مـؤمنـــة

  كاتبات باسم مستعار
الإستاذة ام علي مشكور
  الحمد لله كما هو أهله ، والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّد ، صلّى الله عليه وآله وسلّم . وعلى آله وعترته ، الكهف الحصين ، وحماة الدين . واللعنة الدائمة على أعدائهم ، ومن شايعهم ، وتابعهم ، ورضي لهم قولاً .
  وبعد
  فكثيراً ما طرق سمعك ـ أيها القارئ الكريم ـ ذكرُ اُناس دخلوا في صفوف الكتّاب بأسماء مستعارة ، نسبوها الى شخصّياتهم ، وهذا ممّا لا يختصّ بزمان أو مكان ، أو مذهب ، فقد استعملت الاستعارة الاسميّة عند الناس على اختلاف مآربهم ، وتعدّد مشاربهم .
  وقد يعترض البعض عندما يواجه كاتباً اختفى وراء اسم مستعار ، ولم يظهر للمجتمع باسمه الحقيقي ، ومنشأ هذا الاعتراض قد يكون من باب الجهل بأسباب الاستعارة ، وعدم الوقوف على أهداف هؤلاء الكتاب ، ولو اتّضح ـ لهذا الغافل ـ واقع الأمر انقلب رأيه لصالح الكاتب ، وتغيّرت فكرته تجاهه .
  والغرض من كتابة هذا المقال المختصر ، هو بيان حقيقة الاستعارة ، والأسباب المؤديّة لاستعمالها ، ثم تحلية الموضوع وتذهيبه ببعض النماذج النسوية التي مارست الاستعارة في كتاباتها ، والله الموفق للسداد ، والمسدّد للصواب .

  حقيقة الاستعارة .
  والاستعارة تارة يبحث عنها لغةً ، واخرى اصطلاحاً . فأما الاستعارة لغةً مأخوذة من العارية (1) ، ومنها استعاره ثوباً ، فأعاره إيّاه (2) .
  وأمّا الاستعارة في اصطلاح البلاغييّن فهي مما وضع له باب خاص ومفصّل ، في كتب البلاغة وعرّفها البلاغيون بأنها : استعمال لفظّ في غير ما وضع له ، لعلاقة ، مع قرينة مانعة من ارادة المعنى الحقيقي (3) ، وقسّموها الى عدّة أقسام : كالتصريحيّة ، والمكنيّة ، والمرشّحة ، والمجرّدة ، والمطلقة ، والتمثيليّة ، ولكل قسم منها فصل خاص مع اشتراكها جميعاً في جنس الاستعارة ، ومسألة التشبيه ، ولها تفاصيل وجزئيات موجودة في محالها .
  والاستعارة التي نحن بصدد الحديث عنها لاتدخل في أي قسم من هذه الأقسام بوجه ، لأن هذه الأقسام تحتوي على نكتة المشابهة بين المستعير والمستعار ، وهي غير متأتيّة في الاستعارة الاسميّة .

  حقيقة الإسم المستعار
  وهو اسم يظهر به الكاتب على ساحة المجتمع ، لعدم الرغبة في التصريح باسمه الواقعي ، وربّما يستيعر اسماً مخالفاً لهويته ، وجنسيّته ، فقد يكون الكاتب رجلاً فيستعير إسم امرأة ، أو بالعكس ، وقد يستعمل إسماً مضحكاً أو حزيناً ، أو غير ذلك ، لأسباب معيّنة يأتي ذكرها .

  أسباب الاستعارة
  وللاستعارة أسباب نذكر بعضها :
  فمنها : كون الكاتب جديداً على ساحة الكتّاب ، وهذا القسم أسرع شيئاً الى النقض من قبل زملائه ، فيضطرّه ذلك الى الاختفاء وراء اسم معيّن ، أو رمز خاص ، حفظاً لشخصيته .
  ومنها : قباحة الاسم الحقيقي الذي يحمله الكاتب ، وهذا ممّا يحطّ من منزلته أمام أفراد مجتمعه ، خصوصاً إذا كان الكاتب أديباً ، لا ينسجم اسمه مع شريحته ، وتعبيراته الأدبيّة ، أو شاعراً لا يتفق اسمه مع صنعته ـ لأن للإسم الأثر الكبير في معرفة شخصية الفرد ، وهو علامة له ، وبيان لسمته ـ كما قيل ـ لذلك سمّي إسماً ، ولذا ورد عن أهل البيت عليهم السلام أنّ « من حق الولد على والده أن يحسن إسمه » .
  ومنها : تحرير الكاتب لقضايا ركيكة ، ومواضيع قاصرة ، لا تنسجم مع كونه كاتباً من الرجال ، فيرنو إلى طريقة اخرى يعرّف بها نفسه ـ إجباراً ـ بأن يستعير إسماً من اسماء النساء وهذا من سوء حظ المرأة ! ! !
  ومنها : عدم مرجوحيّة إظهار اسم المرأة الواقعي ، وشياعه على ألسن الناس ، وذلك مما هو أهيب لشخصيتها ، واكثر عفة ووقاراً لها ، ويختلف هذا السبب ـ طبعاً ـ باختلاف العادات ، والتقاليد ، والبيئة التي تعيشها الكاتبة .
  ومنها : تعرّض الكاتب لبعض النقوض والتعديلات على مباني من هو اكبر منه شخصية ، وأكثر علماً ، ـ كاستاذه مثلاً ـ فلا يصرّح باسمه عند النقد ـ احتراماً ، وتكريماً لمقام المنقوض عليه ، وهذا كثيراً ما نراه في مباحث الفقه ، والاصول ، والكلام .
  هذا كلّه مما يتعلّق بالناحية الاجتماعيّة ، أما النواحي الاخرى ، كالسياسيّة ، والعقائدية ، فأغراض الاستعارة فيها تنحلّ إلى عدة أقسام :
  منها : عدم رغبة الكاتب في وضع الطابع السياسي على شخصيّته مثلاً ، فقد يؤدي تعرضّه للقضايا السياسية الى تهديد منزلته العلمّية بالخطر ، فيستعين بالاسم المستعار حلاً لهذه المشكلة ، وهذا مما حصلّ للعلامة الكبير ، الإمام محمد حسين كاشف الغطاء فكان يكتب مقالات سياسيّة في الصحف الصادرة آنذاك ، ويوقّع عليها بأسماء مستعارة أمثال : ( أبو الحارث ) و ( السيّار ) و ( معلم الجهلاء ) و ( البغدادي ) و ( النجفي ) و ( ناصر الدين ) .
  ومنها : خوف الكاتب على نفسه ، وأهله ، وذويه ، من الأخطار والمجازات السلطويّة الناشئة من التدخّلات السياسيّة ، وهنا واضح في كتّابنا العراقيين الذين كتبوا مالديهم في أوان النهضة العراقيّة ، ضد الحكم البعثي اللئيم ، الذي لا يبقي ولا يذر أحداً سمع منه ذمّاً ، ولا يدع له قريباً ولا صديقاً إلاّ واصطاده بأشراكه الميشومه .
  ومنها : عدم رغبة الكاتب في التعرّف على الجهة السياسية التي ينتمي إليها .
  وبقي هناك بعض الأسباب الأخرى التي تجبر الكاتب على الاستعارة الاسميّة ، وهي أقلّ شيوعاً من اخواتها المذكورة سابقاً ، ومنها الأسباب الخُلقيّة ، فقد يكتب الكاتب شيئا لا ينسجم مع وضعه الخُلقي ، كالمواضيع الغزليّة ، والمواضيع التي يُتّهم صاحبها بقلة الحياء والدين ، أو المواضيع المؤلمة التي لا توافق طبعه الموصوف بالبشاشة والمرح ، فكلّ ذلك مما يشكل أسباباً عدّة للاستعارة الاسميّة ، ولعلّ هناك اسباباً اخرى تكمن في نفس الكاتب فيتخذ اسماً يوقّع به على ما يكتب .

  نماذج من الكاتبات :
  وهذه الفقرة الأخيرة هي مسك الختام في هذا التجوّال الخاطف ، حيث نحاول أن نذكر فيها ـ من خلال سطور قلائل ـ بعض الشخصيات النسوية التي مارست الاستعارة الاسميّة ، وهدفنا من هذا كلّه التعّرف على هذه الأسماء التي ربما قرأنا لها شيئاً ، ولم نعرف شخصيتها حقيقةً .
  فاخذت لك ايها القارئ الكريم ـ عشر باقات عطرة ، بل رياض نظرة ، اُزيّن بها هذه السطور المقصورة ، وأزخرف بها العبارات القاصرة وهي :
  (1) الكاتبة والمجاهدة الكفوءة والعلوية المظلومة الشهيدة السعيدة آمنة الصدر « بنت الهدى » « قدس سرها » التي أفل نجمها عام 1400 هجري ، لها أربعة أسماء مستعارة ، حيث وقّعت على قصصها ، وبعض مقالاتها المطبوعة في مجلة الاضواء ، بأشهر أسمائها المستعارة وهو « بنت الهدى (6) » ووقعت على البعض الآخر من مقالاتها برمز « آ ـ ح » إشارة لاسمها واسم ابيها ( آمنه حيدر ) ، وبرمز « آ ـ ح ـ ا » إشارة الى اسمها واسم أبيها وجدها ( آمنه حيدر اسماعيل )(7) ، وذكر السيّد حسن الأمين في كتابه « مستدرك أعيان الشيعة » نقلاً عن الاستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط « رياحين الشيعة » انها وقّعت على كتابها « المرأة وحديث المفاهيم الاسلامية » باسم « أم الولاء» (8) .
  (2) الأديبة والكاتبة حورية هاشم النوري ، وقّعت على كتابها « دماء ودموع » باسم « فتاة بغداد ح ـ هـ ـ ن » ، وقد طبع في بغداد سنة 1951 م (9) .
  (3) العالمة الفاضلة ، والشاعرة الكاملة ، الواعظة درّة العلماء وقّعت باسم « الحزينة » ، وقد أشارت في بعض قصائدها الى سبب تسميتها بالحزينة حيث تقول :
لداهيتي سميّت نفسي حزينة          سـموم بليّات أذوق مدى دهري
  وقد كانت هذه الكاتبة من العالمات ، والراويات للحديث ، تدّرس الكتب الأربعة في مدينة كربلاء المقدسة ، وتروي بالإجازة عن الميرزا ابراهيم المحلاّتي ، والميرزا هداية الله الشيرازي ، ويروي عنها بالإجازة أيضاً سماحة أية الله العظمى السيد المرعشي النجفي اعلى الله مقامه .
  لها ديوان شعر مطبوع ، توفيت سنة « 1341هـ . ش » في مدينة كربلاء المقدسة ودفنت فيها (10) .
  (4) الشاعرة ، والكاتبة المعروفة ( سليمة الملائكة ) ، كانت توقّع على قصائدها وكتاباتها باسم « اُم نزار الملائكة » وهي والدة الشاعرة الكبيرة ( نازك الملائكة )(11) ، وقد سمّتها الدكتورة بنت الشاطيء بـ « سلمى الكاظمية » توفيت في سنة 1953 م (12) .
  (5) الكاتبة والشاعرة المعروفة ، ( فطينة النائب ) ، صاحبة ديوان « لهيب الروح » وديوان « رنين القيود » وقعت باسم « صدوف العُبيديّة »(13) .
  (6) كاتبة ، وقّعت باسم « غادة الصحراء » على كتابها « أشرعة الليل المنسيّة » (14) .
  (7) كاتبة وقعت برمز « خ ع » على كتابها « الزوجة الصالحة » ، الذي طبع في بغداد (15) .
  (8) الأدبية ، والقاصّة « ماهرة النقشبندي » ، وقعّت باسم « سراب العُبيديّة » على قصتها « ذات الحذاء الأصفر » التي طبعت في بغداد في جريدة « بريد الجمعة » سنة 1947 م (16) .
  (9) العالمة الفاضلة ، والعارفة الكاملة ، والأديبة الشاعرة ( ناجية النجفيّة ) ، لها ديوان شعر مطبوع ، وقّعت باسم « رازيّة » توفيت سنة 1816 م (17) .
  (10) الشاعرة ، والكاتبة المعروفة ( نازك الملائكة ) التي كانت من أشهر الشاعرات في العالم العربي ـ آنذاك ـ لها دواوين شعريه باسم « عاشقة الليل » و « شظايا ورماد » ، و « قرارة الموجه » وقّعت برمز « ن ـ م »(18) .

  الهوامش
  (1) ترتيب كتاب العين 2 : 1311 « عور » .
  (2) الصحاح 2 : 761 « عور » .
  (3) البلاغة الواضحة : 71 .
  (4) الوسائل 21 : 389 و 390 | ح 4 و 7 ، قرب الاسناد : 45 .
  (5) معجم الأسماء المستعارة .
  (6) معجم المؤلفيين العراقيين 1 : 34 .
  (7) معجم المطبوعات النجفيّة : 97 و 108 و 213 و 264 ، معجم الأسماء المستعارة : 33 و 68 .
  (8)مستدرك أعيان الشيعة 3 : 4 .
  (9) معجم المؤلفين العراقيين 1 : 389 .
  (10) الاجازة الكبيرة : 246 ، الذريعة 9 : 235 | 1432 .
  (11) معجم المؤلفيين العراقيين 1 : 147 .
  (12)الشاعرة العربيّة المعاصرة : 41 .
  (13) شاعرات العراق : 36 ، الأسماء والتواقيع المستعارة في الأدب العربي : 19، الشاعرة العربيّة المعاصرة : 52 .
  (14) ـ معجم المؤلفيين العراقيين 2 : 452 .
  (15) معجم المؤلفيين العراقيين 1 : 395 .
  (16) معجم الأسماء المستعارة : 278 .
  (17) أعيان الشيعة 10 : 199 ، معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف 2 : 587 .
  (18) الشاعرة العربيّة المعاصرة : 52 .