلاحظ السيدة زينب امتلاك عائلتها لبعض الامكانيات ثم تنازلها عنها لصالح الآخرين ، ويخلد القرآن الكريم نموذجاً لهذه الحالة عند عائلة زينب مشيداً بها في سورة الانسان ، حيث يقول تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً )(15) ، لذلك نرى عائلة زينب لم تمتلك بيتاً تقطنه لكن أحد الصحابة المتمكن من أهل المدينة وهو « حارثة بن النعمان » وضع أحد منازله تحت تصرف علي حينما أراد الزواج من بيت الرسول فاطمة ، وبعد فترة بنى رسول الله « صلى الله عليه وآله » بيتاً ملاصقاً لمسجده له باب شارع إلى المسجد كبقية الحجرات التي بناها لزوجاته ، وانتقلت عائلة زينب إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله المجاور لبيت رسول الله « صلى الله عليه وآله »(16) ، ويروى ان سليمان المحمدي رأى فاطمة « عليها السلام » مرة فبكي ، وقال : ان قيصر كسرى في السندس والحرير وابنة محمد في ثياب بالية (17) .

  الفاجعة الكبرى
  بعد خمس سنوات عاشتها زينب « عليها السلام » في كنف عائلتها الحنون ، وفي ظل اجواء المحبة والعطف ، حيث كان رسول الله « صلى الله عليه وآله » يظلل بيت زينب برعايته ، ويغمر افراد ذلك البيت بعنايته وإجلاله فلا يكاد يمر يوم لا يلتقي في محمد « صلى الله عليه وآله » بأهل بيته « عليهم السلام » ، واذا ما سافر كان بيتهم آخر محطة ينطلق منها لسفره ، واذا ما عاد كان بيتهم أول منزل يدخله .
  عن ابن عباس : ان النبي « صلى الله عليه وآله » كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة « عليها السلام » واذ اقدم من سفر كان أول الناس به عهداً فاطمة )(18) . ( ويقول الشيخ مغنية : وكان النبي لا يصبر عن بيته هذا ، ولا يشغله عنه شاغل بخاصة بعد أن ثبتت فيه رياحينه ، فاذا دخله قبل هذا وشم ذاك وابتسم لتلك .
  ودخله ذات يوم فاخذ الحسن وحمله فاخذ علي الحسين وحمله فاخذت فاطمة زينب وحملتها )(19) فاهتزت اركان البيت طرباً لجو الصفوة المختارة وابتهاج الرسول بآله وابتهاجهم به ، وتدلنا هذه الظاهرة وكثير غيرها ان محمداً « صلى الله عليه وآله » كان أكثر الانبياء غبطة وسعادة باهل بيته )(20) .
  وشاء الله ( سبحانه وتعالى ) ان يكون حظ السيدة زينب من تلك الحياة الهانئة السعيدة محدوداً بالسنوات الخمس الاولى من حياتها فما ان دخلت السنة الحادية عشر للهجرة وتصرمت ايام شهرها الثاني شهر صفر ، الا وشمس السعادة في بيت زينب قد آذنت بالغروب فرسول الله « صلى الله عليه وآله » يلبي نداء ربه ويفارق الحياة ويلتحق بالرفيق الاعلى في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة 11 هـ .
  وزينب الصغيرة في السن المرهفة الاحساس الرقيقة المشاعر وجدت نفسها في مواجهة الرزية الكبرى ورأت كيف انقلبت الاجواء في بيتها رأساً على عقب من بهجة وغبطة وسرور الى كآبة وحزن واضطراب وتوالت مشاهد الالم والحسرة أما ناظري زينب « عليها السلام » فهذه امها الزهراء « عليها السلام » تنكب على جثمان أبيها رسول الله « صلى الله عليه وآله » بعد وفاته تبكي أمرّ البكاء قائلة : ( وا أبتاه ، إلى جبرئيل انعاه ! وا أبتاه جنة الفردوس مأواه ! وا أبتاه أجاب رباً دعاه! )(21) .
  وهذا أبوها علي بن أبي طالب « عليه السلام » وهو الجبل الاشم في صموده وبطولته لكنه تذوب نفسه أمام هذه المصيبة ، فيقول : ( الصبر جميل الا عنك ، وان الجزع لقبيح الا عليك ، وإن المصاب بك لجليل ، وانه قبلك وبعدك لجلل )(22) ، ويتحدث الامام جعفر الصادق « عليه السلام » عن مدى واقع المأساة على بيت زينب فيقول : ( لما مات النبي « صلى الله عليه وآله » بات أهل بيته كأن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم )(23) .
  ولك ان تتصور حالة السيدة زينب وهي طفلة ذات خمس سنوات من العمر لابد انها كانت ملتصقة بامها الزهراء « عليها السلام » وتعايش معها هذه الصدمة العاطفية الكبيرة .

  المحنة السياسية
  ان ما يلقاه المصاب من تعاطف انساني ومواساة اجتماعية يكون بمثابة البلسم لجراحه ، والسلوى لنكبته ، ولذلك ورد التشجيع من قبل الاسلام على مواساة المصابين ، كما يندفع الناس بفطرتهم للتعاطف مع المصابين على إختلاف أديانهم ومللهم .
  وعائلة زينب التي نكبت بفقد رسول الله « صلى الله عليه وآله » بدل ان يغمرها المسلمون بتعاطفهم ومواساتهم خاصة مع كثرة توصيات الرسول بذريته وأهل بيته ، بدل ذلك ألمت بهم محنة سياسية رهيبة بعد وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » مباشرة ، ضاعف عليهم المصاب وزادت الآمهم ومأساتهم .
   وتسجل كتب التاريخ والحديث الكثير من تفاصيل تلك المحنة مع اختلاف المؤرخين والمحدثين والكتاب في تفسير وقائعها فهناك قضيتان مهمتان تعتبران جوهر المحنة في أعقاب وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » لدى أهل بيته :
  القضية الاولى: قضية خلافة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، فقد كان الامام علي « عليه السلام » يرى نفسه الاجدر بمقام الخلافة والامامة بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » ولكن بنو هاشم وبعض الصحابة يرون ذلك ، اما لنصوص سمعوها من الرسول في حق علي وأولويته في الخلافة ، أو لانه الاكفأ والاجدر من بين الصحابة .
  لكن إجتماعاً حصل في سقيفة بني ساعدة لم يحضره علي وبنو هاشم لانشغالهم يتجهيز رسول الله « صلى الله عليه وآله » ثم فوجدوا بان ذلك الاجتماع في السقيفة انتهى بمبايعة أبي بكر بخلافة رسول الله « صلى الله عليه وآله » . ورأى الامام علي وأهل بيته فيما حصل إغتصاباً لحقهم الشرعي في الخلافة وانتزاعاً لدور علي « عليه السلام » ولذلك لم يقبل علي « عليه السلام » بنتائج اجتماع السقيفة وتأخر لفترة يختلف المؤرخون في تحديدها .
  القضية الثانية : مصادرة فدك ، وهي ( قرية في الحجاز بينها وبين المدينة يومان ، وقيل ثلاثة ) وكان يسكنها اليهود فاستسلموا بعد واقعة خيبر لرسول الله « صلى الله عليه وآله » دون قتال ، ولانها لم يسبقها حرب ولا قتال فهي فيء وملك خاص لرسول الله « صلى الله عليه وآله » حسب مفاد الآية الكريمة : ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(24) .
  فباتفاق المسلمين هي ملك خاص للنبي وقد وهبها وانحلها لابنته فاطمة الزهراء « عليها السلام » ويبدو انها كانت تحت سلطتها كما يقول الامام علي « عليه السلام » : ( بل كانت في ايدينا فدك من كل ما اظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين )(25) .
  لكن الخليفة أبا بكر رأى ان يصادر فدك من الزهراء « عليها السلام » باعتبار ان النبي لا يورث كما ينقل هو انه سمع ذلك من النبي ، ولم يقبل قول الزهراء ان اباها وهبها اياها كما رفض شهادة علي بذلك لفاطمة وشهادة أم أيمن الصحابية الجليلة (26) !! .
  وقد جاء إنتزاع فدك من فاطمة « عليها السلام » في الايام الاولى لمصيبتها بأبيها ومواكباً لتنحية علي « عليه السلام » عن حقه الشرعي في خلافة رسول الله « صلى الله عليه وآله » فاحدث ذلك أثراً كبيراً في نفس فاطمة دفعها لاعلان معارضتها للخليفة والاحتجاج عليه أمام المسلمين .
  وهكذا ظللت بيت زينب غيوم وهموم ثقيلة سلبت من عائلتها حالة السرور والسعادة والهناء وجعلتهم يعيشون افظع المآسي واشد الآلام، فقد فقدوا زعيمهم واباهم الحنون رسول الله « صلى الله عليه وآله » كما زوي عنهم حقهم السياسي في القيادة والخلافة واضافة الى ذلك صودرت أهم ممتلكاتهم المالية ، فدك .

  وأفتقدت أمها الزهراء
  بعد حوالي 75 يوماً عاشتها فاطمة الزهراء « عليها السلام » في وضع مأساوي يصعب تصوره ، وكانت زينب هي الاقرب لامها والمشاركة لها في آلامها واحزانها ، خاصة وانها تلحظ تدهور صحة امها الزهراء وازدياد توجعها .
  وفي اليوم الاخير من حياتها تحملت الزهراء « عليها السلام » على مرضها وقاومت أوجاعها لتقوم بخدمة وداعية حانية لاطفالها الذين سيصبحون يتامى بعدها ، فقد قامت « عليها السلام » تتكئ على دار المنزل ودعت اطفالها الاربعة الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم « عليهم السلام » لتغسل اجسامهم ورؤوسهم بالماء والطين ، وهي تملأ عينيها نظراً الى اجسامهم النحيفة ، وتذرف من أعماق قلبها دموع الحزن على فراقهم ، وفوجئ علي « عليه السلام » حينما أقبل ورأى فاطمة « عليها السلام » قد غادرت فراش مرضها وكاد ان يمتلكه الفرح والسرور لان فاطمة استعادت صحتها وعافيتها ، ولكنه رآها كزهرة يكتنفها الذبول ولاحظها تستعين بالجدار لتواصل خطواتها البطيئة ، فسألها عن سبب إجهاد نفسها بغسل الاولاد، فأجابته بصوتها الخافت : ( لان هذا اليوم هو آخر يوم من أيام حياتي ، قمت لأغسل رؤوس اطفالي وثيابهم لانهم سيصبحون يتامى بلا أم )(27) .
  وعند إقتراب الاجل أرادت الزهراء « عليها السلام » ان تبعد ابنتيها زينب وأم كلثوم عن مشاهدة تلك اللحظات الاليمة حيث الموت ومفارقة الحياة فارسلتهما الى بيوت بعض الهاشميات ـ كما تشير إحدى الروايات ـ (28) بينما كان الحسنان مع أبيهما خارج المنزل .
  وما عادت زينب وأم كلثوم إلى المنزل الا وقد انطفأ منه ذلك النور وذبلت فيه تلك الزهرة الندية ، وخمدت تلك الشعلة المتقدة بالعاطفة والحنان لم تعد زينب تسمع صوت امها الرقيق ولاتنعم بابتسامتها المشرقة ، انها قد التحقت روحها بالرفيق الاعلى لترتاح من عناء هذه الدنيا وظلم أهلها ، أما جسدها النحيف فباتجاه القبلة على الفراش وقد أسبلت يديها ورجليها واغمضت عينيها .
  وفي ظلام الليل قام علي « عليه السلام » بتغسيل فاطمة ثم ادرجها في اكفانها بمنظر من زينب واخوتها ، تقول الرواية « فغسلها أمير المؤمنين « عليه السلام » ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها واسماء بنت عميس (29) . وحانت ساعة الوداع الاخيرة ، فلابد ان يعطي علي « عليه السلام » الفرصة لابنائه ليلقوا آخر نظرة على محيا امهم الزهراء « عليها السلام » .
  وقد روى صاحب ( ناسخ التواريخ ) في كتابه : ان زينب أقبلت عند وفاة امها وهي تجر ردائها وتنادي : يا أبتاه يا رسول الله الان عرفنا الحرمان من النظر اليك .
  وبعد رحيل امها الزهراء إلى عالم الخلود ، أصبحت السيدة زينب على صغر سنها سيدة المنزل وربة البيت ، ترعى شؤون أبيها وإخوتها تماماً كما كانت امها الزهراء تملأ فراغ امها خديجة بالنسبة لرسول الله « صلى الله عليه وآله » حتى سميت أم أبيها .
  تقول السيدة عائشة بنت الشاطئ : واذا استطعنا ان نتناسى الى حين احزان تلك الصبية التي روع عامها الخامس بشهور مأساة الموت مرتين في اعز الناس لديها واحبهم اليها ، اذا استطعنا ان نكف لحظة عن التحديق في تلك الظلال التي حامت على مهدها ، والاحزان التي ارهقت صباها ، الفينا جانباً آخر من الصورة شرفاً ، حيث تبدو زينب في بيت أبيها ذات مكانة أكبر من سنها ، انضجتها الاحداث وهيأتها لان تشغل مكان الراحلة الكريمة فتكون للحسن والحسين وأم كلثوم أماً لا تعوزها عاطفة الامومة بكل ما فيها من صور وايثار وان اعوزتها التجربة والاختبار (30).
  في بيت الزوجية وتجاوزت زينب مرحلة الصبا واكتمل نضجها الجسدي والنفسي ومع شديد رغبتها في البقاء قرب أبيها وفي توفير الرعاية والعناية لاخوتها الحسنين الا انه كان لابد لها من الزواج لما يعنيه الزواج من تكامل في الشخصية واستجابة للسنة الالهية التي جعلها الله في بني البشر بل في كافة المخلوقات كما يقول تعلى : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )(31) لان تعاليم الاسلام تحث على الزواج وتحبذه وتذم العزوبية وتنفر منها .
  فعن رسول الله « صلى الله عليه وآله » : ( النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني )(32) ، وجاء الخاطبون يتوافدون على بيت علي بن أبي طالب « عليه السلام » كل منهم يتمنى أن يحظى بشرف الاقتران بالعقيلة زينب ، لكن أباها علياً كان يرد كل خاطب لانه « عليه السلام » قد اختار لابنته الزوج المناسب والكفؤ .
  يقول السيد الهاشمي : ان العقيلة زينب بنت علي قد خطبها الاشراف من قريش والرؤساء من القبائل . . ويرويانه خطبها الاشعث بن قيس وكان من ملوك كندة (33) .
  والعناية الالهية قد أحاطت بالسيدة زينب « عليها السلام » فقد شاء الله ان تقترن العقيلة بواحد من أعظم وأنبل شباب الهاشميين وهو أبن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب .
  واختار الامام علي « عليه السلام » لعبد الله بن جعفر ليكون زوجاً لابنته اختيار أكثر من موفق ، وقد اصدق الامام ابنته زينب 480 درهاً من خالص ماله كصداق امها فاطمة الزهراء « عليها السلام » .
  ولنسلط الاضواء الى شخصية هذا الرجل العظيم « عبد الله بن جعفر » . ابوه جعفر الطيار وجعفر الطيار هو أبن أبي طالب وأخو الامام علي « عليه السلام » وهو أكبر من الامام علي بعشر سنين ، وهو ثالث من أسلم وصلى مع رسول الله « صلى الله عليه وآله » بعد علي وخديجة حيث كان النبي « صلى الله عليه وآله » يتقدمهم للصلاة وعلي عن يمينه وجعفر عن يساره وخديجة من خلفه ، وكان جعفر يشبه النبي « صلى الله عليه وآله » في خلقه وخُلُقه وكان يكنيه ( ابا المساكين ) وهو الذي قاد أول مجموعة مسلمة مهاجرة إلى الحبشة من مكة المكرمة ومعه زوجته أسماء بنت عميس ، وبقي جعفر في الحبشة حتى السنة السابعة من الهجرة وفي السنة الثامنة بعثه رسول الله « صلى الله عليه وآله » على رأس جيش من المسلمين يبلغ ثلاث آلف مقاتل لمواجهة الروم .
  وفي مؤتة ـ قرية في الاردن ـ حصلت معركة حاسمة على حدود الشام حيث كان عدد جيش الروم أكثر من مائة الف ، وأخذ الراية جعفر وتقدم بمن معه من المسلمين وحمل على تلك الحشود التي ملأت الصحراء بعددها وعتادها وظل يقاتلهم حتى قُطعت يمينه وشماله وخر صريعاً ووجدوا في مقدم جسده بعد شهادته أكثر من تسعين ضربة وطعنة .
  وحينما وصل خبر مقتله الى المدينة جزع المسلمون كثيراً فقال لهم رسول الله « صلى الله عليه وآله » : ( لا تبكوا على أخي بعد اليوم ان له جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة فسمي ذا الجناحين والطيار )(34) .
  ذلك هو الاصل الذي تفرع منه عبد الله بن جعفر زوج السيدة زينب « عليها السلام » .
  أمــه أسماء بنت عميس : كانت اسماء بنت عميس الخثعمية إمرأة كريمة شريفة ذات رأي حازم ومعرفة وتجربة هاجرت في سبيل الله مع زوجها جعفر الطيار هجرتين ، الاولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة ، وبعد شهادة زوجها جعفر تزوجت من أبي بكر فولدها ( محمد بن ابي بكر ) .
  وكانت وثيقة الصلة بالسيدة الزهراء « عليها السلام » وهي التي ساعدتها فترة وضعها بعد وفاة إبيها رسول الله « صلى الله عليه وآله » وكانت قريبة منها وشاركت الامام علي « عليه السلام » في تجهيز فاطمة الزهراء « عليها السلام » .
  وبعد وفاة أبي بكر تزوجها الامام علي وضمها إلى عياله مع ولدها محمد بن أبي بكر وهو في الرابعة من عمره والذي أصبح ربيب الامام علي ، وولدت للامام علي ولداً أسماه ( يحيى )(35) ، فعبد الله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ويحيى بن علي إخوة من أم واحدة .
  وقد عبر عنها الامام الصادق « عليه السلام » بـ ( النجيبة ) وترحم عليها بقوله : ( رحم الله الاخوات من أهل الجنة ) وعد أسماء في مقدمتهن (36) .
  هذا هو الحضن الذي تربى فيه عبد الله بن جعفر زوج السيدة زينب « عليها السلام » .

  شخصية عبد الله بن جعفر
  هو أكبر أولاد أبيه وقد ولد في الحبشة عندما هاجر اليها والداه ، وهو أول مولود ولد في الاسلام بارض الحبشة ، بعد شهادة أبيه في مؤتة أخذه رسول الله « صلى الله عليه وآله » في حجره ، وخاطب الرسول « صلى الله عليه وآله » أسماء والتي كانت متأثرة ، ليتم أبنائها قائلاً : ( لا تخافي عليهم أنا وليهم في الدنيا والآخرة )(37) .
  وصحب عبد الله النبي وحفظ الحديث عنه ولازم عمه أمير المؤمنين وابني عمه الحسن والحسين واخذ العلم عنهم .
  وكان أغنى بني هاشم وايسرهم وكانت له ضيعة كثيرة ومتاجر واسعة وكان اسخى رجل في الاسلام وله حكايات في الجود كثيرة وعجيبة (38) .
  وذكر ابن عساكر قال : روى الحافظ : ان معاوية كان يقول : بنو هاشم رجلان رسول الله لكل خير ذكر ، وعبد الله بن جعفر لكل شرف ، والله كأن المجد نازل منزلا لا يبلغه أحد وعبد الله بن جعفر نازل وسطه (39) .
  ويقول السيد الخوئي ( قده ) عن شخصية عبد الله بن جعفر : جلالة عبد الله بن جعفر الطيار بمرتبة لا حاجة معها الى الاطراء ، ومما يدل على جلالته ان أمير المؤمنين « عليه السلام » كان يتحفظ عليه من القتل كما كان يتحفظ على الحسن والحسين « عليهما السلام » ومحمد بن الحنفية (40) .
  أما عدم خروجه مع الحسين « عليه السلام » إلى كربلاء فقد قيل : انه كان مكفوف البصر ولما نعي إليه الحسين أقبل على الجلساء وقال : الحمد لله أعزز عليَّ بمصرع الحسين ان لم أكن واسيت الحسين بيدي فقد واسيته بولدي (41) .
  بقي ان نشير إلى ان عبد الله بن جعفر قد تزوج في حياة السيدة زينب بنساء أخريات منهن : الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة من بني بكر بن وائل ، ومنها ولده محمد الشهيد في كربلاء ، وكذلك أخوه عبيد الله الذي ذكرت بعض المصادر إنه الشهيد الثالث من أولاد عبد الله بن جعفر في كربلاء (42) .
  وقد توفي عبد الله بن جعفر سنة 80 هـ في خلافة عبد الملك بن مروان وصلى عليه السجاد و الباقر « عليهما السلام » وأمير المدينة يومئذ أبان بن عثمان بن عفان ، والذي ابنه بقوله : كنت والله خيراً لا شر فيك ، وكنت والله شريفاً واصلاً برا (43) .

  أولاد السيدة زينب
  من يتأمل نضال السيدة زينب وأدوارها الرسالية العظيمة يكاد يغفل عن ان لها أبناء ان تتأمل مسؤولية رعايتهم وتربيتهم ، لتكون العقيلة زينب « عليها السلام » قدوة كاملة متكاملة للمرأة المسلمة الطموحة ، والتي تقوم بكل الاعباء والمهام العائلية والمنزلية والدينية والاجتماعية ، ولنتعرف الان على ثمرات فؤادها وفلذات أكبادها .
  1 ـ عون بن عبد الله بن جعفر
  كان مع امه زينب في صحبة خاله الحسين « عليه السلام » وقد نال شرف الشهادة في كربلاء وفجعت به امه زينب إلى جنب فجائعها الاخرى .
  وقد ورد ذكر عون في الزيارات الواردة من الناحية المقدسة أي عن الامام الثاني عشر المهدي المنتظر « عجل الله فرجه » حيث قال : ( السلام على عون بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الايمان ، ومنازل الاقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثان ، لعن الله قاتله عبد الله بن قطنة النبهاني )(44) .
  2 ـ محمد
  وقد ذكره العديد من الباحثين في حياة السيدة زينب « عليها السلام » ولكن يبدو ان لعبد الله بن جعفر ولداً آخر اسمه محمد من زوجة اخرى هي الخوصاء من بني بكر بن وائل وقد أستشهد مع الامام الحسين « عليه السلام » في كربلاء ، مما سبب الاشتباه عند بعض الباحثين فاعتبروا ولدي عبد الله الشهيدين بكربلاء ولدي السيدة زينب « عليها السلام » لكن التحقيق يثبت ان عون فقط هو ابن السيدة زينب ، أما أخوه محمد فهو أبن ضرتها الخوصاء (45) .
  3 ـ عـلي
  المعروف بالزينبي ، وفي نسله الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية .
  وفي ( تاج العروس ) مادة ( زينب ) : ( والزينبيون بطن من ولد علي الزينبي بن عبد الله الجواد بن جعفر الطيار ، نسبه إلى امه زينب بنت سيدنا علي « عليه السلام » وامها فاطمة « عليها السلام » ، وولد علي هذا أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة )(46) . وقد تزوج علي بن عبد الله لبابة بنت عبد الله بن عباس حبر الامة وكان نسل عبد الله منه ، والسادة الزينبية كثيرون في العراق وفارس ومصر والحجاز والافغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيب سلالتها (47) .
  4 ـ عباس
  ذكر المؤرخون اسمه دون الاشارة إلى شيء من حياته وسيرته .
  5 ـ أم كلثوم
  وهي البنت الوحيدة كما يبدو للسيدة زينب ولابد وانها قد ورثت شمائل امها وتحلت بمكارم أخلاق أبيها ، ولذلك تسابق الخاطبون لطلب يدها وكان من جملتهم معاوية بن ابي سفيان خطبها أيام سلطته لولده يزيد ، وكلف واليه على المدينة مروان بن الحكم ان يخطبها من أبيها ليزيد ، فقال أبوها عبد الله بن جعفر ان أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين « عليه السلام » وهو خالها .   فاخبر الحسين بذلك ، فقال : أستخير الله، اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد ، فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله « صلى الله عليه وآله » قال الامام الحسين « عليه السلام » : اشهدوا جميعاً اني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهماً وقد نخلتها ضيعتين بالمدينة ـ أو قال أرضي العقيق ـ وان غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار ففيهما لهما غنى ان شاء الله (48) .

  مع ابيها علي (عليه السلام)
  طبيعي ان تنشد البنت لأبيها وتتعلق به وخاصة إذا ما فقدت امها فسيصبح أبوها حينئذ هو المنبع الوحيد للعاطفة والحنان والرعاية تجاهها ، وفي علاقة السيدة زينب « عليها السلام » بابيها علي « عليه السلام » هناك عامل إضافي يتمثل في الصفات والسمات النفسية والاخلاقية التي يتمتع بها الامام علي « عليه السلام » والتي تفرض حبه وعشقه واكباره على كل من التقى به أو عاشره أو سمع عنه .
  ومن عرف علياً أو تعرف عليه فلم يهيمن حب علي على قلبه فذلك دلالة على إنحراف في طبعه وخلل في ذاته ، وهل يكره الخير عاقل ؟ وهل يبغض النور سوي ؟ لذلك قال رسول الله « صلى الله عليه وآله » للامام علي « عليه السلام » : ( لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق )(49) حتى الد خصومة واعدائه معاوية لم يستطع كتمان إعجابه بشخصيته « عليه السلام » حيث قال لما بلغه قتله : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب (50) .
  اذا كانت شخصية علي « عليه السلام » تأسر حتى قلوب اعدائه فضلاً عن اصحابه واتباعه فما هو تأثير شخصيته على ابنته القريبة منه والمتعلقة به ؟
  تزوج الامام علي « عليه السلام » بعد فقد الزهراء « عليها السلام » أكثر من زوجة ، لكن أياً من زوجاته لم تكن لتأخذ مكان السيدة زينب وموقعها في بيت أبيها فهي سيدة البيت بما تمثله من امتداد لامها الزهراء بما تمتلكه من صفات ومؤهلات بما تتمتع به من محبة واحترام متبادل مع أبيها واخويها الحسنين .
  وحتى بعد زواجها بابن عمها عبد الله فانها لم تنقطع عن بيت أبيها ، تقول نبت الشاطئ : لم يعزف الزواج بين زينب وابيها واخوتها فقد بلغ من تلعق الامام علي بأبنته وابن اخيه ان أبقاها معه ، حتى اذا ولي أمر المسلمين وانتقل إلى الكوفة إنتقلا معه ، فعاشا في مقر الخلافة ، موضع رعاية أمير المؤمنين « عليه السلام » واعزازه ووقف عبد الله بجانب عمه في نضاله الحربي فكان أميراً بين أمراء جيشه في صفين (51) .
  بعد اختيار الامام علي « عليه السلام » من قبل جماهير الامة حاكماً وخليفة وبايعه الناس برغبتهم قرر الامام « عليه السلام » الانتقال إلى الكوفة ومع ادراكه « عليه السلام » للاوضاع الخطيرة في عاصمة خلافية جديدة ( الكوفة ) قرر ان يصطحب معه ابنته زينب .
  وهكذا ودعت السيدة زينب مسقط رأسها ومتع طفولتها ومأوى جدها وامها المدينة المنورة ورافقت أباها في رحلته الى الكوفة بمعية زوجها عبد الله بن جعفر .
  كان للسيدة زينب مجلس في بيتها أيام إقامت أبيها « عليه السلام » في الكوفة وكانت تفسر القرآن للنساء وتروي لهن أحاديث جدها المصطفى « صلى الله عليه وآله » واخبار امها الزهراء « عليها السلام » وتوجيهات أبيها المرتضى « عليه السلام » وقد دخل عليها أبوها ذات يوم وهي تفسر بداية سورة الكهف وسورة مريم ( كهيعص )(52).
  لقد واكبت السيدة زينب حوالي ثلثي عمر أبيها وحياته ، فحينما ولدت في السنة الخامسة للهجرة كان عمر أبيها 28 سنة الى ان تولى الخلافة في الكوفة صحبته وعايشت الظروف الصعبة القاسية التي مرت به فترة السنوات الخمس من تمرد الناكثين والمارقين والقاسطين حيث اضطر الامام « عليه السلام » لخوض ثلاث معارك مؤلمة : معركة الجمل ، ومعركة صفين ، ومعركة النهروان .
  لقد كانت هذه المعارك مؤلمة جداً لنفس الامام وموجعة لقلبه ، وقد اشتدت محنة الامام واحاطت به الالام، فصار يستعجل الرحيل عن هذه الدنيا واهلها ويتشوق الى لقاء ربه لكن عبر أفضل سبيل واسرع طريق وهو الشهادة .
  وحانت ساعة اللقاء واقتراب موعد الرحيل ودنت لحظة الفوز بالشهادة التي طالما انتظرها الامام . . كان ذلك في فجر ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك ( 40 هـ ) وشاء القدر ان يكون علي « عليه السلام » تلك الليلة ضيف ابنته زينب ، وان ينطلق للشهادة من بيتها ، فقد كان الامام يفطر في شهر رمضان ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر زوج زينب ابنته لاجلها (53) .
  تقول السيدة زينب : ان أباها تلك الليلة كان في وضع استثنائي فكان قلق متململ كثير الذكر والاستغفار إلى وقت الاذان فأتيته ومعي إناء فيه ماء فاسبغ وضوءه وقام لبس ثيابه وذهب إلى الباب وكنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول : الله بارك لنا في الموت ، اللهم بارك لي في لقائك . فقلت : واغوثاه ياابتاه اراك تنعى نفسك منذ الليلة ؟ !
  قال « عليه السلام » : يا بنية ما هو بنعاء ولكنها دلالات وعلامات الموت يتبع بعضها بعضا (54) . وما هي الا فترة بسيطة من الوقت واذا بالسيدة زينب تسمع نعي أبيها علي « عليه السلام » حيث ضربه عبد الرحمن بن منجم من اتباع الخوارج بالسيف على هامته حيث رفع رأسه من السجدة الاولى لصلاة الصبح ، ووقع الامام « عليه السلام » في محرابه صريعاً قائلاً : ( فزت ورب الكعبة )
  ونُقل الامام علي « عليه السلام » إلى داره حيث فارقت روحه الحياة بعد يومين من إصابته أي في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك ، وقبيل وفاته عرق جبينه فجعل يمسح العرق بيده ، فقالت السيدة زينب : يا أبتاه أراك تمسح جبينك ؟ قال : يا بنية سمعت جدك رسول الله « صلى الله عليه وآله » يقول : ( ان المؤمن اذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه ) وهكذا ودعت السيدة زينب أباها علياً « عليه السلام » ورزئت بفقده ولك ان تتصور مدى الحزن والالم الذي أحاط بها بعد ان فارقت أباها الذي كان ملئ حياتها ووجودها وكانت متعلقة به أشد التعلق كما كان يحبها اشد الحب .

  في محنة اخيها الحسن
  بادر الناس إلى مبايعة الامام الحسن « عليه السلام » بعد شهادة أبيه علي « عليه السلام » لما تواتر في أوساطهم من أحاديث وروايات عن جده رسول الله « صلى الله عليه وآله » في فضله ومكانته « عليه السلام » منها :
  قوله « صلى الله عليه وآله » : ( من سره ان ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن )(55) . وفي رواية عن ابي هريرة عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » انه قال للحسن : ( اللهم اني احبه فأحبه وأحبب من يحبه )(56) .
  ولما دفع الناس الى مبايعة الامام الحسن « عليه السلام » ما عرفوه من صفاته وكفاءاته التي لا يدانيه فيها أحد ، فهو أفضل الامة بعد أبيه علي « عليه السلام » ، فهذا انس بن مالك يقول : ( لم يكن اشبه برسول الله من الحسن )(57) .
  ولان الامام الحسن بعد ذلك وصي أبيه أمير المؤمنين « عليه السلام » ، فلهذه العوامل بادر الناس إلى مبايعته .
  وقد بويع الامام الحسن بالخلافة في الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة 40 هـ بايعه الناس في الكوفة والبصرة والمدائن وميع أهل العراق وبايعته فارس والحجازيون واليمانيون وجميع البلاد الاسلامية لكن معاوية أصر على التمرد وبدأ يعد العدة ويحشد الجيوش للزحف على عاصمة الخلافة الشرعية الكوفة ، ولم تنجح الجهود التي بذلها الامام الحسن « عليه السلام » من رسائل ومبعوثين إلى معاوية من ثنيه عن موقفه المتمرد والخارج عن الشرعية .
  فصمم الحسن « عليه السلام » على مواجهة معاوية ، لكن الظروف لم تكن لصالح الامام الحسن « عليه السلام » واجتهد معاوية لتفتيت وتخريب الجبهة الداخلية لمعسكر الامام الحسن فبث العملاء في اوساطه وقدم المبالغ الضخمة للزعماء والرؤساء والشخصيات في معسكر الامام « عليه السلام » ، وبالفعل فقد تخلى عن الامام الكثير من قيادات جيشه حتى ابن عمه عبيد الله بن العباس .
  هذه الظروف المؤلمة الحرجة دفعت الامام الحسن « عليه السلام » لاعادة النظر في قرار المواجهة والقتال مع معاوية ، وقرر الامام الى الصلح مع معاوية الذي كان يلح عليه وتنازل الامام عن الخلافة والحكم بشروط قبلها معاوية ومن أهمها العمل بكتاب الله وسنة نبيه وعدم الظلم والاعتداء على حقوق الناس وخاصة أهل البيت واتباعهم وان تكون الخلافة بعد معاوية للامام الحسن « عليه السلام » وحسب اختيار المسلمين .
  وبعد الصلح بقي الامام في الكوفة أياماً وهو مكلوم القلب قد طافت به الهموم والآلام يتلقى من شيعته مرارة الكلام وقسوة النقد ويتلقى من معاوية وحزبه الاستهانة بمركزه الرفيع وهو مع ذلك صابر محتسب قد كظم غيظه واوكل الى الله أمره ، وقد عزم على مغادرة العراق والشخوص إلى مدينة جده (58) .
  لم تكن العقيلة زينب بعيدة عن تلك الاحداث القاسية بل كانت إلى جانب أخيها الحسن « عليه السلام » تشاطره معاناته وتعيش معه الام الامة المنكوبة . وقد غادرت الكوفة إلى مدينة جدها ومسقط رأسها .
  لم يلتزم معاوية باي شرط من شروط الصلح وبالطبع كان وجود الحسن « عليه السلام » يقلق معاوية لذلك قرر تصفية الامام « عليه السلام » فاغرى زوجته جعيدة بنت الاشعث بمائة الف درهم ووعدها بان يزوجها ولده يزيد ان هي دست السم للامام الحسن وقضت على حياته ، واستجابت جعيدة لتلك الاغراءات والقت السم الفتاك الذي بعثه لها معاوية في طعام الامام فتقطعت كبده وامعاؤه واستعد لمفارقة الحياة .
  ورأته اخته زينب وهو في فراش الموت فانفطر قلبها لمأساة أخيها وتجددت عليها المصائب والاحزان ، ومما زاد في الام السيدة زينب ما تعرضت له جنازة اخيها من إساءة وهوان وذلك بمنعهم من دفن الحسن عند قبر جده « صلى الله عليه وآله » . وهكذا رافقت الظلامة والمأساة الامام الحسن حتى بعد وفاته ، كل ذلك ضاعف من أحزان السيدة زينب والهاشميين .

  بطلة كربلاء
  يبدو ان كل ما سبق في حياة السيدة زينب « عليها السلام » كان بمثابة اعداد وتهيئة للدور الاكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة .
  فالسنوات الخمس الاولى من عمرها والتي عاشتها مع جدها المصطفى « صلى الله عليه وآله » وهو يقود المعارك لتثبيت أركان الاسلام ، والاشهر الثلاثة التي رافقت امها الزهراء « عليها السلام » بعد وفاة جدها « صلى الله عليه وآله » ورأتها تدافع عن مقام الخلافة الشرعي وتطالب بحقها المصادر .
  والفترة الحساسة التي عاصرت فيها حكم أبيها علي « عليه السلام » وخلافته وما حدث فليه من مشاكل وحروب ، ثم مواكبتها لمحنة اخيها الحسن وما تجرع من غصص وآلام، كل تلك المعايشة للاحداث كان لاعداد السيدة زينب « عليها السلام » لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في ثورة أخيها الحسين « عليه السلام » بكربلاء وقد نجحت « عليها السلام » في ذلك الامتحان لما تملكه من رصيد ضخم من تجارب المقاومة والمعاناة ، وواقعة كربلاء تعتبر من أهم الاحداث التي عصفت بالامة الاسلامية بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » وكان للسيدة زينب دور اساسي رئيسي في هذه الثورة العظيمة ، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد الحسين « عليه السلام » .
وتـشاطرت هـي والـحسين بـدعوة          حــتـم الـقـضـاء عـلـيـهما ان iiيـنـدبا
هــــذا بـمـشـتبك الـنـصـول وهـــذه          في حين معترك المكاره في السبا
  وقبل ان نتحدث عن دور السيدة زينب في ثورة كربلاء لابد من قراءة بعض سطور كتاب الثورة الحسينية لتوضيح خلفيات ذلك الدور الزينبي .
  بعد استشهاد الامام الحسن « عليه السلام » دخلت الامة في نفق الحكم الاموي حيث لم تعد مبادئ الاسلام وانظمته هي المرجع والمقياس وانما هي ارادة الحاكم يعمل كيف يشاء وما يشاء وقد ساءت اوضاع الناس الاقتصادية لان معاوية كان يستأثر هو ومن حوله بأموال المسلمين، وذكر ابن حجر : ان معاوية خطب يوم الجمعة فقال : انما المال مالنا والفيء فيئنا فمن شئنا اعطيناه ومن شئنا منعناه (59) .
  كما سلط معاوية على الامة ولاة جفاة قساة نشر الرعب والبطش وكلموا الناس بالارهاب والقمع .
  ومن اخطر ولاة معاوية واكثرهم جورا ولما زياد بن ابيه وقد ولاه معاوية البصرة والكوفة وسجستان وفارس والسند والهند .
  واستكملا لمشروع الردة الى الجاهلية ختم حياته معاوية باستخلاف ولده يزيد على الامة، والذي لم تكن لديه ادنى مؤهلات الحكم والخلافة حيث كان سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير (60) .
  وقد اعترض كبار الصحابة على معاوية منهم عبد الله بن جعفر زوج السيدة زينب وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير . لكن معارضتهم لم تؤثر في عزم معاوية على فرض ولده حاكما من بعده ، بل شهر سلاح التهديد امام المعارضين. وبعد موت معاوية اصبح يزيد حاكما وخليفة وكتب الى الوالي الاموي على المدينة الوليد بن عتبة يطلب اخذ البيعة قسرا من كبار الصحابة وفي مقدمتهم الامام الحسين « عليه السلام » .
  وردا على تهديد الوليد ومروان بن الحكم اعلن الامام الحسين « عليه السلام » موقفه الرافض لبيعة يزيد قائلا : ( ايها الامير انا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب خمر ، قاتل النفس المحرمة معلن الفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون اينا احق بالخلافة والبيعة )(61) .
  وغادر الامام الحسين « عليه السلام » المدينة المنورة متجها الى مكة المكرمة بعد ان اوضح لاخيه محمد بن الحنفية هدف خروجه قائلا : ( اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي وابي فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن رد علي اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين )(62) .
  ووصل الامام الحسين « عليه السلام » مكة المكرمة في الثالث من شهر شعبان وبدأ يعلن موقفه الرافض لحكم يزيد كما بعث « عليه السلام » برسالة الى زعماء العراق في الكوفة والبصرة .
  اجواء الكوفة كانت مهيأة للثورة على الحكم الاموي، لذلك تفاعل الكوفيون مع موقف الامام الحسين « عليه السلام » وبعثوا له الوفود وكتبوا له آلاف الرسائل والتي نقل عنها المؤرخون انها اثنا عشر الف كتاب ووردت اليه قائمة فيها مائة واربعون الف اسم يعربون عن نصرتهم للامام « عليه السلام » حينما يصل الكوفة (63) .
  فبعث اليهم الامام الحسين « عليه السلام » ابن عمه مسلم بن عقيل ليرى قيقة الاوضاع وليأخذ منهم البيعة ويهئ الامور لمقدم الامام الحسين « عليه السلام » ، وعندما وصل مسلم الى الكوفة استقبله اهلها بالبهجة والترحيب فكتب للامام يبشره باستجابة الناس لبيعته ، الا ان الحكم الاموي الذي ارعبه تمرد اهل الكوفة عليه بادر الى عزل والي الكوفة النعمان بن بشير لضعفه وعين يزيد عنه عبد الله بن زياد وهو معروف بقسوته وغلظته .
  وبعد ان استلم ابن زياد ولاية الكوفة بدأ التخطيط بمكر ودهاء للقضاء على الموالين للامام الحسين « عليه السلام » وانت النتيجة اعدام مسلم بن عقيل في الثامن من ذي الحجة الحرام مع زعماء آخرين .
  وعندما وصل كتاب مسلم الى الامام الحسين « عليه السلام » عزم الامام على مغادرة مكة باتجاه العراق لانه لا يريد ان تكون مكة ساحة لتفجير الثورة والصدام مع الحكم الاموي حفاظا على قداسة الحرم ولان جمهور العراق اكثر تهيأ للثورة .
  غادر « عليه السلام » مكة في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة سنة 60هـ ورافق الامام « عليه السلام » عدد كبير من اهل بيته رجالاً ونساء وجماعة من انصاره واتباعه ، وفي الطريق وصل الامام « عليه السلام » خبر مقتل ابن عمه مسلم والتطورات الخطيرة التي حدثت في الكوفة وسيطرة الامويين عليها ورغم تألمه لما حدث الا انه صمم على الاستمرار في حركته ومسيرته .
  وعندما وصل الامام « عليه السلام » ومن معه الى منطقة على شاطئ الفرات وسأل الامام عن اسمها فأجيب انها كربلاء فأمر بالنزول فيها فهي الارض التي اختارها الله لتكون مسرح ثورته .
  واذا كانت كربلاء في الجغرافيا مجرد بقعة محدودة من الارض، واذا كانت في التاريخ قد سجلت باعتبارها مسرحا لاهم حدث ديني وسياسي في الامة الاسلامية بعد وفاة الرسول « صلى الله عليه وآله » ، واذا كانت قد اصبحت قبلة للمؤمنين يؤمونها ويقصدونها بقلوبهم وعواطفهم وابدانهم ، واذا كانت كربلاء قد اضحت وترا حزينا نعزف عليه قرائح الشعراء والادباء وملحمة بطولية يستلهم منها الثوار والمصلحون . فانها عند اهل البيت « عليهم السلام » اعمق من كل ذلك واكبر . فليس هناك قضية او حادثة نالت من الاهتمام والتركيز لدى اهل البيت ما نالته قضية كربلاء ، وفي تذكرة الخواص انه لما قيل للحسين « عليه السلام » : هذه ارض كربلاء ، اخذ ترابها فشمه وقال : والله هي الارض التي اخبر بها جبرئيل رسول الله انني اقتل فيها .
  وجاء في « حياة الحيوان » للدميري ، ان الحسين سأل عن اسم المكان ، فقيل له : كربلاء ، فقال : ذات كرب وبلاء ، لقد مر ابي بهذا المكان عند مسيره الى صفين وانا معه ، فوقف وسال عنه فأخبروه باسمه ، فقال : هاهنا محط رحالهم وهاهنا مهراق دمائهم . فسُئل عن ذلك ؟ فقال : نفر من آل محمد ينزلون هاهنا . ثم امر باثقاله فحطت في ذلك المكان .
  وكذلك جاء في ( مختصر صفة الصفوة )(64) .
  وكان وصول الامام الحسين « عليه السلام » الى كربلاء في اليوم الثاني من شهر محرم سنة 61هـ . عند وصول قافلة الامام الحسين الى كربلاء زحفت القوات العسكرية الاموية لمحاصرتهم، كان عددهم يفوق ثلاثون الف مقاتل بينما عدد افراد معسكر الحسين « عليه السلام » لا يزيد على ثمانين رجلا (65) .
  وكانت قيادة الجيش الاموي بعهدة عمر بن سعد ، وتحدث الامام « عليه السلام » للجيش الاموي مرارا ليعرفهم نفسه ويحذرهم من عاقبة محاربتهم له ، لكن خطاباته لم تؤثر الا في عدد قليل، منهم الحر بن يزيد الرياحي الذي التحق بمعسكر الحسين « عليه السلام » ، وتشديدا للحصار على الامام واصحابه فقد منع الجيش الاموي الماء من الحسين واصحابه وعياله منذ اليوم السابع .
  وفي صبيحة اليوم العاشر من المحرم بدأ الجيش الاموي هجومه الى معسكر الامام الحسين « عليه السلام » فتبادر اصحاب الامام ورجالات اسرته الهاشمية للدفاع عن وجود الامام وعياله وعن انفسهم ، وسطروا من خلال معركة دفاعهم المقدس ملحمة خالدة من البطولة والفداء لم يعرف التاريخ لها نظير ، وبعد ظهر اليوم العاشر من المحرم كان جميع الاصحاب والانصار قد عانقوا الشهادة ، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، بينما بقي الامام الحسين « عليه السلام » يواجه القوم بمفرده وخلفه نساؤه وعياله قد اقضهم العطش والظمأ وآلمهم الحزن والمصاب واصبحوا ينتظرون مستقبلا مأساويا بعد فقد رجالاتهم وحماتهم .
  وتصدى الامام لمواجهة القوم وقتالهم ، غير آبه بكثرة جموعهم، ولا نالت المصائب والآلام من عزيمته وشجاعته ، حتى اذن الله له بلقائه ، فوقع صريعا شهيدا على بوغاء كربلاء ، مخمضا بدمائه الشريفة ، وشاهدا على انحراف الامة عن رسالة جده « صلى الله عليه وآله » رسما لاجيال البشرية طريق الثورة والنضال دفاعا عن المبدأ والكرامة .
  ولم يكتف الجيش الاموي الظلم بقتل الامام عليه السلام واصحابه جميعا بل قتلوا حتى الاطفال الرضع كعبد الله الرضيع ابن الامام الحسين « عليه السلام » حيث ذبحوه على صدر ابيه ولم يسلم من عسكر الجيش الا ولده زين العابدين « عليه السلام » لانه كان عليلا مريضا .
  واجهزوا على الجثث الطاهرة للامام الحسين واصحابه يجتزون رؤوسهم ثم وطأوا جسد الامام بخيولهم ، واغاروا على خيم نساء الحسين واطفاله واحرقوها بالنار وسلبوا ما فيها من متاع وما على النساء والاطفال من حلي وحلل .
  وفي اليوم الحادي عشر من المحرم قام الجيش الاموي بمواراة جثث قتلاهم بينما تركوا الاجساد الطاهرة للامام الحسين « عليه السلام » واصحابه على صعيد كربلاء . وساروا بنساء الحسين واطفاله سبايا كأسارى الى الكوفة تتقدمهم الرؤوس معلقة على رؤوس الرماح .
  وبعد ان بقيت السبايا اياما في الكوفة يعانين الاذلال والآلام سيروهن الى الشام مع الرؤوس ، فكانت رحلة مضنية مرهقة لتلك النساء المفجوعات والصبايا اليتيمات ، ولقين في الشام ضروب الشماتة والاهانة وخاصة في مجلس الطاغية يزيد .
  ومع ان دمشق كانت عاصمة الامويين واجوائها كانت معبأة ضد اهل البيت « عليهم السلام » الا ان مأساة السبايا واخبار كربلاء وخطابات الامام زين العابدين « عليه السلام » والسيدة زينب وام كلثوم ، كل ذلك ترك اثرا في جمهور الشام وخلّف تيارا من الانكار والرفض لسياسات يزيد وخوفا من تنامي ذلك التيار امر يزيد باعادة السبايا الى المدينة المنورة حسب طلبهم .
  وهكذا عادت قافلة السبايا الى المدينة تشكو الى رسول اله ما اصابهم من ظلم وضيم واضطهاد لا شبيه له في التاريخ .
  وبعد قراءة هذه السطور المقتضبة السريعة من كتاب الثورة الحسينية يمكننا الآن التحدث عن دور السيدة زينب « عليها السلام » في تلك الثورة العظيمة .

  الدور المنتظر
  قضية كربلاء باحداثها المروعة لم تكن مفاجئة للسيدة زينب « عليها السلام » ودورها في تلك الواقعة لم يكن عفويا ولا من وحي الصدفة . فقد كانت « عليها السلام » مهيأة نفسيا وذهنيا لتلك الواقعة ، وكانت تعلم منذ طفولتها بان تلك الحادثة ستقع وانها ستلعب فيها دورا رئيسيا بارزا . وقد صرحت العقيلة زينب بمعرفتها السابقة بواقعة كربلاء ، والسيدة زينب قد اختارت دورها في هذه الثورة العظيمة بوعي سابق وادراك عميق وانها كانت المبادرة للمشاركة كما احتفظت بزمام المبادرة في مختلف المواقف والوقائع الثورية .
  ولأن سفر الحسين « عليه السلام » كان محفوفا بالمخاطر فقد اقترح عليه بني هاشم ان لا يصطحب معه احدا من النساء والعيال ولكن السيدة زينب كانت بالمرصاد لمثل هذه المقترحات التي تحول بينها وبين المشاركة في المسيرة المقدسة .
  فهذا عبد الله بن عباس يناقش الامام الحسين (عليه السلام) في حمل النساء والعيال معه وينصحه بعدم حملهم معه . فلما سمعته السيدة زينب اعترضت . فسمع ابن عباس بكاءا من ورائه وقائلة تقول : يا بن عباس تشير على شيخنا وسيدنا ان يخلفنا هاهنا ويمضي وحده ؟ لا والله بل نحيا معه ونموت معه ، وهل ابقى الزمان لنا غيره ؟ فالتفت ابن عباس واذا المتكلمة زينب (66) .
  وحينما حدثت الفاجعة الكبرى بمقتل اخيها الحسين « عليه السلام » بعد قتل كل رجالات بيتها وانصارهم خرجت السيدة زينب تعدو نحو ساحة المعركة تبحث عن جسد اخيها الحسين غير عابئة بصفوف الجيش الاموي المدجج بالسلاح ، فلما وقفت على جثمان اخيها العزيز الذي مزقته السيوف، جعلت تطيل النظر اليه ثم رفعت بصرها نحو السماء وهي تدعو بحرارة ولهفة : ( الله تقبل منا هذا القربان )(67) .
  ولا تأخذك الدهشة اذا قلت ان صلاة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم كانت شكرا لله على ما انعم ، وانها كانت تنظر الى تلك الاحداث على انها نعمة خص الله بها اهل بيت النبوة من دون الناس اجمعين ، وانه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله وعند الناس . وزينب هي بنت امير المؤمنين « عليه السلام » لا تعدوه في ايمانها ولا في نظرها الى طريق الخلود والكرامة (68) .
  ونتيجة وعيها الايماني استطاعت السيدة زينب وهي اسيرة باوحش صورة السبي والاسر ان تهز عروش الظالمين وتحطم كبرياء الطغاة وتعلن الحق في قلاع الكفر وترفع صورت الاسلام المحمدي عاليا في ظرف كمت فيه الافواه واخضعت فيها الرؤوس تحت سطوة السيوف التي استمرت تقطر دما بلا توقف تقمع كل صوت حر يرتفع . فأي قدرة تميزت بها الوراء حتى استطاعت ان تحفظ رسالة الله، وتعيدها الى مجراها الذي وضعها الله فيه وتنسف كل ما بناه معاوية ويزيد من خطط لهما على المدى الطويل .
  تقول الدكتورة بنت الشاطئ : ( افسدت زينب اخت الحسين « عليه السلام » على بن زياد وبني امية لذة النصر ، وسكبت قطرات من السم الزعاق في كؤوس الظافرين . وان كل الاحداث السياسية التي ترتبت من خروج المختار وثورة ابن الزبير وسقوط الدولة الاموية وقيام الدولة العباسية ثم تأصل مذهب الشيعة انما كانت زينب باعثة لذلك ومثيرته )(69) .
  وحتى في مجلس يزيد والذي قد خطط ليكون دخول السبايا الى مجلسه مهرجانا يحتفل فيه بانتصاره على الحسين « عليه السلام » لكن العقيلة زينب افسدت عليه كل ما صنع وافسدت مهرجانه الضخم حث نظرت الى رأس اخيها الحسين بين يدي يزيد فانتصبت قائمة واجهشت بالبكاء ونادت بصوت حزين يقرح القلوب : ( ياحسيناه ، يا حبيب رسول الله، يا ابن مكة ومنى ، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى ) ، قال الراوي : فابكت والله كل من كان في المجلس ويزيد ساكت (70) .
  وحينما يسألها عبيد الله بن زياد امير الكوفة وواجهة السلطة الاموية في مجلسه سؤال الشامت المغرور بالنصر الزائف قائلا : كيف رأيت فعل الله باخيك ؟ فانها تجيبه فورا من اعماق قلبها بجرأة وصمود قائلة : ( ما رأيت الا جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة )(71) .
  وتختم خطابها في مجلس يزيد بتأكيد رؤيتها الايجابية لما حصل لها ولاهل بيتها من مصائب وآلام حيث تقول : ( والحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل )(72) . فلم تكد زينب تخرج من عند يزيد حتى احس بسروره بمقتل الحسين (عليه السلام) قد شابه كدر خفي ظل يزداد حتى استحال الى ندم كدّر عليه صفو الاعوام الثلاثة الاخيرة من حياته (73) .
  وانتهت بالسيدة زينب « عليها السلام » رحلة الألم والعناء الى المدينة المنورة مسقط رأسها وربوع صباها ودار اهلها . بعد فراق وغياب جاوز السبعة اشهر حيث خرجت من المدينة مع اخيها الحسين « عليه السلام » اواخر شهر رجب وعادت بعد انتهاء شهر صفر ، وفرق كبير بين موكب خروجها المهيب يحيط بها اخوتها وابنائها وابناء اخوتها ورجالات عشيرتها . وبين قافلة الاسر التي عادت ضمنها تلوذ بها الارملات المثكولات والصبايا اليتمات المفجوعات .
  لقد هرعت عند دخولها المدينة الى مسجد رسول الله « صلى الله عليه وآله » حيث مثواه المقدس واخذت بعضادتي باب المسجد منادية : ( يا جداه اني ناعية اليك اخي الحسين )(74) .
  واصبح برنامجها اليومي والدائم في المدينة المنورة تذكير جماهير الامة بمظلومية الحسين « عليه السلام) واهل بيته ، وتخليد المأساة العظيمة في كربلاء ، لتؤجج بذلك العواطف وتلهب المشاعر، وتحرض الناس على الحكم الفاسد الظالم .
  ويذكر السيد الشريف يحيى بن الحسن من احفاد الامام زين العابدين « عليه السلام » وهو المعروف بالعبيدلي : ان السيدة زينب « عليها السلام » وهي بالمدينة كانت تؤلب الناس على القيام باخذ ثأر الحسين ، فكتب والي المدينة عمرو بن سعد الاشدق الى يزيد يعلمه بالخبر . فكتب اليه يزيد: ان فرق بينها وبين الناس ، فامرها الوالي بالخروج من المدينة (75) .
  لقد اشعلت السيدة زينب الثورة وفجرتها في المدين ضد الحكم الاموي فكان لها دور المحرك للثورة التي عمت المدينة المنورة سنة ( 63 هـ ) حيث تمرد اهلها على الحكم الاموي وطردوا اليها وجميع بني امية وبايعوا عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة فبعث يزيد الى المدينة جيشا ضخما يبلغ ( 12 الف ) بقيادة مسلم بن عقبة فقضي على التمرد وسيطر على المدينة واباح مسلم المدينة ثلاثا لجيشه يقتلون الناس ويأخذون المتاع والاموال . ودعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد على انهم خول -أي عبيد- له يحكم في دمائهم واموالهم واهلهم من شاء ، فمن امتنع من ذلك قتله .
  وعُرفت الواقعة بأسم ( واقعة الحرة ) التي حصلت لليلتين بقينا من ذي الحجة ، وعرف مسلم بن عقبة بعد الواقعة باسم مسرف (76) .

  في الختام
  بعد هذا التطواف السريع في مسيرة نضال هذه السيدة العظيمة من آل محمد « عليهم جميعا افضل التحية والسلام » في سبيل رسوخ العقيدة والمبدأ وتصحيح الانحراف الذي تجسد في بداية الاسلام ، مما هدد المجتمع المحمدي بالضياع والانهيار ، فكانت لها هذه المواقف الشامخة والتحدي الصارخ لكل عوامل القمع والفتك .
  وكان لنا من نضالها خير درس وارفع معتبر وخاصة لاخواتنا وبناتنا وجيلنا الطالع الذي يتحسس المسؤولية الرسالية التي الزم بها باعتباره الديني ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) فلابد لنا جميعا الاقتداء بالسيدة زينب لغرض بذل المزيد من العطاء الايماني وعلى كل المستويات ، لنكون قد وفينا كرساليين لعقيدتنا ومبادئنا الكريمة التي آمنا بها ايمانا مخلصا لا تشوبه شائبة .
  وفي هذا اليوم تكالبت على الاسلام كل القوى المجافية له على اساس من التوجه ( الصيلبي والصهويني ) من اجل مسج انسانية الانسان ومصادرة قيمه العليا ليكون آلة طيعة في مهمة التغيير حسب المواصفات التي تحددها مصالح الاستعمار العالمي وسيطرته البشعة ، تحقيقا لمسار ( العولمة ) بكل جوانبها الخطيرة على الشعوب المستضعفة في عالمنا الثالث، وبوادرها بدت جلية امتدادا من الغرب الى الشرق .
  ان حياة قادتنا الابرار لا بد ان تكون لنا درسا نتملاه في حياتنا العلمية ساعة الخطر المحدق ومسؤولية عراقنا الحبيب تفرض على كل انسان رجالا ونساءا شيبا وشبابا العمل الصادق نحو تحريره من براثن الوحوش الكاسرة ـ كل حسب امكانيته وقدراته ـ ولا يسع الجميع التنصل من مسؤولية التحرير . فكما على الرجل مسؤولية كذلك على المرأة مثلها ، والله سبحانه هو الموفق للنصر .
  والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الخلق اجمعين ابي الزهراء محمد وآله الطيبين الطاهرين .

  المصادر والمراجع :
  1 ـ ثلاث نساء في سماء العقيدة ، محمد بحر العلوم ، ط ـ لندن .
  2 ـ المرأة العظيمة ( قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي عليهما السلام ) ، حسن الصفار ، ط-دار البيان العربي .
  3 ـ الامام الحسين « عليه السلام » شمس لن تغيب ، الشيخ جميل الربيعي ، ط ـ عترت .

  الهوامش
(1) الطفل بين الوراثة والتربية ، محمد تقي فلسفي ، ج1 .
(2) فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ، محمد كاظم القزويني .
(3) بحار الانوار ، المجلسي ، ج16 .
(4) دراسة في المائة الاوائل ، الدكتور مايكل هارت .
(5) سورة آل عمران ، آية 61 .
(6) اخلاقيات امير المؤمنين ، هادي المدرسي ، نقلا عن ( تاريخ ابن عساكر ) .
(7) المصدر السابق نفسه ، نقلا من ( سنن ابن ماجه ) .
(8) المصدر السابق نسفه ، نقلا من ( صحيح البخاري ، ج2 ) .
(9) رسالة فضل اهل البيت وحقوقهم، ابن تيميه .
(10) المصدر السابق نفسه .
(11) حياة الامام الحسن ، باقر شريف القرشي ، ج1 .
(12) المصدر السابق نفسه .
(13) زينب الكبرى ، النقدي . (14) فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ، القزويني .
(15) سورة الانسان ، الآية 7 .
(16) الزهراء من المهد الى اللحد ، القزويني .
(17) مع بطلة كربلاء ، محمد جواد مغنية .
(18) اعيان الشيعة ، السيد محسن الامين .
(19) بحار الانوار ، المجلسي .
(20) مع بطلة كربلاء ، محمد جواد مغنية .
(21) حياة الامام الحسن ، باقر شريف القرشي .
(22) نهج البلاغة ، الامام علي ، قصار الحكم .
(23) حياة الامام الحسين ، باقر شريف القرشي .
(24) سورة الحشر ، الآية 6 .
(25) نهج البلاغة ، الامام علي .
(26) فاطمة الزهراء ام ابيها ، فاضل الميلاني .
(27) فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ، القزويني .
(28) فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ، القزويني .
(39) بحار الانوار ، المجلسي .
(30) السيدة زينب ، عائشة بنت الشاطئ .
(31) سورة الذاريات ، الآية 49 .
(32) الفقه، كتاب النكاح ، السيد محمد الشيرازي .
(33) عقيلة بني هاشم ، السيد على الهاشمي .
(34) زينب وليدة النبوة والامامة ، م. صادق .
(35) المصدر السابق نفسه .
(36) في رحاب السيدة زينب ، بحر العلوم .
(37) مع بطلة كربلاء ، محمد جواد مغنية .
(38) مع بطلة كربلاء ، محمد جواد مغنية .
(49) عقيلة بني هاشم ، الهاشمي .
(40) معجم رجال الحديث ، الاندلسي ، ج4 .
(41) المصدر السابق نفسه .
(42) في رحاب السيدة زينب ، بحر العلوم .
(43) زينب الكبرى ، جعفر النقدي .
(44) زينب الكبرى ، جعفر النقدي .
(45) ابصار العين في انصار الحسين ، الشيخ محمد السماوي. حياة الامام الحسين ، باقر شريف القرشي .
(46) زينب الكبرى ، جعفر النقدي .
(47) عقيلة بني هاشم ، الهاشمي .
(48) زينب الكبرى ، جعفر النقدي .
(59) اسد الغابة في معرفة الصحابة ، ابن الاثير .
(50) ائمتنا ، علي دخيل .
(51) السيدة زينب ، عائشة بنت الشاطئ .
(52) زينب الكبرى ، جعفر النقدي .
(53) بحار الانوار ، المجلسي .
(54) علي من المهد الى اللحد ، القزويني .
(55) حياة الامام الحسن، القزويني. (56) صحيح مسلم ، ج2 .
(57) الاصابة في تمييز الصحابة ، ابن حجر ، ج1 .
(58) حياة الامام الحسن ، القرشي ، ج2 .
(69) النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ، محمد بن عقيل .
(60) حياة الامام الحسن ، القرشي .
(61) حياة الامام الحسين ، القرشي .
(62) حياة الامام الحسين ، القرشي .
(63) المصدر السابق نفسه .
(64) حياة الامام الحسين ، القرشي .
(65) المصدر السابق نفسه .
(66) زينب الكبرى ، النقدي .
(67) حياة الامام الحسين ، القرشي ، ج2 .
(68) بطلة كربلاء ، محمد جواد مغنية .
(79) السيدة زينب ، القرشي .
(70) زينب الكبرى ، النقدي .
(71) حياة الامام الحسين ، القرشي ، ج2 .
(72) المصدر السابق نفسه .
(73) السيدة زينب ، عائشة بنت الشاطئ .
(74) مقتل الحسين ، المقرم .
(75) اخبار الزينبيات ، العبيدلي .
(76) الكامل في التاريخ ، ابن الاثير ، ج2 .