بحوث رمضانية

فـوائد الصـوم

  ينبغي للمتمسك بالنظام أن يدرك مدى مصلحة التشريع ويركز مخيلته في إطار ذلك القانون من حيث احتوائه على مصالح أوجبت عليه أن يلبي النداء التشريعي وهو قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) 2/ 183، وفوائده جمة كالناحية البيولوجية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
  إلا فانظر إلى تأثير الجوع في نفسية الصائم أو الظمأ يتذكر حالة المسكين المتسكع في الطرقات عندما يطلب القرض لسد رمقه أو لعائلته فيورث في نفسية الصائم العطف والحنو على الضعفاء والمساكين ومتى ما يكون في نفسيته ذلك سار العالم في ركاب الرحمة وأصبح الجميع عضواً واحداً يتحسس الفرد بأحاسيس المجتمع يرشدك إلى المساواة والعدالة بين الغني والفقير حتى يشعر الفقير بعدم الطبقية ولا اختصاص للغني على الفقير فيحمل طابع الجوع كما يحمله المسكين ولذا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحمل حجر المجاعة على بطنه للمواساة وورد في الفقيه 167 رقم 1 عن الإمام الصادق ( عليه وسلم ) قال: إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك أن الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزوجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني نيل الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع.
  ويتم فيه كف الجوارح بستة أمور:
  1 ـ غض البصر كما جاء في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها خوفاً من الله أتاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه.
  2 ـ حفظ اللسان من الكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء وجاء في قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنما الصوم جنة ـ أي سترة ـ فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل وإن أمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل أني صائم.
  3 ـ كف السمع عن الإصغاء إلى ما حرمه الله كما في قوله تعالى: (سماعون للكذب أكالون للسحت) المائدة/ 42.
  4 ـ كف سائر الجوارح من اليد والرجل والبطن عن الشبهات وقت الإفطار وجاء عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ؟ قيل هو الذي يفطر على الحرام وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الأثام.
  5 ـ أن لا يستكثر من الحلال وقت الإفطار حتى يمتلئ بطنه، وذكر المولى محسن الكاشاني في المحجة ص134 ج2 فما من وعاء أبغض إلى الله من بطن مليء من حلال وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة.
  6 ـ أن يقع قلبه بعد الإفطار بين الخوف والرجاء حيث لا يعلم هل يقبل عمله أم لا ، وبوجود الصوم ترتفع العادات ويظهر لك أن الحياة ليست مستقيمة على منهج واحد ومنوال واحد ووتيرة واحدة وإنما تختلف بحسب الأزمان والحالات وتعطي لوناً من الألوان بين كل لحظة من لحظاتها.
  ومن جملة الحكم والفوائد تقوية الارادة فقد وضع (جيهاردت) الألماني كتاباً في تقوية الإرادة وجعل أساسه الصوم وذهب فيه إلى أن الصوم هو الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد.
  ما أحلى هذا التعبير وأجمل البيان الذي جعل أساس تقوية الإرادة هو الصوم لأنه عندما نشاهد الصائم وقد انطلق المدفع الفاصل بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر تتوجه نفسه إلى العزم على ترك الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات بنحو الإرسال والماهية المهملة لا بنحو التقييد بالالتفات إلى خصوصيات المفطرات وعند مجيء الظهر أو بعده يأتي الصائم، وقد آلمه الجوع أو العطش وقد نظر إلى تلك الأواني ـ أو إلى ذلك القد المليء ماءً بارداً قد حيل بينه وبينه بالحاجز الفولاذي يقول في نفسه وقرارة ضميره أني لو أعطيت الدنيا ما قطعت هذه العصمة والعمل الذي سوف يكون ذخراً لآخرتي هكذا تتردد في نفسية الصائم وتصبح لديه ملكة الصبر والثبات والضبط النفساني.
  فمرحباً بهذا الشعور النبيل وإجلالاً لهذا الإيمان الصادق وبشرى له على عمله حيث طوق العادة وحدد الغرائز وجعلها في اتجاه معتدل لأن غريزة العطش والجوع والمقاربة ونحوها إذا لم تكن في مقاييس الموازنة قد تأخذ طريق الطموح والإفراد إلا أن ملكة الصبر الناشئة من الصوم تقلص هذا النشاط وتجعله في خط متوازي.
  والصبر حقيقته ضبط النفس نحو اللذائذ الجسمية والنفسية من الانفعالات والعواطف ومسألة الضبط النفسي تعرض إليها علماء النفس والأخلاق بكونه يوجب الاعتدال في الاتجاه الجسمي والنفسي ويجعل الانسان سيد نفسه غير خاضع للشهوات الطامحة، ولضبط النفس اتجاهات كما يلي:
  1 ـ تحديد الغضب.
  2 ـ ضبطها في دور السخط والانقباض.
  3 ـ ضبطها عن الاسترسال في الشهوات.
  4 ـ ضبطها في الفكر فلا تجعله في متاهة الفكر وتجواله ويكون الصوم المقياس الأساسي لتطبيق هذه المجالات التي يكون منها المنطلق إلى الميادين الأخرى.
  من الفوائد المترتبة على الصوم الناحية الصحية التي منها عدة فروض:
  1 ـ اضطرابات الأمعاء المزمنة المصحوبة بتخمر في المواد الزلالية والنشوية لأنه بوجود الصيام وعدم شرب الماء بين كل أكلة وأخرى ولا سيما الفاصلة الطويلة حتى يمكن للطعام من تكوّن حالة التخمير.
  2 ـ قلة الوزن في الجسم، وقال الدكتور برنن: ان الصيام يقلل الوزن.
  3 ـ معالجة البول السكري لأن السكر يقل وزنه بعد الأكل لظرفية خمس ساعات ولعله أهم من تأثير الدواء ( الأنسولين ).
  4 ـ دفع التورم في الجدار القلبي.
  5 ـ دفع تورم الكلى.
  6 ـ دفع التهاب المفاصل ويكون الصيام دافعاً لهذه الحالات.
  وتوجد أحكام استثنائية تخرج بعض الأفراد عن الصوم كالشيخ الكبير والشيخة المسنة وكثير العطش والمرأة المرضع والحامل حيث يسبب ضعف الجنين فقد أوجب عليهم الإفطار حفظاً لنفوسهم ورعاية لأبدانهم وسلامة لأجسادهم لأن النظام القرآني مبني على الرحمة والعطف ويأتي بالتكليف حسب طاقته ومقدار استطاعته وليس مبنياً على الجبر والقهر ولو كان مضطراً فإنه خلاف الحكمة .

basrahcity.net basrahcity@basrahcity.net