فإنّها تستحقّ مهر أمثالها من النساء.
  8 ـ المعتبر في مهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السنّ والبكارة والنجابة ، والعفة والعقل والأدب، والشرف والجمال والكمال و ... بل يلاحظ كلّ ماله دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها ، وغير ذلك من الخصوصيّات التي يختلف المهر باختلافها ، والظاهر دخالة حال الزوج في ذلك أيضاً .
  9 ـ إذا عقد امرأةً على مهر معيّن وكان في نيّته أن لا يدفعه إليها صحّ العقد ، ووجب عليه دفع المهر.
  10 ـ إذا جعل المهر مشتركاً بين الزوجة وبين أبيها ، بأن يعطي نصفاً لها ونصفاً لأبيها مثلا ، أو جعل مهرها عشرين على أن يكون عشرة لها وعشرة لأبيها ، سقط ما سمّاه للأب ولا يستحقّ أبوها شيئاً ، ولو لم يجعل المهر شراكة بينهما ولكن اشترط عليها أن تعطيه شيئاً من مهرها صحّ .
  وكذلك يصحّ لو جعل شيئاً زائداً عن مهرها لشرطها عليه ذلك ، أمّا لو شرط الزوج اشتراك المهر بينها وبين أبيها خارج العقد ولم يجعل العقد مترتّباً عليه فلا يصحّ هذا الشرط ولا يستحقّ الأب شيئاً .
  11 ـ المبلغ الذي يأخذه الأب أو بعض الأقارب وهو ما يسمى بـ (شيربها) (1) ليس جزءاً من المهر ، بل هو شيء آخر يؤخذ زائداً عليه ، ويجوز إعطاؤه وأخذه إن كان على نحو الجعالة ، كأن يجعله الزوج لأحد الأقارب مقابل عمل مباح كتوسّط

(1) شيربها : عبارة فارسية والمقصود منها ثمن الحليب الذي رضعته المرأة حينما كانت طفلة، وهو معروف عند العوام.

احكام المرأة والأسرة 152
  الأخ مثلا في البين بأن يرضي أخته في التزويج منه ، ويسعى في رفع بعض الموانع التي تعيق زواجه منها ، فلا يوجد إشكال في هذا العطاء ، ويستحقّ الأخ ما جُعل له ، ولا يمكن للزوج أو أحد أقربائه استرجاعه بعد إعطائه.
  وإن لم يكن ما أعطاه من باب الجعاله ، فإن كان إعطاء الزوج للقريب عن طيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطره وإرضائه ، سواء كان رضاه في نفسه مقصوداً له أم لتوقّف رضى البنت على رضاه ، ففي هذه الحالة يجوز للقريب أخذه ، ويجوز للزوج استرجاعه منه بعد ذلك مادام المال موجوداً عنده بعينه .
  وأمّا مع عدم رضى الزوج قلباً ، وكون إعطائه من جهة استخلاص البنت ، لأن هذا القريب مانع من تمشية الأمر ، مع أنّها راضية بالتزويج بما بذل لها من المهر ، فلا يجوز للقريب أخذه ، و يجوز للزوج استرجاعه باقياً كان أو تالفاً .
  12 ـ يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاّ ـ أي بلا أجل ـ ومؤجّلا، وأن يجعل بعضه حالاّ و بعضه مؤجّلا (1) ، ولكن لا بدّ في المؤجّل من تعيين الأجل ولو في الجملة مثل ورود المسافر ووضع الحمل ونحو ذلك .
   ولو كان الأجل مبهماً بحتاً (2) مثل زمان ما ، أو ورود مسافر ما صحّ العقد، وصح المهر أيضاً على الاظهر ولغي التأجيل.
  13 ـ يجب على الزوج تسليم المهر ، وهو مضمون عليه حتى يسلّمه (3) ، فلو تلف قبل التسليم ولو من دون تفريط كان ضامناً له أيضاً ، فإن كان له مثل أعطى للزوجة مثله ، وإن كان من الأشياء القيميّة فيعطيها قيمته ، ولو كان الإتلاف بفعل

(1) حالاّ: أي المهر الحاضر، ومؤجّلا أي الغائب.
(2) أي غير معيّن أصلا.
(3) بمعنى أنّه يجب عليه حفظه في مكان آمن وعدم التفريط به .

احكام المرأة والأسرة 153
  شخص أجنبيّ غير الزوج تخيّرت المرأة بين الرجوع على الأجنبيّ أو على الزوج نفسه، وإن كان لو رجعت على الزوج جاز له الرجوع به على الأجنبي (1).
  وإذا حدث في المهر عيب قبل أن يُسلّم بيد الزوجة فالأحوط وجوباً التصالح بين الزوجين.
  14 ـ لو كان المهر جميعه حالاّ فللزوجة الامتناع من التمكين حتى استلامه ، ولو مكّنته من نفسها قبل الاستلام على أمل أنّها تأخذه بعد ذلك فلا يجوز لها أن تمنعه بعد هذا التمكين ، وأمّا لو كان المهر كلّه أو بعضه مؤجّلا وقد أخذت بعضه الحالّ فلا يجوز لها الامتناع عن التمكين وإن حلّ الأجل ولم تقبض المهر بعد.
  15 ـ المهر ملك للمرأة يمكنها التصرّف به ، فإذا شاءت وهبته (2) أو أهدته إلى أحد، أو اشترت به أو باعته ، ويمكن لها التصرّف به حتى قبل استلامه ، نعم لا تستقر ملكيّتها لتمامه إلاّ بعد أن يدخل بها .
  16 ـ إذا جعل مهرها تعليمها لصنعة أو حرفة ما ، ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف أُجرة التعليم، ولو كان قد علّمها قبل الطلاق أرجع إليها نصف الأُجرة.

(1) أي يحق للزوج أن يأخذ مثل المهر التالف أو قيمته من الأجنبي الذي أتلفه لو أخذته الزوجة منه أيّ من الزوج.
(2) الهبة غير الهدية ، لأنّ للهبة أحكام خاصّة ، وقد مر ذكرها في باب الهبة .

احكام المرأة والأسرة 154
في الحقوق الزوجيّة
  النشوز لغة : هو : أن تستعصي المرأة على بعلها وتبغضه؟
  ونشوز الرجل امرأته هو أن يضربها ويجفوها ، ومنه قوله تعالى : {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً} (1)، والشقاق: هو الخلاف والعداوة .
  وبما أنّ الأُسرة معرّضة لهذه الحوادث ومهددّة بهذه الأخطار ، لذا جعل الإسلام ـ وهو الدين المعالج لكلّ معضلة من معضلات الحياة ـ حلاّ لهذه الخلافات والمشاكل ، وقرّر حقوقاً لكلّ من الزوجين على الآخر، بعضها واجب و بعضها مستحب ، فالواجب منّها على ثلاثة أقسام:
الأوّل ـ حقّ الزوج على الزوجة :
  وهو أنّ تمكّنه من نفسها للمقاربة وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له حسب ما اقتضاه عقد النكاح ، فمِن حقّه الاستمتاع بها في أيّ وقت شاء ، ولا يجوز لها أن تمنعه إلاّ لعذر شرعي .
  ولا أن تخرج من بيتها إلاّ بإذنه ، سواء كان الخروج منافياً لحقّ استمتاعه بها أولا، بخلاف بقيّة الأفعال غير الخروج من البيت ، فإنّه لا يحرم عليها ممارستها من دون إذن الزوج إلاّ إن كانت منافيةً لحقّه في الاستمتاع منها .
  1 ـ ينبغي للرجل أن يأذن لزوجته في زيارة أقربائها و عيادة مرضاهم ، وتشييع

(1) النساء 4:128.

احكام المرأة والأسرة 155
  جنائزهم ونحو ذلك وإن لم يجب عليه ذلك ، وليس له منعها من الخروج إذا كان للقيام بفعل واجب .
  2 ـ لا يستحقّ الزوج على الزوجة خدمة البيت و حوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع ، من الكنس أو الخياطة أو الطبخ ، أو تنظيف الملابس أو غير ذلك ، حتّى سقي الماء و تمهيد الفراش وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك .
الثاني ـ حقّ الزوجة على الزوج:
  وهو أن ينفق عليها بالغذاء واللباس والمسكن، و سائر ما تحتاجه إليه بحسب حالها وما يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها ، أي بما هي زوجة فلان .
  وأن لا يؤذيها ، أو يظلمها أو يشاكسها من دون وجه شرعي ، و قد أكدّ الإمام الصادق (عليه السلام) على هذا الحقّ في كلماته النورانيّة حيث قال لسائل سأله عن حقّ الزوجة على زوجها : " يشبعها ويكسوها وان جهلت غفر لها " ، وقال (عليه السلام) أيضاً " كانت امرأة عند أبي (عليه السلام) تؤذيه فيغفر لها (1)".
  وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنه " (2).
  وعن يونس بن عمّار قال : زوّجني ابو عبدالله (عليه السلام) جارية لإبنه إسماعيل فقال : " أحسن إليها " ، قلت : وما الاحسان؟ قال : " أشبع بطنها ، واكسو جنبها ، واغفر ذنبها " (3).

(1) وسائل الشيعة 20:169، الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة 20:170، الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة 20:170، الحديث3.

احكام المرأة والأسرة 156
  ويكفيك قوله تعالى : {وَعَاشِروُهَنَّ بالمَعْرُوفِ} (1).
  كما وإنّ من حقوق الزوجة على زوجها أن لا يهجرها، وأن لا يجعلها معلّقةً لا هي ذات بعل و لا هي مطلّقة .
  ولا يجوز له أن يترك مقاربتها أكثر من أربعة أشهر ، بل الأحوط لزوماً ـ إذا لم تقدر على الصبر هذه المدّة ، بحيث خاف الزوج وقوعها في الحرام ـ أن يطلّقها ويخلّي سبيلها .
الثالث ـ حقّ كلّ من الزوجين على الآخر:
  وهو ما يسمّى (بالقِسم) ، أي بيتوتة الزوج عند زوجته ليلة واحدة من كلّ أربع ليال ، فهذا حقّ مشترك بين الزوجين ، يجوز لكلّ منهما مطالبة الآخر به ، ويجب على الآخر الاستجابة إليه ، ولو أسقطه أحد الزوجين فمن حقّ الآخر أن يطالبه به أو يتركه فلا يطالب به ، هذا بخلاف الحقوق المختصّة بكلّ واحد منهما، كالنفقة مثلا فهي حقّ للزوجة يمكن أن تتنازل عنه وتسقطه ، ولا يجب عليها قبول النفقة لو أنفق الزوج عليها ، وكذلك التمكين الذي هو من الحقوق المختصّة بالزوج على زوجته ، فيجوز له أن يتخلّى ويتنازل عنه ، ولا يجب عليه القبول لو مكّنته الزوجة من نفسها ، بخلاف حقّ القِسم الذي تجب فيه الإجابة لكلّ منهما .
  1 ـ إذا كان للرجل زوجتان أو أكثر فبات عند إحداهنّ ليلة ، يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً ، فإذا كنّ أربع وبات عند إحداهنّ طاف عليهنّ في أربع ليال لكلّ منهنّ ليلة ، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض ، وإذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند إحداهنّ ليلة يجب عليه أن يبيت عند الأُخرتين في ليلتين ، ويحقّ له أن يفضّل

(1) النساء 4:19.

احكام المرأة والأسرة 157
  إحداهن على الأُخرى بالليلة الرابعة .
   وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند إحداهما في ليلة لزمه المبيت في ليلة اُخرى عند الاُخرى ، ويحقّ له أن يجعل لإحداهما ثلاث ليال و للثانية ليلة واحدة ، وبعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع وإن شاء شرع فيه على الترتيب المتقدّم.
  4 ـ يختصّ وجوب المبيت على الزوج عند الزوجة الدائمة لا المؤقتة ، سواء كانت المؤقتة واحدة أو أكثر ، والأحوط وجوباً النوم قريباً منها على النحو المتعارف ، وأن يعطيها وجهه بعض الوقت ، ولا يجب عليه مواقعتها في ليلتها بل يكفي المضاجعة معها في الفراش.
  5 ـ يجوز للزوجة أن تهب حقّها في المبيت و تتركه لزوجها إمّا بعوض أو بدون عوض ، وأمّا الزوج فهو مخيّر بين القبول وعدمه ، فإن قبل أن تترك الزوجة المبيت عنده فيحقّ له أن يقضي ليلته فيما يشاء ، ويحقّ لها أن تهب ليلتها لضرّتها ، برضى الزوج ، فيكون حقّ القسم للضرّة إذا قبلت .
  6 ـ لا يثبت حقّ المبيت للزوجة الصغيرة، ولا المجنونة في وقت جنونها ، ولا الناشزة ـ وهي المرأة العاصية لزوجها والتاركة لحقوقه ـ، ولو سافر الزوج أو الزوجة سقط حقّ المبيت وليس له قضاء .
  7 ـ لو تزوّج بالمرأة البكر فيستحب له أن يخصّص لها سبع ليال من أوّل عرسها ، وأمّا إن كانت ثيّباً فيخصّص لها ثلاث ليالي ، تتفضلان بذلك على غيرهما من الزوجات ، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي مع زوجاته السابقات.
  8 ـ لوكان عنده أكثر من زوجة فهو مخيّر أن يبتدىء بأيّ منهنّ شاء في المبيت ، وإن كان الأحوط استحباباً أن يقرع بينهنّ فمن خرجت في القرعة جعل

احكام المرأة والأسرة 158
  الابتداء منها .
  9 ـ تستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق والالتفات إليهن وطلاقة الوجه والمواقعة ، وكذلك يستحب أن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ، أي صاحبة تلك الليلة.

احكام المرأة والأسرة 159
أحكام النشوز والشقاق
  1 ـ النشوز بمعنى الترفّع و منع أداء الحقوق كراهةً، و تارةً يكون من الزوجة ، واُخرى من الزوج.
  فأمّا نشوز الزوجة فيتحقّق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها ، وذلك بعدّة أُمور :
  منها : عدم تمكينه من حقّه في الاستمتاع بها ، ويدخل في عدم التمكين عدم إزالة الأُمور التي تنفّر الزوج عن التمتّع والالتذاذ منها ، وكذلك ترك تنظيف بدنها ، وتزيّنه حسب ما تقتضيه طبيعة الزوج لذلك .
  ومنها أيضاً خروجها من بيتها من دون إذنه ، ولا يتحقّق النشوز بترك غير الواجب عليها كعدم خدمتها في البيت و نحو ذلك.
  وأمّا نشوز الزوج فيتحقّق بمنع الزوجة من حقوقها التي وجبت عليه ، كترك الإنفاق عليها، أو المبيت عندها في ليلتها ، أو هجرها و تركها بالمرّة ، أو إيذائها ومخالفتها دون مبرّر شرعي .
  أمّا لو صارت الزوجة ناشزة ، فهل تسقط حقوقها الواجبة على الزوج أم لا؟
  الجواب: نعم ، فلو منعت الزوج أن يستمتع بها دائماً من دون عذر شرعي فلا تستحقّ النفقة عليه ، سواء خرجت الزوجة من عنده أم كانت معه في البيت ، أمّا لو امتنعت من التمكين في بعض الأحيان بلا عذر شرعي ، أو خرجت من بيتها دون إذنه

احكام المرأة والأسرة 160
  فلا تسقط نفقتها بذلك على الأحوط لزوماً ، وأمّا المهر فلا يسقط استحقاقها له إذا نشزت .
  2 ـ لو نشزت الزوجة سقط حقّها من المبيت و المواقعة كلّ أربعة أشهر ، ويستمر الحال كذلك ما دامت ناشزة وعاصيّة لزوجها ، فلو رجعت وتابت رجعت إليها هذه الحقوق مرّة اُخرى.
  3 ـ إذا عصت الزوجة زوجها وصارت ناشزة فيمكن للزوج أن يرجعها إلى طاعته، وذلك بطرق متعدّدة ، يعمل بها تدريجاً ، فيعظها أوّلا، فإن لم تتعظ هجرها وأدار وجهه عنها في الفراش ، أو ترك النوم معها على فراش واحد إذا كان يشاركها في مضجعها من قبل أن تعصيه ، هذا إذا احتمل أن تعود لطاعته بالهجر .
  فإن لم يؤثّر ذلك أيضاً ضربها إذا كان يأمل رجوعها إلى الطاعة ، ولا يجوز له أن يضربها ضرباً مبرّحاً (1) ، بل يكتفي بأقلّ مقدار يحتمل معه التأثير وحصول الغرض من الضرب ، الذي هو تركها النشوز.
  وإن لم يجد في الضرب القليل فائدة تدرّج فيه الأقوى فالأقوى ، ولا يحقّ له أن يضربها حتّى يخرج الدم من بدنها ، أو يجعله أسود أو أحمر ، ويشترط أن يكون الضرب لإصلاحها لا التشفّي والانتقام منها ، كما يقوم بعض الرجال بضرب الزوجة سخطاً على أهلها أو أقربائها ، لأنّه لا يستطيع أن يصبّ غيظه إلاّ عليها!!!
  ولو ضربها وأدّى إلى إدمائها أو اسوداد بدنها فعليه الغرامة ، كما هو المحدّد في باب الجنايات من نوع الجناية ومقدار الغرامة.
  ولو لم تنفع معها هذه ، الإجراءات جميعاً، وأصرّت على العصيان ، فلا يجوز

(1) الضرب المبرّح: هو الذي يترك الأثر على البدن.

احكام المرأة والأسرة 161
  للزوج أن يتّخذ ضدّها إجراءً آخر ، كأن يهدّدها قائلا : أقتلك أو أقطع لسانك ، أو يعدها بأيّ شيء آخر لا يجوز له فعله ، ويجوز له أن يعدها بما هو جائز له كأن يقول لها : إن لم تطيعي أمري أتزوّج عليك أو أطلّقك ، وكذلك لا يجوز له تهديدها بالفعل ، كفرك إذنها أو جرّ شعرها أو حبسها ، أو غير ذلك من الإجراءات ، نعم يجوز له أن يرفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ليلزمها بما يراه مناسباً له من التعزير وغيره.
  4 ـ إذا نشز الزوج على زوجته ـ بمعنى أنّه منعها من حقوقها الواجبة عليه ـ فيحقّ لها أن تطالبه بذلك وتعظه وتحذّره من تركه حقوقها ، فان لم ينفع فيجوز لها أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ ، ولا يجوز لها أن تهجره أو تضربه أو تعتدي عليه بأيّ نحو كان .
  5 ـ لو امتنع الزوج عن بذل نفقة الزوجة المستحقّة لها ، لا التي لم تستحقّها من قبيل الزوجة العاصية كما مرّ ، وكانت أيضاً تطالبه بها لا أنّها ساكته ، ففي هذه الأحوال يجوز لها أن تأخذ نفقتها من أمواله بدون إذنه ، ويجوز لها أيضاً أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ حتى يجبره على الإنفاق ، فإن لم تتمكّن من رفع أمرها لسبب مّا ـ كما إذا كانت في بلد بعيد عن الحاكم الشرعيّ مثلا ـ واضطرت أن تتخذ وسيلة لتحصيل معاشها لم يجب عليها إطاعته حال اشتغالها و تهيئة معيشتها بنفسها ، وأمّا في غير وقت اشتغالها فالأحوط وجوباً أن لا تترك إطاعته .
  6 ـ إذا امتنع الزوج عن الإنفاق مع قدرته عليه ، فرفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ، أبلغه الحاكم باختيار أحد الأمرين : إما أن ينفق عليها أو يطلّقها ، فإن امتنع عن الأمرين معاً ـ فإن أمكن الإنفاق عليها من ماله ولو ببيع عقاره إذا توقّف الإنفاق عليه ، وإن لم يمكن الإنفاق عليها مطلقاً ولم يمكن إجباره على الطلاق

احكام المرأة والأسرة 162
  وإعطائها النفقة جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك .
  وإذا كان الزوج غير قادر على الإنفاق على زوجته وجب عليه طلاقها إذا لم ترض بالصبر معه بدون نفقة ، فإن لم يفعل فيجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيأمر الزوج بالطلاق ، فإن امتنع وكان إجباره على الطلاق غير ممكن طلّقها الحاكم بنفسه ، ويكون الطلاق في هاتين الحالتين من نوع الطلاق البائن لا الرجعي ، وهذا الحكم شامل لما إذا كان الزوج غائباً عنها أيضاً.
  7 ـ قد نرى بعض الأزواج يمتنعون عن أداء نفقة أزواجهم ، أو يكونون عاجزين عنها ، فيتعمّدون إخفاء محلّ سكونتهم وإقامتهم كي لا يتسنّى للحاكم الشرعيّ أن يتّخذ بشأنهم الإجراءات اللازمة لو رفعت المرأة أمرها إليه ، وحينئذ يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها لو طلبت منه ذلك إذا تعذّر عليه القيام بالإجراءات التي سبق ذكرها من إبلاغه وإجباره وغير ذلك.
  8 ـ تقدّم في المسائل السابقة أنّه لا يجوز للرجل هجر زوجته دون مبرّر شرعيّ ، فلو هجرها بالمرّة فصارت كالمعلّقة لاهي صاحبة زوج ولا هي مطلّقة، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ، فيُلزم الزوج ويخيّره بين الرجوع إليها وترك هجرها ، أو طلاقها لتتمكّن من الزواج من رجل آخر ، فإذا امتنع الزوج عن كلا هذين الأمرين جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك ، وبعد تنفيذ كلّ الإجراءات الشرعيّة حتى حبسه ـ لو أمكن من أجل اجباره على وضع حلّ لهذه المشكلة ـ وفي هذه الحالة يقع الطلاق بائناً أو رجعيّاً حسب اختلاف الموارد ، وتجري هذه الأحكام على الزوج سواء كان باذلا لها نفقتها أو تاركاً ذلك .
  9 ـ إذا كان الزوج غير قادر على العود إلى زوجته لسبب ، كما إذا كان محكوماً عليه بالحبس مدّة طويلة فصارت كالملّعقة بغير اختيار الزوج ، فلا هي صاحبة زوج

احكام المرأة والأسرة 163
  فعلا ولا هي مطلّقة ، ولم ترض بالصبر على هذا الوضع، فيجب على الزوج أن يطلّقها على الأحوط وجوباً ، ولكن لو امتنع وجب عليها الانتظار حتى يفرّج الله تعالى عنه .
  10 ـ إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويظلمها دون مبرر شرعيّ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي لينهاه عن الإيذاء والظلم ، ويأمره بحسن المعاشرة، فإن غيّر أُسلوبه معها ونفعت فيه الموعظة فبها ونعمت ، وإن لم تنفع عزّره وضربه بالمقدار الذي يراه كافياً ، فإن لم ينفع التعزير جاز للمرأة أن تطلب الطلاق من الزوج، فلو امتنع عنه طلّقها الحاكم الشرعيّ.
  11 ـ يجوز للمرأة أن تبذل مالا للزوج أو تتنازل عن بعض حقوقها من المبيت والنفقة لجلب رضاه ، ولكي يسمح لها بالخروج من الدار للنزهة أو زيارة العتبات المقدّسة مثلا ، أو طلبها للعلوم المفيدة أو لقيامها ببعض العبادات المستحبة كصوم المستحب فيما لوكان الزوج مخالفاً لذلك ، أو غيره من الحقوق الغير واجبة عليه، أو كان يحدّث نفسه بطلاقها لأنّه يكرهها ، أو أراد الزواج عليها بمرأة اُخرى، ويحلّ له التصرّف بهذا المال وترك الحقوق التي وهبتها إليه لهذه الأسباب.
  أمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة ، أو آذاها بالضرب أو الشتم أو غير ذلك ، فبذلت له مالا لإرجاع حقّها إليها وترك أذاها ، أو ليطلّقها فتتخلّص من يده فيحرم عليه أخذه ، حتّى لوكان يظلمها لا لغرض حصوله على هذا المال وإلجائها إلى بذله إياه.
  12 ـ لو حصل خلاف شديد وشقاق ومنافرة بين الزوجين فلا يمكن التسرّع في الطلاق ـ الذي هو أبغض حلال عند الله تعالى ـ بل ينبغي التأنّي فيه ومحاولة حلّ المشاكل الزوجيّة بما هو أحسن ، فلو رفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ يقوم الحاكم

احكام المرأة والأسرة 164
  ببعث حكمين ، حكماً من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجة كي يتمّ بواسطتهما الإصلاح ، ورفع الخلافات بما رأياه صالحاً من الفراق أو الجمع بين الزوجين.
  ويجب على الحكمين البحث بدقّة عن حال الزوجين ، والأسباب التي دعت إلى نشوب هذا الخلاف والشقاق بينهما ، وبعد ذلك يسعيان في أمرهما ، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضى به بشرط أن يكون سائغاً وغير محرّم شرعاً ، كما إذا شرطاً على الزوج أن يُسكِن الزوجة في بلد معيّن ، أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها ، أو لا يُسكن معها في الدار أمّه واُخته ، ولو في بيت منفرد ، أو لا تسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك.
  وكذلك يمكن أن يشرطا عليها أن تؤجّل المهر الحالّ (1) إلى مدّة من الزمن ، أو تردّ على الزوج ما أخذته من المهر فيكون قرضاً عليه ونحو ذلك ، فتصحّ جميع هذه الشروط ، بخلاف الشروط المحرّمة من قبيل أن يترك الزوج بعض حقوق الضرّة كالنفقة والمبيت أو غير ذلك.
  13 ـ إذا استقرّ رأي الحكمين على أن يفرّقا بين الزوجين مع الفدية أو بدونها لم ينفذ حكمهما بذلك ، إلاّ إذا كانا قد شرطا على الزوجين ـ حين بعثهما ـ بأنّ الأمر أمرهما ، إن شاءا جمعا ، وإن شاءا فرّقا ، أو أنّهما استأذنا الزوجين في الطلاق وبذل الفدية حينما يريدان ذلك ، وحيث إنّ التفريق لا يتحقق إلاّ بالطّلاق فلابدّ من وقوع الطلاق عند اجتماع شرائطه ، ومنها أن تكون المرأة طاهرة من الحيض ، ولا يواقعها الزوج حال طهرها هذا ، ومنها أن يقع الطّلاق بحضور عدلين وغير ذلك من شرائط الطلاق.

(1) الحالّ: أي الحاضر.

احكام المرأة والأسرة 165
  14 ـ الأحوط وجوباً أن يكون الحكمان من أهل الزوج والزوجة ، فإن لم يكن لهما أهل ، أو لم تكن لهم الأهليّة والقدرة على أن يكون منهم حكم تعيّن الحَكَم من غيرهم ، ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حَكَم واحد بل لو اقتضت المصلحة بعث أكثر من واحد تعيّن .

احكام المرأة والأسرة 166
من يصوّر الجنين في الرحم
  لو فكّرنا قليلا في قدرة الله تعالى على الإنشاء وكيف صوّرنا في الأرحام ، لارتقينا إلى مدارج الكمال.
  والتفكّر من أفضل العبادات التي يثاب الإنسان عليها ، ويعرج من خلالها إلى معارج المعرفة ، ويسبح في غمرات الربانيّين.
  من الذي يصوّر الجنين في رحم أُمّه؟
  هذا السؤال حيّر عقول الفلاسفة والعظماء ، لا سيما ارسطو وتلامذته ومن كان قبلهم وبعدهم ، وقفوا لا يهتدون إلى شيء ولا يجدون حلاّ لهذا اللّغز العظيم ، والكلّ يبدي برأيه ويتحاور مع صاحبه كي يتوصّل إلى الحلّ.
  ولكنّ الجواب لا يتأتّى إلاّ على يد منقذ البشرية ، الذي خاطبه خبر السماء يا محمد(صلى الله عليه وآله): {إِنَّا خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِنْ نُطْفَة أَمْشَاج نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} (1).
  والأمشاج : كناية عن اختلاط النطفة وتداخلها ، فلا الطبيعة المحتاجة ولا كلّ ممكن يقوم بهذا الإنشاء ويصوّر هذا المخلوق في الرحم.
  قال البعض : إنّ الجنين يتصوّر بطبيعته ، وطبيعته هي التي تصوّره ، وبها يتكوّن وينمو ، وقد غفلوا أنَّ المصوَّر والمصوِّر سيكونا شيئاً واحداً ، ولو أمكن ذلك لجاز أن

(1) الانسان 76:2.

احكام المرأة والأسرة 167
  يكون المؤلِّف والمولَّف شيئاً واحد.
  وقال آخر : إنّ في الرحم قالب يصوّر الجنين ، فيقال لهم : هل شاهدتم قطعة من الطين توضع في القالب ثمّ تقذف بعد تسعة أشهر ؟ وهل في البيضة قالب يتصوّر فيه الفرخ ؟ وهل توجد قوالب في أجواف الغنم وأرحام إناثها التي تمّ تشريحها على يد الأخصائيّين؟ هذا إذا قيل بعدم إمكان تشريح رحم المرأة ، الذي صار ممكناً مع تقدّم العلم وتطوّره .
  وقال ثالث : إنّ الجنين بمنزلة النبات.
  ونقول في جوابه : وهل يمكن أن يبقى إذا قطع رأسه ، كما يبقى النبات لو قطعت أُصوله ، أو قُصّرت أغصانه فإنّ ذلك يؤدّي إلى حيويّته .
  وكذلك قالوا : إنّ كلّ عضو يتخلّق من مثيله ، بمعنى أنّ كلّ جزء من أجزاء (الأب) يخرج منه جزءاً شبيهاً له ، ولو صحّ هذا لخرج من الأب الأعمى ولد أعمى مثله ، وهكذا باقي العاهات الموجودة في بدن الأبوين ، وها هو القرآن الكريم يعطي الجواب الفصل بقوله: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الاَْرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1).

(1) آل عمران 3:6.

احكام المرأة والأسرة 168
في أحكام الأولاد والولادة
  1 ـ لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان من سفاح ـ أي من زنا ـ إلاّ فيما إذا خافت الأُمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده ، أو كان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمّل عادةً ، فإنه يجوز لها حينئذ إسقاطه مالم تلج فيه الروح.
  وقد ثبت علميّاً أنّ ولوج الروح في الجنين يتمّ بعد انتهاء الشهر الثالث ، وأمّا بعد ولوج الروح فلا يجوز الإسقاط حتى إذا خافت الاُمّ الضرر على نفسها أو استلزم الحرج على الأحوط وجوباً ، وإذا أسقطت الأُمّ حملها وجبت عليها ديّته لأبيه أو غيره من ورثة الأب، وإن كان الأب هو الجاني والمسقط للجنين كانت ديّته لأُمّه ، وإن أسقطه غير الأبوين كالطبيب لزمته الديّة لهما وإن كان الإسقاط بطلبهما ، ولمستحقّها العفو عنها (1).
  2 ـ يكفي في ديّة الحمل بعد ولوج الروح فيه دفع خمسة آلاف ومائتين وخمسين مثقالا من الفضة إن كان ذكراً، ونصف ذلك إن كان اُنثى ، سواء كان موته بعد خروجه حيّاً أم مات في بطن اُمّه على الأحوط وجوباً ويكفي في ديّته قبل ولوج الروح فيه دفع مائة وخمسة مثاقيل إن كان علقة ، وثلاثمائة وخمسة عشر مثقالا إن كان مضغة ، وأربعمائة وعشرين مثقالا إن كانت قد بنيت له العظام ، وخمسمائة وخمسة وعشرين مثقالا إن كان تامّ الأعضاء والجوارح ، ولا فرق في ذلك بين الذكر

(1) أي يحقّ لهما أن يعفوا عن الطبيب أو غيره ممّن أسقط الجنين.

احكام المرأة والأسرة 169
  والاُنثى على الأحوط وجوباً (1).
  3 ـ يجوز للمرأة استعمال مايمنع الحمل من العقاقير المعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، بلا فرق في ذلك بين رضى الزوج وعدمه .

في أحكام الولادة وما يلحقها
  للولادة والمولود سنن وآداب بعضها واجبة وبعضها مستحبة ، وأهمها مايلي :
  1 ـ ينبغي مساعدة المرأة عند ولادتها بل يجب ذلك كفاية ، بمعنى أنّه إذا قام به شخص سقط عن الآخرين ، هذا إذا خيف على المرأة أو على جنينها من التلف ، أو ما بحكمه ، كالضرر الذي يلحق بأحدهما نتيجة عدم مساعدة المرأة ، ولو توقّفت ولادة المرأة على النظر أو اللمس المحرّمين على الرجال الأجانب لزم أن يتكفّلها الزوج ، أو النساء ، أو محارمها من الرجال.
  ولو توقّفت الولادة على النظر أو اللمس من غير الزوج وكان متمكّناً من توليدها من دون عسر ولا حرج فلا يبعد تعيّن اختياره ، إلاّ أن تكون القابلة أرفق بحالها ، فيجوز للمرأة حينئذ أن تختار القابلة كي تولّدها ، هذا في حال الاختيار ، أمّا في حال الاضطرار فيجوز أن يولّدها الأجنبي ، بل قد يجب ذلك ، نعم لا بدّ معه من الاقتصار في كلّ من اللمس والنظر على مقدار الضرورة ، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها .
  2 ـ يستحب غسل المولود عند وضعه ، مع الأمن عليه من الضرر ، والأذان في أُذنه اليمنى والإقامة في اليسرى ، فإنّه عصمة من الشيطان الرجيم كما ورد في الخبر ، ويستحب أيضاً تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين (عليه السلام) ، والتحنيك هو : أن يدلك

(1) والجنس الذي يعطى فيه الديّة يكون فضّة في جميع مقاديره.

احكام المرأة والأسرة 170
  بهما حنك الوليد أي باطن أسفل الفم من الداخل (1).
  وجاء عن الكليني عن أبي جعفر(عليه السلام): " حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين (عليه السلام)، فإن لم يكن فبماء السماء" (2).
استحباب تسمية الوليد
  من الأُمور التي أكد عليها أهل بيت الرحمة (عليهم الصلاة والسلام) في كلماتهم هو تسمية الوليد لما في ذلك أثر على شخصيته ، فقد ورد استحباب التسمية قبل أن يولد الطفل ، وإن لم يسمّه قبل الولادة سمّاه بعدها ، حتّى إن كان الوليد سقطاً ، وإن اشتبه أنّه ذكر أو اثنى فيختار له اسماً مشتركاً ، وفي هذا الباب جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : " سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا ، فإن لم تدروا أذكر أم اُنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والاُنثى ، فإنّ أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم يقول السقط لأبيه : ألاّ سمّيتني وقد سمّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) محسناً قبل أن يولد " ؟ (3)
  3 ـ يستحب تسمية الوليد بالأسماء المستحسنة ، فإنّ ذلك من حق الولد على والده ، وفي الخبر : " إنّ أصدق الأسماء ما يتضمّن العبودية لله جلّ شأنه (4)، وأفضلها

(1) حنكت لسان الصبي وحنّكته، إذا مضَغتَ تمراً أو غيره ثمّ دلكته بحنكه، الصحاح 4:1581 "حنَكَ".
(2) وسائل الشيعة 21:407، الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة 21:387، الحديث 1.
(4) المقصود ما يكون نحو: عبدالله وعبدالرحيم وعبدالكريم.

احكام المرأة والأسرة 171
  أسماء الأنبياء " (1) صلوات الله عليهم ، وكذا أسماء الأئمة (عليهم السلام) ، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ أحدهم بأسمي فقد جفاني " (2).
  وجاء عن أبي هارون مولى آل جعدة قال : كنت جليساً لأبي عبدالله (عليه السلام) بالمدينة ، ففقدني أيّاماً ، ثم إنّي جئتُ إليه فقال : " لم أرك منذ أيام يا أبا هارون " ؟ فقلت : وُلد لي غلام ، فقال : " بارك الله لك ، فما سمّيته " ؟ قلت : سمّيته محمّداً ، فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول : " محمّد محمّد محمّد " ، حتّى كادّ يلصق خدّه بالأرض ، ثمّ قال : " بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ ، وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لا تسبّه ، ولا تضربه ، ولا تسىء إليه ، وأعلم أنّه ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد الاّ وهي تقدَّس كلّ يوم " (3).
  ولا يخفى تكريم الله تعالى لاسم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقد روي أيضاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " ما من قوم كانت لهم مشورة فحضرها من إسمه محمّد أو أحمد فأدخلُوه في مشورتهم إلاّ كان خيراً لهم (4)".
  وكذلك ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) استحباب التسمية بعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، ونهي عن ضرب وسب البنت التي سميّت بفاطمة .
  كما وجاء عنهم (عليهم السلام) استحباب تغيير اسم الولد أو البنت إن لم يكونا

(1) وسائل الشيعة 21:391، الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة 21:393، الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة 21:393، الحديث 4.
(4) وسائل الشيعة 21:392، الحديث 8.

احكام المرأة والأسرة 172
  حسنين (1).
  4 ـ يكره أن يكنّى الوليد (أباالقاسم) إذا كان اسمه محمّد (2) ، كما يكره تسميته بأسماء أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم (3).
  5 ـ يستحب أن يحلق رأس الوليد (الذكر) في اليوم السابع من عمره ، وأن يتصدّق بوزنه ذهباً أو فضّة ، ويكره أن يحلق موضعاً ويترك موضعاً .

استحباب الوليمة
  جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " لا وليمة إلاّ في خمس : في عُرس ، أو خُرس ، أو عِذار ، أو وِكار ، أو ركاز .
   فالعُرس التزويج ، والخُرس النُفاس بالولد ، والعِذار الختان ، والوِكار الرجل يشتري الدّار ، والرّكاز الرجل يقدم من مكّة "(4).
  6 ـ تستحب الوليمة عند الولادة ، وهي إحدى الخمس التي سُنَّ فيها الوليمة، كما أن إحداها عند الختان ، ولا يعتبر في وليمة الوليد إيقاعها في يوم الولادة ، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل ، والظاهر أنّه إن ختن في اليوم السابع فأولم (أي عمل وليمةً) في يوم الختان بقصدهما ـ أي الولادة والختان ـ تتأدّى السنّة.

أحكام الختان
  7 ـ الختان واجب لنفسه ، أي ليس واجباً لغيره ، كالوضوء الذي يجب للصلاة

(1) وسائل الشيعة 21:388، الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة 21:4، الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة 21:398 الحديث 4.
(4) وسائل الشيعة 20:95، الحديث 5.

احكام المرأة والأسرة 173
  وغير ذلك ، ولكنّه شرط في صحة الطواف ، واجباً كان أم مندوباً ، عدا طواف الصبيّ غير المميّز الذي يطوّفه وليّه .
  ولا فرق في الطواف الواجب بين ماكان جزءاً لحجّ أو عمرة ، واجبين أو مندوبين ، وليس الختان شرطاً في صحة الصلاة فضلا عن سائر العبادات.
  8 ـ لا بأس أن يكون الختّان كافراً حربيّاً أو ذميّاً، فلا يعتبر فيه الإسلام.
  9 ـ لو ولد الصبيّ مختوناً سقط الختان عنه وإن استحب إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السنّة.
  10 ـ يستحب للولي أن يختن الصبيّ في اليوم السابع من ولادته، ولا بأس بتأخيره عنه ، ويجوز له أن يترك ختانه حتى يبلغ ، ولكن الأحوط استحباباً عدم تأخيره حتّى البلوغ ، وإذا لم يُختَن الصبيّ حتى بلغ وجب عليه أن يختن نفسه ـ بمعنى أنّه يذهب إلى الختّان كي يختنه ، لا أن يختن نفسه بنفسه ـ حتّى الكافر إذا أسلم وهو غير مختون فيجب عليه الختان وإن طعن في السنّ مالم يتضرّر به .

كلام في الختان
  ليس الختان سنّة إسلامية فحسب ، بل هو من سوابق عقائد اليهود كما دلّ على ذلك كتابهم المقدّس ، فالقاعدة الأساسيّة في التوراة هي وجوب الختان لكلّ مولود ذكر يهوديّ في يومه الثامن ، وحملت هذه القاعدة في طياتها عدّة مشاكل :
  أوّلها : تعيين مَن هو اليهودي ؟
  والثانية : هل يختن الذكر إذا وقع موعد الختان يوم السبت ؟
  والثالثة : هل يمكن تأخير الختان أو تركه في حالة المرض والخوف من خطر

احكام المرأة والأسرة 174
  الموت ؟
  فأمّا من هو اليهوديّ حسب التعاليم اليهودية؟ فجوابه : إنّه من ولد من أُمّ يهوديّة ، مهما كان دين والده ، وإذا أصبحت الأُمّ يهوديّة قبل ميلاد الطفل ـ وإن كان في زمن الحمل ـ فإنّ طفلها يصبح يهوديّاً بالتبعيّة ، أمّا إذا أصبحت يهوديّة بعد ولادته فيجب أن يحوّل الطفل يهوديّاً قبل أن يختن .
  وقد كان هناك جدل عام 1864م في " نيو أورليانز" حول ختان أطفال من أب يهوديّ وأُمّ غير يهوديّة، وقد قرّر أحد الحاخامات اليهود وأيّده على ذلك الحاخامات الاوربيون ، إلاّ أن الحاخام " تسفي هيرش كاليشرى " أيّد ختان الأطفال غير اليهود عموماً ، والأطفال من أب يهوديّ خاصة ، لأنّ التوراة في رأيه لجميع البشريّة ، وقد خصّ بها اليهود قديماً بسبب حالة الشعوب في ذلك الوقت ، وعليه فيجب إجراء كلّ ما يمكن أن يشجّع الآخرين لقبول التوراة ، وبما أنّ الختان على كبر قد يكون مانعاً لتحوّل البالغين لليهوديّة ، لذلك ينصح بإجرائه على الأطفال الذين كانوا من أب يهوديّ ، إذ أنّهم من بذر يهوديّ ، وهكذا يسهل عليهم التحوّل إلى اليهوديّة عندما يكبرون (1).

سِنّ الختان ويوم السبت
  أمّا سِنّ الختان عند اليهود فقد ذهبوا إلى أنّه في اليوم الثامن كما في التوراة ، فإذا تمّ الختان في اليوم السابع بدلا من اليوم الثامن لا يعتبر ختاناً ، بل جرحاً كغيره من الجروح ، والخاتن يأثم ، ولو غلط الأب فختن أحد طفليه في التاريخ المحددّ

(1) ختان الذكور والإناث: 142.

احكام المرأة والأسرة 175
  لختن الثاني ، أي ختن الطفل الثاني يوم السبت وختن الأوّل قبله أو بعده ، يأثم ويجب عليه إعطاء الكفّارة.
  وكانت شريعة اليهود تقدّس يوم السبت وتحتّرمه ، وتعاقب من يستبيح حرمته بالقتل ، وكما مر في ختن الأطفال الأحرار عند اليهود كذلك فرض على اليهوديّ أن يختن عبيده ، وكانت العادة أنّهم يختنوهم عند شرائهم ، ولكن لا يمكن ختانهم يوم السبت إذ أنّ للسبت حرمة لا تخرق .
  ولا يسمح بالختان إلاّ لطفل يكون يومه الثامن يوم السبت.
  وأمّا المسيحيّون فقد رفضوا سنّة الختان التي ورثت من اليهود ، رغم أنّ بعضهم كان يمارسها!! ولكن رفضهم للختان لا ينطلق من دليل منطقي كاحترام الجسد وعدم إيصال الأذى إليه ، كما يتصوّر البعض من كون الختان جرحاً مضرّاً لطفل برىء ، غافلين عن الفوائد الصحيّة والأثار الإيجابيّة التي تترتّب عليه ، بل ألغوه عن منطق لاهوتي سياسي (كي يجذبوا الوثنين للدخول في الدين الجديد) ، ومن العجيب أنّ المسيح الذين رفضوا الختان آمنوا ببتر الأعضاء وإخصاء الذكر.
  فتروي الاُسطورة المسيحيّة أن " أتيس " عشيق أحد الآلهة قد بتر أعضاءه الجنسيّة في حمية الشوق ، ومات من نزيف الدم تحت شجرة ، وكلّ من يريد أن يصبح خادماً لـ (سيبيل) وهو أحد الآلهة كان عليه أن يبتر أعضاءه الجنسيّة مثل عشيقها ضمن احتفالات دينيّة صاخبة، ويرميها على جموع الحاضرين!!
  ومع إنكار المسيح للختان فإنّهم يحتفلون باليوم الأوّل من السنة لذكرى اليوم الثامن من ميلاد المسيح ، وهو يوم ختانه ، ولتكريم العذراء مريم (عليه السلام) ، ولا يعرف دقيقاً تاريخ دخول هذا الحدث في شعائرهم ، وأوّل من ذكره هو المجمع الذي عقد