(شاعر واديب)
الشيخ عبد الكريم نجل الشيخ حسين آل فرج الله الاسدي ، سيرة وعطاء
عبد الخالق الشيخ عبد الكريم آل فرج الله



بسم الله الرحمن الرحيم

  (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبدُوا إلا إيَّاه وَبالوالدَيْنِ إحِسَانا إما يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكبرِ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهَمَا فلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهمَا قَولاْ كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَاني صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بما فِي نُفُوسِكُمْ إن تَكُونُوا صَالِحينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) سورة الإسراء : 23 - 25
  صدق الله العلي العظيم

الإهداء

  .إلى سيّدي ومولاي رسول الله و آله الطيبين الأطهار (ع) ...
  الى الذي قرن الله طاعتَه بطاعتِهما، إليكَ يا من وضعتَ أوّلَ خطوةٍ من خُطايَ على الطريق الذي ينبغي أنْ أمشي عليه، إليكَ يا مَنْ تَدَفَّقَتْ منكَ عَبقاتُ الهدايةِ الربانيةِ ...
  إلى التي وقفتْ مَعَكَ مِنْ أجلِ أنْ تخترقَ حُجُبَ الظلامِ لتُنيرَ لكَ وَلَنا شعابَ الحياةِ الزائلةِ المُزدحمةِ في مسارِها، فاقْتَحَمَتْ وأتعبتْ نفَسها من أجلِ أن تُعَبّدَ الطريقَ أمامَنا، وتفتحَ آفاقَ المستقبلِ، إلى أُمي ... الدفء والحنان ...
  إليكَ يا بْصمَةَ الوفاءِ، يا والدي، وإليكِ يا نفحةَ الحنانِ، يا أُمي، أهديكُما نسماتي الدافئة ...
  إلى أخَوَيَّ اللَذَين ضحّيا بنفسيهما ، إرضاءً لخالقِهِمِا، وإحياءً لدينهما، إليكُما يا من قُتِلْتُما صبْراً بيدِ الجلاّدِ وحزبِه البغيض.
  سلامٌ عليكمْ جميعاً مني ما بقيتُ وبقي الليلُ والنهار ، وتقبلوا مني هديتي ...
  إلى الشجرة التي أنتمي إليها، إلى أُسرتي التي عُرفتُ بها ، إلى أهلي وإخوتي آل فرج الله جميعاً.
  تقبّلوا مني هذا الجهد اليسير ، رابطة وعُرى لا تنفصم ...

مقدّمة المركز

  الحَمْدُ للهِ المَلَكِ الدَّيَّانِ، المُتطاولِ المنّانِ، الّذي مَنَّ علينا بخيرِ الأنامِ محمّدٍ، وآلِهِ الطيِّبينَ الكرامِ، ساسةِ الخَلْقِ، والأدلّاءِ على الحقِّ، منارِ الدِّينِ وأعلامِ المتقّين ، وسلسلةِ المجدِ وكوثرِ الكَرَم . وبعدُ :
  فمِنَ الثّابتِ المعلومِ أنّ للعلمِ والعلماءِ الدَّوْرَ الكبيرَ في حياةِ الأُمم والشُّعوب، فبهما تتقدّمُ عجلةُ الحياة، وتزدهرُ البُلدانُ والشّعوبُ، وتصمدُ أمامَ المؤامراتِ والتّحدِّياتِ، ورياح الفتن والأخطار العاصفة ، لذلك كانَ طَلَبُ العِلْمِ أوّلَ أمْرٍ يطلبُهُ الله تبارك وتعالى مِنْ نبيِّه الكريم (ص) بعد تكليفه بالرِّسالة والنّبوَّة، فقال ـ عزّ مِن قائلٍ ـ : (اقْرَأْ باِسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ * خَلَقَ الانِسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الذَّي عَلَّمَ بالقَلَمِ عَلَّمَ الانْسانَ مَا لم يَعْلَمْ) (1) ، وقدْ جاء الحثُّ الكثيُر في الّشريعة الإسلاميّة على طلبِ العلمِ، وبيانُ فضلِ طالبه في آياتٍ ورواياتٍ كثيرةٍ ومستفيضةٍ، وكفى بالعلمِ فضلاً وشرفاً أنْ جعَلَهُ الباري (عزوجل) ميزاناً للتّفاضل والرِّفعة عندهُ، فقال : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنما يَتَذَكَّرُ أُولُو الْألْبَاب) (2) ، بل إنّ فَضْلَ العلماءِ ومنزلتهم فاقَتْ كثيراً ممّنْ خلق الله (عزوجل) من ملائكةٍ وجنٍّ وإنسٍ، إلّا النّبيّينَ والمرسلينَ، كما جاء في الحديث القدسيِّ ، إذْ يقولُ الباري (عزوجل) لعيسى بن مريم (ع) : ( عظِّمْ العلماءَ، واعرفْ فضلَهُم، فإني فَضَّلتُهم على جميعِ خلقِي، إلّا النّبيّينَ والمُرسلينَ، كفضلِ الشَّمسِ على الكواكب، وكفضْلِ الآخرةِ على الدُّنيا، وكفضِيل على كلِّ شيءٍ ) (3)
  فحَرِيٌّ بكلِّ أمّةٍ واعيةٍ أنْ تستعرضَ وتعرفَ حياةَ علمائها وعظمائها، وتتعرَّفها ، إذْ هُم تراثُها العريق وحضارتُها المشرقةُ، وقادتُها في الخير والإصلاح، الّذينَ تُقتَبَسُ آثارُهُم، ويُهتدى بأفعالِهم ، مِنْ هنا عمل (مركز تراث البصرة) التّابع لقسم شؤون المعارف الإسلاميّة والإنسانيّة في العتبة العبّاسيّة المقدّسة على إصدار سلسلةٍ تُعنى بإحياء تراث علماء مدينة البصرة المعطاء وإبراز سِيرهِم ، إيماناً منه بأهمِّيّة دورِ العلماءِ الرِّياديِّ في إرشادِ الأمّة إلى الصّلاح والفلاح وتوعيتها، وإنماء الحركة العلميّة والتّراث العلميّ والحضاريّ للبلد والإسلام، فجاءتْ هذه السِّلسلة بعنوان (سلسلةُ أعلام بصريّة) ، من خلال العملِ على دراسةِ حياتهم وآثارهم وتدوينها، أو إعادة طباعةِ آثارِهم ونشرِها، بعدَ إضفاءِ ما يلزمُها منْ ضبْطٍ وتدقيقٍ وتبويبٍ وترتيبٍ، فأتَى كتابُنا هذا متساوقاً معَ تلكُم السِّلسلة، مع ملاحظةِ أنّ الكتابَ كانَ قدْ طُبِعَ سلفاً ـ وبنُسخٍ محدودةٍ ـ طباعةً محلّيّةً، تفتقرُ إلى الإخراج والتّنظيم، اللّذينِ يشدّانِ القارئَ إلى تلقّفهِ وقراءتهِ، وكانَ عنوانُهُ (هكذا عرفتُ أبي(، فارتأينا تغيير اسمه، انسجاماً مع عناوين هذه السّلسلة التي تقدّمتْ باسم أعلامِها كـ (الخليل بن أحمد الفراهيديّ، وأبو الأسود الدّؤليُّ، ويزيد بن مسعود النهّشليُّ، غيرها) ، أو باسمِ أُسرِهم كـ ( أعلام آل المظفّر في البصرة(، ليكونَ عنوانُهُ الجديد (الشّيخ عبد الكريم نجلُ الشّيخ حسين آل فرج الله الأسديّ، سيرةٌ وعطاءٌ) . وقدْ كانَ عملُنا في الكتابِ قائماً على مراجعة الكتابِ، وتدقيقِهِ وضبْطِهِ، وتنقيحِ بعض وثائقه المخطوطة، ونحنُ في جميعِ ذلكَ تقصّينا مراجعةَ المؤلِّفِ الكريمِ بكلِّ ما طرأ على الكتابِ منْ حذفٍ، أو إضافةٍ، أو ترتيبٍ، أو تبويبٍ لهيكليّةِ الفُصُول ومطالبها، أو تأخيرٍ، أو تقديمٍ، حسب ما تقتضيه منهجيّةُ البحث والكتاب، وقدْ بذلنا ـ أيضاً ـ قصارى الجهُدِ في إخراجِهِ وتصميمِ ملحقاته منْ صورٍ ومخطوطاتٍ ووثائقَ ومشجّرات نسبيّة لأسُرة آل فرج الله، فنأمل أنْ نكونَ ـ بذلك ـ قدْ قدَّمنا الصُّورة اللائقة والمطلوبة مِنْ تراثِ مدينتنا .
  وأخيراً : نسألُ اللهَ تعالى أنْ يتقبَّل منّا هذا الجُهْدَ، وأنْ يتغمَّدَ المرحومَ المترجَمَ لهُ بواسعِ رحمتِهِ، إنّهُ أرحمُ الرّاحمينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العَالمينَ.

المقدّمة

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه، الداعي إلى حقه، محمد المصطفى، وعلى آله الهداة الطيبين الطاهرين . (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (4) .
  إن عملية الانتماء تشكل الأساس للاستقرار لكل فصيلة من فصائل الخليقة ، إذ ما من كائن إلا وهو يستند إلى مظهر من مظاهر الانتماء، وإن أوضح مظاهر الانتماء تتمثل في المجتمع الإنساني ، إذ يجد كل إنسان في عملية الانتماء إلى قوم أو إلى عشيرة أو أسرة أو جمعية أو حزب معين أنه قد أحرز مركزاً لوجوده وضماناً لحقه .
  إلا أن خير الانتماءات، وأقواها مركزاً، وأشدها ركناً، هو الانتماء إلى الله (عزوجل) ، وذلك بالانتماء إلى رسالته الغراء، رسالة الإصلاح والتغيير الاجتماعي، التي لا تتحرك إلا بالعلم والمعرفة .
  ولا يتم ذلك إلا بالانتماء إلى مدرسة أهل البيت . العلمية، التي من أهدافها الرئيسية تنمية العقيدة وبناء الفكر، وإعداد الشخصية العلمية المتحركة في واقع الأمة باتجاه التربية والتغيير، لذا، فإن كلمة الانتماء تختزن في أعماقها مدلولين كبيرين يرتبطان بأجلى الصفات الهامة في الشخصية الإسلامية القيادية ذات الانتماء إلى هذه المؤسسة العلمية، وهما :
  أولاً : القوة، أي : قوة الشخصية وهيبتها ، لأن الإنسان الذي ينتمي إلى هذه المدرسة العلمية إنما ينتمي إلى رحبة من رحاب الله (عزوجل) ، ويتمسك بعروة من عرى رسالته الوثيقة، ويستند إلى ركن من أركان دينه الحنيف، فيستمد منه موقعه وهيبته، ويستلهم منه قوته وحركته، وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين علي . قوله: «إذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلِّ معصية الله إلى عز طاعته، فإنه يجد ذالك كله) (5) .
  ومن أصدق مصاديق هذه العزة والهيبة هي في شخصية العالم، الذي من مستلزمات علمه أنه لا يهاب ولا يخشى إلا الله (عزوجل) ) : ( ... إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ... ) (6) ، وقال رسول الله (ص) : (العالم إذا أراد بعلمه وجه الله تعالى هابه كل شيء، وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هابَ من كل شيء) (7).
  ثانياً : المسؤولية، بمعنى : كون الإنسان مسؤولاً بحكم هذا الموقع وبحكم انتمائه إلى هذا المؤسسة العلمية عن أن يتحرك بهذه الرسالة في نفسه وفي أسرته وفي الأمة، وأن يكون أميناً على ما استودعه الله . واستحفظه من أمانة العقل والتبصرة والفهم، معطاءً باذلاً في الناس الخير والعلم .
  قال رسول الله (ص) : (علماء هذه الأمة رجلان : رجل آتاه الله علماً فطلب به وجه الله والدار الآخرة، وبذله للناس، ولم يأخذ عليه طمعاً، ولم يشتر به ثمناً قليلاً، فذلك يستغفر له من في البحور ودوابُّ البر والبحر والطيرُ في جو السماء، ويقدمُ على الله سيداً شريفاً، ورجل آتاه الله علماً فبخل به على عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، واشترى به ثمناً قليلاً، فذلك يُلجم يوم القيامة بلجام من نار) (8) .
  لذا، لا يستطيع كاتبٌ أو محققٌ أن يعطي التقييم الحقيقي لمستوى هذا الرجل أو ذاك من خلال نظرة أو عشيرة معينة، ولا يستطيع أحد أن يعطي رجل العلم حقه من الثناء والإطراء كما أعطى القرآن له ذلك الحق بقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إلهَ إلِا هُوَ وَالَملائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحكيمُ) (9).
  ولا تكتمل شخصية رجل العلم إلا بأن يكون صاحب رأي ووفاء لرسالة العلم، وأن يعيش في نفسه لا في نفس غيره، وأن يستقلَّ بشخصيته لا في شخصية غيره، فيما يفكر ويعتقد ويؤمن ويعمل .
  وهذه هي قوة الرجل، وهذا هو رجل القوة الذي هو أحوج ما تكون إليه الأمة في كل زمان، من أجل صنع حياتها ومستقبلها وحضارتها، ولذلك، سعت الأنظمةُ العميلةُ التي تعاقبت على هذا البلد ومنها النظام العفلقي الصدامي إلى إعلان الحرب على هكذا رجولة، والانقضاض عليها، وتقييد حركتها؛ للقضاء عليها وعلى كل معانيها .
  ولكن، أثبتت هذه الرجولة جدارتها وكفاءتها في مواجهة المحنة، بقوة الإرادة وصلابة الموقف، من خلال التحامها بدوام الذكر لله .، والانقطاع لطاعته تارة، ومن خلال الصبر والإنابة إليه تعالى في الشدة والرخاء تارة أخرى .
  لذا، فليس من باب الاعتباط أو الترف الذهني أو إملاء بعض الوقت أو إظهار بعض الإبداعات الشعرية والنثرية الحديث عن هذه الشخصية والفكرية على مستوياتها كافة، وإنما من باب الاستلهام والاستفادة من هذا الموقف أو ذلك التاريخ من ناحية، ليكون مصدر تموين للفكر، وعاملَ دفع للسلوك التكاملي في الحياة من ناحية أخرى، لما لهؤلاء الرجال من حق التكريم والإجلال والثناء، قال الإمام علي (ع) : (من وقَّر عالماً، فقد وقَّر ربه) (10) .
  ولقد تفتحت مداركي على عدد من الشخصيات العلمية تتصدر أسرة آل فرج الله، كالشيخ محمد أمين الشيخ درويش، والشيخ حسن الشيخ محمد، والشيخ إبراهيم الشيخ مالك، والشيخ فرج الله الشيخ حسن، والشهيد الشيخ عبد الرحيم الشيخ حسين، والشيخ حبيب الشيخ ضايف، والشهيد الشيخ عبد الحسن الشيخ فرج، والشهيد الشيخ محمد جواد الشيخ محمد، والشهيد الشيخ عبد الجبار الشيخ مرتضى، وغيرهم ممن لا يسعني حصرهم في هذه العجالة، فقد كنت أقرأ من خلال هؤلاء ومن خلال أحاديثهم عن مآثر الآباء والأجداد، وجوداً وموروثاً عريقاً لهذه الأسرة، ممن شهد تاريخنا مواقفهم وحركتهم المعطاءة لرسالة الإسلام، فمنهم من وافاه الأجل المحتوم، ومنهم من قضى على مذبح الشهادة من أجل إعلاء كلمة الله . في الأمة.
  ومن ضمن الذين فتحت عيني على وجودهم، هو سماحة العمّ، الحجة، المُعظّم، الشيخ عبد الكريم الشيخ حسين آل فرج الله (عز وجل) ، المولود في سنة (1325 هـ) ، والمتوفى مهاجراً إبان الانتفاضة الشعبانية في (1991 م) ، إذ كانت تلك الانتفاضة محط آماله بسقوط الطاغية صدام ، إذ كنت أسمع عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة (1979 م) يقول : (إني أتمنى أن يريَني الله تعالى سقوط الظالم صدام، ولو ليوم واحد من عمري، ثم يقبضني إليه، ولكن، لا أعترض على قضائه في ما يريد) (11) .
  فلقد كان مرموق المكانة، معروف المنزلة في علمه وقوة بيانه، وفي ورعه وتقواه، وقد نذر نفسه ووهب وجوده لخدمة رسالة العلم والتبليغ والإرشاد والتوجيه، واحتضان ورعاية الحركة الإسلامية الشبابية، في مناطق هي أحوج ما تكون إلى العالم الديني على مستوى محافظة البصرة وقضاء القرنة وناحية المدينة والهوير آنذاك .
  وتبنى حركة الإصلاح الاجتماعي من خلال ما منحه العلماء ومراجع التقليد العظام من الثقة والاعتماد، منذ عهد المرجع الديني الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والسيد أبي الحسن الأصفهاني، والسيد الحكيم، والسيد الخوئي .
  كان حظ شيخنا العمّ المعظم (رجمه الله) أنه قد أتعب نفسه وبذل وجوده في سبيل خدمة الرسالة، وتبليغ الحكم الشرعي، وتوعية الناس، وتعريفهم بما يجب عليهم تجاه دينهم ورسالتهم . وتعرض على أثر ذلك لقساوة الاعتقال في مديرية الأمن العامة في بغداد سنة (1974 م) ، إضافة إلى ذلك، فإنه أعطى فلذة كبده (ولده الأكبر طارق) فداءً للحق والرسالة ، إذ قضى شهيداً محتسباً في سجون الطغمة الصدامية الظالمة في سنة (1980 م) ، وولده الآخر (مهدي) شهيداً إبان الانتفاضة الشعبانية ضد النظام الصدامي سنة (1991 م) .
  فكان الشيخ العمّ (رحمه الله) مثالاً عالياً للصبر والتحمّل والفخر والاعتزاز بهذه التضحية، وبالتضحيات الأخرى التي قدمتها وفخرت بها أسرة آل فرج الله في سبيل العقيدة والرسالة.
  وهذه الإلمامة (هكذا عرفت أبي(، التي طرحها نجله، فضيلة الأخ العلامة المكرّم الشيخ عبد الخالق (دام توفيقه) ، تتحدث عن تاريخ عمود من أعمدة الأسرة، وأب من آبائها الأفذاذ، مأخوذة من خبراته، ومن خبرات محيطه من مختلف المستويات، لذلك، ربما يقال : إنك قد لا تستطيع أن تعرف كل شيء، أو تأخذ كل ما تريد من المعلومات والمواقف عن الشخصيات التاريخية العظيمة من خلال حديث شيخ أمي طاعن في السن، أو شاب، أو إنسان عادي سمع من هذا وذاك خبراً أو موقفاً عن هذه الشخصية التاريخية أو تلك .
  فأقول : كلا، ولكن، يبقى لحديث هذا وذاك من الناس قيمة نوعية ، بحكم ما تعطيه تلك الكلمات والعبارات على بساطتها من مدلول عالٍ ومضمون جميل خالٍ من الشكوك، وبعيد عن المبالغات والتكلفات والضغوط الإعلامية، بالرغم من فقدان الوسائل الحديثة آنذاك، كالفضائيات وشبكات الأنترنيت، التي يبرز من خلالها صاحب الشأن بواسطة أو بدون واسطة، لبيان معالم شخصيته بحق أو بدون حق كما نشاهد اليوم .
  وفق الله مساعي الأخ الشيخ الفاضل أبي أزهر على متابعته وتحرّيه لمعالم حياة هذا العلم التقي، والده (رحمه الله) ، وأخذ بحجزته مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

التمهيدُهُ

  لا أُغالي إن قلتُ : إنَّ في كل أفق من آفاق العالم الإسلامي تندرج أسماء رجال معدودين في العلم والشجاعة والكرم والصبر ... رجال امتازوا بمواهب وعبقريات رفعتهم إلى الأوج الأعلى ، اِمل أُثر عنهم مما خلّفوه وراءهم في آفاق العلم والمعرفة، وسُجّلتْ أسماؤهم في قائمة عظماء التأريخ وجهابذة العلم، الذين لا يستطيع أحد أن يَغمِطَ حقهم، أو يُنقصهم نصيبَهم؛ إذ أصبحوا نجوماً لامعة، ومصابيحَ ساطعة في سماء الكون، يتلألأُ نورها في كَبِدِ السماء كتلألؤ الزهرة، وتضيء لأهل هذه الدنيا كما تضيء الشمس في رابعة النهار، لا تطمسها غيوم، ولا تواريها حجب، فيستفيد من نورِها أصحابُ العقول والفِكَر، الذين يأخذون بأيدي الآخرين إلى شواطئ الأمان والسلام.
  وهذا يرجع إلى التاريخ الذي يصنعه صاحبه ، فكلٌّ حسب مكانته، وحسب قدرته التي تكلّفها وحصل عليها، لذا، نراهم هم الذين أسّسوا لأنفسهم ما أرادوه لها، وبذلك، بنوا مجدهم الذي لا يطرأ عليه التلاشي والنسيان، وخُلّدَ ذكرُهم على مَرِّ السنين وتعاقب الأزمان .
  وهناك رجالٌ طُبعت أسماؤهم على كلّ أفق من تلك الآفاق، وارتسمت عناوينهم على كل صفحة من صفحات التأريخ البشري، فهم أحياء عند ربهم بما تركوه.
  ولا أقول : إن هؤلاء قليلون للغاية، بل مجموعهم نسبة لمجتمعنا قليل، انفردت بهم طبيعة هذا الكون، فكانوا وما زالوا هم الصوت الواضح، والنَفَسَ العبقَ، الذي لا يمكن إخفاؤه أو تجاهله، بل ما خلّفوه حاك عنهم، فمن خلال نبوغهم وعظمتهم شمخوا في دنيا الإسلام .
  ولعل هذا من أكبر ميزات المجتمع الإسلامي، الذي كان، ونأمله اليوم، وننتظره غداً يطلُّ علينا بالجديد، ونحن نراه يولي الفرد الواحد عناية ليس دونها عناية، فضلاً عن الأسرة التي هي المقوّم الأساس الذي يبني المجتمع، فرسم عنواناً لهما أسماه (الوالدين) ، تركه اختياراً بيد الفرد مناّ طاعة وبرّاً، بل إنه شدد من الجانب الآخر على تارك هذا الجانب عقوبةً أسماها (العقوق) ، وعدّها من الكبائر التي لا تُغتفر ما لم يرجعْ صاحبُها عنها، وسمّى الراجع عنها باتجاه معاكس (البارّ) ، إذ إنّ الغاية من كل هذه المسائل هو المحافظة على بناء الأسرة، والحفاظ على تكاملها، وتقوية أواصر العلاقة التكوينية فيها ، من أجل أن يكون المجتمع صالحاً في ثقافته ونموّه وبنائه، وصرّح تصريحاً شديداً بشأن الوالدين الذين نجهل حقهما السببي الأبوي والتربوي الأخلاقي - إذ جعلانا ضمن هذه الأجيال المتنامية - نُعَدُّ ونُفْقَدُ، ولو لحظنا ذلك التصريح الشامل والكامل بحقيهما، لاستوقفتْنا تبعاتُ مخالفةِ ذلك النص الأمري لطاعتهما في قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إلِا إيَّاهُ وَبالْوالدَيْنِ إحْسَاناً إمِا يبلُغَنَّ عِندَكَ الكْبر أحدهُما أو كلاهَما فَلا تَقُلْ لَهُمَا أفُ وَلا تَنهَرْهُما وَقُلْ لَهُمَا قَولاْ كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَناَحَ الذُّلِّ مِنَ الرَحْمةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحْمهُمَا كَمَا رَبَّياني صَغِيرًا )ً (12) .
  وقد تحدثتِ السُّنةُ المباركة في كثير من الأحاديث المعتبرة التي وردت عن رسول الله ، إذ قُرِنَ رضا الله برضا الوالدين وسخطُ الله بسخطهما، ومن هنا، نرى سيرة أهل البيت المعصومين (ع) تحكي أنهم سلكوا السلوك الذي لا يداخلهم بهفوةٍ تدرجهم إدراج من يُسَمَّونَ بالعاقّين - وحاشاهم من العقوق - فقد رُوي أنَّه قال رجل للإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) : ( إنك من أبَرِّ الناس ولا تأكل مع أُمك في صحفة ؟! فقال (ع) : ( أخاف أن تسبق يدي يدَها إلى ما تسبق عيناها إليه، فأكونَ قد عققتها)) (13) .
  وال لا ينقطع بانقطاع الوالدين عن الدنيا ، فإنَّ العمل الصالح سيبقى أثره حتى بعد الممات، لذا، نرى الحديث الوارد عن أهل بيت العصمة (ع) يتحدث بشكل صريح عن برهما حيين وميتين، فعن محمد بن مروان قال : (سمعت أبا عبدِ الله (ع) يقول : إن رجلاً أتى النبي، فقال : يا رسولَ الله، أوصني، فقال : لا تُشركْ بالله شيئاً وإنْ حُرِّقتَ بالنار وعُذِّبتَ إلاّ وقلبُك مطمئن، ووالديكَ ، فأطعْهُما، وبُرَّهما حيَّين كانا أو ميتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلكَ ومالكَ، فافعلْ ، إن ذلك من الإيمان) (14) .
  وعليه، فإنَّ انعكاسات التربية الصحيحة والتعامل البار مع الوالدين، ليُعطيانِنا ويُورثانِنا أخلاقاً طيبةً تنعكس على أبنائنا الذين نترقبُ اليوم الذي يكافئوننا به ، إذ ما من عاقٍّ لأبويه إلاّ ويَنتظر اليوم الذي يَعُقُّه به أبناؤه - وإن كانت المسألة تربوية بمقدار ما هي تحققية - إلاّ أننا لا نعطي الحكم إطلاقاً تكوينياً ، إذ إن في التأريخ من الصالحين مَن عقّه بعض أبنائه، ولا يمكننا القول إنه كان عاقاً لأبويه، فهناك ابن النبي نوح (ع) عقه عقوقاً كبيراً يحكيه لنا القرآن الكريم بقوله : (وَهِيَ تْجرِي بِهم فِي مَوْجٍ كَالِجباَلِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الكافرِينَ * قَالَ سَآَوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنيِ مِنَ الْماَءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليوَمَ مِنْ أمَرِ الله إلِا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بينهَمَا الوْمَج فَكَانَ مِنَ الْمغرَقينَ * وَقيِلَ يَا أرْض ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أقلعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الأمَر وَاسْتوَتْ علىَ الُجودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِميِنَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إنِ ابْنيِ مِنْ أَهْلِي وَإن وَعْدَكَ الَحقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إنَه ليسْ مِنْ أهَلك إنِّهُ عَمَلٌ غيرَ صالحِ فَلا تسألنْ مَا ليَسْ لكَ به عِلْمٌ إني أعِظكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الَجاهِليِنَ * قَالَ رَبِّ إني أَعُوذُ بكِ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرحَمنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (15).
  وليس خفياً ذلك، عصمنا الله وإياكم من الزلل والخطأ، وأعاننا على بِرِّ والِدِينا، وأدرجنا إدراج البارّين الطائعين.
  وأودُّ أن أُنوّه هنا بأنني تصرفتُ في صياغة بعض الأبيات الشعرية إضافة وتصحيحاً لمفرداتها التي اشتملت على أخطاء نحوية أو لغوية، أو خرجت عن الأوزان الشعرية، وقد أشرت الى ذلك تنبيهاً لأمانة النقل .
  ولقد اعتمدت تقسيم بحث الكتاب الطريقة العلمية الحديثة تبويباً وتصحيحاً بإشراف الاُستاذ رياض أحمد جبار (أبي نور) ، شاكراً له جهده الذي أبداه، ونظره الذي أسداه، فلا يسعني إلا أن أبدي عجزي وتقصيري عن الشكر لما قدّمه لي.
  وكذا أُقدّم شكري وامتناني إلى أخي العزيز مضر (أبي غدير) ، وابن خالي المرحوم عودة موسى، الذي واكبني في كل أبواب الكتاب، ترتيباً وتصحيحاً، متحملاً سهر الليالي الطوال معي، بمقدار ما أوسع لي من صدره الرحب، وأفسح لي من وقته الثمين، واجتيازه معي بعض العراقيل التي كنت أتعثر بها ، من أجل إظهار الحقيقة التاريخية لحياة سيدي الوالد (رحمه الله) ، وإلى كل من أضاف إليّ معلومة لم أكن أستحضرها في ذاكرتي، فأعانني بها رفداً للكتاب ومحتواه .
  وكان تقسيم الكتاب وتبويبه يعتمد على ما يلي :
  المقدمة .
  التمهيد .
  1 ـ الفصل الأول : المولد والنشأة .
  2 ـ الفصل الثاني : حياته العلمية .
  3 ـ الفصل الثالث : حياته الاجتماعية.
  5 ـ الخاتمة .
  6 ـ الملحق والمخطوطات .
  وأخيرا،ً أرجو الله العلي القدير أن يوفقنا والجميع إلى الخير، ويجعل هذا العمل في العاجل والآجل ذخراً لنا، لنجسّد حقيقة البر في الحياة وبعد الممات.

الفصل الأول
المولد والنشأة

وفيه مطالب خمسة، وهي كألآتي : المطلب الأول : تأريخ الولادة :


  لقد عكفت مشايخ وأُدباء وعلماء العصور المنصرمة على إثبات تواريخ مواليدهم خوفاً من الضياع أو النسيان، ولعلنا لم نعثر على تأريخ ولادات الكثير أو وفياتهم أو تأريخ الحوادث التي وقعت في حياتهم.
  وكان الشيخ الوالد (رحمه الله) واحداً من أُولئك العلماء الذين تنبهوا لخطورة ضياع بعض الأشياء تأريخياً، فقد بادر لإثباتها يدوياً، وبقصاصات من الورق المتيسر، أمثال الأوراق التي يتداولونها بينهم من المفكرة الجدارية التي تسمّى (التقويم) ، فكان وكانوا يدوّنون تواريخ الأحداث على ظهرها بعد أن تنفذ الاستفادة منها في يومها، وبعد قراءة ما فيها من حكمة أو حدث وما شابهه.
  أو ربما كان أكثر من ذلك ، فقد تستخدم الحواشي الفارغة لبعض الكتب إن لم أقل كلها لتدوين بعض الاحداث على المساحات الفارغة في جانب منها، ولكونها أكثر حفظاً من غيرها، لذا، أجد أكثر كتب الشيخ الوالد مليئة بمثل الأحداث والآثار المهمة، كما هو الحال في وفاة الشيخ كاشف الغطاء، أو وفاة والدته، أو ثمن الكتاب المُشترى والمُحاز، أو حكمة معينة، وأمثالها .
  وأعود لأُكرّر القول بأن الوسائل لم تكن متوفرة لديهم كما هو الحال في وقتنا المعاصر ، إذ يتوفر الكومبيوتر والأجهزة الأُخرى المتاحة بيدِ من يريد أن يستفيد منها، إضافة إلى ذلك ما نحن نعاصره في هذه العقود الأخيرة من زماننا من استحداث دوائر الإحصاء والتسجيل العام، وإثبات التواريخ لها، وتسجيل اليوم والشهر والسنة، بل حتى الساعة التي يولد فيها الإنسان، والمحل والشخص الذي يتولى مسألة التوليد .
  وكذا هناك طريقة لتدوين الحوادث التي يريدها عن طريق الحسابات الأبجدية، يتعهدها البعض الآخر مقترنة ببعض الحوادث التي لا يمكن أن ينساها المجتمع، أمثال الحروب والمعارك، وحوادث الحرائق التي ما إن تلتهب حتى تدع الديار بلقعاً ، لأن البيوت مبنية من القصب والبردي، وهو مما تنتشي به النار وتأنس لسرعة التهابها.
  وكان والدي (رحمه الله) ممن كتب على الحواشي وقصاصات الأوراق، وممن أرّخَ ليوم ميلاده المبارك، وكذلك لذكريات أُخَر، إذ اقترن ميلاده بمعركة حدثت بين طائفتين من أهالي الجنوب انتصرت فيها طائفة وانهزمت أُخرى، وهذا هو ديدن المعارك (كرٌّ وفرٌّ) ، ولم تكن عيباً، بل راحت الناس تتحدث بها، وكانت سنة ولادته (25 /ج 2/ 1325) للهجرة النبوية الشريفة، وقد ولد (رحمه الله) في الطريق المائي المار من الجنوب إلى النجف الأشرف، أي : في نهر الفرات ، إذ كانت أُمّه الحاجّة (موجة) بنت المرحوم الشيخ حسين، ابن المرحوم الشيخ علي، ابن المرحوم الشيخ فرج الله حاملاً به، وكانت بمعية زوجها، جدنا الشيخ حسين، ابن المرحوم الشيخ فرج الله، إذ ولدته أثناء الطريق .
  وبعد أن شبَّ وترعرع بين أبويه، وتعلم القراءة والكتابة على يدي والده الشيخ حسين، اتجه لدراسة العلم في النجف الأشرف، وقبل أن يبلغ الحلم، تنبه إلى أن يُثبّت الواقعة برمتها، وبعد أن أُخبر بتاريخ ولادته، أثبته بالسنة الهجرية ببيتين من الشعر، وبالحساب الأبجدي المعروف، قال فيهما :

وُِلِـــدْتُ وكـــلُّ الـخـلـقِ مـثـليَ يـولَـدُ          وَعِـشْـتُ ولـكـنْ عــنْ يـقـينٍ سَـأُفقدُ

فــلا عـلـمَ لــي أنّـى تـجيء مـنيّتي          وفي مولدي التأريخُ ( شَرشْكَ شارِدُ) (16)

  ولو حسبنا كلمتي (شرشك) و (شارد) أبجديأً، لعرفنا أن تأريخ ولادته (رحمه الله) هو سنة (1325 هـ) ، وذلك كالآتي :
  ش = 300 + ر 200 + ش 300 + ك 20 + ش 300 + أ 1 + ر 200 + د 4 = (1325) ، أي : هو تاريخ الولادة.
  ولم يقتصر على تدوين تاريخ ولادته بهذه الطريقة، بل عثرتُ على مُؤرَّخٍ مشابه له لوفاة الإمام كاشف الغطاء . بخط يده المباركة على واجهة كتاب الشيخ الموسوم (الفردوس الأعلى) ، قائلاً : توفي الإمام كاشف الغطاء (رحمه الله) يوم الإثنين، المصادف للثامن عشر من شهر ذي القعدة الحرام (1373 هـ) ، . وقد أضاف إليه عبارة (القدر غالبه) ، فإذا جمعنا حروف الجملة أبجدياً، لوجدناها تجمع رقماً مقداره (1373) ، وهي سنة وفاته (17) .
  وكذا يظهر أنه من خلال البرقية التي أرسلها الشيخ الوالد (رحمه الله) إلى النجف الأشرف، باسم العلامة الشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء عميد مدرسة الشيخ كاشف الغطاء بمناسبة وفاة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله) ، متألماً لفقده قائلاً (18) :
خَـلَعَ الـمصابُ قـلوبَنا          مُذْ غَيَّبَ المولى ثراهْ

أَحيا لدينِ المصطفى          طَـلَـباً لـمـرضاة الإلـهْ

شـاطـرتُكم بـمـصابه          يـا حَـبَّذا روحـي فداهْ

المطلب الثاني : النسب

  أمّا النسب، فأسرته أسرة علمية كبيرة معروفة في أوساط الحوزات العلمية في النجف الأشرف، تعرف ب (أُسرة آل فرج الله) (19). أكتفي بما أشار إليه سماحة الشيخ عبد الرزاق فرج الله (حفظه الله) في المقدمة من بعض رموزها ورجا تهلاا، وأقول : إن لها تأريخاً حافلاً من خلال رجالها الذين ساروا في ركب العلم والعلماء، عُرفوا في الأوساط العلمية والاجتماعية، ولم تخفَ معرفتهم ووجودهم على ذي لُبّ، علاوة على ذلك، فإن هذه الأسرة تنتمي إلى قبيلة بني أسد، التي تُعتبر من القبائل العربية الكبيرة، والعشائر التي يُشار إليها بالبنان، ومن رجالِها نصيرُ الإمام الحسين . وشيخُ الأنصار يوم كربلاء، حبيب بن مظاهر الأسدي (رض) .
  وقد كَتب الشيخ الوالد نسبه بخط يده المباركة، فقد كان يُعرف عنه أنه يحفظه عن ظهر قلب حتى آدم (ع) .
  فهو الشيخ عبد الكريم، ابن الشيخ حسين، ابن الشيخ فرج الله، ابن الشيخ محمد علي، ابن الشيخ فرج الله، ابن الشيخ صافي، ابن الشيخ صالح، ابن الشيخ آل علي، آل شيخ حسين، آل شيخ عبدالنبي، آل شيخ عبد الإمام، ابن شيخ محمد، آل شيخ أحمد، المتوّج (20) الأسدي (قدس سره) ، المدفون بالبحرين (حين هاجر إليها، حررته بأناملي الداثرة، وأنا المحتاج إلى رحمة ربي، عبد الكريم فرج الله) (21) ، ثم التوقيع .

المطلب الثالث : سيرته الشخصية

  لم أكن الابن الأكبر البكر لوالدي، بل سبقني من يكبرُني بالعمر الكثير، فكان أخي البكر محمد من أُمِّنا الأولى بنت الشيخ لطيف (رحمهما الله) يكبرُني بما يقرب من ثلاثين سنةٍ، ولم يكن الأخُ الآخر يحيى من أُمِّنا الثانية بنت السيد كَاطع الموسوي (رحمهما الله) بأصغر منه كثيراً، بل كان هو الآخر يكبرُني بما لا يقلُّ عن خمسٍ وعشرين سنةٍ، أما الأخُ الثالث، وهو الشقيق لي، فهو الشهيد طارق من أُمِّنا الأخيرة بنت موسى الشيخ حسن (رحمهما الله) ، فيكبرُني بسنتين، ورغم ذلك كله، فقد أناط بي وصيتهَ ووكالتهَ، وألزمني بقبولها ، لرؤية خاصة له تجاهي .
  لقد عاصرت الشيخ الوالد (رحمه الله) ثلاثة من العقود ونصفا، إلا أن هذه السنين التي قضيتها تحت كَنَفه العطوف والودود كلها، لم تكن كافيةً بمعرفة دقائق الأُمور في شخصيّته، التي انطوت على سفرٍ من الأحداث الكبيرة في كل معانيها ومضامينها، بل رُبّما لم أكنْ لألمّ بجُلِّها إن لم أقل بكلّها ، إذ إنّ مرحلَتَي الطفولة والصّبا أخذتا قسطاً كبيراً منها، ناهيك عن الأحداث التي مررت بها ، من اعتقالاتٍ وَتَخفٍّ عن وجه اللانظام البعثي القمعي، الذي عاصرناه وعاصره الكثيرون من أمثالي، مما حال دون أن أكون إلى جنب أسرتي على الدوام، إلاّ أنني أقول : إن ما قضيته معه من السنين القليلة كان كافيا بأن أبين بعض الجوانب التي تميزت بها شخصية والدي (رحمه الله) ، وجهلها الكثير منا ومن مجتمعنا ، للظروف التي ألمت بنا، فلم نستفد منها، وضاعت من أيدينا .
  ومن هنا، فَمَن يريد الحديث عن أيّة شخصية، لا بد وأن يتناول الأطراف الجامعة لشخصيته، التي يمكن أن تكون العامل الأساس لبروزها بين أفراد مجتمعها، وإلاّ، فإن الكثير من الشخصيات يصلُ بها المادحون حداً إلى ما شاء الله، إلاّ أننا لم نكن لنعرف عن مصاديق تلك الشخصية من الدلائل التي استحقتْ بها المدح والثناء، ناهيك عما خفي من الحقائق .

المطلب الرابع : نفحاته الإيمانية

  لقد فتحت عينيَّ في دور الطفولة لأرى والدي وهو بذلك الزي الروحاني، وتلك الكهولة الجِديّة الممزوجة بروح الشباب الغضّ، وتلك الوسمة الجميلة المرحة، وشممت ريح الصبا وهو يتمتع بكامل القوى العقلية والبدنية والنفسية، وعندما كان يصطحبني معه في كثيرٍ من المجالس العامة وحتى الخاصة منها، لم أكنْ لأسمعَ من أحدٍ غيرَه حديثاً ، إذ كان له قصب السبق في الحديث والمبادرة في كُلّ المجالات وشتى العلوم المختلفة، وكان حديثه يأخذ بمجامع نفس المستمع، ويملك عليه أنفاسه ، لعذوبة المنطق، واسترسال الحديث المتكامل، حتى أنَّ من يسمعه لا يكاد يصدق نفسه أنّه سينتهي من الحديث المسترسل ، لتكامله، ولشوق المستمع إليه، وكان هذا معروفاً لدى الجميع .
  وكان (رحمه الله) يشير عليّ بأن أُبادر المجتمع والناس بالحديث، ولا أنتظر من يسألني ، إذ كان يقول لي : أطلب أنت من الناس أن يسألوا، فإن كنت تعلم الجواب، أجبتهم، وإنْ كنتَ لا تعلم، صاروا سبباً لمراجعتك ومطالعتك وتعلمك ، لأن الإنسان لا يمكن أنْ نعتبرَه ناجحاً في حياته الاجتماعية والدينية ما لم يستثمرْ وقته في العطاء المتواصل، والجد في العمل، والمثابرة على استغلاله بالشكل الأمثل، بما يُرضي الله تعالى، ويخدم مجتمعه، فكما هو مسؤول عن تكاليفه الشرعية، فهو مسؤول أيضاً عن وقته الضائع ، يقول (عزوجل) : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولُونَ } (22) .
  فكان يقسّم أوقاته بين المطالعات، والممارسات العبادية، والأمور الاجتماعية، وزيارة الأرحام، وعيادة المرضى، وقضاء حوائج الآخرين، وإصلاح ذات البين، وشؤونه البيتية ... .
  ومما تميز به (رحمه الله) ، الخوف والخشية من الله تعالى ، إذ إن الخوف من الله تعالى صفة ظاهرة في شخصيته من دون تكلف ، وهو أحق بها ، لأنه عالم، فمن يفتقد هذه الميزة المباركة لا يمكن أن نصفه بأنه عالم، ولذا، نرى الآية المباركة تقول : {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُختَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخشى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُور} (23) ، وماروي عن الإمام الصادق (ع) في تفسيرها : (يعني بالعلماء من صدق فعله قوله، ومن لم يصدق فعله قوله، فليس بعالم ) (24) ، وكذا هناك قول يؤثر عن الإمام أمير المؤمنين (ع) بهذا المعنى يقول فيه : (غاية العلم الخوف من الله سبحانه) (25) .
  وقد امتلك شخصيةً موهوبةً أهّلته للبروز بين أقرانه كرجل دينٍ، ولنا أن نعتبرها من مقومات الشخصية العلمائية و نجاحها وتأثيرها في الأُمة، شأنها شأن الكفاءة العلمية الجادة، التي هي العنصر الآخر المُكمّل لشخصيته التي نمت وتكاملت وأبدعت، ومن خلالها اعتمد المنطق العلمي والثقافي في الحديث والمحاورة واتخاذ المواقف المختلفة إثباتا ونفيا .
  هذا هو المنهج الذي اتّبَعه واختطّه وانتهجه سيدي الوالد في حياته العلمية والعملية، ومن شواهد ذلك : أنه كان في يوم من الأيام في أحد المجالس العامة لوفاة أحد المشائخ من (بيت فضل) من أهالي الشرش، وكان أرحامُنا من المشائخ الروحيين مجتمعين في مجلس الفاتحة - وقد كانوا يجلونه ويحترمونه كما هو يجلهم ويحترمهم - وقد حضر المرحوم السيد (صريوط) المعروف من أهالي محافظة العمارة (ميسان) ، ولم تكن هناك معرفة شخصية مسبقة بينه وبين الوالد، وكان الشيخ الوالد مسترسلاً في حديث عن الموت والحياة بصوته الجهوري الصادح، وكان الشيخ حسن نجل المرحوم الشيخ محمد الشيخ جواد فرج الله (رحمه الله) جالساً إلى جنب السيد، فسأله السيد : مَنْ هذا ؟ فقال له الشيخ : هذا خالي الشيخ عبد الكريم ابن المرحوم جدي الشيخ حسين آل فرج الله ، فقال السيد بلهجة عاميّة : (هه، لسانه ولا يعجز كأنّه وَرْوَرْ) أي كأنّه مسدس سريع، هكذا كان ديدنه في الحديث والمحادثة .
  كان يكثر من الدعاء المأثور عن أهل البيت (ع) ، وخصوصاً ليلة الجمعة، فيَبكي ويَبكي معهُ المصلون، وكان لا يفارق زيارة أهل البيت (ع) ليلة الجمعة، وخصوصاً زيارة أبي عبد الله الحسين (ع) ، وكان دعاؤه ليلة الجمعة الذي ينتظره المصلون في المسجد جماعةً في قنوت صلاة العشاء هو : (اللهم ارحمنا إذا عرق منا الجبين، وخفي منا الأنين، ويئس منا الطبيب، وبكى علينا الحبيب، اللهم ارحمنا إذا فارقنا النعيم، وانقطع عنا النسيم، اللهم ارحمنا إذا وارونا التراب، وبكى علينا الأحباب، اللهم ارحمنا إذا نسيت أسماؤنا، وبلت أجسامنا، واندرست قبورنا، ولم يزرنا زائر، ولم يذكرنا ذاكر، اللهم ارحمنا يوم تبلى السرائر، وتبدى الضمائر، وتنشر الدواوين، وتخسر الموازين، عفوك عفوك عفوك، يا عافياً عن المذنبين ) (26).
  وكان مواضباً على الأدعية المأثورة عن أئمة أهل البيت (ع) ، وخصوصاً دعاء الصباح والندبة والسمات وكميل والتوسل، ناهيك عن محافظته على الزيارات المخصوصة، فلم أعهدْ يوماً في صباحه ومسائه لم يكن للقرآن والدعاء فيه نصيب.
  وكذا لحظته في آخر الليل من كل ليلة يفترش مصلاةً له، ويصلي بظلمة الليل مخفتاً صوته، ولم يأمرْنا بذلك، ولم يُلزمْنا به كما هو في النهار، فعرفتُ بعدها أنه (رحمه الله) كان يُصلي صلاة غير الصلاة الواجبة تُسمى (صلاة الليل ) ، إذ أني لم أنتبه من نومي لقضاء حاجتي إلاّ ورأيته كذلك .
  وكان هذا ديدنه حتى يطلع عليه الفجر، فيقيم أذان الفجر وصلاته، ثم يوقضنا قبل شروق الشمس لصلاة الصبح ، لنُصلي ونقرأ القرآن أنا وأخي الأكبر الشهيد طارق (رحمه الله) ، إذ كان الوالد يتابعُنا في الجلسة ذاتها، فيُصحّحُ لي أخطائي في جزء (عمّ) ، ويُصحّح أخطاء أخي طارق في جزء (تبارك) ، وفي الوقت نفسه الذي لم يفتر فيه لسانه عن التسبيح والتحميد والتهليل .
  ورغم هذا العمل الدؤوب والمتواصل كله، وهو يُقسّمُ وقته ولا يُفرّط فيه، أسمعه بعبارته المشهورة التي يقول فيها : (الوقتُ من ذهب، وياللأسف مني قد ذهب ) (27).
  فما أجلّك أيها الوالد الكريم! وما أعظمك وما أكبرك أيها الأب العطوف وأنت تطوف بنا في دنيا الإسلام والسلام والمحبة والولاء لأهل البيت (ع) .
  ولقد كان الشيخ الوالد (رحمه الله) يؤمن بالدعاء إيماناً مطلقاً ، لقوله تعالى : {... أدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنِّ الَّذِينَ يَسْتَكبروُنَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (28) ، وكذا كان يؤمن بأن القرآن شفاء من كل داء ، لقوله تعالى : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } (29) لذلك، عُهد عنه (رحمه الله) أنه يكتب الدعاء لكل مريض، فيشفى بإذن الله تعالى، وهذه صورة التعويذة التي يكتبها للمريض فيشفى :

بسم الله الرحمن الرحيم


  يا أمَّ مِلدم، يا آكلة اللحم، وشاربة الدم، وهاشمة العظم، إن كنت آمنت بالله الأعظم ورسوله الأعظم، فلا تأكلي لحامل الحرز ... فلان ... لحماً، ولا تشربي له دماً، ولا تنهكي له عظماً، وانتقلي عن شعره وبشره ولحمه وعظمه وجميع جوارحه إلى من يزعم أن مع الله إلها آخر، تعالى الله عما يشركون، بسم الله الرحمن الرحيم {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرحْمةٌ للِمُؤْمنيِنَ ... } (30) ، {...فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (31) اللهم شافِ ... فلان ... من الصخونة والحمى، ومن العين والنظرة والحسد، ومن كل شر وظمّه بحق بسم الله الرحمن الرحيم ، {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لما سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لمجنُونٌ * وَمَا هُوَ إلِا ذِكْرٌ لِلْعَالَميِنَ} (32) وبحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وذريته المعصومين، وبرحمتك يا أرحم الراحمين، الله لطيف مشاف . آمين رب العالمين (33).

المطلب الخامس : علاقته بأهل البيت (ع)

  كان لأهل البيت (ع) علاقة خاصة في نفس الوالد، ولم يفارق مأتمهم الذي يُعقد في أيِّ مكان، وما إن يسمع بذكر مجلسٍ للحسين (ع) إلاّ وله قصبُ السبق في الحضور، وكان يشجع على حضور مأتم أبي عبد الله (ع) ، وكان يؤكدُ على مناسباتهم جميعاً، في ولاداتهم وشهاداتهم.
  وكان أكثر حضوره ومشاركاته في مجالس (بيت حاج مصيمت (رحمه الله) (34) ، الذي يتولى المجلس ويرقى منبره فيها عمنا الخطيب الشيخ إبراهيم الشيخ مالك، ومن قبله كان والده الشيخ مالك فرج الله (رحمهما الله) .
  وكثيراً ما كنت أسمعه وهو يسبق الخطيب في قصيدته أو نعيه آخرَ المجلس، مجسُدا روحَ الانتباه والتفاعل من قبل الحاضرين بإظهار صوته مع صوت الخطيب، وكذا كان يجسُّد حركة البكاء أو التباكي لإثارة الحاضرين وتحفيزهم على المشاركة بالحزن والبكاء على مصيبة الحسين (ع) ، تعظيماً لها، لأنها تمثل مصداقاً من المصاديق التي تُعد من الشعائر الإسلامية الحقيقية التي نهض الدين وبرز بها .
  نعم، لقد كنت أسمعه وأنا في طفولتي، يترنم بأبيات وهو يُقلّب حُبيباتِ القهوة الخضراء على مِقلاتها، ليجعلَ منها لوناً بُنيّاً من أجل أن يُهيئها لنفسه وضيوفه، الذين ألِفوها بنكهتِها المعروفة بأنها قهوة الشيخ (رحمه الله) ، وكان يدبُّ في نفسي : ما الذي يصنعه الوالد بِتَرَنّمه ؟! حينها، أدركتُ أن الوالد يترنّمُ بأبياتٍ يذكر فيها مصيبة الحسين (ع) ، مُسليّاً نفسه عن هموم الدنيا، مبتعداً عن مآثرها الفانية ، من أجل أن يجعل له مع الحسين حظاً ونصيباً، مع علمي بأنه لم يرقَ المنبرَ إلا يوماً واحداً في السنة، يذهب فيه إلى البصرة في بيت صديقٍ له يُدعى (الحاج مخوّر) ، أبو سلطان، من بني النجار، وبالتحديد، في منطقة (الجبيلة) ، وفي بيوت الموانئ العراقية على ما أعتقد، ويصطحبني معه سنيناً طويلةً، ولم أعرف ذلك المكان، إلاّ أنني بعد أن يفعتُ، عرفت أن الشيخ الوالد كان يقرأ مقتل الحسين (ع) في اليوم العاشر من المحرم، ويأمرني أن أقرأ معه من المقدمة في كتاب يسمّى (مقتل أبي مخنف) ، إذ أنه لا يستطيع أن يبارحه، فيستجمع كل ما عنده من عِبرةٍ يُبلّغُها وعَبرةٍ يذرفُها في ذلك اليوم ، وفاءً منه للحسين (ع) وأهل بيته الأطهار (ع) .
  وكان كلما ضاق به الحال ذرعاً، لجأ إلى الله تعالى متوسلاً بهم (ع) لقضاء حاجته، ولذا، عهدت منه ما أشير إليه في هذا الجانب، الذي كتب فيه الكثير من الشعر الشعبي والفصيح لاحقاً إن شاء الله تعالى .

الفصل الثاني : حياته العلمية

  وفيه مطالب خمسة، وهي كألآتي :

المطلب الأول : دراسته ومعاصرته للعلماء

  بدأ الوالد دراسته الأولى في النجف الأشرف، وتتلمذ بعدها على يد كبار أساطين العلم والعلماء، أمثال : آية الله الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، وكان من المقربين منه، وممن يعتمد عليهم في كثير من الأمور، وكذلك السيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد الحمامي، والسيد محسن الحكيم.
  وقد تصدّى الشيخ الوالد للمدّ الشيوعي الأحمر في محافظة البصرة في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، عندما أطلق الإمام الحكيم (رضي الله عنه) فتواه بتكفير الشيوعية معتبرا إياها (كفراً وإلحاداً) ، فكان يجاهد بلسانه وفعله كل الذين حاولوا تضليل الناس بأفكارهم المستوردة إلى العراق من أجل إضعاف الناس وحرفهم عن دينهم وقيمهم الأخلاقية، فعن طريق نشر فتوى السيد الحكيم، ومن خلال المكتبة بالذات، كانت المواجهة الحقيقية .
  لقد اعتمده كثير من فقهاء المذهب بوكالاتهم، أمثال : الشيخ مرتضى آل ياسين، والسيد الخوئي، والشهيد الصدر الأول (رحمهم الله) ، إضافة إلى الذين تتلمذ على أيديهم وكان لديه منهم (أعلى الله مقاماتهم) وكالات عامة كافية في أن تكون شاهدةً له على سموِّه في درجات العلم، إلا أن هذه الوكالات تلفت من جراء ما تعرضت له الكتب والمكتبة من الدفن والنقل من مكان لآخر (35) ، وكذا كان من طلاب مدرسة الشيخ كاشف الغطاء وتخرّج منها، وبذلك توجد شهادة التخرّج تؤيد كونه من طلاب المدرسة التي تخرّج منها بتفوق سنة (1952 م) ، يظهر فيها أن صورته (رحمه الله) قد غيرها الأرض ورطوبتها وحرارتها، فما بالكم بالأجساد التي تُدفن فيها ؟! إلاّ رحمة الله وعفوه ، (36) .
  لقد أنهى دراسة ما يسمى في نظام الدراسة الحوزوية بمرحلتي (المقدمات) و (السطوح) ، ليباشر التحصيل في مرحلة (البحث الخارج) على يد الشيخ كاشف الغطاء، وهي المرحلة الدراسية العليا في العلوم الحوزوية، ليستقر به الحال بعدها في ناحية الهوير من محافظة البصرة بأمر من الشيخ كاشف الغطاء ومن المراجع العظام وقتها ، لوقوفهم على حاجة المجتمع إليه في هذه المنطقة.
  وبدأ (رحمه الله) بمكاتبتهم (37) في بعض ما كان يحتاجه المجتمع من الأحكام الشرعية والاجتماعية والحكم بين الناس وإصلاح ذات البين، حتى عُرِف عنه -وشهدته بنفسي- أنه لم يُجْرِ صيغةَ الطلاق الشرعي إلاّ بعد اليأس من الإصلاح بين الزوجين، بعد محاولات عدة ، فكان يحاول الإصلاح مرة ومرتين وثلاث أو أربع مرات، حتى إذا يئس من ارتفاع المشكلة وحصول الاتفاق، ورأى الطلاق حلاً للمشكلة، أجراه على مضض، محذرا الزوجين من غضب الجبار وعقوبته.
  وقد شاهدته في بعض المواقف يهتز مضطرباً من شدة الموقف الذي يتخذه بعض المتخاصمين من الأزواج والزوجات، وقد نقل لي السيد عبد الملك ابن المرحوم السيد مطر الموسوي ما سمعه في أحد الأوقات يقول : (حضر أحد الأشخاص عارضاً على الشيخ الوالد الموافقة على طلاق زوجته، فسأله الشيخ الوالد مستفسرا : وما هي الأسباب التي تدعوك لطلاقها ؟ فأجابه : لعدم الانسجام . فقال له الشيخ بكل بديهية، وباللغة العاميّة : (شايلتك عن الدبيب، وموصلتك للمعازيب) (38) ، فاقتنع الرجل بكلام الشيخ على وجازته، وعزف عن الطلاق، ورجع إلى حياته الأسرية مغمورا بالسعادة.

المطلب الثاني : منزلته العلمية

  ركز الوالد (رحمه الله) جُلّ اهتمامه على جوانب الدرس ومواصلة التحصيل ، إذ حباه الله تعالى بذاكرة قوية وحافظة شديدة استثمرها في المطالعات العامة، فاتسعت علميته، فلم تقف عند العلوم الحوزوية المتعارفة، بل راح يسعى بها إلى علوم الفلك والتاريخ والأنساب وعلم جغرافية الأرض وما إلى ذلك ، إذ كان يستعين به وبأفكاره الكثير من ذوي الاختصاص ضمن مجالاتهم التي اختصّوا بها، والذي عاصره يعرف منه ذلك جلياً.
  لقد كان لُجيّ العلم والعلماء، وكان له رأيه ونظرته فيهم، وأكثرُ حديثه عنهم وفيهم، كيف لا وقد تربّى في أحضانهم ومدارسهم، وتعلق بهم بشدة حتى تأثر بهم أشد التأثر ؟! لذا، عثرت على أبيات له من الشعر بمناسبة وفاة آية الله الشيخ كاشف الغطاء ببرقية أرسلها إلى عميد مدرسته، الشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء (39) ، وكذلك كلمة ألقاها في الاحتفال التأبيني لوفاة آية الله السيد محسن الحكيم، وآية الله السيد محمد تقي بحر العلوم والد العلامة السيد حسين بحر العلوم (رحمهم الله) يقول فيها : بسم الله الرحمن الرحيم {شَهِدَ اللهُ أنهُ لا إلِه إلِا هُوَ وَالْملَائكةُ وَأوُلوُ العِلْمِ قائمًا باِلقِسْط لا إلِهَ إلِا هُوَ العَزِيزُ الَحكيِمُ} (40) .
  (الحق) إن هذه الآية الكريمة تولي العلم والعلماء أهمية كبرى، (كما أن كتاب الله مليء كله دروساً وعبراً لو تدبرناه (ويا للأسف) ، لا تضح) (41) لنا بجلاء معنى قوله تعالى : شهد الله، وشهادته تعالى أقوى دليل وانصع برهان {قُلْ أَيُّ شيئٍ أكبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ} ، وذلك لأهمية العلم الذي هو ضد الجهل، وبما أن العلم نور والجهل ظلمة، (والعلم حياة والجهل موت) (42) ، فبالعلم يُعرف الله ويُعبد، ويُقدّس ويُوحّد، وبالعلم يَمتاز الفرد وتُحترم الجماعة، كما أن بالعلم تحفظ الحقوق وتُصان الكرامات، وبه تَرتفع الأممُ إلى أرقى مستوى، لذلك، حثَّ سبحانه وتعالى (وبكل) (43) مورد وبكل مناسبة (وأشاد) (44) بعظمة العلم وتعظيم العلماء العاملين {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (45) ، (وبذلك ثبت فضل الأنبياء على الملائكة) (46) .
  ومن هنا، يتأكد لنا فضل الأنبياء على الملائكة، قال تعالى : {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأسَمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ علىَ الَملائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُوني بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ ... } (47) ، فكان جوابهم : لا علم لنا إلا ما علمتنا، وعليه، ينقدح تفاوت الأنبياء والرسل في الفضل والدرجات، ويتمشى التفاوت بين العلماء وغيرهم، فكل من كان أعلم، فدرجته أرفع، واحترامه أوجب.
  ويمكننا أن نتمشى إلى ما هو أبعد وأوسع ، إلى الحيوانات وغيرها ، فإن كل من يحسن منها صنعة أو حرفة أو يمتاز بها، رفعته.
  وكفى بالعلم شرفاً أنَّ كُلاً يدعيه وإن لم يكن من أهله، وبالجهل ضعة أن كلاً يتبرأ منه وإن كان فيه، ومن هنا، قال رسول الله (ص) بعد أن حثّ على طلب العلم ورغّب فيه وأبان فضله وقيمة مقتنيه ختمه بقوله : (العلماء ورثة الأنبياء) (48) وقال : (إذا مات العالم، ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء) (49).
  فعلينا -أيها المؤمنون، وبصفتنا كمسلمين- أن نحترم العلماء وأهل الدين، وأن لا ننسى مواقفهم المشرفة وإرشاداتهم النافعة طيلة حياتهم، حتى ولو مرت بهم ظروفٌ قاسية وأحوال رهيبة في كل عصر ومكان ، فهم لا يزدادون إلا صلابة وإيماناً، راجين بذلك رضا الله تعالى وإرشاد البشر، ومن هنا، نرى موقف أصحاب الحسين (ع) ومن حذا حذوهم ممن كان قبلهم أو بعدهم ، فلقد قاسوا ألوان العذاب الرهيب، وعلقوا على أعواد المشانق، حتى أقاموا دين الله تعالى رغم آناف الملحدين، وتحدوا كل سلطة قاسية، فكانت نتيجتهم النصر والظفر والعاقبة للمتقين، ألا إن حزب الله هم المفلحون، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .
  وبما أن فقيدنا المرحوم (السيد محمد تقي بحر العلوم) اسماً علماً ونسباً هو من أهل العلم وأسرته، وقد فجَعَنا الدهرُ بفقده تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته، فأنا بدوري والمكتبة أشكر جهودكم على مس اندتكم ومؤازرتكم قولاً وفعلاً.
  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وبحرمة الفاتحة (50).

المطلب الثالث : علاقته بالدروس الحوزوية وغيرها

  1 ـ علاقته بالقرآن الكريم :
  تميّزتْ شخصية الوالد بكونه من حُفاظ القرآن عن ظهر قلب وعُرف عنه ذلك في كل الأوساط العلمية والدينية والاجتماعية على الرغم من عدم تصريحه (رحمه الله) بذلك ، إذ ما من مورد يتحدث عنه إلاّ ويصدرُه بآية قرآنية، وكان يتعاهد قراءة القرآن ليلاً ونهاراً، حتى تركت هذه القراءة أثراً كبيراً في نفسه، وأصبح القرآن جزءاً من حياته وكيانه ومنطقه ونفسه وروحه، فما من حديث إلاّ والقرآن يسبقه بذلك اللسان الفصيح، حتى الفُكاهة واللطيفة والمثل والحدث المُفرح والمُحزن، كان يُطَعِّمه بآية من كتاب الله.
  لا زلت أذكر اليوم الذي أرسل مدير (اللا أمن) في المنطقة بعد مرور أحد عشر شهراً على اعتقال ولده الشهيد طارق (رحمه الله) يطلب حضوره، وقد قَلِقْتُ أنا ووالدتي (رحمها الله) كثيرا لتأخره في الرجوع .
  وبعد ساعتين أو أكثر، عاد الوالد متغ اللون، فسألَته الوالدة : ما الذي حدث ؟ فأجابها ببداهة وبلسان المطمئن الصابر : {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} (51) ، حينها، أحسسْنا جميعاً بأن الأمر فيه خطورة شديدة ، إذ إن قلب الأم بدأ يتحسس ذلك جيداً، فسألتْه الأمُ قائلة : هل حدث لولدي شيء ؟ فأخبرها بما أخبروه به في (اللا أمن) الإجرامي، من مسألة إعدام ولدها من خلال الآية التي نطق بها وهو قول : قلت لكم : قُضيَ الأمر الذي فيهِ تَستفتيان (52) .
  وكذا كان كثير الذكر للموت، وما مرّ بآية فيها ذكر الموت إلا وبكى وتأثر واستجار بالله من الموت والنار، وسأل الله الجنة .
  2 ـ تميّزه بحضور فقهي واسع
  لقد كان الشيخ (رحمه الله) مُلماً بجميع جوانب الفقه وأبوابه، وما سُئل عن مسألة فتلكأ في جوابها أو تردد، وكان كثيراً ما يوصيني بإتقان المسائل الفقهية، ويؤكد ذلك على كلِّ رجلِ دينٍ ، لأنّ رجلَ الدين لا يُسأل عن الفيزياء والكيمياء، بل يُسأل عن الأحكام الشرعية، ويُعاب عليه عدم معرفتها، بعكس غيرها، وخصوصاً في وقتهم السابق، علاوة على تأكيده المستمر أن الإنسان يجب عليه أن يطلع على كل شيء، بل ينبغي أن يعرف عن كل شيء شيئاً، وكان كثيراً ما يردد القول : (العلم بالشيء خير من عدمه) ، أما اليوم، فينبغي أن يكون رجل الدين مُلِماً بالعلوم الاُخرى أيضاً .
  3 ـ تميّزه بعلم الفلك
  تميزت شخصية الشيخ الوالد بضلوعه في علم الفلك، الذي كان يصعب عليه وعلى أمثاله معرفة خواص وتقاسيم الأجرام والكواكب السيارة والمجرات السماوية، إلا أنه تمكن من الغور في بحره اللجّي من خلال المتابعات المتواصلة، وأصبح ذا ملكة واسعة، فما إن يرفع رأسه لينظر إلى السماء حتى ترتسم صورة ذلك الفضاء الواسع والمزيّن بنجومه في نفسه، فيبدأ بتشخيص منازل كلٍ من النجوم والمجرات وغيرها، وعلى طول السنة .
  لقد نمت عنده هذه الملكة الفائقة والعقلية الواسعة من خلال المطالعات والمتابعات المستمرة للكتب التي تتحدث عن ذلك، إضافة إلى النشرات التي تصدر من هنا وهناك، وإني لأذكر أن لديه ارتباطاً واتصالاً بكثير من المجلات والصحف في الستينيات من القرن المنصرم ، إذ كانت تصله عن طريق البريد أو لُجتب له عن طريق النجف الأشرف، وما زالت الأعداد الكثيرة من مجلة الهلال الشهرية والبيان ضمن مكتبته الخاصة به .

  4 ـ تميزه بعلم الأنساب والفراسة
  ومما أعهده عنه (رحمه الله) ، أنه كان يحفظ النسب المبارك للنبي الأكرم (ص) إلى أبينا آدم (ع) عن ظهر قلب، ودون تلكؤ، وقد دوَّنه بخط يده الشريفة (53).
  نعم، كان عارفاً بأنساب العرب كلها، مُلِ بما يحيط بها، وقد توجه إليه الكثيرون مستفسرين عن أنسابهم وانتماءاتهم العشائرية الشابكة، وكذا كان لديه فراسة واضحة في معرفة الآفاق، ومعرفة تقاسيم اليد، والدم، وتقفي الأثر ومعالم الإنتماء الأُسري، وهذا ما يندر معرفته لدى الكثيرين من أبناء مجتمعنا .
  وإني لأذكر اليوم الذي جئته أحمل إحدى بناتي الصغيرات حين كان لها من العمر شهران، وأحمل معها أحد أبناء إخوتي الذي كان له من العمر شهر واحد ، إذ كان الفارق بينهما في العمر أقل الشهر، فقدمتهما بين يديه الكريمتين، وقلت له : أتعرفهما يا أبت ؟ إنسبهما . فأخذ بكفيهما - علماً أنه لم يكن قَدْ رآهما من قبل، فهما صغيران في القماط - فأخذ باليد اليمنى للأول، ونظر فيها، وفي تقاسيمها، وفركها بيده، ثم أخذ اليد اليمنى للثاني، وأطال النظر فيها بعد أن فركها، فأشار إلى صاحب اليد الأولى بأنه أنثى، وإلى أن أهلها وأخوالها فلان وفلان، وإلى صاحب اليد الثانية بأنه ذكَرٌ، وبأن أهله وأخواله فلان وفلان .

  5 ـ تميّزه بعلم التاريخ
  لم يُطرق يوماً من الأيام موضوع تاريخيّ إلا والشيخ يسبق بتفاصيله كاملة حيث لذة حديث التاريخ وحلاوته، ولم يكن بوسع من يسمع الشيخ وهو يتحدث في صفحات التاريخ إلا أن يبقى أسيرا إلى أن ينتهي من حديثه، لما يحويه من تفاصيل وحوادث مفصلة، وبحسب الأدلة التاريخية دلالةً وسنداً، ناهيك عن الأحاديث النبوية والقدسية التي يحفظها عن ظهر قلب .

  6 ـ مناصرته للمذهب الحق
  المذهب الحق مذهب أهل البيت (ع) ، كان (رحمه الله) داعية رساليا يمتلك من الحجج والبراهين القاطعة التي يعجز الآخرون عن الاتيان بالردّ عليها، وكان كثيراً ما يناقش أهل الباطل وأصحاب الادعاءات المضللة بأدلة القرآن الكريم وأحاديث النبي الأكرم محمد، ويستشهد بالأحاديث التي تروى في كتب الطرف المقابل، ليكون ذلك إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم فلا يكون لهم أية طاقة برده.
  أذكر أنه نقل لي حادثة معه أيامَ الحج في سنة (1977 م) في المملكة العربية السعودية، حينما كان يصلي على التربة الحسينية، ووقفت وقتها مفرزة من الشرطة المعهودة هناك وهم يطوّقون المكان، وكان معه السيد مطر، وزوجته شقيقة الشيخ الوالد، ووالدة السيد عبد الملك، وعندما انتهى من صلاته، أخذوه إلى مقرهم العسكري ، للاستفسار عن فحوى استخدام التربة بدلا من الصلاة على الأرض، فدخل معهم في نقاش طويل عريض، ليقنعهم بصحة السجود على التربة بأحاديث من كتبهم المعتبرة لديهم، ورجع منتصراً إلى قافلته التي باتت تراودها الشكوك بأن الشيخ قُضي عليه من قبل الوهابية البغيضة .

المطلب الرابع : تميّزه بقوة الحافظة

  إنَّ المتتبع لسيرة الصالحين يجدهم لم يذكروا عن أنفسهم ممّا حُبوا به حتى النزر اليسير، بل يتركونه والآخرين، فإن عثروا عليه، وإلاّ، دُرج في طيّ النسيان.
  وقد حبى الله تعالى الوالد (رحمه الله) بالكثير من الأُمور التي تناقلها المثقفون، وعثرت على بعضٍ منها خلال مواكبتي له (رحمه الله) ، ولمستها أيام المعاصرة، وما ذكره المعاصرون له أكثر مما حظيتُ به .
  ومن جملة هذا الكثير الذي وضعت يدي عليه، ما ذكره هو (رحمه الله) لي شخصياً، وكذا ذكره لي الكثيرون ممن سمعوا القضية عنه، أمثال الأُستاذ قاسم حميدان، الذي كان يرافقه في أغلب الأحيان.
  والقضية هي أنه قد أقيم احتفال عظيم احتفاء بقدوم الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (قدس سره) من باكستان، عند رجوعه من المؤتمر الإسلامي الذي عُقِد هناك عام (1951 م) إذ استقبله أهالي البصرة الكرام، وكان الوالد في مقدمتهم.
  وكان قد حضر الاحتفال جمع كبير من العلماء والأدباء والمفكرين، وكان في طليعة أولئك الذين أحيوا الحفل في حسينية (الخنيني) في البصرة الحبيبة هو الأديب الشيخ عبد المنعم الفرطوسي (رحمه الله) ، الذي ألقى قصيدته الرائعة بالمناسبة، وكانت تضمّ (83) بيتاً من الشعر، مطلعها (54) :

لـلـفَـتـح آيــــاتٌ بــوجـهـكَ تــعـرفُ          هـل إن طـلعتك الـسعيدة مصحفُ

شـعّت على قسماتِ وجهكَ مثلما          شـعّـت بـقلبي مـن ولائـك أحـرفُ

هــي أحـرفٌ ذهـبيةٌ خُـطت عـلى          قــلـبـي وريـشـتُـها فـــمٌ مـتـلـهفُ

أبـصـرتُ قـلـبي ظـلمةً مـن يـأسه          ورأيـتُـها فـجـرَ الـمـنى إذ يُـكـشفُ

أجـلـلتها مــن أن تـمـسّ قـداسـةً          واسم (الحسين) مقدسٌ ومشرفُ

فـغـرستُها فــي تـربـة أزكـى ثـرى          فـي الـطهر من قلب الوليد وأنظفُ

  إلى أن يقول :
أأبــا الـفـضائل والـفـضائلُ بـعضُها          لــلـبـعـض آلافٌ وأنــــت الــمـألـفُ

لـــك كـــلّ يـــوم نـهـضـةٌ جــبـارةٌ          مـنـهـا مـيـاديـنُ الـمـفاخر تـرجـفُ

ومــواقــفٌ غـــراءُ فـــي أجـوائـهـا          لــلآن أصــداءُ الـسـنا بـك تـعصفُ

مـــا غـــاب مـنـها مـوقـفٌ إلاّ بــدا          لــكَ مـوقـفٌ هـو لـلجهاد مـشرفُ

كــسـلاسـلٍ ذهــبـيـةٍ مـوصـولـةٍ          بــسـلاسـلٍ أحـداثُـهـا لا تــوصـفُ

الـمـسجدُ الأقـصـى يــرددُ ذكـرَها          والـجـامـعُ الأمـــويُّ فـيـهـا يـهـتِفُ

إن الــفـصـاحـةَ دولـــــةٌ جـــبــارةٌ          تـهوى الـعروسَ ومجدُها لا ينسفُ

أنـت الـمليكُ الـمستحيلُ بـعرشِها          والـنـصـرُ إكـلـيـلٌ عـلـيـكَ مـرفـرفُ

ونــوافــذُ الــكَـلِـمِ الـبـلـيغِ أجـلّـهـا          مــن أن يـقـال لـها سـهامٌ تُـرهفُ

تُـخطُي الـسهامُ كـما تصيبُ وإنها          أبــداً تـسـدّد كــلّ مــا تـسـتهدفُ

ولــسـانُـك الــجـبـارُ لـــولا أنــنـي          ظـلماً أجـورُ عـليه قـلتُ: الـمرهفُ

وإذا استطلْتُ على يراعك إعفني          قـصد الـلسان فـقلت فـيه: مثقفُ

وعـصـاكً آيـتُـك الـكـريمةُ فـي يـدٍ          بـيـضاءَ وهــي لـكلِّ سـحرٍ تـلقفُ

  وكان ختام القصيدة بقوله :
إنّــــا لـنـبـغـي لـلـجـهاد قــيـادةً          يـرتـاعُ مـنـهُ الـمـستبدُّ ويـرجـفُ

ونــريـدُ أفـئـدةً عـلـى أضـلاعـها          تـطـغى عـزائـمُها وحـيناً تـعصفُ

وأنــامـلا يـهـوى عـلـى تـقـبيلها          فــي حـيـن يـلـثمه فـمٌ مـتكلفُ

ويـــرومُ إصــلاحـاً لأنـظـمةٍ بـهـا          لعبَ الغريمُ وعاثَ فيها المجحفُ

ونــريــدُ أفــكــاراً مـثـقـفـةً بــهـا          نـسـمو ومــنْ عـرفـانها نـتـثقَّفُ

وعــقــائـداً ديــنــيـةً مــيـمـونـةً          فـي النشء يغرسُها أبٌ متعطِّفُ

إنّـا لـننشدُ مـصلحين نـفوسُهم          عن حمل ما قد لُمحِّوا لا تضعفُ (55)

  وقد أُلقيت القصيدة لأول مرة بالمناسبة فقط، ومرت الأيام والليالي، ورجع الشيخ إلى النجف الأشرف، وبعد مدة، إلتقى الشيخُ الوالدُ الشيخَ الفرطوسي (رحمهما الله) في النجف الأشرف، مبدياً إعجابه بالقصيدة التي ألقاها، فسأله الشيخ الفرطوسيُّ : وأيّ قصيدة هي ؟ قال الوالد : قصيدةُ يوم الاحتفال بمجيء الشيخ . قال : ما هي ؟ فبدأ الشيخ الوالد يتلوها حتى أتى على آخرها، فأُعجب الشيخ، وقال للوالد : (والله، لم تخرجْ من فمي ولا قلمي إلا تلك الليلة، وقد نسيتها، ولم أعدْ أذكرُها ) ، فأكْ الشيخُ الوالدَ لشدّة حافظته .

المطلب الخامس : مؤلفاته التي كتبها بخط يده

  كتب الشيخ الوالد (رحمه الله) في مجالات كثيرة على شكل كراسات, وبسبب الظروف المادية العسيرة من جانب، والأمنية من جانب آخر، لم يتمكن من طبعها أو نشرها، فبقيت بين طيات كتبه بخط يده المباركة، وللمضايقات الكثيرة التي تعرضنا لها، إضطررنا إلى دفنها أو إيداعها في مكان خاص، ما أدى إلى تلف بعضها بالكامل، وكذا تلف قسم من بعضها الآخر، وما استطعت أن أجمعه وما حصلت عليه من هذه المؤلفات كالآتي :

  1 ـ كراس (حياتي، وما أسوأها من حياة) :

  ذكر فيها الجوانب المريرة التي تعرض لها خلال أشواط حياته، لعل ما أثبته كافٍ في بيان ذلك . وهناك قسم لم أتمكن من الحصول عليه ، إذ تلف من جراء الدفن، وقد حصلت على الملحق به، وهو عبارة عن أوراق أتلفتها حرارة الأرض ورطوبتها (56).

  ملحق (حياتي وما أسوأها من حياة)

  يقول (رحمه الله) : لقد صدق من قال -وهي كما ينسبها البعض إلى إمامنا أمير المؤمنين (ع) - : ما ترك لي الحق من صديق . لقد كنت ولا أزال لا أركن إلى صحة كثير من الأخبار والأمثال، وأعدها ضرباً من الخيال، وهي كثيرة لا يمكن إحصاؤها، فمنها : هذه الكلمة الآنفة الذكر (ما ترك لي الحق صديقاً ...) (57) ، كما وينسبها البعض والله أعلم إلى سيدنا الإمام أمير المؤمنين علي (ع) ، إذ إنني أقول - ويعتقده ضميري - : كيف يسوغ لعاقل ألا يقبل بالحق الذي يعرفه أنه حق، والأمر أنه يستنكر المقولة تنكراً يدعو إلى فقدان الثقة والاطمئنان، وقد يؤدي إلى ما هو أبشع وأشنع ؟!
  وما ذاك إلا لأن الأغلب من هذا الجيل يحتمل غيره (وهو غير بعيد) ، وقد حدث ذلك فعلاً بيني وبين من كنت أثق به وأدخره لشدائد الزمان ونوائبه، فإذا به يقول : (وياللأسف) يطبق قول الشاعر المشهور حينما يقول :

فـيا عـجباً اِمـل ربَّيتُ طفلاً          أُلــقّـمُـهُ بــأطـرافِ الـبـنـانِ

أعَـلّـمُهُ الـرّمـايةَ كــلَّ يـوم          فـل اشـتدَّ سـاعدُه رماني

أعَـلّـمُهُ الـفُـتوّةَ كــلَّ وقـتٍ          فــل خــطَّ شـاربُه جـفاني

وكـم عـلمتُه نظمَ القوافي          فل قالَ قافيةً هجاني (58)

  وما ذاك إلاّ لأدنى غاية، (وأدنى شيمة) (59) ، وبدون مبرر، كما وإني أُقسم بالذي خلق الوجود من عدم، وصور الإنسان وعلمه بالقلم ... إنَّني كنت أُكِنُّ الوِدَّ لهم، وأشفق إشفاق الوالد والأُم الرؤوم عليهم، وأُحاول درء الأخطار بكل ما أُوتيت من حول وقوة عنهم، غير أن جهودي وشقائي جميعها باءت (ويا للأسف) بالفشل.
  (والذي أعتقده ويمكن أن يعتقده غيري) ، أن هذه الحالات والأوضاع سجية سائدة، وقاعدة مطردة عند أهل هذا الزمان، إلاّ من عصم الله تعالى، وفي هذه الكلمة نوع من التسلية ... موقف أصحابي ، إذ أنهم من أهله، وإلا، فما معنى هذا الجحود والتنكر و ... والذي يأباه طبع الوفي وسجية الكريم ؟! مع العلم واليقين أنني لم أُغير شيئاً من حالتي التي عرفوني عليها، (واعتمدوا عليَّ ووثقوا) (60) ، مع ما أنه فيهم فّي، وما أنا فيه من دماثة الخلق وحسن الأخلاق، بل والمواساة لهم بما تقتضيه طبيعة الظروف وملابسة الأحوال، كما وأنهم لم يجدوني - العياذ بالله - قد ارتكبت خطيئة، أو خالفت دينا، ولا تركت الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر في طيلة حياتي في أي مناسبة.
  وأعتقد أن الكثير منهم ومن غيرهم لدى الإنصاف يصدق ذلك، وحيث إني - والله شهيد على ما أقول - أكره كل مجلس لم يكن لمذاكرة العلم فيه نصيب، وأعدُّ الصمت فيه وفي غير ما يرضي الله خسارة، وكثيراً ما كنت أقول في أغلب المجالس لأهلها - مع أني لا أدعي الإحاطة بالعلم ولا أرغب التبجّح في القول - : سلوا كل من ترونه من جملة المرتادين مجلسكم، فإنه لا يخلو من إحدى الحالتين ، فإما أن يفهم، فينفع السائل ويستفيد السامع، أو لا يفهم، فيضطر المسؤول أن يراجع المسألة من مصادرها المعتبرة، أو يأخذها من مضانها عند أهلها، فينتفع هو – أي : المسؤول - ويفيد السائل .
  وايم الله، إني لَكَثيراً ما كنت أشكر السائل حينما يسألني عن مسألة لم يكن لي فيها علم، فأضطر لمراجعتها من مضانها، فأستفيد بذلك، (والفضل فيه لسائلي) ، ومن هنا، قال مولانا أمير المؤمنين (ع) : ألا لا يستح أحدكم إذا سُئل عن شيء لا يعلمه أن يقول : لا أعلم (61) ، وهي من جملة الحديث المشهور ) .
  هذا ما تمّ العثور عليه وتنقيحه، وأما الباقي، فهو ممسوح من أثر الدفن وحرارة الأرض .

  2 ـ كرّاس (رسالة في الطلاق) (62) :

  عثرت على بعض الأوراق منه، مبيناً فيه الطريق الصالح والحكم الفيصل الذي يخرج الإنسان المتصدي لمسائل الطلاق بسلامة، وعدم حاجته للرجوع إلى الرسائل العملية للمراجع .
  وهذا نص ما وجدته :

رسالة في الطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

  حمداً لمن خلق الإنسان من عدم، وعلمه البيان، وأنعم عليه بالقلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله سادات الأمم .
  وبعد، فهذه رسالة وجيزة أحببت أن أوضّح فيها بعض مسائل تتعلق بالطلاق خاصة ، لأني كثيراً ما كنت أقف على أمور شرعية حول موضوع الطلاق تطبق خطأ، ويعمل بها جهلاً، وهي بعيدة عن الحق، وقد لا يتي لنا الاطلاع عليها إلا بعد فوات الفرصة، حيث لا دُجيي الردع ولا يمكن التدارك، وبما أن أحكام الله تعالى لا يجوز فيها التسامح مطلقاً، وخاصة (الفروج) ، لأن بذلك يعم الفساد وتنعدم الأنساب، فيقع الكثير في الحرام، ولا يعذر في ذلك أحد عند الله تعالى، لذلك، رأيت من الواجب علي شرعا تحرير هذه (الوجيزة) طبقاً لفتاوى علمائنا الأعلام أيدهم الله تعالى، لينتفع بها من لا يفهم أحكام الطلاق تفصيلاً، وقد لخصناها قدر المستطاع ، بغية الثواب ليوم الحساب، ومنه نستمد العون، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

  المدخل

  قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لعِدتِهنَّ وَأحَصُوا العْدَّةَ وَاتَّقُوا الله رَبَّكُمْ لا رْختِجُوهنَّ مِنْ بُيوُتِهنِّ وَلا يْخرجن إلِا أنْ يَأتْيِنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يْحدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإذِا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بمِعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بمِعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ اللهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ عْجيَلْ لَهُ مْخرَجًا} (63) .

  (سورة الصلاق)

  الايضاح

  نصّت هذه السورة المباركة من كتاب الله الكريم ببيان حكم من أحكام الله التي تساير الخليقة في حياتها الاجتماعية منذ أن بدأ الله الخلق، بناءً على أن الإنسان اجتماعي بالطبع، وقد تعرض له طوارئ لا مندوحة للتخلص منها بغير الفراق، حيث يصبح هو الحل الوحيد لحسم النزاع الواقع بين الطرفين، وبما أن الأحكام الشرعية ليست وليدة الفكر البشري الذي يختاره الإنسان لمصلحته - وكثيراً ما يخطئ - وإنما هي وحي إلهي سماوي لا دخل للفكر فيها، إذ إنه لا يزال قاصراً عن إدراك الحقائق ومصالح الأمور، حيث إن الأفكار لا تزال متضاربة، والعقول متباينة نقضاً وإبراماً، وحتى في هذا العصر المسمى بعصر النور والذَرَّة - وإلى الأبد - لذلك شرع الطلاق بصيغته الشرعية التي جاء بها الشرع المقدس {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} (64) .
  أضف إلى ذلك أن الزواج هو علاقة روحية بدنية بين الرجل والمرأة، فلا يمكن أن يستغني عنه أي إنسان في حياته أو حيوان، وكل مخلوق، وحتى الطيور والحشرات، لا بل وأغلب النباتات بالتلقيح، وما هو إلا لحفظ النوع الإنساني وغيره من الانعدام .
  بذلك قضت الحكمة الإلهية والعناية الربانية مهما اختلفت الأحوال وتعاقبت الأجيال، كما أنه لا يمكن البقاء بدون تلك القاعدة (... تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَميِنَ} (65) .
  وهذا بحث واسع النطاق لا يمكن استقصاؤه بهذه العجالة ، نظراً لإيجاز هذه المقالة، حيث إنها خصصت لموضوع الطلاق، ولأنه محل ابتلاء الكثير من إخواننا المؤمنين، وبما أننا كمرشدين يجب علينا إيضاح ذلك بصورة مفصلة مبسطة تسهيلاً لبعض إخواننا الذين يمارسون مهمة الطلاق، حيث أخطأ الكثير منهم في التطبيق ووقعوا في المحذور، وقد يعزى ذلك لعدم فهم الموازين الشرعية، فالذي يجب عليهم وعلى كل مؤمن - أدبياً - عند حدوث أي شقاق يقع بين الزوجين، وبحسب الوسع والطاقة، أن يصلح بينهما {... وَالصُّلْحُ خْيرٌ} (66) لأن أبغض الحلال إلى الله تعالى هو الطلاق، ولأنه يفصم عرى الزوجية، التي يحرص عليها الشارع المقدس أشدّ الحرص، مشيراً بقوله تعالى : {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَة ...} (67) ، ومفهوم هذه الآية أوسع لا ينحصر بموضوع الطلاق فقط .

  موجز الطلاق :

  ينقسم الطلاق بحد ذاته إلى قسمين : بدعي وسني .
  فالبدعي : مأخوذ من البدعة، وهي الحرمة التي لا يجوز بها العمل لأي مؤمن يؤمن بيوم الحساب، ولأنه فاقد للشروط المطلوبة التي لا يتم الطلاق إلا بها شرعاً، وهي أمور، منها :
  أوّلاً : الطهارة من الحيض والنفاس ، حيث لا يجوز طلاق الحائض والنفساء الحاضرتين إلا بعد العلم بطهارتيهما .
  ثانياً : أن لا يكون قد وطأ في الطهر الذي يريد طلاقها فيه، إلا إذا كانت حاملة حملاً بيناً بانتقالها من طهرها الذي قد قاربها فيه إلى طهر آخر، فلا مانع من طلاقها وإن صادف الطلاق حيضها .
  ثالثاً : أن لا تكون مسترابة بالرضاعة، وهذه لا يجوز طلاقها إلا بعد الانعزال عنها بنية الطلاق لمدة ثلاثة أشهر .
  أما السني، فمأخوذ من السنة التي أمر بها رسول الله في حياته، وعمل فيها الصحابة المؤمنون بعد وفاته، كما أنه لا يجوز لأي مسلم تركها والعمل بغيرها ، لأن (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة) (68) ، قال تعالى : {... مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (69) ، وفي الصحيح من الأحاديث المسندة : (خمس يطلقهن أزواجهن متى شاؤوا : الحامل المستبين حملها، والجارية التي لم تحض، والمرأة التي قعدت عن المحيض، والغائب عنها زوجها، والتي لم يدخل بها) (70) ، وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد .
  وحينما لا يمكن الالتئام، إما للتنافر الحاصل بينهما، أو لأمور أخرى، عند ذلك يصبح الطلاق راجحاً بل مستحسناً .

  موضوع الطلاق :

  وهنا، يلزم التحرّز عن الوقوع في الحرام، فلينظر أولاً إلى الأسباب التي دعت إلى إيقاعه، فإن كانت الكراهة من الزوج فقط، فيسمّى رجعياً، بمعنى : أنه يصح للزوج فيه الرجوع بزوجته ما دامت العدة باقية، كما يجوز لها إظهار زينتها له، والتعرض إليه رجاء استمالته إليها وعودته عليها ، لأنها زوجته، قال الله تعالى : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (71).
  أما إذا أصرَّ على الطلاق، فعليه أن يدفع لها جميع حقوقها، من نفقة أو صداق (وهما لازمان أولاً وبالذات) (72) ، لا يجوز للزوج أن يهضم لها أي حق من حقوقها، كما ليس له أن يخرجها من بيتها الذي طلقت فيه حتى تنتهي عدتها، حيث إنه بها أملك، أما إذا انتهت عدتها، فإنها تبين منه، وبذلك تصبح أجنبية عنه {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيِمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالَمعرُوفِ} (73).
  نعم، يجوز له إخراجها من بيتها الذي طلقت فيه إلى بيت غيره إذا خشي وقوع نزاع بينها وبين أهل بيته، مما يؤدي إلى الأذية الموجبة للفتنة أو التشاجر بسبب الطلاق وإبقائها عندهم - وكثيراً ما يحدث مثل هذا - بهذه المناسبات، وهو ما عبر عنه بالفاحشة بقوله تعالى : {لا تْخرِجوهنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يْخرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} (74) ، وقد يعبر عن كل كلام بذيء فحشاً، فبذلك أباح للزوج إخراجها من بيتها، والاستثناء هنا إجازة بعد النهي، وعليه إسكانها في بيت يناسب مقامها، مع القيام بجميع ما تحتاجه من نفقة ولباس، وأجاز له الدخول عليها في أي وقت أراد، كما أجاز لها أن تتزين له بغية استمالته إليها كما ذكرنا، قال الله تعالى : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنّ} (75) .
  هذا ما استطعت أن أحصل عليه وأجمعه من بين الكثير من الركام، وقد أعاقني عن تحصيل المزيد من تراث والدنا بعض من لا أستطيع ذكرهم، تاركاً أمرهم إلى الله تعالى أولاً، وإلى روح والدي وهو كفيل بذلك ثانياً، معتذراً من والدي وسيدي وأستاذي، الذي لو جعلت ماء أحداق عينيَّ حبراً لكتابة مآثره، لما استطعت أن أُوفيه بصمةً وضعني بها على طريق الهداية .

  3 ـ أشعاره

  أ ـ الشعر الشعبي

  وقد عثرت له على نظمين من أنواع الشعر :
  الأول : الشعر (الأبوذية) في حق ولده الشهيد طارق .
  والثاني : في الشعر العمودي في ذكر الموت وحالاته.
  لفقد طارق :
عَلي دهري حملْ سيفَه وسَلَّه
                              واخـذْ مـنّي الـمرَدْ گلبي وسَلَّه
رجـيت ابْگه ابـفرد خـبزه وسَـلَّه
                              واشـوفه بـسْ عـدل وايمرْ عليَّه

  وقد كتب صورة من الشعر العمودي الذي نظمه أيام شبابه في مقتبل عمره (رحمه الله) :
يــا خـالـيَ الـبالِ مـرتاحاً بـلا نَـكَدِ      تـسـعى وتـجمعُ أمـوالاً بـلا عـددِ

هـذا (خـبالٌ) وكـلُّ الـناس تـعلمُه      ترجو الحياةَ سعيداً مدة الأبدِ (76)

  وكذا له رد بقصائد على بعض علماء المذاهب الأخرى، عندما أرسل له في سنة ( 1952 م) رسالة تحتوي على قصيدة يُنال فيها من الشيعة الأصوليين وبعضِ معتقداتهم، وبعد أن قرأها، بدأ الرد عليه بنفس ذلك النَفَس واللهجة التي يفهمها، والقصيدة مثبتة في الأرشيف الخاص بالوالد، ولسنا بحاجة إلى نشرها تحاشياً ودفعاً للتحسّس والإثارة.

قصيدة في ذكر الزهراء (ع) (77) :

أخــبــركْ يــــا رســـولَ الله           وانــتـه عـالـم اشـمـا صــار

يـــوم الـغـبتْ عــن گومَــك           وثــبــوا عــلْـوصـي الــكـرار

جــمـعـت هــالـعـده كـلـهـا           حطبْها وهجمت اعْلى الدار

گالــــوا يـــا عــلـي اطــلـع           بـــايــع لا نِــوِجْــكـم نـــــار

طــلـعـتْ فــاطـمـة لــيـهـم           ورادت تــــعـــذل الــكــفــار

نــــادت شــلـذنـب وِلْــكُــم           وآنـــــه بــضـعـة الـمـخـتـار

حَـسّ الـرجس بـيها وگال           فــرصـة وحـصّـلـت لـلـثـار

حــــــادت عـــنَّـــه ولاذت           جـيـفـنْـها بــلـيّـه اخْــــمـار

ردّ الــــبـــاب واتــــوجَّـــه           عـلـيـها ونــبّـت الـبـسمار

صــاحــت آخ يــــا بــويــه           ضـلـعي ك هّـرس الـغدّار

لـحـكي عـلـي يــا فـضـــــه           مـحســـن سـقط والدم فار

بــــس هــــوّدت حـالـتـها           وكـعـدت شـكـرت الـجـبار

الـتـفتت لـلوصي وتـبجي           ابــعـبـره والــدمـع يـنـهـار

تـرضى الـرجس يلطمني           وانـــتــه غـــامــد الــبـتـار

هــذا الـهـظم مــا انـساه           وغــيـرَك مـــا إلــي نَـغّـار

انـته الـلي تـفلِّ الـجيــــش           واتـــط هِّـرش لــو جــرار

بـافـعـالـك يـحـيـر الــكـون           وبـاسمك تـحجي الأخـبار

وانــتـه لـــو تـريـد اتـكـوم           والله مـــــا يــظــل دَيّــــار

كـــادوك ابِّــنـود الـسـيـف           لـيـش اسـكـتت يــا كـرار

يــــردونـــك تــبــايــع ذاك           آنـــه ابـهـا الامــر مـحـتار

مــدري الـعـوَّكك شـنـــــهي           تــصبـر وانتــه الـمـغـوار

مـاهـو عــن قـصـور الـباع           مــنَّـك واسـكـتت مـحـتار

لاجَن گَيَّدك (محتوم) (78)           بــيـه امــوصـي الـمـختار


قصيدة في ذكر الإمام العباس (ع) (79) :

ابـيوم الـلي حـمل عبـــاس           (فرَّت) (80) كل اهَل كوفان

صــاحــوا حــيــدر الــكـرار           طــبّ ا حـلـومة الـمـيدان

صــاحــوا حــيــدر الــكـرار           طــــب او ويــــن مـلـفـانَه

الـيـوم احـتـزم مــن كـبره           لابــنــه وشــمــر اردانـــه

يـخسه الـلي يـجر سيفه           ورمــحـه ويــعـدل الــزانـه

فــــرّت كــــل مـسـامـيـها           مــنّـه وتــرسـت الــوديـان

فـــرّت مـــا تِـعَـرْف الـزيـن           مـنها بـس تـراها اسـكوت

هــذا ايـمـوت مـن سـيفه           وهـذا امـن الـفزع مـبهوت

حـاط ابـن الـوصي اعْـليها           والــحـوّطْ عـلـيـها اتـمـوت

مــشـيـة حــيــدر الــكـرار           عــــوده داحـــي الـبـيـبان

يــشـبـه حــيــدر الــكــرار           بـالـحـمله وعـلـيـه أيـــزود

كـــل مــن شـافـــــه اتـحـير           مــتـضـمّـه الــزلــم وازرود

عـلـيـه اتْـضـيـجْ هـالـدنـيا           ومــن يـشـرد بـعد مـيعود

هــذا مْــنِ الـشــــبل بـعضَه           وازيــدك مـن تـبي الـتبيان

اخـبـرك مــن صــرخ بـيـها           وهــي اجـمـوع مــا تـنـعد

إتْـلـثـمـية الــــفْ خــيــال           والـــواحــد بَــلِــف يــنـعـد

كـلي اشعــــمل بِسْرَ هْهب           ظـلـت بــس اســم تـنـعد

مــن شـافـه الـســــبط كَّـه           يـاخـويه اكـسـرتْ ظـهري

وعـكبك يـا عـضيدي اليوم           ودي لا يـــظــل عـــمــري

كـلـي اومــن بـعـد عـيناك           شـنـهي لـذتـي ابـدهـري

وآنـــه أرد امـــوت الــيـوم           ولا شــوفـك تــون هــالآن


لطمية في حق الإمام الحجّة (عج) (81)هـ :

ويــنــك يــــا ابــــو صــالـح           مـــا تـنـتـهض حــتـى الآن

كـلـبـك مـــدري اشـحـالـه           وصــبـرك عَــجَّـب الأكــوان

تــــدري بـالـسـبط جـــدَّك           هـل مــــرمي عـلى الـتربان

عـــاري وتـــم ثــلـث تـيـام           مـا حـصّل غـسل واجـفان

كــوم اطـلـب يـراعي الـثار           سـيدي ابـسبية الـنسوان

وكـلـهم مــا جــــــرت هــذي           عــنــد الــعـجـم والـعـربـان

غــيــره أبـــد مـــا عــدكـم           كـلـكـــــم يــا بـنـي سـفـيان

(زينب) (82) من سمع بيها           مـكـشوفه ابـوسط ديـوان

  وما بعدها ممسوح من رطوبة الدفن في الأرض .

نعي في حق للإمام الحسين (ع) (83) :

ريـــض وانـظـر ادمـوعـي           وهاك اسمع يحادي البل

حـيـن الـتـوصل الـعـباس           عــايـن مـنـي لــو تـنـزل

إخِ هْرب وصيح ابو فاضل           خـواتـك هـالـعراها الـذل

تـرضـــــى تـنـسبي لـيـزيد           كـلي اشـص كَّـرب عـنها


  وما بعدها ممسوح من رطوبة الدفن في الأرض .

أبيات في حق الإمام السجاد (ع) (84) :

يـتـلـفـت تــــراه وصـــاح           يــلــكـرار مــــا تــحـضَـر

تـشوفه من وكف حيران           وجهه مْن المرض مصفَر

آمَــرْهــم يــزيـد اعـلـيـه           ولا واحـــد نــهـض يـنـغر

هــذي مـحـنة الـسـجاد           وانــتـه تـــدري ابْـحـالـه


  وما بعدها ممسوح من رطوبة الدفن في الأرض .
  أبيات (85)
ويـــنــك يـــــا عــجــيـد الــكــوم           تــشـوف ابـنـك عـلـي اشـحـاله

ابــيــوم الــلـي وصـــل لـلـشـام           رحــــلـــه وجــمــلــة اعْــيــالــه

حــيـدر (وي عــلـي وابــنـه) (86)           لون اتشوف جسم احسين (87)

مـــثـــل امــصــيـبـة الــســجـاد           مــــا ظــنــن ســــدت بـانـسـان

اهــــلـــه امـــطــرّحــه يــــمّـــه           ابــــذاك الــحــر عــلـى الـتـربـان

عــكــب الــسـلـب وجّــــوا نـــار           مـــنــهــا فـــــــرت الــنــســوان

ولا واحــــــــد نــــغــــر لـــيـــهــا           وكــلــهــا امــذبّــحــه ارجـــالـــه

حـــيــدر يـــــا عـــلــي يــلـحـيـد           مــثــلـك مـــــا أكـــــو صــنــديـد

تــــرضـــى لـــزيــنــب الـــحـــرة           بــلــمـجـلـس يــــراهـــا يْـــزيـــد

وابـــنـــك ســـيــدي الــســجـاد           مــجــتــوف ابْــحــبــل وحْـــديــد

يــتــلـفـت يــــــرى الــنــســوان           والـــــــروس الــــــذي اكــبــالــه

من بعض قصائده في حق الإمام الحسين (ع) (88) :

هـــــذا مــوعـجـب وانــكــار           ابــنَــصّ امـبـيّـنـه الـرحـمـن

جـــر ابــن الـوصـي سـيـفه           ولــيــهـا قـــصــد مــتـوّنـس

مــــا يــوكــف ابـــد حــيـران           لــو شـافـه ويـضـل مـطوس

يـخـسـه الـيـوصـل الـعـباس           مــن عـيـنه الـفـحل يـخلس

حـــيــدر والـــــده مــعــروف           طـــــوّع بــالـعـلـم لــلــجـان

حـــيـــدر والــــــده ضـــمــه           يــنـصـر لـلـسـبـط بــالـطـف

اكـــرم بـــي كـفـو ونـعـمين           نـعِـم الأخــو خــوش انـصَف

حـيـنِ الـلـي وصــل لـلـماي           وكـلـبه عـلـى الــورد رفــرف

خــاطــب نــفـسـه اوكـلـهـا           مَـشـرب والـسبط عـطشان

(تـم حـيلي لعد جولات) (89)           قــصـده ايـوصّـلـه لـحـسين

شـــالــه ونـــهــضْ يــتــرنَّـم           والـعـسـكر وكـــف صـوبـيـن

نــــاده بـــن ســعـد كــومـه           يــنـخـه واهـــم مـضـطـربين

(خـايـف) (90) يـوصل ابـمايه           لَـهْـلـه ويـسـجي الـنـسوان

حــاطــتّـه تــــره الـجـيـمـان           كــلــهـا الــجـتـلـه الــتـمَّـت

كــطـعـت يـمـنـته ويــسـراه           ولحكت (91) هامته انفضخت

طــــاح وصــــاح يـــا خــويـه           وهــــاذي لـلـسـبـط هـــدَّت

جـــــاه وشـــافــه امــعــفـر           ويـلـي اعـليه عـلى الـتربان

صــــــــاح امـــودعــيــن الله           اورد عـــــــدل عــلــمــيـدان

ســــلّ الـمـرهـفه ابـيـمـناه           واتــوجَّــه عــلــى الــعـدوان

أَقـــسَــم بــالـنـبـي جــــده           وحــيــدر داحــــي الـبـيـبـان

عــنــكـم مـــــا أرد الـــيــوم           إلا الــــدم يــضــل غــــدران

طــب لـيـها ودعـاها اشـتات           مـــنــه وفـــــرت الـجـيـمـان

طــــك الـسـيـف بـالـهـامات           وقـــــع ايـــــح الــشـجـعـان

مـــن يـصـرخ عـلـيها اتـكـوم           مـــا تـبـقـه ويــظـل حـيـران

ضــاكـت كـــل فـجـاج الـبـيد           بــيــهـا ولـــزمــت الــوديــان

هـــــذا ايـــفــرِّك اوصـــالَــه           وذاك ايـــوسِّـــده الــتــربـان

ســيــفـه يــنـهـر الــهـامـات           رمــحَــه يــنـضـم الـجـثـمان

لـــو تـمـضـي بـعـد سـاعـه           مـنـهـم مـــا بــقـه انــسـان

جــــاه الــنـصـر رف اعــلـيـه           ابـخـطَّـه امــصـوّر الـرحـمـن

كـاتـب يــا حـبـيبي احـسين           جــتـلـك مــــا نِـحِـتْـمه الآن

لاجـــــن الــعــهـد مـنـطـيـه           انـــتــه ابْــعــالـم الأكـــــوان

لـــجــل الـــديــن واحــيــاءه           تــفـدي الـنـفـس والــولـدان

مــن شــاف الـعـهد حـومَـه           ردْ سـيـفه اوّ وكــف حـيـران

كــــال احـتـسـب عــنـد الله           هـلـمـوا يـــا بـنـي سـفـيان

اكــلــك يــــا عــلـي اصــبـر           وصـبـرك أمــر بــي واســرار

مـــن تـنـهض أخــاف الـديـن           يـتـضـعـضـع تـــــره ويــنـهـار

لــجــلـه وطــنــت نــفـسـك           واحـمـلـت الـهـضـم والــعـار

الله ايــســاعــده الــكــلـبـك           الـهـلـحد مـــا غــده طـشـار


  تمّت (227) بيتاً، لناظمها : عبد الكريم .

لطمية في حق أهل البيت (ع) (92) :

ويـنـك يـداحي الـبيبان           سـيدي الحرم مشّوها

عـكب الـسلب وجّو نار           بـخـيـامـها وحــركـوهـا

جـابـو هِــزِلْ لـلنسوان           واطـفـالـكـم رَجــبـوهـا

كـطـعوا فـجـاج ووديـان           مــــا هـــودوا وآذوهـــا

بــــس اتـعـثـر نـاكـتْـها           ابْسوط العده ايْضربوها

والله الـهـضيمه هــذي           زجـــر وشــمـر وَدّوهــا

وبـمـسـبتك يـــا كـــرار           تـرضـه الـهزل يـحدوها

يا سيدي ريت اتشوف           يـــوم الـــذي طـبّـوهـا

حـين الإجـو لـلشامات           وكـت الضحى دَخْلوها

تـتـفرج عـلـيها اعــداك           ريــت انـعموا شـافوها

وآمـــر يـزيـد الـمـلعون           مــا مــن مـنع نـظروها

مَلْها ستر مَلْها احْجاب           جـتف الـجتف شـدّوها

ويـتـردد اعْـلـيها حـيـف           كـصده العدى ايعرفوها

  تمّت.
  وله أيضاً :

قصيدة في ذكر الإمام الحسين (ع) (93) :

اويـلـي اعْـلـى الـسبط ويـلي           ابـــيــوم اتــوســط الـجـيـمـان

صـــاح ابــصـوت كـــل سـامـع           مـــن صــوتـه وكـــف حــيـران

انــــه ابـــن الـنـبـي الــهـادي           وســيِّـد عــلْ الإِنِــسْ والـجـان

خــــافـــن مــــــا تــعــرفـونـي           ولـــكــم يــــا اهــــل كــوفــان

إِنِـــشْــدوا واســـألــوا جــابــر           والـــــزيــــد وســـعـــيـــد الآن

أ ْمـــهـــه بــالــخـبـر يـــــدرون           (درت ادعوا على العدوان) (94)

انـشـدكـم لـــو وكـــف جــدي           وبـــاجـــر بــالـحـشـر نـــيــران

(ايـكـلـهم مــا رعـيـتوني) (95)           جـــابـــوه ابــنــبــل وابــــــزان

لـــمـــن شــــــاف حــالــتـهـم           هـــــذي وابـــــدوا الــطـغـيـان

كـــــال الــوعــظ مــــا يــنـفـع           حـــيــث اتــحـكّـم الـشـيـطـن

ســـــــــــدّر ودّع اعــــيـــالـــه           كــلــهـا وضــجــت الــنـسـوان

هـــــذي اتــشــمـه وتــبـجـي           وهـــــذي تــحــثـي الــتــربـان

دارت بــــي عــمــت عــيـنـي           اربــــــع فـــــرق هـالـجـيـمـان

فـرقـه ابـسـيف فـرقـه ابـرمـح           فــرقــه ابـنـبـل فــرقـه ابـــزان

والــيــرمـي عــلــيـه احـــجــار           لـــمـــن وكــــــع بــالــمـيـدان

(يــكـفـي هـالـعـمـل واجـــرام           شـيعي ما يطيقه انسان) (96)

  وله كذلك (97) :
يـــا طـــارش احـصـانـك دجـــده           (اركــب) (98) عـلـيه ابـغـير عـدَّه

ابــغـاره لــعـد حــيـدر واقــصـده           طـــب حـضـرتـه ولــيـه الـتـعـده

وصـيـح ابـصـوت لـلـشباج هـده           صــبــرك جــــزه يـالـكـرار حـــده

صــبـرك دكـلـي الـيـاوكت حــده           إنـهـض عـلـي ومـرهـفك جـرده

دم احسين عن (بيته) (99) تعده           وبـنـاتـك يـحـيـدر تـــره ابــشـده

تـنوح احـسين واتـحشم الـجده           لـون يحضر لعد ابنه يوسده (100)

عـلى زجـر وشـمر وجميع جنده           يـرجـبوهن هـزل مـن غـير عـده

لـعـند ايـزيـد وي الـغـرب عـمـده           طـبـن تــره واهـل الـشام عـنده

كـعد يـنشد وكـلسا يـرد نـشده           لـعـد زيـنـب يـريد ايـعرف قـصده

عــرفــهـا وصـــــاح يــــا زيــنــب           جـتل احـسين مـن سـابج نوده

تـــدري بـيـها يــا حـيـدر مـضـده           تـطـلـبـك ثـــار صـفـيـن الـتـعـده

واحــروبٍ كـثـيره مــوش وحــده

ب - الشعر القريض

  وقد كتب من الشعر العمودي (القريض) والشعر الشعبي الحسيني الكثير، إلا أن أغلبه ضاع بسبب الدفن خوفاً من عيون أزلام البعث الحاقد والبغيض، ولعل ما عثرت عليه فيه الكفاية لإثباته، والله ولي التوفيق، وقد تمكنت من أن أجمع البعض اليسير منه كما يلي :
  مما قال عبد الكريم آل الشيخ حسين آل فرج الله (101) :

يـــــــا عـــامـــر الــدنــيــا تــــــروم بــقــاءهــا           هـــــلا اعــتــبـرت بــمــن مــضــى وتــقـدمـا

أضـــحـــت مــنــازلـهـم تـــنـــوح لــفــقـدهــــــم           (وكــأنــهــا نـــدبـــت أُنـــاســاً نـــوّمــا) (102)

هل عاينوا (103) كسرى وقيصر (قبلهم) (104)           إذ أحــــكـــمـــوا بــنــيــانــهــم فـــتـــهــدّمــا

ســلـهـم فــهــل دفــعــوا الــقـضـا وتـمـكـنـوا           مــــــن رده لـــمـــا بـــهـــم قــــــد أحــكــمـا

صــــــــاروا دريــــئــــة نـــبــلــه وســـهــامــه           فـــهــل اســتــطـاع لــدفــعـه مـــــن قــاومــا

ويـــحـــق أن أســـلـــو الــمــصـائـب كــلــهــا           مـهـمـا تــكـون عــلـى الــورى هــي أعـظـما

لـــمــا أتـــــى ســبــط الــنـبـي مــحـمـد           يــحــيـي لــديــن قــــد أمــيــت وأعــدمــا

جـــــروا عــلــيـه جــيـوشـهـم وتـجـمـعـوا           كــــي يــدركــوا ثــــار الـطـلـيـق وحـنـتـما

مــلــكــوا الــشــرائــع كــلــهـا وبــظـنـهـم           أن (يـسـتـكين) (105) لأمــرهـم ويُـسـلّـما

فــانـهـال يـحـطـم جـيـشـهم فـــي فـتـيـة           بــذلــوا الــنـفـوس وكــابـدوا حـــر الـضـمـا

حـــتــى قـــضــوا يــالـلـرجـال جـمـيـعـهم           دون الـحـسـيـن وأرخــصــوا تــلـك الــدمـا

وقـــــف الــحـسـيـن عــلـيـهـمُ فـبـكـاهـمُ           وحــشــاه مـــن ألـــم الـمـصـيبة أُضــرِمـا

ودعـــاهـــم والـــكــل صـــرعــى حـــولــه           مَـــنْ بَـعـدَكُـم يـحـمي الـنـساء ف مـحُـريا

فـتـحركت (أجـسادهم فـوق الـثرى) (106)           لــــولا الــقـضـا نــهـضـت الــيــه تُـسـلّـما

قــــال الــحـيـاة سـئـمـتـها مـــن بـعـدكـم           والـمـرء (مـا طـال الـبقا لـن يـسلما) (107)

ويــــــعـــــز والله عــــــلـــــي أراكــــــــــم           (والجسمُ من ضرب السيوف تخذما) (108)

فـــلــوى إلــــى نــحــو الــخـيـام جــــواده           وأبـــــان مـــــا خـــــط الــقــضـا وتـحـتـمـا

فـــأتــتــه ربـــــــات الـــحــجــال بــعــولــة           مــنـهـا تــهـدّ الـراسـيـات (تَـظَـلُّـما) (109)

ثــــم انــثـنـى نــحــو الــعــدى ودعــاهــم           هـــل جــئـت فـــي ديــن الـنـبي حـمَـرَّما

عــمــيـت عـــيــون الـظـالـمـين أمــــا رأوا           أن الـــســـهـــام تـــــؤمّــــه لــتُــسَــلِّـمـا

نــــادى هــلـمّـي يــــا ســيــوف فــإنـنـي           أعـــطــيــت عـــهـــداً لـــلإلـــه تــقــدّمــا

قـــــد كـــــان ديـــــن مــحــمـد ووصـــيــه           لـم يـستقمْ لـو (ما) (110) أكـون لـه حمى

فــاهــتـزت الــسـبـع الــطـبـاق وأعــولــت           تــبـكـي الــسـمـاء بــمـدمـع مـنـهـا دمـــا

فــرمــاه ذاك الــرجــس ســهــم جــحـوده           يــــا لــيـتـه لـحـشـاشـتي قــــد حــطّـمـا

وثـــوى ثـلاثـاً فــي الـهـجير عـلـى الـثـرى           تـسـفـي عـلـيـه الـسـافـيات وقـــد سـمـا

لـــكــنّ مـــــا فـــــاق الــمـصـائـب كــلـهـا           حًــمْـلُ الـنـسـاء وسـوقُـهـا ســوقَ الإمــا

يـــــا ويـــــح قـــلــب لا يـــــذوب لــرزئــهـا           إذ لــــم تــجــد مــــن ظـالـمـيـها راحــمــا

هــــذي هــديــة مــخـلـص لــــولاء مــــن           يــحــمـي الــمـحـبَّ ولاؤه يــــوم الــظـمـا

أرجــــــو الـــرضـــا بــهــديـتـي وقــبـولـهـا           يـــــا ســـادتــي عــبــد الــكـريـم تـكـلـمـا


  لناظمها : الحقير عبد الكريم فرج الله (رحمه الله) تمّت (31) بيتاً في ليلة الأحد الموافق (12 ذو القعدة سنة 1366 هـ) .

مقطع من قصيدة (111) :

هــــلاّ بـعـثـتـم بِــــرِقٍّ يــأتِـنـا ولــنــا           يـشـفي الـغـليل فـفيه مـنكم وجـل

شـف الـمــــداد أم الأقـلام قـد كسرت           قـلّـتْ كـواغـدكم أم عـاقـكم كـسـل

أمــا وجـدتـم رســولاً قـاصـداً عَـجَـلاً           أم هل وجدتم فلم تسهل له السبل

أمـــا وجــدتـم لـــه عـيـساً فـيـركبُها           أم هــل وجـدتـم ولـكـن عـاقها هـزل

مــا عـذركـم خـلةً فـي وصـلنا فـلقد           أعـرضـتمُ أوجُـها مـن شـأنها الـخجل

حـقـاً نـقـول قـلـوب مـنـكم اخـتلفت           فــي ودنــا أو بــدا مـنـكم لـنـا مـلـل

قــولـوا أحـبـتنا نـجـم الـسـعود عــلا           فـيـكم ولـكـن عـلـينا قــد عــلا زحـل

أبـدالـنـا بــصـروف الــدهـر يـجـمـعها           جـمـعا لـنـا فـيـكمُ أودت بـهـا الـعـلل

لا زال فـــي مــهـج الأبــدان حـبـكم           وإن بـــدا مـنـكـمُ عـيـنـا لـنـا الـمـلل

أســتــودع الله فــيـكـم يــــا أحـبـتـنا           فـالـعـمر مـنـتـقص والــمـرء مـنـتـقل

أبيات من قصيدة تخميساً (112) :

دعـــوت ولــم أتــرك لــذي الـلـب مـعـتبا           وأسـمـع مــن يـصغي ومـن كـان مـعجبا

فــــدونـــك مــــــاءً لــلــنـجـاة ومــركــبــا           إذا شــئـت ان تـخـتـر لـنـفـسك مـذهـبا

يُـنـجيك يــوم الـحـشر مــن وهــج الـنـار

تَــنَــحّ عــــن الــدنـيـا بــكـل الـمـسـالك           فــــقـــد أوردت طـــلابــهــا لــلــمـهـالـك

وإنْ رمْتَ أن تحضى (بتلك) (113) الأرائك           فـــدع عــنـك ذكـــر الـشـافـعي ومــالـكِ

وحـنـبـل والــمـروي عـــن كــعـبِ أحـبـار

فــإن رســول الله لـيس (يـغشهم) (114)           لـغـير نـجـاة صـار يـنهى (لـجيشهم) (115)

فــكــيـف يُـــرَجّــى لــلـنـجـاة مـغـيـثـهم           وقـــد صـــار يـنـهـى لـلـسـعير حـثـيـثهم

ولا تــبـغِ قـومـاً فــي الـحـساب لـهـيثهم           ووالِ أنــــاســـاً ذكـــرهـــم وحــديــثـهـم

روى جــدُّنـا عـــن جـبـرئيل عــن الـبـاري

بيتان من الشعر (116) :

يـا خالي البال مرتاحاً بلا نكد           تسعى وتجمع أموالاً بلا عدد

هذا (خبال) وكل الناس تعلمه           ترجو الحياة سعيدا مُدّة الأبد

بيتان عن الجار (117) :

بـلـيتُ بـجـار لايُـطاقُ جـوارُه           فيا ليتني قد مِتُّ قبل جوارِهِ

ودارٌ لـنـا فـيها سـكنّا حـياتَنا           وددْنـا لها هَدماً بتشييد دارِهِ

قصيدة (118) :

لـقـد عـلـمت كــل الـخـلائق هـاشـماً           كــرامـاً وفــي الـهـيجاء تـشـهد أكْــرُمُ

تعفُّ عن الجرحى وتترك (مُدبراً) (119)           وتـرعـى لـمن فـي الـخدر بـاتت تَـنَعَّمُ

فـقل (لأُناسٍ) (120) سوَّدَ الله وجههم           وألـبـسهم خـزيـاً مــدى الـدهر مـظلمُ

فـــهــلاّ رعــيــتـم خــــدر آل مــحـمـد           بــيــوم بــــه كـــلُّ الـحـمـاة تَـصَـرَّمُـوا

حـمـلـتم لـهـا فــوق الأضـالـع حُـسَّـراً           تــنـوح ومـــن عــظـم الــرزيـة تـلـطـم

إلـــى أن أتـــت أرض الـشـئام بـحـالة           يــــرقُّ لــهــا مـــن لا يـــرقُّ ويــسـأم

فــوافـتْ يـزيـداً يــا لـهـا مــن مـصـيبةٍ           بـمـجـلسِ رجـــسٍ لا يُـراعـي ويـرحـمُ

ونــادى عـلـى أهــل الـرسـالةِ -ويـلَه-           خــــوارج يــالَـلـه مــــا كــــان يــزعــمُ

يـــــرومُ لـيـطـفـي نــــورَ آل مــحـمـدٍ           وهـــذا مــحـال إذ بـــه الــنـصّ يُـعـلم

فــنــورهـم نـــــور الإلـــــه وســرهــم           بــه سـرُّ وحـيٍ هـل تُـرى كـيف يـثلم

بـجَـدَّهِـمُ قــد شُـيّـدَ الـديـنُ والـهـدى           بـسـعـي لـــه فــيـه الـخـلائـقُ تَـعْـلَمُ

فـلا غـرو إذ يـعلو عـلى الـحوض (جدُّه           فـيسقي بـه مـن بالولاية ينعم) (121)

عـجـبت لـكـم أن لا تـموتوا لـما جـرى           مــن الـخـطب والأمـر الـفضيع يُـهشّم

غــــداة تــســاقُ لـلـطـغاة نـسـاؤكـم           سـبـايـا فـــلا حـــامٍ يــراعـي ويـرحـم

وأعـجـبُ شــيءٍ قــد دهـانـيَ زيـنـبٌ           يُــعَــنِّـفُـهـا ذاك الــزنــيــمُ ويــشــتــم

وحــــقَّ لـقـلـبـي أن يــــذوب لـرزئـهـا           ولـــو أن مـــا خـــطَّ الـقـضـاءُ مـحـتـم

فــيـا عـيـن جــودي بـالـدموع لـحـادثٍ           رضــيـعٌ يـريـد الـمـاء بـالـسهم يُـفْـطَمُ

فــــوالله لــــو يــــدري يــزيــدٌ بـقـتـله           حـسـيناً يـشـاد الـدين مـا كـان يـقدمُ

  ملحق :
إن الإمـــــام أبـــــو الـــهــدا           ة بـــــــحـبـه مــــن يـسـتـقـــــيم

(ما خاف) (122) ضراً أو أذىً           كلا ولا (خاف) (123) الجحيم

فــهــو الأمــــان لــنــا غـــداً           وهـــو الـصـراط الـمـســـــتقيم

قصيدة في ذكر الإمام الحجّة (عج) (124) :

مـــــــتــــــى (يــــســـتـــجـــد) (125) الامـــــــــــــر           يا صاحب الأمر فإن قلوبا (ترتجيك على الجمر) (126)

وطـــــــال عــلــيــنـا يـــــــوم وعـــــــدك ســـيـــدي           فـــكــدنــا نـــمـــوت الآن صـــبـــرا مــــــن الــصــبــر

لأن بـــــنـــــا أهـــــــــلَ الـــفـــســـاد تـــحــكَّــمــوا           وجـــــــاروا عــلــيــنـا والــجــمــيـع بـــــــه تــــــدري

فـــعـــجــل إلـــيـــنــا يــــابــــن بــــنـــت مـــحــمــد           ولا عــــذر فــيـمـا (تـبـتـغـيه) (127) ولــــي عــــذري

أرى كـــــــــــل مــــــنـــــاع كـــــفـــــور مــــعـــانـــد           يـــفــوز بـــمــا يـــهــوى ومـــــن ذاك مـــــا يُـــــزري

فـــهــل لــــك أن (تــنـعـى) (128) مـصـيـبـة كــربــلا           فــتــشـهـر ذاك الــســيــف مــــــا أدري مـــــا أدري

ولـــيــتــك تـــــــدري مـــــــا جـــــــرى بــصـعـيـدهـا           بـــهــا الــســبـط مـــحــزوز الـــوريــد مـــــن الــنـحـر

أقــــــــام ثــــلاثــــاً فــــــــي الــهــجــيـر مــــجـــرداً           عـــلـــى الأرض مـــرضـــوض الــجـنـاجـن والـــصــدر

ولا غــــــــــرو أن الـــقـــتـــل عـــــــــادة ســـــيــــد           لــعــمــري ورضُّ الــجــسـم لـــيــس بـــــذي نـــكــر

وغــيـرعـجـيـب أن تـــــرى الـــــرأس فـــــي الــقــنـا           مـــعــلــقــة إذ ذاك مـــــــــن شـــيـــمــة الــــحُــــرِّ

ولــــكــــنَّ حــــزنــــي واضــــطــــراب جــــوارحـــي           مـــــدى الـــدهــر والأيـــــام حــتــى إلــــى الــقـبـر

ولا أشـــتــفــي مـــــــا دام عـــيــشــي مـــخــلــداً           لِـــسَــبْــيِ نـــســـاء فــــــي الــمــفــاوز والــقــفــر

وأعـــظـــمُ رزءٍ قــــــد (دهـــانـــي) (129) دخــولُــهـا           بــمـجـلـس رجـــــس مـــــن زنـــيــم ومــــن عــهــر

تــــلـــوذ مـــــــن الـــنُــظّــارِ حــــســـرى بِــحُــسَّــرٍ           (فــيــا لـــكَ مـــن رزء يـــدوم) (130) إلـــى الـحـشـر

فــــهـــا مــهــجـتـي كــــــادت تــــــذوب لــفـعـلـهـم           ولــكـنَّ عــزمـي (قـــد أعـــان عـلـى صـبـري) (131)

فـحـسـبُك مـــا (أفــديـت) (132) حـسـبـك ســيـدي           فــــكــــلُّ مـــــــوالٍ يــرتــجــيـك إلـــــــى الأمـــــــر

فــيـا لــيـت (شــعـري هــل أعـيـشُ) (133) لـسـاعة           بـــهـــا الــطــلـعـة الـــغــراء تـــبــدو مـــــع الــفــجـر

أبيات في ذكر الموت (134) :

مـــــــا لــلــقـبـور كــأنــهــا لا ســـاكـــنٌ           فـيـهـا وقـــد حـــوت الـعـصـورَ الـمـاضـية

طــــــوت الــمـلايـيـنَ الــكـثـيـرةَ قــبـلـنـا           ولـــســوفَ تــطـويـنـا وتــبـقـى خــالـيـة

أيــــن الـمَـهـا وعــيـونهـا وفــتـوُنهـا           أيــــــن الــجـبـابـرُ والــمــلـوكُ الــعـاتـيـة

(زالـــوا عـــن الـدنـيـا كــأن لــم يـفـرحوا           سحقاً لهم تحت السهام القاضية) (135)

(مــتـع لـحـاظـك فــي الـنـجوم وضـوئـها           نــمـضـي جـمـيـعـا والــكـواكـب بـاقـيـة)

قصيدة الإنسان والموت (136) :

ألا أيـــهــا الإنـــســان ويـــحــك فــاسـتـعـد           فـــإنــك عـــــن كــــل الأمــــور ســتـسـأل

فـلابـد مـن (يـوم بـه الـعمر يـنقضي) (137)           ولابــــــد مــــــن دار الـــغـــرور ســتــنـقـل

ولا بـــــــد لــلأحــبــاب حـــولـــك ضـــجـــة           إذا كــــان مــلــك الــمـوت بــالـروح يــرحـل

ولابـــــد مـــــن غُـــســل فــكــن مـتـيـقـناً           ولابــــد لـلـقـبـر (الـمُـعَـدِ) (138) سـتُـحـمل

ولا بــد أن ( سُـمتي لـوحدك) (139) مـفرداً           (لــدى) (140) الـلحد حـتى بـالمشقة تُـنزل

وتـبـقى أسـيـراً فــي ثــراك (مـقيداً) (141)           جـنيت عـليهم بـعد أن كنت (تُفضل) (142)

ولا بـــــد أن تــبــكـي وطــرفــك شــاخــص           إلــــى كــــل مــــا خـلَّـفـت أنـــت مــؤمـل

فــهــيــهـات أن يـــأتـــي لــقــبــرك زائــــــرٌ           يــخـفـف مــــا قــــد كــنــت فــيــه تُــكـبّـل

تـجـاهـلـت مــــن قــبــلُ الــمـمـاتَ كـأنـمـا           مـلـكـتَ زمـــامَ الــدهـر بـــل أنـــت أجـهـل

فــهــلاّ ذكــــرت الـسـالـفـين ومــــا جـــرى           عـلـيـهـم مــــن الأقــــدار إذ هـــم تـغـافـلوا

(رمتهم صروف) (143) الدهر سهمًا فأصبحوا           ولــــيـــس لـــهـــم إلا الــمــقـابـر مـــنـــزل

فــأنــت غــــروراً تــجـمـع الــمــالَ لـلـعـدى           ولــيـس تـــرى غــيـرَ الـــذي كــنـتَ تـعـمل

فــمــاذا تــقــول الــعــذر إن قــــال يــسـأل           ألـــســت بـــهــذا الأمــــر ويــلــك تــعـقـل

نــهــاك إلــــه الــخـلـق عـــن كـــل مـنـكـر           أمـــــا آن فـــيــك الـــيــوم انــــك تــخـجـل

فــلــيـتـك يــــــا مـــغــرور تُــبــصـر مـــنــزلاً           (يــكـون إلــيـه الأمـــر ثـــمَّ) (144) صُـحـتل

فــــإمــــا بـــخـــيــر فــالــجــنـان تــنــالــهـا           وإمــابــشـر فـــــي الــجـحـيـم ســتـجـعـل

جــــرت ســنــة الأكــــوان قــدمــاً ولاحــقـاً           إذا أبـــصـــروا عـــبـــداً لـــمـــولاه يـــرحــل

فــيــحـضـره أهـــلـــوه يــبــكــون حـــولـــه           وأدمــعــهــم فــــــوق الــوطــيّــة تُــهــمـل

وتــلــطــمـه فــــــوق الـــصـــدور أكــفُّــهــا           وتـــبــدي عــلـيـهـا الــويــل ثــــم يُــغَـسَّـلُ

ويــــــثــــــوي بــــنــــعـــش بـــالـــحـــريــر           مـكـلل فـيـوضع ذاك الـمـيت فـيـه ويـحـمل

يـــهــال عــلــيـه الـــتــرب تــلــك ســجـيـة           إلــى مــن سـيـمضي فــي الأنــام ويُـقـبل

فــمــا بــالـهـا لــــم تــجــر لابــــن مــحـمـد           غـــــداة بـــنــي ســفــيـان فــيــه تــمـثِّـل

أحـــاطــوا بـــــه والـــكــل يــطـلـب قــتـلَـه           كـــــأن لـــهــم فــيــه نـعـيـمـاً سـيـحـصـل

  كما أن هناك أبياتاً شعرية خَمَّس عليها (رحمه الله) ، تقول (145) :

أبـــا حــسـن إن أخـــروك وقــدّمـوا           عليك رجالاً فهو في نقصهم يكفي

فــذي ألــف الآحـاد إن هـي أُخـرت           وقدمن أصفار تعود إلى الألف (146)

  ويقول الشيخ الوالد مخمّساً هذين البيتين من نظمه :

لأعــجـبُ حــقـاً مــن طـغـام وأعـلـم           بــأنــهــم شـــــر الــعــبـاد وأظـــلــم

فـتعساً لـهم مـذ خـالفوك لقد عمواد           (أبــــا حــسـن إن أخـــروك وقــدمـوا

عـليك ثـلاثاً فـهو في نقصهم يكفي)

بــدعــةٌ مــالـوا إلـيـهـا وقـــد جـــرت           بــيــوم بـــه تــيـم الــضـلال تــآمـرت

فــويـل لــهـا عـــادت عـلـياً أمــا درت           (كـمـا ألــف الآحــاد إنْ هــي أُخّـرت

عن الصفر والتعداد عادت إلى الألف)

  وله بيتان (147) :

يــــا أمــــة الــسـوء تـعـسـاً مـــن جـنـايـتكم           كيف (الحسين) (148) قضى ما بينكم عطشا

هــــــلا حــنـنـتـم عــلــيـه إذ دعـــــا بـــكــمُ           لا بــــــرّد الله مــنــكــم مــهــجــةً وحـــشـــا

  وله في أيام تنصيب الملك غازي على العراق والياً عندما جاءه الخبر عن طريق ساعي البريد آنذاك ما خطته يداه الكريمتان، معقباً بعدها ببيت من الأبوذية كتب عليه كلمة (منقول) ، ولست أدري هل نقله من غيره أم نقله إلى موضع آخر ليبقى له ؟ يقول (رحمه الله) (149) :

جــــــاء الــبــريــدُ بــقــرطـاسٍ يــبـشـرُنـا           غــــازي الــعـراقِ عـيـانـاً فــيـه مـنـصـوبُ

نــظــرت عــنـوانـه فــــي كــــفِّ حـامـلـه           فـقـلـت : أهـــلاً فـهـذا الـطـرس مـحـبوب

يــــدي وكــفــي وقــلـبـي راجــيـاً طــربـاً           في كشفه أن (ذاك) (150) البشرَ مكتوب

(ومـنـذ أن قـرأتـه عـيـني انـفجرت) (151)           مـنها الـدموعُ وقلبي (فيه مكبوب) (152)

  وله بيت أبوذية :

الــمـوت الــهـادم الــلـذات يــانـاس           ومِــفْـرِجْ لـلـحـبيب الــجـان يــانـس

لـــون عـاقـل بـهـذا الـوكـت يـانـس           (سفيه الراد يسكن هالدنيّه) (153)

  .أبيات شعر (154) :

بـشرى بـها قـرت عيونُ اللوذعي           فــي قـبـة الـبطل الـبطين الأنـزع

فــسـروره يـــوم الـقـيامة ظـاهـرٌ           بـولائـه قَـسَـما ولـسـتُ بـمدعي

وبذكره (تعد) (155) القلوب ويا لها           ذكرى بها يشفى السقام لموجع

  وكذا كان (رحمه الله) متشائما من المجتمع الذي يعيش فيه، ويحمل منه ما لا يطاق ويحتمل من الهموم المؤلمة، وقد نطق لسان حاله ليبرز هذه المعاناة القاسية في واقعها الذي عاشه، مجسداً القول القائل : (رضا الناس غاية لا تدرك ) ، فيقول (156) :

الــنـــــــاس داء دفــيـــــن لا دواء لـــه           والـعقل قد حار فيهم وهو منذهلُ

إن كنت منبسطاً سَمَّوكَ مسخرةً           أو كـنـتَ مـنـقبضاً قـالوا : بـه ثـقلُ

فــإن تـزهّـدتَ قـالوا : لا جـمال لـه           وإن تـجمّلتَ قـالوا : قـد زها الرجلُ

وإن تـعـففتَ عــن أمـوالهم كَـرَماً           قـالـوا : غـنـياً وإن تـسـألهُمُ بـخلوا

لـقـد تـحيرتُ فـي أمـري وأمـرِهـِمُ           لا بــارك الله فـيـــــهم كـلـهـــم سـفل

  يقول (رحمه الله) على صفحة الكتاب الموسوم ب (خطباء المنبر الحسيني) بعد أن يثبت أنه من مكتبته وملكه الحقيقي (157) :

إن كان عندك شايٌ نستفيد به           فـعـجّل الـشـايَ قـدِّمها بـأقداحِ

  ويقول في الصفحة التالية (158) :
(شـكـوتُ لــرب الـخلائقِ يُـرضّ           إلهي وأنتَ سميعٌ بصير) (159)

فـأنـتَ رحـيـمٌ بـمـن قـد طـغى           فكيف (المفِّر) (160) إلهي يحير

الفصل الثالث : حياته الاجتماعية

  وفيه مطالب سبعة، وهي كألآتي :

المطلب الاول : زواجه وتحمله المسؤولية

  إستقل الشيخ الوالد بأمور حياته الاجتماعية وهو ابن إحدى عشرة سنة، معيلاً اُمه وأُخته الشقيقة الوحيدة الحاجّة أم السيد عبد الملك ابن المرحوم السيد مطر ابن المرحوم السيد كاطع، فأخذ يجمع بين الدروس الحوزوية والعمل من أجل توفير لقمة العيش لأُمّه وأُخته، إلى أن تزوّج من ابنة الشيخ لطيف فرج الله الأسدي، التي أنجبت له ولده البكر محمداً، وبعده بنتين، ولم يطل معها المقام؛ إذ انفصلا عن بعضهما .
  وتزوّج بعدها من العلوية بنت السيد كاطع السيد سلمان الموسوي العكدة، فأنجبت له ولداً واحداً هو يحيى، وبنتاً واحدةً فقط، ولم يطل المقام معها ومع ابنتها ، إذ انفصل عنها بالطلاق، وماتت البنت لسبع سنين تقريباً .
  ثم تزوّج من ابنة موسى ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ فرج الله، وكانت هي الزوجة الأخيرة التي مات عنها، فأنجبت له تسعة أولاد وبنتاً واحدة فقط، كان أكبرهم الشهيد طارق، المولود سنة (1952 م) ، الذي أعدمه اللانظام البعثي المقبور وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة في (31 / تموز / 1980 م) ، والثاني عبد الخالق، والثالث أسعد، الذي توفي في طفولته، والرابع إياد، والخامس فؤاد، والسادس حسين، وما زالوا أحياءً، والسابع المرحوم علي، الذي مرض منذ الطفولة وبقي حتى سن الرابعة عشرة من عمره، ليتوفى سنة (1981 م) ، والثامن الشهيد مهدي، الذي أعدمه اللاّنظام البعثي البغيض سنة (1992 م) بعد الانتفاضة الشعبانية الباركة، والتاسع هادي، وهو أصغرُ أبناءِ الشيخ الوالد (رحمه الله) من الذكور، والبنت الواحدة زوّجها الشيخُ الوالد لابنِ أخيه محمد ابن الشهيد الشيخ عبد الرحيم نجل الشيخ حسين، الذي أعدمه (اللانظام) الطاغي في سنة (1982 م) .
  هاجر الشيخ الوالد إلى النجف الأشرف أواخر سنة (1337 هـ) أو أوائل سنة (1338) للهجرة النبوية الشريفة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ليلتحق بصفوف الحوزة العلمية المباركة، محاولاً التوفيق بينها وبين إدارة شؤونه الاجتماعية التي تكلّفها منذ صغر سنه، فاخترق صعوبة العيش ووعورة الطريق حتى وصل ضالته التي كان يبحث عنها في صفحات الكتب، فحفظ الكثير منها، ليعود إلى البصرة حاملاً معه بضاعته، ليعطيها إلى مريديها.
  وقد وفق إلى اختراق الحجب التي أحاطت به رغم ما كان يعانيه من قصر اليد، وبعد صبرٍ مرير مضن كابد منه مرارة العيش وصعوبة الحياة، إلى أن تخرّج من مدرسة الشيخ كاشف الغطاء، ليعود ومعه شهادته التي حصل عليها .

المطلب الثاني : انجازاته العامة

  1 ـ مشروع المدرسة
  لقد كان الوالد يحمل طموحاً في إيصال أبنائه المباشرين إلى مصاف أهل العلم والمتميزين به، وبالقدر نفسه الذي يحمله لأبنائه، كان يطمح إلى أن يوصل أبناء المجتمع إلى تلك الدائرة الواسعة منه، وعندما رأى أبناءه في المجتمع وهو يعاني من قساوة ظروف الحياة الاجتماعية، وهم يسيرون في شدة البرد القارس ولفحات الصيف القاتلة، سرباً بالمياه أو عبوراً بالقوارب المائية، ومنهم مشياً على الأقدام قاصدين المدرسة الابتدائية في (قرية الترابة) (161) ، وهو يراهم بذلك الوضع المأساوي، أمثال: عبد الرحيم حسين مزعل، وجاسم محمد الياسين، وكاظم الحاج بليش، وأحمد زغير، وعبد الرضا جاسم، وحسين عبد علي ماهود، وقاسم حميدان حمود، وعلي سهر عساف، والسيد عبد الملك السيد مطر، والسيد أسد السيد مطر، ويحيى الشيخ عبد الكريم، وخريبط جبار رسن، وعلي داخل حريجه، وريسان الحاج حميد، وعبد الحسين لفته عبيد، وسعيد الحاج علوان، وأمين بارود، وغيرهم الكثير .
  أقول : عندما رأى أبناءه هؤلاء يكابدون في سبيل العلم وتحصيله، لم يهدأ له بال، فبادر وجمع من أبناء المنطقة وممن يهمهم أمر بناء المجتمع وإصلاحه إلى مفاتحة دوائر الدولة المختصة، التي يطلق عليها وقتها (مديرية المعارف العامة في متصرفية لواء البصرة) ، وتسمى في عصرنا الحاضر (مديرية التربية في محافظة البصرة) ، ففاتحهم بإنشاء مدرسة ابتدائية كنواة أُولى لانتشار المتعلمين فيها رغم عدم قبول بعض الأطراف الاجتماعية المعارضة لذلك، لجهلهم بمعانيها السامية (162) .
  وبقي يتابع ذلك الطلب الذي وجهه إلى الدائرة المذكورة حتى تحقق ما كان يصبو إليه، وتمت الموافقة على افتتاح مدرسة الهوير الابتدائية في المنطقة في أرض (بيت كريم الخلاوي) سنة (1952 م) ، وفي الوقت الحاضر أرض (بيت عريبي بن حميد نعيمه) ، وببناء من القصب والبردي، شارك فيه الخ وّرين منهم ، لعلمهم بما يعود نفعه على أبنائهم والجيل الذي يليه .
  وبعد أن اكتسحها الفيضان عام (1954 م) ، تمّ تشييدها في الجانب المقابل في قطعة أرض (بيت حاج فياض العبد الله) بالقصب والبردي أيضا، حيث لم تدُمْ طويلاً ، إذ التهمتها النيران أواخر سنة (1955 م) ، فتمّ تشييدها بالطابوق في عام (1956 م) ، ولا زال ذلك البناء قائماً بنفسه، وقد أُجريت عليه بعض الإضافات والتعديلات . وقد تحقق الحلم الذي كان يراود الشيخ الوالد (رحمه الله) (163) .
  وإذا تتبعت نتائج ونتاج المدرسة التي أسسها إلى يومنا هذا، لوجدت أجيالاً وأجيالاً قد تخرجت منها، ليتخرّج على أيديهم بدورهم الكثير الكثير من الأساتذة والمفكرين، وهم يرتبطون جذرياً بأوّل قصبةٍ وبرديةٍ إلى أن تحولت إلى حجرة وطابوقة، وبعدها تحولت إلى فكرةٍ متبلورةٍ في ذهن من يفهمها ويعقلها، وها هي اليوم آخذة بأيادي المئات إن لم أقل : الأُلوف وهم يحملون الفكر الن الذي يرتضيه الله (عزوجل) .

  2 ـ مشروع المكتبة
  لم يقف الطموح عند مدرسة الهوير الابتدائية، بل راح الوالد (رحمه الله) يخطط لما هو أكبر من ذلك، بعد أن وجد أنَّ من بين من يحيط به هم أبناء تلك المدرسة المباركة أساتذة وتلاميذ، أمثال : الشهيد الحاج عبد الزهراء عثمان محمد، والشهيد عبد الكريم لازم عبدالله، والشهيد فياض مهدي حسين، والأُستاذ السيد عبد الملك السيد مطر، والشهيد السيد أسد السيد مطر، والأُستاذ الشهيد فياض حسين، والأُستاذ قاسم حميدان السعد، والمرحوم الأُستاذ علي سهر السعد .
  كذلك وجود ثلة من أسرته الذين كان يعتمد عليهم إيماناً ووثاقة ولم فُخيِهِمْ سرَّه، أمثال : الشيخ عبد اللطيف ابن المرحوم الشيخ إبراهيم، والشيخ عبد الغني ابن المرحوم الشيخ فرج الله، والشهيد الأُستاذ عبد الحسين ابن المرحوم الشيخ إبراهيم، وثلة أُخرى من الطبقة المثقفة، وهم يحوطونه بإيمان.
  أقول : لما رأى هؤلاء كلهم حوله، عزم على فتح الطريق أمامهم ولو بشيء آخر يكون المنفذ والمتحول في ما بينهم، خصوصاً أن ذلك الوقت قد انتشرت فيه التيارات العلمانية منها والإلحادية المادية التي تهدد العمل الإسلامي، فلم يكن بوسع الشيخ الوالد إلاّ أنْ يختط منهجاً آخر للمواجهة ونصرة الإسلام الذي طُوّق من الداخل ، إذ بدأ يعود غريباً بين أهله، فبدأ بالمشروع الكبير الذي تفتقده المنطقة وبقية القصبات والأطراف الأُخرى، فاستثمر علاقته الوطيدة بالمرجعيات حينها، وكانت أرضيته كبيرة وواسعة، خصوصاً أيام مرجعية الإمام الحكيم (قدس سره) ، ففاتحهم بإنشاء مكتبة تكون الزناد الأول للانطلاقة الفكرية والثقافية، مكمّلاً لما أسّسه شخصياً، وهو مكتبته الخاصة (164) ، فجاءت موافقة الإمام الحكيم (قدس سره) في أواخر سنة (1961 م) ، فأُنشِئَتْ في بيتنا أوائل سنة (1962 م) بمحلين استثمرهما الشيخ الوالد (رحمه الله) على الطريق الرئيس داخل المنطقة، ومن ضمن المحلات التي يرتادها الآخرون للشراء، لتجمع الطبقة الواعية التي أخذتْ على عاتقها قيادة نفسها .
  ومن جانب كان الدور الآخر كبيراً جداً لعَمَّيَّ المرحومَينِ الشيخ إبراهيم نجل المرحوم الشيخ مالك فرج الله، والشيخ فرج الله نجل المرحوم الشيخ حسن فرج الله في رفد الحركة الفكرية اليَقِضَةِ، من خلال المحاضرات التي تلقى صباح كل جمعة على التوالى، إضافة إلى إحياء المناسبات العامة، وتحريك العجلة الفكرية نوعاً ما لدى من يرتاد المكتبة من الشباب المؤمن .

مذكراته الشخصية عن المكتبة

  دوّن الشيخ الوالد الكثيرَ من مذكراته على قصاصات الورق النافذة الاستعمال، إلا أن الإهمال والترك أورثها التلف، وقد لحق بها أكثر من ذلك مكان الإيداع في الأرض وإبعادها عن أنظار السلطة، فكان سهمها الأوفر عدم الحصول عليها سوى القليل منها، وقد عثرت على البعض منها، وهو يقول فيها عن مذكراته في تحمّل المسؤولية عندما تحصل لهم الفرصة في ممارسة مهامهم الشرعية والاجتماعية (165) :
  (عندما حصلت الفرصة أن نقوم بدورنا ـ كل حسب طاقته وظروفه ـ لفتح مكتبة بقريتنا تكون كنواة باسم مولانا السيد الأعظم المجاهد الكبير السيد محسن الحكيم دام ظله .
  وقد أيدنا دام ظله بمساعدة مالية ومعنوية من كتب وغيرها، كما أننا بحمد الله لم نزل مستعدين للقيام بواجبها إن شاء الله تعالى، ولما تستلزمه من أبحاث وبحوث، لنكون بذلك قد أدينا بعض ما يجب علينا أداؤه، حيث اتضح لنا حقيقته في أنه هو الواقع المطلوب، الذي يجب على كل مؤمن اتصف بأنه قد آمن بمحمد وكتابه الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بينَ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (166).
  وقد ساعدنا في هذه الحلبة وذلك المضمار نخبة من الشباب المتحمس لدينه، فسارت مكتبتنا -بحمد الله- سيراً محسوساً، وتقدمت تقدماً ملموساً، وصارت موضع إعجاب من يرتادها من الزوار والفضلاء من لجان التوجيه الموجهين من قبل سماحة السيد الحكيم دام ظله، وغيرهم)
  لقد كانت المكتبة بداية الانطلاقة الحقيقية الحية للحركة الإسلامية آنذاك ووجودها، وبداية وجود أعضائها وهم يشاركون في الاحتفالات الخاصة والعامة على مستوى محافظة البصرة، خصوصاً التي تُقام في جامع البصرة الكبير عند آية الله السيد أمير محمد القزويني آنذاك، وفي جامع الأبلّة الكبير عند السيد عبدالحكيم الصافي، وأنا أرى ظهور الشيخ الوالد وإلى جنبه الأُستاذ الشهيد عبد الزهراء الحاج عثمان (رحمهما الله) على منصة الاحتفال، ليُسمِعوا الجماهير المؤمنة كلمتَهما الهادفة بين الحين والآخر، وكانا (رحمهما الله) يقودان الجماهير من مناطقنا، وقد أوضحت إحدى الرسائل الموجهة إلى سماحة الشيخ الوالد (رحمه الله) من قبل الأستاذ الحاج عبد الزهراء عثمان محمد أمين المكتبة آنذاك قوة وشيجة التعاون بينهما لإحياء المناسبات الدينية والمشاركة بها .
  وهناك صورٌ حقيقية بخط الشيخ الوالد (رحمه الله) .
  وبعض المكاتبات بشأن المكتبة موجهة إلى الوالد من قبل الأستاذ الحاج أبي ياسين (رحمهما الله) ، يقول فيها (167) :

  
بسم الله الرحمن الرحيم


  جناب العلامة الفاضل الشيخ عبد الكريم آل فرج الله دام توفيقه، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
  وبعد ... فإني أحيطكم علماً بأن موكب السيد محمد مهدي الحكيم سيمر بعد ظهر اليوم في مدينة القرنة لزيارة المكتبة، ثم يتجه إلى البصرة، وقد علمنا أن استقبالات حارة قد هيئت له حيث تشرف المكتبات عليها، وقد وددنا أن يكون لنا نصيب في ذلك لاستقباله في القرنة، حيث كلفنا الأخ كريم بتأجير سيارة كبيرة أو سيارتين على حساب المكتبة، حيث يستقلها جماعة من أهل الهوير أنت تتقدمهم، وقد هيأنا الآن لافتة نكتب عبارة ترحيبية بالسيد الفاضل عليها، وحبذا لو أطلعت بعض من تعتمد عليهم بذلك كي نتهيأ لذلك بعد الظهر إن شاء الله تعالى، والسلام . ولدكم عبد الزهرة عثمان محمد (21 /رمضان/ 1388 هـ) .
  ولم تقف عناية الشيخ الوالد عند حدٍّ معين برعايته للثلة المؤمنة، بل وقف إلى جنبهم في كل صغيرة وكبيرة، وعلى كل المستويات التي تنهض بمستواهم العلمي والعملي والروحي، ولم ألمس منهم إلاّ الوفاء له بكلّ إكبارٍ وإجلال .

همسات إيمانية

  لقد أدَّتْ المكتبةُ التي أسسها الوالد . مسؤوليتها كاملة، وانتشلت الشباب من الانحراف العقائدي، فكان (رحمه الله) رغم ما يعانيه من تكالب التيارات المادية والإلحادية آنذاك غير آيس وغير مستسلم أبداً، فقال (168) :
  ... (169) مقتبل للعمر وريعان الشباب وغضارة العيش بجوار مرقد مولانا أمير المؤمنين (ع) ، نلنا حظاً وافراً ، (170) رمتنا قسي الحوادث بنبالها فأبعدتنا عن جوار هذا المرقد الطاهر المقدس، وقذفت بنا قذفة إلى ... جدباء في محل سيئ حتى من الخير والصلاح، فكنا بها على مضض من الحياة وشظف من العيش، نكابد المحن والشدائد، نقتات من القوت أدناه، وننال من التعب أقصاه، نرشدهم فلم يهتدوا، وندعوهم فيبتعدوا (إذا انهل يرجى ملء) (171) هذا محيطه وذاك خليطه أن يسعد في حياته أو يربح بعد مماته، تعس حظ امرئ قضى فيهم عمره، فها أنا بمعزل دائم وصراع قائم، فحالي عندهم كحال من وقع بين يدي الأسد وفمه، أو كمن يساكن الثعبان لا يأمن معها ( ... واغترابي ذاك) (172) فهو إلى حتفه قريب .
  لقد مرّت بنا حوادث مؤلمة أكسبتنا تجارب عديدة لا يستهان بها، فكانت لنا نبراساً، ولمبتغي الفضيلة أساساً .
  إجتاحت بنا موجة كادت أن تلحقنا بالدور الجاهلي أو الإلحادي، ولكن، ببركة جهود العاملين حصل بعض التحسّن عند الكثير من الشباب، فأخذ يتقرب إلى الدين بدل ما كان يبتعد عنه أو لا يقربه أبداً أصلاً، فرأينا من الواجب الديني عندما حصلت الفرصة ... ) .

كلمة المبعث النبوي الشريف

  وكذا عثرت على صورة إحدى الكلمات التي ألقاها . في أحد الاحتفالات بالبصرة الفيحاء، مشاركاً فيها عن مكتبة الإمام الحكيم العامة في الهوير في ذكرى المبعث النبوي الشريف في ( 27 /رجب) ، قائلاً فيها (173) :
  بسم الله الرحمن الرحيم : {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ علىَ النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيم} (174) اللهم صل على محمد وآل محمد، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالِحكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (175) .
  أيها المؤمنون الكرام، لا يخفى عليكم أن هذا شهر رجب شهر عظيم المنزلة عند الله تعالى، ففي هذه الليلة منه، وهي ليلة السابع والعشرين، بُعث النبي محمد (ص) رسولا ونبياً إلى كافة البشر من شرق الأرض وغربها، ناسخة شريعته جميع الشرائع والأديان، وكانوا في جاهلية جهلاء، يعبدون غير الله، كالكواكب والنار والبقر والأحجار، أضف إلى ذلك أن العرب في الجزيرة العربية يعبدون اللات، ويئدون البنات خوف العار، ويقتلون أولادهم خوف الفقر، وفيها عرج به إلى السماء، جاءه جبرائيل بالبراق من الجنة.
  بسم الله الرحمن الرحيم {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمسْجِدِ الَحرَامِ إلِى الَمسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (176) ، والمسجد الحرام هو مكة، أسرى بجسده المبارك وروحه إلى البيت المقدس، ومنه إلى سماء الدنيا، وثمّ عرج منها إلى السماء السابعة، ثم إلى سدرة المنتهى، ثم إلى قاب قوسين أو أدناه .
  عن أبي عبد الله (ع) قال : (أتى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق، وكان البراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار، وخطاه مد بصره، وهو من دواب الجنة، ليس بالقصير ولا بالطويل، لو أذن الله لها، لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة، وهي أحسن الدواب، فأمر النبي (ص) أن يركب عليها، فتضعضعت البراق، فلطمها جبرائيل (ع) ، فقال : أسكني يا براق، فما ركبك نبي قبله، ولا يركب مثله بعده، فرقت وارتفعت والملائكة معه، وجبرائيل يريه الآيات في السماء) .
  وكان النبي (ص) يصلي في كل مكان يمرّ به بالملائكة وجميع الأنبياء والمرسلين، قال رسول الله (ص) : دخلت الجنة فرأيت ما أعدّ الله فيها للمتقين، فسرني ذلك، ورأيت النار والناس فيها معذبون، فمنهم قد علقوا من أشفار أعينهم، ومنهم من تخرج النار من عوراتهم ولهم رائحة نتنة، فسألت جبرائيل عنهم، فقال لي : هؤلاء الزناة يا رسول الله (ص) ثم قال : إشتد غضب الله على اليهود والنصارى، وعلى امرأة أدخلت في بيت زوجها من ليس منه . فاتقوا الله عباد الله، فإنه لا ينجيكم وينفعكم إلا العمل الصالح، وهو الالتزام بأحكام الله وفرايضه، فإن من ضيّع فرائض الله تعالى، ضيعه الله، وخسر الدنيا والآخرة (177).
  {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ} (178) ، {وَمَنْ يَبْتَغيِ غيرَ الِإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ} (179) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

  3 ـ مشروع جامع الهوير
  لم تقف المكتبة وحركته (رحمه الله) عند حد مع ،ّني بل راحت طموحاته تتسع أكثر وأكثر في تحريك العمل الرسالي والإسلامي الإيماني، متخذاً من علاقاته وصداقاته ومعارفه وسيلة إلى ذلك، بعدما رأى أن المنطقة تفتقر إلى مسجد أو حسينية.
  وكانت له علاقة وطيدة بالمرحوم الحاج عبد الزهراء ابن المرحوم الحاج عبد الحسين الشيخ محسن السلمي، وكان من كِبار اُجتر البصرة المؤمنين والمعروفين، إضافة إلى كونه ابن هذه المنطقة، ففاتحه بموضوع بناء مسجدٍ في المنطقة رغم ما تعيشه المنطقة من ظروف مادية عسيرة، وعندما سمع الحاج عبد الزهراء بحاجة المنطقة إلى جامع أو مسجد تقام فيه الصلاة، تهلل البشر في وجهه، وانتفض ليُشمّر عن ساعديه، لينتدب نفسه لهذه المهمّة الكبيرة :

وإذا حـلّت الـهدايةُ قـلباً           نشطت للعبادة الأعضاءُ

  وانتدب الحاج (رحمه الله) نفسه لإنجاز المهمة، وفكر ملياً بأنَّ له قطعةَ أرضٍ إلى جنب بيت الحاج جابر زعيبل - من أرحام الحاج عبد الزهراء - والد الأُستاذ كاظم، فتحرّك وقتها إلى الهوير من أجل أن يضع حجر الأساس بعد أن صمم على إنجاز المشروع المبارك، وفعلاً، تم وضع الحجر الأساس، وكان الشيخ الوالد بمعية الحاج . بعد أن تمَّ الاتفاق على المساحة والمكان، وقتها مسك الشيخ والحاج المعول والمجرفة لوضع أول حجرٍ في أساس المسجد المبارك، وكان ذلك سنة ( 1964 م) ، من أجل أن يباشر الآخرون البناء وتشييده.
  وقد ذكرت وأثبتُّ في البداية التاريخ الحقيقي لتأسيس المسجد وأبيات الشعر التي قالها الشيخ الوالد بالمناسبة، وفعلاً، فقد تمّ ذلك، واجتمع الناس حول المسجد، ليسمعوا الخطَُبَ، ويَرَوا صلاة الجماعة تقام في المنطقة لأول مرة في مسجدهم، وكان المسجد يغصُّ بالمصلين بإمامة الشيخ الوالد، وكنت أتولى تنبيه المصلين أثناء صلاة الجماعة .
  وقد أرَّخَ الشيخ (رحمه الله) ليوم تأسيس وتشييد المسجد الجامع في الهوير في سنة (1386 هـ) من قبل الحاج عبد الزهراء الحاج عبد الحسين الشيخ محسن السلمي بثواب والده (رحمهم الله) ليكون الجامع الأول الذي أقام الشيخ الوالد فيه صلاة الجماعة في المنطقة لأول مرة، واستمرت إلى يومنا الحاضر، أرَّخه بأبيات من الشعر ضمّنها ثواب العمل الصالح لفاعله الذي يطلب به وجه الله تعالى، قائلاً بمناسبة تشييد الجامع في منطقة الهوير (180) :

طــوبـى لــمـن قـــد شــادَ بـيـتَ عـبـادة           ورجــــــا ثــــــوابَ الله يـــــومَ الـمُـلـتـقـى

لا غـــــروَ أن زُجـــيــى بـــأوســعِ جـــنــةٍ           حــيــثُ الـعـبـادةُ سُــلّـمٌ لــمـن ارتــقـى

بـشـرى إلــى (عـبـد الـحـسين) فـنجلُه           فـــــاقَ الأوائـــــلَ مــــن ذويــــه فَـحَـلّـقـا

فــلــقـد بـــنــى لـــلــه أرفـــــعَ مــســجـدٍ           كــيــمـا يـــنــال بـــأجــره (أبُـــــهُ) الــبـقـا

هــــذا هــــو الــفــوز الـعـظـيـم فـدونـكـم           أرّختهُ (ها أسسوه ذوي التقى) (181)

  فمقطع (ها أسَّسوه ذوي التقى) لو جمعنا أحرفها أبجدياً، لوجدنا أن ناتجه (1386) ، وهو سنة التأسيس (1386) وهذا من اتساع ذهنيته وقوة فكره، لأن هذا النوع قلّما تجد الشعراء يستطيعون أن يُرَكّبوه بأداءٍ واضح .
  وقد علّق (رحمه الله) عن كل عمل يقوم به الإنسان بوجوب كونه مستنداً إلى قاعدة فكرية أو إيمانية أو شرعية أو قانونية، وبخلافها، لا يجني ثمارها، بل سيؤول أمرها إلى الانهيار والتلف .
  وبدأت مرحلة التحرك الواعي من قِبَلِ لجنة المكتبة، المؤلفة من الشهيد الأستاذ عبد الزهراء ابن المرحوم الحاج عثمان، والأستاذ السيد عبد الملك نجل المرحوم السيد مطر، والأستاذ الشهيد السيد أسد، وبمعية الشهيد الأستاذ فياض مهدي، والشهيد الأستاذ عبد الكريم لازم، والشهيد الأستاذ فالح حسن عوده، والشهيد الدكتور جواد عبد علي دويلي، والكثير من شبابنا الرسالي المؤمن.
  ومن أجل أن تُوسّعَ المكتبةُ، نُقلتْ من محلات بيتنا إلى المسجد في غرفتها التي أُعدّت لها، وفعلاً، تمَّ ذلك بعد أن كمل بناء المسجد، وتحوّل العمل الإسلامي الحركي من خلال المكتبة وصلاة الجماعة والمسجد، وكان يترأسهم سماحة الشيخ الوالد (رحمه الله) .
  4 ـ مشروع مقبرة الصنّين
  لقد مرّت على المجتمع العراقي عموماً والقرى والأرياف بشكل خاص ظروف قاسية للغاية مادياً ومعنوياً أملتها الحالة المعيشية، ولم يكن بوسع الفرد منا تحملها إلاّ عن طريق التجلد والتصبر، ولعل السنين العجاف المعروفة بسنين (لوعة) وسنين الوباء (الطاعون) كفيلة بإثبات ذلك، ولا ينساها من تقدم به السن فرآها أو سمع بها وهو بدور الطفولة، فلا يكاد أحدٌ منا أن يعيل أسرة تتجاوز الخمسة أفراد إلاّ بالضائقة الكبرى حيث العُسر المُضني.
  ومما يعسر على المجتمع إرسال من يموت بينهم إلى النجف الأشرف حيث مدفن أمير المؤمنين (ع) وقداسة المكان الذي نعتقده، فيلجأون مضطرين لدفن الموتى في منطقة مرتفعة يطلق عليها (الصنّين) (182) ، فرأى الشيخ الوالد (رحمه الله) أن من الواجب السعي لتثبيته مقبرة للمسلمين موقوفة للثواب على أهل الأرض، وهم من عشيرة بيت عكاب السعد، ففاتحهم بالموضوع، فلم يجد إلا التجاوب والترحاب بهذه الفكرة الجيدة .
  حينها سعى الشيخ وجمع من أهالي المنطقة لمفاتحة الوالي في البصرة لإثبات ذلك . وتمّ تثبيته فعلاً أواخر الأربعينيات من القرن العشرين .
  وعندما جاء حزب البعث إلى السلطة في سنة (1963 م) في المرة الأولى التي لم تستمر ليعودوا مرة أخرى سنة (1968 م) ، بدأ البعثيون بتنفيذ مخططاتهم ومآربهم الجهنمية تحت ذريعة البناء والتعمير وشق الشوارع وغيرها، فراح ضحيتها الآلاف من قطع الأراضي والدور السكنية، ولم تسلم حتى المقبرة التي أُوقفت من قبل الناس ومن أملاكهم، فعُهد إلى مقاول من أهالي الرمادي يدعى (جعفر فهمي) في سنة (1974 م) ، وقد كُلف بإكساء الشارع المؤدي إلى منطقة (الخيوط) ، وأُوعز إليه بأخذ التراب لدفن الشارع وقلع المقبرة المعهودة، وباشر تحت إشراف رجال (اللاأمن) والحزب الغاشم حتى ظهرت جماجم الموتى على سطح الأرض، حينها، تحركت الحمية العربية وخصوصاً من أهالي المنطقة الذين دفنوا موتاهم هناك، فاجتمعوا لدى ديوان الشيخ الوالد وأخبروه بذلك، فتكلف الأمر ثانية، وجمع الرفات الذي أظهرته آلات القلع والحفر من جماجم وعظام تعرًضت للتجاوز والإهانة، ووضعها في كيس، وألقاها أمام المحافظ، وكان معه جمع يضم كبار المنطقة، وهم : الحاج فرهود عودة شهوبي، والحاج عبد الكريم ضهد بداي، وخريبط رحيم مغامس حمود، والحاج حسن سوادي وادي، والحاج عداي حاجم وادي، والحاج منصور عبد الهادي، وآخرون لم أعد أذكرهم، لمفاتحة السلطة ومنعها من التجاوز على مقدرات المجتمع ومقدساته .
  ووقف الشيخ الوالد ووقف معه أهل المنطقة بكل جُرأة في وجه المقاول المذكور، ومنعوه من الحفر فأخبر السلطة بذلك، واستجابت السلطة مرغمة إلى إرادة المجتمع، فتوقف أزلامها عن الحفر، لتبقى المقبرة إلى يومنا هذا وعليها آثار القلع الذي تعرضت له.
  والمأمول من أفراد مجتمعنا أن يحافظ على هذه المقبرة ، فإنها تمثل تراثهم وتراث آبائهم وأرضهم التي دافعوا عنها بكل جرأة، وأن لا يسمحوا بانهيارها أو تلفها تحت أية ذريعة من الذرائع .
  ومع شديد الأسف، فإن تلك الجهود الخيرة لم تدم أكثر من خمسة أو ستة من العقود ، إذ عادت أيادٍ أخرى من هنا وهناك تعبث بالمقبرة بحجج واهية أعقبت سقوط (اللانظام) البعثي الذي حاول أن يمحو ذلك التراث، ولقد جاءت تلك الأيادي لتكمل ذلك الدور البائس بمطامع شتى، عدا أناس خيرين لم يساهموا في الهدم، بل ولم يرضوا ولم يتجرأوا على هدم ما بناه الأخيار ، خوفا من الله تعالى، وحفظاً للتراث الشرعي العام والقومي الخاص، فجزاهم الله خير الجزاء .

المطلب الثاني : انجازاته العامة

  1 ـ مواقفه الجهادية الصلبة
  لقد ظهر نجم الوالد (رحمه الله) لامعاً في سماء البصرة منذ أن عاد إليها بعد تخرجه من مدرسة الشيخ كاشف الغطاء متفوقاً بين أقرانه، حتى عُرف عنه ذلك التميز في الساحة البصرية، ولم يكن غائباً عن حضوره المتواصل بمعية نخبة العلماء العاملين والمجاهدين في وقت عزَّ فيه المجاهد والناصر.
  لقد ذكر صاحب كتاب (عراق بلا قيادة) (183) الموقف البطولي له وللثلة العلمائية المجاهدة آنذاك، وتحديداً إبّان عهد عبد الكريم قاسم، حينما رأوا أن الساحة العراقية ـ وخصوصاً البصرية منها ـ تعبث بها الأهواء شرقاً وغرباً، فشرعوا بدافع الحمية والوطنية الدينية ـ بالدفاع بكل ما يستطيعون، لتحكيم وتحقيق أُمور الشريعة الاسلامية السمحاء، فتوجهوا بقيادة آية الله المرحوم السيد أمير محمد الكاظمي القزويني برسالة الى عبد الكريم قاسم، معلنين ـ بإصرار ـ استقلاليتهم الشرعية، ومطالبين بتفعيل الحركة الدينية وإظهار الدين بشكل لا يساء إليه، وكذا أنهم يعلنون بهذا عدم انزوائهم تحت طائلة السلاطين من أجل أن يبتعدوا عن التبعية للسلطة، فيعيشون أحراراً بدينهم، أُباةً للضيم، لم ترجف أناملهم من التوقيع، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، وكانت المطالب التي رفعوها بنص الكتاب كما يلي :
  بسم الله الرحمن الرحيم : ... لمّا قضيتم على الاستعمار الغاشم في عراقنا الحبيب، بلد الاسلام ومعقل الدين منذ قرون، وأعلنتم في الدستور المؤقت أن الدين الرسمي لجمهوريتنا الخالدة هو الاسلام، وقد لمسنا ذلك في خطبكم القيمة في شتى المواضيع، الغيرة على الاسلام وأهله، والذود عن الدين وحماته، وكنتم دائماً تنشدون العدالة والمساواة والتآخي ورص الصفوف بين المواطنين كافة، لذا، نطلب لسيادتكم تحقيق الامور الآتية في الدستور الدائم المزمعين على تدوينه إن شاء الله تعالى :
  1 ـ تدريس المباديء الإسلامية، وتحقيق قسم منها بصورة عملية، كأداء الصلاة في المدارس الرسمية للبنين وللبنات على اختلاف مراتبها، والعهدة بذلك الى مدرسين عُرفوا بتمسكهم الديني وبأخلاقهم الفاضلة في الأوساط العراقية، وإلزام المدرسات المسلمات بعدم التبرّج، والمحافظة على الستر الواجب شرعاً .
  2 ـ تهيئة نخبة من علماء الدين الأكفاء، يقومون بالتبشير لدين الإسلام، وبالدعاية للجمهورية العراقية في الأقطار الإسلامية كافة .
  3 ـ منع الكتب التي تدعو الى الإلحاد والشرك بالله ومخالفة الدين والأخلاق .
  4 ـ منع الغناء في الإذاعة العراقية عند أوقات الصلاة، وإبدال ذلك بآيات من القرآن الكريم أو الأحاديث الدينية أو الأخلاقية .
  5 ـ إناطة القضاء الشرعي بعلماء الدين في القضايا الشرعية كافة، بعد سنّ قانون الأحوال الشخصية المزمع تدوينه .
  6 ـ منع بيع الخمور وشربها، ومنع القمار على اختلاف أنواعه ، اِمل في ذلك من أضرار اقتصادية واضحة .
  7 ـ غلق أبواب الدعارة والمراقص والملاهي، التي (...) والشرف والدين .
  8 ـ إيقاف القطار عند أوقات الصلاة للمصلين، وتعيين أماكن للوضوء والصلاة، ويطلب تنفيذ هذا حتى في الشركات التي تعبر الصحراء .
  9 ـ منع الشرائط السينمائية الخلاعية، التي تبعث على التفسخ في الأخلاق وتقضي على العادات الاجتماعية .
  10 ـ المساواة بين أئمة المساجد والمؤذنين فيها وخدامها على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم في الرواتب والمخصصات، وبذلك تقضون على الفوارق التي تركها العهد القديم.
  وكانت هذه النقاط العشرة بتاريخ ( 10 /ربيع 1/ 1379 هـ المصادف 15 / 9/ 1959 م) .
  فيما أن النص الآخر الذي يحوي التواقيع المشتركة جاء كالتالي :
  (بسم الله الرحمن الرحيم، نص الوثيقة التي وقعها علماء البصرة الأعلام، وهم كل من : السيد أمير محمد الكاظمي القزويني، وميرزا محسن الشيخ سلطان، والسيد عبدالله الموسوي، والشيخ محمد الجواد السهلاني، والسيد عباس محمد تقي جمال الدين، والشيخ جاسم حرج، والسيد عبد الحكيم المسوي، والشيخ حسين الشيخ يوسف البحراني، والشيخ رؤوف مبارك، والسيد سعيد السيد علي العدناني الموسوي، والشيخ عبدالكريم الشيخ حسين فرج الله، والشيخ عبود الشيخ مهدي مال الله، والشيخ جابر الشيخ أحمد مال الله، كان ذلك بتاريخ (10 /ربيع 1/ 1379 هـ ، المصادف 15 / 9/ 1959 م) (184).
  2 ـ كان (رحمه الله) يتحرك من خلال ما يمليه الواجب الشرعي الذي تكلفه وتحمله في كل مجالات حياته العامة . فكنت أُلاحظه وأُتابعه (رحمه الله) مقَسّماً أوقاته بين المجالس العامة والمجالس الخاصة، وكان يولي المجتمع أهمية قصوى ، إذ أنه كان يَعرف أن لا منفذ إلى المجتمع أكثر مناسبة سوى المجالس العامة.
  لهذا، كان يتحين الفرصة المناسبة، أمثال : مجالس الفاتحة، أو مجالس الأعراس، من أجل أن يُمَكّنهَ الآخرون من استثمار الفرصة المناسبة، فيُلقي ما بوسعه على المجتمع المحروم.
  وكان هذا ديدنه، وكان يكلف نفسه جهداً حينما يسمع بأن هناك مَنْ بينه وبين الآخرين سوء تفاهم، فيمشي بنفسه إلى الطرفين ويجمع بينهما، وكان كثيراً ما يردد قول الرسول الأكرم (ص) : ( إصلاحُ ذاتِ البينِ خيرٌ منْ عامةِ الصلاةِ والصيامِ) (185) مجسداً مفهوم الحديث الشريف بصورة عملية.

لم يجامل ولم يُداهن

  إنّ من صفات المؤمن الداعية والرسالي الحقيقي أن لا تأخذه في الله لومة لائم.
  وقد نقل لي في هذا المجال عن الشيخ الوالد (رحمه الله) حادثة جديرٌ بها أن تُذكر، وهي : أنه كانتْ له علاقة مباشرة بالشيخ بدر الرميض (رحمه الله) شيخ آل بو صالح في نواحي الناصرية، وقد اتفق أن زاره الشيخ الوالد بمعية ابن عمه الشيخ عبد الرزاق الشيخ حسن ابن الشيخ فرج الله (رحمهما الله) ، ومعهما من مرافقي الوالد من أبناء المنطقة، فزاروه في ديوانه الكبير (المضيف الشعري) ، وكان لُجيِّ الوالدَ ويحترمه ويقدمه على الكثير من أمثاله، وفي ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، وقُبيل العيد بليالٍ، وعلى العادة المألوفة، والناس مجتمعة عند حضرة الشيخ وهم يستمعون إلى الأحاديث الشيقة، وإذا برجال الشيخ بدر الرميض قد ثارتْ لهم ضجة وصيحة، وسرعان ما انكشفت الأمور وهدأت الأصوات، ليتقدموا إلى الشيخ بدر الرميض قائلين : لقد أتينا به يا عم . وإذا به رجلٌ مكتوف والرأس منه مكشوف.
  كان الشيخ متربعاً في جلسته وسيفه على فخذيه في قِرابِهِ والشيخ الوالد إلى جنبه، وما إن وقعت عيناه على الرجل الموثوق حتى اجتذب سيفه بسرعة فائقة ليقطع رأس الرجل المسكين، فانتشل الشيخ الوالد بذلك الساعد الملفوف وتلك الهمة العالية يدَ الشيخ وسيفَه، وحال دون مسعاه.
  كان الرجل المسن قد أقدم على عمل دنيء فعلا، إلا أن عقوبته لم تكن تصل إلى حد القتل، فحال الوالد دون أن تقع المصيبةُ الكُبرى بقتل الرجل ظلما، لينقذ الرجل من الهلكة، صائحا بصوته الجهوري بالشيخ : لقد غششتني بصلاتك الليلية وبكائك بالمحراب يا شيخ، أتريد أن تقتل رجلاً مسلماً في شهر رمضان وهو صائم ؟! إنهضوا إخوتي، ليس لنا مُقامٌ مع قومٍ ليس للإنسان عندهم حُرمة.
  أخذ الموقف بمجامع الشيخ، فما كان منه إلا أن يمسك بالوالد مُهدّئاً قائلاً : لقد قبلتك حكماً بيني وبينه. ملتمسا إياه والحاضرين عدم التعجُّل بالرحيل إلاّ بعد أن يسمع منه ويفصل بالقول الحق بينهما .
  فبادر الشيخُ إلى شرح فعلة الرجل المسن، قائلا : فهل تقبلها يا شيخ ؟!
  ومن باب (ما ضاع على فقيه مسلكه) (186) ، أقنع الشيخُ الوالدُ الشيخَ بدراً بالعدول عما نواه، واعتذر الأخير من فعلته وتجاوزه، وقد كُرّمَ الرجلُ المسكينُ بأن كساه وحباه، واستقر الحال بالشيخ الوالد ليُكْملَ مسيرتَه وشوطَه الرساليَ الذي بدأه هناك .
  نعم، هذا هو مقامه لدى كبار الوجوه الاجتماعية، والمنهج العلمي والإصلاحي الذي انتهجه في حياته، إنه لم يداهنْ ولم يجاملْ على حساب الدين والمذهب والكلمة الحق .

المطلب الرابع : كراماته (رحمه الله)

  لقد حباه الله تعالى بكرامات لم تكن خفيّة على أحد، بل راح يتناقلها الركبان في أحاديثهم الشيقة عندما يتذكرونه وقد شاهدوها بأنفسهم وعرفوها، فمنها :

  1 ـ ما نقله لي الشيخ الوالد (رحمه الله) شخصياً
  في أحد الأيام احتاج الوالد (رحمه الله) إلى الذهاب إلى منطقة في الأهوار، وليس له وسيلة إلاّ السفينة (المشحوف) ، وقد اصطحب معه من أبناء المنطقة ممن يعهدونه دائماً لقيادة السفينة في كل مرة، وانطلقوا إلى المكان المعهود على عادتهم، إلاّ أن الحظ لم يكن مؤاتياً في تلك السفرة ، فعند وصولهم الوسط المائي هبت عليهم عاصفة شديدة حاولوا التخلص منها والاقتراب إلى الشاطئ، فلم يحالفهم الحظ، وسرعان ما غرقت السفينة في وسط ذلك السطح المائي وبين تلك الأمواج العاتية التي لا ينجو منها إلاّ الذين مارسوا السباحة بشكل جيد، وقد استطاع مَن معه أن ينجو من الغرق مّهنلا قد مارسوا السباحة وانحازوا إلى جهة بعض بيوت ساكني الأهوار الموجودة هناك.
  وكان الشيخ بلباسه الديني وعمته البيضاء قد تلاقفته الأمواج بين طياتها، لكنه لم يكن لينسى ذكر الله والاستنجاد بأهل البيت (ع) وهو يعالج حاله بين الموت والحياة، فتذكر أن هناك شخصاً لابد أن يستنجد به ويجعله وسيطاً بينه وبين الله تعالى في هذه الحالة، ألا وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، حينها، ارتسمت بين شفاهه كلمة (يا أبا الغيث، أغثني، ويا علي، أدركني).
  لم تكن غيرُ هذه الكلمات القليلة في حجمها، الكبيرة في معناها ومحتواها، وإذا بشيء يرفعه من الماء إلى حد منتصف الساق، ليقف منتصباً بعمّته ولباسه الروحاني المبلل، منتظراً من يأتي لانتشاله من وسط المحيط المائي الواسع.
  بعد فترة سكنت الرياح، واستقرَّ الحال، والشيخ في موقفه، وإذا به يسمع صوت من اصطحبوه يفتشون عنه بعد أنْ جلبوا معهم سفينةً من أصحاب البيوت التي لجؤوا إليها لعلّهم يعثرون على جثته وهم ينادون بأعلى أصواتهم وباسمه الصريح؛ ظناً منهم أنه قد غرق وانتهى، وإذا بالشيخ يناديهم : يا إخواني، هلموا إلىَّ، إني ها هنا، فإني حيّ !
  جاءوه، فوجدوه على هذه الحالة، فأركبوه معهم في السفينة التي عادوا بها، وأرادوا التأكد من موقف الشيخ وعلى أيِّ شيء استند، فبدؤوا ينظرون إلى قعر الماء الصافي حيث يرون العمق، فلم يعثروا على شيء .
  وعندما سألتُ الوالد (رحمه الله) : ما الذي أحسسته تحت قدميك وقت وقوفك في الماء ؟ فقال لي : لم أحسَّ سوى بوجود شيء يشبه جذع نخلة تحت قدميَّ .
  أخذ أصحاب الشيخ إياه مهنئين بالسلامة والنجاة من الغرق ببركة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) .
  وقد أكد هذه الكرامة الأخ الأستاذ طالب سهر وادي (أبو كرار) ، وأنه سمعها من والده (رحمه الله) مباشرة .

  2 ـ ما نقله لي سماحة الشيخ عبد اللطيف (187)
  ومن كراماته . أنه زار أرحامه يوما من الأيام في قرية الخاص (188) ، فبقي إلى ما بعد الظهر، وأراد الرجوع إلى بيته في ناحية الهوير، ولم يكن هناك طريقٌ بريُّ ، إذ كانت المياه تفصل حينها قريةَ الخاص عن ناحيةِ الهوير، وكانت وسائل النقل المتاحة هي السفن (المشاحيف) ، فتكرّم الأخوان : الشيخ عبد اللطيف والشهيد الأستاذ عبد الحسين الشيخ إبراهيم مشكورين بإيصاله إلى بيته.
  وفي منتصف الطريق، رأى الشيخ مساحة من الماء مغطاة بالخضرة الزاهية، التي تعدُّ من أفضل أنواع علف الحيوانات، وكان للشيخ بقراتٌ، فود أن يكون هذا العلف للبقرات، إلاّ أنّه لم يمتلك حينها آلة (المنجل) لاحتواء العلف (الچولان) ، فتحسّرَ قائلا : لو كان معي منجلٌ، لأخذتُ من هذا العلف للحيوانات . فما هي إلاّ دقائق وبدأ الشيخ يتلو بعض الآيات القرآنية طالباً من الله تهيئة ما يحتاجُه، يقول من كان معه : ما إن أتمَّ (رحمه الله) كلامه حتى رأينا المنجل يُقذَفُ في وسط السفينة، فقلنا : (اللهم صل على محمد وآل محمد ) ، فتناوله الشيخ، وأخذ يقتطف من ذلك العلف حتى كادت السفينةُ تمتلئ، وأوصلناه إلى أهله، ورجعنا عائدَين نُفكّر في كيفية حدوث الواقعة، وقد أخبرنا والدَنا وأهلَنا بذلك!

  3 ـ من الأمور التي نَحارُ فيها
  من الأمور التي نَحارُ فيها إلى الآن ما نبهني إليه وأعادني إلى ذكراه ونقله لي الأخ الأستاذ غسان أحمد جبار، الذي كان ممن يحضر عندنا لزيارة الشيخ وسماع حديثه بشكل سريّ أيام الحصار المفروض علينا وعلى بيتنا، بعيداً عن أنظار السلطة الحاكمة، وقد صادف أن جلسنا إلى جنب الشيخ الوالد (رحمه الله) ، وكان الأُستاذ يُتابع حركات الوالد وأقواله، وقتها كان كثيراً ما يسألني عن بعض الأُمور، ومنها قوله (رحمه الله) : يا عبد الخالق، هل أحضرتم عشاءَ أخيكم يحيى ؟ فقلت له : يا والدي، لم يكن يحيى موجوداً عندنا. فيسكت، ويُعيد السؤال مرة أُخرى، فأجيبه الجواب نفسه، وأخيراً، أخبرته بأننا قد أحضرنا عشاءَ أخي يحيى، وهيأناه، فهل دعوتَه لحضور وجبة العشاء ؟
  وفي الأثناء طُرق الباب، وإذا بنا نفاجأ بيحيى عند الباب، حينها سمعْنا الشيخ الوالد وهو يقول : هل وصل يحيى ؟ فقلنا : سبحان الله (ابن الحلال بذكره) (189) .

  4 ـ ما عُرف عنه لدى سائرِ الناس
  بناء على ما تناقلته أفواه الرجال من أمثال هذه الكرامات، أُشيع بأنَّ الشيخ الوالد يمتلك سراً يُدعى الاسم الأعظم، وكأن الناسَ على يقينٍ من ذلك، وليس ذلك ببعيد ، لأن الحديث القدسي يقول : (عبدي، أطِعْني تكنْ مثلي، أنا أقول للشيء : كن، فيكون، وأنت تقول للشيء : كن، فيكون) (190) .
  وفي يوم من الأيام طرق مسامعي كلام بعض إخواني المؤمنين من أرحامي، ومنهم السيد عبد الملك والشهيد السيد أسد (رحمه الله) إبنا السيد مطر الموسوي، وطلبوا مني اِمل رأوه من ملازمتي لوالدي وعدم إخفائه الكثير عني من أُموره -ولأني ابنه الذي استجاب له ما كان يأمله ، إذ التزمت مسلك الحوزة العلمية الذي كان يأمل أن يكون أحد أبنائه ضمنه ـ أن أُفاتحه بأن يوليني اهتماماً خاصا، ويملكني السرَّ الذي يملكه، وهو عبارة عن (الاسم الأعظم).
  كنت أُجالسه وأُحدثه وأُخفف عنه بعض الآلام والهموم التي كانت تعتريه بسبب وحدته وما أ به من طوق الحصار المفروض عليه من قبل (اللانظام) الجائر، وخصوصاً بعد اعتقاله في سنة (1974 م) ، إذ عاش بعدها العزلة القاتلة .
  وصادف أن كنا على المائدة وقت الغداء، فاستثمرت فرصة الحديث معه، فوجدت طريقاً للدخول في الموضوع ذاته، ولم أكن جريئاً إلى حد المفاتحة الصريحة، إلاّ أنني حاولت تناول أطراف الحديث بأسلوب مؤدّب دون الإساءة إليه (رحمه الله) ، وأنا حينها أعيش الخجل والاضطراب، وقد بدتْ عليّ آثاره.
  ما إن سمع بطلبي الذي طلبته منه ويدُه ترفع لقمته إلى فمه الطاهر، حتى توقفتْ في منتصف الطريق، وأرجعها إلى الإناء بعد أن أخذته سكتة قُرابةَ الدقيقة.
  وأما أنا، فحرت في ما سيكون الردُّ من قِبَلِهِ، حينها، تنفّسَ الصعداء، وقال باللهجة العامية الدارجة : (يا ولدي، يا عبد الخالق، أنتَ مِثل ذلك الولد الذي طلبَ من أبيه ماطلبتَه أنت مني ) . قلت : وما الذي طلبه يا شيخنا الكريم ؟ قال : كان رجلُ دينٍ يملكُ السرَّ الأعظم أو الاسم الأعظم، وله ولد مثلك، فطلبَ منه ما طلبتَ أنتَ الساعة، فقال له أبوه : حباً وكرامةً يا ولدي، أنا أعطيك ما تريد بشرط أن تذهب إلى الجسر ببغداد وتقف على وسطه من أول شروق الشمس إلى غروبها، وتنظر ما الذي يريبك من منظرٍ تشاهدُه على الجسر، وتخبرُني بذلك، وحينها سنرى، فبادر الولد قائلاً لأبيه بكل بساطة : أنا سأذهب يا والدي غداً وآتيك بالخبر .
  فأصبح الصباح، وذهب الولد بعد أن ودّع أباه، ووقف في المكان المعهود تلاحق أنظاره المارّةَ صعوداً ونزولاً وبالعكس، فلم يجلب انتباهه شيءٌ على الإطلاق، وأراد الرجوع إلى البيت ليلتقي أباه، وفي أثناء الرجوع، استوقفه ذلك المنظر المريب ، إذ يرى شيخاً طاعناً في السن ينقل خطواته بكل هدوء صاعداً الجسر إلى الجانب الآخر، وبالاتجاه المعاكس يرى ذلك الشاب الطويل القامة بهيكله القوي والمتين يخطفُ الشيخَ الكبير بسرعته الشبابية، فقال له الشيخ : هوّن عليك يا ولدي، فلقد آذيتني بقوة هواء مسيرك، فاستشاط الشاب غضباً من هذه الكلمة الدافئة، ورجع إلى الشيخ المُسنّ ليصفعه بتلك الكف الرباعية ويسقطَه على الأرض، وهو يرى ذلك المنظر البشع، إذ يلملم الشيخ أثوابه وهو ينكثها من الغبار ويتكئ على عصاه، ليقوم ثانية من دون أن ينبس بكلمة أخرى .
  بدأ الدم يغلي في عروق الشاب الموفد، إلاّ أن الموعد مع أبيه حال دون أن يتقدم إلى ذلك الشاب المتهوّر ويأخذ بحق الشيخ المُعتدى عليه، وترك الموقف وانصرف إلى موعده مع أبيه.
  لم تنطبع صورةٌ في ذهن الشاب ذلك اليوم غير تلك الصورة التي رآها وأثارت حفيظته، فحدّث والده بها وبما شاهده، فقال له أبوه : كيف بك يا ولدي لو كان الاعتداء عليك بمثل ما حصل للشيخ ؟ قال : والله يا أبي، لو لم يكن الموعد معك، لأخذتُ بحق الشيخ المسن، فضلاً عن كون الاعتداء عليّ .
  فقال : بُني، إذن لا تتحمّل الاسم الأعظم، واعزِفْ عن هذا الأمر.
  ثم التفت إليَّ الشيخ الوالد قائلا : وأنت يا عبد الخالق ؟ قلت : لا أتحمل ذلك يا والدي (رحمه الله) فقال : إعزِفْ عن ذلك الأمر، والتفتْ إلى درسك، والله يوفقك . فانصرفتُ عن ذلك الموضوع إلى الأبد .

  5 ـ ما عُهد عنه من حكم يؤمن بها
  * كان يردد الآية المباركة : {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} (191) .
  *وصية لقمان الحكيم لابنه : كن في الغارة كالذئب، وفي طلب الرزق كالغراب، وفي حمل الأثقال كالنملة ، فإنها تحمل مثلها أربعين مرة .
  * كان يكثر من قول : (حسبي الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون) .
  * ومن حِكَمه التي يؤمن بها وكثيراً ما كان يوصيني ويوصي الآخرين بها، ما كان بخصوص الحوادث التي تحتاج إلى تدوين ، إذ كان يؤكد ذلك بقوله : (ما كُتِبَ قَرَّ، وما حُفِظَ فَرَّ) (192).
  * الإنسان مخبوء تحت طيِّ لسانه لا طيْلَسانه (193) .
  * ما عُرض الماء على عاقل فأبى .
  * لا تحقن البول إذا ما استحضرك ولو على سرجك ، كي لا يعقرك .
  * كما أنه (رحمه الله) كان يكتب حكمة ربما يستقي مضمونها من أبيات أخرى، وأما البيتان التاليان، فهما من نظمه (194) :

فــيــا مــوقــدا نــــارا لــغـيـرك ضــوؤهــا           ويــا حـاطـبا فــي غـيـر حـبـلك تـحطب

فــهـل تــدري أن الـمـوت يـاتـيك بـغـتة           فتخسر لا هذا ولا ذاك تكسب (195)

كــن ابــن مــن شـئـت واكـتـسب أدبـاً           يــغـنـيـك مــحــمـوده عـــــن الــنــسـب

إن الــفـتـى مــــن يــقــول هــــا أنـــا ذا           ليس الفتى من يقول كان أبي (196)

يـــــا راقـــــد الــلـيـل مــســروراً بــأوَّلِــه           إن الـمـصـائـب قـــد يـطـرقـن أســحـارا

لا تـــفــرحــنَّ بــلــيــلٍ طــــــاب أوَّلُــــــه           فــــرُبَّ آخـــر لــيـل أجَّـــجَ الــنـارا (197)

يـبـشـرنـي الــهــلال بــنـقـص عــمـري           وأفــــــــرح كـــلـــمــا هـــــــلَّ الــــهـــلال

تـــزود مـــن الـتـقوى فـإنـك مــا تــدري           تــمـوت بـلـيل أم تـعـيش إلــى الـفـجر

لا تـــكــن لــلـعـيـش مــجــروح الــفــؤاد           إنـــمـــا الــــــرزق عـــلــى رب الــعــبـاد
  *بيتان من تأليفه (198) :
عند قرب الموت تأتي           لـلـفتى مـنـه عـلامـه

ويـلـكـم قــرّوا جـمـيعاً           لـــعــلــيٍّ بــالإمــامــه
  بيت من تأليفه (199) :
عـند الـزحام تُـنكر الأرحام           وعند الفراغ يتّسع الدّماغ

من كلمات عبد الكريم فرج الله

لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبه           لا يـؤلـم الـجـرحُ إلاّ مــن بـه الألـم
  بيتان من تأليفه :
أقــاربُ كـالعقاربِ فـي أذاهـا           فــــلا تــأمـنْ بــعـمٍّ أو بــخـالِ

فـكـم عـمّ يـجيءُ الـغمُّ مـنه           وكم خالٍ من الخيراتِ خالي

  الموت أولهه او تاليهه، ولو طالت ويّاه مريوده ولا بد هالراس يجلبنه .

المطلب الخامس : إبتلاؤه وصبره

  1 - تعرّضه لفقد بصره
  ابتلي الشيخُ الوالدُ . بفقد بصره في بدايات أربعينيات عمره، وطالت المدة عليه حتى استوحش الوحدة وانقطاع الناس عنه، وخصوصاً أرحامه، وقتها لم تكن الوسائل الصحيّة متاحة، وعُسر الحال لم يسمح له بمراجعة الأطباء والمستشفيات، فبدأ يناجي ربه بلسان العبد الذليل المتضرع والفقير المسكين، آملاً منه أن يعيد إليه بصره وهو بمنتهى الطمأنية بالاستجابة .
  وبعد مدة، إلتفت إلى أنّ هناك باباً لله يُسمى باب الحوائج يلجأ إليه المضطرّون، فلجأ إلى باب الإمام موسى بن جعفر (ع) ، وبعد الزيارة ـ على ما أعتقد ـ كتب بيتين أو أبياتٍ من الشعر أودعَهما شكواه إلى الله وإلى الإمام باب الحوائج، بعد التضرع والتوسل والطلب من الله، وهو ما عثرتُ عليه، علماً أنه (رحمه الله) أخبرني بالحالة تماماً، وعلى ما أظن أنها مطلعٌ لقصيدة كتَبها يقول في أولها :
بُــلـيـتُ بــــداءٍ مــــا ابـتُـلـيتُ بـمـثـله           جفاني صديقي والقرابةُ بي شَمَتْ

فــلا خَـطْبَ أدهـى والـمصائبُ جَمةٌ           عَـلَيَّ كَـعيني ويـلَ حَظّي مُذْ عَمَتْ

  وقد عثرت على بيتين من الشعر أثبتهما . على جلد أحد الكتب، يبدي فيهما ومن خلالهما تألمه على ما يمر به من مأساة، ولا سيما أنه كتب جانباً عن حياته تحت عنوان )حياتي وما أسوأها من حياة ( (200) .

أيــــــا ربَّ الــخــلائــقِ أشـــكـــو يُـــــرض           إلــــيــــك وأنــــــــت ســـمـــيــع بـــصــيــر

فـــأنــت رحـــيــم بـــمــن قـــــد طـــغــى           فكيف (المَفرّ) (201) إلهي يحير (202)


  وبعد أيامٍ أعيدَ إليه بصره بتمامه ببركة دعائه وتوسله بأهل البيت (ع) ، وأصبحَ أقوى مماّ كان عليه، إلا أنه فَقَده بعد ثلاثين سنة أو أكثر، يوم أن وقف على جسد ولده الشهيد طارق، الذي اعتُقل في ( 29 / 11 / 1979 م) وتمّ استلام جثته يوم ( 3/ 8/ 1980 م) ، بعد أن اُعدِمَ يوم (31 / 7/ 1980 م) ، وقد رآه بتلك الحالة المزرية وقت استلامه من دائرة الطب العدلي في بغداد، فلم يتمالك نفسه، فذرفتْ عينُه قطرةً أو قطرتين ولم تعد لحالها حتى فقدها بالتمام بعد أن بقي جليس البيت لم يدخل عليه أحد، إذ الحصار المفروض عليه من قبل السلطة وأزلامها الأذناب، مبتعداً عن الجميع، وبين أربعة جدران، لا يرى أحداً ولا يكاد يراه أحد، وقتَها، تمَّ إلقاء القبض عليّ من قبل رجال (اللاأمن) ، يوم الجمعة المصادف ( 17 / 10 / 1980 م) إثر إعدام أخي الشهيد طارق (رحمه الله) وقد صبر على مرارة العيش وجفاءِ الأحبة، وهو يحمدُ الله على ما حلَّ به وما جرى عليه وعلى عياله .
  هذا ما عثرت عليه من تراثه رغم أنه (رحمه الله) تلا عليَّ ما ذكرت من أمور كراراً ومراراً، إلا أنني لم أوفقْ لحفظها أو كتابتها، فبقيتُ على ما تحمله ذاكرتي (البائسة) .

  2 ـ تعرّضه للاعتقال والمضايقة
  بسبب مواقفه الثابتة وعدم تأثره بالتيارات العلمانية، وبسبب رفضه ما أرادَ منه البعثيون من الانخراط في ما يريدونه ويطمحون إليه وعدم رضوخه لهم، ولما لمسوه منه من موقف ثابت وإرادة صلبة لم تتزعزع، راح أزلام وعناصر حزب البعث المقبور يُخّططون للإطاحة والتنكيل به وبكل من لم يسرْ في دربهم ولم يسر تحت رايتهم الخبيثة، وبما أن الشيخ الوالد (رحمه الله) شخّصَ مرحلةَ هذا الحزب المقيت منذ مجيئه في سنة (1963 م) حتى هزيمته وعودته في سنة (1968 م) ، وشخّصَ البناء الذي يرومونه به، وهو إضعاف الدين وهدمه، لذلك، أحسَّ بخطورة الموقف الذي يهدد الدين والعلماء والحوزات العلمية والأشراف من المتدينين وغير المتدينين، فكان موقفه واحداً لم يتغير طرفة عين، مما أدى إلى أن تحاك ضده مسألة الطائفية والانتماء إلى أحزاب سياسية مخالفة لحزبهم ـ وكان هذا ديدنهم في تصفية المؤمنين ـ وأثيرت ضده الشكوك الكثيرة، فاستخدموا أذنابهم الأذلاّء والتابعين الحقراء للكتابة ظلماً وعدواناً على الجميع أولاً، وعلى الشيخ الوالد وأبنائه ثانياً، متهمين إياهم بأنهم يوالون إيران وأمثالها، وأنهم خمينيون .
  لقد تعرّض الشيخ الوالد (رحمه الله) إلى اعتقال خطير ناله، وطالته أيادي البعث اللئيم بمعية ثلةٍ من أرحامه ومن المؤمنين ، إذ كان معه كلٌ من المرحوم الشيخ إبراهيم الشيخ مالك فرج الله، والشيخ حسن الشيخ محمد فرج الله، والشيخ خير الله الحجاج، والسيد طالب الخرسان، والسيد كريم البطاط، ومجموعة كبيرة من المؤمنين والرساليين، وقد تمّ اعتقالهم في مديرية (اللاأمن) في البصرة في سنة (1974 م) ، وتم تسفيرهم إلى بغداد بعد خمسة أيام من التحقيق معهم، وقد احتشدت الجماهير البصرية المؤمنة قرب محطة القطار في البصرة (المعقل) بعد أن عرفت أن السلطة تروم تسفيرهم إلى بغداد بطلب من مديرية (اللاأمن) هناك
  وما إن وصلوا إلى محطة القطار تحت الحراسات المشددة، حتى فوجئ رجال (الّلاأمن) بتجمع الجماهير غير العادي، حينها، صعد الشيخ الوالد وكان أكبرهم سناً، ووقف (رحمه الله) في باب صالون القطار، وتوجه إلى الجماهير المؤمنة بذلك الخطاب التأريخي، الذي حث فيه المؤمنين على تحمل الحالة التي يمر بها العراق، وكذا طلب منهم ضبط النفس والتحلي بالصبر، مذكرا إياهم بأنَّ هذه ليست الحالة الأولى من نوعها ، فقد تعرض أئمتنا للاضطهاد والقتل في سبيل الله تعالى.
  على أثر الخطاب الحماسي المؤثر تعالت أصوات المحتشدين في محطة القطار بالبكاء والنحيب، وكادت أرواحهم تزهق وهم يستذكرون حالات مرَّ بها أهل البيت (ع) ، أمثال الإمام الكاظم والإمام الرضا (ع) ، حال إشخاصهم إلى طغاة عصرهم.
  رجعت الجماهير البصرية المؤمنة إلى المنازل يعتصرها الألم منتظرة يوم العودة.
  تعرّض الجميع في بغداد إلى قساوة التعذيب وشدته، التعذيب الذي ترك آثاره على تلك الأجساد الطاهرة، كما ترك آثاره على تلك الأرواح المطهرة أيضا، فما زادها إلا صبرا وصمودا ورفعة وقوة عزيمة، علما أن هؤلاء الظلمة لم يجرؤوا على تعذيب الوالد في تلك الفترة.
  فلما يئس الظالمون من الحصول على شيء من تلك الثلة المؤمنة، لم تطل الأيام بها في المعتقل، فأُفرج عن الجميع بعد شهرين من الاعتقال والتعذيب والتغييب.
  الوالد ينظر إلى الشيخ ابراهيم والشيخ حسن وباقي الأخوة الذين كانوا معهم وهو يبكي، قائلاً : لقد نلتم الثواب الأكبر، فهنيئاً لكم، وستأخذون الأجر من الله ورسوله وأبي عبد الله الحسين .، ولم أحصل على ما حصلتم عليه، فما كان من عمنا المرحوم الشيخ إبراهيم إلاّ أن يجامله مبتسماً في وجهه؛ من أجل أن يخفف عنه ويدخل السرور على قلبه . بتلك الفكاهة الإيمانية المعهودة منه، قائلاً : (لا تندم يا أخي، يا شيخ عبد الكريم، أنا سوف أُنادي (اللاأمن) ، فليعودوا بك، ويرونك ما تحب من الكيبلات والتعذيب، حتى تنالَ الأجر والثواب الذي تريده (203) .
  ومن مضمون ما نقله عمُّنا خطيب المنبر الحسيني الجليل الشيخ إبراهيم نجل المرحوم الشيخ مالك فرج الله، عندما كان معه في المعتقل سنة (1974 م) :
  لقد تعرّض الجميع إلى أقسى وأشد حالات التعذيب الجسدي والنفسي من قبل أزلام السلطة (اللاأمنية) في سجن مديرية (اللاأمن) العامة، وكان الضابط المشرف على التحقيق، المدعو فيصل الهلالي يتميز بغلظته وشدة بطشه وقسوته تجاه المعتقلين والسجناء، فلم ينجُ أحدٌ منا من سطوته إلاّ الشيخ عبد الكريم ..
  وكان الضابط المذكور يتابع ويلاحظ حركات وسكنات الشيخ (رحمه الله) ويؤكد عليهم أن هذا الشيخ الكبير أرعبني بكثرة حركة شفاهه التي لا أعرفها، فسأل الشيخ الوالد وقتها : ما الذي تقوله يا شيخ ؟ أتدعو عليَّ ؟
  يقول الشيخ الوالد : ـ وبحسب ما نقله لي شخصياً ـ قلت له : لا يا أُستاذ لم أدع عليك . قال : إذن ما هي حركة شفاهك المتتالية ؟ قلت : إني أدعو الله وأطلب منه الرحمة وأقول : حسبي الله على ما أنا فيه من المعاناة . فيتركني، ولم تمتد إليَّ يده بشيء، ويعاودني مرة أُخرى .
  وفي يوم من الأيام، وأثناء التحقيق رفع يده ليضربني، فتوقفت يده إلى الأعلى، ولم يستطع أن ينزلها، ولم ينل مني لمساً فضلاً عن الضرب، وبقيتْ يده متشنجة، حينها طلب مني السماح، فأعلنت له ذلك خوفاً من بطشه ومكره إذا امتنعت .

  3 ـ إنتهاكات النظام إبان الانتفاضة الشعبانية عام (1991 م)
  كان لأحداث الانتفاضة الشعبانية المباركة في (15 /شعبان/ 1411 هـ) دور كبير في تقويض وإضعاف عُرى (اللانظام) البعثي ووجوده، وأعطت لحركة المعارضة في الخارج وجهاً آخر أمام الرأي العالمي، وخصوصاً من يتبنى حركة التحرر في العالم ويدير شؤونها، ولعل الكثير سمع عن الانتفاضة الشعبانية التي تختلف عن الانتفاضات الأُخرى، أمثال انتفاضة رجب وصفر عام (1397 هـ، 1977 م) ، اللتين نظمهما الطلبة والرساليون والدعاة في عقر دار (اللانظام) المقبور.
  جاءت انتفاضة شعبان المباركة بعفويتها البريئة وتركت آثارها على الساحة العراقية خصوصاً والعالم بشكل عام، فبانت وظهرت الكثير من الملابسات حينها، ووعى الشعب والعالم المرحلة المظلمة التي يمر بها العراق الجريح وشعبه المظلوم، وفهم الآخرون لغة الرفض التي تعلمها أبناء عليٍّ والحسين من كربلاء الدم والشهادة، ومن سيرة المواجهة الحقيقية لأهل البيت (ع) ورفضهم لكل ألوان الظلم والاضطهاد .
  وقد تنبهتْ بعض الدول الإقليمية منها والعالمية إلى خطورة نجاح الانتفاضة الشعبية الشعبانية وما سيؤول إليه أمر العراق ومستقبله السياسي الذي لا يرتضونه، بل ولا يُغمضون دونه عيناً، ولا يسدلون دونه ستراً، فراحوا يخططون للإطاحة بها وبرجالها، فهيأوا الأرضية المناسبة للدول الكبرى، وتعهّدوا بذلك، وخصوصاً دول الجوار، فاستشهدَ مَنِ استشهِد من أبناء هذا الوطن، واعتقل مَنِ اعتقل، و دُرشّ مَنْ دُرشِ بعد إجهاض الانتفاضة المباركة من قبل الظلمة، فقرّت أعينهم لذلك، واستقر حالهم بعد ما شاهدوا المجازر التي راح ضحيتها الملايين من أبناء الشعب الأبرياء والعزّل من دون جرم اقترفوه، وأعادوا (اللانظام) إلى سلطته المنهارة، فعاد وهو ينهش لحوم الأبرياء، ظناً منه أنه سيوقف المد والثورة الجماهيرية، وراح كل واحدٍ مِنا يدّعي أنه قائد الانتفاضة، وأنه اللولب المُحرّك، وأنه كذا وكذا من الادعاءات، ناسين أو متناسين بذلك الدور الجماهيري الكبير، وهؤلاء الجماهير هم الذين دفعوا دماءهم الزاكية ثمن تلك الأحداث السابقة .
وكلٌّ يدعي وصلاً بليلى           ولـيلى لا تقرُّ لهم بذاكا

  مُتكالبين على المناصب والعروش الزائلة التي لا تحميهم من محاسبة الرب الكبير { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (204) .
  وتحرّكت العوائل مهاجرة طالبةً النجدة والنجاة لأطفالها ونسائها، فنجا من نجا، وسُلِّم من سُلِّم إلى (اللاّنظام) ، وفَعَلَ فَعلتَه المشينة والشنيعة بالأعراض وانتهاكها، وبالشباب والتمثيل بها، وبالشيوخ وغيرهم بدفنهم أحياءً، يموتون وهم يتجرعون غُصصَ الموت غُصةً بعد غُصة، شاخصين بأبصارهم إلى الله، شاكين ظلاماتهم له سبحانه.
  وقد نالَ عائلتَنا المضطهدة ـ كسائر العوائل شيءٌ ليس باليسير من هذا الظلم والضيم، رغم أنها دفعت في بادئ الأمر ثلةً من خيرة أبناء أُسرة آل فرج الله، ليتم عددهم بعدد بني هاشم يوم كربلاء، أي : قبل الانتفاضة وبعدها، ليصبح مجموع شهداء الأسرة ( 17 ) شهيداً .

المطلب السادس : أحداث الوفاة الأليمة

  1 ـ الوفاة الأليمة
  وفي ذلك الوقت كانت الوالدة الصابرة قد تحركت لنقل الشيخ الوالد (رحمه الله) ومن بقي من عائلتنا إلى مأمن من الأرض، فانقدحت في نفسها فكرة الالتحاق بحدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد كانت تحمله في عربة بسبب وضع بدنه الضعيف وفَقد البصر وعدم التَحَملِ، تنقله مرحلةً بعدَ مرحلة بمعية المرحومة عمتي أُم ضياء وأختي أُم كوثر، وعندما وصلت إلى مرحلة من منتصف الطريق الوعر، انتصفت ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، لتستوقف العربة التي تحمله، طالبة منه خفض الصوت لئلا تسمعه آذان رجال الجيش الذين أعادوا انتشارهم المهزوم، ولئلا تقع الكارثة الكبرى، وانقطعت الأنفاس في هدوة ذلك الليل البهيم الموحش، لتسمع أمي ثلاثة أصوات تنطلق من شفتي أبي ... ! ماذا يقول ... ؟ يقول بصوت دافئ : يا عبد الخالق، يا عبد الخالق، يا عبد الخالق !!!
  ولم يكن الشيخ الوالد (رحمه الله) غافلاً عن الاستجابة لأمر الله الذي دلّ عباده عليه، وهو الوصية الشرعية (205) ، وكان متنبهاً إليها، وقد كلفني بكتابتها أمام محضر من المؤمنين الكرام وأثبت فيها ما هو المطلوب الشرعي برعاية العيال والورثة من أجل عدم حصول التنازع بينهم، وهي فلسفة الوصية الشرعية، وكانت كتابتها وإعادة صياغتها الأخيرة التي وهب بها أملاكه الى أولاده من دون استثناء، بعد أن قرر ثلثه الشرعي الممنوح له من الله تعالى، وكان ذلك بتاريخ ( 7/ شوال المكرم/ 1409 هـ) ، الموافق (12 / 5/ 1989 م) .
  أبه، ليتني كنت إلى جنبك، ليتني كنت أسمعك لأُلبي نداءك وأقول لك : لبيك يا والدي، ويل قلبي يا أبي، فداك نفسي وروحي وبدني وأنت تعالج سكرات الموت عَطِشاً بعيداً غريباً مهاجراً، تلفظ أنفاسك الأخيرة لترتفع روحك إلى ربك شاكية ظلامتها، راضية مرضية بتاريخ ( 12 / 4/ 1991 م ) (206) .

  2 ـ الحيرة والألم
  كانت والدتنا الصابرة امرأة كبيرة ألم بها الحزن والوجد وهي بحالة يرثى لها، زوجها بين يديها ميّت لا تستطيع تحريكه فضلاً عن حمله، جيشٌ عاتٍ يتصيّد، وجلادٌ يعدم الأبرياء، ونساءٌ والهات، وليلٌ بهيم، كل ذلك جرَّ على الأُم ومن معها آلاماً لا تطاق، فهنَّ أسارى بين يدي الجلاد وبين الجنازة المسجاة، وليس لهن حول ولا قوة، نعم ! هناك قوة غيبية لا يمكن أن تتركهن، إذ هيأت لهنَّ من يحمل الجنازة، ومن يلي أمرها، ويسكن روعتهن، وسرعان ما انكشف الفجر وبان بياض الصبح وأسفر عن وجهه بسكون حزن مجهول، وإذا بالأخوة المجاهدين الذين يحملون راية الجهاد والدفاع عن العراق الجريح، أبطال بدر الأولى والثانية ينتدبون أنفسهم لحمل الغريب، طالبين من أُمّنا الحائرة أن تأمرهم وإلى أي مكان تشير عليهم، فتمتمت قائلة : أعيدونا إلى الشرش، لوجود بعض أرحامنا ومعارفنا هناك، فوصلوا إلى السادة (آل بيت سيد مسافر البطاط) (رحمه الله) ، فاستقبلوهم بكل رحابة صدر ليؤدّوا ما عليهم من الواجب الشرعي والإنساني لمعرفتهم بالوالد (رحمه الله) ومنزلته العظيمة.
  ولأن الظروف الأمنية كانت لا تسمح بأي تحرك خارج المحافظات وخصوصاً إلى النجف الأشرف، كانت الناس تدفن موتاها في أيّة مقبرة قريبة كانت، فأشارت الوالدة عليهم بدفنه قرب ناحية الهوير التي نقطنها، فدفنوه في مقبرة كانت هناك تدعى (مقبرة سليمان بن داوود (ع) (207)، حيث المقام المعهود له (ع) ، وبقي هناك ما يقرب من السبعة أشهر، وكانت الوالدة تتصل بي عن طريق بعض الأخوة المجاهدين وتطلب مني نقله إلى مقبرة وادي السلام إلى جوار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وتم ذلك بحضور عمنا الشيخ إبراهيم (رحمه الله) ، وكان بمعيته عبد موسى (أبو مؤيد) ، الذي تولى مباشرة وضع كفيه تحت كتفي الجثمان، ليرفعه بدفء وحنان خارج اللحد والقبر، ومعه الحاج عبد الله محمد فرج، والحاج بحر طالب، وعبد النبي الحاج حسن، وعبد الكاظم حاجم، وكان مريضاً لا يقوى على حفر قبر، إلا أن نفسه أبَتْ إلا مشاركة الآخرين .
  وقد نَقل لي الأستاذ غسان أحمد جبار والأخ عبد السلام الحاج عبد الكريم اللذان حضرا مراسم نبش القبر وإخراج الجثة الطاهرة، إنهما توليا مع سائر الناس بنفسيهما شخصياً حمل الجسد الطاهر وإخراجه من القبر، يقول الأستاذ غسان : لقد أخرجنا الجسد كاملاً لم تتغير معالمه بعد مرور تسعة أشهر، وقد أزحتُ بعض الأتربة والغبار الذي وقع من اللحد على وجهه وكريمته (رحمه الله) ، وقد لففناه بكفن آخر بأمر من سماحة الشيخ إبراهيم الشيخ مالك، ولم نشم منه أيَّة رائحة كريهة إطلاقاً.
  وكذا أخبرني بأن الوالدة كانت قد جلبت معها قنينة عطر خوفاً من وجود رائحة كريهة، فأخبرناها بعدم الحاجة إليها مطلقاً، وكان الجو ممطراً، فوضعناه على شفير قبره ليُلقي عليه أحبابه وأرحامه الذين اجتمعوا لتوديعه النظرة الأخيرة، وقد كانت الدموع تتحادر من العيون، وكادت الأنفس تخرج من شدة الوجد لفراقه (رحمه الله) . ولم تكن والدتنا الحاجة (رحمها الله) لتتمالك نفسها للمصاب الجلل، فشقت صفوف المشيعين وجموعهم لتنحني على جسد الشيخ الوالد من أجل أن تطبع قبلتها الأخيرة على جبينه، مودعةً إياه إلى يوم اللقاء المحتوم .
  حينها احتشدت جموع غفيرة من أهالي ناحية الهوير ليودعوه إلى مثواه الأخير، ملقين عليه نظراتهم الأخيرة بدموع جارية وقلوب واجمة، مشيعين إياه التشييع الذي يستحق، ولما كان الظرف الأمني لا يسمح بذلك، أمر الشيخ إبراهيم بأن تتحرك السيارة التي تُقلُّ الجثمان الطاهر من مقبرة سليمان بن داوود إلى النجف الأشرف حيث مثواه الأخير (208) دون المرور بالمنطقة التي كانت تعجُّ بالبكاء منتظرة وصول الجثمان، يقول الأستاذ غسان : لقد استقبلنا الناس بالتقريع اللاذع لعدم مرور السيارة من داخل المنطقة ظناً منهم أننا منعنا السيارة، فاحتشدت الناس سماطين على قارعة الطريق المؤدي للمنطقة يندبون حظهم لعدم مشاركتهم مباشرة في التشييع، فشكراً لهم على هذه المواقف المشرّفة العظيمة .
  وقد ذكر لي من أثق به ورأى بنفسه وشاهد بأمِّ عينيه في ذلك اليوم الذي نُبش فيه قبر الشيخ الوالد (رحمه الله) ، أن الجسد الشريف لم يتغير، وكذا نقل الأستاذ غسان أحمد جبار، والأخ عبد السلام الحاج عبد الكريم، والحاج بحر طالب ذلك وأكدوه لي مباشرة، وكأنه (رحمه الله) قد دُفن لوقته، ولفَّ في كفن آخر بحسب ما أمر به عمنا المرحوم الشيخ إبراهيم فرج الله، الذي كان مشرفاً على نقل الجثمان الطاهر، وشُيّع إلى النجف الأشرف، ورُدِمَتْ الحفرة، وقد ظهرت له كرامات بعد وفاته تناقلتها الألسن .

  3 ـ ما بعد الوفاة ولوعة الاعتقال
  وعادت الأُم إلى مأواها وحيدة حزينة، تنظر حالها المنكسر، وتدير شؤونها بنفسها بانتظار ما يؤول إليه أمرها، وبعد مدة من الزمن فكرت مرة أخرى باللجوء، فتحركت باتجاه الحدود الإيرانية وبمعيتها بعض نسائنا، وسرعان ما وقعن أسارى بيد الجلاد، ليودعهن السجن، ويكيل لهن التهم كالأبرياء الذين سبقوهن.
  لقد تعرضت والدتي ومن معها إلى الاعتقال، وأُرسِلَتْ إلى النجف الأشرف بعد إدلائها القول بأنها من أهالي النجف، وأطلق سراحُها بعد حين عندما كانت السجون تضجّ وتعجّ بالمعتقلين من دون جرم اقترفوه أو ذنب اجترحوه، ولم يعدْ هناك مكانٌ لنزيل واحد فضلاً عن مئات الآلاف منهم .
  فعادت الوالدة ومن معها إلى بعض البيوتات من أرحامنا، لتؤَمّن لها ملجأً يحميها من سطوة الجلاد الأثيم، لتبقى بعده تنتظر ما تكمل به بقية حياتها التي كتبها الله لها، فبقيت تعاني كثيراً من مضايقات أذناب السلطة طيلة أكثر من عقد من الزمن، تتنقل من بيت إلى آخر، حتى عاد لها ولدها الأصغر هادي (أبو طارق) من المهجر في أواخر سنة (2001 م) ، وبقي معها الشوط الأخير من حياتها الحزينة، واشتد بها المرض حتى توفيت في سنة ( 2002 م) ، لتدفن إلى جنب والدنا في النجف الأشرف، لتصعد روحها شاكية إلى ربها ظلاماتها وآلامها، فطبتما يا والديَّ العزيزين حيين، وطبتما ميتين، وسلام عليكما يوم تبعثان بين يدي ربكما مظلومَين تطالبان بحقكما، فسلامي لكما وإلى أخويَّ الشهيدين، وإلى كل الشهداء والمظلومين، ورحمة الله وبركاته .

المطلب السابع : ما قيل عن الشيخ الوالد (رحمه الله)

  1 ـ من الأُخوة الملازمين لسماحة الشيخ الوالد (رحمه الله) ، وفي معرض ذكرهم له، وإحاطتهم به، وإلمامهم بالكثير من مزاياه التي تميز بها، يقول السيد عبد الملك نجل المرحوم السيد مطر الموسوي (أبو هشام) ، وهو ابن أخته الحاجة فاطمة بنت الشيخ حسين فرج الله :
  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين . وبعد ...
  تميزت حياة العظماء والعلماء بين أبناء جنسهم بالشهرة والعظمة والذكاء والنبوغ، وتميزت أعمالهم وتصرفاتهم بالتفاني في سبيل الله وفي سبيل دينهم ومجتمعهم الذي يعيشون في أحضانه، إنطلاقاً من قوله تعالى : ( ... {وَيُؤْثرِونَ علىَ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهمِ خَصَاصَةٌ ... } (209) وانطلاقاً من قوله (ص) : (خير الناس من نفع الناس) (210) .
  وبالرغم من اختلاف أساليبهم ووسائلهم التربوية في التوجيه والإصلاح، توحدت أهدافهم وغاياتهم في سبيل الله وخدمة مجتمعهم، لإخراجهم من ظلمات الجهل والضلالة إلى نور العلم وسعادة الدنيا والأخرة : {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يْخرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّور ...} (211) .
  ومن بين العلماء والمصلحين الذين برزوا في ساحة الإسلام والمسلمين، سماحة حجة الإسلام والمسلمين، الشيخ عبد الكريم فرج الله الأسدي (رحمه الله) ، فأدى واجبه بأكمل وجه وأفضل صورة، بالرغم من المضايقات المادية والمعنوية من مجتمعه والأنظمة الوضعية السياسية التي تسلطت على العباد والبلاد .
  كان شيخنا المبجل . منذ نعومة أظفاره حتى انتقاله إلى جوار ربه الكريم، لم يألُ جهدا في توجيه مجتمعه، وإيصال الأحكام الشرعية إلى أبنائه، بأحاديثه الشيقة، وأسلوبه الجذاب، وشواهده ونكاته اللطيفة .
  ساهم (رحمه الله) في تأسيس مكتبة آية الله الحكيم العامة ـ فرع الهوير ـ وجمع الشباب حوله، يستفيد منهم ويستفيدون منه، حيث كان (رحمه الله) يتسم بروحية شابة فياضة متجددة مع تطوّرات العلم والحضارة، وساهم ببناء جامع الهوير الكبير، حيث كانت تقام صلاة الجماعة بإمامته فيه، وجند نفسه في إقامة الاحتفالات الدينية، والمجالس الحسينية، ونشر مذهب أهل البيت (ع) في ناحية الهوير والمناطق المجاورة لها .
  وكان (رحمه الله) يحث الشباب على مطالعة الكتب والمؤلفات، والاستفادة من تجارب الكتاب والمؤلفين، حيث كان يضرب الأمثال لهم ليشجعهم على القراءة والمتابعة ...
  ويشبه الكتب والمؤلفات المطبوعة التي بذل مؤلفوها الجهد المتواصل في تأليفها بالخبز المهيأ للأكل، الذي مرَّ بعدة مراحل، كالحراثة والزرع والسقي والحصاد والطحن والعجن والخبز .
  وكان (رحمه الله) يفرح ويستأنس بالسؤال، وهذا دليل على علميته ومعرفته ، حيث كان يعتبر السؤال مفتاح المعرفة وباب الاطلاع على علوم أهل البيت (ع) ، فيستفيد منه لتركيز معلوماته، ووسيلة لإيصالها إلى السائل والمستمع، وطريقاً إلى البحث عن الجواب الصحيح من المصادر المعتبرة .
  وكان (رحمه الله) سريع البديهة في الجواب، يضرب الشواهد والأمثال من مطالعاته ومعلوماته واجتماعاته بالعلماء والمثقفين وعامة الناس بكافة طبقاتهم الاجتماعية، فمن أمثاله العاميّة : سأله في أحد الأيام سائل : هل يجوز تطليق الزوجة ؟ قال له : ولماذا ؟ قال السائل : لا لسبب سوى عدم الارتياح والانجذاب إليها . فقال له (رحمه الله) بلهجة عامية ومثل عامي بليغ ذي هدف ومعنى : (ليش اطلقها، شايلتك عن الدبيب، وموصلتك للمعازيب) (212) فاقتنع السائل وعدل عن رأيه، وبعد ذلك انسجم مع زوجته، ورزقه الله منها الولد .
  ومن شواهده الاجتماعية على سبيل المثال لا الحصر : أنه نقل (رحمه الله) هذه الحادثة :
  يقول : كنت في يوم من الأيام حاضراً في مكتب آية الله العظمى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) ـ وكان من أخصائه المعروفين الذين يعتمد عليهم في استلام الحقوق الشرعية وإعطاء الوصولات إلى أصحابها ـ إذ جاء ساعي البريد برسالة، ففضها وقرأها، وبعد ذلك، أعطاها للشيخ، فقرأها، يقول (رحمه الله) : إن صاحب الرسالة من أمريكا الجنوبية (وأظن من البرازيل) ، شيعي إمامي من مقلدي الشيخ (رحمه الله) ، حدث نزاع بينه وبين زوجته السنية الحنفية، فسبته وسبّت الإمام الصادق (ع) ، فسبها وسبّ أبا حنيفة، وبعد ذلك طلقها، وله منها أطفال صغار لا يستغنون عن أمهم، وتردد في الرجوع بها، فأحال الأمر إلى الاستخارة بالقرآن الكريم، فخرجت الآية الكريمة الآتية : {وَلا تَسْتَوِي الْحسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ باِلَّتيِ هِيَ أَحْسَنُ فَإذِا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صبرواَ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (213) فما هو رأيكم في ذلك ؟ فكتب الشيخ (قدس سره) له : إرجع بزوجتك، بارك الله لك فيها ، ... إن هذه الآية وحي من الله تعالى : فادفع السيئة بالحسنة (214) .
  إن علماءنا الأعلام مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في الليالي المظلمة، لا يعرفهم حق معرفتهم إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان ... ولا تعرفهم عامة الناس إلا بعد موتهم، (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر) (215) .
  فسلام عليك أيها الشيخ الجليل يوم ولدت، ويوم انتقلت إلى ربك الكريم مظلوماً متألماً على أولادك الشهداء (رحمهم الله) الذين قتلهم الطاغوت، وحشرك الله وإياهم مع محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
  2 ـ ثلاثة عقود من الزمن أو أكثر عاصر فيها مؤرخنا الأخ الأُستاذ التأريخي عباس جاسم محمد خلف المكنّى ب (أبي زيدون) الشيخَ الوالد عن كثب، فطلبت منه أنْ يحدثني عن ذكرياته ورؤاه عن الشيخ الوالد، فأفادني مشكوراً بقوله : أكتبُ هذه الكلمات، وهي تعتبر كرشفة الصادي وبلغة العجلان ، لأني أجدُ نفسي عاجزاً عن أنْ أقولَ كلاماً يحيط بشخصيته الفذة .
  لقد قضى الشيخ (رحمه الله) عمره المديد في خدمة الإسلام وتثبيت دعائم الدين والولاء للرسول العظيم، وعلي أمير المؤمنين (ع) ، وأهل بيته الطاهرين (ع) ، في هذه البيئة التي كانت تعُجُّ بالجهل، إذ قَلّما نشاهد رجلاً يخط بالقلم فضلاً عن أن يقرأ ويكتب، وبحكم معاصرتي إيّاه، سوف أذكر ما ثبت في ذهني وترسّخ في ذاكرتي من الأمُور التي أعرفها عن الشيخ المرحوم أبي طارق . فلقد كان نادرة الزمان، ويتيمة الدهر التي قَلّما يجود بها الزمان .
  إنَّ الوقائع التي ذكرها الأخ العزيز أبو أزهر تدل على ما ذهبتُ إليه، حيث كان الشيخ المرحوم آية في الحفظ والذكاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فكان إذا سأله أحدٌ عن مسألة أو حادثة، أحاط بها من جميع نواحيها بلسانٍ طلقٍ وبيانٍ فصيحٍ ولفظٍ خلاّبٍ يسلب القلوب ويأسر النفوس، فيشدّها إليه، فيسكت المجلس لينصت إليه، كأنّ على رؤوسهم الطير.
  وأذكر أ سألته في أحد الأيام ـ وكنت صبياً عن العلاّمة ابن خلّكان، فذكر لي من دقائق حياته الشيء الكثير حتى تعجبت من كثرة ما أورد عن حياته، ثم سألني : هل عندك كتابه الموسوم (وفيات الأعيان) ؟ فقلت : كلا، ولكني أتمنى أن أشاهده . فقال : وأنا كذلك .
  المعروف عن الفقهاء أنهم يعتنون بجانب معين من العلوم ألا وهو الجانب الفقهي، إلاّ أن شيخنا كان محيطاً بجميع العلوم التي كانت معروفة في عصره، فكان وحيد دهره في اللغة والأدب والتاريخ وعلم الفلك والنجوم والأنواء ومعرفة الطالع، وكان آية في الحفظ والذكاء، وأذكر إنّني سمعته في أحد الأيام وهو يردد أبيات ابن منير الطرابلسي من قصيدته التترية المشهورة، ولعله كان يحفظها على طولها حيث تناهز المئة والعشرين بيتاً من الشعر !
  ولعل شيخنا (رحمه الله) كان يعالج الشعر، حيث عثرت على خمسة أبيات مكتوبة بخط يده على كتاب بشارة الإسلام للسيد مصطفى آل سيد حيدر الكاظمي، ولعلّها تكون من نظمه، يذكر فيها أخلاق الناس وما جُبلوا عليه من حسد وتنغيص للفضلاء (216) :

الـــنــاس داءٌ دفـــيــنٌ لا دواء لـــــه           والـعقل قد حار فيهم وهو منذهل

إنْ كنتَ منبسطاً سمّوكَ مسخرةً           أو كـنـتَ مـنـقبضاً قـالـوا : بــه ثـقل

فــإنْ تـزهـدتَ قـالـوا : لا جـمالَ لـه           وإنْ تجملتَ قالوا : قد زهى الرجل

وإنْ تـعـففتَ عــن أمـوالـهم كـرمـاً           قـالـوا : غـنـياً وإنْ تـسـألهم بـخـلوا

لـقـد تـحـيرتُ فـي أمـري وأمـرِهم           لا بــاركَ اللهُ فـيـهم كـلُـهم سـفـل
  ولعله في أبياته كان ينظر إلى قول الشاعر :
وما أحدٌ من ألْسُنِ الناس سالماً           ولــــو أنّـــه ذاك الـنـبـيُّ الـمـطـهرُ

فـإن كـان مـقداماً يـقولون : أهـوجٌ           وإن كــان مـفـضالاً يـقـولوا : مـبـذر

وإن كــان سـكّـيتاً يـقـولون : أبْـكمٌ           وإن كــان مـنطيقاً يـقولون : مـهذر

وإن كـــان صـوّامـاً وبـالـليل قـائـماً           يــقـولـون : زراقٌ يــرائــي ويــمـكـر

فـلا تـكترث بـالناس بالمدح والثنا           ولا تــــخـــش إلاّ اللهَ واللهُ أكـــبـــر

  وأذكر أني في يوم من الأيام اشتريت كتاب (الغدير) للعلامة الأميني (قدس سره) ، ولما وصلت إلى محطة تجمع السيارات (الگراج) في القرنة، وجدت الشيخ (رحمه الله) في السيارة التي تقلنا إلى الهوير، فسلمت عليه، ولما شاهد كتاب الغدير معي، سألني : كيف حصلت عليه ؟ فقلت له : اشتريته بثمانية دنانير .
  وكان هذا المبلغ في ذلك الوقت مبلغاً كبيراً، ولما كان الطريق غير معبد، فقلما يسافر إنسانٌ إلى البصرة، مما يتطلب الانتظار طويلاً في الگراج حتى تمتلئ السيارة، فتركت كتاب الغدير في السيارة وذهبت إلى السوق مع أحد الأصدقاء، ولما عُدنا، لم نجد السيارة، فكان أسفي على ضياع كتاب الغدير لا يوصف، إلاّ أ كنت أعلّل نفسي بأنّ الشيخ سوف يأخذه معه، ولم يخب ظني، فعندما قابلت السائق في طريق عودته، أخبرني أنّ الكتاب عند الشيخ، كما أني لأذكر أنه استعار مني عدة أجزاء منه، ثم طلب مني أن أتنازل له عنه لقاء ثمنه، فلم أمانع بعد أن رأيته مشغوفاً به .
  ومن ذكرياتي مع الشيخ (رحمه الله) : أنّنا كنا نؤدي صلاة الجماعة خلفه في جامع الهوير، وفي أحد الأيام، وبعد أنْ أدينا صلاة المغرب والعشاء، إنتظرت الشيخ حتى أنهى نوافله لنعود معه سوية، أسايره ومعي ثلة من الشباب المؤمن، رحم الله الماضين منهم وغفر الله للباقين، وعندما وصلنا قرب أحد الحوانيت حيث كان بعض رجال البعث اللعناء يقفون، وهم ينظرون إلينا ونحن نمرّ من أمامهم، وبعد اجتيازهم بمسافة قصيرة، هتف أحدهم قائلاً : (هذه آخر صلاة تصلونها) ، وبعد أيام قبض على الشيخ وأودع السجن .
  فما أعظمك أيها الشيخ! وما عساني أن أقول فيك ؟! فإن القلم ليعجز عن وصف صفاتك الحميدة ومزاياك المجيدة وفضائلك المشهودة، لقد أنسيت بمواقفك الفذة وأعمالك الرائعة الأفذاذ من أترابك، وأتعبت المتأخرين عن إدراكك، لقد كنت عملاقاً بكل ما في الكلمة من معانٍ سامية، لقد كنت عملاقاً في كل شيء، كنت عملاقاً في فهمك وحفظك وعلمك وصبرك ومثابرتك وشجاعتك، وفي جهادك ضد الظلمة، وفي فصاحتك وبلاغتك وعبادتك وتهجدك وبكائك ومحاججاتك وخُلُقك وتواضعك، فعليك سلام الله يوم ولدت ويوم متَّ ويوم تبعث حياً .

الخاتمة

  وفي الختام احمد الله الذي وفقني لإتمام كتابي الموسوم (هكذا عرفت أبي) ، الذي تناولت فيه البحث عن النقاط المهمة والمضيئة في حياة والدي (رحمه الله) ، إبتداءً من المولد وحتى النشأة إلى الوفاة، وقد تخللت الكتاب بعض الأمور التي خفيت على المقربين منه فضلاً عن المجتمع ، إذ غطتها الأحداث السياسية والاجتماعية وكادت تنطمس لولا رعاية الله تعالى.
  إن هذه الفصول والأبواب التي تمّ تقسيمها ضمن محتويات الكتاب ليست كافية بالإلمام بكل جوانب حياة الشيخ الوالد (رحمه الله) ، والنقاط المذكورة في طيات الكتاب قليلة إزاء عطائه (رحمه الله) في جميع جوانب حياته المليئة بالحركة الدؤوبة خدمة للمجتمع والدين، إلا أن هذا المقدار الذي تمكنت من جمعه والإحاطة به كفيل بالاطلاع على ما تيسر لدينا رغم بعد الظرف الزمني واندراس الكثير من المآثر التي خلفها بسبب الضغوط الأمنية والسياسية والاجتماعية، وهناك الكثير من المسائل التي خفيت عني ولم أتمكن من الوصول إليها بسبب بعض المضايقات الاجتماعية والعائلية الخاصة بنا (عفى الله عن مسببيها) ، كالوكالات الكثيرة التي منحها له (رحمه الله) علماء الطائفة ومجتهدوهم (أعلى الله مقاماتهم) .
  إن ما كتبته عن حياة الشيخ الوالد لهو نزر يسير يحتاج إلى مزيد البحث والدراسة ، إذ لم يلمّ بحياة الشيخ من جميع جوانبها كما هو واضح، فإن المتأمّل في الجوانب العلمية والاجتماعية والإنجازات التي تخللت حياته (رحمه الله) ، ليجد أن هناك -وضمن الظرف الذي عاشه ـ نقاط تحوّل في حركة رجل الدين الذي يعيش الحصار من إرهاب الدولة التي عاصرها، وقد ألقت بظلالها على عاتقه رغم تلك المعاناة التي ذكرتها آنفاً.
  إن هذه الإلمامة التي نقلتها في هذا الكتاب كفيلة ببيان الوضع العلمي والاجتماعي العام الذي يمكن القارئ والباحث من أن يتناول حياة الفقيد جانباً جانباً، ويخضعها للتحليل والدراسة .
  ختاماً، لا بد لي من الإشارة إلى أن الكتاب الذي كتبته بعيد عن التأثر السلبي بالعواطف الذاتية أو القومية التي قد تخرج الباحث في بعض الحالات عن مضماره العلمي الموضوعي، وإنما هي العواطف الدينية التي دفعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع ليس إلا . وأردت بذلك رضا الله والوالدين معاً ، لأنه من جوانب البر بهما بعد مماتهما.
  ومن خلالها تبدو شخصية الإنسان المسلم متوازنة سوية متكاملة، لا يطغى عليها جانب الشر على الخير ولا جانب رضا النفس على رضا الله تعالى، كما هو الواضح الذي تعاملت به المجتمعات المادية التي تربّى الإنسان فيها على المناهج الموضوعة المعلوم فيها القصور البشري ، إذ كثيراً ما تتحكم فيه الأهواء والمفاهيم المنحرفة، فكلما كانت النفوس طائعة لله، منصاعة لهديه، أوّابة إلى اِمحه، راضية بقضائه وقدره، كان همّها الوحيد مرضاة الله تعالى فحسب .
  وهذه النفس هي التي تكون مع الوالدين مثالاً لل الصادق والطاعة الإلهية والإحسان الجميل والرحمة والوفاء العميق، وهي مع الأرحام وصولة بحبل الود، الجامعة للشمل، والواعية تماماً بما للرحم من مكانة في عِرشةِ الإسلام تجعل الإنسان المسلم واصلاً لها مهما تكن الظروف والأحوال .
  وأخيراً وليس آخراً أقول : إن هذه الإلمامة ما هي إلا خيط الوصل لأرحامي وأهلي وأسرتي، وهو أقل ما يمكن أن أقدمه بين أيديهم، سائلاً العلي القدير أن يوفقني وإياهم لطاعته .
  والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .

الملحق


  صورة تذكارية لسماحة جدنا والد الشيخ عبد الكريم، وهو العلامة الشيخ حسين نجل العلامة الشيخ فرج الله الأسدي (رحمه الله) .



  الشيخ الوالد (رحمه الله) وهو في الخمسينيات من عمره الشريف

  بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  {فَنادَتْهُ الْملائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمحْرابِ ...}
سورة آل عمران ، الآية 39


  التقطت هذه الصورة التذكارية لسماحة الشيخ الوالد (رحمه الله) بعد الانتهاء من صلاة الظهرين، قبالة المحراب في المسجد الجامع في ناحية الهوير آخر سنة ( 1979 ) ، وكان قد احتفظ بها العم الحاج عبد السادة ابن المرحوم سعيد عوده الحجاج (أبو ماجد) حفظه الله.



في الذاكرة

  ستبقى في ذاكرة التأريخ، رمزاً واضحاً، وعلماً شامخاً في دنيا المُضحّين والآباء الطيبين والمحبين للخير .
  في ليلة زواج ولده الشهيد مهدي (رحمه الله) ، ليتعانق مع أريج الشهادة التي توسمها الشهيد برجوعه من المأمن إلى ساحة المواجهة، متناسياً أن له زوجة وطفلة ودنيا لم يأنس بنعيمها بعدُ، طالباً بذلك إنقاذ الوالد العطوف، مبتغياً رضا الله ورضا الوالدين، فَتَوَّجَ حياته بختام المسك -الشهادة- التي اختصَّها الله تعالى لأوليائه . فسلام عليكما يا والدي ويا أخي من قلب مُعنّىً وروحٍ ولهى .

المخطوطات

  ما خطته يد ال ..شيخ الوالد (رحمه الله)

  توثيقاً لما ذكرته من أني سوف أوافيكم في نهاية الكتاب ببعض المخطوطات التي رسمتها أنامل الشيخ الوالد (رحمه الله) .
  ووفاء مني بالوعد، سأذكر في هذه الصفحات الأخيرة ، من أجل أن تكون في متناول أيديكم لتطلعوا عليها على الرغم مما اعتراها من الرطوبة على أثر الدفن الذي تعرضت له ، إذ تسلطت بعض الحشرات )الأرضة(، وأحالت الكثير منها إلى حطام بالٍ ، إلا أن ما تيسر لدي هو ما تم العثور عليه بين طيات الأرض والأنقاض ، وهو كما يلي :

الصورة رقم (1)


  بيتين من الشعر يؤرخ فيهما يوم وعام ولادته (رحمه الله) .

الصورة رقم (2)



  تعليقة على كتاب الفردوس الأعلى يؤارخ فيها وفاة آية الله الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء.
الصورة رقم (3)



  أبيات من الشعر ينعى فيها الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (رحمه الله) .
الصورة رقم (4)



  تعليقة له يثبت فيها سلسلة نسبه
الصورة رقم (5)



  إجازة آية الله السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي للشيخ عبد الكريم فرج الله (رحمهم الله) .
الصورة رقم (6)



  وثيقة تخرجه من مدرسة آية الله الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (رحمه الله) .
الصورة رقم (7) ـ أ ـ



  أستفتاء أرسله (رحمه الله) إلى آية الله السيد محسن الحكيم (قدس سره) .
ـ ب ـ



  أستفتاء أرسله (رحمه الله) إلى آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي (قدس سره) .
الصورة رقم (8) ـ أ ـ



  كلمة القاها (رحمه الله) في الاحتفال التأبيني لوفاة آية الله السيد محمد تقي بحر العلوم (قدس سره) .
ـ ب ـ


ـ ج ـ


الصورة رقم (9)


  وثيقة إعدام ولده الشهيد طارق (رحمه الله) .
الصورة رقم (10)


  وثيقة يظهر فيها (رحمه الله) نسب النبي (ص) الى آدام (ع) .
الصورة رقم (11)


  وثيقة وقع عليها جمع من علماء البصرة مطالبين فيها الزعيم عبد الكريم قاسم بعشرة امور ضمه في الدستور الدائم .
الصورة رقم (12) ـ أ ـ


  صفحات من ملحق لكراس لهُ (رحمه الله) (حياتي وما أسوأها من حياة)

ـ ب ـ


ـ ج ـ


ـ د ـ


الصورة رقم (13) ـ أ ـ


  صفحات من كراس لهُ (رحمه الله) (رسالة في الطلاق) .

ـ ب ـ


ـ ج ـ


ـ د ـ


ـ هـ ـ


الصورة رقم (14)


  أبيات أبوذية كتبها عنده فقده ولده الشهيد طارق (رحمهم الله) .

الصورة رقم (15)


  قصيده كتبها بحق الزهراء (ع) .

الصورة رقم (16)


  قصيده كتبها بحق الإمام العباس (ع) .

الصورة رقم (17)


  أبيات نضمها بحق الإمام الحجة (عج) .

الصورة رقم (18)


  نعي بحق الإمام الحسين (ع) .

الصورة رقم (19)


  أبيات بحق الإمام السجاد (ع) .

الصورة رقم (20)


  نعي بحق الإمام السجاد (ع) .

الصورة رقم (21)


  قصيدة في ذكر الإمام الحسين (ع) .

الصورة رقم (22)


  قصيدة في ذكر أهل البيت (ع) .

الصورة رقم (23)


  قصيدة في ذكر الإمام الحسين (ع) .

الصورة رقم (24)


  قصيدة في ذكر الإمام الحسين (ع) .

الصورة رقم (25)


  قصيدة له (رحمه الله) في ذكر الموت .

الصورة رقم (26)


  مقطع من قصيدة له (رحمه الله) .

الصورة رقم (27)


  أبيات من قصيدة له (رحمه الله) .

الصورة رقم (28)


  بيتان من الشعر له (رحمه الله) .

الصورة رقم (29)


  بيتان في حق الجار له (رحمه الله) .

الصورة رقم (30)


  قصيدة له (رحمه الله) في حق مصائب أهل البيت (ع) .

الصورة رقم (31)


  قصيدة له (رحمه الله) في حق الإمام الحجة (عج) .

الصورة رقم (32)


  أبيات له (رحمه الله) في ذكر الموت .

الصورة رقم (33)


  قصيدة له (رحمه الله) في حق الإنسان والموت .

الصورة رقم (34)


  أبيات شعرية لابن أبي الحديد المعتزلي كتب عليها تخميساً من نظمه (رحمه الله) .

الصورة رقم (35)


  بيتان في حق الإمام الحسين (ع) .

الصورة رقم (36)


  أبيات من الشعر عنده تنصيب الملك غازي والياً على العراق .

الصورة رقم (37)


  أبيات في حق الإمام علي (ع) .

الصورة رقم (38)


  أبيات يصف فيها همومه (رحمه الله) .

الصورة رقم (39)


  بيت من الشعر له (رحمه الله) .

الصورة رقم (40)


  بيتان من الشعر له (رحمه الله) يشكو فيهما ضره الى الله (عزوجل) .

الصورة رقم (41)


  وثيقة تخرجهُ (رحمه الله) .

الصورة رقم (42)


  صورة ختمهُ (رحمه الله) .

الصورة رقم (43)


  وثيقة يظهر فيها (رحمه الله) دوره الثقافي والديني في تأسيس المكتبه في قريته .

الصورة رقم (44)


  مكتوب أرسل إليه (رحمه الله) .

الصورة رقم (45)


  وثيقة يظهر فيها (رحمه الله) ذكرياته أيام شبابه

الصورة رقم (46)


  كلمة له (رحمه الله) في ذكرى المبعث النبوي الشريف

الصورة رقم (47)


  أبيات له (رحمه الله) يؤرخ فيها تشييد جامع الهوير

الصورة رقم (48)


الصورة رقم (49)


  بيتان له من الشعر (رحمه الله) .

الصورة رقم (50)


  من كلماته (رحمه الله) .

الصورة رقم (51)


الصورة رقم (52) _ أ _


  وصيته الشرعية (رحمه الله) .

الصورة رقم _ ب _


الصورة رقم (53)


  وثيقة وفاته (رحمه الله) .

الصورة رقم (54)


  وثيقة نقل جثمانه (رحمه الله) .

مشجرة أسرة آل فرج الله الأسدي










المصادر والمراجع

  ـ القرآن الكريم
  ـ الأبشيهي، شهاب الدين بن محمد (ت 850 هـ).
  ـ 1 المستطرف في كل فن مستظرف، دار مكتبة الهلال.
  ـ ابن أبي الحديد ، (ت 656 هـ).
  ـ 2 شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.
  ـ ابن طاووس، السيد علي بن جعفر بن محمد (ت 664 هـ).
  ـ 3 التشريف بالمنن في التعريف بالفتن المعروف بـ (ملاحم الفتن) ، تحقيق : مؤسسة صاحب الأمر (عج) كلبهار اصفهان، الطبعة الأولى، 1416 هـ .
  ـ الآلوسي (ت 1270 هـ).
  ـ 4 تفسير الألوسي.
  ـالأمين، محسن (ت 1371 هـ).
  ـ 5 أعيان الشيعة، تحقيق : حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات بيروت ـ لبنان.
  ـ الأميني، الشيخ عبد الحسين أحمد (ت 1392 هـ)
  ـ 6 الغدير في الكتاب والسنة والأدب، دار الكتاب العربي بيروتـلبنان، الطبعة الرابعة، 1397 هـ 1977 م.
  ـالبحراني، الشيخ يوسف (ت 1186 هـ).
  ـ 7 الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة، تحقيق : محمد تقي الايرواني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة التلمساني، محمد بن أبي بكر (ت ق 7).
  ـ 8 الجوهرة في نسب الإمام علي وآله، البزي، تحقيق : الدكتور محمد التوخي، قم، مؤسسة انصاريان، الطبعة الثانية، 1425 هـ ـ 2004 م.
  ـ الجلالي، السيد محمد رضا الحسيني.
  ـ 9 تدوين السنة الشريفة، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية، 1418 ـ 1376 ش.
  ـ الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت 1104 هـ ).
  ـ 10 الفصول المهمة في أصول الأئمة، تحقيق : محمد بن محمد بن الحسين القائيني، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا (ع) ، الطبعة الأولى، 1418 هـ .
  ـ حسن السيد علي القباونجي.
  ـ 11 شرح رسالة الحقوق، للإمام زين العابدين (ع) مؤسسة إسماعليان للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1406 هـ .
  ـ الخوئي، الميرزا حبيب الله الهاشمي (ت 1324 هـ ).
  ـ 12 منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، بنياد فرهنك إمام المهدي (عج) ، الطبعة الرابعة.
  ـ الري شهري، الشيخ محمد
  ـ 13 العلم والحكمة في الكتاب والسنة، تحقيق : مؤسسة دار الحديث الثقافية، مؤسسة دار الحديث الثقافية، قمـ إيران، الطبعة الأولى.
  ـ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، (ت 911 هـ ).
  ـ 14 المحاضرات والمحاورات، ، تحقيق : الدكتور يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2003 م.
  ـ الطبرسي، الفضل بن الحسن (ت 548 هـ).
  ـ 15 مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق : لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1415 هـ ـ 1995 م.
  ـ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن (ت 460 هـ)
  ـ 16 الآمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع ـ قمن الطبعة الأولى، 1414 هـ .
  ـ عادل رؤوف.
  ـ 17 عراق بلا قيادة، المركز العراقي، للأعلام والدراسات دمشق، 2002 م.
  ـ عبد المنعم الفرطوسي
  ـ 18 ديوان الفرطوسي .
  ـ القمي، علي بن إبراهيم (ت 329 هـ).
  ـ 19 تفسير القمي، تحقيق : السيد طيب الموسوي الجزائري، منشورات مكتبة الهدى، 1387 هـ .
  ـ الكليني، محمد بن يعقوب بن اسحاق (ت 329 هـ)
  ـ 20 الكافي، دار الكتب الإسلامية طهران، تحقيق، علي أكبر الغفاري، الطبعة الرابعة، 1365 ش.
  ـ المتقي الهندي، علاء الدين بن حسام الدين (ت 975 هـ).
  ـ 21 كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق : الشيخ بكري حياني مؤسسة الرسالة بيروت ـ لبنان، 1409 هـ ـ 1989 م.
  ـ المجلسي، محمد باقر (ت 1111 هـ).
  ـ 22 بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مؤسسة الوفاء ـ بيروات ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403 هـ ـ 1983 م.
  ـ الملايري، إسماعيل المعزي.
  ـ 23 جامع أحاديث الشيعة، المؤلف نفسه ، 1413 هـ ـ 1371 ش.
  ـ النوري، الميرزا حسين النوري الطبرسي، (ت 1320 هـ).
  ـ 24 مستدرك الوسائل ، مؤسسة آل البيت .، الطبعة الثانية، 1408 هـ ـ 1988 م.
  ـ النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (1733 هـ)
  ـ 25 نهاية الأَرَب في فنون الأدب، وزارة الثقافة والإرشاد القومي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

الهوامش

  1 ـ سورة العلق، الآيتان (1 ـ 5) .
  2 ـ سورة الزّمر، الآية (9).
  3 ـ عوائد الأيّام، المحقِّق النّراقيّ : ص 532 .
  4 ـ سورة المجادلة : الآية 11 .
  5 ـ الأمالي، الشيخ الطوسي : ص 524 .
  6 ـ سورة فاطر : الآية 28 .
  7 ـ كنز العمال : ج 10 ، ص 250 .
  8 ـ بحار الأنوار : ج 2 ، ص 37 .
  9 ـ سورة آل عمران : الآية 18 .
  10 ـ العلم والحكمة في الكتاب والسنة، الري شهري : ص 412 .
  11 ـ سمعتها منه شخصياً .
  12 ـ سورة الإسراء : الآية 24 ـ 25 .
  13 ـ المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين بن محمد الأبشيهي : ص 257 ، الجوهرة في نسب علي وآله، محمّد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني : ص 50 .
  14 ـ الكافي : ج 2، ص 158 .
  15 ـ سورة هود : الآية 42 ـ 47 .
  16 ـ نقلها . لي شخصياً، وكتبها تحت صورته بخط يده، ينظر المخطوطات : ص 140 ، الصورة رقم (1) .
  17 ـ ينظر المخطوطات : ص 140 ، الصورة رقم (2) .
  18 ـ ينظر المخطوطات : ص 141 ، الصورة رقم (3) .
  19 ـ ينظر : شجرة أسرة آل فرج الله آخر الكتاب .
  20 ـ المتوّج : نسبة إلى القصة المشهورة في زمان ولاية (قبائل المنتفج) ، التي كانت تحكم لواء الناصرية آنذاك، إذ تمت الوشاية إلى الحاكم بالشيخ أحمد ـ الذي كان يشغل مكانة الرجل الديني المهاب والوجه الاجتماعي المرموق ـ تهمة منهم بأنه يسبّ الخليفة ـ ولم تكن هذه التهمة وليدة الوقت ذاته، بل هو ديدنهم حينما يراد الكيد بأحد، فيتم التلفيق عليه ـ فأرسل عليه الوالي آنذاك، وتمّت محاكمته، وأحضر الشهود، وأقسموا بالله أنه سبّ الخليفة، فحكم عليه بالإعدام، بأن يوضع بقدر كبير، ويتم غليه بالماء حتى ينضج . وبالفعل، فقد تمّ تنفيذ ما أمر به حاكمهم، وبعد أن انتهى الوقت المقرر، ظناً منهم أنهم سيجدونه قد تناثر لحمه عن عظمه، فجاؤوا إليه ليكشفوا غطاء القدر، فوجدوه جالساً يسبّح الله تعالى، حينها، إستدرك الحاكم أمره، فخلع تاجه الذي على رأسه ووضعه على رأس الشيخ أحمد من أجل أن يهدئ من غضب الآخرين، وطلب الحاكم منه العذر، وأراد إكرامه، فأبى، ورجع إلى أهله في منطقة (الجبايش).
  وقد قرر الشيخ الهجرة من بلد لا يحترم فيه العلم والعلماء، ويقوم حكمه على الظنة والتهمة، حينها، إستغل الشيخ أحمد ظلام ليلة من الليالي ليستقل سفينة ويبحر بها، رافضاً كل التوسلات من قبل أعيان المنطقة، تاركاً خلفه كل شيء من حطام هذه الدنيا الدنية، حتى صار مروره على قرية (نهر صالح) ، فاعترضه أهلها، فأبى، ومن ثم صار مروره على قرية (أبي الخصيب) ، واعترضه أهلها أيضا، لمعرفتهم به، فأبى ذلك، وأبحر حتى رست السفينة في البحرين .
  والآن ذريته تعد بالآلاف في محافظة السترة البحرينية . ومن هنا، فقد لقب بأنه الشيخ أحمد المتوّج .
  21 ـ ينظر المخطوطات : ص 141 ، الصورة رقم (4) . وهذا نصّ ما نقلته من حاشية بعض الكتب التي كتب الشيخ الوالد النسب عليها بخط يده المباركة، كما أن هناك الشجرة التي تم تثبيتها من قبل شيخ عشيرة بني أسد بخط الشيخ ضاري ثعبان الخيون الأسدي نزيل محافظة ديالى حالياً، كتبها لسماحة الشيخ عبد الرزاق الشيخ طعمة فرج الله (حفظه الله) ، وأهداها له مشكوراً، يوجد فيها بعض الفرق اليسير، ولا ضير فيه ، إذ إنهما تلتقيان .
  22 ـ سورة الصافات : الآية 24 .
  23 ـ سورة فاطر : الآية 28 .
  24 ـ الكافي : ج 1 ، ص 36 .
  25 ـ مستدرك الوسائل : الميرزا النوري : ج 1 ، ص 236 .
  26 ـ دعاء يقرأه الشيخ (رحمه الله) في كل ليلة جمعة ينشدّ معه المصلون .
  27 ـ وقد نقلها لي الأخ الاستاذ علي داخل حريجة، وقد حفظها مباشرة من الشيخ الوالد .
  28 ـ سورة غافر : الآية 60 .
  29 ـ سورة الإسراء : الآية 82 .
  30 ـ سورة الإسراء : الآية 82 .
  31 ـ سورة البقرة : الآية 137 .
  32 ـ سورة القلم : الآية 51 ـ 52 .
  33 ـ دعاء كان الشيخ يكتبه للمريض فيشفى ورد ذكره عن أهل البيت (ع) ، بحار الأنوار، المجلسي : ج 59 ، ص 277 . وأم مِلدّم : كنية الحمّى، واللدم يعني الضرب .
  34 ـ الذي يقوم بخدمة المأتم آنذاك ولداه الحاج غياض والحاج فياض أولاد زاير عبدالله الحاج مصيمت وهم من أسرة آل حمّود من عشيرة الحجاج (عبادة) ناحية الهوير من محافظة البصرة ولا زال المجلس الحسيني مستمراً لحد الآن .
  35 ـ ينظر المخطوطات : ص 142 ، الصورة رقم (5) .
  36 ـ ينظر المخطوطات : ص 143 ، الصورة رقم (6) .
  37 ـ ينظر المخطوطات : ص 144 ـ 145 ، الصورة رقم (7) أ ـ ب .
  38 ـ أي : إنها تغنيك عن الحاجة إلى غيرها وعن أن تدب إلى الغير طالبا المساعدة، وتسدّ لك بعض الخلل إذا اعتراك عند زيارة الضيوف .
  39 ـ ينظر : ص 14 .
  40 ـ سورة آل عمران : الآية 18 .
  41 ـ هذه اضافة من الكاتب وفي أصل الوثيقة جاء هكذا : (حيث سيتضح ... ) .
  42 ـ في أصل الوثيقة : (والنور خير من الظلمة) .
  43 ـ في أصل الوثيقة : (في كل) .
  44 ـ غير موجودة في أصل الوثيقة.
  45 ـ سورة الزمر : الآية 9 .
  46 ـ غير موجودة في أصل الوثيقة.
  47 ـ سورة البقرة : الآية 31 .
  48 ـ الحدائق الناضرة، المحقق البحراني : ج 11 ، ص 207 .
  49 ـ الملاحم والفتن، ابن طاووس : ص 8 .
  50 ـ ينظر المخطوطات : ص 146 ـ 148 ، الصورة رقم (8) أ ـ ج .
  51 ـ سورة يوسف : الآية 41 .
  52 ـ ينظر وثيقة إعدام ولده الشهيد طارق : ص 149 ، الصورة رقم (9) .
  53 ـ ينظر المخطوطات : ص 150 ، الصورة رقم (10) .
  54 ـ نقلها (رحمه الله) لي شخصياً، وقد حضرها كل من السيد عبد الملك الموسوي، والأستاذ قاسم حمدان، والأستاذ علي سهر (رحمه الله) ، وآخرين ممن حضروا الحادثة .
  55 ـ ديوان الفرطوسي : ج 2 ، ص 153 ـ 159 .
  56 ـ ينظر المخطوطات : ص 152 ـ 155 ، الصورة رقم (12) أ د .
  57 ـ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد : ج 3 ، ص 58 ، كلمة كان يرددها أبو ذر الغفاري .
  عندما نفاه عثمان بن عفان إلى الربذة، وهو يقول : (ما زال بي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ما ترك لي الحق صديقاً ) ، وكان يقول فيها : ردني عثمان بعد الهجرة أعرابياً.
  58 ـ المحاظرات والمحاورات، جلال الدين الصيوطي : ص 242 ، الابيات للشاعر معن بن أوس المزلي.
  59 ـ في أصل الوثيقة : (وأتفه سبب ) .
  60 ـ في أصل الوثيقة : ( واعتمدوا عليَّ ووثقوا فيَّ، مع ما أنا فيه ... ) .
  61 ـ شرح نهج البلاغة : ج 1،ص 324 : من كلام أمير المؤمنين (ع) : ( أوصيكم بخمس، لو ضربتم إليهن آباط الإبل كانت لذلك أهلاً : لا يرجوَنّ أحدكم إلا ربه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، ولا يستحينّ إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، ولا يستحيي إذا جهل أمراً أن يتعلمه . وعليكم بالصبر ، فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا خير في جسد لا رأس له، لا خير في إيمان لا صبر معه ... ) .
  62 ـ ينظر المخطوطات : ص 156 ـ 160 ، الصورة رقم ( 13 ) أ ـ و .
  63 ـ سورة الطلاق : الآية 1 .
  64 ـ سورة النجم : الآية 4 .
  65 ـ سورة الأعراف : الآية 54 .
  66 ـ سورة النساء : الآية 128 .
  67 ـ سورة المؤمنون : الآية 96 .
  68 ـ الفصول المهمة في أصول الأئمة، الحر العاملي : ج 1 ، ص 643 .
  69 ـ سورة الحشر : الآية 7 .
  70 ـ جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي : ج 22 ، ص 60 .
  71 ـ سورة البقرة : الآية 228 .
  72 ـ عبارة استخدمها الشيخ الوالد للتأكيد على دفع حق النفقة والصداق .
  73 ـ سورة البقرة : الآية 234 .
  74 ـ سورة الطلاق : الآية 1 .
  75 ـ سورة البقرة : الآية 228 .
  76 ـ ينظر المخطوطات : ص 161 ، الصورة رقم ( 14 ) .
  77 ـ ينظر المخطوطات : ص 162 ، الصورة رقم ( 15 ) .
  78 ـ في أصل الوثيقة : (امرٍ ) .
  79 ـ ينظر المخطوطات: ص 163 ، الصورة رقم ( 16 ) .
  80 ـ أبدل الشاعر كلمة فرَّت ب (ضجت ) بقراءته الاخيرة .
  81 ـ ينظر المخطوطات : ص 164 ، الصورة رقم ( 17 ) .
  82 ـ في أصل الوثيقة : (هذي) .
  83 ـ ينظر المخطوطات : ص 165 ، الصورة رقم ( 18 ) .
  84 ـ ينظر المخطوطات : ص 166 ، الصورة رقم ( 19 ) .
  85 ـ ينظر المخطوطات : ص 167 ، الصورة رقم ( 20 ) .
  86 ـ في أصل الوثيقة : ( ويلعلي والله ) .
  87 ـ جاء بعد ذلك في أصل الوثيقة : (حيدر ياعلي والله شلون انته تغمضلك عين ) وبعدهما بيتان من الشعر اخفى رسمهما رطوبة الدفن.
  88 ـ ينظر المخطوطات : ص 168 ، الصورة رقم ( 21 ) .
  89 ـ في أصل الوثيقة : (تم يملي بعد جوده) .
  90 ـ في أصل الوثيقة : ( خافن ) .
  91 ـ في أصل الوثيقة : (ويلي ) .
  92 ـ ينظر المخطوطات : ص 169 ، الصورة رقم ( 22 ) .
  93 ـ ينظر المخطوطات : ص 170 ، الصورة رقم ( 23 ) .
  94 ـ في أصل الوثيقة : ( در تدعوا عن العدوان ) .
  95 ـ في أصل الوثيقة : (القوله ما وجبوا كلهم) .
  96 ـ تصرف الكاتب في الشطر الاول لعدم وضوح الخط والشطر الاخر منه في أصل الوثيقة جاء هكذا : ( فعلوا مايطيقه انسان ) .
  97 ـ ينظر المخطوطات : ص 171 ، الصورة رقم ( 24 ) .
  98 ـ في أصل الوثيقة : (عجل اركب عليه ...) .
  99 ـ في أصل الوثيقة : (ميّة) .
  100 ـ في أصل الوثيقة قراءة آخرى (اويردنه للوطن هيهات عوده واخبره بن سعد هليوم وده) .
  101 ـ ينظر المخطوطات : ص 172 ، الصورة رقم ( 25 ) .
  102 ـ في أصل الوثيقة : (فكأنهم لما بنوها نوّما) .
  103 ـ كلمة ساقطة من أصل الوثيقة : (آثار) .
  104 ـ غير موجودة في أصل الوثيقة.
  105 ـ في أصل الوثيقة : (الحسين) .
  106 ـ في أصل الوثيقة : (مذ ابصرته جسومهم) .
  107 ـ في أصل الوثيقة : (مهما ان بقا لا يسلما) .
  108 ـ في هامش الاصل طريقة اخرى نظمها المؤلف صورتها هكذا : (في حالة تشجي العدو وتؤلما) .
  109 ـ في أصل الوثيقة : (وتُهدما) .
  110 ـ في أصل الوثيقة : (لم) .
  111 ـ ينظر المخطوطات : ص 173 ، الصورة رقم ( 26 ) .
  112 ـ ينظر المخطوطات : ص 173 ، الصورة رقم ( 27 ) .
  113 ـ في أصل الوثيقة : (بنيل) .
  114 ـ في أصل الوثيقة : (يغيثهم) .
  115 ـ في أصل الوثيقة : (حثيثهم) .
  116 ـ ينظر المخطوطات : ص 184 ، الصورة رقم ( 28 ) .
  117 ـ ينظر المخطوطات : ص 175 ، الصورة رقم ( 29 ) .
  118 ـ ينظر المخطوطات : ص 176 ، الصورة رقم ( 30 ) .
  119 ـ في أصل الوثيقة : (هزما) .
  120 ـ في أصل الوثيقة : (لامةٍ) .
  121 ـ تصرف من الكاتب لعدم وضوح الوثيقة.
  122 ـ في أصل الوثيقة : (لايخشى) .
  123 ـ في أصل الوثيقة : (يخشى) .
  124 ـ ينظر المخطوطات : ص 177 ، الصورة رقم ( 31 ) .
  125 ـ في أصل الوثيقة : (تظهر إلينا) .
  126 ـ في أصل الوثيقة : (فُتت من الصبر) .
  127 ـ في أصل الوثيقة : (تنتضره) .
  128 ـ في أصل الوثيقة : (تذكر) .
  129 ـ في أصل الوثيقة : (هاجني) .
  130 ـ في أصل الوثيقة : (فياله رزء لايزول) .
  131 ـ في أصل الوثيقة : (في نهوضك يا فخري) .
  132 ـ في أصل الوثيقة : (ابديت) .
  133 ـ في أصل الوثيقة : (حظي أن انال) .
  134 ـ ينظر المخطوطات : ص 178 ، الصورة رقم ( 32 ) .
  135 ـ هذه الابيات للشاعر
زالـوا مـن الـدنيا كأن لم يولدوا           سحقتهم كف القضاء القاسية

إن الــحـيـاة قــصـيـدة أعـمـارنـا           أبـيـاتها و الـموت فـيها الـقافية
  136 ـ ينظر المخطوطات : ص 179 ، الصورة رقم ( 33 ) .
  137 ـ تصرف من الكاتب لعدم وضوح أصل الوثيقة.
  138 ـ في أصل الوثيقة : (الممهد) .
  139 ـ في أصل الوثيقة : (تدّلى فيه وحدك) .
  140 ـ في أصل الوثيقة : (إلى) .
  141 ـ في أصل الوثيقة : (كأنما) .
  142 ـ في أصل الوثيقة : (مفضل) .
  143 ـ في أصل الوثيقة : (رماهمو هذا) .
  144 ـ في أصل الوثيقة : (تكون اليه الغد حتى) .
  145 ـ ينظر المخطوطات : ص 180 ، الصورة رقم ( 34 ) .
  146 ـ أعيان الشيعة : ج 8 ، ص 241 .
  147 ـ ينظر المخطوطات : ص 181 ، الصورة رقم ( 35 ) .
  148 ـ في أصل الوثيقة : (الوصي) .
  149 ـ ينظر المخطوطات : ص 182 ، الصورة رقم ( 36 ) .
  150 ـ في أصل الوثيقة : (يكون) .
  151 ـ في أصل الوثيقة : (اقرئت اسطره في عيني فأنفجرت) .
  152 ـ في أصل الوثيقة : (عاد مكسور) .
  153 ـ في أصل الوثيقة : (رشيدٍ ماهو الساكن الدنيّه) .
  154 ـ ينظر المخطوطات : ص 183 ، الصورة رقم ( 37 ) .
  155 ـ في أصل الوثيقة : (نور) .
  156 ـ ينظر المخطوطات : ص 184 ، الصورة رقم ( 38 ) .
  157 ـ ينظر المخطوطات : ص 185 ، الصورة رقم ( 39 ) .
  158 ـ ينظر المخطوطات : ص 186 ، الصورة رقم ( 40 ) .
  159 ـ في أصل الوثيقة : (ايا رب الخلائق اشكو ضري اليك وانت سميع بصير) .
  160 ـ في أصل الوثيقة : (المقِّر) .
  161 ـ الترابة : منطقة قديمة تسكنها عشائر الإمارة، تقع على الجانب الأيمن للمار في الطريق المؤدية إلى المدينة من جهة القرنة، وتقع مقابل قرية الخاص، التي تقع على الجانب الأيسر ويقطنها جُلُّ أرحامنا من أسرة آل فرج الله .
  162 ـ يقول الأستاذ حسين حاج علي اللطيف وهو من الرعيل الاول في مدرسة الترابة الابتدائية عندما انظم إلى صفوفها سنة (1950 م) وكونه من متقدمي العمر : أُريد فتح المدرسة في منطقتنا الهوير، ولكن رفض بعض الأطراف حال دون الفتح ممّا أدى بالأستاذ عامر حسك بقبول فتحها في منطقة الترابة لعلمه بما يعود نفعه على أبناء المنطقة وكان آنذاك ضابطاً في الجيش العراقي، وتمّ فتح المدرسة سنة (1945 م) ومن ثم جاءت مفاتحة الشيخ الوالد لفتح المدرسة في الهوير لتكون النواة الأولى لرعيل شبابنا آنذاك، فتخرج منها ثلة من الأساتذة والضباط والأطباء والمثقفين .
  163 ـ وقد أكده لي الأستاذ جاسم محمد ياسين والأستاذ عبد الحسين لفتة عبيد وآخرون لم أعد أذكر أسماءهم .
  164 ـ وقد أسّسها حينما كان في النجف الأشرف في الثلاثينيات من القرن المنصرم واصطحبها معه إلى الهوير، موسّماً صفحات كتبها بختمه المبارك . ينظر المخطوطات : ص 188 ، الصورة ( 42 ) .
  165 ـ ينظر المخطوطات : ص 189 ، الصورة رقم ( 43 ) .
  166 ـ سورة فصلت : الآية 42 .
  167 ـ ينظر المخطوطات : ص 190 ، الصورة رقم ( 44 ) .
  168 ـ ينظر المخطوطات : ص 191 ، الصورة رقم ( 45 ) .
  169 ـ الكلمتان من البداية محذوفتان، ولم أفهم لهما معنىً يساوقهما، وهكذا باقي الفراغات .
  170 ـ في أصل الوثيقة : (ثم) .
  171 ـ في أصل الوثيقة : (اذن فهل يرجى لمن) .
  172 ـ في أصل الوثيقة : (نهشة هذا وافتراس ذاك) .
  173 ـ ينظر المخطوطات : ص 192 ، الصورة رقم ( 46 ) .
  174 ـ سورة الأحزاب : الآية 56 .
  175 ـ سورة الجمعة: الآية 2 .
  176 ـ سورة الإسراء : الآية 1 .
  177 ـ ينظر تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي : ج 2 ، ص 3 .
  178 ـ سورة آل عمران : الآية 19 .
  179 ـ سورة آل عمران : الآية 85 .
  180 ـ ينظر المخطوطات : ص 193 ، الصورة رقم ( 47 ) .
  181 ـ الأصح أن يقول ذوو بالرفع، لكنه اضطر إلى ذلك ، لأن الرقم الذي يعطيه حرف الواو يختلف عن الياء، وبذلك يختلف الناتج .
  182 ـ الصنّين : عبارة عن مكان مرتفع أثري في نظر المجتمع، ويعيش بذاكرتهم، يدفنون فيه موتاهم هنا وهناك لا تعلوه السيول ومياه الأمطار .
  183 ـ عراق بلا قيادة، عادل رؤوف : ص 192 ـ 196 .
  184 ـ ينظر المخطوطات : ص 141 ، الصورة رقم ( 11 ) .
  185 ـ كنز العمال، المتقي الهندي : ج 3 ، ص 59 .
  186 ـ عبارة درجت عليها لغة أهل الحوزة .
  187 ـ نجل المرحوم الشيخ إبراهيم الشيخ مالك، وكان معه أخوه الشهيد الأُستاذ عبد الحسين الشيخ إبراهيم فرج الله (رحمهم الله) .
  188 ـ الخاص : قرية من قرى ناحية الشهيد عز الدين سليم (الهوير سابقاً) في محافظة البصرة .
  189 ـ مثلٌ يقال لمن يفاجأ الآخرون به بعد الحديث عنه من دون سابقة عهد .
  190 ـ شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) ، السيد حسن القبانجي : ص 410 .
  191 ـ سورة يس : الآية 68 .
  192 ـ اثر عن السلف ذلك، تدوين السنة الشريفة، السيد محمد رضا الجلالي : ص 381 .
  193 ـ ورد ذلك عن الإمام علي (ع) ( الإنسان مخبوء تحت طيِّ لسانه لا طيْلَسانه ) تفسير الآلوسي : ج 16 ،ص 214 .
  194 ـ ينظر المخطوطات : ص 194 ، الصورة رقم ( 48 ) .
  195 ـ البيتان للكميت بن زيد الأسدي، نهاية الأرب في فنون الأدب : ج 3، ص 74 .
  196 ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : ج 9 ، ص 96 .
  197 ـ تفسير مجمع البيان ، الشيخ الطوسي : ج 10 ،ص 321 .
  198 ـ ينظر المخطوطات : ص 195 ، الصورة رقم ( 49 ) .
  199 ـ ينظر المخطوطات : ص 196 ، الصورة رقم ( 50 ) .
  200 ـ عنوان الكتيب الذي كتبه الشيخ الوالد يجمع فيه مذكراته المؤلمة من خلال معاصرته للمجتمعات، تم دفنه مع بقية الكتب فأخذت الأرض حقها منه بالتلف .
  201 ـ في أصل الوثيقة (المقِّر) .
  202 ينظر المخطوطات : ص 197 ، الصورة رقم ( 51 ) .
  203 ـ نقلها لي كل من سماحة الشيخ الوالد والعم الشيخ إبراهيم فرج الله (رحمهم الله) .
  204 ـ سورة الشعراء : الآية 88 ـ 89 .
  205 ـ ينظر الوصية الشرعية : ص 198 ـ 199 ، الصورة رقم ( 52 ) أ ـ ب .
  206 ـ ينظر شهادة الوفاة : ص 200 ، الصورة رقم ( 53 ) .
  207 ـ مقام للنبي سليمان بن داوود (ع) ، يقع على الجانب الأيسر للطريق المؤدي إلى قضاء المدينة من جهة قضاء القرنة من محافظة البصرة قبل أن يصل المار إلى ناحية الهوير، تدفن الناس موتاها هناك للتبرك بصاحب المقام، ولعسر حالهم الذي لا يسمح لهم بإرسال موتاهم إلى النجف الأشرف لدفنهم بجوار أمير المؤمنين (ع) هناك، وكذا يوجد مقام آخر لسليمان بن داوود في ناحية الدير، والمقصود هو الأول وليس الثاني .
  208 ـ ينظر وثيقة نقل الجثمان الطاهر إلى النجف الأشرف : ص 201 ، الصورة رقم ( 54 ) .
  209 ـ سورة الحشر : الآية 9 .
  210 ـ مستدرك الوسائل : ج 12 ، ص 390 .
  211 ـ سورة البقرة : الآية 257 .
  212 ـ ذكرت في ص 41 .
  213 ـ سورة فصلت : الآية 34 ـ 35 .
  214 ـ ينظر كتاب الأساليب التربوية عند أئمة أهل البيت (ع) ، عبد الملك الموسوي : ص 92 .
  215 ـ الغدير، للشيخ الأميني : ج 3 ، ص 408 .
  عجز بيت من قصيدة لأبي فراس الحمداني، مطلعها يقول فيه :
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر           أمــا لـلهوى نـهي عـليك ولا أمـرُ
  إلى أن يقول :
سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم           وفـي الليلة الظلماء يفتقد البدر
  216 ـ ينظر : ص 67 من الكتاب .