مـؤمنـــة

  التائب حبيب الله
الاستاذ أمين العبادي
  بسم الله الرحمن الرحيم
  ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( التائب حبيب الله ، والتائب من الذنب ، كمن لا ذنب له ) .
  قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم ، لتاب الله عليكم ) .
  قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن الله يبسط يده بالتوبة لمسيء الليل إلى النهار ولمسيء النهار إلى الليل ) .
  قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( العبد المؤمن إذا أذنب ذنباً ، أجله الله سبع ساعات فإن إستغفر الله لم يكتب عليه شيء ، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتب عليه سيئة ، وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر ربه ) .
  قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة فقلت : وكيف يستر عليه ؟ قال : ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ، ثم يوحي إلى جوارحه أكتمي عليه ذنوبه ، ويوحي إلى بقاع الأرض أكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب ، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب ) .
  ورد أيضاً ( إن شاباً عبد الله عشرين سنة ، ثم عصاه عشرين سنة ، ثم نظر إلى المرآة ، فرأى الشيب في لحيته ، فساءه ذلك ، فقال : إلهي أطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة ، فإن رجعت إليك أتقبلني ؟ فسمع قائلاً يقول : أجبتنا فأجبناك ، فتركتنا فتركناك ، وعصيتنا فأمهلناك ، فإن رجعت إلينا قبلناك ) .
  لا يخفى عليك وعلى ذوي البصائر إنه لا يوجد بشر يستطيع أن يعصم نفسه من أنواع الخطأ والذنب ، ويحافظ على طهارته الأولى لأن طبيعة البشر مجبولة على الخطأ والمعصية والإشتباه بنحو لا ينجو واحداً من البشر في أعمال جوارحه وجوانحه من الإبتلاء بأنواع الآثام إلاّ من عصم الله ، وبناءاً على ذلك فقد جعل الله الحكيم الرحيم التوبة دواءهاً للآلام المعنوية وعلاجاً للأمراض القلبية ليطهر الإنسان بعد الإبتلاء ببركة التوبة ويكون من أهل النجاة ، وأعلم إن اليأس من رحمة الحق من أعظم الذنوب ولا أظن أن هناك ذنب أسوأ وأشد تأثيراً في النفس من القنوط من رحمة الله ، وإذا ما أطبق على قلبك هذا الظلام الدامس وهو ظلمة اليأس فاعلم إن قلبك لن يصلحه شيء وسوف لن تستطيع التوبة أن تنفذ إليه وتهيمن عليه فإياك أن تغفل من رحمة الحق عز وجل وإياك أن تستعظم الذنوب وتبعاتها وتذكر دوماً إن الشيطان رغم عظيم ذنوبه وكبير معاصيه ومنذ آلاف السنين يتمتع بالحياة الدنيا ، ببقائه بها وعدم تعجيله إلى النار والعجب العجب إنه يطمع بالمغفرة يوم القيامة كما ورد في بعض الروايات وبالتالي فإن رحمة الحق سبحانه أعظم وأوسع من كل شيء وباب توبته مفتوح لطالبيه ( وما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه ) .
مـا جاء بابك ذو ذنب iiليعتذرا          إلاّ وعاد ومنه الذنب قد غفرا
  فإسع ألآن للعثور على نفسك المعجونة بفطرة الله فطرة التوحيد وإستنقذها من مستنقع الضلالة وأمواج الهوى وإركب سفينة نوح وهي ( سفينة التوبة ) ( فإن من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ) .

  من المهمات التي على التائب أن يعرفها :
  إن همّ الشيطان في أن يمنع الإنسان ، أياً كان من طريق الله ، وإذا لم يقدر عليه من الطرق الطبيعية في هوى النفس ، فإنه يرجع ويأتيه من طرق الشرع والعقل بشكل خفي ، وإذا لم يقدر أن يغلبه من هذه أيضاً فإنه يقول له : قد إنقضى أمرك ، فإنك لا تقدر أن تتوب توبة حقيقية ، فللتوبة الحقيقية شروط ، أين أنت من تلك الشروط ؟ وإذا لم تقوم بشرائطها فعدم التوبة خير من التوبة الكاذبة ، وبالإضافه إلى ذلك يقول : إنك أذنبت ذنوباً كثيرة بحيث صرت غير مؤهل لقبول التوبة وغير موفق للتوبة ، فإذا قبل التائب كلامه فإنه سوف يغلبه ويكون مغلوباً منه لأنه قبل ذلك وقد تحققت بذلك غايته وأما إذا أجابه وقال له :
  أولاً : أن الرحمة الإلهية التي يمكن تصورها هي رحمة بحيث لم تيأسك أنت نفسك من رحمته وقد إستجاب تعالى لدعائك .
  ثانياً : أن كنت غير قادر على ان اتوب توبة حقيقية تامة فأني افعل مقدار مايكنني أن أقوم به فلعل الله عز وجل الرحيم يوفقني لأكثر من ذلك لأنني تبت بهذا المقدار الذي أمكنني فعله فأفعل شيء أكمل من السابق فإذا فعلت ذلك وفقني أيضاً إلى الأفضل ، إلى أن يوصلني إلى التوبة الكاملة كما جرت عادة الله عز وجل بذلك وإني إذا قبلت ذلك أي ترك التوبة فإن فيه هلاكي القطعي الذي لا نجاة لي بعده أبداً . . . وإن نفس هذا اليأس إنما هو من الذنوب الكبيرة الموبقة ولعل سببه يعجل العذاب ويكون سبباً لزيادة العذاب وخسران الدنيا والآخرة وعلى كل حال فلو كنت قتلت سبعين نبياً والعياذ بالله فعليك أن لا تيأس وتترك التوبة فإن اليأس وترك التوبة هلاك قطعي ويكون سبباً لزيادة العقوبة بينما يوجد في التوبة إحتمال النجاة التامة ويوجد في التوبة أيضاً النجاة من عقاب نفس اليأس وترك التوبة . . . وهناك جواباً آخر وشافي لوسوسة هذا الخبيث وهو أن تقول له : إنك تقول لي بأنك لا تستطيع أن تتوب توبة نصوحاً ، نعم إذا لم تشملني عناية الله عز وجل فإن التوبة الكاملة غير ممكنة بل سوف لا أقدر حتى على التوبة الناقصة ولكني إذا شملتني عناية جل جلاله فسوف يمكنني الوصول إلى جميع المراتب والكرامات العالية منها مما لا تخطر على بال ، وإذا قال : من أين ستصلك عنايته ؟ فقل : من أين لك أن عنايته سوف لا تصلني ؟
  فإن قال : أن عنايته تحتاج الى الأهلية .
  فقل : من أين حصل هؤلاء الأكابر على تلك الأهلية ؟ أليس هو قد وهبهم ذلك فإني كذلك أستوهبها منه عز وجل .
  وإن قال : ولكنك من أين لك أهلية كرمه ؟ وفي مقابل أي عمل من أعمالك تتمنى ذلك ؟ ألم ترى إنه لا يهب لكل أحد .
  فقال في جوابه : أطلب ذلك بلإستجداء فالشحاذ يطلب بالمجان .
  وإن قال : ومع ذلك فانه لا يعطي للشحاذ كل شيء .
  فقل : لعلهم لم يكونوا مجدين في الإستجداء .
  وإن قال : إنك عصيت وإن حكم الله هو ردك ، وعدم قبولك .
  فقل : لا يجب في حكم الله أن بغضب على كل عاص وان يرده .
  وإن قال : فإين يظهر غضب الله تعالى إذن ؟
  فقل : تظهر مع أمثالك الذين عاندوا الله جل جلاله ويدخلون اليأس على عباده ويمنعونهم من الإمتثال بين يديه عز وجل خلافاً لدعوته .
  وإن يقول : أن إستحقاقك للعقاب أمر قطعي وإن وعده بعذاب عاصيه قطعي أيضاً بينما أجابة توبتك أمر إحتمالي .
  فقل : إنك مشتبه وغافل عن وعده بلإجابه والقبول ، ولو أن سلطاناً خالف وعيده فسوف لا يكون ذلك قبيحاً ولكن الذي لا يحتمله على الله عز وجل خلف الوعد .
  وإن قال : وجهك أسود من الذنوب وحالك رديء فبأي وجه تذهب إلى حظيرة قدسه ؟
  فقل : إذا كان وجهي أسود فإني أذهب متوسلاً بأنوار وجوه أوليائه المشرقات .
  وإن قال : إنك لا تملك أهلية التوسل بهم أيضاً .
  فقل : فإني أتوسل إليهم أيضاً بمحبيهم . . . وبأختصار ، الحذر الحذر من أن تنطلي عليك حيله وتيأس من رحمت الله الواسعة وعدم الإقدام على التوبة .
  وكذلك عليك الإنتباه إلى نقطة هامة : هي ( وجوب التوبة على الفور ) فعليك المبادرة إلى ترك الذنوب والتوبة منها تلافياً لخطرين عظيمين إن سلمت من أحداهما لا تسلم من الآخر :
  إحداهما : أن يعاجلك الأجل فلا تنتبه إلى غفلتك إلاّ وقد حضر الموت وفات وقت التدارك وإنسدت أبواب التلافي وجاء الوقت الذي أشار إليه سبحانه بقوله (( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ )) وصرت تطلب المهلة والتأخير يوماً أو ساعة فيقال لك لا مهلة كما قال سبحانه (( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ )) قال بعض المفسرين في تفسير هذه الآية أن المحتضر يقول ساعة كشف الغطاء يا ملك الموت أخرني يوماً أعتذر فيه إلى ربي وأتوب إليه وأتزود صالحاً فيقول فنيت الأيام ، فيقول أخرني ساعة فيقول فنيت الساعات ، فيغلق عنه باب التوبة ويغرغر بروحه إلى النار ويتجرع غصة اليأس وحسرة الندامة على تضييع العمر ، فلا تتكاسل في أمر التوبة وتؤجلها وتقول : (( اليوم أو غداً وهذا الشهر أو الشهر المقبل ، وتخاطب نفسك قائلاً أنني أتوب آخر العمر وأيام الشيخوخة توبة صحيحة )) .
  أيها العزيز ، إذا إفترضنا أن الإنسان يستطيع القيام بهذا العمل ـ التوبة ـ في سن الشيخوخة ، فما هو الضمان للوصول إلى سن الشيخوخة وعدم إدراكك الأجل المحتوم أيام الشباب على حين غرة ، وأنت مشغول بالذنوب والعصيان ؟
  قال لقمان لإبنة ( يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة ) هذا أمر والأمر الآخر ، لا تتوقع إنك بعد ضعف البدن وأشتعال الراس شيباً تستطيع أن تقضي ما فات من التفريط في جنب الله وأعلم أن أفضل أيام التوبة وربيعها هي فترة الشباب ، لأن الذنوب أقل وشوائب القلب وظلمات الباطن أخف ، وشروط التوبة أسهل وأيسر وأنت بذلك تتمتع بقوة الشباب وحيويتة .
  وثانيهما : إذا ما أثمرت وقويت شجرة المعاصي في مزرعة قلب الإنسان وتحكمت جذورها ، ستكون لها نتائج وخيمة : هي حث الإنسان على الإنصراف كلياً عن التفكير في التوبة ، لكثرة الذنوب والإعتقاد بعدم وجود الفرصة الكافية لتداركها ولكون أن كثرت المعاصي وتراكمها على صفحة القلب ستصير طبعاً وعادة لا يمكن للإنسان التخلص منها بسهولة ومحوها بليلة وضحاها .
  روي الشيخ الكليني في كتابه الكافي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) إنه قال : ( كان أبي يقول ما من شيء أفسد من القلب من الخطيئة ، إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله ) ، وروي أيضاً في الكتاب المذكور عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) إنه قال : ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب خرج من النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض ، فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً وهو قول الله ( عز وجل ) (( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) .
  إذاً أيها العزيز ! عجِّل في شد حيازيمك وأنت في أيام الشباب أو على قيد الحياة في هذه الدنيا وتب إلى الله، ولا تسمح لهذه الفرصة التي أنعم الله بها عليك أن تخرج من يدك ، ولا تعبأ بتسويف الشيطان ومكائد النفس الأمارة .

  الذنوب التي يتاب منها
  أعلم إن الذنوب التي يتاب منها على عدة أقسام :
  الأول : أن يكون ذنباً لا يستلزم حكماً آخر غير العقوبة الآخروية كلبس القلائد والخواتم الذهبية للرجال ووضع المساحيق والعطور والتغنج في الكلام والتميع في المشي للنساء فإنه يكفي للتوبة منها نفس الندم والعزم على عدم العود وبهما يدفع العقاب الآخروي .
  الثاني : أن يستلزم حكماً آخر بالإضافة إلى العقوبة الآخروية وهو على عدة أقسام :
  فإما أن يكون حقاً لله ، أو حقاً للخلق .
  وإما حق الله فهو إما ( مالي ) : مثل أن يحلف بالله كذباً ولا يقوى على الصيام فيجب عليه إطعام عشرة مساكين ، فلا يرفع عنه العذاب بمجرد الندم وإعلان التوبة بل يجب عليه أن يؤدي هذه الكفارة .
  أو حق ( غير مالي ) : مثل الصلاة والصيام الذي يفوته فإنه يجب عليه أن يقضي ما فاته .
  إما لو كان حقاً للناس :
  فإن كان حقاً مالياً فيجب عليه أن يوصله لصاحب الحق ، أو وارثه .
  وأما إذا لم يكن حقاً مالياً ، فإن كان قد أضل إنساناً عن طريق الكذب عليه أو إفتاءه بما ليس بصحيح ، فيجب عليه هدايته .

  كيفية التوبة
  1 ـ الشعور بالندم
  قال الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ( الندامة توبة ) .
  وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( كفى بالندم توبة ) .
  ويقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما من عبد أذنب ذنباً فندم عليه إلاّ غفر الله له قبل أن يستغفر ) .
  2 ـ الإستغفار من الذنب
  قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا أكثر العبد من الإستغفار رفعت صحيفته وهي تتلالا ) .
  قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لا كبيرة مع الإستغفار ) .
  3 ـ إتباع السيئة حسنة
  قال الله تعالى : (( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )) .
  قال النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) :( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) .
  4 ـ العزم على ترك المعصية وعدم العودة إليها
  هذه الخطوات البسيطة والتي لا يحتاج فيها المرء إلى بذل أي مجهود يذكر لتطبيقها ، والتي بدورها كافية لجعلك تصبح حسب النص القرآني (( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )) فأنظر أيها الإنسان كم أنت ظلوم وجهول ! ولا تُقَدّر نِعَم الله عليك والفرصة التي يتيحها لك ، فها أنت تعصي وتعادي سنين وسنين ـ الله سبحانه وتعالى ـ وطيلة هذه الفترة قد هتكت حرمته وطغيت عليه ولم تخجل منه ابداً . . . وإذا ندمت على ما فعلت ورجعت إليه ، أحبك الله وجعلك محبوباً له .
  إلهي . . . أنا مذنب . . . أنا مخطئ . . . أنا عاصي . . . وأنت غافر . . . راحم ، عافي . . . ثلاثة قابلتهن بثلاثة . . . وعلمت أن أوصافك ستغلب أوصافي .

  عدم الثقة بالإستقامة لا يمنع من التوبة
  أعلم إنه من تاب ويعلم من نفسه عدم الحفاظ على هذه التوبة بل سيعود في لحظة ما إلى الذنب ، ينبغي أن لا يمنعه ذلك التفكير عن التوبة فإن ذلك من مكر الشيطان وخدعه وأن الشيطان لا يوسوس للإنسان بما فيه خيره قطعاً .
  وإعلم إنك في التوبة أبداً في إحدى حسنين : إحداهما : غفران الذنوب السابقة والتخلص منها كلها وليس عليك إلاّ هذا الذنب الذي أحدثته ألآن وهذا من الفوائد العظيمة والأرباح الجسيمة .
  وثانيهما : عدم العودة إلى الذنب في المستقبل لما عرفت من قبح المعصية وكيف أنها لا تورث السخط الجبار .
  فإن قلت : ما فائدة التوبة ونفسي أمارة بالسوء وتدعوني إلى إرتكاب الذنب بين حين وآخر ؟
  وسأترك الإجابة على تسائلك للقرآن والسنة .
  قال الله تعالى (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ )) .
  وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا بد للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة ) أي ـ الحين بعد الحين ـ ، وفي خبر آخر قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( المؤمن كالسنبلة تخر مرة وتستقيم مرة ) .
  وسُأل محمد بن مسلم الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن المؤمن يذنب ثم يتوب ويستغفر ويفعل ذلك مراراً ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( كلما عاد المؤمن بالإستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة ، فإياك أن تقنط المؤمن من رحمة الله ) ، وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله يحب من عباه المفتن التواب ) يعني ـ كثير الذنب كثير التوية ـ وكل ذلك شاهد صدق على إن هذا المقدار من الذنوب لا ينقض التوبة ولا يلحق صاحبه بدرجة المصرين ولا تفسد به النفس بحيث لا تقبل الإصلاح ، فإن من تاب وأستمر على الإستقامة مدة ثم تغلبة الشهوة في بعض الأحيان فيقدم على إرتكاب الذنب عمداً لعجزه عن قهر الشهوة وقمعها ( لأن الشهوة إذا ما أستيقظت إنما يستيقظ أسد مفترس لا يأتي على شيء إلاّ ومزقة ) كما ورد في بعض الروايات وعند إنقضاء هذه الشهوة والفراغ عنها يتندم ويلوم نفسه محاولاً عدم العودة إلى مثل هكذا ذنب ، لا يعد صاحبها من المستهزئين والمستخفين بالله عز وجل ، إنما المستهزئ والمستخف بالله هو الذي يذنب من غير أن يحدث نفسه بالتوبة أو أن يشعر بالندم والأسف على ما أرتكب بل تجده منهمكاً بالذنوب وأتباع الشهوات وهذا معدود من المصرين ، أعاذنا الله .
  وبأختصار ، تجنب يا أخي المعاصي قدر أستطاعتك وأطلب من الله تعالى في الخلوات أن يكون معك في هذا الطريق لهذا الهدف ، ولا تنسني أنا العبد الحقير من دعاءك .

  دواء لمغفرة الذنوب
  1 ـ الصلوات
  خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الأحد من شهر ذي القعدة فقال : أيها الناس من كان منكم يريد التوبة ؟
  قلنا : كلنا يريد التوية يا رسول الله ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : اغتسلوا وتوضؤا وصلوا أربع ركعات وأقرأوا في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات والمعوذتين مرة ثم أستغفروا الله سبعين مرة ثم أختموا بلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ثم قولوا : يا عزيز يا غفار أغفر لي ذنوبي وذنوب جميع المؤمنين والمؤمنات فأنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت ، ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما من عبد من أمتي فعل هذه إلاّ نودي من السماء : يا عبد الله أستأنف العمل فإنك مقبل التوبة مغفور الذنب ، وينادي ملك من تحت العرش : أيها العبد بورك عليك وعلى أهلك وذريتك ، وينادي مناد آخر : أيها العبد ترضي خصماؤك يوم القيامة ، وينادي ملك آخر : أيها العبد تموت على الإيمان ولا يسلب منك الدين ويفسح في قبرك وينور فيه ، وينادي مناد آخر : أيها العبد يُرضى أبواك وأن كانا ساخطين وغُفر لأبويك ذلك ولذريك وأنت في سعة من الرزق في الدنيا والآخرة ، وينادي جبريل ( عليه السلام ) : أنا الذي آتيك مع ملك الموت ( عليه السلام ) وأمره أن يرفق بك ولا يخدشك أثر الموت أنما تخرج الروح من جسدك سلاً ( سلاماً ) ، ( قلنا يا رسول الله : لو أن عبد يقول في هذا الشهر ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( مثل ما وصفت ) ).
  2 ـ الصلاة على محمد وآل محمد
  قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( من صلى علي مرة لم يبق من ذنوبه ذرة ) .
  قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( من صلى علي كل يوم ثلاث مرات حباً وشوقاً ، كان حقاً على الله عز وجل أن يغفر له ذنوبه تلك اليلة وذلك اليوم ) .
  وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ( الرجل من أمتي إذا صلى علي وأتبع بالصلاة أهل بيتي فتحت أبواب السماء ، وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة ، وأن كان مذنباً خطاء ، ثم تتحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر ) .
  وقال الرضا ( عليه السلام ) : ( من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله ، فإنها تهدم الذنوب هدماً ) .
  3 ـ الدعاء
  قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أراد أن لا يوقفه الله يوم القيامة على قبيح أعماله ، ولا ينشر له ديوان ، فليقرأ هذا الدعاء في دبر كل صلاة ، وهو ( اللهم أن مغفرتك أرجى من عملي وأن رحمتك أوسع من ذنبي اللهم أن كان ذنبي عندك عظيماً فعفوك أعظم من ذنبي اللهم أن لم أكن أهلاً أن ترحمني فرحمتك أهلاً أن تبلغني وتسعني لأنها وسعت كل شيء برحمتك يا أرحم الراحمين )) .
  4 ـ البكاء من خشية الله
  وأن كانت نفسك إلى الآن مضطربة من سخط الجبار وخائفة من النار لكثرة الذنوب ، فدعها تنظر إلى ألطاف الله تعالى وما أورده من الثواب في البكاء من خشيتة .
  قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا بكى العبد من خشية الله تتحات عنة الذنوب كما يتحات الورق ، فيبقى كيوم ولدته أمه ) .
  قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا ترى النار عين بكت من خشية الله ) .
  ( . وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) قال : يا علي أوصيك في نفسك بخصال ، فأحفظها ، ( . . . الرابعة : كثرة البكاء من خشية الله عز وجل ، يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة ) .
  وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( ما من شيء إلاّ وله كيل أو وزن ألا الدمعة ، فأن الله يطفئ باليسير منها البحار من النار ) .
  وإذا ما سألت كم مقدار هذا البكاء ؟ قال لك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما من مؤمن يخرج من عينه مثل ريش الذباب من الدموع فيصيب وجهه ، إلا حرمه الله على النار ) .
  فانظر ـ أيها العزيز ـ كيف أنك ترقى الى المقام الأسنى والدرجة العليا التي يعجز اللسان عن تعبيره ويتحير العقل عن تصويره ، نعم بدمعة واحدة من عينيك تطفئ بحاراً من نار وتحصل على ألف بيت في الجنة ! إلهي كم هي رحمتك واسعة .
  5 ـ عمل صالح يوجب غفران الذنوب
  أرجو منك ـ أيها العزيز ـ أن لا تستصغر أي كلمة أو فعل بسيط يصدر من جوارحك ربما قد أخفى الله فيها رضاه ، ورب عمل صغير أوجب المغفرة التامة للانسان وجعله من أهل السعادة والنجاة ، ولكي أثبت لك ذلك سأروي لك قصة في هذا الشأن لعلها تكون سبباً لمعرفتك مدى كرم الله سبحانه مع عباده .
  جاء في كتاب الروضة من الكافي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : كان عابداً في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا سيئاً فنخر إبليس نخرة اجتمع إليه جنوده فقال : من لي بفلان ؟ فقال بعضهم : أنا لهُ فقال له : من أين تأتيه ؟ قال من ناحية النساء ، قال لست له ، لم يجرب النساء ، فقال له آخر : فإنا لهُ فقال له : من أين تأتيه ؟ قال له : من ناحية الشراب والملذات ، قال لست له ، ليس هذا بشيء ، فقال آخر : فأنا له ، قال من أين تأتيه ؟ قال : من ناحية البر ، قال : أنطلق ، فأنت صاحبه ، فأنطلق الى موضع الرجل فأقام حذاه يصلي قال : وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ، والشيطان لا يستريح فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه وأستصغر عمله فقال : يا عبد الله بأي شيء قويت على هذه الصلاة فلم يجبه ثم أعاد عليه فلم يجبه ثم أعاد عليه فقال : يا عبد الله إني أذنبت ذنباً وأنا تائب منه فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة ؟ قال : فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فأذا فعلته قويت على الصلاة ؟ قال : أدخل المدينة وأسأل عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها ، قال : ومن أين لي درهمين وما أدري ما الدرهمان فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناولهما إياه فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين وقال : قومي فقامت فدخلت منزلها وقالت أدخل ، وقالت : أنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فأخبرني يخبرك فأخبرها فقالت له : يا عبد الله أن ترك الذنب أهون من طلب التوبة وليس كل من طلب التوبة وجدها وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطاناً مثل لك فأنصرف فأنك لاترى شيئاً ، فأنصرف وماتت من ليلتها فأصبحت وإذا على بابها مكتوب : أحضروا فلانة فأنها من أهل الجنة ، فأرتاب الناس فمكثوا ثلاثاً لم يدفنوها أرتياباً في أمرها فأوحى الله عز وجل الى نبي من الأنبياء لا اعلمه إلاّ موسى بن عمران ( عليه السلام ) أن ائت فلانة فصل عليها وأمر الناس أن يصلوا عليها فأني قد غفرت لها وأوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلاناً عن معصيتي .
  وأنت كذلك ـ أيها العزيز ـ إذا ما أستطعت أن تثبط عزيمة أحد من معارفك أو أقاربك عن معصية الله عز وجل وذلك بجعله لايستمع إلى الغناء مثلاً أو النظر بريبة الى النساء أو جعلته يكف عن الاستماع الى الغيبة أو التكلم بها أو الاستخفاف بالصلاة عن طريق تأخيرها ، فلك مثل أجر هذه المرأة من الثواب وغفران الذنوب ، فلا تستصغر أي كلمة بسيطة قد يضع الله فيها رصاه كله وتكون سبباً إلى نجاتك في الآخرة ، وليست الكلمة فقط ، قد تفعل فعل صغير فتوجب لك الجنة به كذلك ، فلقد جاء في كتاب ( فضائل السادات ) لفخر المحققين السيد محمد أشرف ـ أن إسحاق بن إبراهيم الطاهري رأى رسول الله في المنام يقول له أطلق سراح القاتل ، يقول إسحاق : أنتبهت من النوم مرعوباً ، وأستدعيت الشرطة وقلت لهم من هو هذا القاتل وأين هو ؟ قالوا أنه رجل أقر على نفسه بالقتل وهو حاضر عندنا ، فاحضروه فقال له هو هذا القاتل ةأين هو ؟ قالوا أنه رجل أقر على نفسه وهو حاضر عندنا ، فأحضروه فقال له إسحاق : لئن صدقت أطلقتك ، فقال : كنت أنا وجماعة من أهل الفساد لم نترك حراماً إلا وأرتكبناه ، وأرتكبنا كل عمل قبيح ، وكانت لدينا أمرأو عجوز تجلب لنا الفتيات وفي يوم من الأيام دخلت علينا تلك العجوز ومعها فتاة في غاية الجمال ، فلما رأتنا الفتاة وعرفت بالأمر صاحت وسقطت مغشياً عليها ولما أفاقت صاحت : الله الله ، أتقوا الله وأتركوني لقد خدعتني هذه العجوز وقالت لي : أن في هذا المكان مشاهد جميلة وشوقتني إليها وجرتني الى هذا المكان أتقوا الله فأنا علوية من بنات الزهراء ( عليها السلام ) .
  يقول القاتل : لم يعتني رفقائي بكلامها وهجموا على الفتاة فأخذتني الغيرة لحرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فمانعتهم حتى أصبت بعدة جراحات منهم كما تراني الآن إلى أن ضربت كبيرهم ضربة قوية فقتلته وأنقذت الفتاة سالمة وصرفتها فدعت لي الفتاة وقالت : ستر الله عيوبك كما سترت علي وأعانك الله كما أعنتني ، وفي هذا الحال وبعد سماع الصراخ والصيحات دخل الجيران إلى الدار بينما كان الخنجر بيدي يقطر دماً والمقتول أمامي ملطخاً بالدم ، فأخذوني وأحضروني إلى هنا .
  فقال إسحاق : لقد عفوت عنك لله ورسوله ، فقال الرجل : وأنا أيضاً أتوب من جميع ذنوبي ولا أعود إلى المعصية بحق من عفوت به عني .

  قصص التائبين
  نقل الفاضل النراقي في معراج السعاة أنه كان في البصرة أمرأة يقال لها ( شعوانة ) لا يخلو منها مجلس من مجالس الفجور في يوم من الأيام مرت مع جمع من إمائها في زقاق من أزقة البصرة فوصلت إلى بيت يعلو منه الصراخ والضجيج ، فقالت : سبحان الله ما أعجب هذا الصراخ والغوغاء وأرسلت واحدة من إمائها لتعرف حقيقة الحال ذهبت تلك الأمه ولم ترجع فأرسلت الثانية بعدها فذهبت ولم ترجع أيضاً فأرسلت الثالثة وأوصتها أن تعود بسرعة فلما ذهبت وعادت قالت : سيدتي ليس هذا المجلس للبكاء على ميت بل هو مأتم للعاصين ذوي الصحائف السود ، فلما سمعت ذلك ( شعوانة ) قالت : آه لأذهب وأرى الخبر بنفسي فلما ذهبت رأت واعظاً يعظ مجموعة من الناس التفوا حوله يخوفهم من عذاب الله وهم مشغولون بالبكاء والأنين وحين دخلت شعوانة كان الواعظ مشغولاً في تفسير قوله تعالى : ( إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ، وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ، لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا ) فلما سمعت شعوانة هذه الآية أثرت فيها وقالت : يا شيخ أنا من ذوات الوجوه السود ـ يعني المذنبين ـ أذا تبت هل يتوب الله علي ؟ فقال الواعظ : نعم ويقول : يتوب الله عليك حتى أذا كانت ذنوبك مثل ذنوب ( شعوانة ) فقالت : يا شيخ أنا شعوانة لاأعود الى الذنب بعد اليوم فقال الواعظ : الله أرحم الرحمين إذا تبتِ تاب الله عليك فتابت شعوانة وأعتقت عبيدها وإماءها وأشتغلت بالعبادة وقضاء ما فات منها حتى ضعف بدنها ووصلت إلى غاية العجز في يوم ما نظرت إلى بدنها وقد ضعف كثيراً وصار نحيفاً فقالت : آه آه ، لقد صرت في هذا الحال في الدنيا ولا أدري كيف يكون حالي في الآخرة ؟ فسمعت هاتفاً يهتف ويقول : ليطمئن بالك كوني ملازمة لذكري حتى أريك جزائك يوم القيامة .
  اللهم بقدرتك علي تب علي ، وبعلمك بي أرفق بي ، وبحلمك عني أعفو عني .

  الخاتمة
  فإنظر أيها الإنسان المسكين إلى حالك إذا كنت مطيعاً لربك كيف تترقى إلى المقام الأسنى والدرجة العليا التي يعجز اللسان عن تعبيره بل يتحير العقل عن تصويره ، ألست أنت الذي تنافس في صحبة أشراف الدنيا ؟ وتسعى كل سعيك في تحصيل شرف صحبتهم بل تبذل لذلك مالك وأستراحتك بل تلقي نفسك في خطر الموت في تحصيل شرف مصاحبة سلطان زمانك ، فأين أنت أيها المسكين الطالب لتحصيل الشرف والباذل مهجته في الوصول الى التشرف بصحبة السلاطين ، فما هذا التواني والتسامح في أجابة دعوت هذا السلطان الحقيقي الذي لاتقاس سلطنة جميع السلاطين بذرة من سلطنتة العظيمة ، فقم وأفزع اليه من لحظتك هذه بالبكاء والتضرع وأدعوه ليقبلك تائباً وطوبى لك إذا ما قبل لأنك حينها ستكون محبوبه ويطهرك بمحبته .