مـؤمنـــة

  آسف ... كلمة لا يقولها الأزواج
  نجحُت مرة أخرى في جرح مشاعرها ، فعلتها مرة أخرى كما فعلتها كثيراً من قبل ، قلت لزوجتي ما لا ينبغي قوله ، قلته مع سبق الإصرار والترصد ، وقد نجحت كالعادة في إيذائها وجرح مشاعرها ، مما جعلها تندفع مهرولة إلى غرفة النوم هرباً من ألفاظي الجارحة ، دخلت وأغلقت الباب خلفها بصوت كالرعد ، أما أنا فقد وقفت أكلم نفسي ( إلي الجحيم ... إذا كانت تعتقد أنني سأعتذر لها فهي واهمة ، وهذا حلم لم يتحقق ... إلي جانب أنني لا أخطئ ) !!
  كان هذا رد فعله التلقائي الفوري ؟ إلا أنه أدرك ، بعد تأمله الموقف وتفكيره فيما حدث ، أنه ربما كان متسرعاً بعض الشيء ، لقد كانت زوجته تتجادل معه جدالاً عادياً بشأن الأبناء كالعادة ، إلا أنها لم تخرج عن الموضوع ، إنما الذي خرج عن الموضوع هو عندما قال لها : ( إنك تماماً مثل أمك ، لا تعرفين سوي العناد والمعارضة ) .
  ما كان ينبغي له أن يقحم الآباء في شجارهما ، وليس من اللائق بالنسبة له أن يظل يتقمص دور المحلل النفسي مع زوجته ليفسر لها كل تصرف علي أنه عقدة نفسية ناتجة عن كبت قديم منذ زمن الطفولة.
  إذن فقد كان يتجادل مع زوجته بغير وجه حق ، وكان مجانباً للصواب ، وكانت زوجته علي حق مرة أخرى ، ولكن هل يعتذر ؟ مستحيل ... أهون عليه أن يُحبس في ( طلحة ) مع المبعدين علي أن يدخل غرفة النوم ليقول لها ، أي لزوجته ، ( أسف ) .

  عناد × عناد
  قد لا تتكرر المقدمة السابقة بذات الأحداث والحوارات والسيناريو في حياتنا الزوجية ، ولكنها بالتأكيد تتكرر كثيراً جداً في جوها ومحيطها النفسي ، والمحور المشترك دائماً هو ... عناد الرجل المخطئ وتكبره علي الاعتذار لزوجته .
  وهذه مصيبة أغلب الرجال ، أغلب الرجال يقاومون الاعتذار ولا يحبون الاعتراف بالخطأ ، إنهم يعتبرون أن لحظة الاعتذار هي أصعب اللحظات في حياتهم .
  وهذا ما يؤكده الدكتور ( كود وول ) المتخصص في علاج الأزواج العصبيين بقوله : ( إن كثيرين من الرجال يشعرون بأن قدراً كبيراً من هيبتهم سيضيع إذا قدموا اعتذاراً أو اعترفوا بخطأ ... والحقيقة – والكلام للدكتور ( كول وول ) – أن الرجال منطقيون في هذا التصور أو الشعور، فالمخطئ لابد من أن يكون هو الخاسر، والرجال يكرهون الخسارة ، هذه مسلمة أساسية عند الرجال تظهر في تصرفاتهم باستمرار ولكن في صور مختلفة .

  لهذا السبب
  فبعض الأزواج تزداد عندهم صعوبة الاعتذار كلما زاد حجم الخطأ الذي اقترفوه ، فصاحبنا ذاك علي سبيل المثال ، لم يطلق مدفعيته الثقيلة ( إنك مثل أمك ) علي زوجته بلا سبب ، لقد كان هناك سبب قوي لإطلاقه النار وهو شعوره بالخوف وإحساسه بالخطر، لقد أرعبته زوجته عندما واجهته بمشاكل الأولاد والناتجة عن انشغاله المستمر وغيابه عن متابعة دروسهم وحضور اجتماعات أولياء الأمور في المدرسة .
  وهذا يفسر رغبته أيضاً في عدم الاعتذار أو الاعتراف بالخطأ ، لأن هذا يعني اعترافاً بالخوف والضعف ، وهذا يضعه في موقف لا يحسد عليه أمام زوجته ، ومن مِن الرجال يريد أن يظهر أمام زوجته خائفاً ضعيفاً ؟
  النساء – كما يقول الدكتور ( كول وول ) – يمكن أن يقلن إن هذه ظاهرة مرضية في الرجال ، ولكن الواقع أن الظواهر المرضية النفسية تختلف عن ذلك ولها أسباب أخري ، إلا أن كلا من الرجل والمرأة يشعر بالضعف عند اشتعال الأزمات بينهما ، ولكن قدرة الرجل علي التعامل مع الضعف أو تقبله أكبر من قدرة المرأة ، فالرجل يستشيط غضباً عند شعوره بالضعف لأن الضعف معناه سحب بساط التميز من تحت قدميه .

  دائماً على حق
  وهناك أسباب أخري تمنع الرجال من الاعتراف بالخطأ أو إبداء الأسف ، تقول ( عواطف ) – اسم مستعار : يعتذر زوجي فقط عندما يعتقد هو شخصياً أنه مخطئ ، ولأنه متأكد أن الرجل دائماً على حق ، فإنه لا يعتذر أبداً ، بالإضافة إلي أنه يعمل دائماً على أن تكون له اليد العليا واليد الطولي ... وهذا ليس معناه ألا يقول كلمة آسف أبداً ... بل إنه يقولها كثيراً .
  ( أسف يا حبيبتي ... فأنا لست علي ما يرام ) معتذراً عن عدم المساعدة أو عدم القيام بعمل ما .
  ( أسف لا أستطيع أن أقبل هذا الرأي ) .
  ( أسف : مضطر للانصراف حالاً ) ... هذه هي الأسافات أو الأسافي التي تجري علي لسان زوجي الذي لا يعتذر أبداً .

  للاستفزاز فقط
  وهناك نموذج آخر من الرجال ، رجال يستعجلون الاعتذار حتى لو لم يُطلب منهم ، لا لأنهم مقتنعون بذلك ، أي يشعرون بوجوب الاعتذار عن أخطاء وقعوا فيها ، بل لكي ينهوا الشجار والجدال بأسرع ما يمكن ، وكان يمكن اعتبار هؤلاء علي درجة كبيرة من الحصافة والحكمة لو أنهم استطاعوا إخفاء هذا السبب ... إلا أن ما يدعو للأسف والآسى أنهم يحرصون على إظهار سبب الاعتذار هذا ، وهذا نوع من صب الزيت علي النار، وزيادة اشتعال الموقف .
  وهذه قصة أخرى حدثت مع ( أم بشار ) تقول : ( كنت أنا وزوجي نتشاجر علي التليفون ، لا أستطيع تذكر السبب الآن ، علي كلٍ قال زوجي شيئاً ما موبخاً لي توبيخاً جعلني أفقد أعصابي وأسئ معه في الحديث ، إلا أنني شعرت بندم شديد علي ما اقترفت وقررت أن أتصل به مرة أخري لأعتذر له ، وفعلاً اتصلت به مرة أخري وقلت له : إنني آسفة علي كل ما قلت وما كان ينبغي لي أن أفعل ذلك معك ، فرد قائلاً : وأنا أيضاً آسف ، كدت أصدقه وأعتقد أنه فعلاً يعتذر، إلا أنه أضاف قائلاً : هذا هو ما تريدين سماعه مني ، الأسف ، أليس كذلك ؟؟ وقد جعلني أفقد أعصابي مرة أخري ) .

  هي متهمة أيضاً
  وقبل أن نقرر في هذا المقال أن كل الرجال يتسمون بالعناد وأن النساء كلهن لينات ، هيا نستمع إلى ما تقوله السيدة ( خلود م . م ) المتزوجة منذ فترة طويلة ... تقول : ( أنا أقوم دائماً بدور الرجل وهو المرأة ) وهذا كلامها وهذه ألفاظها ( هو المرأة دائماً وأنا الرجل ) ، بمعنى أنه هو دائماً الذي يبكي وأنا لا أبكي أبداً ، زوجي دائماً يعتذر، فالاعتذار عنده شيء سهل ، أما أنا فأمقت الاعتذار مقتاً لا يجعلني أنطق لفظة ( أنا آسفة ) أبداً حتى عندما أكون مخطئة ، نعم أقولها أحياناً ولكن عندما لا يكون لها أي معنى كأن أقول أنا آسفة لقد كنت مخطئة ولكن خطأك أشد وأقبح ... إنني لا أحب الاستسلام أو التنازل أما هو فطالما يكرر أسفه قائلاً : آسف ... لقد كنت أنا المخطئ وحدي ... آسف فلن أكرر الخطأ ... آسف سامحيني يا حبيبتي ... وأنواع من هذا ( الأسف ) .
  وهكذا لا تحب ( خلود م . م ) الاعتذار كما لا يحبه معاشر الأزواج على وجه الأرض لأنه في نظرهم تنازل عن السلطة ... السلطة التي يمارسها الأقوي دائماً .