(شاعر واديب)
أبو الاسود الدؤلي
الشيخ مدرك الحسّون



مقدّمة

  ثمرةٌ يانعةٌ اقتُطِفَت مِن أرضٍ عُرِفَت بالعَطاء والخير، وطالما ازدهرت بالعِلم والعُلماءِ، وأشرقت فيها شمسُ المعارفِ، تمثّلت في شخصيَةٍ علميَةٍ فذَةٍ لمعت في سمائِها، فكان لها دورٌ مهمٌ وكبيرٌ في تاريخ العِلم والمعرفة، قديماً وحديثاً، ألا وهو أبو الأسود الدؤليّ، الصحابيُ الجليلُ على التحقيقِ، التابعيُ على المشهورِ، والبليغُ الفصيحُ، والفاضلُ الصالحُ، والشاعرُ الأديبُ، والناصحُ الأمينُ (1) والمجاهدُ الصابرُ، والثابتُ في محبّةِ أمير المؤمنينَ (ع) ، الراغب بما وعده ربُه (عزوجل) مِن جزيلِ الثوابِ، وحُسنِ المآبِ، والأمنِ يومَ الحِسَابِ.

اسمُهُ ونَسَبُهُ

  اشتهر أبو الأسود بكنيتِهِ ونَسبِهِ، قال ابنُ حجر في الإصابة : (الدؤلي مشهورٌ بكُنيتِهِ) (2) ، والمعروف أنَ المرءَ يُكنّى عادّةً باسم أحدِ أبنائه، وقد ذكر له المؤرّخونَ ولدَينِ، هما : (عَطاء، وأبو حَرب) (3) ، ومعَ ذلك لم يُكَنَ بأحدِهمِا، واشتُهِر بأبي الأسود، ولم يذكُر المؤرّخونَ الوجْهَ في ذلك - فيماَ اطّلعنا عليه.
  وعُرف بنسبتِه أيضاً إلى الدُئِل مِن كنانة، والدُئِل : بالضمّ وكسرِ الهمزةِ، على وزن الوُعِل : دُويبةٌ شبيهةٌ بابن عُرس، وأنشدَ الأصمعيُ بيتَ كعب بن مالك : ما كانَ إلاّ كمُعرسِ الدُئِل (4) .
  وفيه ثلاثُ قراءاتٍ :
  1 ـ قُرئ الدُئِل مَهمُوزاً : الدُئِلي، حكاهُ السيِرافيُ عنِ الأصمعيِ، وعن عيسى ابن عَمْرو، وعن يُونس، وغيرهم مِنَ العَرب (5) ، ونسبَ ابنُ منظور هذه القراءة إلى البصريينّ أيضاً (6) ، لكن سيتّضحُ أنَ للبصريين قراءةً أخرى.
  والقراءةُ بالهَمْزِ على أنحاءٍ، فمِنهم مَن قال َ: الدُئلِي : هو بضمِ الدّال وكسر
  الهمزة، حُكيَ ذلك عن عيسى بن عمر (7) ، وابن القطّاع (8) ، ومحمّد بن حبيب (9) ، وكذلك اأخفش (10)، قال أبو عليٍ الغسّاني في كتاب البارع : (قال الأصمعيُ) والأخفش وابن السكّيت وأبو حاتم العدويّ، وغيرهم، هو بضمِ الدّال وكسر الهمزة، وإنمّا فُتحت في النّسب، كما فُتحت ميمُ نَمِر في النَمَرِي، ولامُ سلِمَة في السّلَمِي.
  قالَ الأَصمعيُ : وكانَ عيسى بنُ عُمَرُ يقولها في النَسبِ بكسر الهمزةِ أيضاً، تبقيةً على الأصلِ، وحكاهُ أيضاً عَن يونسَ وغيره، قال : وتبقيتُهُ على الأصلِ شاذٌ في القِيَاس) (11) .
  ومِنهم مَن قالَ : الدِئَل : إنَما هو بكسر الدّالِ، وفتحِ الهَمزةِ، ذكرَهُ صاحبُ القاموس، نقلاً عن الأصبهاني في شرح (اللُّمع) (12) .
  وقيل : هو بكسرتيَنِ، وهو نادِر (13) .
  (وقال ابنُ السيّد : الدُئِل بكسر الهمزة، لا أعلم فيه خلافاً) (14) ، ورجحه صاحب تاج العروس (15) .
  قال ابنُ سِيدَه : إنَ هذهِ القراءةَ نادرةٌ ..، قالَ : والدّئل حيٌ من كنانة ... والنسب إليه دُؤلي ودُئلِي، والأخيرُ نادرٌ إذْ ليسَ في كلامِ العَربِ فُعلِي) (16) .
  2 ـ قُرِئَ باليَاءِ : (الدِيْل)، وهِيَ لُغَةُ الحِجَاز، وَأهلِ الكُوفَةِ.
  (قال الأصمعيُ : وأخبرني عيسى بنُ عمر، قال : الدِيل ... إنمَا هو الدُئِل، فَترََكَ أهلُ الحِجازِ همَزَهُ) (17) .
  (ذكرَ السيِرافيُ عَن أهلِ الكوفةِ أنهَم يقولونَ : أبو الأسودِ الدِيلي، بكسر الدّالِ، وياءٍ ساكنة، وهو محكيٌ عن السَكّاكي، وأبي عبيد القَاسِم بن سلاّم، وعن صاحبِ كتابِ العيَن ومحمّد بن حبيب) (18) .
  (قالَ الكلبيُ : هُوَ أبُو الأسوَدِ الدّيلي فقُلبتْ الهمزةُ ياءً حين انكسرت، فإذا انقلبت ياءً انكسرت الدَال لتسلمَ الياءُ، كما تقول : قِيل وبِيعَ) (19) .
  3 ـ قُرِئ (الدّؤلي) بالواوِ المُهْمَزَة : وَهِيَ قراءةُ أَهلِ البصَرَْةِ.
  نقلَ ابنُ منظورٍ قولَ ابن برّي عن أبي سعيد السِيرافيّ في شرح الكِتاب في باب (كان)، عندَ قولِ أبي الأسودِ الدّؤليّ : دَعِ الخَمرَ يشربها با الغُواةُ، قال : أهلُ البَصرةِ يقولُونَ الدُؤلي (20) .
  و (قال أبو عليٍ الغَسّانيّ : والدُؤل، بضمِ الدَالِ، وبعدَها همَْزةٌ مفتوحةٌ، وهو : أبو الأسودِ الدُؤَليّ، على مثالِ العُمَري، هكذا يقولُ البصريّون) (21) .
  (وقالَ أبو العبّاس المبرّد : الدُئلي مضمومَةُ الدَال، مفتوحةُ الواو ... وامتنعوا أنْ يقولُوا أبو الأسود الدُئلي ، لئلاّ يوالُوا بينَ الكسَرَْات، فقالُوا : الدّؤلي، كماَ قالُوا في النَمِر : نَمرِي) (22) .
  و (قالَ ابنُ السِكِيت : هو أبو الأسود الدّؤَليّ، مفتوحُ الوَاو مهموز) (23) .
  4 ـ قُرِئ بالوَاو (الدّولي) : ( بفتح عَينها، قلبُوا الهَمزةَ واواً ، أنَ الهمزةَ إذا انفتحَت وكانت قبلَها ضمّةٌ، فتخفيفها أنْ تقلبَها واواً محضَة، كما قالوا في جؤن : جُون وفي مؤن : مون) (24) .
  فجاء في الدّئل أربعُ قراءاتٍ : الدُولي، والدِيلْي، والدُؤلَي، والدُئلِي (25) .
  وقد اختلفت كلماتُ مَن ترجمَ له في اسمِهِ، وفي سلسلةِ نسبِهِ أيضاً، فبعضٌ أضاف فيها أسماء، وبعضٌ أسقطها، وبعضٌ قدّم فيها، وأخّر فيها آخَرون.
  جاء في جمهرةِ أنسابِ العَرب : (عثمانُ بن عَمْرو بن سفيان بن عمر بن جُندب بن يَعمُر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الدُئِل) (26) .
  وجاء في إنباهِ الرُواة : (ظالمُ بنُ عَمْرو بن جندل بن سفيان بن عَمرو بن عَدي بن بكر بن عبدِ مناف بنِ كِنانة) (27) .
  وقالَ صاحبُ الإصابةِ : (ظالمُ بنُ عَمْرو بن سفيان بن جندل بن يَعْمر بن حُليس بن نُفاثة بن عدي بن الدِيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
  هذا قول الأكثر في اسمه ...، وأبو الأسود الدئليّ مشهورٌ بكنيَتِهِ) (28) .
  والقولُ الأشهرُ والأكثر بينَ الأعلامِ في اسمِهِ، ونسبِه، هو ما جاءَ في الإصابة (29) .
  وهذا الاختلافُ لا يهمّنا، ولا يزيدُ في البحثِ شيئاً ، لأنهّم جميعَاً قد اتّفقُوا على أنَهُ شخصٌ واحدٌ، وهذا الاختلافُ كثيراً ما يحصَلُ في مَن عُرِفَ واشتُهر بكُنيته، كما شرّح بذلك الدّجيليّ، إذْ قال : (إنَ الذي يُعرَف بكُنيتهِ ويشتهر بها قد يخفى على النّاسِ اسمُه الحقيقيُ) (30) .
  أمّا الدّول، فذكر صاحب إكمال الكمال : (قال : وزعم يونس أنَ الدُول امرأة من بني كِنانة، وهم رهطُ أي اأسود) (31) .
  وأمّا والدهُ عمرو فهو من بني عَدِيّ بن الدّال الذين لهم عددٌ كثيرٌ بالحِجَاز ،... وأمّهُ الطويلة من بني عبد الدّار بن قصيّ (32).

ولادتُه وعامُ وفاتِهِ

  اختلفت آراءُ المؤرّخينَ في تحديدِ عامِ ولادتِهِ، فقال صاحبُ نُورِ القَبَس : (وُلِدَ عام الفَتح) (33) .
  وقالَ صاحبُ سِيرَ أعلامِ النُبَلاء : (وُلِدَ أيّامَ النبوّةِ) (34) .
  وَقِيل : إنَه وُلِدَ في الجاهليّة (35) .
  ولا سبيلَ إلى معرفةِ ذلك إلاّ من خلال الرجوع إلى عامِ وفاتِهِ، ومدّة حياتِهِ.
  فقد اتَفقَ المؤرّخونَ عَلى أنّه عاشَ (85) سنةً (36)، إلاَ إنهّم اختلفُوا في عامِ وفاتِه على أقوال :
  1 ـ إنَه توفيَّ في خلافةِ عُمَر بنِ عبدِ العَزيز، الذي تولىّ الحكم سنة 99 ـ 101 هـ ، نقلَهُ ابنُ خِلِكان في الوفيات (37)، والنّقل بصِيغة (قِيل) مُشعِرٌ بالضّعفِ .
  2 ـ إنَهُ توفيَّ سنة (69 في طاعون الجارف) ، ذكرَهُ ابنُ الجوزي (38) ، وابنُ الأثير (39) ، وابنُ خِلّكان (40) ، والذهبيّ (41) ، وصاحبُ الرّوضات (42) ، وغيرُهم.
  3 ـ إنَهُ توفيَّ سنة (67) ، ذكرَهُ الحَمَويُ في مُعجمِ الأُدَباء (43) .
  وصاحبُ رياضِ العُلماء، نَقلاً عَن جامعِ الأصولِ (44) ، والسيّد الداماد في تعليقتِه على (اختيار معرفة الرجال) (45) ، وصاحب تاريخ الكوفة (46) .
  وقد حاول بعضُ الكتّاب أنْ يرجِحَ القولَ الثاني، فذَكَرَ لذلك مرجِحات، وهي كالآتي :
  1 ـ كثرةُ المؤرّخينَ القائلينَ هذا التاريخ، وقلّة المؤرّخين الذين التزموا غيرَه، بل إنَ بعضَهم مّن التزمَ غيرَ هذا التاريخ جعل التاريخَ الرئيسَ هُو عام (69) هجرية ، ونسبَ غيرَه إلى لفظِ (قِيل) ، مُشيراً بذلك إلى ضعفِهِ، كما تقدّم.
  2 ـ الرواية التي تحدّدُ عامَ وفاتِهِ سنة (69) ، محُكمةٌ مُتسلسلةٌ مُسندةٌ، بينما غيرُها لا تمتلكُ مثلَ هذه الخَصائص والمِيزات.
  3 ـ اقترانُ وفاةِ أبي الأسود – في الرّوايات – بحادثةٍ تاريخيةٍ مهمّةٍ، وهي الطاعون الجارف، إذْ نرى أنَ أكثرَ المؤرّخينَ الذين أرّخوا عام وفاته ذكروا أنَه توفيّ في الطاعون الجارف، وهذا الطاعون وقع سنة (69) للهجرة حسباَ ذكرَه كثيرٌ من المؤرّخينَ، ولم يقُل أحدٌ بأنَ هذا الطاعون وقعَ في غير هذه السَنة (47) .
  إلاَ إنَه يُمكنُ مناقشةُ ذلكَ كلِه :
  أمَّا الاوّل : إنَ كثرةَ القائلينَ ليست منَ المرجِحَات المعمُولة في باب التّعارض، ثُمّ إنَ القائلين بالقول الآخر (وفاته عام 67) ، ليسُوا بتلك القلّة والنُدرة كما تقدّم ذلك.
  وأمَا الثاني : فكما أنَ هذه الرواية حُكمةٌ ومُسندةٌ، كذلك الرواية الأخرى - وفاته عام 67 - هي مسندةٌ كما ذكر ذلك الكاتب نفسه قائلاً : (وهذه الرواية لا تخلو أحياناً مِن سندٍ يسندها) (48) .
  وأمَا الثالثُ : فإنَ الطاعونَ الجارفَ الذي ضربَ البصرةَ آنذاك هو أيضاً مخُتلَفٌ في تاريخِ وقوعِهِ.
  قال ابنُ الجوزيّ في المنتظم : (كانَ في سنةِ أربعٍ وستيِنَ، وقد قيل : إنمَا كان في تسعٍ وستيّن) (49) .
  وقال الحمويّ في معجم الأدباء : (ماتَ بالطّاعونِ الجَارِف سنةَ سبعٍ وستيّنَ على الأصحِ) (50) .
  قال ابنُ حِبّان تحتَ عُنوان مشاهير التابعينَ بالبصَرة في ترجمةِ مطرف بن عبد الله بن الشَخير العامِريّ، قال : (ماتَ بعدَ الطّاعونِ الجَارِف سنة سبعٍ وستِين) (51) .
  ثمّ وإنْ ثَبَتَ أنَ تاريخ الطاعون الجارف كان في سنة (69) ، كما هو المشهور، لكن لا يلزم منه كون وفاتِه في ذلك التاريخ ، لأنَه ثمّةَ قولٌ آخرُ يقول : إنَه توفيَّ قبل الطاعون بعلّة الفالج، قال المدائنيُ : (ويُقال إنَ أبا الأسود مات قبل الطاعون، وهو أشبهها ، لأنّا لم نسمع له في فتنة مسعود وأمر المختار بذِكر) (52) .
  إذن لا مرجِحَ في البَين، ويبقى التردُدُ قائلاًَ بينَ القَولِ الثّاني، والثالث دونَ الأوّلِ : لأنَه واضحُ البطلان، أوّلاً : لأنّه لا يتّفقُ معَ ما ذكرَهُ المؤرّخونَ مِن أنَه أسلمَ في حياةِ النبيِ (ص) (53) ، لأنَه حينئذٍ تكون ولادتُه في عام (14 - 16 هـ) ، وذلك عند طرح مدَة عمرِه (85 عاماً) من تلك الفترة ( 99 - 101 هـ ) ، ومعلومٌ أنَ النبيَ (ص) توفيّ قبلَ ذلك .
  ثانياً : بناءً على أنَ ولادتَه كانت في عام الفتح يكونُ عمرُهُ حينئذٍ ( 91 - 93 ) سنة، وذلك عند طرح عام ولادته (8 هـ) من سنة وفاته (99 - 101 هـ) ، وهو – أيضاً - خلافُ ما اتّفقَ عليه المؤرّخون من أنّه عاش (85) سنةً.
  وكذلك إنْ بُنيَ على الرأي الآخر القائل إنَه وُلِدَ في الجاهليّة، فهو باطلٌ أيضاً ، أنَ عمرَه يكونُ (99) سنةً، أو أكثر، وهو ما لم يقل به أحدٌ.
  ويتّضح أيضاً بطلان القولِ الأوّلِ القائلِ بأنَه وُلِدَ في عام الفتح، أو أيّام النبوّة - بالنسبة للقول الثاني والثالث - لأنَه بناءً على أنَه وُلِد عام فتح مكّة (8 هـ) يكون عمرُه حينئذٍ (61) ، أو (59) سنةً، وذلك عند طرح عام ولادته (8 هـ) من سنة وفاته (69 هـ) ، أو (6 هـ) ، وهو – أيضاً - خلافُ المتّفَقِ عليه.
  فيتعينَُ تأريخ ولادتِه في الجاهليّة، وقبل الإسلام بـ (16) أو (18) سنة ، حسب الاختلاف والتردُدُ الحاصلُ في عام وفاتِهِ.
  فقد تكون ولادته في (3 أو 5) قبل البعثة وذلك عند طرح مدّة حياتِه (85) من عام وفاته (6 أو 69 هـ) ، وما فضُل من ذلك يُطرح أيضاً من سنوات ما بعد الهجرة وهي 13 سنة.

إسلامُهُ وصُحبتُهُ

  اتَفَقَ المؤرّخونَ على أنَ أبا الأسود أسْلَمَ في حياةِ النبيّ (ص) ، كما ذكر الواقديُ (54) وغيره (55) .
  إلاَ إنهَم لم يذكُروا تأريخَ إسلامِه بالتحدِيد، لكن يُمكِنُ أن يُفهَم ذلك من خلال ما تقدّم من اختلافِهم في تأريخِ ولادتِه، وعلى أساسِ ذلك يؤرَخ له ، أنَ مِن الطبيعيّ أنْ يكونَ إسلامُه متأخِراً، أو ملاصِقاً زمانَ ولادتِه، وعليه يكونُ في تاريخِ إسلامِه احتمالانِ :
  الاحتمالُ الأوّلُ : أنَهُ أسلَمَ في عامِ الفَتح، أو أواخر حياةِ النبيِ (ص) .
  الاحتمالُ الثّاني : أنَهُ أسلَمَ قبلَ الهِجرة النبويّة.
  ومن أجل التحقُق من ذلك لابدَ مِن بيانِ أمرينِ :
  الأمرُ الأوّلُ : مفهومُ الصحابيِ، وما المقصودُ بهِ ؟
  الأمرُ الثّاني : إذا كان قد أسلَمَ في حياةِ النبيِ (ص) فَهل صحِبَ النبيَ (ص) ، ورآهُ أمْ لا ؟ وإذا لم يرَه، فماَ هُو السّببُ في ذلك ؟.
  أمَا الأمرُ الأوَلُ : فقد ذُكِرَ للصّحابيّ معنيان، لغويٌ واصطلاحيٌ.
  أمَا الصَحابيُ لغةً : قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : (وكلُ شيءٍ لاَءمَ شيئاً فقد استصحبه، والصحابة : مصدر قولك صاحبك اللهُ وأحسنَ صَحابتك، الصاحب يكون في حالٍ نعتاً، ولكنّه عمَ في الكلام فجرى مجرى الاسم) (56) .
  وقال الجوهريُ : (كلُ شيءٍ لاءمَ شيئاً فقد استصحبه، اصطحب القوم : صحبَ بعضُهم بعضاً) (57) .
  قال الراغب الأصفهاني : (الصاحب : الملازم، إنساناً كان أو حَيَواناً أو مكاناً أو زماناً، ولا فرق بين أنْ تكون مصاحبتُه بالبدن - وهو الأصل والأكثر - أو بالعناية والهمَة ... ويقال مالك الشيء : هو صاحبُه، وكذلك من يملِك التصرُفَ فيه ... والمصاحبة والاصطحاب أبلغُ من الاجتماع، أجل أنَ المصاحبةَ تقتضي طول لبثةٍ، فكلُ اصطحابٍ اجتماعٌ، وليس كلُ اجتماعٍ اصطحاباً) (58) .
  (فعلى هذا يكون معنى الصاحب هو : الملائم والمعاشر والملازم والمتابع ولا يتمُ إلاّ باللّقاء والاجتماع) (59) .
  أمَا الصَحابيّ اصطاحاً فقد وردت فيه عدَة آراء، منها :
  الرأي الأوّل : لا يَشترطُ أصحابُ هذا الرأي كثرةَ المُلازمةِ والمعاشرة مع النبي (ص) في إطلاق لفظ الصَحابي، بل يكتفون بها ولو كانت ساعةً، أو كانت مجرّدَ رؤية، ففي رواية عبدوس بن مالك العطّار عن أحمد بن حنبل أنَه قال : (أفضلُ النّاس مِن بعد أهل بدر القرن الذي بُعِثَ فيهم، كلُ مَن صحبَهُ سنةً، أو شهراً، أو يوماً، أو ساعةً، أو رآهُ مِن أصحابه) (60) .
  من القائلين هذا الرأي :
  1 ـ البخاري، قال : (ومَن صَحِب النبيّ (ص) ، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه) (61) .
  2 ـ عليّ بن المدينيّ، قال : (مَن صَحِبَ النبيّ (ص) ، أو رآه ساعةً من نهارٍ فهو من أصحاب النبي (ص) (62) .
  3 ـ ابن حجر العسقلانيّ، قال : (الصحابيُ : مَن لقيَ النبيّ (ص) مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمَن لَقِيَه مَن طالت مجالستُه له أو قصرت، ومَن روى عنه أو لم يروِ، ومَن غَزَا معه أو لم يغزُ، ومَن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومَن لم يرهَ لعارضٍ كالعَمى) (63) .
  وذهب ابنُ حزمٍ الأندلسيّ إلى هذا الرأي، لكنَه قيّدهُ بعدمِ النِفاق (64) .
  ووزَع الحاكم النيسابوري الصحابةَ على طبقات، وذكر في الطبقة الثانية عشرة (الصبيانُ وأطفالٌ رأوا رسولَ الله (ص) يوم الفتح وفي حِجّة الوداع) (65) .
  ومِن خلال هذه الأقوال يَصدُق معنى الصّحابي على كلِ مَن صحبَ النبي (ص) ولو ساعةً من الزمان، ورآه وإنْ لم يكلّمه، سواء كانَ رجلاً كبيراً، أو امرأةً، أو طفلاً صغيراً) (66) .
  الرأي الثاني : الصحابيُ : مَن عاصر النبيّ (ص) وإنْ لم يره .
  ذهب إلى هذا الرأي يحيى بن عثمان بن صالح المصري، فقال : (إنَ الصحابيَ مَن عاصره فقط) (67) .
  (فعلى هذا الرأي فإنَ الصَحابيَ يُطلَقُ على جميع مَن عاصرَ النبيَ (ص) من المسلمين وإنَ جميع المسلمين في عهد النبيِ (ص) هم مِنَ الصَحابة) (68) .
  الرأي الثالث : رأي الأصوليينّ، الصَحابيُ : (هو مَن رأى النبيّ (ص) ، واختصَ به، واتّبعهُ، أو رافقَه مدَةً يصدُق معها إطلاق (صاحب فلان) عليه بلا تحديدٍ لمقدار تلك الصُحبة) (69) .
  وَحَدَهُ جمعٌ من المحقِقين منهم الشَهيد الثاني - وهو الرأي الشائع - فقال : (هو مَن لقيَ النبيَ (ص) مؤمناً به ومات على الإيمان والإسلام، وإنْ تخلّلت ردّته بين كونِه مؤمناً وبين موته مسلماً على الأظهر، مريدين باللِقاء ما هو أعمُ من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر، وإنْ لم يكلِمه ولم يرَهُ بعينِهِ) (70) .
  اختاره الشهيد الثاني، والشيخ المامقاني، وابن حجر العسقلاني (71) .
  وبذلك يمكن أنْ نعرِفَ معنى الصحابيّ بأنّهُ مَن لقيَ النبيّ (ص) سواء روى عنه أم لا، وسواء قصرَتْ مدَةُ ملاقاته أم طالت، ولكن يُشترَط أن يلاقيه وهو مسلم مؤمن بالإسلام، وإنْ ارتدَ بعد ذلك، ولكن يشترط عودته إلى الإسلام حين موته.
  فحاصل ما تقدّم :
  بناءً على بعض التعاريف للصحابيّ يمكن أنْ يُقال : إنَ أبا الأسود الدؤلي من الصحابة، وفي الطبقات المتقدّمة، بناءً على تقدُم ولادته وإسلامِه، أو لا أقلَ هو داخلٌ في الطبقات المتأخّرة – الثانية عشرة، طبقة الصبيان والأطفال - بناءً على تأخّر ولادتهِ وإسلامهِ.
  إلاَ أنَ الغريب في الأمر أنَه لم يَقُلْ أحدٌ بذلك على الرُغم من أنهَم اتفقوا على أنَه من المخضرمين (72)، والمخضرم هو الذي أدرك الإسلام والجاهليّة.
  ثمّة كلمة للعلاّمة الطباطبائي تؤيّد ما قلناه، يقول (قدس سره) : (يمكن القول بأنَ المؤسِسَ والمبتكرَ لكثير منها هُم الشّيعة، كما نجد ذلك في عِلم النّحو، فقد وضعه أبو الأسود الدؤلي، وهو أحد صحابة النبي (ص) وعلي (ع) ) (73) .
  مع هذا لا يُمكن القطع بذلك ، لأنهَم قالوا : إنَ الصّحبة لا تثبُت إلاّ بالتواتر والاستفاضة والشهرة الحاصلة عن التواتر وإخبار الثقة (74).
  وهذه الأمور غير حاصلة لأبي الأسود ، فلذا يكون من التابعين والمخضرمين .
  ويبقى البحث في ذلك محلاًّ للتأمُل والتساؤل لغموض هذه الفترة من حياته.
  أمَا الأمر الثاني :
  فقبل الإجابة عن ذلك، لابدّ من ملاحظةِ قولهِم : (إنه اسلم في حياة النبي (ص) ) (75).
  إذ إنَ هذا الكلام مطلقٌ سيشمل كلَ فترات حياته (ص) ، فيحتمل أنَهُ أسلم قبل الهجرة وبعدها، ويحتمل أنَهُ أسلم قبل البعثة وبعدها، وفي أوّل حياته وفي آخر حياته (ص) ، ولا مخصِص له بخصوص آخر فترةٍ من حياته (ص) .
  أوّلًا : لعدم المُخِصِص ، أنَ ما ذكروه في عام ولادته (إنَه ولد في فتح مكّة) باطلٌ كما ذكرنا ، أنَه خاف المتّفق عليه في مدّة حياته.
  ثانياً : ما ثبَتَ من أنَ ولادته كانت قبل الهجرة بـ (18 او 16) ، وقد ذكر القلقشنديّ أنَ منازلَ كنانة وديارهم التي ينتسب إليها أبو الأسود الدؤليّ تقع بجهاتِ مكّة المشرّفة (76).
  فإذا كان في مكّة أو في أطرافها فمن غير الصَحيح التكهّن والقول إنَهُ لم يلتقِ النبيّ (ص) ، ولم يؤمِن به، خصوصاً لشخصٍ متطلّعٍ ومستقيمِ العقيدة، كما عرفه التاريخ.
  وهناك شواهد ربمّا تُثبِت إسلامَه قبلَ هذه الفترة (آخر حياة النبيّ (ص) ) ، وهي كالآتي :
  1 ـ ذكر أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني، قال : (ذكر أبو عبيدة أنَهُ أدرك أوّل الإسلام وشهِد بدراً مع المسلمين) (77) .   إلاَ إنَ الأصفهاني قال : (وما سمعتُ بذلك عن غيره) (78) ، فهي غريبةٌ وشاذَةٌ ، أنَ أصحاب بدرٍ محصورونَ في كتب التاريخ ولم يُذكر أبو الأسود منهم.
  2 ـ جاء في أُسد الغابة روايته مباشرة عن النبيّ (ص) : (ذكره ابن شاهين في الصحابة، وروى بإسناده عن القاسم بن يزيد، عن سفيان، عن بكر، عن عطاء اللَيثي، عن أبي الأسود الدّيلي، قال : أتيتُ رسول الله (ص) وهو واقف بعرفة، فأتاه نفرٌ من أهل نجد، فقالوا : يا رسول الله كيف نحجُ ؟ فأمر رجلاً فنادى : الحجّ يوم عرفة، مَن جاء قبل صلاة الصّبح ليلة جمعة فقد تمَ حجُهُ ) ، ثمّ قال : (هكذا أورده، وهو خطأ، وإنَ شعبة رواه عن رجلٍ آخر من بني الدِيل، وإنَ ما جاء عن أبي الأسود خطأ من الرواة، قال : رواه شعبة عن بكير عن عبد الرحّمن بن يَعْمر الديليّ) (79) ، فأسقط من سلسلة رواته اثنين، وهذا لا يمكن أن يحصل نتيجة خطأ نقل الرواة، ثمّ ما المانع من أنْ يكون الراوي هو نفسه أبو الأسود، مع أنَ الحديث ذُكِرَ مُسنداً كما صرّح بذلك صاحب أُسد الغابة ؟، فإن قيل : إنّ الرّواية لا تصلح أنْ تكون شاهداً على إسلامه لما قبل أواخر حياة النبيّ (ص) ، بل هي شاهدةٌ على إسلامه في أواخر حياته (ص) ، قلنا : هي أيضاً لا تُثبت إسلامَه حصراً بفترة أواخر حياته (ص) ، ومِن ثَمَ تكون مطلقةً، فلا يصحُ الاستدلال بها، فضلاً عن صحّة الرّواية وعدم صحّتها.
  3 ـ نقل صاحب الرّياض كلام الشّيخ حسن بن علي الطبرسيّ في كتاب ( تحفة الأبرار) ـ باللّغة الفارسيّة ـ ما معناه، أنَه قال : قال ابن الأنباري في خطبة شرح كتاب سيبويه : إنَ رسولَ الله (ص) سمع يوماً قارئاً يقرأ (إنَ اللهَ بريءٌ من المشركينَ و رسوله) ، بجرِ لامِ الرسولِ، فغضب (ص) ، وأشار الى أمير المؤمنين (ع) ، أُنحُ النحو، واجعل له قاعدةً، وامنعِ الناسَ من مثل هذا اللَحن، فطلب أمير المؤمنين (ع) أبا الأسود الدؤلي وعلّمه العوامل والرّوابط، وحصرَ كلامَ العربِ، وحصرَ الحركاتِ الإعرابيَةَ والبنائية، وكان أبو الأسود كيِساً ذَهِنَاً، فألّف ذلك، وإذا أشكلَ عليه شيءٌ راجعَ أميرَ المؤمنين (ع) ، فاستحسنه وقال : نِعمَ ما نحوتَ، أي قصدتَ، فللتفاؤل بلفظ عليٍ (ع) سُمِيَ هذا العلم نحواً) (80) .
  وكذلك نقل صاحب الرياض هذا الكلام نفسه عن الشيخ محمّد بن إسحاق بن محمّد الحمويّ في كتابه (منهج الفاضلين في الإمامة) باللّغة الفارسية أيضاً (81) ، إلاَ إنَ صاحبَ الرّياض نفسَه قال : (وأقول : فيما قاله من كون هذه القصّة في زمن النبيّ (ص) نوعُ كلامٍ فتأمَل) (82) .
  لكن ربمَا يُقال أنَهُ لا غرابةَ في حدوث اللّحن في زمن النبيِ (ص) ، ومن ثَمَ لا يكون نوع كلامٍ من دون دليلٍ، والدّليل على ذلك ما ذكره ابن شهر آشوب في كتاب المناقب : (إنَ واضعَ علم النحو هو عليّ (ع) ... إلى أنْ قال : والسبب في ذلكَ أنَ قريشاً كانوا يزوِجون بالأنباط، فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم، حتى أنَ بنتاً لخويلد الأسديّ كانت متزوّجةً بالأنباط، فقالت : إنّ أبوي مات وترك عيَ مال كثر) (83) .
  فاللَحنُ في الكلام كان موجوداً في قريش وفي مكّة والمدينة قبل أيِ مكانٍ آخر، ولكن لا بنحوِ الكثرةِ والشِياع، فليس ببعيدٍ أن تكونَ تلك القصّة وقعت في المدينة وفي حياة النبيّ (ص) .
  4 ـ نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والعاّمة المجلسيّ في البحار، وغيرهم، رواية عن أبي الأسود تؤكِد وجودَهُ في المدينة في أحداث السقيفة ومشاهدته لها، وهذا يدل على إسلامه قبل تلك الحادثة ورؤيته النبيَ (ص) وسلم، إذْ لا مانع ولا حاجب يمنعه من الوصول إليه (ص) ، كما هو حاصل اليوم لحكّام وسلاطين هذا الزمان .
  (قال أبو بكر أمد بن عبد العزيز : وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبّة، قال : حدّثنا إبراهيم بن المنذر، عن وهب، عن ابن طيعة، عن أبي الأسود (84) ، قال : غضب رجال من المهاجرين من بيعة أبي بكر بغير مشورةٍ، وغضب عليٌ والزبير، فدخلا بيت فاطمة (ع) معهما السّلاح، فجاء عمر في عصابة، منهم أُسيد بن حُضير وسلمة بن سلامة بن وقش، فصاحت فاطمة (ع) وناشدهم الله، فأخذوا سيفَي عليٍ والزبير فضربوا بهما الجدار حتى كسروهما، ثمّ أخرجها عمر يسوقهما حتى بايعَا ... ) (85)
  5 ـ قال الشّيخ كاشف الغطاء (رحمه الله) : (كان بارزا وقمة شاهقة من اعلام الأدب الإسلاميّ، وُلِد قبل البعثة النبويّة بثلاث سنوات تقريباً، وأسلم في عهد النبيّ (ص) ) (86) .

مذهبُهُ

  تكادُ لا تخفى عقيدتُه ومذهبُه لدى العامّة والخاصّة، فهو واضح العقيدة والمذهب، غير مكترثٍ ولا مبالٍ بما يلاقيه من معاناةٍ واضطهادٍ وإقصاء.
  لذا صرَح بتشيُعهِ كلُ مَن ترجَم له من الشيعة والعامّة، فذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من الفقهاء والمُحدِثين والتّابعين من أهل البصرة، وقال : (كان شاعراً مُتشيِعاً) (87) ، وجاء في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أنَه قال : (كان من وجوه شيعة عليٍ) (88) .
  وقال الشريف الرضي : (كان مِن أصحاب عليّ والحسن والحُسين وعليّ بن الحُسين (ع) (89) .
  وقال القاضي ابن البرّاج : (هو من الطبقة الأولى مِن الشّيعة) (90) .
  وقال صاحب سر أعلام النباء : (قاتَل أبو الأسود يومَ اجمل مع عليِ بن أبي طالب، وكان من وجوه الشيعة) (91) .
  وقال صاحب الوافي بالوفيات : (كان من المتحقِقين بمحبَةِ عليٍ وأولادهِ، ونقل أيضاً قول الجاحظ، قال : (أبو الأسود معدودٌ في طبقات الناس ... والشيعة) (92) ، وجاء في الموسوعةِ العربيّة : (كان علويّاً) (93) .
  وذكر صاحبُ روضات الجنّات قول ابن البطريق الحليّ في كتاب (عمدة عيون صحاح الآثار) ، قال : (هو من أجلاّء علمائنا : أبو الأسود الدئلي، وهو من بعض الفُضلاء الفُصحاء من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام وشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) (94) .
  قال صاحب نقد الرجال : (هو مِن أصحابِ عليٍ والحسن والحُسين وعليّ ابن الحُسين (ع)) (95) .
  ونقل صاحب رياض العلماء قول الكشيّ، ثمَ عقَب على ذلك قائلاً : (كلامُه هذا صريح في كونه من الشيعة الإماميَة، بل خُلَصهم، ولكن لم أجده كذلك في كتب رجال الأصحاب، وهو أعلم بما قال في كلّ باب، فلاحظ) (96) .
  وجاء في معجم رجال الحديث : (عدًّه الشيخ (تارة) من أصحاب علي (ع) ، قائلاً : (ظالم بن عَمْرو، يُكنّى أبا الأسود الدؤلي) ، و (اخرى) من أصحاب الحسن (ع) ، قائلاً : (ظالم بن ظالم، يكنى أبا الأسود الدؤلي) ، (ثالثة) من أصحاب الحُسين (ع) ، قائلاً : (ظالم بن عَمْرو، يكنى أبا الأسود الدؤلي) ، و (رابعة) في أصحاب السجّاد (ع) ، وقالَ مثلَ مَا قَال أخيراً) (97) .
  فضلاً عن شهادة علماء الرّجال بتشيُعهِ، فإنَ هناك الكثير من مواقفِه وأشعارِه التي تدُلُ على حبِه وولائه لأهل البيت (ع) ، منها :

1 ـ خطبته حين نُعي له الإمامُ عليٌ (ع) :

  قال صاحب الأغاني : (أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي، قال : حدّثنا عمر بن شبَة قال : حدّثنا عليّ بن محمّد المدائني عن أبي بكر الهذلي، قال : أتى أبا الأسود الدؤلي نعيُ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ، وبيعةُ الحسن (ع) ، فقام على المنبر، فخطب النّاس ونعى لهم عليّاً (ع) ، فقال في خُطبته : (وإنَ رجلاً من أعداء الله المارقة عن دينه، اغتالَ أمير المؤمنين عليّاً كرّم الله وجهه ومثواه في مسجده، وهو خارجٌ لتهجّده، في ليلةٍ يُرجى فيها مُصادفة ليلةِ القَدر فقتله، فيا لله هُو مِن قتيلٍ، وأكرِم به وبمقتله وروحه من روحٍ عرجت إلى اللهِ تعالى بالبرِ والتُقى والإيمان والإحسان، لقد أطفأَ منه نورَ الله في أرضه، لا يبينُ بعده أبداً، وهدَم ركناً من أركان الله تعالى لا يُشاد مثله، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعند الله نحتسبُ مصيبتنا بأمير المؤمنين (ع) ، ورحمهُ الله يوم وُلد ويوم قُتل ويوم يُبعث حيّاً، ثمَ بكى حتى اختلفَت أضلاعُه) (98) .

2 ـ وقوفُه بوجه مَن يشتم الإمامَ عليَاً (ع) :

  جاء في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أنَهُ قال : (أخبرني الحسن بن علي، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم بن مُهرويه، قال : حدّثني أحمد بن محمّد النخعيّ عن ابن عائشة، عن أبيه، وأخبرني به محمّد بن جعفر النحويّ، قال : حدّثنا أحمد ابن القاسم اليزيديّ، قال : حدّثني إسحاق بن محمّد النخعيّ، عن ابن عائشة، ولم يقل عن أبيه، قال : كان أبو الأسود الدؤلي نازلاً في بني قُشير، وكانت بنو قُشير عثمانيّة، وكانت امرأتُه أمّ عوف منهم، فكانوا يؤذونه ويَسُبُونَه وينالون من عليّ (ع) بحضرته ليغضبوه به، ويرمونه باللَيل، فإذا أصبح قال لهم : يا بني قُشير، أيُ جوارٍ هذا ؟ فيقولونَ له : لم نرمِك، إنمّا رماك اللهُ لسوءِ مذهبِك وقُبحِ دينك، فقال في ذلك :
يــقــول الأرذلــــونَ بــنــو قُـشـيـرٍ           طـــوال الـدّهـرِ لا تـنـسى عـلـيّا

فـقلتُ لهم : وكيف يكون تركي           مـــن الأعــمـال مـفـروضاً عـلـيّا؟

أُحِــــبُ مــحـمـداً حــبّـاً شــديـداً           وعــبّــاســاً وحـــمــزة والــوصــيّـا

بــنــي عـــمِّ الــرسـول وأقـربـيـه           أحـــــبُ الـــنّــاسِ كــلّـهـم إلــيّــا

فـــإنْ يــكُ حـبُـهم رُشــداً أُصِـبْـه           ولـسـتُ بـمـخطئٍ إن كــان غـيّا

هُــمُ أهــلُ الـنـصيحةِ غـيرَ شـكّ           وأهــل مـودّتـي مــا دمــتُ حـيّـا

هــوى أُعـطـيته لـمـا اسـتـدارت           رحـى الإسـلام لـم يُـعدَل سويّا

أحــبُّــهــمُ لـــحـــبِّ الله حـــتّـــى           أجِـــيءُ إذا بُـعـثـتُ عـلـى هـوَيّـا

رأيـــتُ الله خــالـقَ كـــلِّ شــيءٍ           هــداهـم واجـتـبـى مـنـهم نـبـيّا

ولـم يـخصُص بـها أحـداً سِواهم           هنيئاً ما اصطفاه لهم مرِيّا (99)

3 ـ رأيُه في قضيّة التحكيم :

  نقل صاحب روضات الجنات أنَهُ قال : (سأل منه معاوية يوماً : إنيِ سمعت أنَك ذُكِرتَ لحكومة حرب صفيّن، قال : نعم، قال معاوية : لو كنتَ تجُعَلُ حَكمَاً ما كنت تفعل ؟ قال : كنتُ أجمع ألفَ رجلٍ من المهاجرين وأولادهم، وألفاً من الأنصار وأولادهم، ثمّ كنتُ أقول لهم : يا معشرَ الحاضرين من الأنصار والمهاجرين، أيمّا أحقُ بالخلافة ؟ رجلٌ من المهاجرين أم رجلٌ من الطُلقاء الذي أسره المسلمون حال الكفر ثمَ أطلقوه ؟ فلماّ قال ذلك لعنه معاوية، وقال : الحمدُ لله الذي كفاني شرَك) (100) .

4 ـ سُئِلَ عن حبّهِ الإمامَ عليّاً (ع) :

  (سأل زياد بن أبيه أبا الأسود عن حبِ عليٍ (ع) ، فقال : إنَ حبَ عليٍ يزداد في قلبي حدَةً كما يزداد حبُ معاوية في قلبك، فإنيِ أُريد الله والدار الآخرة بحبّي عليّاً، وتريد الدنيا بزينتها بحبِكَ معاوية، ومثلي ومثلك في ذلك قول عَمرو بن معد يكرب :

خـــلــيــلانِ مــخــتــلـفٌ شــأنــنــا           أُريــــد الــعــلاء ويــهــوى الــيَـمَـنْ

أُحِــــــبُ دمــــــاءَ بـــنــي مـــالــك           وراق المعلّى بياضَ اللَبنْ (101)

  وممّا يكشفُ عن انتمائِه وولائِه لأهل البيت (ع) ، قوله - ايضا - :

أمُــفـنِـدِي فـــي حُـــبِّ آلِ مـحـمـدٍ           حَــجَـرٌ بِـفِـيـكَ فـــدَع مَــلامَـك أو زدِ

مَــن لــم يـكـن بـحـبالِهم مـتمسِكاً           فليعترِف بولاءِ مَن لم يرشُدِ (102)

5 ـ نقل صاحب رياض العلماء كلام الزمخشري في كتاب (ربيع الأبرار)

  قال : (إنَ معاوية أهدى إليه الهدايا، ومن جملتها الحلواء، فلماّ نظرت إليها ابنتُهُ قالت أبيها : مِن أينَ هذه الهدايا ؟ قال : بعثها إلينا معاوية يخدعنا عن ديننا، فأنشدت بنته بيتن :

أبالشَهدِ المُزعفَرِ يا ابنَ حربٍ           نـبـيـعُ عـلـيـك أحـسـاباً وديـنـا

مــعـاذَ الله كـيـف يـكـون هــذا           ومـولانا أمـير المؤمنينا (103)

  وذكر صاحب الروضات هذه القصّة عن كتاب الأربعين للشيخ القمّي معنعنةً إلى عليّ بن محمّد هذا الوجه، قال : (رأت ابنة أبي الأسود الدُئلي وبين يدي أبيها خبيص، فقالت : يا أبَه أطعمني، فقال : افتحي، قال : ففتحت، فوضع فيه مثل اللَوزة، ثمّ قال لها : عليك بالتمر فإنَه أنفع وأشبع، فقالت : هذا أنفع وأنجع، قال : هذا الطعام بعثه إلينا معاوية يخدعنا عن عليّ بن أبي طالب (ع) ، فقالت : قبَحه اللهُ تعالى يخدعنا عن السَيد المطهّر بالشهد المزعفر، تبَاً لمرسلِهِ وآكلِهِ، ثمّ عالجتْ نفسها وقاءتْ ما أكلتْ منه، وأنشأت تقول البيتن) (104) .

6 ـ شعرُهُ في رثاء أمير المؤمنين (ع) :

  لمّا وصل إليه نبأ استشهاد أمير المؤمنين (ع) ، قام وصعد المنبر وخطب بالنّاس ونعى لهم عليّاً (ع) ، وقال :

أَلاَ أبــلِــغ مــعـاويـة بـــن حـــربٍ           فـــلا قـــرّت عــيـونُ الـشـامـتينا

أفــي شـهـرِ الـصّيام فـجعُتمونا           بـخـيـرِ الــنّـاس طُـــرَاً أجـمـعـينا

قـتـلتم خـيرَ مَـن ركِـبَ الـمطايا           وخـيّـسها ومـن رَكِـب الـسّفينا

ومَـن لـبِس الـنّعال ومَن حَذاها           ومَـــن قـــرأ الـمـثـاني والـمـئينا

إذا استقبلت وجهَ أبي حُسينٍ           رأيـــــتَ الــبــدرَ راقَ الـنـاظـريـنا

لـقد عـلمتْ قريشٌ حيثُ حلّتْ           بأنَكَ خيرُها حَسباً ودِينا (105)


7 ـ جفاه ابن عامر لهواه في الإمامِ عليّ (ع)

  نقل أبو الفرج الأصفهاني، قال : (أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي، قال : حدّثنا عمر بن شبّة، قال : ذكر الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد، عن عبد الملك بن عمر، قال : كان ابن عبّاس يُكرِمُ أبا الأسود الدؤلي لما كان عاملاً لعليِ بن أبي طالب (ع) على البصرة، ويقضي حوائجه، فلماّ ولي ابن عامرٍ جفاه وأبعده ومنعه حوائجه ، لما كان يعلمه مِن هواه في عليِ بن أبي طالب (ع) ، فقال فيه أبو الأسود :

ذكــرتُ ابــن عـبّـاسٍ بـبـاب ابــنِ عـامـرٍ           ومـا مَـرَ مِـن عـيشي ذكـرتُ ومـا فَضَلْ

أمــيــريـن كـــانــا صــاحــبـيَ كــلاهــمـا           فــكــلٌ جــــزاه الله عــنّــي بــمــا فَــعَـلْ

فـــإنْ كـــان شـــرّاً كـــان شـــرّاً جــزاؤه           وإن كان خيراً كان خيراً إذا عَدَلْ (106)

  فقد ظهر ممَا تقدّم أنَ إيمانَه بالتشيُع لم يكن إيماناً ساذجاً تقليديّاً، بل كان عن علمٍ ويقينٍ ودرايةٍ ودراسةٍ ، لذا بقي ملتزماً به حتّى وفاته، على الرُغم من التحدّيات والصعوبات التي كانت تواجهه.
  وهناك في سيرته كثير من المواقف التي تدلُ على إيمانه بكثيرٍ من معتقدات الفرقة الحقّة المُحِقّة، منها :
  1 ـ إيمانُه بعقيدة الوصاية بالخلافة : نرى هذه العقيدة تتردّد على لسان أبي الأسود في مواقفه وخطبه وأشعاره، منها :
  ما نقله ابن عساكر، قال : (أرسل معاوية إلى أبي الأسود فجاءه حتى دخل عليه، فكان ثالثاً، فرحّب به معاوية ...، فقال : فأيهُم كانَ أوثق عنده ؟ - أي عند النبيّ (ص) قال : مَن أوصى إليه فيما بعده) (107) .
  وأكَد هذا المعنى في شعره الذي قاله في حقّ بني قُشير :

يــقـولُ الأرذلـــون بـنـي قـشـير           طــوال الـدّهـر لا تـنـسى عـليّا

فقلتُ لهم : وكيف يكون تركي           مـــن الأعــمـال مـفـروضـاً عـلـيّا

أُحــــبُّ مُـحـمّـداً حــبّـاً شــديـداً           وعـبّاساً وحمزة والوصيّا (108)

  فعقيدته أنَ الوصيَ بعد النبيِ (ص) هو الإمامُ عليٌ (ع) لذا قال في قصيدته التي رثى بها أمير المؤمنين (ع) :

وكـــنّـــا قـــبـــل مــهـلـكـهِ بــخــيـرٍ           نرى فيه وصيَ المسلمينا (109)

  وكذلك كان معتقِداً أنَ الخلافةَ والإمامةَ تكون بوصاية الإمامِ السابقِ للإمامِ اللاّحق ، لذلك لما أتى أبا الأسود نعيُ أمير المؤمنين (ع) وبيعة الإمام الحسن (ع) قام وصعد المنبر وخطب بالنّاس ونعى لهم الإمامَ عليّاً (ع) ، ثم قال : (قد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله (ص) وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه، وإنيّ لأرجو أن يجبر الله به ما وَهَى ويسدَ به ما انثلم، ويجمعَ به الشمل، ويُطفِئ به نيران الفتنة، فبايعوه ترشُدوا) (110) .
  وأكّد التزامه إمامة الإمام الحسن (ع) بعد أبيه، ما قاله في قصيدتِهِ التي رثى بها الإمام عليَاً (ع) :

فــلا تـشـمتْ مـعاوية بـن حـرب           فـــــإنَ بــقــيّـة الــخـلـفـاء فــيـنـا

وأجـمـعـنا الإمـــارة عـــن تــراضٍ           إلـــى ابـــن نـبـيّـنا وإلــى أخـيـنا

فـــلا نُـعـطي زمــامَ الأمــر فـيـنا           سواه الدّهر آخر ما بقينا (111)

  وكذلك هي عقيدته في الإمام الحُسن والأئمّة من بعده (ع) ، لذا هجا وذمَ أعداءَهم، فقال في عبيد الله بن زياد :

أقـــولُ وزادنـــي غَـضَـباً وغـيـضا           أزالَ اللهُ مـــلـــكَ بـــنــي زيـــــادٍ

وأبـعـدَهُم كـمـا غــدَرُوا وخـاُنـوا           كـمـا بَـعُـدتْ ثـمـودُ وقــومُ عــادِ

ولا رجــعــتْ رَكـائِـبُـهُـم إلـيـهـم           إذا وقفت في يوم التناد (112)

  2 ـ يعتقدُ أنَ الولاء لأهل البيت (ع) هو الدين الحقّ وسبيل النجاة .
  وقد ظهر هذا واضحاً في قوله لابنته عندما أرسل معاوية له هديّة، فقال : (يريدُ أن يخدعَنا عن ديننا) (113)
  وصرّح بعقيدته هذه أمام زياد بن أبيه حينما سأله عن حبّه عليَ بن أبي طالب (ع) ، فقال : (إنَ حبَ عليٍ يزداد في قلبي كما يزداد حبُ معاوية في قلبك، فإنيِ أريد الله و الدار الآخرة بحبّي عليّاً) (114)
  وأنشد قائلاً :

سـأجـعـلُ نـفـسـي لــهـم جُــنَـةً           فـــلا تُـكـثـري لــي مــن الـلائـمةْ

أُرجِــــيْ بــذلـك حـــوضَ الــرَسـو           لِ والـــفــوزَ والــنـعـمـةَ الــدَائـمـةْ

لــتــهــلِـكَ ـ إنْ هــلــكــتْ ـ بَــــــرّةً           وتخُلصَ إنْ خُلصَتْ غانمَةْ (115)

  3 ـ كان معتقداً أنَ الإمامَ عليَاً (ع) هو أحبُ النّاس إلى رسول الله (ص) ، وأعلمهم وأشجعهم وأفضلهم، وهذا ما صدع به في محضرَ أعدى أعداء أمير المؤمنين (ع) .
  سأل معاوية أبا الأسود، فقال له : يا أبا الأسود، أيهُم كان أحبّ إلى رسول الله (ص) ؟ فقال : أشدُهم حبّاً لرسول الله وأوقاهم بنفسه، فنظر معاوية إلى عَمرو وحرَك رأسه، ثمّ تمادى في مسألته، فقال : يا أبا الأسود فأيهُم كان أفضل عندك ؟ قال : أتقاهم لربّه وأشدّهم خوفاً لدينه، فاغتاظ معاوية على عَمرو، ثمّ قال : يا أبا الأسود فأيهّم كانَ أعلم ؟ قال : أقولهُم للصواب وأفصلُهم للخطاب، قال : يا أبا الأسود فأيهّم كانَ أشجع ؟ قال : أعظمهم بلاءً وأحسنهم عناءً وأصبرهم على اللّقاء، قال : فأيهُم أوثق عنده، قال : من أوصى إليه فيما بعده، قال : فأيهّم كان للنبيِ (ص) صديقاً، قال : أولّهم به تصديقاً، فأقبل معاوية على عَمرو، قال : لا جزاكَ اللهُ خيراً، هل تستطيع أن تردُ ممّا قال شيئاً) (116) .
  فكان متحقِقاً متيقِناً في حبّهم أنَه رُشد ، لذا روي أنَه (أرسلَ معاويةٌ إلى زيادٍ رسولاً فَهِما في أمرٍ أراده، فقال : سترى عنده أبا الأسود الدؤلي، شيخاً عليه عمامةٌ سوداء، يجلس عن يمينه، لا يتقدّمه عنده أحدٌ في الكلام، فقل له : أمير المؤمنين يقرأ عليك السَلام، ويقول لك : خبرنّي عمّ قولك :

يــقـولُ الأرذلـــون بـنـي قـشـير           طــوال الـدّهـر لا تـنـسى عـليّا

أُحــــبُّ مُـحـمّـداً حــبّـاً شــديـداً           ولـسـتُ بـمـخطئٍ إن كــان غـيّا(116)
  أشككتَ في حبِهم ؟ أرشدٌ هو أم غيٌ ؟ فلماّ حضر عند زياد، قال أبي الأسود ذلك، فقال أبو الأسود : قل له : ما كنت أُحِبُ ألاَ تعلم أنيّ متحقِقٌ متيقِنٌ في حبّهم أنَه رُشدٌ، فإنَ الله (عزوجل) قال : (إنّا أو إيّاكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبينٍ) أ فيرى الله (عزوجل) شكَاً في ضلالتهم ؟ ولكنّه حقَقه بهذا عليهم) (117) .
  فعاش (رض) محبّاً، موالياً، متحقِقاً، متيقِناً، ومدافعاً عن الإمامِ عليٍ وأولاده (ع) .

معاناتُهُ في سبيلِ عقيدتِهِ

  لقد عانى أبو الأسود الدؤلي في سبيل عقيدته كثيراً من المصاعب والتحدّيات والإغراءات والفقر والاضطهاد من المجتمع والحُكّام، فقد عانى من اضطهاد وظلم المجتمع الذي كان يعيش فيه، فهؤلاء بنو قُشير الذين نزل فيهم، كانوا يؤذونَه ويسبُونَه وينالون من الإمامِ عليٍ (ع) بحضرته ليغضبوه ويرمونه باللَيل، فيعاتبهم، فيقولون : الله رماك لسوء مذهبك وقُبح دينك، فيقول : تكذبون على الله، لو رجمني الله لأصابني (118) .
  وكان مضطهداً من الحكّام الذين كان يخالفهم في العقيدة و المذهب.
  قال أبو الفرج : (كان ابن عبّاس يُكرم أبا الأسود الدّؤلي لمّا كان عاملاً لعليٍ ابن أبي طالب (ع) على البصرة ويقضي حوائجه، فلماّ ولي ابن عامر جفاه وأبعده ومنعه حوائجه ، لما كان يعلمه مِن هواه في عليِ بن أبي طالب (ع) ، فقال فيه أبو الأسود :

ذكــرتُ ابــنَ عـبّـاس بـبـابِ ابــن عـامـر           ومـا مـرَ مـن عـيشي ذكـرتُ ومـا فضلْ

أمــيــرَيـنِ كـــانــا صــاحــبـيّ كــلاهــمـا           فــكــلٌ جــــزاه اللهُ عــنــي بــمــا فــعـلْ

فـــإنْ كـــان شـــرَاً كـــان شـــرَاً جــزاؤهُ           وإنْ كان خيراً كان خيراً إذا عدلْ (119)

  وكان عبيد الله بن زياد يمُاطِلُهُ في قضاء حاجاته، فكان يدخل عليه فيشكو إليه أنَ عليه دَيناً لا يجد إلى قضائه سبيلاً، فيقول له : إذا كان غدٌ فارفع إليَ حاجتك فإنيّ أُحبُّ قضاءَها، فيدخل إليه من غدٍ فيذكر له أمره ، ووعده فيتغافل عنه، ثمّ يعاوده فلا يصنع في أمره شيئاً، فقال فيه أبو الأسود :

دعــانـي أمــيـري كـــي أفــوهَ بـحـاجتي           فــقـلـتُ فــمــا ردَ الــجـوابَ ولا اسـتـمـعْ

فـقمتُ ولـم أحـسُسْ بـشيءٍ ولم أصُنْ           كـلامـي، وخـيـرُ الـقول مـا صِـينَ أو نـفعْ

وأجــمــعــتُ يـــأســـاً لا لُــبــانــةَ بـــعــدَه           وللْيأسُ أدنى للعفافِ من الطَمعْ (120)


فضلُهُ وأقوالُ العُلماءِ فِيهِ

  ذكر التاريخ في حقِه ما يكفيه عزَاً وشرفاً وفضلاً، وهو شهادة أمير المؤمنين (ع) بأمانته ونصحه واتّباعه الحقّ ، وذلك عندما أرسل أبو الأسود كتاباً إلى الإمام عليٍ (ع) يُعلِمُه بمخالفات والي البصرة (عبد الله بن العبّاس(، فأجابه الإمام (ع) قائلاً : (أمَا بعد فمثلُك نصح الإمام والأمّة، وأدّى الأمانة، ودلَ على الحقِ، وقد كتبتُ إلى صاحبكَ فيما كتبتَ إليَ فيه من أمره، ولم أعلمه أنَك كتبتَ، فلا تدع إعلامي بما كان بحضرتك، وما النظر فيه للأمَة صلاح، فإنَك بذلك جدير، وهو حقٌ واجبٌ عليك، والسّلام) (121) .
  قال ابن سعد : (كان شاعِراً مُتَشيِعَاً، وكان ثِقةً في حديثه، إن شاءَ الله) (122) .
  قال أبو الفرج الأصفهاني : (كان أبو الأسود الدؤلي من وجوه التابعين، وفقهائهم، ومحدِثيهم) (123) .
  قال ابنُ حزم الأندلسي : (تابعيٌ بصريٌ ... وأخبارهُ مشهورةٌ ... محُدِثٌ مشهورٌ) (124) .
  قال صاحب معجم الأدباء : (أحد سادات التابعين والمحدّثين والفقهاء والشعراء والفرسان والأمراء والأشراف والدهاة والحاضرِي الجواب ...) (125) .
  قال ابن خلّكان : (كانَ من سادات التابعين وأعيانم، صحب عليَ بن أبي طالب (ع) ، وشهد معه واقعة صفينّ، وهو بصريٌ، وكان أكمل الرجال رأياً وأسدّهم عقلاً) (126) .
  قال الذهبيُ : (قال الواقديُ أسلم في حياة النبيِ (ص) ... وكانَ مِن وجوهِ الشّيعة، وأكمَلِهم عَقلاً ورأياً) (127) .
  قال الصّفدي : (هو تابعيٌ شيعيٌ شاعرٌ نحويٌ ... وكان من المتحقِقين بمحبّة عليٍ وأولاده، وكان رجلاً من أهل البصرة) (128) .
  قال ابن حجر العسقلاني : (قال : ابن أبي خيثمة عن ابن معين : ثقة، وقال العجلي : كوفيٌ، تابعيٌ ثقةٌ) (129) .
  قال صاحب خزانة الأدب : (كان من وجوه شيعتِهِ) (130).
  قال صاحب رياض العلماء : (الشيخ أبو الأسود الدؤلي، ظالم بن عَمرو بن جندل بن سفيان، البصريّ، الشاعر، الفاضل، التابعيّ، الساكن بالبصرة) .
  ثمّ أضاف قائلاً : وبالجملة أبو الأسود الدؤلي من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين والسّبطين والسجّاد (ع) وأجلاّئهم) (131) .
  قال صاحب روضات الجنّات : (ما أسفر عن حقيقة أحوال الرّجل بعض أصحاب كتب الرجال حينما قال بعد الترجمة له : بما قرب من هذا المنوال يظهر من الأخبار مدحُه، بحيث يمكن عدُ حديثِه حسناً) ...
  ثمّ ذكر قول ابن البطريق الحليّ، قائلاً : (أبو الأسود الدئلي، وهو من بعض الفضلاء الفصحاء من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام وشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ) (132) .
  قال صاحب نقد الرجال بعد أن نقل كلام الكشيّ في رجاله : (وقيل ظالم بن عمرو، ويكنى أبا الأسود الدؤلي، من أصحاب عليّ والحسن والحُسين وعليّ ابن الحُسين (ع) ) (133) .
  قال صاحب معجم رجال الحديث : (عدَهُ الشَيخ في رجاله من أصحاب عليٍ (ع) ، قائلاً : (ظالم بن ظالم) ، وقيل ظالم بن عَمرو، ويكنّى أبا الأسود الدؤلي، و (أخرى) في أصحاب الحسن (ع) ... (ثالثة) من أصحاب الحُسين (ع) و (رابعة) في أصحاب السجَاد (ع) ) (134) .
  وجاء في قاموس الرِجال قريبٌ منه (135) .

حياتُهُ العِلميّة

  اكتسب أبو الأسود الدؤلي كثيراً من المؤهلّات العلميّة التي جعلت أمير المؤمنين (ع) يُنيطُ به مهمَةً علميَةً عظيمةً، ونحن هاهنا سنذكرُ بعض إطلالاته المشرقة التي أثرى بها المسيرةَ العلميّةَ، والعالمَ الإسلاميَ بكثيرٍ من المعارف والعلوم، وهي كالآتي :

   الإطلالةُ الأولى :

  وَضْعُهُ قوانينَ لغويَةً لصيانة كلام العربِ من اللَحن والخطأ.
  وهي أوّل إطلالةٍ مشرقةٍ في حياته العلميّة ، إذْ ذكر المؤرّخون أنَ أبا الأسود، قال : (دخلتُ يوماً على عليٍ بن أبي طالبٍ فرأيتُه مُطرقاً يفكّر، فقلت : مالي أراك يا أمير المؤمنين مفكّراً ؟
  فقال : قد سمعتُ مِن بعض مَن معي لحناً، وقد هممت أنْ أضعَ كتاباً أجمع فيه كلام العرب، فقلت : إنْ فعلتَ أحييتَ قوماً، وأبقيتَ العربيّة في النّاس.
  فألقى إليَ صحيفةً فيها (الكلام كلّه : اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، فالاسمُ ما دلَ على المسمّى، والفعلُ ما دلَ على الحركة، والحرفُ ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعلٍ) ، فاستأذنتهُ في أنْ أضعَ في نحوِ ما صنع شيئاً أعرضهُ عليهِ، فأذِنَ لي، فألَفتُ كاملاً، وأتيتُهُ به، فزادَ فيه ونقصَ، وكان هذا أصلُ النحو) (136) .
  فهو أوَل مَن رسم النحو بأمر أمير المؤمنين (ع) ، وهذا ما أكَدهُ كلُ مَن ترجم له كما تقدّم ذلك.
  لكن زعم قوم أنَ أوَلَ مَن وضعَ النحوَ هو : نصرُ بن عاصم الدؤلي.
  وزعم آخرون أنّ واضعه هو عبد الرحّمن بن هرمز (137) ، لكن الرأي الذي يعتمده العلماء، وعليه أكثر النّاس، هو الأوّل، كما صرَح بذلك السيِرافي في أخبار النحويينّ البصريين (138) ، وكذا ما مرَ من المصادر في بيان أصلِ نشأةِ النحوِ ، ولأنَ كلاًّ من عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والنصر بن عاصم، أخذا النحو عن أبي الأسود الدؤلي (139)
  قال ابن عساكر : (أوَل مَن وضع النحو أبو الأسود الدّيلي، ثمَ ميمون الأقرن، ثمَ عنبسة الفيل، ثمّ عبد الله بن أبي إسحاق) (140) .
  فهو المعلّم الأوّل لعلم النحو والإعراب، والمرجع الأوّل الذي يرجع إليه طلاّب العِلم لمعرفة العربيّة، قال ابن عساكر : (اختلفت النّاس إلى أبي الأسود يتعلّمون منه العربية، فكان أبرع أصحابه عنبسة بن معدان (141) ، فكان مِن أعلمِ أهل الزمان باللُغة، ومِن أفصحِ النّاسِ كما صرَح بذلك ابن عساكر) (142) .
  إلاَ أنَ المصادر التاريخيّة لم تحدّد زمان تدوين النحو، ولكن يمكن معرفة تاريخ تدوين النحو من خلال الرجوع إلى السّبب الذي أدَى إلى تأسيس النحو وتدوينه.
  وقد اختلف المؤرِخون في سبب ذلك اختلافاً كثيراً ، ونتيجةً لذلك يختلف زمان تدوين النحو، فلابدَ من دراسة أسبابه :
  1 ـ قيل : إنَ السببَ في ذلك هو أنَ رسولَ الله (ص) سمِع قارئاً يقرأ : (إنَ اللهَ بريءٌ من المشركينَ ورسوله) بجرِ لامِ الرسول، فغضب (ص) ، وأشار الى أمير المؤمنين (ع) : أُنحُ النحو، واجعل له قاعدةً، وامنع النّاس من مثل هذا اللّحن، فطلب أميرَ المؤمنين (ع) أبا الأسود الدؤلي، وعلَمه العوامل والرّوابط، وحصر كلام العرب، وحصر الحركات الأعرابيّة والبنائيّة، وكان أبو الأسود كيِساً ذَهِناً، فألَف ذلك، وإذا أشكلَ عليه شيءٌ راجع أمير المؤمنين (ع) ... فاستحسنه، وقال : نِعْمَ ما نحوتَ) (143) .
  فيكون حينئذٍ زمان تدوين النحو في عصر النبي (ص) .
  وقد ناقش صاحب الرّياض هذا الرأي، وقال : (فيما قاله من كون : هذه القصّة في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم نوعُ كلامٍ فتأمّل) (144) ، وقال أيضاً : لا يخفى الاختلافات المنقولة في الكتب فيمَن سمع قوله تعالى : (إنَ الله بريءٌ من المشركين ورسوله) (145) ، فقد رُويَ أنَ الذي سمع ذلك هو أبو الأسود، وقال : (ما ظننتُ أنَ أمرَ النّاس آلَ إلى هذا) (146) ، وروي أنَ أعرابيَاً سمع ذلك من سوقيٍ يقرأ : (إنَ الله بريءٌ من المشركين ورسوله) ، فشجّ رأسَه، فخاصمه إلى أمير المؤمنين (ع) ، فقال له في ذلك، فقال : إنَه كفرَ بالله في قراءته، فقال (ع) : إنَه لم يَتعمَد ذلك (147) ، وناقش في ذلك صاحب كتاب (الشيعة وفنون الإسلام) ، فقال : (أهلُ العلم بالأخبار لا يرونَ وقوع هذه القصّة في زمن النبيّ (ص) ، وإنمَا تفرَد بها ابن الأنباري) (148) .
  قال ابن شهر آشوب في المناقب : (السَبب في ذلك أنَ قريشاً كانوا يزوّجون بالأنباط، فوقع فيما بينهم أولاد، ففسد لسانُم حتى أنَ بنتاً لخويلد الأسديّ كانت متزوِجة بالأنباط، فقالت : إنَ أبوي مات، وترك عليَ مالٌ كثيرٌ، فلماّ رأوا فسادَ لسانهِا أسّس النحو) (149) .
  وهذه الرّواية أيضاً يُفهم منها أنَ التدوينَ كان في زمن النبيّ (ص) .
  لكن يمكن مناقشة ذلك بما يأتي :
  إنَ النحو لم يُوضَع إلاَ في فترةٍ زمنيّةٍ اضطربَ فيها كلامُ العربِ، وكثرَ فيه اللّحنُ ، ولذا فمِن البعيد أنْ يكون في تلك الفترة التي ذكرها الرَاوي، وإنَما حصلَ هذا بعد فترةٍ متأخّرةٍ عندما كثُرت الفتوحات الإسلاميّة، وكثُرت مخُالطة الأعاجم أصحاب اللُغة، وهذا ما أكَده أبو الأسود الدؤلي، قال : (إنَهُ وضع النحو حين اضطرب كلام العرب، وغلبت السَليقة، أي اللُغة التي يسترسل فيها المتكلّم بها على سليقته : أي سجيّته وطبيعته من غير تعمّد إعرابٍ، و لا تجنّب لحنٍ) (150) .
  2 ـ هناك رواية قد يُفهم منها أنَ التدوين حصل في زمن عمر بن الخطّاب، روي عن عمر بن الخطّاب أنَه قال : (وليعلّم أبو الأسود أهل البصرة الاعراب) (151) .
  وأحد معاني الإعراب هو النحو.
  لكن الدكتور الدّجني ناقش ذلك، وقال : (إنهَا موضوعةٌ) (152) ، ولو صحّت هذه الرواية فلابدّ من حمل كلمة (الإعراب) فيها على معناها اللُغوي، للقطعِ بتأخّرِ ظهور علم النحو عن زمن عمر بن الخطاب (153) ، وهي مخالفة لما ذاع واشتهر من كون واضعِ علمِ النحو هو عليُ بن أبي طالب (ع) .
  وقد ذكر اللُغويّون للإعراب معانيَ كثيرةً، منها :
  أ ـ الإبانة والإفصاح، يُقال : أعربَ الرجلُ عن نفسهِ، إذا بين وأوضحَ، ومنه الحديث : الثيّبُ تُعرِبُ عن نفسِها، أي : تُفصِح (154) .
  ب ـ التغير : (قال أبو زيدٍ الأنصاريُ : فعلتُ كذا فما عرَب عليَ أحدٌ، أي : فما غيرَ عليَ أحدٌ) (155) .
  ج ـ عدم اللَحن في الكلام، قال صاحب تاج العروس : (الإعرابُ : أنْ لا تلحنَ في الكلام، وأعرب كلامَهُ إذا لم يلحن في الإعراب، والرجلُ إذا أفصح في الكلام يُقال له : قد أعرَب) (156) .
  فتصِحُ الروايةُ هذا المعنى ، أنَ لأبي الأسود علماً وافراً وقدرةً واسعةً في أنْ يُفصِحَ عن الصَحيحِ من الكلامِ، ويغيرَّ ويزيلَ ما فسد منه.
  وقد فرّ أحد الباحثين (الإعراب) بتفسيرٍ يوضّح هذا المعنى، وحملَ عليه الأحاديث النبويّة التي ورد فيها لفظُ الإعراب، قال : (إنَ ما ورد من الأحاديث التي فيها حثٌ على إعراب القرآن، ليس فيها دليلٌ على شيءٍ ، أنَ كلمة (الإعراب) التي وردت فيها لم تكن تعني تحريك أواخر الكلمات، وكيف تعني ذلك ولم يكن الإعراب ولا النحو قد خُلِقَ بعد، لقد عنى الرسول (ص) بكلمة (الإعراب) وضوحَ النُطقِ وظهورَ المخارجِ، وخلوَ التلاوةِ من عيوبِ اللِسانِ التي تذهب بالكثيرِ من حلاوةِ القرآنِ، وهذا التفسير يمكن حمل مهمّة أبي الأسود على تعليم الإعراب) (157) ، فلا دلالة فيها حينئذٍ على أنَ النحو دُوِنَ في زمن عمر بن الخطّاب وبأمره.
  و هناك رواية أخرى ذكرها ابنُ الأنباريِ، وهي أنّ عمر بن الخطّاب (أمر أنْ لا يُقرِىءَ القرآن إلاّ عالمٌ باللّغة، وأمر أبا الأسود أن يضعَ النحو) (158) ، فردُ عليها -أيضاً- ما تقدّم نفسه، وما سوف يأتي لاحقاً إنْ شاء الله.
  3 ـ وهناك سببٌ آخرُ يذكره بعضُ المؤرّخين قد يُفهمُ منه أنَ زمَنَ تدوينِ النحو كانَ في ولاية زياد بن أبيه، روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني : (أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ، قال : حدّثني عبيد الله بن محمّد عن عبدِالله ابن شاكر العنبريّ، عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم بن أبي النجود، قال : أوَل مَن وضعَ العربيّة أبو الأسود الدؤلي، جاء إلى زيادٍ بالبصرة فقال له : أصلح الله الأمير، إليّ أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم، وتغيرّت ألسنتهم، استأذن في أنْ أضع لهم علماً يقيِمون به كلامهم ؟ قال لا، قال ثمَ جاء زياداً رجلٌ، فقال : مات أبانا وخلّف بنون، فقال زياد : مات أبانا وخلّف بنون ؟! رُدُوا إليَ أبا الأسود الدؤلي، فَرُدَ إليه، فقال : ضعْ للنّاس ما نهيتُك عنه، فوضع لهم النحو) (159) .
  ويمكن مناقشة ذلك :
  أوّلًا : إنَ صاحبَ الأغاني نفسه يقولُ بعد ذلكَ : (وقد روى هذا الحديث عن أبي بكر بن عيّاش يزيدُ بن مهران، فذكر أنَ هذهِ القِصَة كانت بينَ أبي الأسود وبينَ عبيد الله بن زياد) (160) ، وكذلك ذكرها صاحبُ أخبار النحويين البصريين (161) ، ومعلوم أنّ التردّد والاختلاف في النسبة والنقل يُضعّف الرواية.
  ثانياً : إنَ أبا الأسود سُئل عمّن رسمَ له حدودَه ؟ فقال : تلقّيتُهُ عن عليِ بن أبي طالب (ع) ، جاء في الأغاني بسنده إلى حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، قال : (قيل لأبي الأسود : مِن أين لك هذا العلم ؟ يعنون به النحوَ، فقال : أخذتُ حدودَهُ عن عليِ بن أبي طالب (ع) ) (162) ، فهي تدُلُ بوضوحٍ على تقدّم زمان التّدوين قبل ذلك بكثير.
  ثالثاً : إنَ هذا الرأي مخُالفٌ ما هو المشهور من أنَ واضع علم النحو هو الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) ، وبأمرهِ وإشرافه .
  رابعاً : الظَاهر أنَ صاحبَ الأغاني أسقط من الرّواية فقرةً تدفع هذا التوهّم من أساسه، وقد نقلَها الصّفدي (ت 64 )هـ ، قال : (فلماّ كان أيَام زياد بن أبيه بالبصرة، جاءه أبو الأسود، فقال : أصلح اللهُ الأمير، إنيِ أرى الحمراء قد خالطت العرب فتغيرّت ألسنةُ العرب، وقد كان عليُ بن أبي طالب قد وضع شيئاً يُصلح به ألسنتهم، أتأذن لي أن أظهرَه ؟ فقال : لا ... ) (163) .
  4 ـ هناك سببٌ آخر يذكره المؤرّخون يدلُ بوضوحٍ على أنَ زمَن تدوين النحو كان في خلافة الإمام أمير المؤمنين (ع) ، وذكروا لذلك أكثر من شاهدٍ، منها :
  1 ـ قال صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني : ( إنَ أبا الأسود الدؤلي دخل إلى ابنته بالبصرة، فقالت له : يا أبتِ ما أشدُ الحر (رفعت أشد) ، فظنَها تسأله وتستفهم منه : أيُ زمانِ الحرِ أشد ؟ فقال لها : شهر ناجر - يريد شهر صفر، الجاهليّة، كانت تسمّي شهور السنة هذه الأسماء - فقالت : يا أبتِ إنمَا أخبرتُك ولمَ أسألك، فأتى أميرَ المؤمنين عليَ بن أبي طالب (ع) ، فقال : يا أمير المؤمنين ذهبت لغةُ العرب لمّا خالطت العجم، وأوشك إنْ تطاولَ عليها زمانٌ أنْ تضمحلَ، فقال له : وما ذلك ؟ فأخبره خبر ابنته، فأمرهُ، فاشترى صُحُفاً بدرهم، وأملى عليه : الكلام كلُه لا يخرج عن اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ جاء لمعنى) (164) .
  2 ـ روى ابن شهر آشوب أنَ علّة تأسيس النحو : (أنَهُ روي أنَ أبا الأسود كان يمشي خلف جنازةٍ، فقال له رجلٌ : مَن المتوفيّ ؟ فقال : اللهُ، ثمّ أخبر عليّاً (ع) بذلك، فأسّس) (165) .
  3 ـ نقل صاحب روضات الجنّات قول أبي الفضل بن أبي الغنائم الكاشي شارح (المفصّل) أنَه قال : (روي أنَ أبا الأسود أخذ النحو من عليٍ (ع) ... وسبب ذلك أنَ ابنةً أبي الأسود لما أعجبها حسنُ النجومِ في الظلامِ، قالت له : يا أبتِ ما أحسنُ السمّاءِ (برفع أحسن وجرِ السمّاء(، فقال نجومُها ، أنَهُ فَهِمَ منه الاستفهام ...، فقالت إنَا أردتُ التعجب منها، فقال : كنتِ إذن تفتحينَ فمَكِ فتقولين : ما أحسنَ السمّاءَ ! (بالفتح) ، ثمّ عدا إلى أمير المؤمنين (ع) وأخبره بالقصّة، فقال : مِخالطةِ العجم، ثمّ أمره بشراء صحيفةٍ، فأملى عليه، وقال : أصول الكلام ثلاثة : اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، ثمَ قال : أُنحُ هذا، فسُمّيَ لذلك هذا العلم نحواً) (166) .
  4 ـ قال عبد الرحّمن السيوطي في كتابه (النظائر والأشباه في النحو : (حدّثنا أبو القاسم الزجّاجي في أماليه، حدَثنا محمّد بن رستم الطبريّ، قال : حدّثنا أبو حاتم السِجستانيّ، حدّثني يعقوب بن إسحاق الحضرميّ، حدّثنا سعيد بن مسلم الباهليّ، حدّثنا أبي عن جدّي، عن أبي الأسود الدئليّ، قال : دخلتُ على عليّ بن أبي طالب (ع) فرأيتُهُ مُطرقاً مُتفكّراً، فقلت : فيمَ تفكّر يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إنيّ سمعتُ ببلدِكم هذا لحناً فأردتُ أنْ أصنعَ كتاباً في أصول العربيّة، فقلنا : إنْ فعلتَ هذا أحييتنا وأبقيت فينا هذه اللُغة، ثمَ أتيتُهُ بعد ثلاثٍ، فألقى إليَ صحيفةً فيها : بسم اللهِ الرحّمن الرّحيمِ، الكلامُ كلُه اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركةِ المسمّى، والحرف ما نبأ عن معنىً ليس باسم ولا فعل، ثمّ قال لي : تتبَعهُ وَزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود أنَ الأشياء ثلاثةٌ : ظاهرٌ، ومضمرٌ، وشيءٌ ليس بظاهرٍ ولا مضمرٍ، وإنمّا تتفاضل النّاس في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر، قال أبو الأسود : فجمعتُ منه أشياء وعرضتُها عليه، فكان من ذلك حروف النّصب فذكرت فيها : (إنَ وأنَ وليتَ ولعلَ وكأنَ(، ولم أذكر لكنَ، فقال لي : لم تركتَها، فقلتُ : لم أحسبْها منها، فقال : بلى هي منها فرُدَها فيها . انتهى) (167) .
  فتحصَل ممّا تقدم : أنَ جميع الرّوايات تؤكّد نسبةَ علم النحو إلى أبي الأسود الدؤلي، وأبو الأسود يُسندُه إلى الإمام عليِ بن أبي طالب (ع) ، وأنَه وضع له أساسَهُ وقوانينَهُ عندما سمع (ع) لحناً كما قال : (سمعتُ ببلدكم هذا لحناً) ، فإنَ عبارتَهُ هذه فيها إشارةٌ إلى زمانِ ومكانِ ومدّةِ تدوينهِ (ع) النحوَ، فالظاهر منها أنَ التدوينَ كان في فترة تواجده (ع) في البصرة بعد معركة الجمل ، أنَ الإمام (ع) أقام في البصرة مدّةً من الزمن، قال ابن عساكر : (أقامَ عليٌ بعد واقعة الجمل بالبصرة خمسينَ ليلةً) (168) ، وقال ناصر خسرو : أقام أمير المؤمنين اثنين وسبعين يوماً (169) .
  فشخّص من خلالها الوضع العامَ لدى المجتمع البصريّ، وحاجتهم الماسة لأنْ يضعَ لهم علم النحو ، لأنَ تلك الفترة الزمنيّة هي التي كثُرتْ فيها مخالطة الأعاجم ، لقربها من زمن الفتوحات الإسلاميّة ، ولقربها من بلاد فارس.
  فكانت مدّة تدوينه النحو ثلاثة أيام كما قال أبو الأسود : (أتيتُه بعد ثلاث) ، وكان ذلك في سنة (36 هـ) ، أنَ واقعة الجمل حدثت في سنة ستٍ وثلاثين.
  ثمّ أضاف أبو الأسود بعد ذلك كثيراً من أبواب النحو حسب الحاجة والوقائع التي كانت تصادفه، فمثلاً جاء في كتاب الأغاني : (أوَلُ بابٍ وضعَهُ في النحو باب التعجّب، قال : أخبرني أحمد بن العبّاس، قال : حدّثنا العنبري عن أبي عثمان المازني، عن الأخفش، عن الخليل بن أحمد، عن عيسى بن عمر، عن عبد الله بن أبي إسحاق، عن أبي حرب بن أبي الأسود، قال : أوَلُ بابٍ وضعه أبي من النحو باب التعجُب) (170) .
  وحكى ولده أبو حرب، قال : (أوّلُ بابٍ رسم أبي بابُ التعجُب) (171) .
  قال صاحب روضات الجنّات : (حُكِيَ أنَ امرأةً دخلتْ على معاوية زمن عثمان، وقالت : إنَ أبوي مات وترك لي مالاً، فاستقبح معاوية ذلك، فبلغ الخبر عليّاً (ع) ، فرسم لأبي الأسود بوضع النحو، فوضع أولّاً باب (أنَ) وباب (الإضافة) ، ثمّ سمع رجلاً يقرأ : (إنَ اللهَ بريءٌ من المشركين ورسوله) بالجر، فصنّف بابيَ (العطف والنعت) ، ثمَ قالت له ابنتهُ يوماً : (يا أبتِ ما أحسنُ السماءِ) ، بالضمّ على لفظ الاستفهام، فقال لها : نجومُها، قالت : إنمَا أتعجّبُ مِن حُسنها، فقال لها : قولي : (ما أحسنَ السماءَ) فافتحي فاك، فصنَف بابيَ (التعجب والاستفهام) (172) .
  وقال السيرافيّ : (مرَ بأبي سعد، وكان رجلاً فارسيّاً من أهل بوزنجان ، كان قدم البصرة مع جماعة من أهله، فدنوا من قُدامة بن مظعون الجمحي، فادَعوا أنَهم أسلموا على يديه، وأنهَم بذلك من مواليه، فمرّ سعد هذا بأبي الأسود، وهو يقود فرسه، قال : مالك يا سعد لا تركب ؟ قال : إنَ فرسي ضالعُ، فضحك به بعض من حضره، قال أبو الأسود : هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام، ودخلوا فيه فصاروا لنا أخوة، فلو علّمناهم الكلام، فوضع باب الفاعل والمفعول) (173) .

  الإطلالةُ الثانيةُ :

  هي ابتكارهُ فكرةَ تشكيلِ وتنقيط المصحفِ الشريف.
  المشهورُ بين الأعلام أنَ أبا الأسود الدؤلي هو أوَل مَن نقَط المصحفَ الشرَيفَ في وقتٍ لم يكن ذلك مبتكراً ولا معمولاً به في مجال الكتابة، لكن حُكي عن السيوطيّ الاختلاف في واضعه الأوّل، فقال : (أوّل مَن نقَط المصحف أبو الأسود بأمر عبد الملك بن مروان، وقيل : أوَل مَن نقَطهُ الحسنُ البصريُ، وقيل يحيى بن يعمر، وقيل : نصر بن عاصم) (174) .
  وحكى عن كتاب الأمصار للجاحظ أنَه قال : (إنَ نصر بن عاصم أوَل مَن نقَط المصاحف) (175) .
  وجاء -أيضاً- في تفسير الألوسي : (أنَ يحيى بن يعمر هو أوَل مَن نقَط المصحف) (176) .
  وكذلك جاء مثله في تهذيب الكمال (177) .
  لكن سيتّضح أنَ هذا الاختلاف ناشئٌ من توهّمٍ في فهمِ مصطلح تنقيط المصحف، هل هو بمعنى وضع النقط على الحروف المتشابهة، المسمّى بنقط الإعجام، أو بمعنى وضع نقطٍ كعلاماتٍ للحركات، المسمّى بنقط الإعراب ؟
  فمن ادّعى الاختلاف في واضعه تصوّر أنَ المراد من مصطلح التنقيط هو المعنى الأوّل – أي تنقيط الحروف المتشابهة – إذْ في هذا الأمر قد حصل ، الاختلاف بين الأعلام في واضعه، فبعضٌ قال : هو نصر بن عاصم اللَيث (178) وآخر قال : هو يحيى بن يعمر (179) ، وثالث قال : هو كلاهما (180) .
  أمَا تنقيط المصحف بالمعنى الآخر فيكاد جميعُ العلماء على أنَ واضعه الأوَل هو أبو الأسود الدؤلي، بل حتى من ادّعى الاختلاف في ذلك قال بعد ذلك (الأصحُ أنَهُ أبو الأسود) (181) ، والأكثر من هذا أنَ السيوطيَ في بُغية الوعاة صرّح بأنَ أبا الأسود هُو أوَلُ مَن نقّط المصحفَ من دون تردُدٍ في ذلك (182) .
  قال الحموي : (الأكثر على أنَه - أي أبو الأسود- أوَل مَن وضع العربيّة ونقَط المصحف) (183) .
  وجاء في المحرِر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة الأندلسي أنَه قال : (أسند الزبيديّ في كتاب الطبقات إلى المبرّد أنَ أوَل مَن نقّط المصحف أبو الأسود الدؤلي) (184) .
  قال الزركليُ : (وهو في أكثر الأقوال أوَلُ مَن نقّط المصحف) (185) .
  والظاهر أنَ زَمَن تنقيط المصحف الشريف كان في إمارة زياد بن أبيه على البصرة.
  وما ذكره السيوطيّ من أنَ تنقيط المصحف كان في زمن إمارة عبد الملك بن مروان ممَا لا يمكن قبوله :
  أوّلًا : لأنَهُ مخالفٌ ما هو المشهور بين الأعلام من أنَ السبب الذي من أجله قام أبو الأسود بتنقيط المصحف هو أنَ زياداً طلب من أبي الأسود أنْ يضع شيئاً ممَا علّمه إيَاه أمير المؤمنين (ع) ، لينتفع به النّاس، فبعث إليه زياد، وقال له : اعمل شيئاً تكون فيه إماماً ينتفع النّاس به، وتُعرِب به كتابَ الله، فاستعفاه من ذلك، حتى سمع أبو الأسود قارئاً يقرأ (إنَ الله بريءٌ من المشركين ورسوله) ، فقال : ما ظننتُ أنَ أمر النّاس صار هكذا، فرجع إلى زياد، فقال : أنا أفعل ما أمر به الأمير، فليُبغني كاتباً لَقِناً يفعل ما أقول، فأتُيَ بكاتبٍ من عبد القيس فلم يرضَه، فأُتي بآخر، قال أبو العبّاس : أحسبه منهم، فقال له أبو الأسود : إذا رأيتني قد فتحتُ فمي بالحرف فانقُط نُقطةً فوقَه على أعلاه، فإنْ ضممتُ فمي فانقُط نقطةً بين يدَي الحرف، وإنْ كسرتُ فاجعل النقطةَ تحت الحرف، فإنْ أتبعتُ شيئاً من ذلك غُنّةً فاجعل مكان النُقطة نقطتين) (186) .
  فعلى هذه الرواية يكون زمن تنقيط المصحف الشرّيف هو زمن إمارة زياد ابن أبيه.
  وقد روى ذلك كلٌ من صاحب الأغاني (187) ، وصاحب معجم الأدباء (188) ، وصاحب وفيات الأعيان (189) ، وصاحب الوافي بالوفيات (190) ، وصاحب روضات الجنّات (191) ، وقال صاحب الموسوعة العربيّة : (والمؤكّد أنَه ابتكر الضبط بالنقط، حافظةً على القرآن، فوضع على الحرف المفتوح نقطةً فوقَه، والمكسور نقطةً تحته، والمضموم نقطتين بين يديه، والمنوّن نقطتين) (192) .
  ثانياً : إنَ السّيوطي نفسه طرح هذا القول، وصرّح بصحّة القول المشهور، فقال : (والأصح أنَه أبو الأسود في إمارة زياد) (193) .
  ثالثاً : وفيما خصُ الوجه الأوّل، فإنَ السيوطي ذكره بنحو (القِيل) وهو يُشعِرُ بتضعيفه له، وعدم قَبوله ، لذا قال في بُغية الوعاة : إنَ أبا الأسود (هو أوَل مَن نقّط المصحف) (194) .
  وقال الدكتور جواد علي : (أغلب روايات أهل الأخبار أنَ الخطَ العربيَ الأوّل لم يكن مُشكلَاً، وإنمَا وُجِدَ في الإسلام ، وكان مُوجِدَهُ أبو الأسود، فاستُعمِلَ بدلَ الحركات) (195) .
  فثَبَتَ تاريخ تنقيط أبي الأسود المصحفَ الشرَيفَ في زمن إمارة زياد بن أبيه، وثبَتَ أيضاً أنَ أبا الأسود قد أخذ أصوله من الإمام عليِ بن أبي طالب (ع) ، كما صرّح هو بذلك عندما سُئل عمّن نهج له الطّريق : (قال تلقّيتهُ عن عليِ بن أبي طالب (ع)) (196) .

  الإطلالةُ الثالثةُ :

  آثارُه العلميّة.
  لقد ترك أبو الأسود الدؤلي تراثاً فكريّاً ثقافيّاً قيمّاً حَفِظَ به الثقافةَ الإسلاميَة من الضياع والاندثار، إلاَ أنَ التاريخ – كعادته – يبخل بذكر كلِ ما أنجزه العلماءُ والمفكّرون، خصوصاً ما إذا كانت له عقيدةٌ وهوىً بأهل البيت (ع) ، وعلى الرّغم من ذلك فقد ظهر له كثيرٌ من المؤلّفات والآثار العلميّة في مختلف أبواب العلوم والمعرفة، فمِن جهوده العلميّة :
  1 ـ ألَف كتاباً في علم النحو، وهو أوّل مَن ألَف في هذا الباب، وكُلُ مَن كتبَ من بعدهِ هم عيالٌ عليه، قال القاضي ابن البرّاج (رحمه الله) : (أبو الأسود الدؤلي، التابعيُ المعروفُ، أخذ النحو عن أمير المؤمنين وكتبه في كرّاس وعرضهُ على أمير المؤمنين (ع) ، فقال : نِعمَ ما نحوتَ) (197) .
  2 ـ أعربَ مصحفاً في وقتٍ لم يكن القرآن الكريم مُعرباً، فهو الأوَل في هذا الباب.
  قال الشيخ الأنصاري (رحمه الله) في كتاب الصلاة : (إنَ المصاحفَ كانت في الصّدر الأوّل غير معربةٍ ولا منقّطةٍ، وإنَ أبا الأسود الدؤلي أعرب مصحفاً واحداً في زمان حكومة معاوية، وقد شهد غيرُ واحدٍ مّن شاهد المصاحفَ موجودةً في خزانة مشهد الرِضا (ع) بخطِ مولانا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين (ع) ) (198) .
  وحكى الميرزا القمّي في (قوانين الأصول) قول السّيوطي في كتابه الموسوم (المطالع السّعيدة) ، قال : (إنَ أبا الأسود أعربَ مُصحفاً واحداً في حكومة معاوية) (199) .
  3 ـ مصحفٌ كوفيٌ منقَط :
  قال السّيد مير محمّدي زرندي : (والمعروف أنَ أبا الأسود كان ينقّط القرآنَ بلونٍ غيرِ لونِ الخطِ) ، وأضاف قائلاً : (إنَ جرجي زيدان قال : وقد شاهدنا في دار الكتب المصريّة مصحفاً كوفيّاً منقّطاً على هذه الكيفيّة، وجدوه في جامع عَمرو، بجوار القاهرة، وهو أقدم مصاحف العالم، ومكتوب على رفوفٍ كبيرةٍ بمدادٍ أسود، وفيه نُقطٌ حمراءُ اللَون، فالنقطة فوق الحرف فتحةٌ، وتحته كسرة، وبين يدي الحرف ضمّةٌ، كما وضعه أبو الأسود) (200) .
  4 ـ شعر أبي الأسود الدؤلي :
  كان أبو الأسود الدؤلي من شعراء الإسلام الأوائل ، قال ابن البطريق في كتاب عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقبِ إمام الأبرار : (أبو الأسود الدؤلي هو من فضلاء الفصحاء من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام وشيعة أمير المؤمنين علي (ع) (201) ، ونقل صاحب الأغاني قولَ الجاحظ : (كان معدوداً في الشعراء) (202) .
  وقال المرزباني : (وهو شاعرٌ جيدٌ مُكثِرٌ) (203) .
  وفعلاً كان يُكثر من قول الشِعر في حضرهِ وسفره، حتى جاء في تاريخ مدينة دمشق : إنَ أبا الأسود الدؤلي قال : (ركبتُ سفينةً أنا وعمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فسرنا ثمانين ما مرّ بنا يوم إلاَ نحنُ نتناشدُ فيه الشّعر) (204).
  وقد بان من كتب التاريخ أيضاً أنَ أبا الأسود في أكثر الأحداث والوقائع التي تمرُ به يقول فيها شعراً ارتجالاً، ومن غير تأمّلٍ واستعدادٍ، ومن دون رويّةٍ وتردّدٍ، حتى جمُعت أشعاره من بطونِ الكُتبِ المتناثرةِ، وصُنّفت على شكلِ دواوين، قال صاحب الذريعة : (له ديوانُ شعرٍ، وذكرَ بعضَ شعرِهِ) ، وأضافَ ابنُ النديم قائلاً : (إنَ الأصمعيَ وأبا عَمرو بن العلاء قد جمعا له أشعاراً) ، ثمَ قال (صاحب الذريعة) : (ورأيتُ منه نسخة في خزانة (العطّار ببغداد) ، يقرب من مأتين وخمسين بيتاً) (205) .
  وقال صاحب الموسوعة العربيّة الميسرّة والموسّعة : (له ديوان شعر مطبوع) (206) .
  وله مخطوطةٌ في مكتبة جامعة الرّياض جمُعتْ فيها بعضُ أشعاره (207) .
  وله ديوان شعر مطبوع يربو على 480 صفحة، جمعه أبو سعيد الحسن السكّري، المتوفى سنة 290 هـ ، وحقّقه محمّد حسن آل ياسين (208) .
  فَتُعَدُ أشعارُه (رحمه الله) ترِكَةً علميّةً قيّمةً، إذْ تجد فيها كثيراً من المواعظ والحِكم والعبِرَ.
  فمن أشعاره :
  شعرُه في امرأته :

مـــرحـــبــاً بـــالـــتــي تــــجـــورُ عــلــيــنـا           ثــــــمَ ســـهـــلاً بــالـحـامـلِ الــمـحـمـولِ

أغـــلــقــت بــابــهــا عـــلـــيَ وقـــالـــت :           إنَ خـــــيــــرَ الـــنِّـــســاء ذاتِ الـــبُـــعُــولِ

شــغــلــتْ نــفــسَـهـا عـــلـــيَ فـــراغـــاً           هل سمعُتم بالفارغِ المشغولِ ؟ (209)

  ومنها، يعاتب ابنه أبا حرب وقد انقطع عن العمل وطلب الرزق :

ومــا طـلـبُ الـمـعيشةِ بـالتمنّي           ولــكـنْ ألــقِ دلــوكَ فــي الــدِّلاءِ

تــجـئْـكَ بـمـلـئِـها يــومــاً ويــومــاً           تــجــيءُ بــحـمـأةٍ وقــلـيـلِ مــــاءِ

ولا تـقـعُد عـلى كـسلِ الـتمنّي           تُـحـيلُ عـلـى الـمـقادرِ والـقـضاءِ

فــــإنَ مــقـادرَ الـرحـمـنِ تــجـري           بـــأرزاقِ الــرِّجـالِ مـــن الـسَـماءِ

مُـــقـــدَّرةً بــقــبــضٍ أو بــبــسـطٍ           وعجزُ المرء أسبابُ البلاءِ (210)

  وله أبيات أُخَريات يوصي بها ابنه :

لا تــرسـلَـنَ رســالــةً مــشـهـورةً           لا تـسـتـطيعُ إذا مــضـتْ إدراكَـهـا

أكــرمْ صـديـقَ أبـيكَ حـيثُ لـقيتَهُ           واحْـبُ الـكرامةَ مَـن بـدا فحباكَها

لا تــبــديــنَ نــمــيـمـةً حُــدِثْــتَـهـا           وتحفَظنَّ مِن الذي أنباكها (211)

  وقال أيضاً :

فــإذا طـلـبت مـن الـحوائجِ حـاجةً           فـــادعُ الإلـــهَ وأحــسِـنِ الأعـمـالا

فـلـيـعـطـيـنّكَ مــــــا أراد بـــقـــدرةٍ           فــهــو الـلَـطـيـفُ لــمــا أراد فــعـالا

إنَّ الــعـبـاد وشــأنـهَـم وأمــورَهـم           بـــيــدِ الإلـــــهِ يُــقــلّـبُ الأحـــــوالا

فـــدَع الـعـبـادَ ولا تـكـن بـطـلابِهم           لهِجاً تضعضعُ للعباد سؤالا (212)

  وقال :

الـعـلـمُ زيـــنٌ وتـشـريفٌ لـصـاحبِهِ           فاطلبْ هُديتَ فنونَ العِلم والأدبا

كـــم ســيّـدٍ بــطـلٍ آبـــاؤهُ نُــجُـبٌ           كانوا رؤوساً فأضحى بعدَهم ذَنبَا

وخــامـلٍ مــقـرفِ الآبـــاءِ ذي أدبٍ           نـــال الـمـعـاليَ بـــالآدابِ والـرَُتـبا

الـعـلـمُ ذُخـــرٌ وكــنـزٌ لا نــفـادَ لــه           نِعمَ القرينُ ونعمَ الخِدنُ إنْ صُحِبا

قـد يـجمعُ الـمرءُ مـالاً ثـم يُسلَبُه           عـمّـا قـليلٍ فـيلقى الـذُلَ والـحَرَبا

وجــامـعُ الـعِـلمِ مـغـبوطٌ بــهِ أبــداً           فــلا يُـحـاذر مـنه الـفوتَ والـسَلَبا

يـا جامعَ العلمِ نِعمَ الذُخرُ تجمعُه           لا تـعدلنَ بـه دُرَاً ولا ذَهَـبا (213)

  وله قصيدةٌ شعريّةٌ في حقِ أمير المؤمنين (ع) :

حـسدوا الفتى إذْ لم ينالوا سعيه           فــالــقـومُ أعـــــداءٌ لـــــه وخــصــومُ

كـضـرائـرِ الـحـسناءِ قـلـنَ لـوجـهها           حـــســـداً وبــغــيـاً إنّـــــه لــدمــيـمُ

والـوجهُ يـشرقُ فـي الـظلام كـأنَه           بــــــدرٌ مــنــيـرٌ والــنــسـاءُ نُـــجــومُ

وكــذاكَ مَــن عَـظُمَتْ عـليه نـعمةٌ           حُــسَــاده ســيــفٌ عـلـيـه صَـــرومُ

فــاتـرك مــجـاراةَ الـسـفـيهِ فـإنَـهـا           نـــــدمٌ وغِــــبٌ بــعــد ذاك وخــيــمُ

وإذا جــريـتَ مــع الـسَـفيهِ وُلـمـتَهُ           فــي مـثـل مــا يـأتي فـأنتَ ظـلومُ

يـــا أيَــهـا الــرجـلُ الـمـعـلِّمُ غــيـرهُ           هـــلاّ لـنـفـسِك كـــان ذا الـتـعـليمُ

لا تــنـهَ عــن خُُـلـقٍ وتـأتـيَ مـثـلَه           عــــارٌ عــلـيـك إذا فـعـلـتَ عـظـيـمُ

ابــدأ بـنـفسِك وانـهَـهَا عــن غـيّـها           فـــإذا انـتـهت عـنـه فـأنـتَ حـكـيمُ

فـهـناك يُـقبَلُ مـا وعـظتَ ويُـقتدى           بـالـعـلـمِ مــنــك ويــنـفـعُ الـتـعـليمُ

تـصـفُ الــدواء وأنــت أولــى بـالدّوا           وتـعـالـج الـمـرضى وأنــتَ سـقـيمُ

وكـــذاك تُـلـقِـحُ بـالـرّشـادِ عـقـولنَا           أبـــداً وأنـــتَ عــن الـرَشـادِ عـقـيمُ

ويــلُ الـخـليِ مــن الـشَجيِّ فـإنَهُ           نــصِـبُ الــفـؤادِ بـشـجـوهِ مـغـمومُ

وتــرى الـخـليَّ قـريـرَ عـيـنٍ لاهـيـاً           وعــلـى الـشـجـيِّ كـآبـةٌ وهُـمـومُ

ويــقـول مــالـكََ لا تـقـول مـقـالتي           ولــســانُ ذا طــلــقٌ وذا مــكـظـومُ

لا تـكلمِنْ عـرضَ ابـنِ عمِكَ ظالماً           فـــإذا فـعـلـتَ فـعـرضُـكَ الـمـكـلومُ

وحـريـمـهُ أيــضـاً حـريـمُـك فـاحـمهِ           كـــي لا يُــبـاح لـديـه مـنـك حـريـمُ

وإذا اقتصصتَ من ابنِ عمِّك كلْمَةً           فـكُـلـومُـهُ لـــك إنْ عـقـلـتَ كُــلـومُ

وإذا طـلـبـتَ إلـــى كــريـم حــاجـةً           فــلــقــاؤهُ يــكــفـيـكَ والــتـسـلـيـمُ

فــــإذا رآك مُـسـلّـمـاً ذكَـــرَ الـــذي           كـــلَّـــمــتَــهُ فـــكـــأنّـــهُ مـــــلــــزومُ

ورأى عــواقــبَ حَــمـدِ ذاكَ وذمِّـــهِ           لــلـمـرءِ تــبـقـى والـعـظـامُ رمــيـمٌ

فـــارجُ الـكـريـم وإنْ رأيـــتَ جـفـاءَهُ           فـالـعـتـبُ مــنــه والــفِـعـال كــريـمُ

إنْ كـــنــتَ مــضــطـرَاً وإلاّ فــاتـخـذ           نــفــقـاً كـــأنَــك خـــائــفٌ مـــهــزومُ

واتــركــهُ واحــــذر أنْ تــمــرَ بـبـابـهِ           دهــراً وعـرضـكَ إن فـعـلتَ سَـليمُ

فـالـناسُ قــد صــاروا بـهائمَ كـلُهُم           ومـــــنَ الـبـهـائـمِ قــائــلٌ وزعــيــمٌ

عُـميٌ وبُـكمٌ لـيس يُـرجى نفعُهم           وزعـيـمُـهم فـــي الـنّـائـباتِ مُـلـيمُ

وإذا طــلـبـتَ إلـــى لـئـيـمٍ حــاجـةً           فــألـحَ فـــي رفـــقٍ وأنـــتَ مُــديـمُ

والــــــزم قُــبــالـةَ بــيــتـهِ وفـــنــاءَهُ           بــأشــدَ مـــا لـــزمَ الـغـريـمَ غَــريـمُ

وعــجـبـتُ لـلـدُنـيا ورغــبـةِ أهـلِـهـا           والـــرزقُ فـيـمـا بـيـنـهم مـقـسـومُ

والأحمق اُلمرزوق أعجب مَن أرى           مــــن أهـلـهـا والـعـاقـلُ الـمـحـرومُ

ثــمَ انـقـضى عـجـبي لـعلميَ أنَـهُ           رزقٌ مـــوافٍ وقــتُـهُ مـعـلومُ (214)

  وقال في حقِ الإمام عليّ بن الحُسين (ع) :

وإنَ غــلامـاً بــيـن كــسـرى وهـاشـم           لأكرمُ مَن نِيطتْ عليه التمائمُ (215)

  وكما رثى أمير المؤمنين (ع) ، كذلك رثى الإمام الحُسينَ (ع) ، فقال :

أقــولُ وزادنــي جـزعـاً وغـيـظاً           أزالَ اللهُ مـــلــكَ بـــنــي زيــــادِ

وأبـعـدَهم كـمـا غــدروا وخـاُنوا           كـمـا بَـعُـدَت ثـمـودُ وقـومُ عـادِ

ولا رجــعــتْ ركـائـبُـهم إلـيـهـم           إذا قفَت إلى يوم التناد (216)

  وقال :

أتـــرجــو أمَـــــةٌ قــتــلـتْ حـسـيـنـاً           شفاعةَ جدِّهِ يومَ الحِساب (217)

  وشيّع أبو الأسود حارثة بن بدر لمّا ولاه عبيد الله بن زياد (سرَق(، فلماّ أراد فراقه، قال حارثة :

جـــزاكَ إلـــهُ الــعَـرش خــيـرَ جـزائـه           فـقـد قـلـتَ مـعـروفاً وأوصـيتَ كـافيا

أشـــرتَ بــأمـرٍ لـــو أشـــرتَ بـغـيـرهِ           لألـفـيـتـنـي فــيــه لــرأيــكَ عــاصـيـا

سـتـلقى أخـاً يـصفيك بـالودِ حـازماً           ويُـولـيك حـفـظَ الـعهدِ إن كـان نـائيا

وأيسرُ ما عندي المواساة مُسمِحاً           إذا لــم تـجـد يـومـاً صـديـقاً مـواسيا

  فقال أبو الأسود :

إذا نــلـتَ الإمــارةَ فـاسـمُ فـيـها           إلــــى الـعـلـياءِ بــالأمـرِ الـوثـيـقِ

ولا تــكُ عـندها حـلواً فُـتحسى           ولا مُــرّاً فـتـنشبُ فـي الـحلوقِ

فــــكــــلُ إمــــــــارةٍ إلاّ قـــلـــيــلاً           مُـغـيِّرَةُ الـصّديقِ عـلى الـصّديقِ

ومـا اسـتخبأتَ فـي رجلٍ خبيئاً           كـدِينِ الـصِدق أو حـسبٍ عتيقِ

ذوو الأحــسـابِ أكــرمُ مـخـبراتٍ           وأصبَرُ عند نائبةِ الحقوقِ (218)

  وجاء أنَ أبا الأسود احتاج مرّةً، فبعث إلى جارٍ له مُوسرٍ يستسلفُهُ، وكان حَسَنَ الظنِ بهِ، فاعتلَ عليه وردَه، فقال :

فَـلاَ تُشعِرَنَ النَفس يأساً فإنَما           يــعـيـشُ بــجــدّ حــــازمٌ وبــلـيـدُ

ولا تَـطمَعَنْ في مالِ جارٍ لقُربِهِ           فــكــلُ قــريــبٍ لا يُــنَــالُ بَـعـيـدُ

وفــوِضْ إلــى اللهِ الأمــورَ فـإنمّا           تروحُ بأرزاقٍ عليك جُدودُ (219)

  وقال :

الــدهـرُ لا يـبـقـى عــلـى حـالـةٍ           لـــكـــنّـــه يُـــقـــبـــلُ أو يُــــدبــــرُ

فــــــــإنْ تـــلــقّــاكَ بــمــكــروهِـهِ           فاصبر فإنَ الدَهر لا يصبرُ (220)

  وقال :
الــمــرءُ بــعـد الــمـوتَ أُحــدوثـةٌ           يَــفـنـى وَتــبـقـى مــنــهُ آثــــارهُ

فـأسـعدُ الـنَـاسِ امـرؤٌ مُـحسِنٌ           تَطيبُ بعدَ الموتِ أخبارهُ (221)

  وكان أبي الأسود وَلَد فترك الصلَاة يوماً، ومضى يلعبُ بالكلاب مع الصبيان، فكتب إلى مؤدّبهِ رقعةً مختومةً، وأرسلها معهُ يقولُ فيها :

تَــرَكَ الـصَـلاةَ لأكـلـبٍ يـسـعى بـها           قَـصَدَ الـهِراشَ مـع الـغواة الأرجـسِ

فــلـيـأتـيـنّـك غــــاديـــاً بــصــحـيـفـةٍ           كُـتِـبَت كـمـثلِ صـحـيفة الـمُتلمّسِ

فــــإذا أتــــاكَ مُــعــذّراً فــارفـق بـــه           وَعِـظَـنْهُ مَـوْعِـظَةَ الـلَـبيبِ الأكـيسِ

وإذا هــمــمــتَ بــضــربــهِ فـــبـــدُرّةٍ           وإذا بــلـغـت بــــه ثــلاثــاً فـاحـبـسِ

أدِبــــهُ تــأديــبَ الـحـكـيمِ فـنـفـسُهُ           مع ما تُجرِّعُنِي أعزُ الأنفسِ (222)

  وروي عن أبي عَمرو الجرمي، قال : دخل أبو الأسود الدؤلي على معاوية، وقد خَضَبَ، فقال لهُ : لقد أصبحتَ جميلاً يا أبا الأسود، فلو علَقت تميمةً تدفع عنك العين، فقال أبو الأسود :
أفـنـى الـشـبابَ الــذي فـارقتُ جـدََتهُ           كــــرُ الـجـديـديـنِ مــــن آتٍ ومـنـطـلقِ

لــم يـتـركا لـيَ فـي طـولِ اخـتلافهما           شـيـئـاً أخـــاف عـلـيه لـذعـةَ الـحَـدَقِ

قــــد كــنـتُ أفـــزعُ لـلـبـيضاء أبـصـرُهـا           مـن شـعر رأسـي وقـد أيقنتُ بالبلَقِ

والآن حـيـن خـضـبتُ الــرأس زايـلـني           ما كنتُ ألتذُ من عيشي ومن خُلقي

إنَ الـشـبابَ إذا مــا الـشـيبُ حـلَ بـه           كـالـغُـصن يـصـفـرُ فــيـه نـاعـمُ الــورقِ

شـــيــبٌ تــغـيّـبـهُ عـــمّــن تــغــرُ بــــه           كـبـيـعك الـثـوب مـطـويّاً عـلـى خــرقِ

فــإنْ سـتـرتُ مـشـيبي أو غــررتُ بـه           فليس دهرٌ خُلسناه بمُسترقِ (223)

  وقال :

أيُــهــا الآمــــلُ مــــا لــيـس لـــهُ           رُبَـــمــا غَـــــرَ ســفـيـهـاً أمُـــلــهْ

ربَ مَـــن بـــاتَ يُـمـنّـي نـفـسَهُ           حــــالَ مــــن دونِ مــنـاهُ أجُــلـهْ

والـفـتـى الـمـخـتالُ فـيـما نـابـهُ           رُبَــمــا ضــاقــت عــلـيـه حِــيُـلـهْ

قُـل لـمَن قـد غـاب عـن آثـارهِ :           يــهـلـكُ الــمــرءُ ويـبـقـى مَـثُـلـهْ

نـافِسِ الـمُحسنَ فـي إحسانهِ           فسَيكفيكَ مُسِيئاً عمُلهْ (224)

  وقال :

لــقـد غـــرّت الـدُنـيا رجــالاً فـأصـبحوا           بــمــنـزلـةٍ مــــــا بــعــدهــا مُــتــحــوّلُ

فــســاخــطُ أمـــــرٍ لا يُـــبــدّل غـــيــرَهُ           وراضٍ بــــأمــــرٍ غــــيــــرهُ ســـيُــبــدّلُ

وبـــالــغُ أمـــــرٍ كـــــان يــأمــلُ دونــــهَُ           ومُخترمٌ من دونِ ما كان يأملُ (225)

  وقال : (ليس شيءٌ أعزُ من العلم ، وذلك لأنَ الملوك حكّامٌ على النّاس والعلماء حكّامٌ على الملوك) (226) .

  الإطلالةُ الرابعة :

  وهي في مجال القراءة والرّواية .
  نقل أصحابُ التراجم أنَ أبا الأسود الدؤلي هو أوَل مَن حفظَ القرآنَ، قال صاحب روضات الجنّات : (وأوّل مَن حَفِظَ المصحفَ أبو الأسود الدُئلي) (227) .
  قال أيضاً : (هو أحدُ القرّاء، قرأ القرآن على عليّ بن أبي طالب (ع) ) (228) .
  جاء في إنباه الرّواة : (كان أبو الأسود من القرّاء، قرأ على أمير المؤمنين (ع)) (229) .
  وكذا في غاية النهاية : (أخذ القراءة عرضاً عن عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب (ع) ) (230) .
  قال الحرُ العامليُ : (روي عن أبي الأسود : أنَهُ قرأ القرآنَ على عليّ بن أبي طالب (ع) ، وكان أستاذه في القراءة والنحو) (231) .
  وكذلك ذكره الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة عند تصحيحهِ قراءةَ حمران بن أعين، قال : (حمران بن أعين، الجليل في الرّواة ، القارئ على أبي الأسود الدؤلي، القارئ على مولانا أمير المؤمنين (ع) ، فهو قارئٌ ومُقرئٌ) (232) .
  أمّا روايتُهُ :
  قال صاحبُ معجم الأدباء : (روى عن عمر، وعليّ، وأبي ذر، وابن عبَاس وغيرهم) (233) .
  وقال صاحب هذيب التهذيب : (روى عن عمر، وعلي، ومعاذ، وأبي ذر، وابن مسعود، والزبير بن العوّام، وأُبي بن كعب، وأبي موسى، وابن عبّاس، وعمران بن حصين) (234) ، وهناك رواية ابن حجر في لسان الميزان يذكر فيها أنَ أبا الأسود يروي عن أبي بكر، قال : (روى الشيخ المفيد الرافضيّ من طريق إسحاق بن إبراهيم الرازي، عن المغيرة بن سعيد، عن أبي ليلى النجفي، عن أبي الأسود الدؤلي، سمعتُ أبا بكر الصديق، يقول : أيهُا الناس عليكم بعليِ بن أي طالب فإنيِ سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول : (عليٌ خيرُ مَن طلعت عليه الشَمسُ وغرُبت بعدي) (235) .
  فهي تدلُ بوضوحٍ على أنَ أبا الأسود روى عن أبي بكر أيضاً.
  وقد عدَ الشيخُ الطوسيُ أبا الأسود الدؤلي من أصحاب الإمام علي (ع) (236) ، ومن أصحاب أبي محمّد الحسن (ع) (237) ، ومن أصحاب أبي عبد الله الحُسين (ع) (238) ، ومن أصحاب أبي محمّد عليّ بن الحُسين (ع) (239) ، فيكون قد روى عنهم صلوات الله عليهم أجمعين ، إلاَ أنّه لم تصل إلينا روايته عن الإمام الحسن والحُسين وعليّ ابن الحُسين (ع) .

  الإطلالةُ الخامسةُ :

  في مجال الفقه والكلام .
  كان أبو الأسود الدّؤلي من الفقهاء، بل من وجوههم، كما تقدّم ذكرُ ذلك عن أبي الفرج الأصفهاني ، لذا كان له رأيٌ ومذهبٌ فقهيٌ يُرجَعُ إليهِ في كثيرٍ من أبواب الفقه.
  قال عبد الله بن قدامة في (المغني) في بحث شروط وجوب القَطع في السرقة : (الشرط الرابع : أنْ يسرقَ من حِرز ويخُرجُه منه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وهذا مذهب عطاء، والشعبي، وأبي الأسود الدؤلي) (240) .
  وله رواية في فقه صلاة المسافر وحدِ التّخُص :
  (عن أبي حرب عن أبي الأسود الدؤلي، قال : خرجَ عليُ بن أي طالب (ع) من البصرة فرأى خُصَاً، فقال : لولا هذا الخُصُ لصلّينا ركعتين، يعني بالخُصِ أنَه لم يخرج من البصرة) (241) .
  وقد روى له رواية أخرى في باب الإرث :
  ذكر الحرُ العامليُ في وسائل الشِيعةِ في موانع الإرث باب (1) حديث (8) ، قال : (وبإسنادهِ عن أبي الأسود الدئلي : أنَ معاذَ بن جبل كان باليمن، فاجتمعوا إليه، وقال : يهوديٌ ماتَ وتركَ أخاً مسلماً، فقال معاذ : سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول : الإسلام يزيدُ ولا ينقص، فورّثَ المسلمَ مِن أخيه اليهودي) (242) .
  وكذلك رواه الشّيخ الصّدوق في مَن لا يحضره الفقيه (243) .
  هذا في مجال الفِقه، أمَا في مجال الرواية والحديث فقد كان من المحدّثين البارزين كما جاء ذلك عن أبي الفرج الأصفهاني، في قولِه : (كانَ أبو الأسود من وجوهِ التابعين وفقهائهم وحدّثيهم) (244) .
  ونقل ابن حجر قول الجاحظ : (كان أبو الأسود معدوداً في طبقات النّاس ... كان يُعَدُ في التابعين، وفي الشعراء والفقهاء والمحدّثين) (245) .
  لذا دوّن عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلوديّ كتاباً جمعَ فيه أخبار أبي الأسود الدؤلي، وسماّه : أخبار أبي الأسود الدؤلي (246) .
  أمّا في مجال الكلام :
  فقد كان له دورٌ بارزٌ في الردّ على بعضِ المذاهبِ الكلاميّةِ الباطلة، قال الشرَيف المرتضى : (إنَ أوَلَ حالةٍ ظَهَرَ فيها الكلام وشاعَ بين النّاس ... هو أنَ جماعةً ظَهرَ منهم القولُ بإضافةِ معاصي العباد إلى الله (سبحانه وتعالى) ، ... ويقال : إنًّ أوَلَ مَن حُفِظَ عنه القول بخلق أفاعيل العباد جهم بن صفوان، فإنَهُ زعم أنَ ما يكون في العبد من كفرٍ وإيمانٍ ومعصيةٍ فاللهُ فاعلُهُ، كما فعل لونَه وسمعَه، بصرَه وحياتَه، فتصدّى لهذا المذهب الزائف جمعٌ من العلماء منهم أبو الأسود الدؤليّ.
  قال : (وكان الحسنُ بنُ أبي الحسن البصريّ ممّن نفى ذلك، ووافقه في زمانه جماعةٌ وخلقٌ كثيرٌ من العلماء، كلُهم ينكرونَ أنْ تكون معاصي العباد من الله، منهم معبد الجهني، وأبو الأسود الدؤليّ ...) (247) .

  حياتُهُ السياسيَةُ

  اتّسمت حياتُهُ السِياسيّة بطابعِ النشاط والحيويّة، وحُسن التدبر والحِنكة ، لذا شغلَ كثيراً من المناصب الكبيرة والبارزة في الدولة الإسلاميّة آنذاك، وقام ـ أيضاً ـ بدور المحاور الدبلوماسي في حَلحلةِ الفتنِ والصعوباتِ والأخطار التي تحُيطُ بالإسلام والأمَةِ الإسلاميَةِ، وسنورد بعض أدواره السياسيّة :

  1 ـ قام بدور المفاوض في معركة الجمل بين الإمام عليّ (ع) ، وبينَ طلحة والزبير وعائشة.
  ذكر ابن أبي الحديد، قال : قال أبو مخنف : حدّثني الكلبيّ عن أبي صالح، عن ابن عباس : أنَ الزبيرَ وطلحةَ أغذّا (248) السيَر بعائشة، حتى انتهوا إلى حفر أبي موسى الأشعري، وهو قريبٌ من البصرة، وكتبَا إلى عثمان بن حنيف الأنصاريّ، وهو عاملُ عليٍ (ع) على البصرة : أنْ أخْلِ لنا دارَ الإمارة ،فلماّ وصل كتابهما إليه بعث الأحنف بن قيس، فقال له : إنّ هؤلاء القوم قدموا علينا ومعهم زوجة رسول الله، والنّاس إليها راع كما ترى، فقال الأحنف : إنهّم جاءوك بها للطّلب بدم عثمان، وهم الذين ألَبُوا على عثمان النّاس، وسفكوا دمَه، وأراهم والله لا يزايلون حتى يُلقوا العداوة بيننا، ويسفكوا دماءنا، وأظنُهم والله سيركبون منك خاصّة ما لا قِبَل لَكَ به إن لم تتأهّب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة، فإنّك اليوم الوالي عليهم، وأنتَ فيهم مُطاع، فسرِ إليهم بالنّاس، وبادِرهم قبل أن يكونوا معك في دارٍ واحدة، فيكون النّاس لهم أطوع منهم لك !
  فقال عثمان بن حنيف : الرأي ما رأيت، لكنّني أكره الشرّ، وأن أبدأهم به، وأرجو العافية والسّلامة إلى أن يأتيني كتابُ أمير المؤمنن ورأيه فأعملُ به ، .. قال : وكتب عليٌ إلى عثمان لمّا بلغه مشارفة القوم البصرة.
  من عبد الله عليٍ أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف، أمّا بعد :
  فإنَ البغاةَ عاهدوا اللهَ ثمّ نكثوا، وتوجَهُوا إلى مصِرِكَ، وساقَهم الشَيطانُ لطلبِ ما لا يرضى اللهُ به، واللهُ أشدُ بأساً وأشدُ تنكيلاً، فإذا قدِموا عليك فادعُهم إلى الطاعة والرجوعِ إلى الوفاءِ بالعهدِ والميثاقِ الذي فارقونا عليه، فإنْ أجابوا فأحْسِن جوارَهم ما داموا عندك، وإنْ أبوا إلاّ التَمَسُك بحبلِ النكثِ والخلافِ، فناجزهم القتالَ حتى حكُمَ اللهُ بينكَ وبينَهم وهو خيرُ الحاكمين، وكتبتُ كتابي هذا إليك من الرَبَذة، وأنَا مُعجِلٌ المسيرَ إليكَ إنْ شاءَ الله.
  قال : فلماّ وصلَ كتابُ عليٍ (ع) إلى عثمان أرسل إلى أبي الأسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعيّ، فأمرهما أنْ يسيرا حتّى يأتياه بعلمِ القومِ وما الذي أقدمهم ؟
  فانطلقا حتى إذا أتيا حفر أبي موسى، وبه معسكر القوم، فدخلا على عائشة، فسألاها ووعظاها، وأذكراها وناشداها الله، فقالت لهما : القَيَا طلحةَ والزبيرَ، فقاما من عندها ولقيا الزبيرَ فكلَماهُ، فقال لهما : إنَا جئنا للطلب بدم عثمان، وندعو النّاس إلى أنْ يَردُوا أمرَ الخلافةِ شورى ليختارَ النّاسُ لأنفسِهم، فقالا له : إنَ عثمان لم يُقتَلْ بالبصرةِ ليُطلَبَ دمُهُ فيها، وأنتَ تعلمُ قتلةَ عثمانَ مَن هم ؟ وأينَ هم ؟ وإنَكَ وصاحبَكَ وعائشةَ كنتم أشدَ النّاسِ عليه، وأعظمَهم إغراءً بدمه، فأقِيدُوا (249) من أنفسكم، أمَا إعادة أمر الخلافة شورى، فكيف وقد بايعتم عليّاً طائعينَ غيرَ مُكرهين، وأنت يا أبا عبد الله لم يبعُد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات رسول الله (ص) وأنت آخذُ قائمَ سيفِك، تقول ما أحدٌ أحقُ بالخلافة منه، ولا أولى بها منه، وامتنعت من بيعة بأي بكر، فأين ذلك الفعل من هذا القول ؟، فقال لهما : اذهبا فالقيا طلحة، فقاما إلى طلحة، فوجداه أخشن الملمس، شديد العريكة، قويَ العَزم في إثارة الفتنة وإضرام نار الحرب، فانصرفا إلى عثمان بن حنيف، فأخبراه، وقال له أبو الأسود :

يا بنَ حنيفٍ قد أُتِيتَ فانفُرِ           وطاعِن القومَ وجالدْ واصبِرْ

وابــرز هــا مـسـتلئماً ومّــر


  فقال ابن حنيف : إيْ والحَرمين لأفعلنّ، وأمر مناديه فنادى في النّاس : السلّاحَ السلّاحَ ! فاجتمعُوا إليه، وقال أبو الأسود :

أتـيـنـا الـزبـبـر فــدانـي الـكـلام           وطــلــحـة كــالـنَـجـمِ أو أبــعــدُ

وأحـــســنُ قـولـيـهـمـا فــــادحٌ           يـضـيقُ بــه الـخطـــــبُ مـسـتنكدُ

وقـــدْ أوعـدونـا بـجـهد الـوعـيد           فــأهـوِنْ عـلـيـنا بــمـا أوعـــدُوا

فـقـلـنا ركـضُـتـم ولـــم تـرمـلوا           وأصـــدرُتــمُ قــبــلَ أن تُــــوردوا

فإنْ تلقحوا الحرب بين الرّجال           فـمُـلـقِـحُـــــهـا حــــــدُه ألانـــكــدُ

وإنّ عــلــيّــاً لـــكـــم مُــصــحِــرٌ           ألا إنــــــهّ الأســــــدُ الأســـــودُ

أمَـــــا إنــــهّ ثــالــثُ الـعـابـديـنَ           بــــمــــكّــــة واللهُ لا يُــــعــــبَـــدُ

فَــرَخُــوا الـخِـنـاق ولا تـعـجُـلوا           فــإنّ غــداً لـكُـمُ مَـوعِدُ (250)


  2 ـ طلبُهُ التحكيم في صفيّن :
  جاء في الأمالي للسيّد المرتضى أنَه قال : (روي أنَ أبا الأسود طلب بأنْ يكونَ حَكمَاً في الحكومة، وقال أمير المؤمنن في وقت الحَكَميَنِ : يا أمير المؤمنين لا ترضَ بأبي موسى فإنيِ قد عجمتُ الرجلَ وبلوتُهُ فحلبتُ أشطُرَهُ فوجدتُهُ قريبَ القعرِ، مع أنَه يمانٍ وما أدري ما يبلُغ نصحُهُ، فابعثني فإنَهُ لا يحِلُ عُقدةً إلاَ عقدتُ لهُ أشدَ منها، وإنهَم قد رموكَ بحجرِ الأرضِ، فإنْ قيلَ : إنَهُ لا صُحْبَةَ لي فاجعلني ثاني اثنين، فليس صاحبُهم إلاَ مَن تَعرِف، وكانَ في الخِلاف عليهم كالنّجم، فأبى (ع) (251) .
  لكن سوف تأتي الإشارة إلى أنَ الإمام (ع) قَبِلَ أنْ يكونَ أبو الأسود حَكمَاً، إلاَ أنَ قومَهُ هم الذين رفضُوا ذلك.
  فهذا دورٌ سياسيٌ مهمٌ في حياتهِ السِياسيّة، لكن لم يُوفَق له ، لرفضهم إيَاه، وإلاَ لو قبِلوا به حَكمَاً لغيرّ مسارَ التاريخِ، ولكانت نتيجةُ التحكيمِ لصالحِ أميرِ المؤمنينَ (ع) ، هذا ما أفصح به أبو الأسود معاوية عندما اجتمع به في النُخيلة، روي عن الشَعبيّ، قال : (دخل معاويةُ بالنُخيلةِ، فقال له ـ أي أبي الأسود الدؤلي ـ : أكنتَ ذُكرتَ للحكومةِ، قال : نعم، قال : فما كنتَ صانعاً ؟ قال : كنت أجمعُ ألفاً من المهاجرين وأبنائهم، وألفاً من الأنصار وأبنائهم، ثمَ أقول : يا معشرَ مَن حضرَ، أَرَجلٌ من المهاجرين أحقُ أم رَجلٌ من الطُلقاء، فلعنه معاوية، وقال : احمدُ للهِ الذي كفاناك) (252) .

  3 ـ تولّيه عدَة مناصب إداريّة في الحكومة الإسلاميّة :
  اشكَ أنَ شخصيّة أبي الأسود حَوَتْ كثيراً من الامتيازات التي أهَلته أنْ تُناط به مناصبُ عاليةٌ في الدَولةِ الإسلاميّة، فقد شغل عدّة مناصب فيها، فكان قاضياً، وكاتباً، وقائداً لشرطة البصرة.
  ففي عام 36 هـ بعد معركة الجمل بشهرٍ تقريباً جعل أمير المؤمنين (ع) منصب قيادة الشرطة (شرطة البصرة) لأبي الأسود الدؤلي، كما جاء في الدُر النَظيم، حيث قال : (كان مقامُ عليٍ (ع) في البصرة، استخلف عليها عبد الله ابن العبّاس، وجعل زياد بن عبيد ـ المعروف بزياد بن أبيه، وهو الذي ادَعى معاوية أنَه أخوه لأبيهِ ـ كاتب عبد الله بن العبَاس، وجعل أبا الأسود الدؤلي على الشرطة) (253) .
  ولذا طلب ابن عبَاس من أبي الأسود أنْ يحشد أهل البصرة للشخوص إلى حرب صفيّن، فقد جاء في تاريخ الطبري أنَ ابن عبّاس خطبَ بأهل البصرة بعد أنْ حمِد الله وأثنى عليه، قال : (أمّا بعد، يا أهلَ البصرة فإنّه جاءني أمرُ أمير المؤمنين (ع) يأمرني بإشخاصِكم، وأمرتكم بالنفير إليه مع الأحنف بن قيس ... إلى أنْ قال : انفروا مع جارية بن قدامة السّعدي، ولا يجعلنَ رجلٌ على نفسه سبيلاً، فإنيِ مُوقِعٌ بكلِ مَن وجدتُهُ متخلِفاً عن مكتبه، عاصياً إمامه، وقد أمرتُ أبا الأسود الدّؤلي بحشركم، فلا يلُم رجلٌ جعل السّبيل على نفسه إلاَ نفسَه ...) (254) .
  قال ابنُ قتيبة : (فحشّد أبو الأسود النّاس بالبصرة ...) (255) .
  وكذلك هو الذي لحِقَ بخوارج البصرة حتّى أخرجهم منها.
  كما جاء في تاريخ الطبري : (أمَا خوارجُ البصرة فإنهَم اجتمعوا في خمسمائة رجل وجعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميميّ، فعلِمَ بهم ابن عبّاس، فاتّبعهم أبو الأسود فلحِقَهم بالجسر الأكبر ...) (256) .
  ونتساءلُ هنا، هل كان توليّ أبي الأسود هذه المناصب في مدَةٍ زمنيّةٍ واحدةٍ، أو في مُدَدٍ متعدِدةٍ وبشكلٍ تدريجيٍ، وهل كان في هذه المدّة قاضياً على البصرة ؟
  الظاهر أنَه في هذه المدّة الزمنيّة لم يتولَ منصبَ القضاء، بل كان القاضي آنذاك هو ابن عبّاس نفسُه ، لأنَ ابن عبّاس كان يمتلك ميزات تؤهّله أنْ يُناط به هذا المنصب، فضلاً عنْ منصب الإمارة، ولا يوجد عارضٌ أو مرجّحٌ لأنْ يُناط منصب القضاء بغيره ، ولذا (قال المدائنيّ : يزعم بنو ليث أنّه استقضى عبد الله بن فضالة، وقال أبو عبيدة : كان ابن عبّاس يُفتِي النّاس ويحكمُ بينهم) (257) .
  وفي فترةٍ من الزّمن كان أبو الأسود كاتباً لابن عبّاس، ما يمتلكه من مقدّمات ومعارف تؤهّله أنْ تُناط به هذه المهمة ، لأنَهُ معروف بالبلاغة والفصاحة والمعرفة وسرعة البديهة، والظاهر أنَ هذا المنصب جاء بعد تولِيه منصب قيادة الشرطة، وإنَ ابن عبّاس أضاف إليه منصبَ الكتابة، كما أكَد هذا المعنى أبو عبيدة معمر بن المثنى، قال : (كان أبو الأسود كاتباً لابن عبّاس على البصرة) (258) ، بعد عزل زياد بن أبيه من منصبِ الكتابةِ وتوليتهِ منصب جمع الخراج والضرائب، فقد جاء في أخبار القضاة : (ثمَ استخلفَ ابنُ عبّاس زياداً على الخراج وأبا الأسود على الصلَاة، فوقع بينهما نفار) (259) .
  أمَا شَغْلُهُ منصبَ القضاء ـ وإنْ كانَ تاريخ زمانِه يشوبُهُ شيءٌ من الخفاء والغموض ، نظراً لما جاء في بعضِ الكُتبِ التاريخيَةِ من التردُدِ والتضارُبِ في توليّ منصب القضاء في زمن حكومة أمير المؤمنين (ع) ـ فقد جاء في أخبار القضاة : (لمّا استُخلف عليُ بن أبي طالب (ع) ولىّ عبدَ الله بن العبّاس البصرةَ، فولىّ عبدُ الله بن عبّاس على القضاء عبدَ الرّحمن بن يزيد الحدّاني، وكان أخا المهلّب بن أبي صفرة أمّه، فلم يزل عبدُ الرّحمن قاضياً عليها أيّام عليِ بن أبي طالب (ع) وطائفة من عمل معاوية، حتى قدم زياد فعزله) (260) .
  وقال أيضاً : قال المدائني : (يزعم بنو ليث أنَه استقضى عبدَ الله بن فُضالة اللَيثي) (261) .
  لكن بعد التأمّل والتّثبّت في ما جاء من الأقوال ينكشف الغموض واخفاء شيئاً فشيئاً ، أنّه لا يمكن أن تصحَ كلُ هذه الأقوال على إطلاقها ، أنَ القول الأوَل القائل بأنَ ابن عبّاس استخلفَ عبدَ الرحمن بن يزيد واستمرَ زمان توليته إلى آخر أيّام عليٍ (ع) ، هذا لا يمكن أنْ يصحَ على إطلاقهِ، لأنَهُ ينافي ما ورد من أنَ ابن عبّاس استقضى أبا الأسود والضّحاك وغيرهم (262) .
  وأمَا القولُ القائل بأنَ ابن عبّاس استقضى عبد الله بن فضالة اللَيثي فهو واضحُ البطلان ، لأنَ عبد الله بن فضالة اللَيثي ـ كما نقل لنا التاريخ ـ كان قاضياً لزياد بن أبيه في فترة حكم معاوية بن أبي سفيان، ولم يكن يوماً قاضياً للإمام أمير المؤمنين (ع) (263) .
  وأمَا القول الآخر القائل بأنَه استقضى الضحّاك بن عبد الله الهلالي بعد عزله أبا الأسود الدؤلي، فإنَ هذا ـ أيضاً ـ يمكن مناقشتُهُ بما يأتي :
  أوّلاً : إنَ التاريخ نقل لنا أنَ الضحّاك بن عبد الله الهلاليّ كان على الشرّطة في تلك الفترة، ولم ينقل أحدٌ أنَه تولىّ القضاء، إلاَ ما نقله ابن حِبّان (264) .
  ثانياً : إنَ ابن حِبّان نفسه ضعَفَ هذا القول ، لأنَه ذكره تحت عنوان (قيل) ، وهو يُشعِرُ بالضعف وعدم القبول.
  ثالثاً : إنَ لابن عساكر كلاماً قريباً من هذا المعنى، وهو أنَ الشخص الذي استخلفه ابن عبّاس هو أيضاً من بني هلال (أخواله) ، إلاَ أنَه شخص آخر (ولعلّه هو الأصح) ، وهو الحارث بن عبد عوف بن أصرم بن عَمرو الهلاليّ، قال : (ثمَ استقضى بعد عُميرة أبا الأسود الديلي، لمّا خرج عبد الله بن عبّاس إلى عليّ خرج معه أبو الأسود الديلي، فاستقضى ابنُ عبّاس مكانَه الحارثَ بن عبد عوف بن أصرم بن عَمرو ... ثمّ قدم ابنُ عبّاس فأقرَ الحارثَ على القضاء واستخلفَ، وكان ابن عبّاس كلمّا خرج عن البصرة استخلف أبا الأسود) (265) .
  فهذا القول صحيحٌ في الجملة.
  فيكون منصب قضاء البصرة في تلك الفترة قد تردَد عليه أكثر من شخصٍ واحدٍ، كما يظهر من كلام ابن عساكر، إذْ نُقِل عن أبي رجاء العطارديّ، قال : (استقضى عبد الله بن عبّاس عُميرة بن بيري بعد عبد الرّحمن بن يزيد، ثمّ استقضى بعد عُميرة أبا الأسود الديلي، لمّا خرج عبد الله بن العبّاس إلى عليٍ خرج معه أبو الأسود الديلي فاستقضى ابن عبّاس، وكان الحارث بن عبد عوف ابن أصرم ...) (266) .
  الظاهر أنَ زمان توليته منصب القضاء كان في سنة 39 هـ ، كما ذكر ذلك الطبري، قال : (وكانت عماّل عليٍ في هذه السنة (أي 39 هـ) على الأمصار الذين ذكرنا، كانوا عماّله في سنة ثمان وثلاثين غير ابن عبّاس، كان شخصَ في هذه السّنة من عملِه بالبرة، واستخلف زياداً، الذي كانَ يُقال له : زيادُ بن أبيه، على الخراج، وأبا الأسود الدؤلي على القضاء) (267) .
  وجاء في أخبار القضاة : (كان ابن عبّاس يُفتي النّاس ويحكم بينهم، وإنَهُ خرج إلى عليٍ (ع) ومعه أبو الأسود الدؤلي وغيره من أهل البصرة، فاستقضى الحارث بن عوف بن أصرم بن عَمرو الهلالي، ثمّ قدِم ابن عبّاس فأقرَ الحارث، وابن عبّاس يتولىّ عامّة الأحكام بالبصرة، ثمّ بعد ذلك كلمّا شخصَ عن البصرةِ استخلفَ أبا الأسود الدؤلي، فكان هو المفتي ـ والقاضي يومئذٍ يُدعى المفتي ـ فلم يزل كذلك حتى قُتلَ عليٌ (ع) سنة أربعين) (268) .
  وهناك شواهد تارخيّة من أحداث وأشعار تدلُ على تولّيه منصبَ القضاء فتةً من الزَمن، فقد رُوي (إنَ أبا الأسود استخلفه ابن عبّاس على قضاء البصرة، فأتُيَ بسارقٍ قد كان معَ المتاعَ في البيت ولم يخُرِجْهُ، فقال أبو الأسود : أعجلتموه المسكين، فضربَه خمسة وعشرين سوطاً وخلىّ سبيلَه) (269) .
  وقال المدائني : إنَ أبا الأسود الدؤلي وليَ أيَام عليِ بن أبي طالب (ع) ، فاختصمَ إليه رجلان، فكان أحدهما نحيفَ الجسم، وكان جَدلِاً فَهمِاً، والآخر ضَخمْاً جهيراً فَدْماً ، (أي عييٌ ثقيلٌ) فاستعلاهُ النحيفُ، فقال أبو الأسود :

تـرى الـمرءَ الـنحيفَ فـتزدريهِ           وفـي أثوابهِ رجلٌ مريرُ (270)

ويُـعـجـبُكَ الـطّـريـرُ فـتـختبرْهُ ؟           فـيُخلِفُ ظـنَكَ الـرّجلُ الـطّريرُ

ومـا عِـظَمُ الـرّجالِ لـهم بزينٍ           ولكنْ زينُها مَجدٌ وخيرُ (271)


  وله أشعار قالها فيمن بلغه أنَ مقضيّاً عليه شكاه، قال صاحب أخبار القضاة : قضى أبو الأسود على رجلٍ فشكاهُ، فبلغهُ، فقال :

إذا كــنـتَ مـظـلـوماً فــلا تـلْـفَ راضـيـاً           عن القوم حتى تأخذَ النَصْفَ واغضَبِ

وإنْ كـنتَ أنـتَ الـطالبُ الـقومَ فاطــــّرِح           مـقالتهم واشـعَب بـهم كـلَ مَـشعبِ

وقـــارب بـــذي عـقـلٍ وبـاعِـد بـجـاهلٍ           جـلـوبٍ عـليك الـشرَ مـن كـلِّ مـجلبِ

ولا تـرمني بـالجَور واصـبِر عـلى التي           بـهـا كـنـتُ أقـضي لـلبعيد عـلى الأبِ

فـإنِّـي امــرؤٌ أخـشـى إلـهـي وأتّـقي           عقابي وقد جرّبتُ مالمَ تُجَرّبِ (272)


  لكن جاء في بعض المصادر التاريخية أنَ أمير المؤمنين (ع) عزل أبا الأسود الدؤلي من القضاء، روى ذلك ابن قدامة في المغني، والنوري في مستدرك الوسائل، وغيرهم، جاء في المغني : (إنَ أمير المؤمنين (ع) ولىَ أبا الأسود الدؤلي القضاء، ثمَ عزله، فقال له : لمَ عزلتَني وما جنيتُ وما خِنتُ ؟
  فقال (ع) : (إنيّ رأيتُ كلامَكَ يعلُو على كلَامِ الخَصمِ) (273) .
  وقد استشهد الفقهاء هذه الرّواية في مسألة جواز عزل القاضي اقتراحاً (من دونِ خَلَل) ، قال صاحب إيضاح الفوائد : (وفي جوازه قولانِ حكاهما الشّيخ الطّوسيّ في المبسوط، منشأهما أنّ أمير المؤمنينَ (ع) ولىّ أبا الأسود، ثمَ عزله، فقال : لمَ عزلتني، ما خنتُ ولا جنيتُ، فقال (ع) : إنيّ رأيتُك يعلو كلامُك على الخصوم ، و (قيل) : إنّ هذا ليس بمنهيٍ عنه فيكونُ عزلُه اقتراحاً ، (وقيل) : علَلَهُ (ع) بأمرٍ فيكون صالحاً للعلّيّة، فلا يكون اقتراحاً) (274) .
  وقد ذكر أصحاب القول الآخر في توجيه الرّواية عدَة وجوهٍ، منها :
  أوَلًا : إنَ الإمامَ (ع) عزل أمراءه وولاته على البلدان، وهكذا القضاة.
  ثانياً : إنَ الامامَ (ع) عمل بولايته الرعيّة، أو إنَ في عزله مصلحةً كلّيَةً، كسكونِ فتنةٍ ونحوه (275) .
  أمَا توليتُه منصب إمارة البصرة، فالظاهر من الكتب التاريخيّة أنَ منصب إمارة البصرة في زمن خلافة الإمام أمير المؤمنين (ع) لم يتولَهُ بعد عثمان بن حنيف إلاّ عبد الله بن العبّاس، وأبو الأسود الدؤلي، وإن جاء في بعض الكتب التاريخيّة ما يوهم أنَ هناك شخصاً ثالثاً اعتلى هذا المنصب في تلك المدّة، وهو زياد بن أبيه، فقد جاء ذكر ذلك في أحداث فتنة ابن الحضرمي التي وقعت سنة 38 هـ ، إذْ ذكر الطبريُ في تاريخه أنَه قال : (حدّثني عمر بن شبّة، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : حدّثنا أبو الذيّال، عن أبي نعامة، قال : لما قُتل محمّد بن أبي بكر بمصر، خرج ابن عبّاس من البصرة إلى عليٍ بالكوفة، واستخلف زياداً، وقدم ابن الحضرمي مِن قِبل معاوية، فنزل في بني تميم ... إلى أنْ قال : ثمَ كتب زياد إلى عليّ : إنَ ابن الحضرمي أقبل من الشام فنزل في دار بني تميم، ونعى عثمان، ودعا إلى الحرب، وبايعته تميم وكلّ أهل البصرة، ولم يبقَ معي من أمتنعُ به، فاستجرتُ لنفسي ولبيت المال صبرة بن شيمان، وتحوّلت فنزلت معهم) (276) .
  لكنّ هذا مجرّد توهّم، وليس من الحقيقة في شيءٍ ، أنَ فتنة ابن الحضرمي إنمَا كانت في سنة 38 هـ ، وفي هذه السّنة لا يزال ابن عبّاس واليّاً على البصرة، ولم يخرج منها إلاّ في سنة 39 هـ ، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك، وغاية ما في الأمر أنَ عبد الله بن العبّاس في تلك السنة لمّا سمع بنبأ مقتل محمّد بن أبي بكر ذهب إلى الكوفة يعزّي الإمام (ع) ، ومن أجل ذلك استخلف زياد بن أبيه على بيت المال والخراج في فترة غيابه وغياب واليه على بيت المال آنذاك، وهو أبو الأسود الدؤلي ، وهذا قال الطبري : إنَ زياد بن أبيه أرسل إلى صبرة بن شيمان الحدّاني، وقال : (ألاَ تجيرني وبيت مال المسلمين، فإنَه فيئُكم وأنا أمين أمير المؤمنين ...) (277) .
  لذا لم يذكر التاريخ لأبي الأسود دوراً بارزاً وواضحاً في تلك الفتنة مثلا كان له دور مميّز في الأحداث التي سبقتها كفتنة الجمل والخوارج.
  والذي يؤكّد هذا المعنى ما جاء في أنساب الأشراف : (واستعمل عليٌ عبدَ الله بن عبّاس رضي الله تعاى عنه على البصرة، واستعمل أبا الأسود على بيت مالها) (278) ، فمع وجود أبي الأسود لا معنى لأنْ يستخلف ابن عبّاس غيره.
  وهذا ذكر المؤرّخون أنَ ابن عبّاس (كلمّا شخص عن البصرة استخلف أبا الأسود) (279) ، ولم يستخلف زياداً إلاَ على بيت المال والخراج لفترةٍ من الزمن، وذلك عند غياب ابن عبّاس وأبي الأسود الدؤلي ، كما حدث هذا في هذه الواقعة (فتنة ابن الحضرمي(، وأيضاً في واقعة صفيّن ، خروج أبي الأسود مع ابن عبّاس لحرب صفّين، فقد جاء في تاريخ مدينة دمشق (استخلف زياداً على الخراج وبيت المال والديوان، وقد استكتبه قبل ذلك، فلم يزل على البصرة حتى قدِم من صفيّن) (280) .
  والأمر الآخر هو أنَ زمان تولية أبي الأسود واستخلافه على البصرة كان في سنة 39 هـ ، أنَه زمان شخوص عبد الله بن عبّاس من البصرة، كما ذكر الطبري ذلك (281) .
  وكذلك ذكرت المصادر التاريخية أنَ ابن عبّاس في السنة نفسها كان قد وجّه زياداً بأمر أمير المؤمنين إلى فارس وكرمان والياً عنه، عندما جاء من عند عليٍ (ع) من الكوفة إلى البصرة (282) ، (أنَ ابنَ عبّاس يومئذٍ كان عامل أمير المؤمنين على البصرة وكور الأهواز وفارس وكرمان) (283) .
  فلهذا لم يكن زياد بن أبيه والياً على البصرة في زمن خلافة الإمام أمير المؤمنين (ع) ، وإنمّا كان واليّاً له على فارس وكرمان من سنة 39 هـ ، إلى زمان شهادته (ع) ، وإنمّا جاءت توليتُه بعد أنْ استشار الإمام (ع) النّاس في رجلٍ يولّيه فارس حين امتنعت بلاد فارس من أداء الخراج، وأخرجوا سهل بن حنيف منها، قال ابن عبّاس لعليٍ (ع) : أكفيك فارس، فقَدِم ابن عبّاس البصرة، ووجَه زياداً إلى فارس في جمعٍ كثيرٍ، فوطئ بهم أهل فارس فأدّوا الخراج (284) .
  لكنّ الإمام (ع) حذّره وتوعّده ، وكتب إليه كتاباً جاء فيه : (وإنيّ أُقسم بالله قسماً صادقاً لئن بلغني أنَك خنت مِن فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدنَ عليك شَدَةً تدعُكَ قليلَ الوفرَ، ثقيلَ الظهر، ضئيلَ الأمر، والسلّام) (285) .
  وهذا قال ابن سعد في الطبقات : (كان عبد الله بن عبّاس لمّا خرج من البصرة استخلف عليها أبا الأسود، فأقرّهُ عليُ بن أبي طالب (ع) ) (286).
  قال صاحب الأغاني : (استعمله عليٌ (ع) على البصرة بعد ابن عبّاس) (287) .
  قال ابن خلّكان : (حُكي عن خليفة بن خيّاط أنَ عبد الله بن عبّاس كان عاملاً لعليّ بن أبي طالب (ع) على البصرة، فلماّ شخصَ إلى الحجاز استخلف أبا الأسود عليها، فلم يزل حتى قُتلَ عليٌ (ع) ) (288).
  والدليل على ذلك خطبتُهُ الشهيرةُ التي رثى بها الإمامَ عليَاً (ع) حين وصل إليه خبر نعيه، وقد تقدّم ذلك.
  إذن تولىّ أبو الأسود مناصبَ حسّاسة وعالية في الحكومة الإسلاميّة، وهي : الكتابة، وبيت المال، وقيادة الشرطة، والقضاء، وإمارة البصرة.

  حياتُهُ الجهاديّة

  لم تقتصر شخصيّة أبي الأسود الدؤلي على الجانب العلميّ والإداريّ، بل كانت له إشراقاتٌ حيويّةٌ ومهمّةٌ في المجال الجهادي، فقد أدّى دوراً بارزاً في حلحلة كثيرٍ من الفتن والمخاطر التي كانت تحُيط بالمجتمع الإسلامي، وخصوصاً بالمجتمع البصريّ ، لذا عدَهُ أكثر أصحاب التراجم من الفرسان والأمراء، قالوا : (أبو الأسود معدودٌ في طبقات النّاس، وهو في كلّها مقدَمٌ مأثورٌ عنه في جميعها، معدودٌ في التّابعين، والفقهاء، والمحدّثين، والشّعراء، والأشراف، والفرسان، والأمراء ...) .
  وقد نقل ذلك كلٌ من الحموي في معجم الأدباء (289) ، الصفدي في الوافي بالوفيات (290) ، وابن حجر في الإصابة (291) ، والبغدادي في خزانة الأدب (292) ، والزّركلي في الأعلام (293) ، والخوانساري في روضات الجنّات (294) ، والأصفهاني في رياض العلماء (295) .
  وقد أثبت المؤرّخون مشاركة أبي الأسود الدّؤلي في الحروب الثلاثة التي خاضها أمير المؤمنين (ع) .
  أمَا حرب الجمل فقد كان له دورٌ بارزٌ منذ بدء شرارتها الأولى، فقد عمل في بداية الأمر مفاوضاً من أجل إخماد نار الفتنة إلاَ أنَ طلحةَ والزبيرَ وعائشةَ أبَوا إلاّ الحرب ، فلذا حذّرهم وهدَدهم بالقتال والحرب، وذلك لمّا قالت عائشة : (لستُ مُنصرفةً حتى أمضي لما قَدِمْتُ له، أ فتظنُ يا أبا الأسود أنَ أحداً يُقدِمُ على قتالي ؟
  قال : أمَا والله لتقاتلِنَ قتالاً أهونُه الشديدُ) (296) .
  وهدّد أيضاً طلحةَ والزبير بقوله :

وإنَ عــلـيّـاً لــكــم مُـصـحِـرٌ           ألاَ إنَــــه اأســــدُ الأســـودُ

أمَـــا إنــهّ ثـالـثُ الـعـابدين           بـــمـــكّــة واللهُ لا يُـــعــبَــدُ

فَـرَخُوا الـخِناق ولا تَـعجلوا           فإنَ غداً لكُم موعدُ (297)


  ثمّ جاء إلى عثمان بن حنيف والي البصرة، وقال له :

يا بنَ حنيفٍ قد أُتِيتَ فانفُرِ           وطاعِن القومَ وجالدْ واصبِرْ

وابــرز لهــا مـسـتلئماً وشمّــر


  فقال ابنُ حُنيف : إيْ والحرمينِ لأفعلنَ، وأمر مناديه فنادى في النّاس : (السّلاحَ السّلاحَ...) (298)
  والذي يدلُ بوضوح على مشاركته في حرب الجمل هو روايتُه بعضَ أحداثِ حرب الجمل، فقد روى المتّقي الهندي في كنز العماّل عن أبي الأسود قال : (لمّا دنا عليٌ وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج عليٌ وهو على بغلةِ رسول الله (ص) ، فنادى : أُدعوا ليَ الزبيرَ بن العوّام ...) (299) .
  وهذا قال كلٌ من الذهبيّ (300) ، والصفديّ (301) ، وابن حجر العسقلانيّ (302) : (قاتَلَ أبو الأسود يوم الجمل مع عليِ بن أبي طالب) .
  وأمّا معركةُ صفيّن فكان أبي الأسود دورٌ مهمٌ، إذ إنَ الإمامَ (ع) أراد أنْ يكون له دور التحكيم إلاَ أنَ النّاس أبَوا ذلك ، لذا جاء في كتب التاريخ أنَه : (لمَا اجتمع أمرُهم على التحكيم فهَمَ (عليٌ) أنْ يُقدِم أبا الأسود الدؤلي فأبى النّاسُ عليه) (303) .
  لذا قال صاحب روضات الجنّات (304) وصاحب رياض العلماء (305) ، وصاحب الأعلام (306) : (شهِد معهُ صفيّن) .
  وكان له دورٌ بطوليٌ واضحٌ في ملاحقة خوارج البصرة، الذين واجههم، فخرج مَن هربَ منهم إلى النهروان، فقد ذكر المؤرّخون : (اجتمعت خوارجُ البصرة في خمسمائةِ رجلٍ عليهم مسعر بن فدكي التميمي، وأتبعهم أبو الأسود الدؤلي بأمر ابن عبّاس ولحقهم، فاقتتلوا حتى حجزَ بينهم اللّيلُ، فأولجَ مسعر بأصحابه فلحقَ بعبدِ الله بن وهب بالنهروان ...) (307) .
  وكذلك هو الذي حشّد أهل البصرة في الشخوص واللُحوق بجيش الإمامِ عليٍ (ع) ، فعندما عزم الإمام أمير المؤمنين على مقاتلةَ أهل الشام كتب إلى ابن عبّاس : (أمَا بعد فإنّا قد خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة، وقد أجمعنا على المسير إلى عدوّنا من أهل المغرب، فاشخص بالنّاس حتّى يأتيك رسولي، وأقم حتى يأتيك أمري، والسلّام) .
  فلماّ قدم عليه الكتاب قرأه على النّاس وأمرهم بالشخوص مع الأحنف ابن قيس، فشخَص معه منهم ألفٌ وخمسمائة رجلٍ، فاستقبلهم عبد الله بن عبّاس، فقام في النّاس، فحمِد الله وأثنى عليه، ثمّ قال : (أمّا بعدُ يا أهلَ البصرة فإنَه جاءني كتاب أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم، فأمرتُكم بالنفير إليه مع الأحنف بن قيس، ولم يشخص معه منكم إلاَ ألفٌ وخمسمائة، وأنتم ستّون ألفاً سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم، ألاَ انفروا معَ جارية بن قدامة السّعديّ، ولا يجعلنَ رجلٌ على نفسه سبيلاً، فإنيَ مُوقِعٌ بكلِ مَن وجدتُهُ مُتخلّفاً عن مكتبهِ، عاصياً لإمامهِ، وقد أمرتُ أبا الأسود الدؤلي بحشركم، فلا يَلُمْ رجلٌ جعلَ السبيل على نفسِه إلاّ نفسَه) ، فخرج جارية فعسكر، وخرج أبو الأسود فحشر النّاس ... ) (308) .
  وكذلك تولىَ إمرةَ مجموعةٍ من جيش البصرة، جاء في البداية والنهاية : أنّ ابن عبّاس بعثَ إلى الإمام إثر الكتاب المتقدّم (بثلاثةِ آلاف ومائتي فارس من أهل البصرة، مع جارية بن قدامة ألفٌ وخمسمائة، ومع أبي الأسود الدؤلي ألفٌ وسبعمائة) (309) .
  فمشاركةُ أبي الأسود الدّؤلي مع أمير المؤمنين (ع) في حروبه الثلاثة واضحةٌ وجليّةٌ لكلِ مَن راجع التّاريخ ، لذا قال صاحب الذريعة (رحمه الله) في ترجمة أبي الأسود الدُؤليّ : (ظلام بن عَمْرو بن سفيان بن جندل الدُؤليّ التابعيّ الذي شَهِدَ حروبَ أمير المؤمنين (ع) ) (310) .

  موقفُه من واقعة الطفّ

  لقد كانت المدَة التي عاشتها شيعة آل البيت (ع) في زمن حكومة معاوية ويزيد بن معاوية قاسيةً جدّاً، إذْ صبَ معاوية بن أبي سفيان غضبه وحقده على شيعة العراق خصوصاً، والمتمثّلة آنذاك بالكوفة والبصرة، وكان لشيعة البصرة الحظُ الأوفر من ذلك ، لأنهَم آزروا الإمام أمير المؤمنين (ع) في حروبه الثلاثة (الجمل وصفيّن والنهروان) .
  لذا عاش شيعة البصرة الاضطهاد السياسي والاجتماعي من قِبَل الأموين وأعوانم في هذه الحقبة الزمنيّة، حتى وصل الأمر بهم أن يكونَ حلُ اجتماعهم في دار امرأةٍ صالحةٍ توفيّ زوجها وأولادها خوفاً من سلطة عبيد الله بن زياد وبطشه، وهو الذي عُرف بحقدِه وجبروته على شيعة عليّ بن أبي طالب (ع) ، فأصبح الشيعيُ البصريُ في تلك الفترة محارَباً على هويّته المذهبيّة، مَقصِيَاً عن كثيرٍ من الامتيازات والاستحقاقات السياسيَة والاجتماعيّة، ومن هؤلاء الشيعة أبو الأسود الدؤلي (رحمه الله) ، الذي أصبح يعيش موضعَ سخريةٍ وانتقاصٍ من الحزب الأمويّ وأعوانه، يعترضُ أحدُهم طريقَهُ ويسخرُ منه، وآخر يرميه بالحجارة، وآخر يقذفهُ بكلماتٍ نابيةٍ، وآخر يتّهمه بأمورٍ مُشينةٍ ، لذا أُجبرِ كثيرٌ من الشيعة على العمل بالتقيّة والتورية في بعض الأحيان، كما ظهر في بعض أحواله من مجالسته بعضَ الولاة الظالمين، ومخاطبته إيَاهم بإمرةِ المؤمنينَ، فضلاً عن الإجراءات الأمنيّة التي فرضتها السُلطة الأمويّة، فقد نقل لنا التاريخ أنَ عبيد الله بن زياد أمر بسدِ منافذ مدينة البصرة وطرقها ، حتى لا يدع أحداً يلج إليها، ولا أحداً يخرج منها، وهذا الأمر حال دون خروج أهل البصرة لنصرة الإمام الحُسين (ع) ، كما حصل مع يزيد بن مسعودٍ النهشيّ (311) .
  والأمرُ الآخر الذي حال دون نصرة الإمام الحُسين (ع) هو أنَ أبا الأسود الدؤلي أُصيب في أواخر حياته بمرض الفالج، كما نقل التاريخ ذلك (312) .
  وهذا السؤالُ مطروحٌ على كلِ الصّحابة الأجلّاء الذين كانوا في تلك الفترة، ولم يوفّقوا لنصرة الإمام الحُسين (ع) ؟ لكن في الواقع كان هذا حالهم، ولذلك عمل كثير من الشخصيّات الاّمعة والموالية لأهل البيت (ع) بالتقيّة في تلك الفترة، كما صرّح بذلك السّيّد شرف الدين في المراجعات، قال : (... والذين أخلدوا إلى التقيّة خوفاً وضعفاً كالأحنف بن قيس، والأصبغ بن نباتة، ويحيى بن يعمر أوَل مَن نقَطَ الحروفَ، والخليل بن أحمد مؤسّس علم اللُغة والعروض، ومعاذ بن مسلم الهرّاء واضع علم الصرف، وأمثاهم مَن يستغرق تفصيلهم المجلّدات الضَخمة) (313) .

حياتُهُ الاجتماعيّةُ

  حاز أبو الأسود الدُؤليّ مكانةً اجتماعيّةً مرموقةً في الوسط الاجتماعيِ ، بسبب المؤهلّات الكثيرة التي يمتلكها، فقد حظي بمنصبٍ اجتماعيٍ مهمٍ، إذْ كان سيّدَ بني الدّيل، وشيخهم، ووجيهاً من وجهائهم، روى ذلك أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني، قالَ : (حدَثنا أبو عكرمة، قال : كانَ بينَ بني الدِيل وبينَ ليث منازعة، فقتلت بنو الديل منهم رجلاً، ثمَ اصطلحوا بعدَ ذلك على أنْ يؤدُوا ديَتَهُ، فاجتمعُوا إلى أبي الأسود يسألونَه المعاونة على أدائها، وألحَ عليه غلامٌ منهم ذو بيانٍ وعارضةٍ، فقال له : يا أبا الأسود ، أنت شيخُ العشيرة وسيّدُهم، وما يمنعُك من معاونتهم قلّةُ ذات يدٍ ولا سؤددٍ ولا جُود) (314) .
  ويبدو أيضاً أنَه كان رجلاً ثريّاً موسرِاً ذا مالٍ، كما تقدّم هذا المعنى في رواية أبي عكرمة.
  وكان أبو الأسود معروفاً بحسن السِيرة والعلم والعقل والعدالة ، لذا كانت النّاس ترجع إليه في حلِ بعضِ الخصومات والخلافات، روى الأصمعيُ ذلك فقال : (كان أبي الأسود الدؤلي صديقٌ من بني تميم، ثمَ من بني سعد يُقال له مالك بن أصرم، وكانت بينه وبين ابن عمٍ له خصومة في دارٍ له، وإنهمّا اجتمعا عند أبي الأسود فحكمَاه بينهما، فقال له خصم صديقه : إنيّ بالذي بينك وبينه عارفٌ، فلا يحملنَك هذا على أنْ تحيفَ عليَ في الحكم، وكان صديق أبي الأسود ظالماً، فقضى أبو الأسود على صديقه لخصمهِ بالحقّ، فقال صديقهُ : والله ما باركَ الله لي في صداقتك، ولا نفعني بعلمك وفقهك، ولقد قضيتَ عليَ بغير الحقّ، فقال أبو الأسود :

إذا كــنـتَ مـظـلـوماً فــلا تُـلـفَ راضـيـاً           عن القوم حتى تأخذ النَصفَ واغضَبِ

وإنْ كـنـتَ أنـتَ الـظالمَ الـقوم فـاطَرِحْ           مـقالتهم واشـغب بـهم كـلَ مـشغبِ

وقــــارِب بـــذي جــهـلٍ وبــاعِـد بــعـالٍ           جـلوبٍ عـليك الـحقَ مـن كـلِّ مَـجلبِ

فـإنْ حدبوا فاقعَس وإن هم تقاعَسوا           لـيـسـتـمـكنوا مـــمَــا وراءك فــاحــدَبِ

ولا تـدعُني لـلجور واصـبر عـلى التي           بـهـا كـنتُ أقـضي لـلبعيد عـلى أبـي

فـإنَّـي امــرؤ أخـشـى إلـهـي وأتّـقي           معادي وقد جرّبتُ مالم تجرّبِ (315)


  وكذلك يظهر من بعض أحواله أنَه كان رجلاً مرفَهاً ، لأنّه كان صاحبَ عبيدٍ وإماء، فقد روي أنَه اشترى أمَةً للخدمة، فجعلتْ تتعرّضُ منه للنكاحِ وتتطيّبُ وتشتملُ بثوبها، فدعاها أبو الأسود ، فقال لها : اشتريتُك للعمل والخدمة، ولم أشتركِ للنكاح، فأقبلِي على خدمتِك، وقال فيها :

أصــــــلاحُ إنـــــيّ لا أُريـــــدك لــلـصِـبـا           فدعي التّشمُلَ حولنا وتبذَلي (316)
إنـــــي أُريـــــدُكِ لـلـعـجـينِ ولــلـرَحـى           ولــحـمـلِ قـربـتـنـا وغَــلــي الــمِـرجَـلِ

وإذا تـــــروَحَ ضــيــفُ أهــلــك أو غــــدا           فـخذي لآخـر أهبةَ المستقبلِ (317)


  وكذلك روى المدائني : (كان أبي الأسود الدؤلي مولىً يُقال له نافع ويكنّى أبا الصباح، فذُكرت أبي الأسود جاريةٌ تُباع، فركب فنظر إليها فأعجبتهُ، فأرسل نافعاً يشترها له، فاشتراها لنفسه وغدر بأبي الأسود، فقال قي ذلك :

إذا كـــنـــتَ تــبــغـي لــلأمــانـةِ حـــامــلاً           فـــدَع نـافِـعـاً وانــظُـر لــهـا مَــن يُـطـيقها

فـــإنَ الـفـتى خِــبٌ (318) كــذوبٌ وإنَــهُ           لــــه نــفــسُ ســـوءٍ يـحـتـويها صـديـقُـها

مـــتــى يـــخــلُ يــومــاً وحــــدَه بــأمـانـةٍ           تُــــغَـــلُ جــمــيــعـاً أو يُــــغَـــلُ فــريــقُـهـا

عــلــى أنَــــه أبــقــى الــرّجـال سـمـانـة           كما كلُ مِسمانِ الكِلاب سروقُها (319)


  وكذا يظهر من بعض أحواله أنّه كان يمتلك في داره بعض الأنعام، من مواشٍ وإبل ، وقد نقل صاحب الأغاني بعض الحوادث التي تشير إلى ذلك، منها :
  ما رواه في جارٍ له ساومَهُ على شراء لقيحة :
  (قال كان أبي الأسود جارٌ يُقال له وَثاق من خزاعة، وكان يحبُ اتخاذ اللقاح ويغالي بها ويصفها، فأتى أبا الأسود وعنده لِقْحة (320) غزيرة، يقال لها الصَفوف، فقال له : يا أبا الأسود ما بلِقْحتِكَ بأس لولا عيب كذا وكذا، فهل لك قي بيعها ؟
  فقال أبو الأسود : على ما تذكر فيها مِن العيب ؟ فقال : إنيِ أغتفر ذلك لها لما أرجوه من غزارتها، فقال له أبو الأسود : بئست الخلّتان فيك، الحِرص والخِداع، أنا لِعَيبِ مالي أشدُ اغتفاراً، وقال :

يــــريــــدُ وَثــــــــاقٌ نـــاقــتــي ويــعــيـبـهـا           يــخـادعـنـي عــنـهـا وَثــــاقُ بــــن جــابــرِ

فــقــلــتُ : تــعــلَــم يــــــا وثــــــاقُ بــأنَــهـا           عـلـيـك حــمـى أخـــرى الـلَـيالي الـغـوابرِ

بــصــرتُ بــهــا كــرمــاءَ حــوســاءَ جَــلــدةً           مــــن الـمـولـيـات الــهــامَ حـــدّ الـظـواهـرِ

فــحـاولـتَ خَــدعــي والــظـنـون كــــواذبُ           وكم طامعٍ في خَدعتي غير ظافِرِ (321)

  وكذلك روي أنَ جاره كان حسده على تلك الأنعام :
فقد حُكِيَ أنَه (كان أبي الأسود جارٌ حسدهُ وتبلغهُ عنه قوارص، فلماَ باع أبو الأسود داره في بني الدِيل، وانتقل إلى هذيل، قال جار أبي الأسود لبعض جيرانه من هذيل : هل يسقيكم أبو الأسود من ألبان لِقاحه ؟ ـ وكانت ما تزال عنده لَقْحة أو لَقْحتان ـ وكان جارُه هذا يُصيبُ مِنَ الشرَاب، فبلغ أبا الأسود قوله، فقال فيه :

إنَ امــــــرأً نُــبـئَـتـهُ مـــــن صــديـقـنـا           يُـسائل هل أسقِي من اللَبَنِ الجَارا

وإنِـيّ لأسـقِي الـجار فـي قصرِ بيتهِ           وأشـــربُ مـــا لا إثـــمَ فـيـه ولا عــارا

شــرابـاً حــلالاً يـتـرك الـمـرءَ صـاحـياً           ولا يتولىّ يَقلِسُ الإثمَ والعارا (322)

  والظاهر من بعضِ أحوالِهِ أنَه كان يعيشُ في بيئةٍ تُعاديه، إمَا حسداً له، أو حِقداً وبُغضاً لعقيدته وولائه أهلَ البيت (ع) ، فقد نقلت المصادر التاريخية أنَ له دارين، دارٌ في بني الديل الذين هم رهطُهُ وقومُهُ كانوا يؤذونه برميهِ بالحجارةِ كلَ مساءٍ حتى وصلت أذيَتُهم له إلى حدٍ يجبُرُ بها على بيع داره.
  قال أبو الفرج الأصفهاني : قال المدائنيّ : حدّثني أبو بكر الهذلي، قال : كان لأبي الأسود جارٌ من بني حُليس بن يَعمر بن نفاثة بن عدي بن الدّيل، من رهطه دِنية، ومنزل أبي الأسود يومئذٍ في بني الدّيل، فأولع جارَه برميه بالحجارة كلمّا أمسى، فيؤذيه، فشكا أبو الأسود ذلك إلى قومه وغيرهم، فكلّموه ولاموه، فكان ما اعتذر به إليهم أنْ قال : لستُ أرميه، وإنمّا يرميه الله ، لقطعه للرحم، وسرعته إلى الظلم، وبخلِه بمالِه، فقال أبو الأسود : والله ما أُجاور رجلاً يقطع رحمي، ويكذب على ربيّ، فباع داره واشترى داراً في هذيل، فقيل له : يا أبا الأسود، أبِعت دارك ؟ قال لم أبِع داري ولكن بِعتُ جاري، فأرسلها مثلاً، وقال في ذلك :

رمــانــي جـــاري ظـالـمـاً بـرمـيَـةٍ           فـقـلتُ لــه مـهلاً فـأنكَرَ لـما أتـى

وقــال : الــذي يـرمـيك ربُـك جـازياً           بـذنبك والـحَوباتُ تـعقِبُ مـا تـرى

فـقـلـتُ لــه : لــو أنَ ربِــي بـرمـيةٍ           رمـاني لـما أخـطا إلـهي لما رمى

جزى الله شرّاً كلَ من نال سوءة           ويَـنـحلُ فـيـها ربَــه الـشرَ والأذى

  وقال فيه أيضاً :

لـحى اللهُ مولى السُوء لا أنت راغبٌ           إلـــيـــه ولا رامٍ بـــــه مَـــــنْ تــحــاربُـهْ

ومــا قُــرْبُ مـولـى الـسُـوء إلا كـبُعدهِ           بل البُعدُ خيرٌ من عدوٍّ تصاقبُهْ (323)

  فالظاهر أنَ جارَه هذا كان يُعاديه حسداً له على ما أنعم اللهُ عليه من النّعم والخيرات، وكانت له دارٌ أخرى في بني قُشير، التي كانت امرأته أمّ عوفٍ منهم، وكانوا عثمانيّي الهوى ، لذا كانوا يعادونه ويؤذونه لعقيدتِهِ ومذهبِهِ.
  فقد حكى ذلك أبو الفرج الأصفهاني، قال : (كانَ أبو الأسود الدؤلي نازلاً في بني قُشير، وكانت بنو قُشير عثمانيّة، وكانت امرأتُه أمّ عوفٍ منهم، فكانوا يؤذونه ويسبُونه وينالون من عليٍ (ع) بحضرته ليغضبوه به، ويرمونه باللَيل، فإذا أصبح قال لهم : يا بني قُشير، أيُ جوارٍ هذا ؟ فيقولونَ لهُ : لمَ نرمِكَ، إنمَا رماك اللهُ لسُوءِ مذهبِكَ وقُبحِ دينِك) (324) .
  فبعد هذا العَرض الموجز مِن حياته الاجتماعيّة يصبح الجواب واضحاً حول ما ألصقهُ بعضُ الكُتّاب المغرضين في شخصيّة أبي الأسود من أشياء وصفات لا تليق بشأنه وجلالة قدره، من بخلٍ وغيره، ومّا يترفّع الباحث عن ذكرها، فما ذلك إلاَ حسدٌ له وحقدٌ عليه ، لعذوبة مذهبه وعقيدته، وحقانيَتهِ في قول الحقّ والعمل به من دون مجاملةٍ ومحاباة.
  مع ذلك لم يكن منزوياً عن المجتمع، بل كان يعيش حياته اليوميّة، ويتواصل في أداء واجباته الاجتماعيّة والعرفيّة والدينيّة، واهتماماته اليوميّة، فكان يخرج كلَ يوم إلى المسجد ويؤدّي به واجباته ويلقي به دروسه، ويستمع من خلال ذلك إلى أخبار النّاس، وكان يزور أصدقاءه وأرحامه ويشتري حاجاتِهِ من السّوق، هذه سيرتُه الاجتماعيّة في أواخر حياته، كما نقل ذلك عنه أبو الفرج الأصفهاني، قال : (أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي، قال : حدّثنا الريّاشي عن محمّد بن سلام، قال : كان أبو الأسود الدؤلي قد أسنَ وكبر، وكان مع ذلك يركب إلى المسجد والسّوق، ويزور أصدقاءه، فقال له رجلٌ : يا أبا الأسود، أراك تُكثِر الركوب وقد ضعُفت عن الحركة وكبرت، ولو لزمت منزلك كان أودع لك.
  فقال له أبو الأسود : صدقتَ، ولكنَ الركوب يشدُ أعضائي، وأسمعُ من أخبار النّاس ما لا أسمعه في بيتي، و أستنشي الريح، وألقى إخواني، ولو جلستُ في بيتي لاغتمَ بي أهلي، وأنِس بي الصّبي، واجترأ عليَ الخادم، وكلّمني من أهلي مَن يهابُ كلامي، لإلفهم إيّاي، وجلوسهم عندي، حتى لعلّ العنز أنْ تبول عليَ فلا يقول لها أحد : هُس) (325) .
  وقد ذكرت المصادر التاريخية أنَ لأبي الأسود الدؤلي أسفاراً إلى مختلف البلدان، لكنّها لم تذكر تفاصيلها وأسبابها ودواعيها، فمِن تلك الأسفار :

  1 ـ سفرُه إلى بلاد فارس :
  نقل أبو الفرج الأصفهاني سفر أبي الأسود الدؤلي إلى بلاد فارس، فقال : أخبرني عمّي، قال : حدّثنا الكرّاني عن ابن عائشة، قال : أراد أبو الأسود الدؤلي الخروج إلى فارس، فقالت له ابنتُه : يا أبتِ إنَك قد كبرت، وهذا صميم الشتاء، فانتظر حتى ينصرم وتسلك الطريق آمناً، فإنيّ أخشى عليك، فقال أبو الأسود :

إذا كــــنـــتَ مــعــنـيّـاً بـــأمـــرٍ تُـــريـــده           فــمــا لـلـمِـضـاءِ والــتـوكّـل مـــن مِــثْـلِ

تـــوكّــل وحـــمّــل أمـــــرك الله إنَ مــــا           تُـــرادُ بـــهِ آتـيـكَ فـاقـنع بــذي الـفـضلِ

ولا تـحـسـبـنَ الـسَـيـرَ أقـــربَ لــلـردى           مـن الـخفضِ فـي دار الـمقامةِ والثَملِ

ولا تـحـسبيني يــا بـنتي عـزَ مـذهبي           بــظـنّـك، إنَ الــظـنَ يــكـذِبُ ذا الـعـقـلِ

وإنــيّ مــلاقٍ مــا قـضـى الله فـاصبري           ولا تـجـعلي الـعِـلمَ الـمحقَق كـالجهلِ

وإنَــــك لا تــدريــن هــــل مــــا أخــافــه           أبـعـديَ يـأتـي فــي رحـيـلي أو قـبلي

وكـــــم قــــد رأيــنــا حــــاذراً مُـتـحـفّـظاً           أُصيبَ وألفته المنيّةُ في الأهلِ (326)

  2 ـ سفرُه إلى بلاد الشام :
  روى ابن عساكر أحداث سفرته تلك، قال : (قدم أبو الأسود الديلي على معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل عليّ (ع) ، وقد استقامت له البلاد، فأدنى معاوية مجلسَه وأعظمَ جائزته، فحسده عَمرو بن العاص، فقدم على معاوية فاستأذن عليه في غير مجلس الإذن، فأذِنَ له، فقال له معاوية : يا أبا عبدالله، ما أعجلَك قبلَ وقتِ الإذن ؟ فقال : يا أميرَ المؤمنينَ، أتيتُك لأمرٍ قد أوجعني وأرَقني وغاظني، وهو مِن بعد ذلك نصيحةٌ أمير المؤمنين.
  قال : وما ذاك يا عَمْرو ؟ قال : يا أميرَ المؤمنين، إنّ أبا الأسود رجلٌ مفوّهٌ، له عقلٌ وأدبٌ، من مثله الكلام يذكر، وقد أذاع بمصرك من الذكر لعليٍ والبغض لعدوِه، وقد خشيت عليك أن يترى (327) في ذلك حتى يؤخذَ بعنقك، وقد رأيتُ أن تُرسل إليه فترُهِبهُ وتُرعِبهُ وتَسبْرُهُ وتخبَرَهُ، فإنَك من مسألته على إحدى خبُرتين، إمَا أنْ تبدي صفحته فتعرف مقالتَه، وإمَا أن يستقبلك فيقول ما ليس من رأيه، فيحتمل ذلك عنه، فيكون لك في ذلك عاقبةُ صلاحٍ إن شاء اللهُ تعالى.
  فقال له معاوية : أمَ والله لقلّ ما تركتُ رأيا لرأي امرِءٍ قطّ إلاّ كنتُ فيه بين أن أرى ما أكره، ولكن إنْ أرسلتُ إليهِ فساءلتُهُ فخرج من مُساءلتي بأمرٍ لا أجدُ عليه مُقدّماً ويملأني غيظاً لمعرفتي بما يريد، وإنَ الأمر فيه أن يقبل ما أبدى من لفظه، فليس لنا أنْ نشرح عن صدره وندع ما وراء ذلك يذهب جانباً.
  فقال عمرو : أنا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفّين، وقد عرفت رأيي، ولستُ أرى خلافي، وما آلوك خيرا ، فأرسِلْ إليه ولا تفرِش مهاد العجز فتتخذه وطيئاً.
  فأرسلَ معاوية إلى أبي الأسود، فجاءه حتى دخل عليه فكان ثالثاً، فرحّب به معاوية، وقال : يا أبا الأسود ، خلوتُ أنا وعَمرو فتناجزنا في أصحاب محمّد (ص) ، وقد أحببت أنْ أكون مِن رأيك على يقين.
  قال : سَلْ يا أمير المؤمنين عماّ بدا لك.
  فقال : يا أبا الأسود، أيهُم كان أحبُ إلى رسول الله (ص) ؟ فقال : أشدُهم كان حبّاً لرسول الله (ص) ، وأوقاهم له بنفسه.
  فنظر معاوية إلى عَمرو، وحرّك رأسه ثمّ تمادى في مسألته، فقال : يا أبا الأسود، فأيهُم كان أفضلهم عندك ؟ قال : أتقاهم لربِه، وأشدُهم خوفاً لدينه.
  فاغتاظ معاوية على عَمرو، ثمَ قال : يا أبا الأسود، فأيهُم كانَ أعلم ؟ قال : أقولَهُم للصّواب، وأفصلهم للخطاب.
  قال : يا أبا الأسود، فأيهُم كانَ أشجع ؟ قال : أعظمُهم بلاءً، وأحسنُهم عناءً، وأصبرهم على اللِقاء.
  قال : فأيهُم كان واثقاً عنده ؟ قال : مَن أوصى إليه فيما بعده.
  قال : فأيهُم كان للنبيِ (ص) صديقاً ؟ قال : أولَهُم به تصديقاً.
  فأقبل معاوية على عمرو وقال : لا جزاك الله خيراً، هل تستطيع أنْ تردَ مّا قال شيئاً ؟ فقال أبو الأسود : إنيّ قد عرفتُ مِن أينَ أتيتَ فهل تأذنُ لي فيه ؟ فقال : نعم، فقل ما بدا لك.
  فقال : يا أمير المؤمنين، إنَ هذا الذي ترى هجا رسول الله (ص) بأبياتٍ من الشعر، فقال رسول الله : اللَهم إنيّ لا أُحسنُ أن أقول الشعر فالعن عمراً بكلّ بيتٍ لعنةً، أفتراه بعد هذا نائلاً فلاحاً أو مدركاً رباحاً وأيم الله إنّ امرأ لم يعرف إلا بسهمٍ أُجيلَ عليه فجال لحقيقٌ أن يكونَ كليلَ اللسان ضعيفَ الجنان، مستشعراً للاستكانة، مقارناً للذُلّ والمهانة، غير وَلوج فيما بين الرجال، ولا ناظر في تسطير المقال، إن قالت الرجال أصغى، وإنْ قامت الكرام أقعى، متعيّصٌ لدينه لعظيم دينه، غير ناظرٍ في أبهة الكرام، ولا منازع لهم، ثمَ لم يزل في دُجنةٍ ظلماءَ مع قلّةِ حياءٍ، يعامل الناس بالمكر والخداع، والمكر والخداع في النار.
  فقال عَمرو : يا أخا بني الدئل، والله إنَك أنتَ الذليلُ القليل، ولولا ما تمُتُ به من حسبِ كنانة لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الحِدية (328) ، غيرَ أنّك بهم تطول، وبهم تصول، فلقد استطبت مع هذا لساناً قوّالاً، سيصير عليك وبالاً، وأيمُ اللهِ إنَك أعدى النّاس لأمير المؤمنينَ قديماً وحديثاً، وما كنتَ قطُ بأشدَ عداوةً له منك السّاعة، وإنَك لتوالي عدوّه وتعادي وليّه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليقطعَنّ عنه لسانك، وليخرجَنّ من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطْراقَ الأفعوان في أصل الشجرة.
  فتكلّم معاوية فقال : يا أبا الأسود، أغرقت في النزع ولم تدع رجعة لصلحك.
  وقال لعَمرو : فلم تغرق كما أغرقت ولم تبلغ ما بلغت، غير أنَه كان منه الابتداء والاعتداء، والبادي أظلم، والثالثُ أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره وقومَا غيرَ مطرودين، فقام عَمرو وهو يقول :

لعمري لقد أعيى القرون التي مضت           تــحــوّل عــــشّ فـــي الــفـؤاد كـمـيـن


  وقام أبو الأسود وهو يقول :

ألاَ إنَ عـمـراً رامَ لـيثَ خـفيَةٍ           وكيفَ ينالُ الذئبُ ليثَ عرين


  فانصرفا إلى منازلهما، وذاع حديثهما في البلاد، فبينما أبو الأسود في بعض الطريق لقيه شابٌ من كلب يُقال له كليب بن مالك شديد البغض لعليٍ وأصحابه شديد الحبّ لمعاوية وأصحابه، فقال له : يا أبا الأسود، أنت المنازع عَمراً أمس بين يدَي أمير المؤمنين ؟ أمَا والله لو شَهِدْتُكَ لأغرقتُ جبينك، فقال له أبو الأسود : مَن أنت يا بن أخي الذي بلغ بك خطرُكَ كلَ هذا ؟ ومّمن أنت ؟، قال : أنا ممّن لا ينكر، أنا امرؤٌ من قضاعة، ثمّ من كلب ،ثمّ أنا كليب بن مالك، فقال أبو الأسود : أراك كلباً من كلب، ولا أرى للكلب شيئاً إذا هو نبحَ أفضل من أن يقطع بأخسأ فأخسأ، ثمّ أخسأ كلباً، فانصرفَ وخلاّه ...) (329) .

  3 ـ سفرُه إلى الحجاز :
  وقد روى العلاّمة المجلسي أحداثُ سفرتِه هذه، فقال :
  (وروي أنَ معاوية نظر إلى الحسن بن علي (ع) وهو بالمدينة، وقد احتفَ به خلقٌ من قريش يعظِمُونَه، فتداخله حسدٌ، فدعا أبا الأسود الدئليّ والضحّاك ابن قيس الفهريّ، فشاورهما في أمر الحسن والذي يهمُ به من الكلام.
  فقال له أبو الأسود : رأيُ أميرِ المؤمنين أفضلُ، وأرى أنْ لا تفعل، فإنَ أمير المؤمنين لم يقل فيه قولاً إلا أنزله سامعوه منه به حسداً، ورفعوا به صعداً، واحسن ـ يا أمير المؤمنين ـ معتدلٌ شبابُهُ، أحضر ما هو كائنٌ جوابُه، فأخاف أنْ يردَ عليك كلامك بنوافذ تردع سهامَك، فيقرع بذلك ظنونَك ويُبدي به عيوبَك، فإذا كلامك فيه صار له فضلاً وعليك كلَاًّ، لا أنْ تكون له عيباً في أدبٍ أو وقيعةٍ في حسبٍ، وإنَه لهو المهذَب، قد أصبح من صريح العرب، في غيرّ لُبابها، وكرمِ محتدها، وطِيب عُنصرها، فلا تفعل يا أمير المؤمنين.
  ثمّ قال الضحّاك بن قيس الفهري : أمضِ يا أمير المؤمنين فيه رأيك، ولا تنصرف عنه بأيك (330) ، فإنّك لو رميته بقوارص كلامك، وحكم جوابك لقد ذلَ لك كما ذلَ البعير الشارف من الإبل، فقال : أفعل.
  وحضرت الجمعة، فصعد معاوية المنبر، فحمِد الله وأثنى عليه، وصلىّ على نبيّه (ص) ، وذكر عليَ بن أبي طالب فتنقّصَهُ، ثمّ قال : أيهُا النّاس إنَ شيبةً من قريش ذوي سفهٍ وطيشٍ، وتكدّرٍ من عيشٍ، أتعبتهم المقادير، اخذ الشيطان رؤوسهم مقاعد، وألسنتهم مبارد، فباض وفرّخ في صدورهم، ودرج في نحورهم، فركب بهم الزّلَل، وزيّنَ لهم الخَطَل، وأعمى عليهم السُبُل، وأرشدهم إلى البغي والعدوان، والزور والبهتان فهم له شركاء، وهو لهم قرين، و مَن يكُن الشيطان له قريناً فساء قريناً، وكفى بي لهم مؤدّباً، والمستعانُ الله.
  فوثب الحسن بن علي (ع) وأخذ بعضادةِ المنبر، فحمِدَ اللهَ وصلىّ على نبيّه، ثمَ قال : أيهُا النّاس مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ ابن أبي طالب، أنا ابنُ نبيّ الله، أنا ابنُ مَن جُعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن السّراج المنير، أنا ابن البشر النذير، أنا ابن خاتم النبينّ وسيّد المرسلين، وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين، أنا ابنُ مَن بُعِثَ إلى الجنّ والإنس، أنا ابن مَن بُعِثَ رحمةً للعالمين.
  فلماّ سمع معاوية كلامَه غاظهُ منطِقُهُ وأراد أنْ يقطعَ عليه، فقال : يا حسن عليك بصفة الرُطَب، فقال الحسن (ع) : الرّيحُ تُلقحُه، والحرُ يُنضجُه، واللَيل يبرّده ويطيّبه لي رُغم أنفِكَ يا معاوية، ثمَ أقبل على كلامه، فقال : أنا ابن المستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوَل مَن ينفض رأسه من التراب، ويقرع بابَ الجنّة، أنا ابن مَن قاتلت المائكة معه ولم تقاتل مع نبيّ قبله، أنا ابنُ مَن نصُرِ على الأحزاب، أنا ابنُ مَن ذلَت له قُريشٌ رغماً ... إلى أن قال : أنا ابن مَن ساد العرى كرماً ونبلاً، أنا ابن مَن ساد أهل الدنيا بالجُود الصادق، والفرع الباسق، والفضل السابق، أنا ابن مَن رِضاهُ رضى الله، وسخطُهُ سخطُ الله، فهل لك أن تساميه يا معاوية ؟ فقال : أقول : لا تصديق لقولك، فقال الحسن (ع) : الحقُ أبلج، والباطلُ لجلج، ولن يندم مَن ركب الحقَ، وقد خاب مَن ركب الباطل، والحقّ يعرفه ذوو الألباب، ثمَ نزل وأخذ بيد الحسن، وقال : لا مرحباً بمَن ساءك) (331) .

  4 ـ سفرُه إلى الكوفة :
  روى ذلك ابن عساكر عن محمّد بن يونس النحوي، قال : (قال أبو الأسود الدّيلي : ركبتُ سفينةً أنا وعمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة، فسرِنا ثمانينَ، ما مرَ بنا يومٌ إلاَ ونحنُ نتناشدُ فيه الشعر) (332) .

حياتُه بعدَ شهادةِ الإمامِ عليٍّ (ع)

  قال أحدُ الباحثين : (إنَ أبا الأسود الدؤلي اعتزلَ العملَ بعد مقتل الإمام (ع) ، بل عُزِلَ في عهد الأمويينّ، لما يُعرَفُ مِن تشيُعهِ ومواقفه تجاه معاوية أيَام خلافة أمير المؤمنين (ع) ، فكان لابدَ من عزله حين تبينَ للأمويين عدم إمكان ابتعاده عن الولاء لأهل البيت (ع) بشتّى وسائل الإغراء والترهيب.
  وخلال هذه الفترة ظلَ أبو الأسود ملتزماً وفيَاً لولائه وتشيّعه، وحين تسمح له الفرصُ يحاول نشر معتقداته ودفع الشبهات التي يُثيرها الخصوم، وحاول مناقشتهم بما يملكه من قوة بيانٍ وسعةِ ثقافةٍ وعمقٍ في الفكر، ويُعبرّ عن ذلك بالنثرِ تارةً، وبالشعر أخرى ... إلى أنْ قال : إنَه خلال هذه الفترة ربمّا استعمل التقيّة والمرونة مع معارضي أهل البيت (ع) ، وربمَا حضر مجالسهم وبيوتهم، ولكن لم يتنازل بذلك عن عقيدته وولائه ... فانقطع للعلم والفتيا وتبصير النّاس في أمور دينهم ودنياهم، وتعليم العربيّة ودقائقها، والضوابط النحويّة التي وضعها، وعقد مجلساً لذلك في جامع البصرة، فكان يذهب إلى ذلك الجامع رغم كبِرَ سنّه ومرضه.
  وهذه الفترة من حياته ـ كما يبدو من التاريخ ـ حافلة بالنشاط الفكريّ والثقافيّ، بعد أنَ جُرِدَ من كلِ منصبٍ سياسيٍ، فواصل بحوثَهُ النحويَةَ والأدبيّة والدينيّة) (333) .

وفاته

  اختلف المؤرّخون في سنة وفاته (رضي الله عنه) ، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن عام ولادته، فقد أطلق البعض منهم القول ولم يحدّده، فقال : (توفيَ في ولاية عبيد الله بن زياد) (334) .
  وآخرُ قال : (توفيَّ بالطاعون الجارف سنة سبعٍ وستيّن على الأصحّ) (335) .
  وثالثٌ قال : (ماتَ بالطاعون الجارف سنة تسع وستبّن وهو الصحيح) (336) .
  ورابع قال : (مات قبل ذلك، وقال أبو الفرج الأصفهاني : (وهو أشبه القولينِ بالصَواب ، لأنَا لم نسمع له في فتنة مسعود وأمر المختار بذكرٍ) (337) .
  لكن مع ذلك فقد اتّفقوا على مدّة حياته، فقالوا : عاش خمساً وثمانين سنةً (338) .
  عاشها (رضي الله عنه) صابراً ممتحناً، حتى قيل إنَهُ قال :

تـــعــوّدتُ مـــــسَ الـــضــرِّ حــتــى ألــفـتـهُ           وأسـلـمـنـي طـــولُ الــبـلاءِ إلـــى الـصـبـرِ

ووسَـــــع صــــدري لــــلأذى كــثــرةُ الأذى           وكـــان قـديـمـاً قـــد يـضـيـقُ بـــه صـــدرِي

إذا أنـــاَ لـــم أقــبـل مـــن الـدَهـر كــلَ مــا           أُلاقيهِ منه طال عتبي على الدّهرِ
(339)


المصادرُ والمراجعُ

  ـ القرآنُ الكريمُ.
  ـ آغا بزرك، محمّد حسن الطهراني (ت 1389 هـ) .
  1 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2009 م، 1430 هـ .
  ـ الآلوسي، محمود البغدادي (ت 127 هـ) .
  2 ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (مكتبة أهل البيت (ع) الإلكترونيّة) .
  ـ الأبطحي، السيّد محمّد علي.
  3 ـ تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النّجاشيّ، ابن المؤلّف السيّد محمّد، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 141 هـ .
  ـ ابن الأثير، أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني (ت 630 هـ) .
  4 ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
  5 ـ اللُباب في تهذيب الأنساب، دار صادر ، بيروت.
  6 ـ الكامل في التاريخ، دار صادر ـ بيروت، 1966 م.
  ـ ابن الأثير، أبو السعادات المبارك بن محمّد الجزري (ت 606 هـ) .
  7 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، مؤسّسة إسماعيليان، قم ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1364 ش. ق.
  ـ الإحسائي، محمّد بن علي بن إبراهيم ( 880 هـ) .
  8 ـ غوالي اللّئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، الطبعة الأولى، 1403 هـ ، 1983 م .
  ـ الأصبحي، مالك بن أنس (ت 179 هـ) .
  9 ـ المدوّنة الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.
  ـ الأصبهاني، ميرزا عبد الله أفندي (ت 1231 هـ) .
  10 ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1431 هـ ، 2010 م .
  ـ الأصفهاني، أبو الفرج عليّ بن الحسين ( 356 هـ) .
  11 ـ كتاب الأغاني، دار صادر، بيروت.
  12 ـ مقاتل الطالبيّن، منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1385 هـ ، 1965 م .
  ـ الأمين، السيّد حسن (1399 هـ) .
  13 ـ مستدرك أعيان الشيعة، دار التعارف بيروت ، الطبعة الثانية، 1418 هـ ، 1997 م .
  ـ الأمين، السيّد حسن (1371 هـ ) .
  14 ـ أعيان الشيعة، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، الطبعة الخامسة ، 1418 هـ ، 1998 م .
  ـ الأمينيّ، عبد الحسين بن أحمد النجفيّ (1392 هـ ) .
  15 ـ الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، (1397 هـ ، 1977 م .
  ـ ابن الأنباري، عبد الرحمن بن محمّد (ت 577 هـ) .
  16 ـ نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1435 هـ .
  ـ الأنصاري، الشيخ مرتضى (1281 هـ) .
  17 ـ كتاب الصلاة، المؤتمر العالمي، الطبعة الأولى، 1415 هـ .
  ـ البخاري، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 هـ) .
  18 ـ صحيح البخاري، دار الفكر ، 1401 هـ .
  ـ ابن البرّاج، القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلي (ت 481 هـ) .
  19 ـ جواهر الفقه، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1411 هـ .
  ـ البرقي، السيّد حسن بن أحمد البرقي النجفي (1332 هـ) .
  20 ـ تاريخ الكوفة، انتشارات المكتبة الحيدريّة، الطبعة الأولى، 1424 هـ .
  ـ ابن البطريق، يحيى بن الحسن الأسدي الحليّ (600 هـ) .
  21 ـ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1407 هـ .
  ـ البغدادي، عبد القادر بن عمر (ت 1093 هـ) .
  22 ـ خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب، دار الكتب العلميّة بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 2006 م.
  ـ البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 هـ) .
  23 ـ أنساب الأشراف، مؤسّسة الأعلمي بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1394 هـ ـ 1974 م .
  ـ التستري، الشيخ محمّد تقي.
  24 ـ قاموس الرجال مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1431 هـ .
  ـ التفريشيّ، السيّد مصطفى بن الحسين الحسينيّ (ت ق 11 هـ) .
  25 ـ نقد الرجال، مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1418 هـ .
  ـ ابن الجزري ، محمّد بن محمّد بن محمّد بن علي الدمشقي الشافعي (ت 833 هـ ) .
  26 ـ غاية النهاية في طبقات القرّاء، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1427 هـ ، 2006 م .
  ـ ابن الجوزيّ، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمّد (ت 597 هـ ) .
  27 ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دار الكتب العلميّة بيروت ـ لبنان، ط 1412 ، 1، 1992 م .
  ـ الجوهري، إسماعيل بن حمّاد (393 هـ ) .
  28 ـ الصحاح، تاج اللُغة وصِحاح العربيّة، دار التراث العربي، الطبعة الخامسة ، 1430 هـ .
  ـ الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ (ت 405 هـ ) .
  29 ـ معرفة علوم الحديث، دار الآفاق الحديث، بيروت، الطبعة الرابعة، 1400 هـ ، 1980 م .
  ـ ابن حِبّان، أبو حاتم محمّد بن حبّان بن أحمد التميميّ البستيّ (354 هـ ) .
  30 ـ مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1411 هـ .
  ـ ابن حجر ، أحمد بن علي العسقلاني (ت 852 هـ ) .
  31 ـ الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة، 2010 م.
  32 ـ تهذيب التهذيب في رجال الحديث، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1434 هـ ، 2013 م .
  33 ـ لسان الميزان، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1390 هـ ـ 1971 م .
  34 ـ مقدّمة فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1408 هـ ، 1988 م .
  ـ ابن أبي الحديد، عزّ الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائنيّ المعتزليّ (ت 656 هـ) .
  35 ـ شرح نهج البلاغة، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1430 هـ ، 2009 م .
  ـ الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن (ت 1104 هـ) .
  36 ـ تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414 هـ .
  37 ـ الفصول المهمّة في أصول الائمّة، مؤسّسة معارف إسلامي إمام رضا (ع) ، الطبعة الأولى، 1418 هـ .
  ـ ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (456 هـ) .
  38 ـ جمهرة أنساب العرب، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطبعة السادسة، 1434 هـ ، 2012 م .
  ـ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمّد (808 هـ) .
  39 ـ تاريخ ابن خلدون (العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر) ، مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت ـ لبنان، 1391 هـ ، 1971 م .
  ـ الخوئي، السيّد أبو القاسم الموسوي (ت 1411 هـ) .
  40 ـ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرّواة، النجف الأشرف، مكتبة الإمام الخوئي.
  ـ الخونساري، الميرزا محمّد باقر الموسوي الأصبهاني (1313 هـ) .
  41 ـ روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1431 هـ ، 2010 م .
  ـ ابن خيّاط، خليفة بن خيّاط العصفريّ البصري (ت 240 هـ) .
  42 ـ تاريخ خليفة بن خيّاط.
  ـ ابن الدمشقي، أبو البركات محمد بن احمد الدمشقي الباعوني الشافعي (871 هـ) .
  34 ـ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، قم، إيران، الطبعة الأولى، 1416 هـ .
  ـ الدميريّ، كمال الدين أبو البقاء محمّد بن موسى (ت 808 هـ) .
  44 ـ حياة الحيوان الكبرى، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1424 هـ ، 2003 م .
  ـ الذهبي، شمس الدين أحمد بن عثمان (748 هـ ) .
  45 ـ تاريخ الإسلام ، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1407 هـ ، 1987 م .
  46 ـ تذكرة الحفّاظ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
  47 ـ سير أعلام النبلاء، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1427 هـ ، 2006 م .
  ـ الراغب الأصفهاني (425 هـ ) .
  48 ـ مفردات ألفاظ القرآن، ذوي القربى، الطبعة السادسة، 1431 هـ .
  ـ الرضوي، محمّد الرضي.
  49 ـ عليٌ إمامنا وأبو بكر إمامُكم (مكتبة أهل البيت (ع) الالكترونية) .
  ـ الزبيدي، السيّد محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الحنفي (1205 هـ) .
  50 ـ تاج العروس من جواهر القاموس، 1414 هـ ـ 1994 م .
  ـ الزركلي، محمّد بن عبد الله (ت 794 هـ) .
  51 ـ البرهان في علوم القرآن، دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة الأولى، 1376 هـ ، 1957 م .
  ـ الزركلي، خير الدين (ت 1410 هـ) .
  52 ـ الاعلام ، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب المستعربين والمستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة عشرة، 2007 م.
  ـ الزرندي الحنفي، محمّد بن يوسف بن الحسن بن محمّد (ت 750 هـ) .
  53 ـ نظم درر السّمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسّبطين، سلسلة مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) ، الطبعة الأولى، 1377 هـ ، 1958 م .
  ـ زرندي، السيّد مير محمّدي.
  54 ـ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1420 هـ .
  ـ ابن زكريا، أبو الحسن أحمد بن زكريا (ت 395 هـ) .
  55 ـ معجم مقاييس اللُغة، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404 هـ .
  ـ الزمخشريّ، أبو القاسم محمود بن عمر (ت 538 هـ) .
  56 ـ ربيع الابرار ، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1412 هـ ـ 1992 م .
  ـ ابن سعد، محمّد بن منيع الزهريّ (230 هـ) .
  57 ـ الطبقات الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
  ـ السكّري، أبو سعيد الحسن (ت 290 هـ) .
  58 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي، تحقيق : محمّد حسن آل ياسين، دار ومكتبة الهلال، الطبعة الثانية، 1418 هـ ـ 1998 م .
  ـ السيّرافي، أبو سعيد الحسن بن عبد الله (ت 368 هـ) .
  59 ـ أخبار النحويينّ البصريينّ، مكتبة الثقافة الدينيّة، الطبعة الثانية، 1428 هـ ـ 2007 م .
  ـ السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) .
  60 ـ الإتقان في علوم القرآن، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1416 هـ ، 1996 م .
  61 ـ بغية الوعاة في طبقات اللّغويينّ والنّحاة، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط 1 ، 1384 هـ ، 1965 م .
  62 ـ اللُمع في أسباب ورود الحديث، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1416 هـ ، 1996 م .
  63 ـ المزهر في علوم اللّغة وأنواعها، دار الكتب العلميّة، بيروت ط 1 ، 1418 هـ ، 1998 م .
  ـ شرف الدين، السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي (ت 1377 هـ) .
  64 ـ المراجعات، الطبعة الثانية، 1402 هـ ، 1982 م .
  ـ الشريف المرتضى، عليّ بن الحُسين (ت 436 هـ) .
  65 ـ الناصريّات، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة، مديريّة الترجمة والنشر، 1417 هـ ، 1997 م .
  ـ ابن شهر آشوب ، أبو عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (588 هـ) .
  66 ـ مناقب آل أبي طالب (ع) ، منشورات المكتبة الحيدريّة، قم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1431 هـ .
  ـ الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي (ت 965 هـ) .
  67 ـ الرعاية في علم الدراية، مكتبة آية الله السيّد المرعشي النجفي، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1408 هـ .
  ـ الصدر، السيّد حسن.
  68 ـ الشيعة وفنون الإسلام.
  ـ الصدوق ، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت 381 هـ) .
  69 ـ مَن لا يحضره الفقيه، جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1404 هـ .
  ـ الصّفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت 764 هـ) .
  70 ـ الوافي بالوفيات، دار إحياء التراث العربي.
  ـ صلواتي، د. ياسين.
  71 ـ الموسوعة العربيّة الميسرّة والموسّعة، مؤسّسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1422 هـ ، 2001 م .
  ـ الطباطبائي، السيّد محمّد حسن (ت 1402 هـ) .
  72 ـ الشيعة في الإسلام.
  ـ الطبري، أبو جعفر محمّد بن جرير (ت 310 هـ) .
  73 ـ تاريخ الأمم والملوك، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، لبنان.
  ـ الطوسي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن (ت 460 هـ) .
  74 ـ رجال الطوسي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، 1415 هـ .
  ـ العاملي، يوسف بن حاتم بن موز بن مهنّد الشامي المشغري (ت 664 هـ) .
  75 ـ الدُر النظيم، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.
  ـ ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (571 هـ) .
  76 ـ تاريخ مدينة دمشق، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1407 هـ ، 1987 م .
  ـ ابن عطيّة الأندلسي (ت 546 هـ) .
  77 ـ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، دار الكتب العلميّة، الطبعة الأولى، 1413 هـ ، 1993 م .
  ـ العظيم، جميل بن مصطفى.
  78 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي (مخطوطة) مكتبة جامعة الرياض، قسم المخطوطات.
  ـ ابن العلاّمة، الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحليّ (770 هـ) .
  79 ـ إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، مؤسّسة إسماعيليان، الطبعة الأولى، 1389 هـ .
  ـ علوي، ناصر خسرو (ت 481 هـ) .
  80 ـ سفر نامة، الهيأة المصريّة العامّة للكتاب، الطبعة الثانية، 1943 م.
  ـ علي، د. جواد.
  81 ـ المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الطبعة الثانية، 1413 هـ ، 1993 م .
  ـ العلياري، ملا علي التبريزي.
  82 ـ بهجة الآمال في شرح زبدة المقال، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1431 هـ ، 2010 م .
  ـ غفاري، علي أكبر .
  83 ـ دراسات في علم الدراية (تلخيص مقباس الهداية) للعلامة المامقاني، جامعة الإمام الصادق (ع) ، الطبعة الأولى، 1369 ش .
  ـ الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد (170 أو 175 هـ) .
  84 ـ كتاب العين، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ، لبنان، الطبعة الأولى، 1408 هـ ، 1988 م .
  ـ الفيروز آبادي، مجد الدين محمّد بن يعقوب (ت 817 هـ) .
  85 ـ القاموس المحيط، إعداد وتقديم : محمّد عبد الرحمن المرعشي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1424 هـ ـ 2003 م .
  ـ ابن قتيبة، أبو محمّد عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276 هـ) .
  86 ـ الإمامة والسياسة، مؤسّسة الحلبي وشركاه.
  87 ـ عيون صحاح الأخبار، منشورات محمّد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، الطبعة الثالثة ، 1424 هـ ، 2003 م .
  ـ ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد (ت 620 هـ) .
  88 ـ المغني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
  ـ القفطي، عليّ بن يوسف (ت 624 هـ) .
  89 ـ إبناه الرواة على أنباه النحاة، المكتبة العصريّة، الطبعة الأولى، 1424 هـ ، 2004 م .
  ـ القلقشنديّ، أحمد بن عبد الله (ت 821 هـ) .
  90 ـ نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، نسخة مرقّمة آلياً.
  ـ القمّي، الشيخ عبّاس (ت 1359 هـ) .
  91 ـ الكنى والألقاب، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1434 هـ .
  ـ القمّي، الميرزا أبو القاسم (ت 1231 هـ) .
  92 ـ قوانين الأصول.
  ـ كاشف الغطاء، الشيخ محمّد حسن آل كاشف الغطاء (ت 1373 هـ) .
  93 ـ أصل الشيعة وأصولها، مؤسّسة الإمام علي (ع) ، الطبعة الأولى، 1411 هـ .
  ـ ابن كثر، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (774 هـ) .
  94 ـ البداية والنهاية، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408 هـ ـ 1988 م .
  ـ الكلينيّ، ثقة الإسلام ابو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الرازي (ت 329 هـ) .
  95 ـ الكافي، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، الطبعة الثالثة، 1363 ش.
  ـ مؤسّسة آل البيت.
  96 ـ مجلّة تراثنا، العدد الثالث (28) ، السنة السابعة، 1412 هـ ، مؤسّسة آل البيت (ع) إحياء التراث، قم المشرّفة.
  ـ ابن ماكول، أبو نصر علي بن هبد الله (ت 475 هـ) .
  97 ـ إكمال الكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، دار إحياء التراث العربي.
  ـ المامقاني، الشيخ عبد الله (ت 1351 هـ) .
  98 ـ الفوائد الرجاليّة من تنقيح المقال في علم الرجال، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1431 هـ .
  ـ المتّقي الهندي، علاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي (ت 975 هـ) .
  99 ـ كنز العماّل، مؤسّسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1409 هـ ، 1989 م .
  ـ المجلسي، الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي (ت 1111 هـ ) .
  100 ـ بحار الأنوار، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1429 هـ ، 2008 م .
  ـ محمّد، السيّد هاشم.
  101 ـ أبو الأسود الدؤلي، المجمع العالمي لأهل البيت (ع) ، الطبعة الأولى، 1416 هـ ، 1995 م .
  ـ المرتضى، أبو القاسم علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين (ت 436 هـ) .
  102 ـ أمالي السيّد المرتضى، مكتبة آية الله السيّد المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1325 هـ ، 1907 م .
  103 ـ رسائل الشريف المرتضى، دار إحياء القرآن الكريم، قم، 1405 هـ .
  ـ المرزباني، أبو عبد الله محمّد بن عي (ت 384 هـ) .
  104 ـ نور القبس، كتاب مرقّم آليّاً.
  ـ المرعشي النجفي، السيّد شهاب الدّين الحسيني (ت 1411 هـ) .
  105 ـ شرح إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل ، (للعلاّمة القاضي نور الله الحسيني المرعشي التستري) ، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، إيران.
  ـ مركز الرسالة.
  106 ـ الصحابة في القرآن والسُنة والتاريخ، مركز الرسالة، قم، إيران، الطبعة الأولى، 1419 هـ .
  ـ المزّي، جمال الدين أبي الحجّاج يوسف (ت 742 هـ) .
  107 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1413 هـ ، 1992 م .
  ـ المنصوري، د. نزار عبد المحسن.
  108 ـ النصرة لشيعة البصرة، الذاكرين، الطبعة الأولى، 1423 هـ .
  ـ ابن منظور، محمّد بن مكرم (ت 711 هـ) .
  109 ـ لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1431 هـ ، 2010 م .
  ـ الميانجي، علي الأحمدي.
  110 ـ مواقف الشيعة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1416 هـ .
  ـ الميلاني، السيّد علي الحسينيّ.
  111 ـ الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1413 هـ .
  ـ النوري، الميرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1320 هـ) .
  112 ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1408 هـ ـ 1988 م .
  ـ النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف (ت 676 هـ ) .
  113 ـ شرح صحيح مسلم، دار الكتاب العربي ، بيروت ـ لبنان ، 1407 هـ ـ 1987 م .
  ـ وكيع، محمّد بن خلف (306 هـ) .
  114 ـ أخبار القضاة، بيروت، عالم الكتب.
  115 ـ ياقوت، الحموي (ت 526 هـ) .
  116 ـ معجم الأدباء، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1430 هـ ـ 2009 م .

الهوامش

  1 ـ وَردَ هذا الوصف في جوابِ أمير المؤمنين (ع) على كتابٍ أرسله إليه أبو الأسود الدؤليّ فجاء فيه : (أمَا بعدُ فقد فهِمتُ كتابَك، ومثلُك نَصَحَ الإمامَ والأمَة، ووالى على الحقِ، وفارَقَ الجَور) . أنساب الأشراف، البلاذريّ : ص 169 .
  2 ـ الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر : 3 / 455 .
  3 ـ إنباه الرّواة على أنباه النُحاة، القفطي : 1 / 56 .
  4 ـ لسان العرب، ابن منظور: 3 / 208 .
  5 ـ شرح صحيح مسلم، (النووي) : 2 / 96 .
  6 ـ لسان العرب : 3 / 208 .
  7 ـ شرح صحيح مسلم : 2 / 96 .
  8 ـ القاموس المحيط، الفيروزآبادي : ص 917 .
  9 ـ لسان العرب : 3 / 208 .
  10 ـ القاموس المحيط : ص 917 .
  11 ـ مقدّمة فتح الباري : ص 214 ، الشيعة وفنون الإسلام، السيّد حسن الصدر : ص 149 .
  12 ـ يُنظر : القاموس المحيط : ص 917 .
  13 ـ يُنظر : م. ن .
  14 ـ سير أعلام النبلاء، الذهبيّ : 3 / 427 .
  15 ـ يُنظر : تاج العروس، الزَبيدي : 4 / 225 .
  16 ـ لسان العرب : 11 / 234 .
  17 ـ م.ن : 3 / 208 .
  18 ـ شرح صحيح مسلم : 2 / 96 .
  19 ـ الصّحاح، اجوهريّ : 4 / 1025 .
  20 ـ يُنظر : لسان العرب : 3 / 208 .
  21 ـ اللُباب في تهذيب الأنساب، ابن الأثير الجزريّ : 1 / 514 .
  22 ـ إكمال الكمال ، ابن ماكولا : 3 / 347 .
  23 ـ لسان العرب : 3 / 208 .
  24 ـ تاج العروس : 14 / 225 .
  25 ـ يُنظر : سير أعلام النبلاء : 3 / 427 .
  26 ـ جمهرة أنساب العرب، ابن حزم : ص 185 .
  27 ـ إنباه الرّواة : ص 50 .
  28 ـ الإصابة : 3 / 454 ـ 455 .
  29 ـ ينظر : م . ن : ص 455 .
  30 ـ أبو الأسود الدؤلي : ص 5 .
  31 ـ إكمال الكمال : 3 / 348 .
  32 ـ ينظر : م.ن .
  33 ـ نور القبس، المرزباني : ص 5 .
  34 ـ سيِرَ أعلام النبلاء : 3 / 425 .
  35 ـ يُنظر : المزهر للسيوطي : 2 / 461 ، وينظر : أبو الأسود الدؤلي : ص 14 .
  36 ـ يُنظر : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي : 6 / 98 ، الكامل، ابن الأثير : 4 / 305 ، وفَيات الأعيَان، ابن خلّكان : 1 / 443 ، سير أعلام النبلاء : 3 / 427 ، حياةُ الحيوان، للدميريّ : 436 .
  37 ـ وفيات الأعيان : 1 / 443 .
  38 ـ ينظر : المنتظم : 6 / 98 .
  39 ـ يُنظر : الكامل في التاريخ : 4 / 305 .
  40 ـ يُنظر : وفيات الأعيان : 1 / 443 .
  41 ـ يُنظر : سير أعلام النبلاء : 3 / 427 .
  42 ـ يُنظر : روضات الجنّات، الخوانساريّ : 4 / 166 .
  43 ـ يُنظر : معجم الأدباء، الحموي : 5 / 134 .
  44 ـ يُنظر : رياض العلماء وحياض الفضلاء، الشيخ عبد الله الأفندي : 3 / 25 .
  45 ـ يُنظر : اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي : 2 / 475 .
  46 ـ يُنظر : تاريخ الكوفة، السيّد حسن البرقيّ النجفيّ : ص 481 .
  47 ـ يُنظر : أبو الأسود الدؤلي : ص 12 .
  48 ـ أبو الأسود الدؤلي : ص 11 .
  49 ـ البداية والنهاية، ابن كثير : 8 / 228 .
  50 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  51 ـ مشاهير علماء الأمصار، ابن حبّان : ص 144 .
  52 ـ الأغاني : 12 / 243 ، وينظر : تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر : 25 / 211 ، مع اختلاف في اللّفظ، إذْ أورد : ( ويُقال : إنَ أبا الأسود مات قبل الطاعون، وهو أشبهها ، لأنّا لم نسمع له في فتنة مصعب وابن المختار خبراً) ، ولعلّ في نقله ( ابن المختار) تصحيفٌ عن (أمر المختار) ، كما في رواية الأصفهاني، وينظر ـ أيضاً ـ : وفيات الأعيان : 1 / 443 ، وسر أعام النبلاء : 3 / 427 .
  53 ـ ينظر : سير أعلام النبلاء : 3 / 425 ، وتاريخ الإسام : 5 / 278 .
  54 ـ يُنظر : سير أعلام النبلاء : 3 / 425 .
  55 ـ ينظر : تاريخ مدينة دمشق : 25 / 184 ، تاريخ الإسلام، للذهبي : 5 / 278 .
  56 ـ كتاب العين : 3 / 124 .
  57 ـ الصحاح : 1 / 97 .
  58 ـ مفردات ألفاظ القرآن : ص 440 .
  59 ـ الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ، مركز الرسالة : ص 10 .
  60 ـ الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ : ص 13 .
  61 ـ صحيح البخاري : 4 / 188 .
  62 ـ أضواء على السنة المحمّدية، حمود أبو ريّة : ص 241 .
  63 ـ الإصابة : 1 / 158 .
  64 ـ يُنظر : الصحابة في القرآن والسُنة والتاريخ : ص 14 .
  65 ـ معرفة علوم الحديث : ص 24 .
  66 ـ الصحابة في القرآن والسنّة والتاريخ : ص 13 .
  67 ـ م.ن : ص 13 .
  68 ـ م.ن : ص 13 .
  69 ـ م.ن : ص 16 .
  70 ـ الرعاية في علم الدّراية، للشهيد الثاني : ص 339 ، دراسات في علم الدراية، علي أكبر غفاري : ص 201 ، الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة، السيّد علي الميلاني : ص 463 .
  71 ـ ينظر : الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة : هامش ص 463 .
  72 ـ يُنظر : تهذيب المقال، للأبطحي : 1 / شرح ص 213 .
  73 ـ الشيعة في الإسلام، للسيّد محمّد حُسن الطباطبائي : ص 82 .
  74 ـ ينظر : الرّعاية في علم الدّراية : ص 342 .
  75 ـ سير أعلام النبلاء : 3 / 425 .
  76 ـ ينظر : نهاية الأَرَب في معرفة أنساب العرب : ص 236 ، رقم (149) نسخة مرقّمة آليّاً) .
  77 ـ الأغاني : 12 / 215 .
  78 ـ م.ن : 12 / 215 .
  79 ـ أُسد الغابة، ابن الأثير : 3 / 70 .
  80 ـ رياض العلماء : 3 / 43 .
  81 ـ رياض العلماء : 3 / 44 .
  82 ـ م. ن : 3 / 44 .
  83 ـ مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب : 4 / 142 .
  84 ـ ذكر صاحبُ كتاب عليّ إمامنا وأبو بكر إمامكم أنّ الراوي هو أبو الأسود الدؤلي، ينظر : ص 226 .
  85 ـ شرح نهج البلاغة : 2 / 292 ـ 293 ، بحار الأنوار : 28 / 356 .
  86 ـ أصلُ الشيعة وأصولها، محمّد حسن كاشف الغطاء : ص 325 .
  87 ـ الطبقات الكبرى، ابن سعد : 7 / 49 .
  88 ـ الأغاني : 12/ 215 .
  89 ـ الناريّات : هامش ص 423 .
  90 ـ جواهر الفقه : ص 10 .
  91 ـ سير أعلام النبلاء : 3 / 425 .
  92 ـ الوافي بالوفيات، الصفديّ : 6 / 305 .
  93 ـ الموسوعة العربيّة الميسرة والموسّعة، د. ياسن صلواتي : 1 / 150 .
  94 ـ روضات الجنّات : 4 / 163 .
  95 ـ نقد الرجال : 2 / 435 .
  96 ـ رياض العلماء : 3 / 25 .
  97 ـ معجم رجال احديث، السيّد الخوئي : 10 / 186 ـ 187 .
  98 ـ الأغاني : 12 / 239 .
  99 ـ الأغاني : 12 / 233 ، والأبيات في : ديوان أبي الأسود الدؤلي، تحقيق : الشيخ محمّد حسن آل ياسن : ص 153 ـ 154 .
  100 ـ روضات الجنّات : 4 / 168 .
  101 ـ ربيع الأبرار، الزمخشري : 4 / 223 .
  102 ـ ديوان أبي الأسود، تحقيق محمّد حسن آل ياسن : ص 334 .
  103 ـ رياض العلماء : 3 / 41 .
  104 ـ روضات الجنّات : 4 / 168 .
  105 ـ ينظر : الأغاني : 12 / 239 ، والأبيات في الدّيوان : ص 152 .
  106 ـ الأغاني : 12 / 230 ، والأبيات في الديوان : ص 100 ، ولكن رواية البيتين الاخيرين هكذا :

أمــيـرانِ كـانـا صـاحـبيَ كـلاهـما           فـكلٌ جـزاهُ اللهُ عـنِي بـما عـملْ

فـإنْ كـان خـيراً كـان خـيراً جزاؤهُ           وإنْ كان شرَاً كان شرَاً كما فعَلْ

  107 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 178 .
  108 ـ يُنظر : الأغاني : 12 / 233 ، وقد أوردنا الأبيات كاملةً في صفحة (32) من البحث .
  109 ـ مناقب آل لأبي طالب : 7 / 500 .
  110 ـ الأغاني : 12 / 239 .
  111 ـ مقاتل الطالبيّن، الأصفهاي : ص 56 .
  112 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 208 ، وفي عجز البيت الأخير خللٌ عروضيٌ، ولعلّ الصواب :
....إذا وقفت إلى يومِ التنادِ
  كما أوردها ابن عساكر في الكتاب نفسه في الجزء 37 ، الصفحة 451 ، والأبيات في الديوان : ص 336 ، ولهما تتمّة .
  113 ـ ينظر : رياض العلماء : 3 / 41 .
  114 ـ قاموس الرجال، التستريّ : 5 / 581 .
  115 ـ الأبياتُ كاملةً في الدّيوان : ص 156 ـ 157 .
  116 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 177 .
  117 ـ نور القبس، للمرزباني : ص 10 ، مواقف الشيعة، الأحمدي الميانجي : 2 / 410 .
  118 ـ ينظر : الأغاني : 12 / 233 .
  119 ـ الأغاني : 12 / 230 ، وتقدّمت روايتُها عن الدّيوان في صفحة 36 من البحث .
  120 ـ الأغاني : 12 / 227 ، وتُنظر رواية الأبيات في الدّيوان : ص 145 ، و 286 ، و 436 .
  121 ـ تاريخ الطبري : 4 / 108 .
  122 ـ الطبقات الكبرى : 7 / 49 .
  123 ـ الأغاني : 12 / 215 .
  124 ـ جمهرة أنساب العرب : ص 185 .
  125 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  126 ـ وفيات الأعيان : 1 / 441 .
  127 ـ سير أعلام النبلاء : 3 / 425 .
  128 ـ الوافي بالوفيات : 16 / 305 .
  129 ـ تهذيب التهذيب في رجال الحديث، ابن حجر : 7 / 286 .
  130 ـ خزانة الأدب، البغداديّ : 1 / 277 .
  131 ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء : 3 / 24 ـ 25 .
  132 ـ روضات الجنّات : 4 / 136 .
  133 ـ نقد الرجال : 2 / 435 .
  134 ـ معجم رجال الحديث : 10 / 186 ـ 187 .
  135 ـ ينظر : قاموس الرجال : 5 / 579 .
  136 ـ المنتظم : 6 / 97 ، وينظر : إنباه الرّواة، للقفطي : 1 / 39 ، معجم الأدباء : 14 / 49 ، وسير أعلام النبلاء : 4 / 84 ، وتاريخ الإسلام : 5 / 279 ، والرابط المستقيم، للبياضي : 1 / 220 ، وكنز العماّل، للمتقي الهندي : 10 / 283 ، وشرح إحقاق الحقّ، السيّد المرعشي : 17 / 533 .
  137 ـ يُنظر : نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء : ص 31 .
  138 ـ يُنظر : أخبار النحويينّ البصريينّ، السيرافيّ : ص 15 .
  139 ـ يُنظر : الفصول المهمّة في أصول الأئمّة، الحُرّ العاملي : 1 / 683 .
  140 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 193 .
  141 ـ يُنظر : م.ن : 7 / 397 .
  142 ـ ينظر : تاريخ مدينة دمشق : 25 / 190 .
  143 ـ أعيان الشيعة : 1 / 162 .
  144 ـ رياض العلماء : 3 / 44 .
  145 ـ رياض العلماء : 3 / 43 .
  146 ـ وفيات الأعيان : 1 / 442 .
  147 ـ مناقب آل أبي طالب : 4 / 142 .
  148 ـ الشيعة وفنون الإسلام : ص 157 .
  149 ـ مناقب آل أبي طالب : 4 / 142 .
  150 ـ النهاية في غريب الحديث : 2 / 291 ، لسان العرب : 10 / 161 .
   151 ـ إبناه الرّواة على أنباه النحاة : 1 / 51 .
  152 ـ أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي، فتحي الدجني : ص 13 ـ 14 .
  153 ـ يُنظر : مجلّة تراثنا، الإعراب في اصطلاح النحاة، السيّد علي حسن، العدد الرابع، السنة الثامنة : 33 / 257 .
  154 ـ يُنظر : معجم مقياس اللّغة : 4 / 299 ، مادّة (عرب) ، وينظر : الصّحاح : 1 / 179 .
  155 ـ لسان العرب : 1 / 591 .
  156 ـ تاج العروس : 2 / 251 . مادة (عرب) .
  157 ـ أبو الأسود الدؤلي : ص 48 ـ 49 .
  158 ـ نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء : ص 20 .
  159 ـ الأغاني : 12 / 216 .
  160 ـ الأغاني : 12 / 216 .
  161 ـ يُنظر : أخبار النحويين البصريين : ص 17 .
  162 ـ الأغاني : 122 / 216 .
  163 ـ الوافي بالوفيات : 16 / 307 .
  164 ـ الأغاني : 12 / 215 ـ 216 .
  165 ـ مناقب آل أبي طالب : 4 / 142 .
  166 ـ روضات الجنّات : 4 / 173 .
  167 ـ تقدّمت مصادر الرواية في صفحة (47) من البحث.
  168 ـ تاريخ مدينة دمشق : 19 / 170 .
  169 ـ ينظر : سفر نامة : ص 166 .
  170 ـ ينظر : تاريخ خليفة بن خيّاط : ص 135 .
  171 ـ الأغاني : 12 / 216 ـ 217 .
  172 ـ روضات الجنّات : 4 / 164 .
  173 ـ أخبار النحويين البصريينّ : ص 18 .
  174 ـ الإتقان في علوم القرآن، السّيوطي : 2 / 171 .
  175 ـ نقلاً عن : البرهان، للزركشي : 1 / 250 .
  176 ـ تفسير الآلوسي : 13 / 103 .
  177 ـ يُنظر : تهذيب الكمال، المزِي : 32 / 54 .
  178 ـ ينظر : الإتقان في علوم القرآن : 2 / 454 .
  179 ـ ينظر : تذكرة الحفّاظ، الذهبي : 1 / 75 ، تاريخ الإسلام : 6 / 502 .
  180 ـ ينظر : المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي : 8 / 187 .
  181 ـ الإتقان في علوم القرآن : 2 / 171 .
  182 ـ يُنظر : بغية الوعاة، السيوطيّ : 2 / 22 .
  183 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  184 ـ المحرَر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز : 1 / 50 .
  185 ـ الأعلام : 3 / 237 .
  186 ـ ينظر : أخبار النحويينّ البصريينّ : ص 16 ـ 17 .
  187 ـ الأغاني : 12 / 216 .
  188 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  189 ـ وفيات الأعيان : 16 / 307 .
  190 ـ وفيات الأعيان : 16 / 307 .
  191 ـ روضات الجنّات : 4 / 165 .
  192 ـ الموسوعة العربيّة الميسرّة والموسّعة : 1 / 150 ـ 151 .
  193 ـ الإتقان في علوم القرآن : 2 / 171 .
  194 ـ بغية الوعاة : 2 / 22 .
  195 ـ المفصّل في تاريخ العرب : 8 / 190 .
  196 ـ الإصابة : 3 / 456 .
  197 ـ جواهر الفقه : ص 11 .
  198 ـ ينظر كتاب الصلاة : 1 / 354 .
  199 ـ ينظر قوانين الأصول : ص 405 .
  200 ـ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه : ص 160 .
  201 ـ عيون صحاح الأخبار : ص 10 .
  202 ـ الأغاني : 12 / 217 .
  203 ـ نور القبس : ص 5 .
  204 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 200 .
  205 ـ الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة : 9 / ق 1 ، ص 35 .
  206 ـ الموسوعة العربيّة الميسرّة والموسّعة : 1 / 151 .
  207 ـ ديوان أبي الأسود الدّؤلي، جامعة الرياض، قسم المخطوطات.
  208 ـ كانت طبعتُه الثانية عن دار ومكتبة الهلال، 1418 هـ ـ 1998 م .
  209 ـ الوافي بالوفيات : 16 / 306 .
  210 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  211 ـ الأغاي : 12 / 241 .
  212 ـ الأغاني : 12 / 218 .
  213 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  214 ـ خزانة الأدب : 8 / 569 ، وأعيان الشيعة : 7 / 404 .
  215 ـ الكافي : 1 / 467 ، ومناقب آل أبي طالب : 3 / 305 .
  216 ـ نظم درر السّمطن : ص 225 .
  217 ـ نور القبس : ص 6 .
  218 ـ نور القبس : ص 15 .
  219 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي، تحقيق : محمّد حسن آل ياسن : ص 355 .
  220 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي، صنعة السكّري (مخطوط) : ص 17 .
  221 ـ الديوان (المخطوط) : ص 17 .
  222 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي : ص 20 .
  223 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي : ص 25 ـ 26 .
  224 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي : ص 31 ـ 32 .
  225 ـ م . ن : ص 32 .
  226 ـ نور القبس : ص 8 .
  227 ـ روضات الجنّات : 4 / 175 .
  228 ـ نفسه : 4 / 164 .
  229 ـ إنباه الرّواة : 1 / 50 .
  230 ـ غاية النهاية في طبقات القرّاء ، ابن الجزري : 1 / 314 .
  231 ـ الفصول المهمّة في أصول الأئمّة : 1 / 683 .
  232 ـ كتاب الصلاة : 1 / 368 .
  233 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  234 ـ تهذيب التهذيب : 7 / 286 .
  235 ـ لسان الميزان : 6 / 78 .
  236 ـ يُنظر : رجال الشيخ الطوسي : ص 70 .
  237 ـ م . ن : ص 95 .
  238 ـ م . ن : ص 102 .
  239 ـ يُنظر : رجال الشيخ الطوسي : ص 116 .
  240 ـ المغني : 10 / 249 .
  241 ـ المدوّنة الكبرى : 1 / 123 ، وكنز العمال : 8 / 236 .
  242 ـ وسائلُ الشِيعة : 26 / 14 ، رقم 8 .
  243 ـ مَن لا يحضره الفقيه : 4 / 334 ، حديث 572 .
  244 ـ الأغاني : 12 / 215 .
  245 ـ الإصابة في تمييز الصحابة : 3 / 455 .
  246 ـ ينظر : رجال النجاشي : ص 243 ، معجم رجال الحديث : 11 / 46 .
  247 ـ رسائل المرتضى : 2 / 180 .
  248 ـ الإغذاذ : الإسراع في السيّر . كتاب العين : 4 / 344 .
  249 ـ مأخوذة من القَوَد : أي القصاص : (بمعنى اقتصّوا) ، ينظر : القاموس المحيط : ص 297 .
  250 ـ شرح نهج البلاغة : 9 / 311 .
  251 ـ الأمالي : 1 / 212 .
  252 ـ الأمالي : 1 / 212 .
  253 ـ الدّرّ النظيم : ص 357 .
  254 ـ تاريخ الطبري : 4 / 58 .
  255 ـ الإمامة والسياسة : 1 / 122 .
  256 ـ تاريخ الطبري : 4 / 56 .
  257 ـ أخبار القضاة : 1 / 228 .
  258 ـ الأغاني : 12 / 218 ، وينظر : خزانة الأدب : 1 / 277 ، بهجة الآمال : 5 / 65 .
  259 ـ أخبار القضاة : 1 / 289 .
  260 ـ أخبار القضاة : 1 / 287 .
  261 ـ م . ن : 1 / 287 .
  262 ـ ينظر : تاريخ خليفة بن خيّاط : ص 151 .
  263 ـ ينظر : الكامل في التاريخ : 3 / 451 .
  264 ـ ينظر : أنساب الأشراف : ص 171 .
  265 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 196 .
  266 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 196 .
  267 ـ تاريخ الطبري : 4 / 105 .
  268 ـ أخبار القضاة : 1 / 288.
  269 ـ المغني : 1 / 348 .
  270 ـ روي بالزّاي ، مزير : شديد القلب، ويروى : أسد مزيرُ، الصحاح : 2 / 815 ، تاج العروس : 7 / 481 .
  271 ـ أخبار القضاة : 1 / 288 .
  272 ـ م . ن : 1 / 288 .
  273 ـ المغني : 11 / 479 ، عوالي اللّئالي : 2 / 343 ، مستدرك الوسائل : 17 / 359 .
  274 ـ إيضاح الفوائد (ابن العلاّمة) : 4 / شرح، ص 304 .
  275 ـ ينظر : إيضاح الفوائد : 4 / شرح، ص 304 .
  276 ـ تاريخ الطبري : 4 / 85 .
  277 ـ تاريخ الطبري : 4 / 84 .
  278 ـ أنساب الأشراف : ص 169 .
  279 ـ أخبار القضاة : 1 / 228 .
  280 ـ تاريخ مدينة دمشق : 19 / 170 .
  281 ـ ينظر : تاريخ الطبري : 4 / 105 .
  282 ـ ينظر : م . ن : 4 / 105 .
  283 ـ ينظر : شرح نهج البلاغة : 3 / شرح، ص 19 .
  284 ـ ينظر : تاريخ الطبري : 4 / 94 .
  285 ـ نهج البلاغة : 3 / رح، ص 19 .
  286 ـ الطبقات الكبرى : 7 / 49 .
  287 ـ الأغاني : 12 / 215 .
  288 ـ وفيات الأعيان : 1 / 443 .
  289 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  290 ـ الوافي الوفيات : 16 / 306 .
  291 ـ الإصابة : 3 / 455 .
  292 ـ خزانة الأدب : 1 / 277 .
  293 ـ الأعلام : 3 / 134 .
  294 ـ روضات الجنات : 4 / 166 .
  295 ـ رياض العلماء : 3 / 27 .
  296 ـ بحار الأنوار : 32 / 139 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 226 .
  297 ـ يُنظر : شرح نهج البلاغة : 9 / 314 ، الغدير : 3 / 232 .
  298 ـ يُنظر : شرح نهج البلاغة : 9 / 313 .
  299 ـ كنز العمال : 11 / 330 .
  300 ـ تاريخ الإسلام : 5 / 276 ، سير أعلام النبلاء : 3 / 425 .
  301 ـ الوافي بالوفيات : 16 / 305 .
  302 ـ تهذيب التهذيب : 7 / 286 .
  303 ـ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب : 2 / 49 .
  304 ـ روضات الجنّات : 4 / 166 .
  305 ـ رياض العلماء : 3 / 25 .
  306 ـ الأعلام : 3 / 237 .
  307 ـ تاريخ ابن خلدون : 2 / ق 2 ، ص 179 .
  308 ـ تاريخ الطبري : 4 / 58 .
  309 ـ البداية والنهاية : 7 / 317 .
  310 ـ الذريعة : 1 / 341 .
  311 ـ يُنظر : النصرة لشيعة البصرة، نزار المنصوري : ص 94 ـ 95 .
  312 ـ وفيات الأعيان : 1 / 443 .
  313 ـ المراجعات، السيّد عبد الحسن شرف الدِين : ص 181 .
  314 ـ الأغاني : 12 / 222 .
  315 ـ الأغاني : 12 / 221 ـ 222 .
  316 ـ التبذّل : لبس البِذلة، وهي ثوب الخِدمة والأعمال، البِذْلة والمِبذلة : ما يُمتهنُ من الثياب، وابتذال الثوب وغيرُه : امتهانُهُ، والتبذّل : ترك التصاون . الصحاح : 4 / 991 .
  317 ـ الأغاني : ص 240 ـ 241 .
  318 ـ الخِبُ، بالفتح والكسر : الرجل الخدّاع الجربز . الصحاح : 1 / 117 .
  319 ـ الأغاني : 12 / 238 .
  320 ـ اللِقحة : الناقة الحلوب غزيرة اللّبن، لسان العرب : 8 / 80 .
  321 ـ الأغاني : 12 / 229 .
  322 ـ الأغاني : 12 / 227 ـ 228 .
  323 ـ الأغاني : 12 / 231 .
  324 ـ الأغاني : 12 / 233 .
  325 ـ الأغاني : 12 / 219 .
  326 ـ الأغاني : 12 / 223 .
  327 ـ يترى في العمل : إذا تراخى في العمل، فعمل شيئاً بعد شيء . لسان العرب : 5 / 275 .
  328 ـ الأجدل : الصّقر، لسان العرب : 14 / 341 ، الحِدية : الحِدأ، جمع حِدَأَة، وهي الطائرُ المعروف . لسان العرب : 2 / 328 .
  329 ـ تاريخ مدينة دمشق : 25 / 177 ـ 179 ، وينظر : الغدير : 2 / 145 ـ 148 .
  330 ـ لأَى لأْياً، أي أبطأ . الصحاح : 5 / 1467 ، والمعنى : لا تنصرف عنه بإبطائك .
  331 ـ بحار الأنوار : 44 / 120 ـ 122 .
  332 ـ تاريخ مدينة دمشق : 55 / 199 .
  333 ـ أبو الأسود الدؤلي : ص 74 .
  334 ـ تهذيب التهذيب : 7 / 286 .
  335 ـ معجم الأدباء : 5 / 134 .
  336 ـ الأغاني : 12 / 243 .
  337 ـ الأغاني : 12 / 243 .
  338 ـ ينظر : الأغاني : 12 / 243 . سير أعلام النبلاء : 3 / 427 ، وفيات الأعيان : 1 / 443 .
  339 ـ ديوان أبي الأسود الدؤلي : ص 15 .